الكتاب: المستشرقون والسُنَّة المؤلف: الأستاذ الدكتور سعد المرصفي الناشر: مكتبة المنار الإسلامية ومؤسسة الريَّان، بيروت - لبنان الطبعة: بدون تاريخ عدد الأجزاء: 1   أَعَدَّهُ للشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المستشرقون والسُنَّة سعد المرصفي الكتاب: المستشرقون والسُنَّة المؤلف: الأستاذ الدكتور سعد المرصفي الناشر: مكتبة المنار الإسلامية ومؤسسة الريَّان، بيروت - لبنان الطبعة: بدون تاريخ عدد الأجزاء: 1   أَعَدَّهُ للشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] دفاع عن الحديث النبوي [1] المُسْتَشْرِقُونَ والسُنَّةُ تأليف الدكتور سعد المرصفي مكتبة المنار الإسلامية ومؤسسة الريَّان، بيروت - لبنان. الطبعة: بدون تاريخ. عدد الأجزاء: 1. أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه. [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 دفاع عن الحديث النبوي في ضوء أصول التحديث رواية ودراية ورد الشبهات ودحض المفتريات [1] المستشرقون والسُنَّة تأليف الدكتور سعد المرصفي مكتبة المنار الإسلامية ومؤسسة الريَّان، بيروت - لبنان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 مقدمة: الحياة صراع بين الحق والباطل .. وشاءت إرادة الله أنْ يُبتلَى المؤمنون، وأنْ تتنوَّع صُنُوف الابتلاء، وأنْ تكون الغلبة للذين يثبتون ويصمدون، وهذا الثبات يَهِبُ النفوسَ قوَّةً، ويرفعها عن ذواتها، فيصفو عنصرها ويضيء، ويَهِبُ العقيدة عُمقاً وحيويَّة، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها! وقد ابتُلِيَ المسلمون من قديم الزمان بأعداء ألدَّاء، كادوا ما وسعهم الكيدُ، وحاكوا المؤامرات والدسائس للقضاء على الإسلام، وذهاب دولته. حينما تلألأت في أعينهم عقيدة هذه الأمَّة، لا يألون في ذلك جهداً، ولا يدَّخرون وسعاً! وجاهروا بالعداء والمعالنة بالخصومة أحياناً، واستعملوا أساليب الدَسِّ والخديعة أحياناً أخرى، ووجَّهُوا سهامهم أولاً إلى التشكيك في القرآن الكريم، وفاتهم أنه قد روعي في تسميته قرآنا كونه متلواً بالألسن، وفي تسميته كتاباً كونه مُدَوَّناً بالأقلام، وأنَّ كلتا التسميتين - كما يقول المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز (1) من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه، وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أنَّ من حَقِّهِ العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور معاً، أنْ تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .. وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمَّة اقتداء بنبيِّها بقي القرآن محفوظاً في حرز حريز، إنجازاً لوعد الله الذي تكفَّل بحفظه، حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2).   (1) " النبأ العظيم ": ص 12 - 14 بتصرف. (2) [الحجر: 9]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفَّل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس فقال تعالى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} (1). والسِرُّ في هذه التفرقة أنَّ سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، وأنَّ هذا القرآن جيء به مُصَدِّقاً لما بين يديه من الكتب ومُهيمناً عليها، فكان جامعاً لما فيها من الحقائق الثابتة، زائداً عليها بما شاء الله زيادته، وكان ساداً مسدها، فقضى أنْ يبقى حُجَّة إلى قيام الساعة. ولكن أتباع الكتب الماضية، وغيرهم مِمَّن هم أشد عداء وانحرافاً، قد حاولوا معاً جاهدين التشكيك في هذا الكتاب حقداً وحسداً، وقدروا على تزوير بعض الأحداث، وتقديم العملاء في صور برَّاقة أخَّاذة، ولكنها لم تلبث أنْ تكشف زيفها، ومع كل هذا لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه، حين بعدوا عنه، وأصبحوا بعد أنْ نبذوا تحكيمه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل، لا يدفع ولا يمنع ولا ينفع، فدلَّ هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب، وشهد هذا الواقع بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم. ومن ثم توجَّهُوا إلى السُنَّة النبوية واتَّخذوا للوصول إلى غايتهم الدنيئة أساليب متعددة!، وجاء المُبَشِّرُون والمستشرقون فأخذوا طُعُونَ هؤلاء وأولئك ونفخوا فيها، وزادوا ما شاء لهم هواهم أنْ يزيدوا، مع الاستمرار في محاولاتهم الفاشلة في اتجاهات متوازية، تتمثل فيما يأتي (2): 1 - محاربة الإسلام والبحث عن نقاط ضعف متوهِّمة فيه، وإبرازها والزعم بأنه دين مأخوذ من اليهودية والنصرانية .. ! 2 - حَجْبُ حقائق الإسلام عن غير المسلمين، ومحاولة تحذيرهم من معرفته .. ! 3 - التبشير ومحاولة إخراج المسلمين عن دينهم .. !   (1) [المائدة: 44] (2) انظر " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 72، و " دائرة المعارف الإسلامية ": 13/ 390 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ولعل أشدَّ المُسْتَشْرِقِينَ خطراً، وأطولهم باعاً (1)، وأكثرهم خُبثاً وإفساداً في هذا الميدان، هو المُسْتَشْرِقُ اليهودي المَجَرِي «جُولْدْتسِيهِرْ» الذي عُدَّ شيخ المُسْتَشْرِقِينَ في الجيل الماضي، ولا تزال كُتُبُهُ وبُحُوثُهُ مرجعاً خصباً وهَامّاً للمستشرقين في هذا العصر، يقول عنه كاتب مادة «الحديث» في " دائرة المعارف الإسلامية " للمستشرقين: «إنَّ العلم مَدِينٌ دَيْناً كبيراً لما كتبه «جُولْدْتسِيهِرْ» في موضوع الحديث، وقد كان تأثير «جُولْدْتسِيهِرْ» على مسار الدراسات الإسلامية والاستشراقية أعظم مِمَّا كان لأيٍّ من معاصريه من المُسْتَشْرِقِينَ، فقد حَدَّدَ تحديداً حاسماً اتجاه وتطور البحث في هذه الدراسات» (2) ويلخِّصُ «بغانموللر» عمل «جُولْدْتسِيهِرْ» في هذا المجال فيقول: «كان «جُولْدْتسِيهِرْ» أعمق العارفين بعلم الحديث النبوي!، وقد تناول في القسم الثاني من كتابه: " دِرَاسَاتٌ مُحَمَّدِيَّةٌ " موضوع تطوُّر الحديث تناولاً عميقاً، وراح بما له في علم عميق واطِّلاَعٍ يفوق كل وصف! - يبحث التطور الداخلي والخارجي للحديث من كل النواحي .. ! وقد قادته المُعَايَشَةُ العميقة لمادة الحديث الهائلة إلى الشَكِّ في الحديث!، ولم يَعُدْ يثق فيه مثلما كان «دُوزِي» لا يزال يفعل ذلك في كتابه " مقال في تاريخ الإسلام " وبالأحرى كان «جُولْدْتسِيهِرْ» يعتبر القسم الأعظم من الحديث بمثابة نتيجة لتطور الإسلام الديني والتاريخي والاجتماعي في القرن الأول والثاني؟!، فالحديث بالنسبة له لا يُعَدُّ وثيقة لتاريخ الإسلام في عهده الأول: عهد طفولته، وإنما هو أثر من آثار الجهود التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عصور المراحل الناضجة، لتطوُّر الإسلام! ويُصَوِّرُ «جُولْدْتسِيهِرْ» التطور التدريجي للحديث .. وكيف كان انعكاساً لروح العصر؟! وكيف عملت على ذلك الأجيال المختلفة .. ؟! وقد وَجَّهُوا شُبُهاتهم حول مفهوم السُنَّة وتدوينها، وجهالاتهم حول السند والمتن!. ومن هذا وجدت أنَّ موقف المُسْتَشْرِقِينَ من السُنَّةِ النبوية - رغم الجهود الكثيرة التي سبقت في هذا الميدان كما سيأتي - يفرض نفسه بإلحاح، ويتطلَّبُ مواجهة جَادَّة، وِفْقَ أصول التحديث رواية ودراية، وإنْ كان يعتري ذلك كثير من   (1) انظر " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 189. (2) انطر: " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 100 - 101، و " دائرة المعارف الإسلامية ": 13/ 391. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الصعاب التي يشفق منها بعض الباحثين، ويتراجع أمامها كثير من الدَّارسين، فإنَّ أوجب ما يفرضه الحَقُّ علينا أنْ نَرُدَّ هذه الشُبُهَات، ونُبيِّنَ تهافتَ تلك المُفتريات، ونُواجه هذه الأباطيل بعوامل البناء، لِنَدْحَضَ معاول الهدم والفناء، ونرفع صَرْحَ الدِّينِ، لنُجَدِّدَ عهد السَّلَفِ الصالحين. واقتضت مَنْهَجِيَّةُ البحث أنْ يشتمل على الفصول التالية: الفصل الأول: أضواء على الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ. الفصل الثاني: شُبُهَاتٌ حول مفهوم السُنَّة وتدوينها. الفصل الثالث: جهالات حول السند والمَتْنِ. واللهَ أسأل: التوفيق والسداد. والعون والرشاد. إنه سميع مجيب. الكويت في: 21/ 9 / 1400 هـ - 14/ 4 / 1990 م سعد محمد محمد الشيخ (المرصفي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الفصل الأول: أضواء على الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ: مفهوم الاسْتِشْرَاق ونشأته: يطلق لفظ الاسْتِشْرَاق على طلب معرفة ودراسة اللغات والآداب الشرقية، ويطلق لفظ المُسْتَشْرِقِ على الدارس للغات الشرق وفنونه وحضارته، وعليه فَالاسْتِشْرَاقُ دراسة يقوم بها غير الشَرْقِيِّينَ لتُراث الشرق، هذا من حيث المفهوم الواسع. والذي يعنينا كما يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق (1) -: هو «المعنى الخاص لمفهوم الاسْتِشْرَاق الذي يعني الدراسات الغربية المتعلِّقة بالشرق الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام، وهذا هو المعنى الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي والإسلامي، عندما يطلق لفظ استشراق أو مستشرق، وهو الشائع أيضاً في كتابات المُسْتَشْرِقِينَ المَعْنِيِّينَ». وقد حظي الإسلام واللغة العربية باهتمام المُسْتَشْرِقِينَ الذين أَوْلَوْا هذين الموضوعين عنايتهم أَيَّمَا عناية، وشملوهما باهتمام دون غيرهما من سائر الموضوعات، وهذا مِمَّا يلفت النظر في - المقدمة - إلى معرفة أسباب هذه العناية - كما سيأتي - وحسبنا هنا أنْ نذكر قول «جون تاكلي»: «يجب أنْ نستخدم كتابهم - أي القرآن الكريم - وهوأمضى سلاح في الإسلام، ضِدَّ الإسلام نفسه، لنقضي عليه تماماً، يجب أنْ نُري هؤلاء الناس أنَّ الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأنَّ الجديد فيه ليس صحيحاً!» ويقول «جِبْ»: «إنَّ الاسلام مَبْنِيٌّ على الأحاديث أكثر مِمَّا هو مَبْنِيٌّ على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء» (2)!.   (1) " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 18. (2) " التبشير والاستعمار ": ص 40 نقلاً عن المرْجِعَيْنِ الأَصْلِيَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ولخَّصَ «بلغراف» عداءهم للقرآن في كلمته المشهورة: «متى توارى القرآنُ، ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذٍ أنْ نرى العربي يتدرَّج في سبل الحضارة التي لم يبعده عنها إلاَّ محمد وكتابه (1). ولقد قُدِّرَ للقرآن الكريم أنْ يحتضن الإسلام واللغة العربية، كما قُدِّرَ للحديث النبوي ذلك، ومن ثم أصبحا أغنى المواضيع عند المُسْتَشْرِقِينَ على الإطلاق، واستأثرا باهتمامهم، فتوفَّروا عليهما، وبحثوا في كل ما قدروا عليه من علومهما، ودارت حولهما بحوثهم الأكاديمية بصورة تلفت النظر، وتسترعي الانتباه، وتستوقف الباحث المتأمل، ولا نكون غالين ولا مُتزيِّدين إذا قلنا: إنَّ القرآن والسُنَّة هما المحور الذي تدور حوله الدراسات الاستشراقية. يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق (1): «ومن الصعب تحديد تاريخ مُعَيَّنٍ لبداية الاسْتِشْرَاق وإذا كان بعض الباحثين يشير إلى أنَّ الغرب النصراني يؤرِّخ لبدء وجود الاسْتِشْرَاق الرسمي بصدور قرار مجمع فيِنَّا الكَنَسِي في عام 1312 هـ بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوربية (3)، ولكن الإشارة هنا إلى «الاسْتِشْرَاق الكَنَسِي» تدل على أنه كان هناك اسْتِشْرَاق غير رسمي قبل هذا التاريخ، فضلاً عن أنَّ هناك باحثين أُورُوبيِّينَ لا يعتمدون التاريخ المُشار إليه بداية للاِسْتِشْرَاقِ، ولذلك تتَّجه المحاولات في هذا الصدد لا إلى تحديد سَنَةٍ مُعَيَّنة لبداية الاسْتِشْرَاق، وإنما إلى تحديد فترة زمنية مُعَيَّنة على وجه التقريب، يمكن أنْ تُعَدَّ بدايةً للاِسْتِشْرَاقِ، وليس هناك شك في أنَّ الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاَّهوت النصراني إلى هذا الدين، ومن هنا بدأ اهتمامهم بالإسلام ودراسته .. وعلى الرغم من أنَّ الاسْتِشْرَاقَ يمتدُّ بجذوره إلى ما يقرب من ألف عام مضت، فإنَّ مفهوم مُسْتَشْرِق لم يظهر في أوربا إلاَّ في نهاية القرن الثامن عشر .. وأدرج مفهوم الاسْتِشْرَاق في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838 م ... وعلى أية حال فإنَّ الدافع لهذه البدايات المُبَكِّرَةِ للاِسْتِشْرَاقِ كان   (1) " لمحات في الثقافة الإسلامية ": ص 174. (2) " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 18 وما بعدها بتصرف. (3) انظر: " الاسْتِشْرَاق " إدوارد سعيد: ص 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 يتمثل في ذلك الصراع الذي دار بين العالمين: الإسلامي والنصراني في الأندلس وصقليَّة، كما دفعت الحروب الصليبية بصفة خاصة إلى اشتغال الأوربيين بتعاليم الإسلام وعاداته، ولهذا يمكن القول بأنَّ تاريخ الاسْتِشْرَاق في مراحله الأولى هو تاريخ للصراع بين العالم النصراني الغربي في القرون الوسطى والشرق الإسلامي على الصعيدين: الديني والأيدلوجي .. وقد نشأت الصلة بين الغرب خاصة والمسلمين عامة - كما يقول الدكتور عجيل النشمي (1) - منذ أنْ كان المسلمون في أسبانيا، وكانت أوثق الصلات بالمسلمين من فرنسا وإيطاليا وانجلترا، حيث إنَّ فرنسا عرفت المسلمين منذ أنْ اجتاح عبد الرحمن الغافقي بجيوشه جبال البرانس، واستولى على مدن كثيرة، إلى أنْ كانت موقعة بواتييه سنة 772. وكانت هناك صلة في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد 809 ومراسلاته وهداياه مع الإمبراطور شارلمان 814 كان لها دور في توثيق الصِلاَتِ، ثم جاءت مرحلة الحروب الصليبية! وهناك دوافع الحروب الصليبية التي يطول الحديث فيها، وكذلك الظواهر التي تَتَّسِمُ بها بحوث المُسْتَشْرِقِينَ، فنَّدَهَا المرحوم الدكتور مصطفى السباعي، فليرجع إليها من شاء (1). وسارت فرنسا خطوات في احتلال شمال أفريقيا، وحملة نابليون على مصر، والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، وكل ذلك أثمر نتائج متعدِّدة متنوِّعة حضارية وثقافية وفكرية وعقائدية، ومن ثم كانت مدارس للدراسات الشرقية ومعاهد وجامعات ومجلاَّت. ومعلوم أنَّ إيطاليا أعرق دول الغرب اتصالاً بالمسلمين وحضارتهم اتصالاً قوياً، ومن ثم عنيت جامعة بولونيا 1076 بعلوم العرب، وجامعة نابولي 1224 بثقافتهم، وجامعة روما 1248 بالآثار واللغة والآداب العربية والألسنة السامية،   (1) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 7 وما بعدها بتصرف. (2) انظر: " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 187 - 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وجامعة فلورنسا 1321 باللغات الشرقية، والجامعة الغريغورية 1553 باللاَّهوت، والحق والقانون الشرقي والدراسات الإسلامية (1) .. وأصبح الرُهبان يُشَكِّلُونَ طلائع الاسْتِشْرَاق بصفة عامَّة. وأما إنجلترا فقد تهيَّأَ لِلْمُسْتَشْرِقِينَ فيها ما لم يتهيَّأ لغيرهم، حيث امتدَّت الاتصالات العلميَّة والاقتصاديَّة، ثم الاستعماريَّة في الأندلس، ثم الهند والعراق ومصر وفلسطين، فكانت سبيلاً للاتصالات الثقافية والاحتكاك المباشر بالمسلمين وعلومهم (2). ومن ثم نشأت حركة استشراقية واسعة، تتمثَّل في إنشاء كراسي للعربية والدراسات الشرقية في جامعاتها، مثل جامعة أُكسفورد 1167 وجامعة كمبريدج 1257 وجامعة لندن 1828 وجامعة درهام 1838وجامعة فكتوريا 1880 وجامعة ليدز 1884 وجامعة ويلز 1893 وجامعة ليفربول 1903وجامعة بريستول 1909، كما أنشأت المكتبات والمجلاَّت الشرقية المُتَخصِّصَة. وهكذا كانت نشأةُ الاسْتِشْرَاقِ. مراحل كتابة المُسْتَشْرِقِينَ: وأما عن مراحل كتابة المُسْتَشْرِقِينَ فهي ترجع في عمومها إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: مرحلة الطلائع. المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد سقوط غرناطة. المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد سقوط الخلافة الإسلامية. ويطول بنا الحديث لو حاولنا ذكر معالم كل مرحلة (3). الغارة على المخطوطات والكتب العربية: وبحلول القرن الثامن عشر بدأ الغرب في استعمار العالم الإسلامي،   (1) انظر: " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 7 - 8. و " المستشرقون "للعقيقي: 1/ 347 ط. ثالثة دار المعارف بمصر 1964. (2) انظر: " المستشرقون " للعقيقي: 7: 044 ا _ 1080. (3) انظر: " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 10 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والاستيلاء على ممتلكاته، واستباحة مُقَدَّسَاتِهِ وذخائره ونفائسه، فأخذ نفر من علماء الغرب ينبغون في الاسْتِشْرَاق، ويُصْدِرُونَ المجلاَّت في عواصم الغرب، وطَفِقُوا يُغِيرُونَ على المخطوطات العربية في البلاد الإسلامية التي أصبحت نهباً مباحاً لهؤلاء الطامعين، بعد أنْ استعمرتها دولُهم وقهرتها، وبشتى الطرق ومختلف الأساليب أخذوا يجمعون هذه المخطوطات وتلك النفائس والذخائر من تراثنا العربي والإسلامي، إمَّا بشرائها من أصحابها الجَهَلَة، أو بسرقتها من المكتبات العامة التي كانت حينذاك في غاية الفوضى، وأخذوا ينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم ومتاحفهم!. وإذا بأعداد من نوادر المخطوطات تنقل إلى مكتبات أوروبا ومتاحفها (1). وإذا بنا نرى أنه قد بلغ عددها في أوائل القرن التاسع عشر (250000) خمسين ومائتي ألف مجلد، وما زال هذا العدد في زيادة مطردة حتى يومنا هذا!. عقد المؤتمرات: ويعتمد المُسْتَشْرِقُونَ - فيما يعتمدون - على عقد المؤتمرات العامة، من وقت لآخر، لتنظيم نشاطهم. ويرجع تاريخ أول مؤتمر عقدوه إلى سنة 1783 م وما زالت مؤتمراتهم تتكرَّر حتى اليوم. مرحلة جديدة: ثم مَرَّ الاسْتِشْرَاق بمرحلة جديدة، ففي القرن الثامن عشر أنشىء كُرْسِيَانِ جديدان للغة العربية في جامعتي أُكسفور وكمبردج، ثم اختتم هذا القرن بحملة نابليون على مصر وبلاد الشام، تلك الحملة التي صحبها عدد كبير من العلماء، كان أغلبهم من المُسْتَشْرِقِينَ. وفي القرن التاسع عشر ازدهر الاسْتِشْرَاق، لما حدث من تطور كبير في الدراسات العربية، وما نشره علماء حملة نابليون، وتخريج مدرسة «دي ساس»   (1) انظر: " الاسْتِشْرَاق والمستشرقون مالهم وما عليهم ": ص 14، و " المستشرقون ": 1/ 113، وكتابنا " الفهارس ومكانتها عند المحدثين ": ص 13 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الفرنسية عدداً كبيراً من المُسْتَشْرِقِينَ الأوروبيِّين، وإنشاء كراسي للغة العربية في كثير من جامعات أوروبا، وتأسيس الجمعيات الآسيوية، وإصدار مجلاَّتها، وإتاحة الفرصة لمعظم المُسْتَشْرِقِينَ لزيارة بلاد الشام، فتوافدوا عليها من مختلف الجامعات والبلدان الأوروبية. وهكذا اقترن ازدهار الاسْتِشْرَاق بضعف الدولة العثمانية، وظهور أطماع الدول الأوروبية في الاستحواذ على أملاكها وعلومها المتنوعة. وفي هذه المرحلة عمد المُسْتَشْرِقُونَ إلى تغيير أساليبهم 0 وحاولوا أنْ يظهروا بمظهر جديد، هو ما زعموه - كذباً وزُوراً - من تحرير الاسْتِشْرَاق من الأغراض التبشيرية، والاتجاه به وجهة البحث العلمي البحت! مواكبة الاسْتِشْرَاق للغزو الاستعماري: وقد واكب الاسْتِشْرَاق الغزو الاستعماري، ومَضَيَا معاً في طريق واحد، فإذا كان الغربيون قد غزوا البلاد الإسلامية تلك الغزوات الاستعمارية التي نعرفها، فإنَّ المُسْتَشْرِقِينَ منهم قد غزوا التراث الإسلامي، فأخذوا يقلبون وجوه البحث فيه، وألَّفوا فيه كثيراً من الكتب، وساعدوا على تحقيق كثير من المخطوطات التي نقلوها إلى مكتبات بلادهم، أو أخذوا صورها من مكتبات الشرق، أو استنسخوها على ذمة نشرها محققة، وقامت من أجل ذلك صناعة نشر التراث الإسلامي في عدد من العواصم والمُدن الكبرى في أوروبا. وعلى الرغم مِمَّا يزعمه المستشرقون في هذه المرحلة من أنَّ دراساتهم تقوم على أسس علمية وطيدة، فإنَّ الكثيرين منهم - مع الأسف - لم يَحِيدُوا عن الروح الصليبية التعصبية، وبخاصة الذين استعانت بهم دولهم لأغراض استعمارية، فكان هؤلاء يضعون الاتهام أولاً، ثم يبحثون عن الأدلة التي تقوي هذا الاتهام! تسلل المُسْتَشْرِقِينَ إلى الدوائر العلمية واستعانتهم ببعض نصارى العرب: ومِمَّا زاد الطين بلة أنَّ كثيراً من طلبة العلم المسلمين وَلَّوْا وُجُوهَهُمْ شطر جامعات الغرب، وأخذوا يَؤُمُّونَهَا للدراسة فيها، وقد تأثر الكثيرون بما كان يلقيه أساتذتهم من المُسْتَشْرِقِينَ في أذهانهم! