الكتاب: منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التفسير المؤلف: مسعد بن مساعد الحسيني الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- منهج محمد بن عبد الوهاب في التفسير مسعد بن مساعد الحسيني الكتاب: منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التفسير المؤلف: مسعد بن مساعد الحسيني الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد4: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وإن الله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته وحده لا شريك له، ونصب لهم دلائل معرفته وتوحيده فأعطى الفطر والعقول، ثم بعث الرسل وأنزل الكتب {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 5. وما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر6 حتى كان نبينا صلى الله عليه وسلم الذي اختاره ربه وأجتباه ليرسله إلى أمة جعلها خير أمة أخرجت للناس. فكان الذي آتاه الله وحياً يتلى، ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} 7.   1 سورة آله عمران: آية "102". 2 سورة النساء: آية "1". 3 سورة الأحزاب: آية "70، 71". 4 هذه خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه وقد بين طرقها وألفاظها الشيخ الألباني في رسالة خطبة الحاجة/ طبع المكتب / ط. الرابعة 1400هـ 5 سورة النساء: آية "165". 6 ورد بهذا حديث رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها /كتاب الاعتصام/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلمة", / انظر الفتح "13: 361" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "1: 134" ح "239". 7 سورة إبراهيم: آية "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 فكان هذا الكتاب لهذه الأمة هو الحجة البالغة، والمعجزة الباهرة، والنعمة التامة فهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} 1. هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراط مستقيم. ففتح الله به آذانا صما، وأعينا عميا، وقلوبا غلفا، وأمر بالاعتصام به، والاهتداء بهديه، وتدبر آياته، والعمل بما فيه، وتكفل لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل فى الدنيا، ولا يشقى في الآخرة فقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 2 وأتم النعمة بأن تكفل بحفظه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 3. ولقد علم المسلمون أن هذا الكتاب العزيز هو مكمن قوتهم، ومصدر عزتهم، وسبب نجاتهم، وانبرى العلماء الأكفاء منهم لتفسير كتاب الله، وبيان ما يشتمل عليه من أنواع العلوم والهدى. وكان الأسوة في ذلك البيان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان "خلقه القرآن" تحليلاً لما أحل، وتحريماً لما حرم، وهدياً ومنهجاً، فكان ذلك من قبيل بيانه للناس الذي أمره الله به بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 4. ثم تأسى به أصحابه الكرام، أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وغرر الزمان الذين لم تكتحل عين الزمان بمثلهم أصحاباً. فأخذوا بالقرآن، واعتصموا به، وأقبلوا عليه تعلماً وتعليماً واهتداءً، فزكت نفوسهم، وتهذبت أخلاقهم، واستقامت أمورهم، ثم تلاهم في ذلك التابعون وتابعوهم بإحسان فنهجوا نهجهم وسلكوا سبيلهم وعكفوا على كتاب ربهم وسخروا العلوم لخدمته   1 سورة الجن: آية "1". 2 سورة طه: آية "123". 3 سورة الحجر: آية "9". 4 سورة النحل: آية "44". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وبذلوا جهدهم في تفسيره، وإيضاح دلالاته، واستنباط فوائده وأحكامه، وكلما ادلهمت عليهم الخطوب، وتكالبت الشرور، وجدوا في كتاب ربهم النجاة والمنعة، وصدق الله {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} 1. وقد كان من العلماء الأعلام، أئمة الهدى الذين أعز الله بهم دينه، وأعلى بهم كلمته الإمام المجدد، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي ألهمه الله رشده، ونور بصيرته، وعرفه بكتابه فعمل به، ودعا إليه وبينه، واستنبط كثيراً من أحكامه، ولفت الأنظار إليه، وذم من أعرض عنه، وابتغى الهدى من غيره. حيث نشأ رحمه الله في زمن انتشرت فيه الجهالة في كثير من الأنحاء، وبعد الناس عن كتاب ربهم، وتمسكوا بأقوال متبوعيهم غير المعصومين في حين أعرضوا عن كتاب الله زاعمين أنهم لا يستطيعون فهمه مباشرة، فضيقوا على أنفسهم، وحجروا على غيرهم تفسير كتاب الله، فإذا فسر لهم آية رمقته عيونهم، ومقتته قلوبهم، واشمأزت منه نفوسهم. فقام الشيخ بكتاب الله يدعو إليه، ويبين معانيه وأحكامه، وما تضمنه من عقيدة وأحكام وعبر، ويستنبط منه الفوائد، ويؤلف في ذلك، ويدعم رسائله وفتاواه بنصوص الوحي المطهر، حتى ظهر دين الله، وارتفعت رايته، وثاب المسلمون إلى رشدهم، وعادوا إلى كتاب ربهم، ونهلوا من معينه، وطبقوه في واقع حياتهم، فكان منهج الشيخ في التفسير والاستنباط- ذلك المنهج الذي كان من ثمراته تلك الدعوة الإصلاحية المباركة التي ما زالت تؤتي ثمارها- جديرا بالاهتمام والدراسة. ولذ ارأيت أن يكون موضع رسالتي في مرحلة الماجستير بعنوان "منهج شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تفسيره مع تحقيق جزء من تفسيره"- وذلك لما أراه من أهمية هذا الموضوع، وفائدته، وحيويته.   1 سورة الأنبياء: آية "18". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 هذا وتتلخص أسباب اختيار الموضوع فيما يلي: 1- خدمة لكتاب الله عز وجل ببيان منهج من المناهج القويمة في فهم كتاب الله وتفسيره والاستنباط منه والاهتداء بهديه. 2- رغبة في إلقاء الضوء على جانب مهم من جوانب حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية، وهو الجانب التفسيري ذلكم الجانب الذي لم يلق العناية اللازمة من الباحثين مع أصالته وأهميته بالرغم من كثرة ما كتب فيما يتعلق ببيان جوانب مشرقة من حياة الشيخ. 3- قيمة تفسير الشيخ العلمية. وإنما تظهر قيمه لما تميز به من ميزات قد ذكرتها في موضع آخر وألخصها هنا فيما يلي: 1- سلفية الشيخ ومنهجه القويم في الاعتقاد والتفسير، ومعلوم ذلكم التلازم الوثيق بين استقامة هذين الجانبين. ولذا اصطبغ تفسيره بالصبغة السلفية فلا تحريف ولا تأويل، وإنما تمش مع النصوص وإجراء لها على ظواهرها مع الأيمان بمعانيها والاستفادة العلمية والعملية منها. فكان موضع ثقة وقبول من أهل الاعتقاد الصحيح. 2- اهتمامه في تفسيره واستنباطاته بالربط بين الواقع وبين المعاني المفهومة من الآيات فى سبيل إصلاح المجتمع وعلاجه من أدوائه، وربط الناس بكتاب الله ليأخذوا منه مباشرة ويهتدوا بهداه. وقد ظهر هذا الجانب في تفسيره ومنهجه نصاً واستقراء ومن ذلك قوله: اعلم أن الله سبحانه عالم بكل شيء يعلم ما يقع على خلقه، وأنزل هذا الكتاب المبارك الذي جعله تبياناً لكل شيء وتفصيلاً لكل شيء وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر ومن بعدهم، كما جعله هدى لأهل القرن الأول ومن بعدهم1.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع / التفسير ص "263". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 3- الشمولية في استنباطاته بالتعرض لمعظم ما يذكر في الآية، وإن كان ذلك على وجه الاختصار أحياناً إذ الغرض هو التنبيه والإعلام، ولفت الأنظار إلى تلك المسائل المستنبطة والتي تتضمنها الآية. كما أردت أن أحقق جزءاً من تفسير الشيخ واستنباطاته يشتمل على تفسير "سورة يوسف وسورة الحجر وسورة النحل" وذلك لتوالى هذه السور في المخطوطات التي بين يدي، ولتفسير الشيخ إياها كاملة. ليكون ذلك مثالاً قريباً لتفسيرات الشيخ واستنباطاته وليتبين من خلالها منهجه المتكامل. لهذا كله أحببت أن أكتب في هذا الموضوع مستعيناً بالله ومتبرئاً من الحول والقوة ة إلا به. وقد قسمت البحث إلى قسمين: أولاً: قسم الدراسة. ويشتمل على مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب: أما المقدمة فهي هذه. وأما التمهيد فقد بينت فيه ما يلي: أولاً: البيئة من حول الشيخ. ثانياً: اسم الشيخ ومولده وأسرته ونشأته. ثالثاً: رحلاته العلمية. رابعاً: نبذه عن دعوته الإصلاحية والمراحل التي مرت بها. خامساً: علاقة دعوته بالقرآن وتفسيره. سادساً: قيمة تفسيره العلمية. سابعاً: مشائخه. ثامناً: تلاميذه. تاسعاً: مؤلفاته. عاشراً: وفاته. حادي عشر: ثناء العلماء عليه مفسراً. وأما الأبواب فهي كما يلي: الباب الأول: تفسير الشيخ القرآن بالمأثور. ويشتمل على ثلاثة فصول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن. الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة. الفصل الثالث: تفسيره القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين. ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تفسيره القرآن بأقوال الصحابة. المبحث الثاني: تفسيره القرآن بأقوال التابعين. المبحث الثالث: موقفه من اختلاف السلف في التفسير. الباب الثاني: التفسير بالرأي أو بالمعقول. ويشتمل على خمسة فصول: الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته من الشرع. الفصل الثاني: نظرته إلى التفسير بالرأي. الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي المحمود لديه. ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: معرفته باللغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره. المبحث الثاني: معرفته بالنحو والإعراب ومدى اهتمامه به في تفسيره. المبحث الثالث: معرفته بالبلاغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره. الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي لدى الشيخ. ويشتمل على ثلاثة مباحث. المبحث الأول: التفسير الإفرادي. المبحث الثاني: التفسير الإجمالي. المبحث الثالث: الاستنباط المباشر من الآيات. الفصل الخامس: السمات العامة لتفسيره بالرأي. ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: تمشيه مع روح الشريعة الإسلامية. المبحث الثاني: تمشيه مع تفسيرات السلف وأقوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره: ويشتمل على ستة فصول: الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره. ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة. المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بينها من خلال تفسيره. المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من خلال تفسيره. الفصل الثاني: اهتمامه في تفسيره بالردود على المخالفين. الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسيره. الفصل الرابع: اهتمامه بالفقه والتأصيل في تفسيره. ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: اهتمامه بالفقه في تفسيره. المبحث الثاني: اهتمامه بالتأصيل في تفسيره. ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: اهتمامه بالتأصيل العام في تفسيره. المطلب الثاني: اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره. الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به. ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به. المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها. المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص عنده. المبحث الرابع: موقفه من القصص الإسرائيلي. الفصل السادس: ما ذكره من علوم القرآن في تفسيره. واشتمل على ما يلي: 1- علم القراءات. 2- علم فضائل القرآن. 3- علم قصص القرآن. 4- علم أسباب النزول. 5- تعرضه للنسخ في القرآن الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وقد التزمت في بحث كل جزئيه من الجزئيات أن أدلل عليها من تفسيرات الشيخ نصاً أو استقراء. ثانياً: قسم التحقيق. فقد قدمت له بمقدمة بينت فيها ما يلي: أولاً: اسم الكتاب المحقق جزؤه وتوثيق نسبته إلى مؤلفه. ثانياً: وصف النسخ المخطوطة. ثالثاً: منهجي في التحقيق. ثم شرعت فى تحقيق النص ويشتمل على تحقيق السور الثلاث "يوسف والحجر والنحل". ثم ختمت البحت بخاتمة بينت فيها أهم نتائج البحث. وذيلت الرسالة بعمل فهارس عامة على النحو التالي:- 1- فهرس الآيات القرآنية. وقد اكتفيت فيه بفهرس الآيات المستشهد بها أو الواردة في غير موضعها. أما الواردة في موضعها من التحقيق فلم أفهرسها لتسلسلها مع معرفة سورها. 2- فهرس الأحاديث والآثار. 3- فهرس الأعلام. 4- فهرس المراجع العامة. 5- فهرس الموضوعات. هذا وقد بذلت جهدي لإظهار هذه الرسالة بالمظهر اللائق على اعتراف مني بالتقصير وحسبي أني لفت الأنظار إلى جانب مهم من جوانب حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله". فإن أصبت ووفقت فذلك من فضل الله فله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله. هذا وفي الختام أشكر الله عز وجل أولاً وآخراً على ما من به من التوفيق والسداد والنعم العظيمة التي لا تحصى وأسأله المزيد والقبول. ثم أشكر الجامعة الإسلامية التي كان لنا شرف الانتماء إليها وتلقي العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله على منهج السلف الصالح في أحضانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وأسأل الله عز وجل لها مزيد التوفيق والثبات على منهجها السني. كما أسأله أن يجزي كل من ساهم فى إنجاز هذه الرسالة أو كان له بها أي علاقة خير الجزاء. وأسأله تعالى آن يلهمنا رشدنا ويقينا شرور أنفسنا ويختم بالصالحات أعمالنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الطالب مسعد بن مساعد الحسيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ال تمهيد تناول كثير من الباحثين دراسة جوانب عديدة من حياة الشيخ الخاصة والعامة فدرسوا بيئته ونشأته ودعوته الإصلاحية دراسات مستفيضة جلت جوانب كثيرة منها1، ولم تحظ أي دعوة إصلاحية في العصر الحديث بمثل ما حظيت به هذه الدعوة من الدراسة والتحليل، ولا نكاد نجد دراسة لأحوال جزيرة العرب في القرن الثاني عشر الهجري إلا وتعرضت لذكر هذه الدعوة والقائم بها. فلا حاجة بي إذاً إلى الإفاضة في ذكر تلك الجوانب التي استبانت إذ لست هنا بمقام المؤرخ، وإنما أحببت أن أعطي القارئ إلمامه بهذا العلم الهمام، ونشأته، وأصل دعوته، وما يتعلق بذلك لتتبين له المنزلة العلمية لمن أنا بصدد دراسة منهجه في التفسير. مع الإحالة إلى بعض المراجع الموسعة لمن أحب التوسع والاستزادة. فأقول وبالله التوفيق:-   "1" من أشهر من كتب في ذلك وأكثرت من النقل عنهم: 1- العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام. في "روضة الأفكار والأفهام". 2- العلامة المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر. في "تاريخ نجد". 3- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية "3: 379 وما بعدها". 4- الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في "الدرر السنية" "13: 3 وما بعدها". 5- الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في "الشيخ محمد بن عبد الوهاب. عقيدته السلفية، ودعوته الإصلاحية، وثناء العلماء عليه". 6- الدكتور صالح العبود في "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي". 7- الدكتور عبد الله الصالح العثيمين في "الشيخ محمد بن عبد الوهاب. حياته وفكره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 أولاً: البيئة من حول الشيخ1: درس كثير من الباحثين البيئة التي قام فيها الشيخ بدعوته، واتفق أهل التحقيق منهم على أن العصر الذي نشأ فيه قد انتشرت فيه الضلالة، وعمت الجهالة، وطمست فيه أنوار الهداية، وذلك بطمس أسها وملاكها وهو توحيد العبادة وعدم تحققه في قلوب كثير من العباد، حيث ارتكس كثير من الناس في أوحال الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، لغلبة الجهل عليهم وقلة أو عدم المرشد لديهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال عليهم. فنبذوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم معرضين عن تدبرهما والاهتداء بهما متبعين لأهوائهم وما كان عليه آباؤهم وأجدادهم ولسان حالهم يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 2. فعدلوا عن عبادة رب العباد إلى عبادة العباد، إذ عدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، وتقديسهم، والتبرك بهم، ودعائهم في تفريج الكربات وقضاء الحاجات، وتقديم القرابين والنذور لهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. وكما عبد الأولياء والصالحون، فقد عبدت الأغوار والأشجار والأحجار في كثير من الأقطار. ولم تكن غير نجد من البلدان بأحسن حالا منها، بل عمها طغيان الجهالة والضلالة، فنحو ما في نجد كان يوجد في سائر الأقطار والبلدان في جدة واليمن   1 انظر وصف ابن غنام للبيئة من حول الشيخ في روضة الأفكار "1: 5- 14" فقد ذكر ما يندى له الجبين، وتقشعر منه الأبدان. وقد أفاض شيخنا الدكتور/ صالح العبود في وصف البيئة من حول الشيخ في العالم الإسلامي، وضمنها نقولاً كثيرة فراجعها في كتابه "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي "1: 21- 64". 