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 كما أنَّ الغَرْبِيِّينَ استعانوا ببعض نصارى العرب في نشر أفكارهم وترويجها، وبَثِّ سمومهم ضد الإسلام والمسلمين! هذا بالإضافة إلى أنَّ بعض المُسْتَشْرِقِينَ تسلَّلُوا الى الدوائر العلمية والجامعات في الدول الإسلامية، بل إلى المجامع العلميَّة في القاهرة ودمشق وبغداد! دور الصهيونية في الاسْتِشْرَاق: ولا ننسى دور الصهيونية التي دخلت ميدان الاسْتِشْرَاقِ لِتَحُولَ دون اجتماع المسلمين في وحدة تقاوم اليهودية العالميَّة، وتواجه دولة اليهود الباغية (إسرائيل) وفي مقدمة هؤلاء: «جُولْدْتسِيهِرْ» و «بندلي» و «جوزي» وغيرهم! الغارة مستمرة: وعلى الرغم من تحرُّر البلاد الإسلامية من ربقة الاستعمار، وجلاء المستعمرين عنها، وتطوُّر علاقاتها بدول الغرب، فضلاً عمَّا قام به أبناؤها من دراسات متعمقة في شتى المجالات أغنت أبناء وطنهم عن الكتابات الاستشراقية المغرضة التي ما فتىء البحث الموضوعي يكشف عمَّا تنطوي عليه من التواء ومغالطات، ومن ثَمَّ أخذ الكثير من المسلمين في الشرق يتعاملون مع هذه الكتب بِحَذَرٍ، فإنَّ الاسْتِشْرَاق ما زال يُصَوِّبُ سهامه إلينا، وما زلنا بحاجة إلى مزيد مِنَ الجُهود، لِرَدِّ كيد المُسْتَشْرِقِينَ إلى نُحورهم. معاول هدم: وها هي ذي معاول الهدم، تُرِيبُنَا في الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ، وتدفعنا إلى أنْ نَتَوَجَّسَ خِيفَةً منهم ومن دراساتهم المُغرضة: أولاً: استمرار بقاء كثير من المؤسسات التبشيرية الاستعمارية بين ظَهْرَانِينَا، ولا ريب في أنَّ كثيراً من المُسْتَشْرِقِينَ يتعاونون على تحقيق أهداف هذه المؤسسات، لأَنَّ الاسْتِشْرَاق ارتبط منذ نشأته بالتبشير والاستعمار، فالجامعة الأمريكية - على سبيل المثال - لا تزال موجودةً في كل من القاهرة وبيروت واستانبول، وبناء على ذلك يجب ألاَّ نتوقَّع من هؤلاء في الوقت الحاضر الإنصاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 والموضوعية، وألاَّ نُضْفِي على كتاباتهم الصِّفَةَ العلميَّة الأكاديمية، باستثناء طائفة قليلة منهم. ثانياً: عدم قيام الدليل على أنَّ الاسْتِشْرَاق انفصل عن الطريق السياسي الاستعماري في تاريخنا المعاصر، فالمُسْتَشْرِقُونَ في كل البلاد الاستعمارية يتَّبعون وزارة الخارجية، مِمَّا يدل على أنَّ مُهمَّتَهُمْ سياسية وليست علميَّة، «فأنتوني إيدن» رئيس وزراء بريطانيا السابق لم يكن يتَّخذ قراراً سياسياً يتصل بالشرق الأوسط إلاَّ بعد الرجوع إلى المُسْتَشْرِقِينَ، أمثال «مرجيليوث»، كما أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ اليهود لا يزالون يعملون على تحقيق أهداف الصهيونية العالمية! ثالثاً: استمرار ابتعاث الدول الإسلامية لِبَنِيهَا إلى الغرب للحصول على درجات علميَّة في مجال التربية وعلم النفس والدراسات الفكرية، بل الإسلامية! رابعاً: امتلاء كثير من كتب المُسْتَشْرِقِينَ التي بين أيدينا بالمُغالطات والتحريف والالتواء، وهي - كسابقتها - تحتاج إلى بذل جهود مشتركة من علماء المسلمين، كُلٌّ في تَخَصُّصِهِ، لتوضيح مُعْوَجِّهَا أمام القارىء المسلم وغير المسلم، وحتى تلك التي يكتبونها لمواطنيهم تحتاج إلى تجلية، كي لا يُفْهَمَ الإسلام فهماً خاطئاً!. خامساً: لا يزال بعض تلاميذ المُسْتَشْرِقِينَ، والضَّالِعِينَ معهم من نصارى العرب، يثيرون النزعات الشعوبية بين المسلمين بقصد تفتيت وحدتهم، مثل: «الفِرْعَوْنِيَّةِ» في مصر و «البَرْبَرِيَّةِ» في شمال أفريقيا و «الكُرْدِيَّةِ» في كُلٍّ من العراق وإيران!. سادساً: اعتراف كثير من المُسْتَشْرِقِينَ المُعاصرين - صِدْقاً أو تمويهاً - بأنَّ التعصب الديني لا يزال باقياً في كتابات عدد منهم، يقول برنارد لويس: «لا تزال آثار التعصُّب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات عدد من العلماء المُعاصرين، ومُسْتَتِرَةً وراء الحواشي المرصوصة في كتابات البعض الآخر منهم «كما يقول نورمان دانيل: «على رغم المحاولات التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرُّر من المواقف التقليدية للكُتَّاب المسيحيين عن الإسلام، فإنهم لم يتمكَّنوا من أنْ يَتَجَرَّدُوا منها تَجَرُّداً تاماً كما يتوهَّمون» (1).   (1) انظر " التبشر والاستعمار ": 45 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 هذه هي أهم معاول الهدم التي تدفعنا إلى أنْ نرتاب في دراسات المُسْتَشْرِقِينَ، ونتوجَّسُ منها خِيفَةً!. إنكار نزول القرآن من عند الله: وهم ينكرون أنْ يكون القرآن مُنَزَّلاً من عند الله، وحين يفحمهم ما ورد فيه من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية، مِمَّا يستحيل صدوره عن النبي الأُمِيِّ محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتبطل دعواهم ببشرية القرآن الكريم، وزعمهم بأنه ليس أكثر من تعبير عن انطباع البيئة العربية في نفس الرسول!. حين تبطل دعواهم التافهة هذه، يزعمون ما زعمه المُشركون الجَاهِلِيُّونَ في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه اسْتَمَدَّ ذلك من أناس، ويتخبَّطون في ذلك تَخَبُّطاً عجيباً!. وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية لم تُعْرَفْ وَتُشْكَفْ إلاَّ في هذا العصر، يُرْجِعُونَ ذلك إلى ذكاء النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقعون في تخبُّط أشدَّ غرابة مِمَّا سبق!. وعلى الرغم من أنَّ بعض تلاميذ المُسْتَشْرِقِينَ من العرب والمسلمين يقولون عن القرآن الكريم كلاماً يدل على اعتقادهم أنه فِكْرٌ تَأَثَّرَ ببيئة عربية مُعيَّنة، فإنَّ هناك عدداً من علماء المسلمين المعاصرين قد أعدُّوا دراسات علميَّة وافية في دحض تلك المزاعم الباطلة، والافتراءات المتهافتة (1). التشكيك في صحة رسالة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: والمعتدلون منهم في كتاباتهم، يُشَكِّكُونَ في صِحَّةِ رسالة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنهم ينكرون أنْ يكون مُحَمَّدٌ نبياً، ويتخبَّطون في تفسير مظاهر الوحي، كأنَّ الله لم يرسل نبياً قبله، حتى يصعب عليهم تفسير الوحي!. ولما كانوا يهوداً أو نصارى - في معظمهم - يعترفون بأنبياء، كان إنكارهم   (1) انظر: " في الشعر الجاهلي " للدكتور طه حسين، والردود عليه في نقض كتاب " في الشعر الجاهلي " للشيخ محمد الخضر حسين، وفي " النقد التحليلي لكتاب في الشعر الجاهلي " للدكتور أحمد محمد الغمراوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 لنبوة خاتم النبيِّين تعنُّتاً مبعثه التعصُّب الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كأحبار ورُهبان وقسس ومُبشِّرين (1). إنكار كون الإسلام ديناً من عند الله: ويَتْبَعُ إنكارهم لنبوَّة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونزول القرآن الكريم، إنكارهم أنْ يكون الإسلام ديناً من عند الله، وإنما هو - في زعمهم - مُلَفَّقٌ من اليهودية والمسيحية وليس لهم في ذلك مستند يؤيِّدُهُ البحث العلمي البَتَّةَ!. ويلاحظ أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ اليهود أمثال: «جُولْدْتسِيهِرْ» و «شَاخْتْ» هم أشد حِرْصاً على ادِّعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه! أما المُسْتَشْرِقُونَ المسيحيون فَيَجْرُونَ وراءهم في هذه الدعوى المتهافتة، إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أنْ يزعموا تأثُّر الإسلام به، وَأَخْذِهِ عنه، وإنما فيها مبادئ أخلاقية، زعموا أنها أثَّرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كأنَّ المفروض في الرسالات الإلهية أنْ تتعارض مبادؤُها الأخلاقية، وكأنَّ الذي أوحى من قبل هو غير الذي أوحى بعده، فتعالى الله عَمَّا يقولون علواً كبيراً!. والظاهر أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ اليهود أقبلوا على الاسْتِشْرَاق لأسباب دينية، ترمي إلى التشكيك في قِيَمِ الإسلام، بدعوى فضل اليهود عليه وكأنَّ اليهودية مصدره الأول، ولأسباب سياسية تتَّصل بخدمة الصهيونية فكرة أولاً، ثم دولة ثانياً!. وحول ما يتعلق بالإسلام يَدَّعِي المُسْتَشْرِقُونَ أنَّ المجتمع الإسلامي في صلته بالإسلام لم يكن على نحو قوي إلاَّ في فترة قصيرة، هي الفترة الأولى، التي يطلقون عليها: عهد ابتدائية المجتمع الإسلامي، التي وجدت نوعاً من التلازم بين الحياة وتعاليم الإسلام، ويزعمون أنه كلما تطوَّر المجتمع ازدادت الفجوة، لأَنَّ الإسلام لا يوافق التطور!. ومن هنا يسارعون إلى تقرير أنَّ التخلُّف عن تعاليم الإسلام تمليه الضرورة الاجتماعية، تحت ضغط ظروف الحياة المُتجدِّدَةَ، التي لا يستطيع الإسلام - كما   (1) انظر " الاستشراق والمستشرقون ": ص 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يزعمون - أنْ يكيفها في تعاليمه، وعلى هذا فإنَّ تطبيق الإسلام في نظرهم، إنما يعني العُزلة والتخلُّف، ويرون أنَّّ الحل هو في الخضوع لما يسمُّونه «قانون التطور» ولا يتمُّ ذلك كما ينادون إلاَّ بالسير وفق المُثُلِ الغربية والتفاعل معها! التشكيك في صِحَّةِ الحديث النبوي: ويتذرَّعُ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ - أحياناً - بما دخل على الحديث من وَضْعٍ ودَسٍّ، متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدِقَّةِ في التثبُّتِ والتحرِّي، مِمَّا لم يعهد عُشْرَ مِعْشَارِهِ في التأكد من صِحَّةِ الكتب المقدَّسة عندهم! والذي حملهم على ركوب متن الشطط في دعواهم هذه ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا من ثروة فكرية وتشريعية مُدْهِشَةٍ، وهم لا يعتقدون بنبوَّة خاتم النبيّين - كما أسلفنا - فادَّعُوا أنَّ هذا لا يعقل أنْ يصدر كله عن النبي الأميِّ، بل هو عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي عدم تصديقهم بنبوَّةِ خاتم النبيِّين - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنها تنبعث كل تخبُّطاتهم ومُفترياتهم وجهالاتهم!. التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي: ومن ثم شكَّك المُسْتَشْرِقُونَ في قيمة الفقه الإسلامي، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور، لقد أسقط في أيديهم حين اطِّلاعهم على عظمته، وهم لا يؤمنون بنبوَّة خاتم النبيين، ومن ثم فلم يجدوا بُدًّا من الزعم بأنَّ هذا الفقه العظيم مُسْتَمَدٌّ من الفقه الروماني، أي أنه مُسْتَمَدٌّ منهم هُمْ، وقد بيَّنَ علماؤنا تهافت هذه الدعوى، وأيَّدَ ذلك ما قرَّرَهُ " مؤتمر القانون المقارن " المنعقد بلاهاي من أنَّ الفقه الإسلامي فِقْهٌ مُسْتَقِلٌّ بذاته، وليس مُسْتَمَدًّا من أي فِقْهٍ آخر! التشكيك في قُدرة اللغة العربية: وشكَّكُوا في قدرة لغتنا على مسايرة التطور العلمي، لنظلَّ عالة على مصطلحاتهم التي تُنادي بفضلهم وسلطانهم العلمي علينا، وشكَّكُوا كذلك في غنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الأدب العربي، وحاولوا إظهاره مُجدباً فقيراً، لنتجه إلى آدابهم، وذلك هو الاستعمار الأدبي، الذي يبغونه مع الاستعمار الفكري الذي يرتكبونه!. ومن المُبَشِّرِينَ نفر يشتغلون بالآداب العربية، والعلوم الإسلامية، أو يستخدمون غيرهم في سبيل ذلك، ثم يرمون كلهم بما يكتبونه إلى أنْ يوازنوا بين الآداب العربية والآداب الأجنبية، أو بين العلوم الإسلامية والعلوم الغربية التي يعُدُّونها نصرانية، لأنّض أمم الغرب تدين بها، ليخرجوا بتفضيل الآداب الغربية على الآداب العربية والإسلامية، وبالتالي إلى إبراز نواحي النشاط الثقافي في الغرب، وتفضيلها على أمثالها في تاريخ العرب والإسلام، وما غايتهم في ذلك إلاَّ تخاذل روحي، وشعور بالنقص في نفوس الشرقيين، وحملهم من هذا الطريق على الرضا بالخضوع للمدنية المادية الغربية (1)! تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري: وبتذرَّعُون لذلك بدعوى أنَّ الحضارة الإسلامية منقولة من حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلاَّ نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها، ولم يكن لهم إبداع فكري ولا ابتكاري حضاري، وكان في حضارتهم كل النقائص، وإذا تحدَّثُوا بشيء عن حسناتها - وقليلاً ما يفعلون - يذكرونها على مضض، مع انتقاص كبير!. إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم: وذلك ببث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم ومُثُلٍ عليا، ليسهل على الاستعمار تشديد وطأته عليهم، ونشر ثقافته فيما بينهم، فيكونوا عبيداً لها، أو على الأقل تضعف روح المقاومة في نفوسهم! أخطاء سببها الجهل بالعربية والبعد عن الحياة الإسلامية: وقد تَرَدَّى كثير من المُسْتَشْرِقِينَ في أخطاء كان سببها جهلُهُم بأساليب اللغة العربية، وجهْلِهِمْ بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، حيث يتصوَّرُونها كما   (1) انظر: " التبشير والاستعمار ": ص 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 يتصوَّرون مجتمعاتهم، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرِّقُ بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها! تلك نبذة مُختصرة عن الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ، تضع يَدَنَا على معاول الهدم التي تنطق بها أعمالُهم التي حاولنا في هذه العُجالة كشفها، رجاء أنْ تكون في ذلك ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين! دوافع الإحن والعصبية: وإليك هذا المثال لدوافع الإحن والعصبية، فقد روى أحمد وغيره بسند صحيح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: دخل أعرابي المسجد، فصلى ركعتين ثم قال: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ! فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ» (1). وهو حديث واضح المعنى في وصف هذا الأعرابي البادي الجافي - كما يقول الشيخ أحمد شاكر (2) - جاء من البادية بجفائه وجهله، فصنع ما يصنع الأحمق الجاهل، حتى علَّمَهُ معلِّمُ الخير - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يرتاب في معرفة جفاء الرجل وجهله من قرأ الحديث أو سمعه، أياً كان القارئ أو السامع عالماً أو جاهلاً وذكياً أو غبيًّا، عربياً أو أعجمياً. أفليس عجباً - بعد هذا - أنْ يغلب الهوى وبُغْضُ الإسلام، رَجُلاً مُسْتَشْرِقاً كنا نظنُّ أنه من أبعد المُسْتَشْرِقِينَ عن أهواء المُبَشِّرِينَ، ودناءات المُنْحَرِفِينَ! هو المُسْتَشْرِقُ بروكلمان، صاحب كتاب " تاريخ الأدب العربي " الذي حاول فيه   (1) " مسند أحمد ": 12/ 244 - 247 (7254) تحقيق أحمد شاكر، وأبو داود. الطهارة (376) " عون المعبود "، و " سُنن الترمذي ". الطهارة (147) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) " مسند أحمد ": 12/ 245 - 247 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 استقصاء المؤلفات العربية، والقديم منها خاصة، مع الإشارة الى مكان النادر والمخطوط منها. ذلك المُسْتَشْرِق، الذي كنا نتوهَّمه مُتسامياً على ما يرتكس فيه إخوانه علماء المشرقيات، ألَّف كتاباً آخر في " تاريخ الشعوب الإسلامية " ترجمه أستاذان من بيروت، هُمَا الدكتور نبيه أمين فارس، والأستاذ منير البَعْلَبَكِي، في خمسة أجزاء، وطبع ببيروت، وجزؤه الأول طبع سنة 1949 م. هذا الرجل الذي كنا نظنُّهُ عاقلاً! يقول في الجزء الأول من كتابه (1)، حين يتحدَّثُ عن بلاد العرب قبل الإسلام، وعن أحوالهم الاجتماعية في شمالي الجزيرة، يقول بالحرف الواحد: «والبَدَوِيُّ كائن فردي النزعة، مُفْرطُ الأنانية قبل كل شيء، ولا تزال بعض الأحاديث تسمح للعربي الداخل في الإسلام، أنْ يقول في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً»! هكذا يقول هذا الرجل الواسع الاطلاع على الكتب العربية، والمؤلفات الإسلامية! غير الجاهل بكلام العرب، ولا الغافل عن معنى ما يقرأ، والحديث أمامه في كتب السُنَّة كاملاً، ينقل منه حرفاً واحداً، وَيَدَعُ ما قبله وما بعده! هذا الرجل الذي أظهرت كلمته أنَّ الإحن والعصبية الصليبية تملأ صدره، وتغطي على بصره وعقله!. حادث فردي، من بدوي جاهل، لم يمر دون أنْ ينكر عليه الناس، ودون أنْ يعلمه المُعَلِّمُ الرفيق، - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يجعله هذا المُفتري الكذَّاب، قاعدة عامة لخُلُقِ أهل البادية! يجعل الحادثة الجزئية قاعدة كلية، وهذا آعجب أنواع الاستنباط فيما رأينا وعلمنا! ولستُ أدري لماذا لم يستنبط أيضاً من هذه الحادثة الفردية قاعدة كلية أخرى: أنَّ من خُلُقِ أهل البادية إذا دخلوا مسجداً، أو حضروا جمعاً عظيماً من الناس أنْ يُبادروا إلى البول في المسجد، أو في حضرة الناس! حتى يكون هذا المُسْتَشْرِق منطقياً مع نفسه، والأعرابي صاحب الحادثة صنع الأمرين!.   (1) الترجمة العربية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ولم يكتف هذا المُسْتَشْرِق بما أبدى من ذكاء وأمانة! فافترى على الإسلام الكذب الصراح، حين زعم أنه لا تزال بعض الأحاديث تسمح للعربي الداخل في الإسلام أنْ يدعو بهذا في صلاته! أهذا صحيح أم كذب؟! وإنْ أَعْجَبُ فَعَجَبٌ أنْ يَدَعَ الدكتور عمر فروخ التعليق على كلام هذا المُسْتَشْرِقِ الكذَّاب! وأنْ يقتصر الأستاذان مُعَرِّبَا الكتاب على التعليق ببيان موضع الحديث في بعض كُتُبِ السُنَّةِ، نقلاً عن فهارس المُسْتَشْرِقِينَ! نعم، فقد ذكر المُتَرْجِمَانِ، في مقدمة الترجمة (1) أنه إذا كان في الكتاب بضعة آراء خاصة بالمؤلف تتنافى أحياناً مع وجهة النظر الإسلامية، فقد عهدنا بالتعليق إلى زميلنا الدكتور عمر فروخ، أستاذ الفلسفة في كلية المقاصد الإسلامية في بيروت، وعضو المجمع العلمي بدمشق، وأنهما ليسا في حاجة إلى القول أنَّ هذا لا يفيد بالضرورة موافقتنا المؤلف على آرائه الباقية جميعاً، لأنَّا لم نستهدف بالتعليق إلاَّ تلك الآراء التي تتَّصل بحياة الرسول وتعاليم الإسلام. أفلم يقرأ الأستاذان المُتَرْجِمَانِ هذا الحديث في مصادره التي أشارا إليها حين الترجمة والتعليق؟ إِذْ أكاد أثق أنهما قرآهُ، حين ترجما نص الدعاء ترجمة صحيحة، وما أظنُّ أنهما كانا حافظين لنصِّه في الذاكرة من قبل، ولوكان لكان أبعد لهما من العذر! أولم يعرفا ولم يعرف الدكتور عمر فروخ، من بَدَائِهِ دينهم، أنه لا يعقل عقلاً أنَّ بعض الأحاديث لا تزال تسمح للعربي الداخل في الإسلام بهذا الدعاء؟ إ   (1) المقدمة: ص 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الفصل الثاني: شُبُهَات حول مفهوم السُنَّة وتدوينها: تمهيد: أثار المُسْتَشْرِقُونَ شُبُهَاتٍ حول مفهوم السُنَّة والحديث، تدعونا إلى بيان هذه الشُبُهَات ودحض ما ذهبوا إليه، ومن ثَمَّ كان لاَ بُدَّ في المقدمة من بيان المفهوم لغةً واصطلاحاً. مَفْهُومُ السُنَّة: يطلق لفظ السُنَّة لغةً على الطريقة والسيرة حسنةً كانت أوسيئةً (1) .. وخَصَّهَا بعضُهُم بالطريقة الحسنة .. قال الأزهري: والسُنَّة: الطريقة المستقيمة المحمودة، ولذلك قيل: فلان من أهل السُنَّة (2). وقال الخطَّابي: إنَّ السُنَّة في اللُّغة الطريقة المحمودة خاصة (3). قلت: الأول راجح لغة والثاني مرجوح، ففي الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن جرير بن عبد الله أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا،   (1) " لسان العرب "، و " القاموس المحيط "، و" الصحاح "، و " المعجم الوسيط " (سنن) و " كشاف اصطلاحات الفنون ": ص 403. (2) " تهذيب اللغة ": 4/ 298. (3) " إرشاد الفحول ": ص 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» (1). وفي رواية للشيخين عن أبي سعيد الخُدري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟» (2). قال ابن حجر: (سَنَنَ) بفتح السين للأكثر، وقال ابن التين: قرأناهْ بضمها. وقال المهلب: بالفتح أولى، لأنه الذي يستعمل فيه الذراع والشبر، وهو الطريق (3). وفي الاصطلاح يختلف معناها حسب اختلاف مناهج العلماء .. حيث اصطبغت في الإسلام صبغة أكسبتها معاني، استمدَّ كل فريق من علماء الإسلام المدلول الخاص به من تلك الصبغة، إذ إنها من الكلمات التي خصَّصها المفهوم الإسلامي عن معناها اللغوي المطلق (4). فقد استعملت بمعنى تعاليم الشريعة الإسلامية، وعلى هذا المعنى تشمل كافة التعاليم الواردة في القرآن والحديث، أو المستنبطة منهما مِمَّا هو حُجَّةٌ، ويحمل على هذا المعنى ما جاء من الأخبار والآثار التي تَحُثُّ على التزام تعاليم الشريعة، وعدم التفريط فيها، وكذلك الأحاديث التي تُبَيِّنُ أحكاماً معيَّنة لحوادث وقعت، أو تظهر الأمر الذي كان عليه عمل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عند مخالفة   (1) " صحيح مسلم ": 2 ا، الزكاة 69 (1017) وفيه قصة، و " سُنن الدارمي ": 1: 130، و " مسند أحمد ": 4/ 357، 358 - 362، و " سُنن النسائي ": 5/ 75، 76، و " سُنن ابن ماجه ": المقدمة (203)، و " الترمذي ": 42 - العلم (2675) بلفظ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ، غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ، غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا». (2) " البخاري ": 96، الاعتصام (7320)، و " مسلم ": 47، العلم 6 (2669)، وانظر: " منحة المعبود ": 1/ 40 - 41. (3) " فتح الباري ": 13/ 301. (4) " الوضع في الحديث ": 1/ 31 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ذلك - فكلها تستعمل السُنَّة بمعنى تعاليم الشريعة .. والأدلَّة على ذلك كثيرة (1). وفي كثير من الأحاديث جاءت كلمة السُنَّة في مقابلة القرآن أو معطوفة على كلمة الكتاب، والمقابلة والعطف يقتضيان المغايرة غالباً، فمن الطبيعي أنْ تحمل على معنى مُسْتَقِلٍّ يغاير المعنى الأول - الذي هو تعاليم الشريعة وقد فُسِّرَ بالوحي غير المَتْلُوِّ، وغير المُعْجِزِ الذي كان ينزل على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي عرف لدى العلماء بالحديث. وهذا التفسير أَخَصُّ من التفسير الأول .. ويمكن القول بأنه متى اجتمعا افترقا، وحيث يكتفى بذكر السُنَّة تشمل الاثنين معاً، وقد جاءت الأحاديث بالمعنى الثاني كما جاءت بالمعنى الأول .. بهذين المعنيين عرفت كلمة السُنَّة في الرعيل الأول، وبهما اصطبغت الكلمة في المفهوم الإسلامي في عصر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعصر الصحابة، والتابعين، ثم بدأت تأخذ مفهوماً أَخَصَّ، حيث إنَّ علماء التشريع الإسلامي بدأت نظراتهم تختلف في مدلول كلمة السُنَّة تَبَعاً لاختلاف الموضوع الذي يَحُثُّ فيه كل فريق منهم .. فهي عند المُحَدِّثِينَ - على ما ذهب إليه جمهورهم: أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته، وصِفَاتِهِ الخَلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ، وسِيَرِهِ ومغازيه، وبعض أخباره قبل البعثة، مثل تَحنُّثِهِ في غار حراء، وحُسْنُ سِيرَتِهِ، وأنه كان أُمِيًّاً، وما إلى ذلك من صفات الغير وحُسْنُ الخُلُقِ (2). وتعريفهم هذا مَبْنِيٌّ على عنايتهم بإثبات (3) وتصحيح كل ما يتَّصِل بالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوال أو أفعال، أو تقريرات، وخُلُقٍ وسيرةٍ، وشمائل، وأخبار، سواء أثبتت أحكاماً شرعية أولا .. وهو مستمدٌّ من تفسير السلف للسُنَّة بأنها آثار رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ..   (1) انظر: المرجع السابق. (2) " الحَدِيثُ والمُحَدِّثُونَ ": ص 10، وانظر " مجموع فتاوى " شيخ الإسلام ابن تيمية: 10/ 18، و " إرشاد الفحول ": ص 33، و " السُنّة قبل التدوين ": ص 16، و " السُنَّة ومكانتها في التشريع ": ص 59، و " السُنَّة النبوية ومكانتها " عباس متولى حمادة: ص 23. (3) " الوضع في الحديث ": 1/ 37 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وعند الأصولييِّن ما صدر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير القرآن من الأقوال والأفعال، وبعضهم يضيف التقرير، وبعضهم يضيف الترك، وغيرهم يضيف الهَمَّ والإشارة، ونحو ذلك، والأولى ترك ما ذكر، ما عدا الأقوال والأفعال، كما منع البيضاوي في " المنهاج "، لأَنَّ كل ما ذكر مِمَّا سواهما فهو فعل على الراجح .. ومن ادَّعَى أنَّ شيئاً مِمَّا ذكر ليس فعلاً، وأنه حُجَّةٌ، فيلزمه ذكره في التعريف (1). وتعريفهم هذا مَبْنِيٌّ على عنايتهم بالدليل، ومنه السُنَّة التي أُمِرْنَا باتِّباعها. وعند الفقهاء: الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب، بمعنى النافلة والمندوب .. وبعضهم خَصَّ ذلك بنوع من القُرْبَةِ يطلق على ما داوم عليه النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التعبُّدات، كالرواتب وصوم الاثنين والخميس، دون ما لم يُداوم عليه (2) .. وتعريفهم هذا مَبْنِيٌّ على عنايتهم بالحُكم. وعند علماء العقيدة والوعظ والإرشاد (3): ما وافقت الكتاب والحديث، وإجماع سلف الأمَّة من الاعتقادات والعبادات، وتقابلها البدعة، ومن هنا استعمل الاصطلاح المشهور: «أهل السُنَّة». وتعريفهم هنا مَبْنِيٌّ على عنايتهم بالأعمال التعبُّدية وموافقتها للدليل، وَرَدِّ ما خالف ذلك. مفهوم الحديث: أماالحديث فإنه يطلق لغة على الجديد والخبر .. ولا يختلف معناهُ عَمَّا سبق .. وما جاء من أقوال يبدو فيها اختلافٌ في الألفاظ فهو من قَبِيلِ اختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات،، وليس من قَبِيلِ الاختلاف في الحقيقة، كما يتوهَّمُهُ الذين لا يمعنون النظر (4).   (1) " أفعال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": ص 4 - 7 بتصرف. (2) " الحَدِيثُ والمُحَدِّثُونَ ": ص 10، و " أفعال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": ص 5 - 6، و " السُنّة قبل التدوين ": ص 18. (3) " الوضع في الحديث ": 1/ 39 بتصرف. (4) " توجيه النظر ": ص 2 - 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وحسبنا أنْ نذكر تعريفه من حيث موضوعه: هو علم يعرف به أقوال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وأحواله. وينقسم إلى قسمين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية. أما من حيث الرواية فهو علم يشتمل على أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله، وروايتها وضبطها، وتحرير ألفاظها. وأما من حيث الدراية فهو علم يُعْرَفُ منه حقيقة الرواية، وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحال الرُواة، وشروطهم، وأصناف المرويَّات، وما يتعلق بها (1). بين السُنَّة والحديث: وبهذا يَتَبَيَّنُ أنهما مُتَرَادِفَانِ لدى غالب المُحَدِّثِينَ والأصوليين، باعتبار أنَّ كُلٍّ منهما إضافة قول أو فعل .. الخ، وأنه إذا كان هناك مِنْ تَبَاُيٍن فإنه يبدو في الإطلاق اللغوي (2)، وأنَّ الشعور بالترادف أو التقارب - على الأقل - يساور العلماء، وتذكر دواوين السُنَّة أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مبثوثة بين أحاديثه القولية، ولم يفردها من المسلمين أحد بالرواية - فيما نعلم (3) - كما لم يفرد الأقوال أحد عن الأفعال، ولما استقرت دواوين السُنَّة المُسنَدَةِ من الصحاح والسُنن والمسانيد والمُوَطَآتِ والمُسْتَخْرَجَاتِ وغيرها، في القرن الخامس تقريباً، وبدأ عصر التجميع منها، جمع الشيخ ابن العاقولي، وهو محمد بن محمد بن عبد الله (733 - 797 هـ) كتابه " الرصف لما روي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفعل والوصف " قال في مقدمته (4): أما الأفعال فلم نر من اعتنى بجمعها مفصَّلة قبل كتابنا هذا، وإنما تذكر في أثناء الأقوال، وذلك لأَنَّ القول عندهم أدلّ من الفعل، وهو كذلك، إلاَّ أنَّ الفعل القائل زيادة تأكيد ليست للقول وحده خصوصاً، وقد قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه البخاري   (1) " تدريب الراوي ": 1/ 40 - 41. (2) انظر " توجيه النظر ": ص 2 - 3، و " كشاف اصطلاحات الفنون ": 1/ 279. (3) " أفعال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": ص 51 - 53 بتصرف. (4) " الرصف لما روي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفعل والوصف ": 1/ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومسلم - رَحِمَهُمَا اللهُ - عن عاثشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالت: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» (1). وجاء السيوطي، فأفرد الأفعال عن الأقوال .. وجاء بعده المُتَّقي الهِنْدِي، فجمع القِسْمَيْنِ من كتاب السيوطي مرة أخرى في ترتيبٍ مُخَالِفٍ (2) .. شُبُهَاتٌ مُتَهَافِتَةٌ: ومع هذا يزعم «جُولْدْتسِيهِرْ» أنَّ السُنَّة: هي جوهر العادات، وتفكير الأُمَّة الإسلامية قديماً، فهي العادة المقدَّسة والأمر الأول (3)!. وأنه ما من أمر أو فعل يوصف عندهم بالفضل أو العدالة، إلاَّ إذا كان له أصل في عاداتهم الموروثة أو مُتَّفقاً معها، وهذه العادات التي تتألَّف منها السُنَّة تقوم عندهم مقام القانون أو الديانة، كما أنهم كانوا يرونها المصدر الأوحد للشريعة والدِّينِ، ويعدُّون اطراحها خطأ جسيماً، ومخالفة خطيرة للقواعد المعروفة، والتقاليد المرعية التي لا يَصِحُّ الخروج عليها، وما يصدق عن الأفعال أيضاً يصدق عن الأفكار الموروثة، والجماعة يَتَحَتَّمُ عليها أنْ لا تقبَلَ في هذا المجال شيئاً جديداً لا يتَّفق مع آراء أسلافها الأقدمين. ثم يضيف قائلاً بأنَّ فكرة السُنَّة يمكن إدراجها بين الظواهر التي سمَّاها «سْبَنْسِرْ» بـ: «العواطف القائمة مقام غيرها»، وهي النتائج العضوية التي جمعتها بيئة من البيئات خلال الأجيال والأحقاب، والتي تركَّزت وتجمَّعت في غريزة وراثية تتألف منها الصِفَةُ أو الصفات التي توارثها أفراد هذه البيئة. وقد نقل العرب فيما بعد فكرة السُنَّة إلى الإسلام الذي أوهم بمخالفة سُنَّتهم   (1) " البخاري ": 78، الأدب (6101) - الاعتصام (7301)، ومسلم: 43 - الفضائل 127، 128 (2356). (2) انظر كتابنا " الفَهَارِسْ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ ": ص 262 وما بعدها. (3) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 81 - 82. نقلاً عن " العَقِيدَةُ وَالشَرِيعَةُ ": ص 49. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 القديمة، وأصبحت السُنَّة الإسلامية دعامات الفقه والتفكير في الإسلام، ولا شك أنَّ نظرية السُنَّة في الجاهلية قد أصابها تعديل جوهريٌّ عند انتقالها إلى الإسلام. ففي الإسلام أصبح المسلمون لا يطالبون بإحياء السُنن الوثنية التي نُسِخَتْ معالمُها، بل بدأوا بالمأثور من المذاهب والأقوال والأفعال التي كانت لأقدم جِيلٍ من أجيال المسلمين، وأصبح أفراد هذا الجيل هم المُؤسِّسين لسُنَّة جديدة تغاير السُنَّة العربية القديمة. وأخذ المسلمون من ذلك الوقت، ينهجون في حياتهم نهج الأساليب والآراء التي صَحَّ عندهم أنها من أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله، ويضعونها في المحل الأول، أو تلك التي صَحَّتْ عن الصحابة، ويضعونها في المحل الثاني (1). ونقل الدكتور الأعظمي قول شَاخْتْ (2): «إنَّ النظرية الكلاسيكية للفقه الإسلامي تُعَرِّفُ السُنَّةَ بأفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المثالية، وفي هذا المفهوم يستعمل الشافعي كلمة السُنَّة، وعنده أنَّ السُنَّة أو سُنَّةَ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمتان مترادفتان، لكن معنى السُنَّة - على وجه الدِقَّةِ - إنما هو النظائر السابقة، ومنهج للحياة». واستنتج «مَارْغُولْيُوثْ» أنَّ مفهوم السُنَّة في المجتمع الإسلامي في العصر الأول كان الأمر العُرْفِي، أو الأمر المجتمع عليه. تقليد: وإلى هذا التفسير ذهب الدكتور علي حسن عبد القادر، حيث قال (3).   (1) المرجع السابق: نقلاً عن " العقيدة والشريعة ": ص 250. (2) " دراسات في الحديث النبوي [وتاريخ تدوينه] ": ص 5 وما بعدها. (3) " نظرة عامة في [تاريخ] الفقه الإسلامي ": ص 122 - 123 ط. العلوم، القاهرة 1361 هـ - 1942 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وكان معنى السُنَّّة موجوداً في الأوساط العربية قديماً، ويراد به الطريق الصحيح في الحياة للفرد والجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفاً في الجاهلية، وكان يُسَمَّى عندهم سُنَّة هذه التقاليد العربية، وما وافق عادة الأسلاف، وقد بقي هذا المعنى في الإسلام في المدارس القديمة في الحجاز، وفي العراق أيضاً، بهذا المعنى العام، يعني العمل القائم، والأمر المجتمع عليه في الأوساط الإسلامية، والمثل الأعلى للسلوك الصحيح، مِنْ غير أنْ يَخْتَصَّ ذلك بسُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخيراً حُدَّدَ هذا المعنى، وجُعِلَتْ السُنَّة مقصورة على سُنَّة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثاني الهجري، بسبب طريقة الإمام الشافعي التي خالف بها الاصطلاح القديم. وغني عن البيان أنَّ قول الدكتور تِرْدَادٌ لما ذكره جُولْدْتسِيهِرْ وشاخت! مصطلح وثني: قال الدكتور الأعظمي: «ولقد وضَّحَ جُولْدْتسِيهِرْ أنها مصطلح وثني في أصله، وإنما تبنَّاهُ واقتبسه الإسلام» (1) .. وهو افتراء لا يقوم على دليل، وزعْمٌ متهافت، ومعارض للأدلَّة، ثم إنَّ استعمال الجَاهِلِيِّينَ أو الوَثَنِيِّينَ من العرب لكلمة ما في مفهومها اللغوي لا يلبسها ثوباً مُعَيَّناً، ولا يُحيلُها إلى مصطلح وثنيٍّ، وخصوصاً إذا ما لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلاَّ أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً، وهذا ما لا يقول به عاقل!. وقد أورد مرغليوث بعض النصوص لكلمة السُنَّة، وعلَّقَ عليها قائلاً: نرى كلمة «سُنَّة النبي» - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر وُرُوداً في النصوص السابقة من أيِّ تعبير آخر، وقد استعمل هذا التعبير في النصوص التي تَتَّصِلُ بالخليفة الثالث عثمان، وربَّما كان لسلوكه الخطير الذي يختلف فيه عن أسلافه أثر في ذلك، ولو أنَّ الاتِّهامات المُوَجَّهَةِ إليه دوماً مُبْهمة، ويبدو واضحاً أنَّ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي إلى ذلك الوقت لم يكن شيئاً مُحَدَّداً، بل هو ما كان عُرْفاً مألوفاً، وقد   (1) " دراسات في الحديث النبوي": ص 5 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 أيَّدَتْهُ السلطة حتى صار عنصراً مُنْدَمِجاً في شخصية النبي! ونراه يحاول جاهداً أنْ يُخْفِي الحقيقة ويصرفها إلى ما يُمْلِي هواهُ، فيَدَّعِي أنَّ المصدر الثاني للتشريع إلى ذلك الوقت لم يكن مُحَدَّداً، وأنَّ مفهوم السُنَّة هو ما كان عُرْفاً معمولاً به في البيئة، مع أنه ليس هناك ما يمكن أنْ يُؤَيِّدَ استنتاجه بشكل من الأشكال! والذي يبحث عن الحقيقة ويَدَّعِي المنهج العلمي في بحثه لاَ بُدَّ وأنْ يستعين بالنصوص مجموعة في سبيل تفسير بعضها ببعض، حتى لا يقع في مثل هذا الخلط والتناقض! ولو سلَّمنا جَدَلاً أنَّ كلمة السُنَّة كانت تطلق في بداية الأمر على ما كان معروفاً ومألوفاً في المجتمع الإسلامي، وهذا لا يمكن إلاَّ في حالات نادرة جداً، حيث تذكر الكلمة مضافة إلى المسلمين، أو ما شاكل ذلك، فهذا لا يعني أنَّ هذه الأشياء نسبت فيما بعد ذلك إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو سُمِّيَتْ فيما بعد ذلك بسُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم هذا البحث كله يدور حول لفظ كلمة السُنَّة، لا حول فكرة الاقتداء بالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فطاعة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرورية، والاقتداء بهديه مفروض على المسلمين بالنص القرآني: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1). {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2). {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (3). وهذه الطاعة هي الأصل، وما يهمُّنا هو فرض طاعته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولذا فلا يمكن أنْ تقبل تلك المُفْتَرَيَاتُ، سواءٌ في ذلك ما زعمه جُولْدْتسِيهِرْ في تفسيره السُنَّة بأنها «مصطلح وثني» استعمله الإسلام، أو ما ذهب إليه مَارْغُلْيُوثْ من أنَّ معناها في العهد الأول كان «عُرْفِيًّا» أو ما ادَّعاهُ شَاخْتْ في دراسته من أنَّ   (1) [النساء: 80]. (2) [الحشر: 7]. (3) [التغابن: 12]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 معناها «تقاليد المجتمع» أو «الأعراف السائدة» لأَنَّ تلك المزاعم تخالف مخالفة جذرية ما دلَّت عليه النصوص القطعية، والتي يُفَسِّرُ بعضها بعضاً. وقد روى أحمد بسند صحيح عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُفْتِي بِالَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَسَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَيَقُولُ نَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ: وَيْلَكُمْ، أَلاَ تَتَّقُونَ اللهَ، إِنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَبْتَغِي فِيهِ الْخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، أَفَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ إِنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَتَمَّ الْعُمْرَةِ أَنْ تُفْرِدُوهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ (1). وهذا القول من عبد الله بن عمر: «أَفَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟» فصل في هذه القضية، حيث مايز بين قضيتين مُختلفتين تماماً، أثبت للأولى حق الاتباع .. ولو كان العُرف الشائع أو تقاليد المجتمع هُما السُنَّة، فكيف نُفَسِّرُ قول ابن عمر هذا؟!. وبهذا يتَّضحُ أنَّ هذا الزعم الذي افتراه المُسْتَشْرِقُونَ مردودٌ عليهم، وفي هذا يقول المرحوم الشيخ أحمد شاكر (2): فلم يكن اتِّباع سُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند المسلمين عن عادة اتِّباع الآباء، وقد نعاها الله على الكفار نعياً شديداً، وتوعَّد عليها وعيداً كثيراً، وأمر الناس باتِّباع الحق حيثما كان، واستعمال عقولهم في التدبر في الكون وآثاره، ونقد الصحيح من الزيف من الأدلة، وإنما كان حرص المسلمين على سُنَّة رسول الله اتِّباعاً لأمر الله في القرآن: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3). {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4).   (1) أحمد: 8/ 61 (5700) تحقيق أحمد شاكر. (2) " دائرة المعارف الإسلامية ": 13/ 401 - 402. بتصرف. (3) [الأحزاب: 21]. (4) [النور: 63]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1). إلى غير ذلك من أوامر الله في كتابه، مِمَّا لا يجهله مسلم، واتِّباعاً لأمر رسول الله نفسه، في الأحاديث الصحيحة المُتكاثرة، وفيما ثبت عملياً بالتواتر .. وهذا الموضوع أطال البحث فيه العلماءُ السَّابِقُونَ وأبْدعوا، حتى لم يَدَعُوا قولاً لقائل أو كادوا، وكُتُب السُنَّة وكتب الأصول وغيرها مستفيضة، والباحث المنصف يستطيع أنْ يتبيَّن وجه الحق، ويكفي أنْ نشير إلى كتابين فيهما مقنع لمن أراد: كتاب " الرسالة " للشافعي بتحقيقنا وشرحنا، ط الحلبي 1938، وكتاب " الروض الباسم في الذَبِّ عن سُنَّةِ أبي القاسم " للعلاَّمة محمد بن إبراهيم الوزير اليمني، المتوفَّى سنة 840 هـ. ط المنيرية، فإني رأيت كاتب المقال لم يُشِرْ فيه من أوله إلى آخره إلى مصدر عربي أو إسلامي رجع إليه في بحثه، وهذا عجب!. تناقض وتهافت: وأمَّا عن مفهوم الحديث فيقول عنه جُولْدْتسِيهِرْ بأنه: الشكل الذي وصلت به السُنَّة إلينا، فَهُمَا - أَيْ السُنَّة والحديث - ليسا بمعنى واحد، وإنما السُنَّة دليل الحديث، فهو عبارة عن سلسلة من المُحَدِّثِينَ الذين يوصلون إلينا هذه الأخبار والأعمال المشار إليها طبقة بعد طبقة، مِمَّا ثبت عند الصحابة أنه حَازَ موافقة الرسول في أمور الدين والدنيا، وما ثبت أيضاً حسب هذا المعنى من المُثُلِ التي تُحْتَذَى كل يوم (2). وناقض جُولْدْتسِيهِرْ نفسه في مفهوم الحديث في موضع آخر حين قال: جعل الخلف من الحديث موضع ثقته الكبرى، لاشتماله على ما أثر من أقوال وأفعال السلف الذين يعدُّهُم أئمة الهُدَى ومنار النهج القديم (3).   (1) [النحل: 44]. (2) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 83، و " العقيدة والشريعة ": ص 49. (3) " العقيدة والشريعة ": ص 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وهذا كله تناقض عجيب يدعو إلى العجب، تدحضه الحقائق التي ذكرناها عن مفهوم السُنَّة والحديث! ولسنا في حاجة إلى الحديث عن كتابة الأحاديث (1)، والإذن في الكتابة (2)، والأقوال في الجمع بينهما (3)، والراجح من الأقوال (4)، حتى لا يطول بنا الحديث. مزاعم المُسْتَشْرِقِينَ: وأما عن مزاعم المُسْتَشْرِقِينَ في هذا المقام (5)، فحسبنا أنْ ننقل قول الدكتور سزكين (6): ونرى لزاماً علينا أنْ نُنَبِّهَ إلى أنَّ جُولْدْتسِيهِرْ لم يدرس كُتُبَ علم أصول الحديث دراسة شاملة، رغم أنه عرف قسماً منها وما يزال مخطوطاً إلى ذلك الوقت، وفوق هذا يبدو لنا أنه لم ينظر - رغم كثرة مصادره - إلى بعض المعلومات في سياقها وفي ضوء ظروفها، ويبدو لنا - كذلك - أنه لم يصب في فهم المواضع التي قد تعطي - لأول وهلة - دلالة تختلف عن معناها الحقيقي اختلافاً أساسياً. وعلى كل حال فقد مَرَّتْ مكتبة الحديث بالمراحل التالية: أ - كتابة الحديث .. ب - تدورين الحديث .. جـ - تصنيف الحديث .. ولقد عرف فون   (1) انظر: " مسلم ": 53 - الزهد 72 (3004)، و " الدارمي ": 1/ 119، و " أحمد ": 3/ 12، 21، 39 و" الحاكم ": 1/ 126 - 127، و " جامع بيان العلم ": 1/ 63. (2) انظر: " البخاري ": 45 - اللقطة (2434)، و " مسلم ": 15 - الحج 447 (1355)، و " أحمد " (6510) (7241) تحقيق أحمد شاكر، و " أبو داود ": (2001)، (3632) " عون المعبود "، و " الدارمي ": 1/ 125، و " الحاكم: 1/ 105 - 106، و " ابن عبد البر ": 1/ 71. (3) انظر: " تأويل مختلف الحديث ": ص 286 وما بعدها، و " فتح الباري ": 1/ 208. (4) انظر: " فتح الباري ": 1/ 207 و " الباعث الحثيث ": ص 133، و " السُنَّة قبل التدوين ": ص 352 وما بعدها، و " مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة " و " كُتَّاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، و " عُمدة القاري " 2/ 129، و " توجيه النظر: ص 7، و " السُنَّة ومكانتها ": ص 103 وما بعدها. (5) انظر: " السُنَّة قبل التدوين ": ص 376 وما بعدها، و " منهج النقد في علوم الحديث: ص 49 - 50، و " علوم الحديث ومصطلحه ": ص 23 - 30. (6) " تاريخ التراث العربي ": 1/ 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 كْرِيمَرْ، وشْبْرَنَجْر، وجُولْدْتسِيهِرْ، قدراً من المعلومات الخاصة بهذه المرحلة المُبَكِّرة، ولم يخامرهم الشَكُّ في صِحَّتِهَا، وكان جُولْدْتسِيهِرْ قد شغل نفسه بالمراحل التالية، فحاول على أساس الأفكار الخاطئة - التي أشرنا إليها - أنْ يعارض الروايات الخاصة ببداية التدوين والتصنيف، وبمناقشة بحثه في عمق، ونقده بمعيار دقيق، نشعر أنه لم يتعمَّق فهم القضية، ويبدو لنا كذلك أنه لم ينتبه - بادئ دي بدء - إلى الفرق بين تدوين الحديث وتصنيفه، وكذلك فقد اختلطت عليه الروايات الخاصة بهما اختلاطاً. وذكر موقف عمر بن عبد العزيز (97 هـ / 717 م - 101 هـ / 720 م) الذي اهتمَّ اهتماماً خاصاً، فكلَّف أبا بكر بن محمد بن حزم (المتوفَّى 120 هـ - 637 م) بهذه المُهِمَّة وقال له: انظر ما كان من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ ... الخ، وهذا الخبر معروف في الدراسات الحديثة منذ استخدمه مْوِيرْ، غير أنَّ جُولْدْتسِيهِرْ رماه بالوضع، ورأى نزوع الأجيال المتأخِّرة إلى محاولة عقد صِلَةٍ بين عمر بن عبد العزيز وكُتُب الحديث. ثم ذكر طُرُق أخذ الحديث وتَحَمُّلِهِ (1)، وهي السماع، والعرض، والإجازة، والمناولة، والمكاتبة، والإعلام، والوصية، والوِجادة، وبيَّنَ أنَّ جُولْدْتسِيهِرْ الذي أحال في هذا الصدد - أساساً - إلى المادة التي جمعها شْبْرَنَجْر لم يعرف إلاَّ ثلاث طرق، وهي: الإجازة، والمناولة، والوِجادة، دون أنْ يتَّضح لديه عمرها، أو دورها في كتب الحديث (2) .. ويقول الدكتور صُبْحِي الصَّالِحْ: وأما «دُوزِي» فلعله يَخْدَعُ برأيه المعتدل كثيراً من علمائنا، فضلاً عن أوساط المتعلِّمين فينا، فقد كان هذا المُسْتَشْرِق يعترف بِصِحَّةِ قسم كبير من السُنَّة النبوية التي حُفِظَتْ في الصدور، ودُوِّنَتْ في الكتب بدقَّة بالغة، وعناية لا نظير لها، «وما كان يعجب لكثير من الموضوعات والمكذوبات، تتخلَّلُ كتب الحديث - فتلك كما يقول طبيعة الأشياء نفسها - بل للكثير من المرويات الصحيحة الموثوقة التي لا يرقى إليها الشك، - (ونصف " صحيح   (1) المرجع السابق: ص 93. (2) انظر: " منهج النقد في علوم الحديث ": ص 215 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 البخاري " على الأقل جدير بهذا الوصف عند أَشَدِّ المُحَدِّثِينَ غُلُواً في النقد)، مع أنها - أي الروايات الصحيحة - تشتمل على أمور كثيرة، يَوَدُّ المؤمن الصادق لو لم تَرِدْ فيها» (1)، فلم يكن غرض هذا المُسْتَشْرِق خالصاً للعالم والبحث المُجَرَّدِ، حين مال إلى الاعتراف بِصِحَّةِ ذلك النصيب الكبير من السُنَّة، وإنما كان يُفَكِّرُ أولاً وآخراً فيما اشتملت عليه هذه السُنَّة الصحيحة من نظرات مستقلَّة في الكون والحياة والإنسان، وهي نظرات لا يَدْرَأُ عنها استقلالها النقد والتجريح، لأنها لم تنبثق من العقل الغربي المُعْجِز، ولم تصوَّر حياة الغرب الطليقة من كل قيد!) (2). وعثر المُسْتَشْرِقُ شْبْرَنَجْر على كتاب " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، فوجد فيه شواهد وأخباراً تدل على تدوين المسلمين للحديث في عَصْرٍ مُبَكِّرٍ، فكتب مقالاً حول ما وجده. واطلع جُولْدْتسِيهِرْ على ما كتبه سَلَفِهِ شْبْرَنَجْر، وأيَّدَ فكرة كتابة المسلمين للحديث في عصر مُبَكِّرٍ، إلاَّ أنه تأمَّل في الأخبار التي عرضها سلفه شْبْرَنَجْر نقلاً عن الخطيب البغدادي وغيره ... فظنَّ بهذه الأخبار سُوءاً، وأراد أنْ يرى خلالها يَدَ الوضع والتزوير ... فقال: إنَّ أهل الرأي - الذين اعتمدوا في وضع فروع الشريعة على عقلهم، وأهملوا شأن حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من حُجَجِهِمْ أنَّ الحديث لم يكتب دَهْراً طويلاً فغابت معالمه، وتَشَتَّتَ أَمْرُهُ، وأيَّدُوا رأيهم بأخبار اختلقوها، تُثْبِتُ أنه لم يكتب، ولم يقف خصومهم - أهل الحديث - واجمين، بل فعلوا فِعلتهم، واختلقوا الأخبار تأيِيداً لقولهم، فنسبوا إلى الرسول أحاديث في إباحة الكتابة (3). هكذا رأى جُولْدْتسِيهِرْ أهل الرأي يَدَّعُونَ عدم كتابة الحديث، فيضعون من الآخبار ما يثبت دعواهم، وأهل الحديث يرون جواز تقييد العلم، فيضعون ما يثبت   (1) أشار الدكتور صبحي الصالح في " علوم الحديث ومصطلحه " هامش الصفحة: 26 إلى أنَّ عبارة «دُوزِي» في الأصل آوقح من أنْ يوردها على حالها، وأحال على الأصل بالفرنسية!. (2) المرجع السابق. (3) مجلة الثقافة المصرية: العدد 351 السَنَةِ السابعة: 22 - 23 من مقالة الدكتور يوسف العش «نشأة تدوين العلم في الإسلام». الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 دعواهم، لِيِحْتَجُّوا بصِحَّة ما لديهم من أحاديث في خلافاتهم الفقهية، أراد جُولْدْتسِيهِرْ أنْ يُصَوِّرَ علماءَ الأمَّة ومُفَكِّريها حزبين مُتَعَصِّبين لآرائهم، يستجيزون الكذب في سبيل ذلك! فساء ما تصوَّره! وبِئْسَ ما انتهى إليه! وقد قيَّضَ اللهُ لكتاب " تقييد العلم " أنْ ينشر في دمشق، ويُحَقَّقَ تحقيقاً علمياً دقيقاً، على يد الدكتور يوسف العش، الذي درس أخباره دراسة عميقة، ثم قَدَّمَ الكتاب المذكور بتصدير عِلْمِيٍّ قيِّم، كشف فيه عن أخطاء جُولْدْتسِيهِرْ في رأيه - حين قال: إنَّ من ادَّعَى عدم جواز الكتابة هُمْ أهل الرأي، وأنَّ مخالفيهم هُمْ من أهل الحديث - قال الدكتور العش: «فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين، لأَنَّ من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة وبينهم من أقرَّها، ومن المُحَدِّثِينَ من كره الكتابة ومنهم من أجازها» (1). وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب: «بهذه البراهين القوية نقض الدكتور العش رأي جُولْدْتسِيهِرْ، وقوَّض كل ما بناهُ على رأيه من صور وهمية، وبَيَّنَ بعد البحث والتأمل (أنْ ليس من أوصاف مشتركة تُوَحِّدُ بين أصحاب إحدى الطائفتين، فليس الفريقان حزبين اتفق أفرادهما في الرأي، واستعدُّوا لخوض المعركة متضامنين، يناصر بعضهم بعضاً، وإنما تمسَّكُوا برأيهم عن عقيدة نفسية، أو عن ميول شخصية، أو عن ذوق خاص، أو عن عادة مُسْتَحْكمة، وعندنا أنَّ الطائفتين المُتخاصمتين مُتَّفقتان بالغاية، ولو أنهما تشاحنتا في القول، فكلتاهما تبغي الدفاع عن العلم والتقدُّم)» (2). بعد تلك الأخبار عن التدوين، وحرص الأمَّة على سلامة الحديث النبوي، لا يمكننا أنْ نُسَلِّمَ بما ذهب إليه المُسْتَشْرِقُونَ، وخاصة بعد أنْ ظهر أمرهم على ضوء ما بَيَنّاهُ، فالسُنَّة حفظت منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصدور، وقيَّدَهَا بعضُهُم في الصُحٌف، وكانت محلَّ اعتناء المسلمين في مختلف عصورهم، فتناقلوها جيلاً عن جيل حفظاً ودراسة بالمشافهة والكتابة، واجتهدوا وسعهم لحفظ الحديث بأسانيده   (1) انظر: " تقييد العلم ": ص 21، 22. و " مقالة " الدكتور العش في " مجلة الثقافة المصرية " العدد 353، السَنَة السابعة، الصفحة 9، 10. (2) " مجلة الثقافة المصرية " العدد 353، السَنَة السابعة، الصفحة 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 في مصنَّفات ومسانيد تَكْفُلُ لأهل العلم معرفة القوي من الضعيف، خشية تَسَرُّبِ الكذب إلى حديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم اجتهد كبار العلماء في جمع الحديث الصحيح على أسلم قواعد التثبُّت العلمي، فرحلوا في طلب ذلك، وسمعوا بأنفسهم، وتثبَّتُوا وسعهم، وكتبوا بأيديهم، فظهرت الكتب المجرَّدة من الضعيف، وأجمعت الأمَّة الإسلامية - التي فهمت الإسلام واتَّخذته سبيلها في مختلف وجوه حياتها - على صِحَّةِ " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم "، فإذا اعترف المُسْتَشْرِقُونَ ببعض الحقائق العلميَّة، وأقرُّوا جانباً مِمَّا أثبتته المصادر الإسلامية، فلا يجوز لنا على أي حال أنْ نقبل ما ذهبوا إليه من طعن في صحاح السُنَّة، باسم طبيعة تطوُّر الرواية أو غير ذلك، كما لا يجوز لنا أيضاً أنْ نقبل منهم إضعاف ثقتنا باستظهار السُنَّة وحفظها ما دام قد ثبت تقييد بعض الحديث منذ عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا تعارض بين حفظ الحديث وكتابته، ولا يقتضي وجود أحدهما انعدام الآخر أو ضعفه. جَهْلٌ مُرَكَّبٌ: وهكذا كانت هذه الأحاديث التي حفظت في الصدور وكتبت في السطور، وهكذا تميَّزت هذه الأُمَّة عن غيرها من الأمم بمثل هذا السجل الخالد لِنَبِيِّهَا، فالأمم كلها فقيرة لا تملك مثل هذه المجموعة الناطقة المُسَجَّلَةِ عن الأنبياء والرسل، وهي (1) - من عمى وظلام تاريخي - قد انقطعت الصِلَةُ بينها وبين أنبيائها علمياً وعملياً وروحياً، وفقدت الحلقة التاريخية التي تصلها بعصر هؤلاء الرسل - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ -، وتوفقها على شؤون حياتهم، وما يكتنفها من ظروف وملابسات. هذه أسفار اليهود التي تضمنت (2) سير هؤلاء الأنبياء قد خالج المُحَقِّقِينَ من العلماء ضروبٌ من الشك في كل سفر من أسفارها، على أننا إذا ضربنا صَفْحاً عن هذه الشكوك نرى سير هؤلاء الأنبياء ناقصة، مثال ذلك أحوال موسى المذكورة في أسفار " التوراة "، وقد توصل مؤلفو " دائرة المعارف البريطانية " أنفسهم إلى تحقيق أنَّ هذه الأسفار دُوِّنَتْ وجُمِعَتْ بعد موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بقرون كثيرة، زِدْ على ذلك أنَّ   (1) " رجال الفكر والدعوة في الإسلام ": ص 81 بتصرف. (2) " الرسالة المحمدية ": ص 49 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 " التوراة " الموجودة فيها لكل حادثة روايتان مختلفتان وحكايتان متباينتان كما حقَّق ذلك بعض علماء الألمان، وربما دفع بعض هذه الروايات بعضاً فتعارضت أُولاها بأُخراها. ونحن نواجه الوصف المتعارض في سِيَرِ الرجال والحوادث جميعاً ومن أراد أنْ يزداد علماً بهذا الموضوع فليراجع مادة «بَايْبِلْ» في الطبعة الأخيرة من " دائرة المعارف البريطانية "، وإذا كان الأمر كذلك فبأي منزلة من التاريخ ننزل حوادث العالم من آدم إلى موسى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -؟! وكيف نقدر قدر التاريخ الثابت في هذه الأمور؟! وحسبنا أنْ نذكر أنَّ الأسفار الخمسة من " التوراة " لا تعطي تفاصيل حياة موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بصورة تماثل ما نعرف عن حياة خاتم النبيين - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فضلاً عن التحريف الذي لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ، ولنذكر ما جاء في " سفر التثنية " (34: 5 - 10): «إنَّ عبد الله موسى مات بإذن الله في أرض موآب، ودفنه الله في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره الى هذا اليوم، وكان موسى ابن عشرين ومائة سَنَة حين جاءهُ الموت ... ولم يقم بعد نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى». هذه الفقرات ذكرها " سفر التثنية "، وهو السفر الخامس من " التوراة " المُوحَى الى موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، ولا يخفى أنَّ هذه الكلمات لم ينطق بها موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وهذا يدل على أنَّ هذا السفر كله أو هذه الفقرات لا صلة لها بالوحي بحال، فضلاً عن أنَّ الدنيا تجهل كاتب هذه السيرة لموسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -! وواضح أنَّ قوله: «ولم يعرف إنسان قبره». وقوله: «ولم يقم بعد نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى» لم ينزل به الوحي!. وأحوال عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وسيرته مكتوبة في الأناجيل، والأناجيل - كما تعلمون - كثيرة، غير أنَّ أكثرية المسيحيين اقتصرت على أربعة أناجيل. أما " إنجيل الطفولة ". و " إنجيل برنابا " وغيرها فلا يعتبرونهما، ومع ذلك فإنَّ الأناجيل الأربعة التي اقتصروا عليها لم يَلْقَ أَحَدٌ من الذين جمعوها سيدنا عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وإذا تساءلنا: عَمَّنْ رَوَوْا هذه الأناجيل؟ نجد التاريخ يجهل ذلك كُلَّ الجهل، ويزداد المرء شكّاً إذا توصَّل إلى حقيقة أخرى، وهي أنَّ الرجال الأربعة المنسوبة إليهم هذه الأناجيل الأربعة لا يمكن القطع يقيناً بأنهم هم الذين جمعوها في الواقع، فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 كان الأشخاص المنسوبة إليهم هذه الأناجيل لا يَطْمَئِنُّ التاريخ إلى صدروها عنهم فكيف يَطْمَئِنُّ الى صِحَّتِهَا؟! وزاد الطين بَلَّةً أننا لا نعلم يقيناً اللغة التي كتبت بها هذه الأناجيل في الأصل، وفي أَيِّ زمان كُتِبَتْ، فقد اختلف مفسرو الآناجيل اختلافاً شديداً في تعيين زمان جمعها وتدوينها، فَمِنْ قائل إنها كتبت سنة 60 للميلاد، ومن قائل إنها جمعت بعد ذلك التاريخ بكثير! وقد كتب المُسْتَشْرِقُونَ التاريخ القديم لبابل وأشور والعرب والشام ومصر وأفريقيا والهند وتركستان، وأخذوا يلائمون بين الحوادث القديمة المجهولة الزمن ويعرضونها على الناس واضحة نقيَّة مُنَسَّقَةً مرتبطاً بعضها ببعض، وطَفِقُوا يعثرون على الصفحات المفقودة من كتب التاريخ القديم للبشر، إلاَّ أنهم قد أعياهم البحث والفحص فلم يجدوا الصفحات المفقودة عن حياة نَبِيِّهِمْ، وقد استغرق «ريتان» جُهْدَهُ، ولقي من العناء والنصب مبلغاً عظيماً ليقف على حياة عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كاملة تامة، ومع ذلك فإنَّ شؤونه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وأحواله لا تزال سراً مكنوناً في ضمير الزمن لم يبح به لسانه بعد، فضلاً عن التحريف الذي وقعوا فيه تجاه رسالته وما يعتقدونه تجاه الصلب وغيره! وأما شأن أصحاب المِلَلِ والنِحَلِ فالأمر أعجب، حتى صار كثير من المُسْتَشْرِقِينَ (1) والمؤرِّخين يَشُكُّونَ في وجودهم، ويميلون إلى أنها شخصيات خُرافية ليس لها وجود تاريخي، ونحن - على معارضتنا لهذا التطرُّف - نوافق على أنها شخصيات مطمورة في ركام الماضي، وعلى أنَّ هنالك حلقات مفقودة لا يمكن البحث عنها والاهتداء إليها! وهذا جهل مركب وقع فيه المُسْتَشْرِقُونَ، سواء اليهود تجاه أسفارهم، والنصارى تجاه أناجيلهم، وغير هؤلاء وأولئك تجاء مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ!   (1) " رجال الفكر والدعوه في الإسلام ": ص 72 - 81 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الفصل الثالث: جهالات حول السند والمتن: تمهيد: ولم يقف المُسْتَشْرِقُونَ عند حَدِّ تهافت شُبُهاتهم حول المفهوم والتدوين - كما أسلفنا - وإنما ساروا قُدُماً في الطعون في السُنَّة، وتنوَّعت أساليبهم في ذلك حول السند والمتن .. مِمَّا دعانا إلى بيان جهالاتهم فيما يلي: مفهوم السند: يطول بنا الحديث لو حاولنا ذكر الأقوال بالتفصيل في التعريف، وحسبنا أنْ نذكر أنَّ الإسناد لغة: مطلق الإخبار، واصطلاحاً: هو رفع الحديث إلى قائله، وقيل: هو الإخبار عن طريق المَتْنِ، وقيل: هو حكاية طريق المَتْنِ، وهذه التعريفات بمعنى واحد، وقيل: هو الطريق الموصلة إلى المَتْنِ، والطريق: هم الرجال والرُواة، وذكر ابن جماعة: أنَّ رفع الحديث إسناد، وأنَّ الإخبار عن طريق المَتْنِ سند، وذكر السخاوي أنَّ الطريق الموصلة إلى المَتْنِ أشبه بالإسناد، وقال الشيخ زكريا: والمُحَدِّثُونَ يستعملونها لشيء واحد. ووجه ذلك أنَّ الرفع والإخبار والحكاية بمعنى الحديث، وأنَّ الطريق هم الرُواة، وكلاهما يعتمد عليه الحفاظ في صِحَّةِ الحديث وضعفه (1). مكانة السند: وفضل السند عظيم، لأنه يحفظ الشريعة من الخلط والدَسِّ فيها .. فالحديث سند ومتن، والسند بمثابة الدعامة التي يعتمد عليها، ويتوقَّف غالباً قبول   (1) " المختصر في علم رجال الأثر ": ص 16، وانظر " توجيه النظر ": ص 25، و " تدريب الراوي ": 1/ 41، 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الحديث ورَدِّهِ، ولذا جعله ابن المبارك بمثابة القوائم فقال: بيننا وبين القوم القوائم - يعني الإسناد - ومعناه كما يقول النووي: إنْ جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه، وإلاَّ تركناه، فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد، كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم (1)، وقال ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (2). وقال الحاكم: فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له، وكثرة مواظبتهم على حفظه، لدرس منار الإسلام، وَلَتَمَكَّنَ أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإنَّ الأخبار إذا تعرَّتْ عن وجود الأسانيد كانت بتراء (3). وقال الشافعي: مثل من يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل، ربما احتطب في حطبه أفعى (4). والأُمَّةُ الإسلامية أُمَّةُ الإسناد، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى بيان (5)، ومن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى ما كتبه ابن حزم في وجوه النقل عند المسلمين وغيرهم (6)، وما ذكره أبو بكر محمد بن أحمد، ومحمد بن حاتم بن المظفر (7)، وما ذكره أحد فلاسفة الهنود الذي أسلم عندما أدرك أنَّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ محفوظ (8). بداية استعمال الإسناد: كان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - إذا رَوَوْا الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَّوُرهُ بعبارة تشعر بتَحَمُّلِهِ (9)، وقد تكون صريحة في أخذه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مباشرة،   (1) " مسلم بشرح النووي ": 1/ 88. (2) المرجع السابق: ص 87، و " معرفة علوم الحديث ": ص 6 وانظر " المحدث الفاصل ": ص 208، 414، 415، 416، و " شرف أصحاب الحديث ": ص 41، 42. (3) " معرفة علوم الحديث ": ص 6. (4) " المختصر ": ص 17. (5) انظر " الباعث الحثيث ": ص 159، 160. (6) انظر " الفِصَلْ ": 2/ 81 - 84. (7) انظر " شرف أصحاب الحديث ": ص 40. (8) انظر " تفسير المنار ": 6/ 302. (9) " الوضع في الحديث: 2/ 15 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وأحياناً تحتمل قيام الواسطة، وحيث إنَّ الغالب في الواسطة صحابي شهد تلك الواقعة أو كان طرفاً فيها، ساغ لهؤلاء الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - رفع ذلك إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دون ذكر الواسطة ثقة به، وهناك مجموعة من الأحاديث دُوِّنَتْ كما سبق، في حياة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعصر الصحابة. إلزام الرُواة بذكر الإسناد: وأول من بدأ بإلزام الرواة بذكر أسانيدهم، وحمل لواء ذلك أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، حيث سَنَّ أمر التثبُّت من الراوي، فلم يقبل من أحد الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - حديثاً يرفعه إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى يشهد معه غيره بأنه سمعه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1). وسار عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على سُنَّةِ أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (2)، وكذلك عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (3)، وكان عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يستحلف الراوي، أسَمِعَ حديثه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا (4). وهذا يُبَيِّنُ أنَّ الإسناد قد تَخَطََّّى مرحلة استخدامه (5) واستعماله إلى مرحلة إلزام الراوي بذكر إسناده .. وهؤلاء الصحابة هُمْ عِلْيَةِ القوم، والناس تَبَعٌ لهم .. وهكذا دأب الناس على نهج الخلفاء الراشدين يتثبَّتُون في سماع الرواية، ويطلبون ذكر الطريق الذي يحمل منه الراوي الحديث، لا سيما عقب قيام الفتنة .. وظهور الفرق، حيث أصبح التفتيش عن الإسناد ضرورة مُلِحَّةً، والبحث   (1) انظر: " موطأ مالك ": 27 - الفرائض (4)، و " سنن الترمذي ": 30 - الفرائض (2100 - 2101)، و " سُنن أبي داود ": الفرائض (2877) " عون المعبود "، و " سُنن ابن ماجه ": 23 - الفرائض (2724). و " تذكرة الحفاظ ": 1/ 2، 3. و " معرفة علوم الحديث ": ص 15، و " الكفاية ": ص 26. (2) انظر: " صحيح البخاري ": 79، الاستئذان (6245) و " صحيح مسلم ": 38 - الآداب 33 (2153)، و " موطأ مالك ": 54 - الاستئذان (3). (3) انظر: " مسند أحمد ": 1/ 371، 372 تحقيق أحمد شاكر. (4) انظر: " سُنن أبي داود ": الصلاة (1507) " عون المعبود "، و " سُنن الترمذي ": 48 - التفسير (3006)، وابن ماجه: 5 - الصلاة (1395). (5) " الوضع في الحديث ": 2/ 21 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عن الرُواة وتعريضهم للنقد، وقد صوَّرَ ابن سيرين موقف المُحَدِّثِينَ في تلك الحقبة أحسن تصوير بقوله: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ» (1). ولا مُنافاة بين قول ابن سيرين وبين ما تقرَّرَ من أنَّ إلزام الرُواة بذكر الإسناد بدأ منذ عهد الصدِّيق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - - كما سبق - وقد حفظت لنا كتب الحديث ونقد الرجال كثيراً من الوقائع التي ألزم فيها الرُواة بذكر أسانيدهم والإفصاح عمَّن تلقُّوا عنهم (2). المُسْتَشْرِقُونَ والإسناد: ومع أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ ليس لهم إسناد فيما يعتقدون أو يتَّبعون، فإنهم يضيفون إلى جهالاتهم السابقة مُفتريات حول الإسناد، يطول الحديث بذكرها، ومن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى ما نقله الدكتور الأعظمي عن «كَيْتَانِي» و «شْبْرَنَجْر» (3)، و «هوروفتس» و «روبسون» و «شَاخْتْ»، وموقف «روبسون» من تفسير «شَاخْتْ» للفتنة وكيف قرَّرَ «هوروفتس» ما رآهُ «روبسون»، واتَّفَقَ مع «كَيْتَانِي»، وتابعهم «سزكين» (5). موقف عجيب: ولا يفوتني أنْ أذكر هذا الموقف العجيب من الدكتور فؤاد سزكين حيث ذهب كما يقول الدكتور العمري إلى القول بأنَّ الإسناد بدأ يفقد مكانته منذ ألَّفَ البخاري " صحيحه "، فأكثر فيه التعاليق والفقرات اللغوية والتاريخية دون إسناد (6). وقد كتب الدكتور العمري تحت عنوان: «ملاحظات واستدراكات على كتاب   (1) " مسلم بشرح النووي ": 1/ 84. (2) انظر " الوضع في الحديث ": 2/ 22 وما بعدها. (3) انظر " دراسات في الحديث النبوي ": ص 392 نقلاً عن المراجع غير العربية. (4) انظر المرجع السابق: ص 393. (5) انظر " بحوث في تاريخ السُنَّة المشرفة ": ص 50 نقلاً عن المراجع غير العربية. (6) " بحوث في تاريخ السُنَّة المشرفة ": ص 56، وانظر " تاريخ التراث العربي ": 1/ 249 الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة. ط 1971. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 " تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين» كما ذكر هو في آخر كتابه " بحوث في تاريخ السُنَّة المشرَّفة " غير أني لم أطَّلع عليه. ويقول الدكتور سزكين (1): وشُهرة البخاري تقوم على كتابه " الجامع الصحيح " وهو ما يمْكِنُ أنْ نصفه - بعد دراسة عميقة ناقدة - بأنه مصادفة حسنة، وهناك بَوْنٌ شاسع بين المكانة الرفيعة التي زادت وتدعَّمتْ مع القرون التالية، والنقد اللاذع الحاد من بعض الشُرَّاح المَوْضُوعِيِّينَ!، الذين وجب عليهم أنْ يفعلوا ذلك أثناء شرحهم له في مواضع عديدة من النص، ومِمَّا يدعو إلى العجب أنَّ الأبحاث العلميَّة الحديثة التي يبدو أنها لم تعرف هذا على الإطلاق قد أخذت - دون نقد أو تمحيص - الصفات المنسوبة إلى الكتاب، رغم أنها غير صحيحة! والخطأ الأكبر الذي جَرَّ إلى أخطاء هو اعتبار كتاب البخاري أول كتاب «مُصَنَّفٍ» أُلِّفَ بهدف أنْ يهتدي المرء بمعونته في كل باب من أبواب الفقه، وفي كل مسألة فقهية (2). وقد أوضحت دراسة تطور علم الحديث أنَّ مجموعات البخاري ومعاصريه لا تمثِّلُ بأية حال من الأحوال بدايات كتب «المصنّف» وذلك لأنها ليست إلاَّ جمعاً مُلَخِّصًا للمؤلفات التي ظهرت ثماراً لتطوُّر استمرَّ قروناً من الزمن، ويبدو أنَّ البخاري قد استخدم كتب الحديث - وكثيراً من الكتب اللغوية والتاريخية والفقهية كذلك - دون انتقاء! ودون توفيق! الأمر الذي جعل الشُرَّاح المتأخِّرين يعجبون منه!، ويطلقون عليه «عاف من التقليد»! وبالنسبة للأسانيد فإنَّ مصنّف البخاري " الجامع " لا يرقى إلى الكمال! فالأسانيد ناقصة في حوالي ربع المادة، وقد أطلق على هذا الأمر ابتداءً من القرن الرابع اسم «التعليق» وبهذا يفقد كتاب البخاري كثيراً من سِمَتِهِ مُصنَّفاً جامعاً شاملاً!، أما البخاري نفسه فقد برهن على أنه ليس عالم الحديث الذي طوَّرَ الإسناد إلى الكمال، كما زعم «كَيْتَانِي»، بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد! وهذا موقف عجيب، فهو - كما أسلفنا - قد دحض شُبَهَ المُسْتَشْرِقِينَ حول الإسناد (3).   (1) المرجع السابق: ص 307. (2) انظر المرجع السابق، ففيه إشارة إلى جُولْدْتسِيهِرْ. (3) وانظر " محاضرات في تاريخ العلوم المحاضرة الثالثة ": ص 37 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وحسبنا أنْ نذكر قول ابن حجر في بيان موضوع كتاب البخاري والكشف عن مغزاه فيه (1): «تقرَّر أَنه الْتزم فِيهِ الصِّحَّة وَأَنه لا يُورد فِيهِ إِلاَّ حَدِيثاً صَحِيحاً هَذَا أصل مَوْضُوعه وَهُوَ مُسْتَفَادٌ من تَسْمِيَته إِيَّاه الْجَامِع الصَّحِيح الْمسند من حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وايامه وَمِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنهُ من رِوَايَة الأَئِمَّة عَنهُ صَرِيحًا ثمَّ رأى أَنْ لا يخليه من الْفَوَائِد الْفِقْهِيَّة، والنكت الْحكمِيَّة، فاستخرج بفهمه من الْمُتُون مَعَاني كَثِيرَة فرقها فِي أَبْوَاب الْكتاب بِحَسب تناسبها، واعتنى فِيهِ بآيَات الْأَحْكَام فَانْتزع مِنْهَا الدلالات البديعة، وسلك فِي الإِشَارَة إِلَى تَفْسِيرهَا السبل الوسيعة، قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين نفع الله بِهِ: لَيْسَ مَقْصُود البُخَارِيّ الاقْتِصَار على الأَحَادِيث فَقَط بل مُرَاده الاستنباط مِنْهَا وَالاسْتِدْلال لأبواب أرادها وَلِهَذَا الْمَعْنى اخلى كثيراً من الأَبْوَاب عَن إِسْنَاد الحَدِيث وَاقْتصر فِيهِ على قَوْله " فِيهِ فلان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقد يذكر المَتْنِ بِغَيْر إِسْنَاد، وَقد يُورِدهُ مُعَلّقا، وَإِنَّمَا يفعل هَذَا لأنَّهُ أَرَادَ الاحْتِجَاج للمسألة الَّتِي ترْجم لَهَا، وَأَشَارَ إِلَى الحَدِيث لكَونه مَعْلُوماً وَقد يكون مِمَّا تَقَدَّمَ وَرُبمَا تَقَدَّمَ قََِرِيباَ». وبهذا يَتَبَيَّنُ بطلان ما ذهب إليه سيزكين، وأنَّ قوله: أنَّ الإسناد لم يعرف شكله الأكمل عند البخاري، وأنَّ الواقع أنه بدأ من البخاري يفقد مكانته، وأنه أول من بدأ معه انهيار الإسناد مردود عليه! وهذا يدعو إلى الحذر والحيطة مِمَّا يكتبه في " تاريخ التراث العربي "، وقد ذكر لي بعض الإخوة الأتراك أنَّ رسالته التي تقدَّم بها لدرجة الدكتوراة قد تطرَّقَ فيها إلى هذا الموضوع، فطلبت نسخة منها باللغة التركية، وهي عندي الآن، وأرجو أنْ أتعرَّف على ما جاء فيها في هذا الشأن بعد ترجمتها بعون الله وتوفيقه. مفهوم المَتْنِ: أما المَتْنِ فسبق أنْ أشرنا إليه في بيان مفهوم السند، وأنه يطلق على ما انتهى إليه السند، وهو المروي من ألفاظ الحديث التي تتقوَّم بها المعاني (2).   (1) " هدي الساري " مقدمة " فتح الباري ": ص 8. (2) " المتعصر من مصطلحات أهل الأثر ": ص 5، وانظر " تدريب الراوي ": 1/ 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وقد تعرَّض المُحَدِّثُونَ لدراسة المَتْنِ من جوانبه العديدة، استكمالاً لبحثهم في القبول والردِّ، واستيفاء لما يحتاج إليه الباحث (1). ولم تكن هذه الدراسة لمجرَّد إشباع رغبة جامحة، بل كانت الدوافع إليها أعمق وأدق، لأَنَّ المؤمنين يعلمون تماماً أنَّ الحق - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أنزل كتابه، وَوَكَّلَ تبيينَهُ لنبيِّهِ، فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2). ولبث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثاً وعشرين سَنَةً يُبَيِّنُ ويُوَضِّحُ، ويفرض ويَسُنُّ، ويُحِلُّ ويُحَرِّمُ، وأصبحت معرفة هذه الأمور موقوفة على معرفة السُنَّة .. ومعلوم أنَّ هذا كله يتوقَّفُ على تمييز الصحيح من الضعيف، والغَثِّ من السمين، والراجح من المرجوح، وقد تحرَّى علماء السُنَّة في هذا الأمر الحَقَّ، وتمسَّكُوا فيه بِالمَحَجَّةِ البيضاء، وكل ما يؤدِّي إلى الصدق، فكان علمهم هذا من مفاخر الإسلام. المُسْتَشْرِقُونَ والمتن: ولا يقف المُسْتَشْرِقُونَ عند حَدِّ شُبُهاتهم حول المفهوم والتدوين، وجهالاتهم حول السند - كما أسلفنا - وإنما ساروا قُدُماً في جهالاتهم نحو المَتْنِ! وحتى لا يتشعَّبَ بنا الحديث، نَخُصُّ بالذكر «فَنْسَنْكْ» ذائع الصيت، حيث رَأَسَ مجموعة من المُسْتَشْرِقِينَ في عَمَلَيْنِ كَبِيرَيْنِ: أحدهما: " دائرة المعارف الإسلامية " وقد دعا إليها المُسْتَشْرِقِينَ سنة 1895 م وأشرف عليها «هُوتْسْمَا» في أول الأمر، فصدر الجزء الأول منها في عهده سنة 1913 م ثم تولَّى أمرها من بعدها «فَنْسَنْكْ» سنة 1924 م فنشطت، وصدر منها في عهده ثلاثة أجزاء أخرى بالإنجليزية والفرنسية والألمانية. وثانيهما: في مجال فهرسة السُنَّة، فقد أصدر كتابين:   (1) انظر " منهج النقد في علوم الحديث ": ص 321 وما بعدها. (2) [النحل: 44]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أحدهما بالإنجليزية، ثمَّ تُرجِمَ إلى العربية بعنوان: " مفتاح كنوز السُنَّة ". والآخر " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي " (1) الذي فهرس " الكتب الستة "، و " الموطأ "، و " مسند أحمد "، و " الدارمي "، وقد اكتشفتُ أخطاء جسمية جَمَّةً ومتنوِّعة في هذا الكتاب، فيما يخصُّ " صحيح مسلم " وحده، وأَوْرَدْتُ نماذج دون استقصاء في سبعة أنواع، بلغت مجموعها «479» يطول الكلام في ذكرها (2). هذا المُسْتَشْرِق يقول (3): لقد تطورت الأفكار، وكذلك العمل، بعد وفاة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَّة عقود، وهذا التطور منح القادة الرُوحيِّين فرصة لبيان روح الإسلام في الأحاديث، ومن أهمِّها على الإطلاق، حديث «العقيدة والشهادة» و «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ» (4). ويُعلِّقُ الدكتور الأعظمي على ذلك قائلاً: والدليل على وضع الحديثين - في نظر فَنْسَنْكْ - بعد وفاة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَّة قرون هو الآتي: لم يكن لدى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيه صيغة يجب الإتيان بها لمن يدخل في كنف الإسلام، وعندما التقى المسلمون بالمسيحيِّين في الشام، ووجدوا عند النصارى كلمة شعروا بحاجة إلى شيء يماثلها، فاستخرجوا روح الإسلام في شكل هذين الحديثين، وبما أنَّ هذا الحديث يشتمل على الشهادتين، لذلك لا يمكنه أنْ يقبل أنَّ هذا الحديث صادر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!. ويعرف «فَنْسَنْكْ» جيِّداً أنَّ الشهادتين جزء من التشهُّد الذي يقرأ في نهاية كل ركعتين في الصلاة، وكان من المفروض أنْ يُعَدِّلَ نظريته، لكنه ادَّعَى أنَّ الصلاة نفسها وصلت إلى شكلها النهائي بعد وفاة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (5)، ومن الغريب جِدًّا أنَّ   (1) انظر كتابنا " الفهارس ومكانتها عند المحدثين ": ص 315 وما بعدها. ذات السلاسل - الكويت 1409 هـ - 1989 م. (2) انظر كتابنا " أَضْوَاءٌ عَلَى أَخْطَاءِ المُسْتَشْرِقِينَ "، در القلم - الكويت 1408 هـ - 1988 م. (3) " دراسات في الحديث النبوي ": ص 460، 461 بتصرف. (4) انظر المرجع الأصلي في المرجع السابق. (5) انظر المرجع الأصلي في المرجع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 القرآن يأمر بالصلاة عشرات المَرَّاتِ (1)، والأحاديث الخاصة بالصلاة تصل إلى الآلاف، وبالرغم من كل هذا يزعم هذا المُسْتَشْرِق أنَّ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُعَلِّمْهُمْ الصلاة، وتركها ناقصة، وأنها قد أخذت شكلها النهائي على أيدي الصحابة! والأمر لم يقف عند هذا الحد، فهناك صلاة الجماعة، وهناك الأذان، والقرآن الكريم يشير إليه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (2). والشهادتان جزء من الأذان، وهذا يُبيِّنُ بجلاء ووضوح، لا لُبْسَ فيهما ولا غموض، أنَّ ما قاله «فَنْسَنْكْ» واضح البطلان، وافتراء مزعوم، وتهافت ساقط، لا يقول به عاقل، وهُرَاءُ في هُرَاءٍ، اللهم إلاَّ إذا كان هذا المُسْتَشْرِق يزعم أنَّ الأذان جاء في وقت متأخِّرٍ، بعد الاقتباس من نصارى بيزنطة، وهل نصارى بيزنطة وغيرهم يعرفون شهادة التوحيد؟! هذا مثال من نقد مُسْتَشْرِقٍ أفنى عمره في إعداد " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي "، وفيه مادة «بني» لفظ الحديث، وأنه رواه البخاري ومسلم وغيرهما .. وفي مادة «شهد» لفظ الحديث من رواية الشيخين وغيرهما .. وحسبنا أنْ نذكر متن الحديث عن ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (3).   (1) انظر " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ". (2) [الجمعة: 9]. (3) " البخاري ": 2، الإيمان (8)، و " مسلم ": 1 - الإيمان 19 (16)، و " الترمذي ": 41 - الإيمان (2609)، و " النسائي ": 8/ 107 - 108، و " أحمد ": 9/ 105 (6301) تحقيق أحمد شاكر بلفظ: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ ... » وقال الترمذي: وقد رُوِيَ من غير وجه عن ابن عمر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 منهج نقد الأناجيل: وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أنْ يقترح «رُوبْسُنْ» لنقد الأحاديث النبوية استعمال المنهج المستعمل لنقد نصوص الأناجيل، مع أنه قد صرَّحَ بنفسه أنَّ هذا المنهج ليس مُتَّفَقاً عليه بين الباحثين في كتب العهد القديم والجديد! ويُعقِّبُ الدكتور الأعظمي على ذلك بقوله (1): وإذا راجعنا الكتب المقدَّسة وخاصة العهد الجديد، فإننا نعود إلى ظلام دامس، حيث نجهل كل شيء، فلا ندري مؤلفي الكتب، فضلاً عن معرفتنا بسيرتهم، ولا نعلم علم اليقين اللغة التي استعملوها في تأليف كتبهم، ولا مقدرتهم العلمية لترجمة كلام عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من الآرامية إلى اليونانية! وقد اختلف المؤرِّخُون شخصيات مؤلِّفِي العهد الجديد، يقول «سيرايدون هوسكنز» و «نُوِيلْ دِيوِي»: إنَّ مؤلفي العهد الجديد كانوا غير مُهتمِّين بالمسائل، مثل اسم المؤلف، وتاريخ الكتابة وما شاكل ذلك، وليس هناك كتاب واحد مؤرخ، والكتب التاريخية - خلافاً للرسائل - للمؤلفين المجهولين! يقول «بلتمان»: لا ريب أنَّ مرقس أول من ألَّف، وظهر إنجيله بين الأناجيل الأربعة، لكنه لا يمكننا أنْ نقبل كلامه كتاريخ حقيقي للمسيح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لأنه في الواقع قد سيطرت عليه عقائد الكنيسة والتصوُّر العقائدي عن المسيح نفسه، ورتَّب المواد التي كانت بين يديه، وهذَّبها وعدَّلها حسب نظرياته. ويقول «ولهاوزن»: إنَّ الروايات الشفهية أيضاً تأثَّرت بعقائد الكنيسة البدائية، ونمت في مجتمع بدائي، لذلك فهي مَشُوبَةٌ بنظرات المجتمع وتصوُّراته، ولا تعطينا صوراً صحيحة خالية من الخطأ، وتعليم المسيح نفسه. ويقول «كارل كندسين»: هناك عدَّة أجيال اشتغلت في البحث والتنقيب في العهد الجديد، بغية استخلاص أعمال المسيح وشخصيته، بمساعدة علم التاريخ الحديث. والناس مقتنعون حالياً أنَّ المواد الموجودة في هذه الكتب غير كافية لإعطائنا   (1) " التمييز ": ص 97 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 صورة بسيطة وشبه كاملة لحياة المسيح , كما أصبح واضحا أنَّ الأناجيل ومصادرها في أول الأمر عبارة عن انعاكاسات العقائد لكنائس المسيحية الأولية (1). إذن هذه الكتب مصادرها مجهولة , ولا يمكن الإعتماد عليها كلياً , لأنها لا تمثل آراء وأفكار وتعاليم عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - , بقدر ما تمثل النظريات العقائدية المسيحية للكنائس البدائية! والأمر لا ينتهي إلى هذا الحد , فهناك أمر آخر أكثر أهمية من هذا , وهو أنه حصل تَحَوُّلٌ خطير عند النصارى في نظراتهم وأفكارهم ومُعتقداتهم بين الكنيسة الفلسطينية البدائية وبين الكنائس الرومية التي تأثَّرت بالروح الهلينية (2). ومن الواضح أنَّ الأناجيل الأربعة تمثل التَحَوُّلَ الغربي , ولا تعطينا فكرة واضحة عن الأفكار التي كانت سائدة في فلسطين في تلك الأيام! والمُتَّفق بين الجميع أنَّ الأناجيل كلها ما عدا " مَتَّى " كتبت باللغة اليونانية , أما " مَتَّى " فقد كتب بالآرامية , ثم ترجم إلى اليونانية , والأصل ضائع ولكن البحث العلمي لا يؤيِّد هذا الإدعاء , وأصبح هناك شبه إجماع على أنها كلها كتبت باللغة اليونانية! (3). كما أننا نجهل المؤلفين , ونجهل كذلك مقدرتهم العلمية لترجمة كلام عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من الآرامية إلى اليونانية , ولا يبدو أنَّ هؤلاء الكُتَّاب كانوا قد وصلوا إلى منزلة كبار الأدباء باليونانية , ولذلك لم نجد للأناجيل محلاً في المضمار الأدبي! تلك إشارات إلى المجاهيل والمتاهات التي تواجه الباحث عن الأناجيل , وهي لا شك ظلمات بعضها فوق بعض! ولإستخلاص بعض كلمات عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - , والروايات المسيحية الخالية   (1) انظر: المصادر الأصلية في المرجع السابق: 99. (2) انظر: المصدر الأصلي في المرجع السابق. (3) انظر: المصادر الأصلية في المرجع السابق: 100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 من تلوين القديسين من هذا الركام نشأ منهج (1) , ولكنه ليس علميا بحتاً , يمكن الاعتماد عليه اعتماداً كلياً , ولإثبات هذا أذكر مثالاً واحداً: يقول «بلتمان»: مثال آخر للطريق التي لعب بها التصور في تطوير المادة القديمة وإتقان القصة. فيذكر لنا لُوقَا في الإصحاح 23: 39 - 43 استهزاء وكلام المُذنبين المصلوبين مع عيسى. «وكان واحد من المذنبين المُعَلَّقين يجدف عليه قائلا: " إنْ كنت أنت المسيح فَخَلِّصْ نفسك وإيانا " , فأجاب الآخر وانتهره قائلا: " أولاً أنت تخاف اللَّه إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه ... » بينما يذكر مرقس: 15 - 32: «وصلبوا معه لِصَّيْنِ , واحد عن يمينه , وآخر عن يساره ... » واللذان صُلِبَا معه كانا يُعَيِّرَانِهِ. «فإنجيل مرقس أقدم من لُوقَا , بالرغم من المصدر القديم , يعطينا معلومات أقل من المصدر المتأخر , ويرى بلتمان التفاصيل الموجودة في لوقا عبارة عن زيادة في تصوير القصة وإتقانها!» وخلاصة القول أنَّ هذا المنهج وجد للبحث في منطقة مجهولة مظلمة ذات أشواك , لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , ولكن هيات هيات! حيث لا يمكن الاعتماد على نتائجه بحال , فكيف يمكن تطبيقه على نقد الأحاديث النبوية , وشَتَّانَ شَتَّانَ ما بين الثَّرَى وَالثُرَيَا! الطعن في الأفعال النبوية: ولم يقف الأمر عند حَدِّ الشُبُهَات المتهافتة التي أثاروها حول المفهوم والتدوين , وجهالاتهم حول السند والمَتْنِ - كما أسلفنا - فقد كتبوا في " دائرة المعارف " جهالات تحمل التهافت , يضيق المقام عن ذكرها (2) , ونقل الأستاذ أحمد أمين بصورة غير رسمية كثيراً من آراء اليهودي المجري جُولْدْتْسِيهرْ (3) , كما نقل   (1) انظر: المرجع السابق: 101. (2) انظر: " دائرة المعارف ": 29013 وما بعدها. (3) انظر " السنة ومكانتها ": ص 189 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الدكتور علي حسن عبد القادر ملخص شُبَهِ هذا المُسْتَشْرِق (1). ومع أننا قد ذكرنا في تعريف السُنَّة أنها أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله ... الخ، وأنَّ الحديث مُرادِفٌ لها عند غالب المُحَدِّثِينَ والأصوليِّين، باعتبار أنَّ في كل منها إضافة قول أو فعل ... الخ، فإننا نجد «شَاخْتْ» يقول عن أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كانت أفعاله تعتبر بَشَرِيَّةً، بَحْتَةً، حتى ما مَسَّ منها أمور الدين، فكانت بهذا لا تعتبر معصومة عن الخطأ، وقد نقدت هذه الأفعال أكثر من مَرَّةٍ»! (2). وهذا قول متهافت، لأَنَّ سُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ في التشريع، وقد تضافرت الأدلة على ذلك من الكتاب والسُنَّة والإجماع. أما الكتاب فحسبنا أنْ نقرأ قول الحق - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3). والكتاب والسُنَّة صنوان أو توأمان، عليهما تتوقَّفُ حقيقة الإيمان، ومنهما تُسْتَمَدُّ أحكام الأفعال التي يباشرها الإنسان، ومنزلة السُنَّة من الكتاب منزلة البَيَانِ من المُبَيّن، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4). هذا إلى ما تضيفه السُنَّة إلى القرآن من شؤون الدين وأحكامه، قال - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (5).   (1) انظر " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 126، ومن أراد المزيد فليرجع إلى " السُنَّة ومكانتها ": ص 78، 196، 203، 219، 228، 232، 233، وزعم شَاخْتْ في " أصول الفقه ": ص 3، ودعوى جُولْدْتسِيهِرْ في " العقيدة والشريعة ": ص 51، و " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 105، و " دائرة المعارف ": 13/ 403 - 404، و " دراسات في الحديث النبوي ": ص 416، 456، 457، و " التمييز ": ص 82، و " السُنَّة قبل التدوين ": ص 187، 194، 254، 255، 499، 500. (2) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 106 نقلاً عن " العقيدة والشريعة ": ص 252 وما بعدها بتصرف، و " المنتَقَى من دراسات المُسْتَشْرِقِينَ "، المحاضرة الأولى: ص 90 وما بعدها. (3) [النساء: 80]. (4) [النحل: 44]. (5) [الحشر: 7]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فإنها تُضيف بما تقتضيه «ما» من معنى العموم أنَّ كل ما يقدِّمُهُ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الأمَّة من أمور دينها فإنها مُكَلَّفَةٌ باعتباره والسير على سُنَنِهِ، ويؤكِّدُ ذلك المعنى قوله - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} إلى قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1). وأما السُنَّة فقد كثرت الروايات في ذلك، وحسبنا أنْ نذكر ما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن المقدام بن معد كرب عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ... » الحديث. وفي رواية: «أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» (2). يقول الشوكاني: «إنَّ ثبوت حُجِّيتها - أي السُنَّة - واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلاَّ من لا حَظَّ له في الإسلام» (3). وأما الإجماع فقد أجمع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - على العمل بالسُنَّة النبوية، واقتفاء هُدَى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً أو فعلاً أو تقريراً، وقد سبق بيان منهج أبي بكر وغيره في التثبت، وكانت حياتهم صورة حَيَّة للعمل بالسُنَّة والتمسك بها والحث عليها والترغيب فيها. أما خصوص فعل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنَّ كلام شَاخْتْ: «كانت أفعاله تعتبر بشرية، بَحْتَةً، حتى ما مَسَّ منها أمور الدين، فكانت بهذا لا تعتبر معصومة عن الخطأ، وقد نقدت هذه الأفعال أكثر من مَرَّةٍ»! كلام مردود، لأَنَّ أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنحصر في   (1) [النساء: 64 - 65]. (2) أبو داود: " السُنن " (4580) " عون المعبود "، و " الترمذي ": 42 - العلم (2664)، و " أحمد ": 4/ 130 - 132، و " ابن ماجه ": المقدمة (12)، و " الحاكم ": 1/ 109. (3) " إرشاد الفحول ": ص 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أقسام، هي: - الفعل الجِبِلِّيُّ. - الفعل العادي. - الفعل الدنيوي. - الفعل المعجز. - الفعل الخاص. - الفعل الامتثالي. - الفعل المؤقَّت لانتظار الوحي. - الفعل المُتَعَدِّي. - الفعل المبتدأ المُجَرَّد (1). يقول الدكتور عجيل النشمي (2): ومحل النزاع بين العلماء في القسم الأخير، وهو الفعل المبتدأ المُجرَّد، أما بقية الأفعال فلا خلاف في أنها تدلُّ على الحكم في حقنا، باعتبار حكمها بالنسبة إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فما فعله على وجه الإباحة فهو لنا مباح، وما لم نعلم حُكْمَهُ بالنسبة إليه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حملناهُ على أدنى الاحتمالات، وهذه لمحة عن أهم هذه الأنواع: الفعل الجِبِلِّيُّ: وهو الذي يفعله النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باعتباره بَشَراً لا يختلف في ذلك عن غيره من البشر، وهو على ضربين: الأول: فعل يقع منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضطراراً دون قصد منه لإيقاعه مطلقاً، كَتَألُّمِهِ من جُرْحٍ يصيبهُ، إلى غير ذلك من أمور، فهذا النوع لا حُكْمَ له شرعاً، لوقوعه دون قصد منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   (1) " أفعال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودلالتها على الأحكام الشرعية: 1/ 216، وانظر: ص 185 وما بعدها، ففيه بيان حُجِيَّة الأفعال النبوية على الأحكام من حيث الجملة. (2) " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": ص 121 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الثاني: ما يفعله عن قصد وإرادة، ولكنها أفعال تدعو إليها ضرورته، من حيث هو بشر، كتناول الطعام والشراب ... وهذا النوع كسابقه في الحكم، فهو خارج عن التكليف. الفعل العادي: وهو ما فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرْياً على عادة قومه ومألوفهم، مِمَّا لم يَدُلَّ على ارتباطه بالشرع، كبعض الأمور التي تتصل بالعناية بالبدن، أو العوائد الجارية بين الأقوام في المناسبات ... وحكم هذا النوع كسابقه من الأفعال الجِبِليَّةِ، والأصل فيها جميعاً أنها تدلُّ على الإباحة لا غير، إلاَّ إذا ورد قول يأمر بها أو يُرَغِّبُ فيها، أو يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قولية، كتوجُّه الميت في قبره إلى القِبْلَةِ، فإنَّ ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء فيه. الفعل الدُنْيَويّ: وهو ما فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقصد تحصيل نفع في البدن أو المال أو نفع المسلمين في حياتهم عامَّة، كالأفعال الطبيَّة، وما يتعلَّقُ بالزراعة أو الصناعة أو التجارة أو تدبير أمور الحرب وغيرها، وهذا النوع لا يلزم فيه أنْ يكون الاعتقاد مُطابقاً للواقع، وليس في هذا حَطٌّ من قَدْرِهِ، لأَنَّ منصبه مُنْصَبٌّ على العلم بالأمور الشرعية. الفعل الخاص: وهو ما فعله باعتباره خاصاً به، فهذا لا يشاركه فيه أحد كاختصاصه بالوصال في الصوم، والزيادة في النكاح على أربع، وغير ذلك، فهذا حُكْمُهُ خَاصٌّ به - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الفعل البياني: وهو الفعل الذي قصد به النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيان مُشكل في الأحكام الشرعية، وحكم هذا الفعل عند الأصوليِّين بحسب ما هو بيان له، فيرجع إلى المبين في معرفة حكمه، فإنْ كان الفعل بياناً لآية دالة على الوجوب دَلَّ على الوجوب ... وهكذا إذا كان المبين ندباً أو إباحة. الفعل المبتدأ: الذي عرفت صفته الشرعية، من وجوب وندب وإباحة، فإنه تشريع للأُمَّة، فيثبت حكم ما فعله في حق المُكَلَّفِينَ. أما ما فعله ابتداءً ولم تُعْرَفْ صِفته الشرعية، ولكن عُرِفَ أنَّ الفعلَ قصد القُرْبَة فيه، كقيامه ببعض العبادات دون مواظبة عليها، فإنَّ الفعل يكون مُسْتَحَبًّا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 حق الأُمَّة، أما إذا لم يعلم في الفعل قصد القُرْبَة، فإنَّ الفعل يكون دَالاًّ على إباحته في حق الأُمَّة، كالمُزارعة، والبيع ونحو ذلك. وأخيراً وليس آخراً: تلك إشارات إلى شُبُهَات وجهالات ومُفتريات المُسْتَشْرِقِينَ، حول المفهوم والتدوين، والسند والمتن، والأفعال النبوية، أرجو أنْ تكون حافزاً للاستقصاء والتتبُّع، وأنْ يأتي اليوم الذي نقدم فيه إلى نقد ما عند هؤلاء وأولئك، وأنْ نُبَيِّنَ لهم ما في ذلك من تهافت، وننتقل من الدفاع إلى الهجوم، قاصدين وجه الحق، ولعله قد آن الأوان للتفكير في الدعوة الجادَّة إلى ذلك، كما سيأتي في التوصيات. *** الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 خاتمة: وبعد هذا التطواف تَبَيَّنَ لنا الآتي: 1 - تهافت شُبُهَات المُسْتَشْرِقِينَ حول مفهوم السُنَّة وتدوينها. 2 - جهالاتهم حول السند والمتن، تنطق بأنهم قد أمعنوا في غَيِّهِمْ، وحاولوا جاهدين الطعن في السند والمتن، مع أنهم لا سند لهم فيما يعتقدون، ولم يسلم لهم منهج النقد - كما أسلفنا - ومن ثم خرجوا عن وقار العقل، ومنطق الفكر، وكان مثلهم مثل من يزعم أنَّ الحق يُؤخَذُ من الباطل، وأنَّ العلم يُسْتَقَى من الجهل، وأنَّ الإنسان يتعلَّمُ من الببَّغاء! 3 - مُفترياتهم حول الأفعال النبوية شاهد عليهم بأنهم قد أفرغوا كُلَّ ما في حوزتهم من طُعُون، وأنهم قد انتقلوا من طور الشُبُهَات، إلى طور الجهالات، إلى طور المُفْتريات، وهذا ينطق بأنهم قد تفرَّقت بهم السُبُل، مُغْمِضِينَ على ما في ذلك من محال وناب ونافر، وأنهم كانوا ينسجون ما ينسجون ليثيروا غُباراً من الأوهام في عيون المُتَطَلِّعين إلى نور الوحي، ولكن هيهات هيهات! وصدق الله العظيم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (1). ومن ثم أُوصِي بما يلي: أولا ً: ضرورة إنشاء أقسام للدراسات الاستشراقية في كُبْرَى الجامعات   (1) [الصف: 8 - 9]. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الإسلامية، حتى يمكن تكوين جيل قادر على المواجهة الفكرية الجَادَّةِ لشُبُهات المُسْتَشْرِقِينَ - وما أكثرها - وفي المقدمة ما يتعلَّق بالعقيدة، والقرآن، والسُنَّة، والفقه، والسيرة النبوية ... وأحمد الله أنْ سبقت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في هذا الميدان، فأنشأت قسم الاسْتِشْرَاق في المعهد العالي للدعوة الإسلامية، وبدأت الدراسة فيه عام 1403 هـ ويشتمل على عدة شُعَبٍ. الأولى: شُعْبةُ الدراسات الإسلامية عند المُسْتَشْرِقِينَ، وتَهْتَمُّ بالدراسات القرآنية، والحديثيَّة، والفقهيَّة الأصولية، والسيرة، والتاريخ، إضافة إلى ما يتعَلَّقُ بالمجتمع الإسلامي. الثانية: شُعْبَةُ الدراسات اللغوية عند المُسْتَشْرِقِينَ، ويهتم فيها بدراسات المُسْتَشْرِقِينَ للُّغات الإسلامية بصفة عامة، واللغة العربية بصورة خاصة ... الخ. الثالثة: شُعبة المراكز الاستشراقية ... (1). مع مراعاة الحوار بأدب الإسلام مع المعتدلين من المُسْتَشْرِقِينَ. ثانياً: ضرورة إنشاء دائرة معارف إسلامية جديدة، فلا يجوز أنْ يظلَّ كثيرون يقتاتون فكرياً من " دائرة المعارف الإسلامية " التي قام بإعدادها المُسْتَشْرِقُونَ قبل الحرب العالمية الثانية، فقد تجاوزها المُسْتَشْرِقُونَ - كما يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق (2) - وانتهوا منذ بضع سنوات من إصدار دائرة معارف إسلامية باللغة العربية واللغات الأوروبية الرئيسة، تقف على الأقل في مستوى " دائرة المعارف الإسلامية " لِلْمُسْتَشْرِقِينَ تخطيطاً وتنظيماً، وتتفوَّقُ عليها عِلْمِيًّا، وتنقل وجهة النظر الإسلامية في شَتَّى فروع الدراسات الإسلامية والعربية إلى المسلمين، وغير المسلمين، على السواء، فكل فراغ فكري لدينا لا نشغله بأفكار من عندنا يكون عُرضةً للاستجابة لأفكار منافية، وَرُبَّمَا مُعادية لأفكارنا.   (1) انظر مجلة " النور " بيت التمويل الكويتي: السَنَة الخامسة، العدد 54 / ص 28 وما بعدها. رجب 1408 هـ - مارس 1988 م. (2) " الاسْتِشْرَاق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 142 وما بعدها بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وقد أفصح الذين قاموا بترجمة تلك الدائرة عن أثر ذلك، حيث قالوا: وليست فائدة هذه الدائرة قاصرة على الناحية الثقافية وحدها، ولكنها مفيدة في بعث الحضارة الإسلامية، مفيدة في تكوين الرأي العام الإسلامي!، وتدعيم تقاليده!، والكشف عن مُثُلِهِ العُليا، وذلك لأَنَّ مُهِمَّةَ دائرة المعارف أكبر من مُهِمَّةِ الجامعة في تكوين الرأي العام، لِمَا فيها من الشُمُول، مع العمق، والتحقُّق، والترتيب، على سهولة في الآسلوب واللغة لا تجعلها وقفاً على الخواص وأشباه الخواص!، ولسنا نَشُكُّ في أنَّ دائرة المعارف الإسلامية هذه ستكون من أقوى الدعائم التي يعتمد عليها في كتابة دائرة المعارف الكبرى التي يتحرَّق الناطقون بالضاد شوقاً إلى ظهورها»!!. وفي هذا بيان أثر هذه الدائرة في تكوين الرأي العام الإسلامي، ومن ثَمَّ تكون أباطيل المُسْتَشْرِقِينَ وانحرافاتهم تحت أعين الناس مألوفة مُقرَّرة، وليس يدفع من شرها ما يوضع في ذيول الصفحات من تعليق أو تصحيح، فالقوم - كما أسلفنا - يُقَدِّمُونَ شُبُهُاتِهِمْ في أساليب يعجز عنها الشيطان (1)! ثالثاً: ضرورة إنشاء موسوعة للرد على المُسْتَشْرِقِينَ، لأَنَّ المواجهة الفكرية الجادَّة هي الطريق الصحيح، ولا يكفي أنْ نقول: إنَّ ما يكتبونه كلام فارغ، فهذا الكلام الفارغ مكتوب بشتَّى اللُّغات الحَيَّةِ، ومنتشر انتشاراً واسعاً على مستوى عالمي، ومواجهته لاَ بُدَّ أنْ تكون على المستوى العالمي نفسه، وبالكلام «المليان» على حد تعبير الدكتور حسين مؤنس (2). وقد دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في القاهرة في نهاية عام 1979 إلى ندوة لمناقشة موضوع إعداد «موسوعة للرَدِّ على المُسْتَشْرِقِينَ» وقد حضر هذه الندوة عدد يزيد على العشرين من العلماء والمُفَكِّرِينَ المُهْتَمِّينَ بهذا الموضوع، وكان الدكتور محمود حمدي زقزوق مُقَرِّراً لهذه الندوة التي عقدت جلساتها على مدى ثلاثة أيام، وقام بإعداد تقرير ختامي.   (1) انظر مقدمة كتابنا " الجامع المفهرس لألفاظ صحيح مسلم ". (2) " الاسْتِشْرَاق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ": ص 130، 131 نقلاً عن مقال له ألحقه الدكتور محمد البهي بكتابه " الفكر الإسلامي الحديث ": ص 576، 577. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وذلك على ضوء المناقشات التي دارت، وتم تسليم التقرير في حينه إلى المسؤولين عن الندوة المذكورة، وقُضي الأمر، ونامت الفكرةُ (1)! وهو تقرير قيِّمٌ، حول المنهج العلمي الواجب اتباعه في إعداد موسوعة الرَدِّ على المُسْتَشْرِقِينَ، ننقل نصَّهُ هنا، عسى أنْ يرى النور: [أ] أسلوب التناول: 1 - إنَّ التطورات الفكرية في عالم اليوم والتقدم العلمي العظيم الذي حقَّقه الإنسان في العصر الحاضر في مختلف المجالات يقتضي أنْ نكون في معالجتنا للقضايا التي أثارها الفكر الاستشراقي على وعي تام بمقتضيات العصر وإدراك كامل للمستويات الثقافية السائدة. ومن أجل ذلك، ونظراً لأَنَّ هذه الموسوعة تخاطب جمهرة المًثَقَّفِينَ الذين أتيح لهم الاطلاع على شُبُهَاتِ المُسْتَشْرِقِينَ - ينبغي أنْ يكون تناولنا للموضوعات التي تشتمل عليها الموسوعة الإسلامية المقترحة تناولاً موضوعياً مُدَعَّماً بالحقائق العلميَّة والشواهد التاريخيَّة والبراهين العقلية، وكذلك بالأسانيد الدينية فيما يتعلق بالعلوم النقلية التي يعترف المُسْتَشْرِقُونَ بالمناهج التي استخدمت فيها. 2 - يتطلَّب الرَدُّ على الشُبُهَات والطعون التي أثارها المُسْتَشْرِقُونَ عرض هذه الشُبُهَات والرَدِّ عليها تفصيلياً بعيداً عن النزعات الهجومية، حتى يكون لهذا العمل العلمي أثره الإيجابي لدى المًثَقَّفِينَ من كل الطبقات من المسلمين وغير المسلمين، وحتى يكون دافعاً لِلْمُسْتَشْرِقِينَ إلى إعادة النظر في أقوالهم وعوناً لهم على تصحيح اتجاهاتهم حول الإسلام وتاريخه وحضارته. وفي النهاية يكون هذا العمل العلمي بمثابة تعريف بالإسلام لكل راغبٍ في التَعَرُّفِ عليه. 3 - ينبغي أنْ تقتصر هذه الموسوعة على الموضوعات التي كانت مثار أخذ وَرَدٍّ وَجَدَلٍ لدى المُسْتَشْرِقِينَ، وبصفة أساسية في القرنين: التاسع عشر، والعشرين.   (1) المرجع السابق: ص 132 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ومن أجل ذلك فليس هناك ما يدعو للحديث عن موضوعات لم يتطرَّق المُسْتَشْرِقُونَ للخوض فيها بالرفض أو بالقبول، إذ ليس الهدف هنا هو التاريخ الكامل للحضارة الإسلامية. 4 - من المعروف أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ لا يشكلون اتجاهاً واحداً في كل المسائل الإسلامية التي تعرَّضُوا لها .. فهناك مسائل يختلفون فيها ما بين مُؤَيِّدٍ ومُعَارِضٍ، ولذلك ينبغي إبراز ردود بعض المُسْتَشْرِقِينَ على بعضهم الآخر بصدد بعض الشُبُهَات التي أثاروها حول الإسلام والحضارة الإسلامية. 5 - ينبغي أنْ تُصَدَّرَ الموسوعةُ بدراسة عن الاسْتِشْرَاق بوجه عام، على أنْ تُبَيِّنَ هذه الدراسة أهداف الاسْتِشْرَاق ومناهجه، والأسباب التي دعت إلى الدراسات الاستشراقية وأدَّت إلى إثارة الطعون والشُبُهات حول الإسلام وتاريخه وحضارته. [ب] فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي: لقد طرق المُسْتَشْرِقُونَ في دراستهم كل فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي بصفة عامة، وركَّزُوا على بعض القضايا الهامَّة التي تتَّصل بأصالة الدين الإسلامي وأصالة الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، ويمكن تقسيم المجالات العلمية التي ستكون محوراً للتناول في هذه الموسوعة إلى مجالين رئيسيَيْن يندرج تحتهما فروع مختلفة على النحو التالي: أولاً: علوم دينية وتشمل دراسات المُسْتَشْرِقِينَ حول الدين الإسلامي بصفة عامَّة، وحول القرآن الكريم بصفة خاصَّة، مع العناية بدراسة الترجمات المختلفة التي قاموا بها للقرآن الكريم، وتقويم هذه الترجمات. وتشمل كذلك الدراسات المتعلِّقة بالتفسير وعلوم القرآن، والحديث وعلومه، والفقه الإسلامي، وعلم الكلام، والتصوُّف، وأصول الفقه. مع الاهتمام بتقويم مناهج المُسْتَشْرِقِينَ في هذه الدراسات، ووضعها في ميزان النقد العلمي، وبيان ملاءمتها أوعدم ملاءمتها لهذه الدراسات. ثانياً: علوم إنسانية، وتشمل علوم الفلسفة واللغة وعلومها والأدب وتاريخه، والنقد الأدبي، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، والجغرافيا، والعِمَارة، والفنون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الإسلامية، كما تشمل أيضأ الحساب والجبر والهندسة، والفلك، وعلوم الكيمياء، والفنون والطب والصيدلة، والنبات والحيوان. مع الاهتمام بإبراز مدى أصالة المسلمين وإبداعهم في كل هذه المجالات، ومدى ما أسهموا به وقدَّموه للحضارة الإنسانية. [ج] خطوات تحضير المادة ومراحلها: 1 - يجب في البداية القيام بحصر شامل لكتابات المُسْتَشْرِقِينَ عن المجالات سالفة الذكر، في القرنين: التاسع عشر، والعشرين، بصفة أساسية، باللغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والروسية، ويشمل هذا الحصر الكُتُبَ والمجلاَّت والدوريات ... الخ. والقيام بعملية حصر هذه الأعمال الاستشراقية يحتاج على الأقل إلى خبير، وعدد من المساعدين في مجال كل لغة من هذه اللغات الست. على أنْ يُسْتَعَانُ في هذا الحصر أيضاً بالمُتَخَصِّصِينَ في المجال الاستشراقي مِمَّنْ اعتنقوا الإسلام في أوروبا وغيرها. 2 - لاَ بُدَّ من توفير الأعمال الاستشراقية المُشَارِ إليها عن طريق الشراء إذا كانت متوفِّرة، أو عن طريق التصوير إذا لم يمكن شراؤها. وتُشَكِّلُ هذه الأعمال مكتبة استشراقية تكون تحت أيدي الخبراء والعلماء الذين يشتركون في إعداد الموسوعة. 3 - يقوم جهاز متعاون من الخبراء في اللُّغات الست المُشَارِ إليها بتحضير المادة، وتصنيف الموضوعات، وضَمِّ المادة التي يتكرَّرُ الحديث عنها في لغات مختلفة تحت موضوع واحد، حتى يتم الرَدُّ عليها جملة واحدة. 4 - تقدم المادة للعلماء الذين سيقومون بإعداد الردود العلمية. ويراعى عند تقديم هذه المادة لهم أنْ تترجم لهم الأفكار الأساسية للقضايا المطلوب الكتابة فيها من اللغات التي لا يجيدون القراءة بها، حتى يكون لديهم تَصَوُّرٌ شامل لكل ما قيل حول القضية المطروحة، وحتى يُغَطِّي التناول للموضوع وجهات النظر التي قيلت فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 [د] الإعداد والتحرير: 7 - يحتاج هذا العمل الموسوعي الضخم إلى عدد كبير من العلماء المسلمين في التَخَصُّصَاتِ المختلفة يطلب منهم الكتابة في موضوعات مُحَدَّدَةٍ حسب المادة التي تُقَدَّمُ إليهم، كُلٌّ في مجال تَخَصُّصِهِ، على أنْ يكون الرَدُّ فيها وافياً بعيداً عن التطويل المُمِلِّ أو الإيجاز المُخِلِّ، وطبيعة الموضوعات هي التي تُحَدِّدُ حَجْمَ الردود المطلوبة، وتُوضَعُ خِطَّةٌ زمنيَّةٌ أقصاها ستة أشهر لوصول الرَدِّ. 2 - يتم تحرير الموضوعات باللغة العربية، وفي الحالات التي لا يجيد فيها أحد العلماء المسلمين اللغة العربية يمكن الكتابة بإحدى اللغات الأجنبية على أنْ يَتِمَّ ترجمة الموضوع إلى اللغة العربية فور وصوله. [هـ] المراجعة والتدقيق: عند وصول رَدٍّ من الردود يحال إلى لجنة مُخْتَصَّةٍ بالمراجعة والتدقيق تنحصر مُهِمَّتُهَا في فحص الرَدِّ من جميع جوانبه الدينية والعلمية والتاريخية ... الخ، ومدى وفائه بالغرض المطلوب، وهو استيعابه التام للرَدِّ على الشُبْهَةِ المُرَادُ الرَدِّ عليها، وتفنيد حُجَجِهَا بالأدلة الدامغة. [و] التوزيع المحمود: عندما تعتمد لجنة المراجعة رَدًّا من الردود يتم تصويره، ويُوَزَّعُ توزيعاً محدوداً على مجموعة من العلماء المُتَخَصِّصِينَ على مستوى الوطن الإسلامي لإقراره واعتماده اعتماداً نهائياً، أو بيان ما قد يكون هناك عليه من ملاحظات لمُراعاتها وأخذها بعين الاعتبار. [ز] الطباعة والنشر والترجمة: بعد مرحلة التوزع المحدود واعتماد الرَدِّ اعتماداً نهائياً يتم إعداده للطباعة في إطار مجال من مجالات فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي السابق الإشارة إليها، وفي الوقت نفسه تبدأ مجموعة من الخبراء في ترجمته إلى اللغات الأجنبية الست التي سبقت الإشارة إليها، ويمكن أنْ يَتِمَّ النشرُ في وقت واحد باللغة العربية وهذه اللغات الأجنبية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ولعل في ذلك فائدة أكثر ونفعاً أَعَمَّ. وبذلك تُنْشَرُ الموسوعة على مراحل حسب العمل الذي يتم انجازه، مع مراعاة ضَمِّ قضايا المجال الواحد معاً لِتُشِكِّلَ وحدة متكاملة يمكن أنْ تأخذ صورة كتاب في موضوع مُعَيَّنٍ، وعندما يتم الانتهاء من الموسوعة يمكن إعادة طبعها مَرَّةً أخرى في صورة مكتملة. ولتمام الفائدة وسرعة العثور على الموضوع المطلوب في الموسوعة لاَ بُدَّ من القيام بعمل كَشَّافٍ في نهاية الموسوعة يضم فهرساً موضوعياً وفهرساً للأعلام. الهيئة العلمية للمشروع: 1 - يتطلَّب هذا المشروع الكبير - الذي يُقَدِّمُ للجيل المعاصر والأجيال القادمة أَهَمَّ خدمة علمية إسلامية في بداية القرن الخامس عشر الهجري - عدداً لا يقل عن مائة من العلماء المُتَخَصِّصِينَ في شتى مجالات الفكر الإسلامي، على مستوى العالم الإسلامي، من أصحاب الكفايات العلمية المُمتازة يقومون بمُهِمَّةِ الإعداد والتحرير لموضوعات الموسوعة. 2 - تقوم لجنة علمية دائمة بِمُهِمَّةِ الإشراف والمراجعة. وتكون - بالتعاون مع الأمانة الفنية - مُخْتَصَّة بالاتصال بالعلماء الذين سيشاركون في كتابة الموسوعة في شَتَّى أنحاء الوطن الإسلامي، وتقديم المادة العلميَّة لهم، وتلقِّي رُدُودَهُمْ عليها، وتقوم هذه اللجنة بمراجعة الردود التي تصل اليها مراجعة دقيقة يَتِمُّ بعدها توزيعها توزيعاً محدوداً على مجموعة من العلماء لمُراجعتها مراجعةً نهائيَّةً، واعتمادها حتى تكون مُعَدَّةً للطبع. وتقوم اللجنة العلميَّة الدائمة أيضاً بِمُهِمَّةِ تبويب موضوعات الموسوعة وتحديد فصولها لتكون مُعَدَّةً للطبع بصورة نهائية متكاملة. ويتطلب العمل في هذه اللجنة تفرُّغاً كاملاً لعدد لا يَقِلُّ عن اثني عشر من العلماء المُتَخَصِّصِينَ في مختلف مجالات الفكر الإسلامي. ومن المفيد أنْ يكون هناك تكامل بين أعضاء هذه اللجنة من حيث الخبرة بمعرفة اللغات الأجنبية الست المُشار إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ولهذه اللجنة أنْ تستعين بمن ترى الاستعانة بهم من العلماء المُتَخَصِّصِينَ. 