2 سورة الزخرف: آية "23". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وحضرموت وما جاورها، ومصر وصعيدها، والشام ونواحيها والموصل وبلاد الأكراد. كما لم يسلم الحرمان الشريفان من ذلك الطغيان، بل أصابها ما أصاب غيرها، فكان طوائف من الوفود والأعراب يأتون فيها من الفسوق والضلال والعصيان ما يملأ القلب أسى وحزناً إذ عبدت المآثر والقبور وارتكبت المحارم وانتهكت الحدود، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأما العلماء فإنهم ما بين مقتصر على درسه وحلقته لا يتجاوزها إلى مجتمعه لعلاجه، أو متأسف عاجز، أو مجامل للعامة والرؤساء مشفق على مركزه خائف زواله بالإنكار عليهم، أو صاحب مصلحة في الضلالة كما يزين له الشيطان – والعياذ بالله- أو جاهل بأصل الدين وحقيقته. فكان الناس في أمس الحاجة إلى عناية إلهية تنقذهم مما هم فيه من ضلال وغي وتعيدهم إلى رشدهم ودينهم القويم. فتجلت تلك العناية الإلهية في ذلك المرشد الموفق، والمصلح المسدد، الذي ألهمه الله رشده ونور بصيرته وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي عرف حقيقة التوحيد وأصله وأنه أعظم ما دعا إليه القرآن وهو الغاية من خلق الناس وبعث الرسل كما يتبين ذلك من القرآن في غير موضع كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1. وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 2. وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 3، وعرف ما عليه كثير من الناس من أعمال مضادة للتوحيد ومناقضة أو قادحة فيه، فقام بدعوته إلى الله، وبين للناس ولفت أنظارهم إلى ما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من دلائل التوحيد، ونصب أعلامه وجاهد في سبيل ذلك حتى عاد للعقيدة نقاؤها وصفاؤها.   1 سورة الذاريات: آية "56". 2 سورة النحل: آية "36". 3 سورة الأنبياء: آية "25". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ثانياً:- نسب الشيخ ومولده وأسرته ونشأته. نسبه: هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف الوهيبي التميمي1. وأما أمه فهي بنت محمد بن عزاز المشرفي الوهيبي التميمي. فهي من عشيرته الأدنين2. مولده: ولد الشيخ سنة "1115" خمس عشرة وألف ومائه من الهجرة النبوية في بلدة "العيينة" من بلدان نجد3. أسرته ونشأته: نشأ الشيخ في أسرة علمية دينية. وذلك أن "آل مشرف" الذين ينتمي إليهم الشيخ قد برز منهم علماء أفذاذ، وقضاة، كانت لهم المكانة العلمية الظاهرة. والمتتبع للمصادر التاريخية يلحظ بوضوح أنه منذ القرن العاشر الهجري لمعت أسماء علماء من "آل مشرف" المذكورين، منهم القاضي: عبد القادر بن بريد المشرفي، وأحمد بن مشرف، تلميذ أبي النجا الحجاوي، مصنف الإقناع وزاد المستنقع وغيرهما4. أما إذا انتقلنا إلى أسرته الأقربين فإنا نجد أن جده الشيخ سليمان بن علي قد تولى القضاء في روضة سدير، ثم في العيينة، وكان فقيهاً غزير المعرفة، علامة زمانه، ومرجع علماء نجد في زمنه. وقد ألف منسكا سماه "تحفة الناسك في أحكام المناسك" 5.   1 انظر روضة الأفكار والأفهام لابن غنام "25:1". 2 انظر علماء نجد خلال ستة قرون للبسام "26:1". 3 روضة الأفكار والأفهام "1: 25". 4 انظر عنوان المجد "1: 22" "سابقه" وعلماء نجد "2: 492" وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره ص "26". 5 انظر عنوان المجد "62:1" وعلماء نجد "309:1-313". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وأما أبوه الشيخ عبد الوهاب:- فقد ولد في "العيينة" في كنف والده، فتلقى العلم والفقه على يديه كما تلقى عن غير من العلماء حتى تضلع في الفقه، فولي قضاء "العيينة" بعد أبيه، ثم أنتقل منها إلى "حريملاء" ونشأ الشيخ في بيت أبيه الذي كان من الطبيعي أن يكون ملتقى طلاب العلم وخواص العلماء الذين لا تخلو مجالسهم من مسائل علمية ومناقشات بصفته منزل القاضي فكان يحضر تلك المجالس، إضافة إلى قربه مما يعرض لأبيه من قضايا شرعية، وما يحكم به على مرأى منه ومسمع فكان لهذا الأثر في حياة الشيخ وشغفه بالعلم وتزوده منه1. وأما عمه الشيخ إبراهيم بن سليمان:- فكان على قدر من العلم والفقه، وقد تلقى عن والده، وكان كثير الإقامة مع أخيه عبد الوهاب قال البسام: وقد ولي القضاء في بلدة "أشيقر" ورأيت له حكماً في بعض عقاراتها2. وفى هذه الأسرة الدينية العريقة ولد الشيخ ونشأ فأنبته الله نباتاً حسناً إذ ترعرع في كنف والده، فحفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره، وكان حاد الفهم، وقاد الذهن، ذكيًا، سريع الكتابة والحفظ. فقرأ على أبيه الفقه فبرز فيه. وجد في طلب العلم وأدرك وهو في سن مبكرة حظاً وافراً من العلم، حتى إن والده كان يتوسم فيه مخايل النجابة والذكاء، ويتعجب من فهمه وإدراكه ويذكر أنه استفاد منه بعض الفوائد. وقد كتب إلى بعض إخوانه رسالة نوة فيها بشأن ابنه، وأثنى عليه، وعلى حفظه وفهمه وإتقانه، وذكر فيها أن ابنه بلغ الاحتلام قبل أن يكمل اثنتي عشرة سنة من عمره، وأنه رآه حينئذٍ أهلاً للصلاة بالجماعة لمعرفته بالأحكام فقدمه ليؤم الناس، وزوجه وهو   1 انظر: عنوان المجد "1: 90" وكتاب "الشيخ محمد بن عبد الوهاب/ حياته وفكره" ص "29". 2 انظر: عنوان المجد "1: 90" والدرر السنية "9: 215" وعلماء نجد "1: 110". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ابن اثنتي عشرة سنة بعد البلوغ. ثم استأذن أباه في الحج فأذن له فحج ثم قصد مدينة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وأقام فيها قرابة شهرين ثم عاد إلى نجد فلزم أباه، وأخذ في القراءة عليه في الفقه على مذهب الإمام أحمد1. وكان "رحمه الله" في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره لمعرفة التوحيد وتحقيقه، ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه. وتبين له ما وقع فيه كثير من الناس من البدع والشركيات وتقديس الأشجار والأحجار والمشاهد وما إلى ذلك. فكان ينهى عن ذلك وينكره، ويستدل عليه بالآيات البينات، ويحث الناس على تدبرها وفهمها فاستحسنه منه كثير من الناس، إلا أنهم لم ينهوا عما فعل الجاهلون2. فلما رأى أن القول لا يغني وحده صمم على مزيد من التزود بالعلم، الذي يكون معه سلاحاً في وجه قوى الشر والطغيان3، فلم تقف طموحه وآماله عند مجرد الأخذ عن أبيه في بلده بل رغب في الرحلة في طلب العلم.   1 انظر فيما تقدم روضة الأفكار والأفهام"1: 25، 26" وتاريخ نجد "1: 6" والدرر السنية "9: 215" "12: 4". 2 تاريخ نجد "1: 6، 7" 3 المرجع السابق "7:1" بتصرف. وانظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور صالح العبود ص "80، 81". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ثالثاً- رحلاته العلمية: بعد أن نهل الشيخ من منهل أبيه الذي يغلب عليه الجانب الفقهي تطلع إلى المزيد وذلك بالسير على منهج الأسلاف في الرحلة في طلب العلم الشرعي مهما كلف ذلك من مشقة وعناء. فبدأ هذه الرحلات الميمونة بحج بيت الله الحرام، فلما قضى حجه سار إلى المدينة النبوية فقضى بها زمناً أخذ فيه العلم عن علمائها المشهورين في ذلك الزمان، ومنهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ثم المدني، الذي أجازه من طريقين1، كما أجازه في كل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلماً وتعليماً من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وكذا صحيح مسلم وشروح كل منهما، وسنن الترمذي وسنن أبى داود وسنن ابن ماجة وسنن النسائي الكبرى وسنن الدرامي وكتب القراءات واللغة ... إلى غير ذلك مما ثبت في ثبت الشيخ عبد الباقي2. وكان أول ما سمع من الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي من الحديث الحديث المسلسل بالأولية المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" 3. كما سمع منه مسلسل الحنابلة المروي عن ابن عدي عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله". قالوا: كيف يستعمله؟   1 انظر روضة الأفكار"1: 26" والدرر السنية "12: 4". 2 التوضيح عن توحيد الخلاق ص "17" عقيدة الشيخ: للدكتور العبود ص "96". 3 روضة الأفكار "1: 26، 27" والدرر السنية "12: 4". والحديث رواه أحمد في مسنده "2:16" وأبو داود قي سننه/ كتاب الأدب/ باب في الرحمة "4: 285" ح "4941". والترمذي في جامعه/ كتاب البر والصلة/ باب ما جاء في رحمة المسلمين "4: 323، 324"، ح "1924" وقال حسن صحيح. والحاكم في مستدركه "4: 159" وصححه ووافقه الذهبي. وغيرهم كما صححه من المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ح "925" وانظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص"100"ح "88". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته" 1. ثم وصل الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي حبل الشيخ بحبل المحدث الشيخ محمد حياة السندي وعرفه به وبأهله، فأقام الشيخ عنده وأخذ عنه، وتأثر به كثيراً2. قال ابن بشر3: وحكي أن الشيخ محمداً وقف يوماً عند الحجرة النبوية عند أناس يدعون ويستغيثون عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه محمد حياة فأتى إليه فقال الشيخ: ما تقول في هؤلاء؟ قال: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4. فأقام الشيخ في المدينة ما شاء الله يأخذ عن علمائها، ثم خرج منها إلى نجد، فقصد بلدة العيينة، وأقام بها قرابة سنة ثم تجهز إلى البصرة5. وفي البصرة: سمع الحديث والفقه من جماعة كثيرين، وقرأ بها النحو وأتقنه، وكتب الكثير من الحديث واللغة6. وكان من أشهر من أخذ عنه الشيخ من علماء البصرة عالم يدعى الشيخ: "محمد المجموعي" 7.   1 انظر روضة الأفكار "1: 27" والدرر السنية "12: 4". والحديث رواه أحمد في مسنده "224:5" والحاكم في مستدركه "1: 340". وصححه ووافقه الذهبي. كما صححه الألباني من المعاصرين في سلسلة الأحاديث الصحيحة ح "1114". 2 مصباح الظلام ص "139" وكتاب محمد بن عبد الوهاب.. لأحمد بن حجر آل بوطامي ص19. 3 عنوان المجد "7:1". 4 سورة الأعراف: آية "139". 5 عنوان المجد "7:1" ومشاهير علماء نجد "17". 6 انظر روضة الأفكار "27:1" ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية "3: 380". 7 عنوان المجد "1: 8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وكان الشيخ في أثناء مقامه في البصرة ينكر ما يرى ويسمع من الشرك والبدع، ويحث على طريق الهدى والاستقامة، ويبين دلائل التوحيد، ويعلن للناس أن الدعوة كلها لله ولا يجوز صرف شيء منها لغير الله، ويبين لهم أن دعاء الصالحين ليس من محبتهم في شيء، وإنما محبتهم باتباعهم فيما كانوا عليه من الهدى والدين1. وقد كان لدعوته قبول حسن لدى شيخه المجموعي، إذ قرر الشيخ له توحيد العبادة، ومعنى لا إله إلا الله، فانتفع شيخه بذلك حتى لقد قال ابن بشر: أخبرني شيخنا القاضي عثمان بن منصور الناصري قال: أخبرني رجل في مجموعة البصرة بأن أولاد ذلك العالم الذي قرأ عليه الشيخ محمد هم أحسن أهل بلدهم بالصلاح، ومعرفة التوحيد، وهذا – والله أعلم- ببركة اجتماع بوالدهم2. ثم رحل الشيخ إلى الأحساء: قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "ثم إن شيخنا "رحمه الله تعالى" بعد رحلته إلى البصرة رحل إلى الأحساء ثم رجع من الأحساء إلى البصرة" 3. ومن العلماء الذين أخذ عنهم الشيخ في الأحساء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي، وأجازه بما في ثبت الشيخ عبد الباقي، كما لقي الشيخ عبد الله بن فيروز وغيرهم4.   1 روضة الأفكار "1: 27، 28" والمحرر "1: 76". 2 عنوان المجد "1: 8". 3 الدرر السنية "9: 216". 4 انظر عنوان المجد "1: 8" والدرر السنية "9: 216" وتحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد "1: 125" "2: 74" وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. لأحمد بن حجر آل بوطامي ص"19". والأحسائي المذكور له ذكر في عنوان المجد "1: 8" والدرر السنية "9: 216" وتحفة المستفيد "1: 125" "2: 74" ويذكر من المناوئين للدعوة. انظر دعاوى المناوئين ص "42". وابن فيروز هو: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن فيروز الوهيبي التميمي ولد سنة "1105" هـ وأخذ عن والده وخاله الشيخ عبد الوهاب ابن سليمان بن علي وغيرهما، مهر في الفقه وأصوله وأصول الدين وغيرها. وكان سلفي العقيدة. وتوفي سنة "1175"هـ. قاله ابن بسام في "علماء نجد خلال ستة قرون" "2: 627، 628". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ثم إن الشيخ في البصرة استمر على ما كان عليه من النصح والإرشاد، وبيان التوحيد الخالص، والتحذير مما يشو به من بدع وشركيات، مما لم يرق لأهل المصالح من علماء السوء وأعداء التوحيد الذين وشوا به عند ملأ البصرة وأعيانها فآذوه أشد الأذى وأخرجوه في وقت الهاجرة1. قال ابن بشر: فلما خرج وتوسط في الدرب فيما بينها وبين بلد "الزبير" أدركه العطش، وأشرف على الهلاك، وكان ماشياً على رجليه وحده، فوافاه صاحب حمار مكارى يقال له أبو حميدان فسقاه وحمله على حماره حتى وصل "الزبير" 2. ويذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن أن الشيخ خرج من البصرة إلى نجد قاصداً الحج فحج "رحمه الله"، فلما قضى حجه وقف في الملتزم وسأل الله أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصداً المدينة مع الحجاج يريد الشام فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه، وأخذوا ما معه، وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن مسيره مع الحجاج، فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها ثم رجع منها إلى نجد3. وعندما تيمم نجدا قصد بلدة حريملاء إذ كان أبوه قد انتقل إليها، فاستقر معه فيها بما حمله من علم سني جم من جراء تنقله خلال رحلاته العلمية، بين كثير من مراكز العلم في زمنه كالمدينة والبصرة والأحساء وغيرها. وقبل هذه المرحلة وأثناءها أخذ الشيخ عن مشائخ فضلاء وعلماء أجلاء في نجد والمدينة والبصرة والأحساء، وحصل على إجازات منهم، وكتب كثيراً من كتب السنة وكتب ابن تيمية وابن القيم، وكان ينكر ما يراه مخالفاً للإسلام إنكاراً لفت الأنظار إليه، وجعله مستهدفاً بالأذى والإخراج   1 مشاهير علماء نجد "17، 18". 2 عنوان المجد: "1: 8" باختصار بسيط. 3 الدرر السنية "9: 215، 216" باختصار. وانظر "عقيدة الشيخ للدكتور العبود ص "84"". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 كما حصل له في البصرة1. وعندما استقر بالشيخ المقام في نجد لم تنقطع صلته بالعلم بل كان كما يذكر الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف يقرأ على والده، وبعد فراغه من القراءة يخلو بنفسه ويعكف على دراسة الكتاب والسنة وتفاسير علماء السلف الأجلاء وشروحهم بتدبر وإمعان، فبلغ رحمه الله الغاية القصوى، والطريقة المثلى في معرفة معاني الكتاب والسنة، واستنباط ما فيها من الأسرار الشرعية، والأحكام الدينية، وأكب معهما على مطالعة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فأزداد بهما علماً وتحقيقاً وعرفاناً، وبصيرة في كتاب الله تعالى وإدراكاً لمعانيه وأسراره والاهتداء به في شئون الحياة2. وفي هذه الفترة كان مستمراً على إنكار ما يفعله الجهال من البدعيات والشركيات في الأقوال والأفعال، حتى توفي والده سنة "1153" ثلاث وخمسين ومائه وألف من الهجرة النبوية. فحينئذ شمر عن ساعد الجد للقيام بدعوته الإصلاحية3.   1 انظر: "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.." لشيخنا الدكتور العبود ص "88". 2 انظر: مشاهير علماء نجد ص "18". بتصرف وزيادات. 3 انظر: عنوان المجد "1: 8،9" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 رابعاً: نبذة عن سير دعوته والمراحل التى مرت بها:- كان الشيخ "رحمه الله" في كل مكان حل فيه يبين التوحيد ودلائله من الكتاب والسنة وأقوال السلف لمن حوله وينكر ما يرى من الشركيات والبدع، وذلك لما علمه من منافاتها لما عليه سلف الأمة، ولما فيها من قدح في العقيدة الصحيحة أو منافاة لها. ولما توفي والده استمر الشيخ في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهر بذلك، وأخذ يقرره للعام والخاص، ويزجر من يرتكب شيئاً من المنكرات فذاع ذكره في جميع بلدان العارض، في حريملاء والعيينة والدرعية والرياض ومنفوحه، وصار له أنصار ومعارضون كما هي سنة الله تعالى الجارية في الصراع بين الحق والباطل1. وكان في "حريملاء" عبيد كثر تعديهم وفسقهم، فأراد الشيخ أن يمنعوا، فتآمروا على قتله، وتسوروا عليه الجدار، فرآهم بعض أهل البلد فصاحوا بهم فهربوا ثم لما لم يجد الشيخ مناصرة ومؤازرة قوية توجه إلى "العيينة" وأميرها يومئذ عثمان بن حمد بن معمر فتلقاه بالإجلال والاحترام، فعرض عليه الشيخ دعوته، وبين له التوحيد، ورغبه فيه، فاتبعه وناصره، وألزم الخاصة والعامة أن يمتثلوا أمره2. وكان في "العيينة" وما حولها كثير من القباب والمساجد والمشاهد المبنية على قبور الصحابة، وكثير من الأشجار التي يقدسونها ويتبركون بها. فأمر الشيخ بتغيير تلك المنكرات، فخرج هو والأمير فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد وعدلوا القبور على السنة3. وهكذا استمرت الأمور على أحسن حال، فعلت كلمة الحق، وأحببت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الحدود وعاد للعقيدة صفاؤها وأثرها.   1 انظر تاريخ نجد "المحرر": "1: 77" وعنوان المجد "8:1، 9". 2 انظر تاريخ نجد "المحرر": "1: 78" وعنوان المجد "1: 9". 3 انظر المرجعين السابقين بصحائفهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وعاد الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتدبرهما وتطبيقهما في واقع الحياة1. فبم يرق ذلك لعلماء السوء وأرباب المصالح بل أنكرته قلوبهم، وما أنكرت إلا التوحيد وتطبيق القرآن، ولسان حالهم يقول: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2. فتألبوا على الإنكار عليه ومخاصمته ومحاربته، وإثارة الشبهات حول دعوته: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 3. فكتبوا إلى علماء الأحساء والبصرة والحرمين يشوهون الحقائق، ويؤلبون على الشيخ ويغرون به العامة والخاصة، وخصوصاً الحكام، حتى وشوا به إلى حاكم الأحساء سليمان بن محمد بن غرير الحميدي4. فكتب سليمان هذا إلى عثمان بن معمر يأمره بقتل الشيخ أو إجلائه عن بلده وشدد عليه، وهدده بقطع ما كان يبعث به إليه من خراج. فلما ورد كتابه على عثمان عظم الأمر في عينه، وعز عليه مخالفة أمير الأحساء، فأمر الشيخ بالخروج من العيينة5. فخرج الشيخ منها محفوفاً برعاية الله سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف، وتوجه إلى الدرعية، حيث كان له أنصار وتلاميذ، فنزل أول ليلة على عبد الله بن سويلم ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ: أحمد بن سويلم6.   1 انظر تاريخ نجد "المحرر": "1: 78، 79" وعنوان المجد "1: 9، 10" بتصرف. 2 سورة "ص": آية "5". 3 سورة الصف: آية "8". 4 انظر ترجمته فيما يأتي من الدراسة ص "205". 5 انظر روضة الأفكار "1: 31، 33" "2: 2، 3" والمحرر باسم تاريخ نجد "1: 80". وعنوان المجد "1: 10، 11". 6 انظر روضة الأفكار "3:2". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فلما سمع أميرها الإمام محمد بن سعود بذلك، وشرح الله صدره لنصرة التوحيد قام مسرعاً فأتى الشيخ في بيت أحمد بن سويلم فسلم عليه ورحب به وقال: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة. فقال الشيخ:- وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة "لا إله إلا الله" من تمسك بها، وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم. وبين له ما كان عليه الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وما دعا إليه، وما كان عليه صحابته "رضي الله عنهم أجمعين" من بعده، وما أمروا به، وما نهوا عنه، وأن كل بدعة ضلاله، وما أمرهم الله به من الجهاد في سبيله وأغناهم به وجعلهم إخوانا. ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه من مخالفة لشرع الله بالشرك به تعالى والبدع والاختلاف، وإعراض عن القرآن وتفهمه والعمل به. فتحقق الإمام معرفة التوحيد، وعاهد الشيخ على النصرة والتأييد، فهيأ الله لهذه الدعوة المباركة قوة السنان والسلطان، كما هيأ لها قوة الإيضاح والبيان1. فقام الشيخ بالدعوة إلى الله بلسانه وبيانه معلماً، وواعظاً، ومدرساً، وبقلمه مؤلفاً، ومكاتباً، وبنفسه مجاهداً في سبيل الله، نصرة لدينه وإعلاء لكلمته، يؤازره هذا الإمام الراشد وأعوانه حتى آتت هذه الدعوة المباركة ثمارها، وعاد للعقيدة صفاؤها ودورها في الحياة فاستبان الناس الحق ووضح لهم الصواب وانكشفت عنهم غياهب الجهل والشك والارتياب. وعادوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم قراءةً وتفهماً وتدبراً وإستنباطاً واستدلالاً واهتداءً بهما. وما تزال هذه الدعوة المباركة تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها منتشرة   1 انظر روضة الأفكار "3:2" وعنوان المجد "1: 11، 12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 في الأفاق، ملاقية القبول عند كل من عرف حقيقتها، وتجرد عن الهوى إذ ليست هي إلا الدعوة إلى دين الله الخالص الخالي من كل البدع والشوائب فالحمد لله على فضله وإحسانه، وجزى الله الدعاة إليها ومناصريهم وأتباعهم بإحسان خير الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 خامساً:- علاقة دعوته بالقرآن الكريم وتفسيره 1: إن علاقة دعوة الشيخ بالقرآن الكريم علاقة تلازم وارتباط، فلا يمكن أن تنفك عنه أبداً، وذلك أنها دعوة سلفية سنية، ومن المعلوم أنه من مقتضيات ذلك ولوازمه، بل من أساسياته ومما لا تكون الدعوة سلفية إلا به الاعتماد على كتاب الله تعالى، والإيمان به هدى وبياناً، ومنهجاً وبرهاناً، فهي دعوة نابعة من القرآن وداعية إليه. فلذا كتب لها البقاء والذيوع والانتشار لإيوائها إلى هذا الركن الشديد. فيجد الناظر- بكل وضوح- أن حامل لواء هذه الدعوة ارحمه الله يحث دائماً على النظر في كتاب الله تعالى وتدبرّه، والاهتداء بهديه، والتزود منه والاعتماد عليه، وينزله المنزلة العظمى معتقداً ومنهجاً، جملة وتفصيلاً. - ويرى أنه هدى يعتصم به من الضلالة، ورحمة يعتصم به من الهلكة، فلا يضل من اتبعه ولا يشقى، وأنه يفصل الأمور أي يبينها ويوضحها، وأنه كاف عما سواه من الكتب2، وقد ترجم في كتاب "فضل الإسلام" بـ "باب وجوب الاستغناء بمتابعته" يعني القرآن3. فلذا كله- وغيره مما ذكر كثير من هذا القبيل- يحث على معرفة تفسيره وفهم معانيه وتدبره، وأن يكون أعظم ما عند المسلم في غير ما موضع. من تفسيره، وكتبه، وفتاواه، ورسائله يعرف ذلك من ألقى عليها نظرة ولو سطحية عابرة. - فمن حثه على تأمل القرآن قوله: "فيجب على كل إنسان يخاف الله والنار أن يتأمل كلام ربه الذي خلقه، هل يحصل4 لأحد من الناس أن يدين الله بغير   1 من المعلوم أن اعتماد الدعوة على القرآن اعتماد على السنة أيضاً لأنه يحيل إليها، ولكن الغرض هنا بيان هذا الجانب بالذات. 2 انظر عقيدة الشيخ في القرآن ضمن كتاب شيخنا الدكتور صالح العبود "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .... ". ص "250- 257". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة والآداب الإسلامية/ كتاب فضل الإسلام ص "221". 4 أي هل يستقيم له ويصح منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 دين النبي صلى الله عليه وسلم. لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية1، ودين النبي "صلى الله عليه وسلم" التوحيد، وهو معرفة "لا اله إلا الله محمد رسول الله" والعمل بمقتضاهما2. - ومن ذلك أيضاً إشارته على من قبل نصيحته من إخوانه ألا يصير في قلبه أجل من كتاب الله، ويظن أن القراءة فيه أجل من قراءة القرآن3. واعتماد الشيخ على القرآن في دعوته ظاهر جلي كما قلت تصريحاً واستقراء. - ومن ذلك أنه يدعو من يخالفه إلى التحاكم لكتاب الله كقوله: وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهله ... 4. - وقوله: والقائل إنه يطلب الشفاعة- أي من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة- بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو من إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع5. - ومن الأمثلة الظاهرة على ارتكاز الدعوة على القرآن، وفهم تفسيره ومعانيه، والتزود به، قول الشيخ في وصيته العامة إلى من يصل إليه من المسلمين: وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} 6، فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج كما قال تعالى: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية7   1 سورة النساء: آية "115". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "182". 3 المرجع السابق ص "37". 4 المرجع السابق ص "266". 5 المرجع المسابق ص "49". 6 سورة غافر: آية "83" 7 سورة الأعراف: آية "86". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 1. ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حجج الله وبيناته فلا تخف ولا تحزن: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} 2. والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء المشركين، كما قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 3، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد من الله علينا بكتابه الذي جعله تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} 4، قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة. ثم يقول: ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين أني لما بينت لهم كلام الله وما ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآية5، وقوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه} 6، وقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 7، وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} الآية8 وغير ذلك. قالوا القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا ولا بكلام الرسول ولا بكلام المتقدمين ... إلى آخر ما ذكر "رحمه الله" 9.   1 سورة الأعراف: الآيتان "16، 17". 2 سورة النساء: آية "76". 3 سورة الصافات: آية "173". 4 سورة الفرقان: آية "33". 5 سورة الإسراء: آية "57". 6 سورة يونس: آية "18". 7 سورة الزمر: آية "3". 8 سورة يونس: آية "31". 9 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "156، 157". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 - ومن حثه أيضاً على التمعن في كتاب الله، وفهم التوحيد منه قوله: "قيل: إن أول آية نزلت قوله سبحانه بعد إقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} 1 قف عندها ثم قف ثم قف ترى العجب العجيب، ويتبين لك ما أضاع الناس من أصل الأصول، وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} الآية2، وكذلك قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} الآية3، وكذلك قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية4، وغير ذلك من النصوص الدالة على حقيقة التوحيد ... 5. - وبمقابل ذلك نجد أن الشيخ "رحمه الله" يذم فن يتبع غير كتاب الله ويعرض عنه فيقول عند قول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية6:كون أناس من أهل الكتاب إذا وقعت المسألة وأرادوا إقامة الدليل عليها تركوا كتاب الله7. ويقول ذاماً لكتب علم الكلام: ... مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام مع كونه يزعم أن هذا- أي الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات وتنزيه الله تعالى- واجب على كل أحد، وهو أصل الدين تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه8. كما يذم ذماً بالغاً- في غير موضع- الذين يحجرون على أنفسهم ويعرضون عن القرآن بحجة أنه لا يفهمه إلا المجتهد، ولذا حرموا الهدى والعياذ بالله9. وكل ما تقدم- وغيره كثير- إنما هو في بيان علاقة دعوته بالقرآن وتفسيره من خلال نصوصه وتصريحه، وأما إذا ما نظرت إلى كتبه ومؤلفاته   1 سورة المدثر: الآيتان "1، 2". 2 سورة النحل: آية "36". 3 سورة الجاثية: آية "23". 4 سورة التوبة: آية "31". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "172، 173". 6 سورة البقرة: آية "102". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "21". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "263". 9 انظر منهج الشيخ في تفسيره فيما يأتي ص "93-95". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 واستقرأت موضوعاتها فإنك تجدها مليئة بالاستدلال بكتاب الله عز وجل وتفسيره. فانظر مثلاً إلى أعظم مؤلفاته وهو "كتاب التوحيد" تجده مشحوناً بالاستدلال بالآيات القرآنية، بل بالترجمة بها أحياناً والاستنباط منها كما يظهر من المسائل في آخر كل باب وكذا الحال في بقية كتبه ورسائله كرسالة "كشف الشبهات" و "القواعد الأربع" إذ استدل على كل قاعدة منها بآية قرآنية وكذا الأصول الثلاثة وغيرها مما يتبين به حقيقة الأمر، وأن دعوته رحمه الله مرتكزة على كتاب الله ونابعة منه ومحيلة إليه وإلى تفسير السلف لمعانيه وبيان فوائده وأحكامه. فلا غرو إذاً أن يهتم هو بتفسير بعض السور والآيات، ويركز جل اهتمامه على تفسير الآيات المتعلقة بالعقيدة مباشرة، وإن كان القرآن كله مقرراً للعقيدة ومبيناً لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 سادساً:- قيمة تفسير الشيخ العلمية. لتفسير الشيخ "رحمه الله" قيمه علمية لا يستهان بها، وتلك القيمة لما تميز به هذا التفسير من ميزات قد لا تتوفر في كثير من كتب التفاسير منها: 1- سلفية مؤلفه ومنهجه القويم في الاعتقاد وبالتالي الاتجاه والدعوة والأسلوب فقد درس تفاسير السلف وأقوالهم وكتبهم وتضلع من ذلك كما تشير إليه مصادر ترجمته، وكما تشعر به مؤلفاته ورسائله ودعوته كلها. فلذا كان من الطبيعي أن يصطبغ تفسيره بتلك الصبغة السلفية، فلا تحريف ولا تأويل؛ ولذا يأنس إليه كل ذي التماس لهذا المنهج وانتماء إليه. وكم يسر طالب العلم الحق عندما يجد من يثق فيه معتقداً وعلماً يفسر له آية من كتاب الله، إذ سيطمئن إلى تفسيره لهذه الآية على وجهها، ويأمن من أن يدس له السم في العسل- كما يقال- من حيث لا يشعر. 2- اهتمامه البالغ بالتعرض للآيات المتعلقة بالعقيدة مباشرة، تفسيراً واستنباطاً، إذ فاق اهتمامه بها اهتمام كثير من المفسرين ففسر تلك الآيات مستفيداً من أقوال المحققين من السلف، ومستنيراً بها، فاجتمع في تفسيره من الاستنباطات العقدية الكثير جداً، مما لم يبلغه كثير من التفاسير، ولم يهتم به كثير من المفسرين. 3- ما يلمح في تفسيره من اهتمام بالنواحي الإصلاحية للحياة، ومعالجة للمجتمع بآيات الكتاب العزيز، الذي جعله الله تبياناً لكل شيء، بربطه به، ولفت الأنظار إلى تدبر كتاب الله الذي يسره لكل مدكر، فلم يقف عند مجرد سرد أقوال المفسرين بل استفاد منها مع ما آتاه الله من الفهم، ومعرفة شأن القرآن، وأحوال المجتمع. 