3 - يكون هناك مجلس للأمناء يضمُّ اللجنة العلميَّة الدائمة، والأمانة الفنيَّة، والأمانة الماليَّة، ويقوم هذا المجلس بالتنسيق بين الأجهزة المختلفة المُشْرِفَةِ على المشروع. ويجتمع هذا المجلس مرة واحدة كل ستة أشهر لدراسة تقرير شامل يُقَدِّمُ إليه سَيْرَ العمل في المشروع، ومدى التقدُّم فيه، ووضْعِ الحلول لما قد يكون هناك من مُشكلاتٍ تعُوقٌ سيرَ التنفيذ ... واللهُ وليُّ التوفيق. وَآخِرُ دَعْوَانَا أنْ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. *** الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أهم المراجع: 1 - أبو هريرة راوية الإسلام، للدكتور محمد عجاج الخطيب، ط. سلسلة أعلام العرب، القاهرة 1962 م. 2 - أبو هريرة في الميزان، للدكتور محمد السماحي، ط. مصر. 3 - إرشاد الفحول، للشوكاني، ط. الحلبي، القاهرة. 4 - الاسْتِشْرَاق: المعرفة، لإدوارد سعيد، مؤسسة الأبحاث العربية، ط أولى 1981 م. 5 - الاسْتِشْرَاق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، للدكتور محمود حمدي زقزوق، مؤسسة الرسالة، كتاب الأمَّة، قطر، ط. ثانية: 1405 هـ - 1985 م. 6 - الاستشراق والمستشرقون، للدكتور مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، ط. ثانية 1399 هـ - 1979 م. 7 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، ط القاهرة: 1286 هـ. 8 - أصول الفقه، لشاخت، ترجمة إبراهيم خورشيد، وعبد الحميد يونس، وحسن عثمان، ط دار الكتاب اللبناني 1981 بيروت. 9 - أضواء على أخطاء المستشرقين في " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي "، د. سعد المرصفي، ط دار القلم، الكويت 1988 م. 10 - إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين، لمحمد بن طولون الدمشقي، تحقيق الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة: 1403 هـ - 1983 م. 11 - إغاثة اللفهان، لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 12 - أفعال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودلالتها على الأحكام الشرعية، للدكتور محمد الأشقر، المنار الإسلامية، ط أولى: 1398 هـ - 1978 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 13 - " إكمال إكمال المُعْلم ": شرح " صحيح مسلم "، للأُبِّي، ومعه " مكمل إكمال إكمال المعلم "، للسنوسي، دار الكتب العلمية، بيروت. 14 - " الباعث الحثيث: شرح اختصارعلوم الحديث "، لابن كثير: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت. 15 - " بحوث في تاريخ السُنَّة المُشَرَّفَة "، للدكتور أكرم ضياء العُمَرِي، مؤسسة الرسالة، ط ثالثة 1395 هـ - 1975 م. 16 - " البداية والنهاية "، لابن كثير، ط السعادة، مصر. 17 - " تاريخ التراث العربي "، للدكتور فؤاد سزكين، ترجمة الدكتور محمود فهمي حجازي، والدكتور فهمي أبو الفضل، الهيئة المصرية العامة للتأليف 1971 م، ط 1978 م. 18 - " تأويل مختلف الحديث "، لابن قتيبة، دار الجيل، بيروت، 1393 هـ - 1973 م. 19 - " التبشير والاستعمار في البلاد العربية "، للدكتور مصطفى خالدي، والدكتور عمر فروخ، المكتبة العصرية، بيروت، ط. خامسة 1973 م. 20 - " تدريب الراوي "، للسيوطي، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، القاهرة ط. أولى 1379 هـ - 1959 م. 21 - " تذكرة الحُفَّاظ "، للذهبي، ط. حيدر آباد 1955 م. 22 - " تفسير القاسمي "، الحلبي ط. أولى 1376 هـ - 1957 م. 23 - " تفسير المنار "، للشيخ محمد عبده، تأليف الشيخ محمد رشيد رضا، ط. أولى 1342 هـ. 24 - " تقييد العلم "، للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور يوسف العش، دمشق 1949 م. 25 - " التمييز "، لمُسلم، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ط. جامعة الرياض. 26 - " تهذيب التهذيب "، لابن حجر، ط. أولى، حيدر آباد 1325 هـ. 27 - " تهذيب اللغة "، للأزهري، تحقيق الباروني، مراجعة البجاوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ط. سجل العرب. 28 - " توجيه النظر "، للجزائري، العلمية بالمدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 29 - " توضيح الأفكار "، للصنعاني، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، الخانجي، القاهرة، ط. أولى 1366 هـ. 30 - " جامع بيان العلم وفضله "، لابن عبد البر، الكتب العلمية، بيروت، 1398 هـ - 1978 م. 31 - " الحَدِيثُ والمُحَدِّثُونَ "، للدكتور محمد أبو زهو، القاهرة ط. أولى 1378 هـ - 1958 م. 32 - " دائرة المعارف الإسلامية "، لِلْمُسْتَشْرِقِينَ، الاتحاد الدولي للمجامع العلمية، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد وآخرين، الشعب، القاهرة. 33 - " دراسات في الحديث النبوي "، للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ط. جامعة الرياض. 34 - " دفاع عن أبي هريرة "، للأستاذ عبد المنعم صالح العزي، ط. دار الشروق، بيروت. 35 - " دفاع عن السُنَّة وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُسْتَشْرِقِينَ والكُتَّابِ المعاصرين "، للدكتور محمد أبو شُهبة، ط. الأزهر 1967 م، ط. 1985 م. 36 - " دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المُسْتَشْرِقِينَ "، للشيخ محمد الغزالي، دار الكتب الحديثة، ط. ثانية، القاهرة 1373 هـ - 1963 م. 37 - " رجال الفكر والدعوة في الإسلام "، أبوالحسن الندوي، دار الفتح بدمشق، ط. ثانية 1385 هـ - 1965 م. 38 - " الرسالة المحمدية "، للسيد سليمان الندوي، ترجمة محمد ناظم الندوي، مكتبة دار الفتح، دمشق، ط. ثالثة 1393 هـ - 1973 م. 39 - " الرسالة المستطرفة "، للكتاني، ط. بيروت 1332 هـ. 40 - " الرصف لما روي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفعل والوصف "، للعاقولي، ط. دمشق 1393 هـ - 1973 م. 41 - " سنن ابن ماجه "، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. دار الفكر العربي. 42 - " سنن أبي داود "، ط. أولى، مصر التجارية. 43 - " سنن الترمذي " (الجامع الصحيح) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ط. الحلبي. 44 - " سنن الدارمي "، دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 45 - " سنن النسائي، بشرح السيوطي، وحاشية السِنْدي "، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 46 - " السُنَّة قبل التدوين "، للدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، ط. ثالثة 1400 هـ - 1980 م. 47 - " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، ط. ثانية 1398 هـ - 1978 م. 48 - " شرف أصحاب الحديث "، للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي، دار إحياء السُنَّة النبوية، كلية الإلهيات، جامعة أنقرة. 49 - " الصحاح " للجوهري، تحقيق الأستاذ أحمد عبد الغفور عطا، ط. دار العلم للملايين. 50 - " صحيح البخاري "، مع " فتح الباري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الرياض الحديثة، الرياض. 51 - " صحيح مسلم بشرح النووي "، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 52 - " صحيح مسلم "، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 53 - " العقيدة والشريعة في الإسلام "، لجُولْدْتْسِيهِرْ، ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى وآخرين، دار الكتاب العربي، ط. ثانية 1378 هـ - 1959 م. 54 - " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صُبحِي الصَّالِحْ، دار العلم للملايين، ط. رابعة 1385 هـ - 1966 م. 55 - " عُمدة القاري، شرح صحيح البخاري "، للعَيْنِي، دار الفكر. 56 - " عون المعبود، شرح سُنن أبي داود "، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، مع " شرح ابن قيم الجوزية "، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، السلفية بالمدينة المنورة، ط. ثانية 1388 هـ - 1968 م. 57 - " فتح الباري، شرح صحيح البخاري "، لابن حجر، الرياض الحديثة، الرياض. 58 - " الفصل في المِلل والأهواء والنِحَلْ " لابن حزم، وبهامشه " الملل والنحل "، للشهرستاني، دار الفكر 1400 هـ - 1980 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 59 - " الفهارس ومكانتها عند المحدثين "، د. سعد المرصفي، ذات السلاسل 1409 هـ - 1989 م. 60 - " القاموس المحيط "، لمجد الدين الفيروزآبادي. 61 - " قواعد التحديث " للقاسمي، الحلبي، القاهرة. 62 - " كُتَّاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، دار الإرشاد، ط. ثالثة 1389 هـ - 1969 م. 63 - " كشَّاف اصطلاحات الفنون "، للتَّهانوي، بيروت. 64 - " الكفاية "، للخطيب البغدادي، ط. الهند 1357 هـ، وط. دار الكتب الحديثة. 65 - " لسان العرب "، لابن منظور، ط. بيروت. 66 - " لمحات في الثقافة الإسلامية " للأستاذ عمر عودة الخطيب، مؤسسة الرسالة، ط. ثالثة 1399 هـ - 1979 م. 67 - " مجلة النور "، بيت التمويل الكويتي، السَنَة الخامسة، العدد 54/ 1408 هـ - 1988 م. 68 - " مجموع فتاوى " شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع ابن قاسم، ط. الرياض. 69 - " مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة "، للدكتور محمد حميد الله، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط. ثانية 1958 م. 70 - " محاضرات في تاريخ العلوم "، للدكتور فؤاد سزكين، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض 1399 هـ - 1979 م. 71 - " المُحَدِّثُ الفاصل "، للرَّامَهُرْمُزِي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، ط. أولى 1391 م. 72 - " المختصر في علم رجال الأثر "، للدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة، ط. ثامنة 1386 هـ - 1966 م. 73 - " المستدرك على الصحيحين "، للحاكم، وبذيله " التلخيص "، للذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت. 74 - " المُسْتَشْرِقُونَ "، لنجيب العقيقي، دار المعارف 1965 م. 75 - " المُسْتَشْرِقُونَ وَمَصَادِرِ التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي "، للدكتور عجيل جاسم النشمي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط. أولى 1404 هـ - 1984 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 76 - " مسند أحمد "، وبهامشه " منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال "، للمُتَّقِي الهندي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت. 77 - " مسند أحمد "، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، المعارف، ط. رابعة 1373 هـ - 1954 م. 78 - " المصباح المُنير "، للفيُّومِي، تحقيق الدكتور عبد العظيم الشِنَّاوي، ط. دار المعارف. 79 - " المُعتصر من مصطلحات أهل الأثر "، للدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب الحديثة، القاهرة 1386 هـ - 1966 م. 80 - " معجم مقاييس اللغة "، لابن فارس، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، ط. دار الكتب العلمية، إيران. 81 - " المعجم الوسيط "، لمجموعة من المؤلِّفين، إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط. دار إحياء التراث العربي. 82 - " معرفة علوم الحديث "، للحاكم النيسابوري، مصر. 83 - " المُنتقى من دراسات المُسْتَشْرِقِينَ "، للدكتور صلاح الدين المنجد، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر 1955 م. 84 - " منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود "، مُذَيَّلاً بـ " التعليق المحمود على منحة المعبود "، للشيخ أحمد عبد الرحمن البَنَّا، الشهير بالسَّاعَاتِي، الفرقان، مصر، ط. ثانية 1403 هـ. 85 - " منهج النقد في علوم الحديث "، للدكتور نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط. ثانية 1399 هـ - 1979 م. 86 - " الموطأ "، لمالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. 87 - " النبأ العظيم: نظرات جديدة في القرآن "، للدكتور محمد عبد الله دراز، القاهرة، ط. ثانية 1390 هـ - 1970 م. 88 - " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي "، للدكتور علي حسن عبد القادر، العلوم بمصر 1361 هـ - 1942 م. 89 - " هدي الساري " مقدمة " فتح الباري "، لابن حجر، الرياض الحديثة، الرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 90 - " الوضع في الحديث "، للدكتور عمر حسن عثمان فلاته، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، مكتبة الغزالي، دمشق 1401 هـ - 1981 م. وهناك كتب ومطبوعات أخرى رجعنا إليها، وأشرنا إلى موضع النقل منها في حينه. *** الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فهرس الموضوعات: - مقدمة ........................................................................................ 5 - الفصل الأول: أضواء على الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ: - مفهوم الاسْتِشْرَاق ونشأته ................................................................. 9 - مراحل كتابة المُسْتَشْرِقِينَ .................................................................. 12 - الغارة على المخطوطات والكتب العربية .................................................. 12 - عقد المؤتمرات ............................................................................. 13 - مرحلة جديدة ................................................................................ 13 - مواكبة الاسْتِشْرَاق للغزو الاستعماري ..................................................... 14 - تسلُّلُ المُسْتَشْرِقِينَ إلى الدوائر العلميَّة .................................................... 14 - دور الصهيونية في الاسْتِشْرَاق ............................................................ 15 - الغارة مُسْتَمِرَّةٌ .............................................................................. 15 - معاول هدم .................................................................................. 15 - إنكار نزول القرآن من عند الله ............................................................. 17 - التشكيك في صِحَّةِ رسالة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ................................ 17 - إنكار كون الإسلام ديناً من عند الله ........................................................ 18 - التشكيك في صِحَّةِ الحديث النبوي ......................................................... 19 - التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي .......................................................... 19 - التشكيك في قُدرة اللُّغة العربية ............................................................ 19 - تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري ................................................ 20 - إضعاف ثقة المسلمين بتُراثهم ............................................................ 20 - أخطاء سببها الجهل بالعربية ............................................................. 20 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 - دوافع الإحن والعصبية ..................................................................... 21 الفصل الثاني: شُبُهَات حول مفهوم السُنَّة وتدوينها: - تمهيد ........................................................................................ 24 - مفهوم السُنَّة ................................................................................ 24 - مفهوم الحديث .............................................................................. 27 - بين السُنَّة والحديث ......................................................................... 28 - شُبُهَات متهافتة ............................................................................. 29 - تقليد ......................................................................................... 30 - مصطلح وثني ............................................................................... 31 - تناقض وتهافت ............................................................................. 34 - مزاعم المُسْتَشْرِقِينَ ......................................................................... 35 - جهل مُرَكَّبٌ .................................................................................. 39 الفصل الثالث: جهالات حول السند والمتن: - تمهيد ........................................................................................ 43 - مفهوم السند ................................................................................ 43 - مكانة السند ................................................................................. 43 - بداية استعمال الإسناد ...................................................................... 44 - إلزام الرُواة بذكر الإسناد ................................................................... 45 - المُسْتَشْرِقُونَ والإسناد ..................................................................... 46 - موقف عجيب ............................................................................... 46 - مفهوم المَتْنِ ................................................................................ 48 - المُسْتَشْرِقُونَ والمتن ....................................................................... 49 - منهج نقد الأناجيل ......................................................................... 52 - الطعن في الأفعال النبوية .................................................................. 54 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 - خاتمة .................................................................... 61 - أهم المراجع .............................................................. 71 - الفهرس .................................................................. 78 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80