4- الشمولية في الاستنباط إذ لا يقصر النظر على جانب واحد في الآية بل يستنبط كل ما يظهر تعرض الآية له أوجله. ولا أريد أن استبق الأمور فكل هذه الميزات والجوانب سيأتي إيضاحها في موضعها من الدراسة إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وأختم ما يحضرني من ميزات تفسير الشيخ بما ذكره الدكتور: فهد الرومي بقوله: 5- ذلكم التأثير العجيب الذي يشعر به قارئ مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب "رحمه الله" إذا قرأها بتمعن وتأمل وتجرد فلا يكاد يقرأ فيها حتى يحس بتدفق تأثيرها في قلبه، ويشعر بسريانها في كوامنه، وما تزال تدب في مشاعره دبيب الوعي في النائم عند استيقاظه حتى يجد نفسه وقد أشرف على حقيقة كان يجهلها، أو على الأقل غابت عن ذهنه1. وقد قال بنحو قوله من قبل الأستاذ مسعود الندوي، حيث قال عن مؤلفات الشيخ رحمه الله: "ولكن هناك جوهرة ثمينة أخرى في مكتوباته ونادراً ما نراها في التراث الإسلامي كله.. وإن سمحتم نعبر عنها "بالروح ".. فإن كل سطر من سطوره مملوء بالتأثير، ولعل سببه كامن في ذلك الشعور الديني الوقاد الذي كان يقض مضجعه طوال حياته.. 2. وهذا هو ما استطعت بيانه مما يبين قيمة تفسيره مع هذه العجالة وقد يتبين لناظر في تفسيره غيري أكثر مما تبين لي.   1 مقدمة تحقيق تفسير سورة الفاتحة للشيخ محمد بن عبد الوهاب تحقيق الدكتور فهد الرومي ص "11، 12". 2 "محمد بن عبد الوهاب، مصلح مظلوم، ومفترى عليه" للأستاذ مسعود الندوي ص "135". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 سابعاً- مشائخه: تلقى الشيخ "رحمه الله" العلم عن عدد من علماء عصره في وطنه والأقطار التي رحل إليها في طلب العلم ومنهم: 1- والده الشيخ عبد الوهاب بن سليمان. وقد نشأ والده في بيت علم وفضل، وتلقى العلم على يد أبيه علامة نجد في زمنه وغيره من العلماء حتى أدرك في الفقه خاصة، وتولى قضاء العيينة زمناً ثم انتقل منها عام "1139هـ" تسع وثلاثين ومائة وألف إلى قضاء حريملاء إلى أن توفي سنة "1153هـ" ثلاث وخمسين ومائة وألف "رحمه الله" وقد ربى ابنه تربية علمية دينية كما بينته سابقاً. وقرأ ابنه عليه في الفقه والحديث والتفسير1. 2- عمه الشيخ إبراهيم بن سليمان. وقد ولد سنة "1070" سبعين وألف من الهجرة في بلدة "العيينة"، وأخذ العلم عن أبيه وعن غيره من العلماء فنال منه حظاً وافراً وخصوصاً في الفقه وكتب منه شيئاً كثيراً وقد ولي قضاء بلدة "أشيقر" وتوفي سنة "1141" إحدى وأربعين ومائة وألف من الهجرة "رحمه الله" 2. 3- الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف رؤساء بلده "المجمعة" وهو من أفاضل الفقهاء قرأ على علماء المدينة ثم ارتحل إلى الشام فقرأ على شيخ الحنابلة هناك العلامة أبي المواهب ثم عاد إلى المدينة فسكن بها حتى توفي سنة "1140" أربعين ومائة وألف من الهجرة النبوية3 "رحمه الله" وقد قرأ عليه الشيخ فأجازه من طريقين، وروى عنه الحديث المسلسل بالأولية والحديث المسلسل بالحنابلة كما تقدم4.   1 انظر "علماء نجد خلال ستة قرون" للبسام: "669:3، 670" وانظر ما تقدم "6". 2 انظر السحب الوابلة "25". 3 انظر "علماء نجد خلال ستة قرون": "2: 501- 504". 4 انظر ما تقدم ص "8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 4- العلامة الكبير والمحدث الشهير الشيخ محمد حياة بن إبراهيم السندي المدني. ولد بالسند ثم تنقل في طلب العلم حتى استقربه المقام في المدينة النبوية فلازم الشيخ أبا الحسن محمد بن عبد الهادي السندي "صاحب الحواشي على دواوين السنة الستة" وأجازه الشيخ عبد الله بن سالم البصري وغيره. وكان عالماً جليلاً متحرراً للدليل. وله مصنفات كثيرة منها "شرح الترغيب والترهيب" و "تحفة المحبين في شرح الأربعين" وغيرهما1. وقد كان له الأثر الحسن في حياة الشيخ محمد العلمية، يبين هذا قول الشيخ عبد الرحمن بن حسن "وكان له أكبر الأثر في توجيهه إلى إخلاص توحيد العبادة، والتخلص من رق التقليد الأعمى والاشتغال بالكتاب والسنة2. وتوفي الشيخ "محمد حياة السندي" بالمدينة سنه "1163" ثلاث وستين ومائة وألف من الهجرة3، وقيل غير ذلك "رحمه الله". وقد أخذ الشيخ عن غير هؤلاء العلماء ومنهم: 5- مسند الحجاز العلامة المحقق "عبد الله بن سالم البصري أصلاً المكي مولد الشافعي المتوفى سنه "1134" أربع وثلاثين ومائه وألف من الهجرة بمكة المكرمة "رحمه الله" 4. 6- الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني صاحب "كشف الخفا" المتوفى سنة "1162" اثنتين وستين ومائة وألف من الهجرة "رحمه الله" 5.   1 انظر عنوان المجد "1: 25، 26" وسلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر "4: 34" وفهرس الفهارس "1: 356، 357". 2 مصباح الظلام ص "154". 3 انظر سلك الدرر "4: 34" وفهرس الفهارس "1: 356" وعنوان المجد "1: 25، 26". 4 انظر هدية العارفين "1: 480" وفهرس الفهارس "1: 193" وانظر بحث إسماعيل الأنصاري المقدم لمؤتمر أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب "1: 129- 130"، وكتاب عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لشيخنا العبود "90- 92". 5 انظر ترجمته في سلك الدرر "1: 259- 272" وقد ذكره من مشائخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب كل من ابن بدران في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" ص"447" وابن قاسم في الدرر السنية "12: 4" وانظر "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. لشيخنا العبود "99- 100". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 7- الشيخ علي أفندي بن صادق الداغستاني المتوفى سنة "1199" تسع وتسعين ومائه وألف من الهجرة. رحمه الله1. وقد أخذ الشيخ عنه في المدينة وأجازه بمثل ما أجازه به الشيخ/ عبد الله بن إبراهيم النجدي بما في ثبت أبي المواهب الحنبلي2. 8- الشيخ عبد اللطيف العفالقي الأحسائي. وقد ذكر صاحب "التوضيح عن توحيد الخلاق" وأحمد بن حجر آل بوطامي أنه أجاز الشيخ بمثل ما أجازه به الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي بما في ثبت أبي المواهب الحنبلي أيضاً3. 9- الشيخ محمد المجموعي. وقد أخذ الشيخ عنه بالبصرة كما تقدم ذكره4. وقد أخذ الشيخ عن غير هؤلاء من العلماء. ثامناً- تلاميذه. إن من الطبيعي لدعوة سلفية إصلاحية كدعوة الشيخ كان لها أنصار كثير، أن يتوافد أنصارها- وخصوصاً من طلبة العلم- إلى هذا الإمام المجدد لينهلوا من علمه، ويكونوا بقربه.   1 انظر ترجمته في سلك الدرر "3: 215"، وفهرس الفهارس "1: 365"، وقد ذكره من مشائخ الشيخ محمد الشيخ محمد بن علي بن غريب في التوضيح عن توحيد الخلاق ص "16، 17". وابن بدران في "المدخل" ص "447"، وابن قاسم في الدرر "12: 4" والشيخ إسماعيل الأنصاري في بحوث أسبوع الشيخ ص "129" وغيرهم. 2 انظر التوضيح عن توحيد الخلاق ص "16، 17" وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. لأحمد بن حجر آل بوطامي ص "19". 3 انظر التوضيح عن توحيد الخلاق ص "16، 17" وكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. لأحمد بن حجر آل بوطامي ص "19". 4 انظر ما تقدم ص "9". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ولذا فقد كثر تلاميذ الشيخ جداً وصعب حصرهم، وسأكتفي هنا بذكر بعض المشهورين منهم وهم:- 1- ابنه الشيخ حسين.. أخذ عن أبيه حتى أدرك، وصار له معرفة تامة في أصول العلم وفروعه، وولي قضاء الدرعية زمناً فحمد قضاؤه، وعدله، وكان له دروس واستفاد بعلمه خلق كثير منهم ابناه علي وعبد الرحمن، وسعيد بن حجي وغيرهم. وتوفي سنة "1224" أربع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة في "الدرعية" رحمه الله1. 2- ابنه الشيخ عبد الله.. أخذ عن أبيه وغيره، وكان آية في العلم ومعرفته، ومعرفة فنونه، ولي القضاء بعد أبيه، وكان مرجعاً للعلماء والقضاة، وله دور بارز في نشر الدعوة بعد أبيه والرد على أعدائها كما ألف جملة من المصنفات المشهورة منها "جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية" و"مختصر السيرة" و"الفصول النافعة في المكفرات الواقعة" وغيرها. وأخذ عنه العلم خلق كثير منهم بنوه الشيخ سليمان وعلي وعبد الرحمن والشيخ عبد الرحمن بن حسن وغيرهم. وتوفى سنه "1242" اثنتين وأربعين ومائتين وألف من الهجرة في "مصر" رحمه الله2. 3- ابنه الشيخ علي.. أخذ العلم عن أبيه وغيره. وقال فيه ابن بشر: "كان عالماً جليلاً ورعاً كثير الخوف من الله، وكان يضرب به المثل في بلد الدرعية بالورع والديانة، وله معرفة في الفقه والتفسير وغير ذلك، وراودوه على القضاء فأبى   1 انظر الدرر السنية "46:12" ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص "28". 2 انظر: الدرر السنية "12: 43-45" ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص "32- 50" وعلماء نجد "48:1- 55". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 عنه1" أ. هـ. وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف: "الغالب على الظن أن الشيخ علي توفي سنة "1245هـ" بمصر رحمه الله2. 4- ابنه الشيخ إبراهيم. قال ابن بشر: "رأيت عنده حلقة في التدريس، وله معرفة في العلم، ولكنه لم يل القضاء3". وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم" ولم أقف له على وفاة ولكنه موجود سنة "1251هـ" في مصر وتوفي فيها4 رحمه الله. 5- الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب. أخذ العلم عن جده الشيخ، وعن عمومته والشيخ حمد بن ناصر بن معمر وغيرهم في شتى الفنون. وكان فقيهاً، محدثاً بارعاً في الفنون كلها وله مؤلفات شهيرة منها "كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" و "قرة عيون الموحدين وتأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس" وغيرها. وقد ولي القضاء في الدرعية وأخذ العلم عنه خلق كثير من القضاة والفقهاء منهم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن بشر والشيخ حمد بن عتيق وغيرهما. وتوفي سنه "1285" خمس وثمانين ومائتين وألف من الهجرة في الرياض "رحمه الله" 5. 6- الشيح حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر. وكان عالماً جليلاً أخذ عن الشيخ وعن سليمان بن عبد الوهاب، وأخذ العربية عن الشيخ حسين بن غنام، وأخذ عنه ابنه عبد العزيز والشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ عبد الله أبابطين وغيرهم.   1 عنوان المجد "1: 93". 2 مشاهير علماء نجد وغيرهم:"51" وانظر الدرر السنية "12: 46، 47". 3 عنوان المجد "1: 93". 4 الدرر السنية "12: 46". 5 عنوان المجد "1: 93، 94" والدرر السنية "12: 60، 66". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وقد ولي قضاء الدرعية زمناً، ثم أرسله الإمام سعود بن عبد العزيز قاضياً ومعلماً في مكة المكرمة، فأقام فيها حتى توفي سنة "1225" خمس وعشرين ومائتين وألف من الهجرة "رحمه الله". وله في الدرر السنية رسائل وأجوبه تدل على جلالة قدره وعلمه. وله رسالة قيمة اسمها "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب" 1. 7- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الحصين الناصري التميمي. وكان عالماً فقيهاً أخذ عن الشيخ وأبنائه والشيخ حمد بن معمر المتقدم ذكره وغيرهم، وعنه جمع من العلماء منهم الشيخ عبد الله أبابطين والشيخ إبراهيم بن سيف وغيرهما. وقد ولي القضاء في ناحية "الوشم" زمناً. وتوفي سنة "1237هـ" سبع وثلاثين ومائتين وألف من الهجرة. "رحمه الله" 2. 8- الشيخ سعيد بن حجي. رحل إلى الدرعية، وأخذ عن الشيخ، وابنيه الشيخ عبد الله، والشيخ حسين، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر وغيرهم. فلما تفقه عينه الإمام عبد العزيز بن محمد قاضياً في حوطة بني تميم وما حولها، فقام بالقضاء والإفتاء والتدريس فيها حتى توفي سنة "1229" تسع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة "رحمه الله" 3. هذا وللشيخ "رحمه الله" تلاميذ آخرون كثير أصبحوا علماء أجله وفقهاء وقضاة قال ابن بشر بعد أن ذكر جمعاً ممن أخذ عن الشيخ: أخذ عنه من القضاة ممن لا يحضرني الآن عده عدد كثير، وأخذ عنه ممن لم يل القضاء من الرؤساء والأعيان ومن دونهم الجم الغفير4"أ. هـ رحم الله الجميع رحمة واسعة.   1 عنوان المجد "1: 94" والدرر السنية "13: 47" مشاهير علماء نجد وغيرهم ص "157-160". 2 عنوان المجد "1: 94" والدرر السنية "12: 49، 50". 3 عنوان المجد "1: 94" وعلماء نجد "273:1". 4 عنوان المجد "1: 94، 95". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 تاسعاً: مؤلفاته: كما نشر الشيخ فكراً سلفياً سنياً، نابعاً من كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" وفهمهما، وتطبيقهما، وما يتعلق بهما، فقد ترك كذلك ثروة علمية قيمة في فنون شتى، لقيت قبولاً وانتشاراً بين أهل الاعتقاد الحسن، والمهتمين بدعوة الشيخ وعلمه، وهي دالة على ما كان لدى الشيخ من معرفة، وما جمع من علوم. ومؤلفاته ما بين مؤلف مستقل، ومختصر من كتاب قيم أو منتخب منه. وقد قام الباحث الدكتور: "أحمد محمد الضبيب" بعمل سجل بيبلوغرافي لما نشر من مؤلفات الشيخ، كما قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بجمع ما أمكن من مؤلفاته في مجموعة واحدة، كما ذكر غير واحد من الباحثين والمؤلفين مؤلفات الشيخ ودرسوها. ونظراً لطبع جل مؤلفاته، وتعدد طبعات الكثير منها، فسأقتصر فيما طبع على الإحالة إلى موضعه من المجموعة فقط. وسأتناول ذكر هذه الكتب حسب فنونها فأقول: أولاً: مؤلفاته فيما يتعلق بالقرآن وعلومه. 1- فضائل القرآن. ويقع ضمن مجموعة المؤلفات/القسم الرابع كمقدمة لاستنباط القرآن. 2- استنباط القرآن. وقد شمل معظم تفسيره وهو ضمن مجموعة المؤلفات/القسم الرابع. كما أنه يوجد له تفسير لآيات أخر لم يشملها هذا التفسير وأعظم مجموعة منها ما هو موجود في الدرر السنية لابن قاسم/المجلد الرابع/ الجزء العاشر/ كتاب تفسير القرآن. ولأذكر هنا ما شمله هذان السفران من آيات فسرها الشيخ أو استنبط منها، وهو جل ما اعتمدت عليه في دراسة المنهج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 1- كلام في الاستعاذة. "الدرر" ص "26". 2- تفسير سورة الفاتحة. الاستنباط "7-18" الدرر ص "27- 33". 3- استنباط من سورة الفاتحة. الاستنباط "18" الدرر ص "33". 4- استنباط من سورة الفاتحة. الدرر "33- 35". - سورة البقرة: الآيات "2-5" في الدرر ص "39، 40". الآيات "102، 109، 110" الاستنباط "21- 29" الدرر "42- 44". الآيات "124-141" الاستنباط ص "30-42" الدرر ص "45- 49". كلام يتعلق بالآية "124" أيضاً الدرر ص "45". الآيات "139-141" الاستنباط ص "28، 29" الدرر ص "44، 45". الآيتان "140، 141" الاستنباط ص "42- 44" الدرر ص "49، 50". ذكر ما اشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول الدين. الدرر ص "54-56". - سورة آل عمران: الآية "18" الدرر ص "56". الآيات "79- 83" الاستنباط ص "45- 47" الدرر ص "57، 58". الآية "97" الدرر ص "58". الآيات "100- 108" الاستنباط ص "48- 51" الدرر ص "59". - سورة النساء: الآيات "26- 28" الدرر ص "62". الآيات "97-100" الدرر ص "62". سورة الأنعام: الآيات"40- 45" الاستنباط ص "53- 55" الدرر ص "63، 64". الآيات "50- 55" الاستنباط ص "56- 58" الدرر ص "64، 65". الآيات"71.- 73" الاستنباط ص "59- 61" الدرر ص "65، 66". الآيات "71- 73" مرة أخرى الاستنباط ص "1 6- 63" الدرر ص "66، 67". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الآية "71" مرة أخرى أيضاً الدرر ص "67". الآيات "74- 90" الاستنباط ص "63- 68" الدرر ص "67- 69". استنباط يتعلق بالآية "136" الدرر ص "70". استنباط يتعلق بالآية "145" الدرر ص "69، 70". - سورة الأعراف: الآيات "2- 33" ما عدا الآية "25" الاستنباط ص "69- 80" الدرر ص "71- 72" "79- 81". - قصة آدم وإبليس:- الاستنباط "81- 98" الدرر ص "72-79" "129، 130". مسائل مستنبطة منها أيضاً- الدرر ص "79". الآيات "28- 30" الاستنباط ص "99، 100" الدرر ص "80، 81". كلام يتعلق بالآية "30" الدرر ص "79". الآيات "59- 84" الاستنباط ص "101- 110" الدرر ص "83- 85". الآيات "175- 177" الاستنباط ص "111، 112" الدرر ص "91، 92". سورة يونس: الآية "35" الدرر ص "94، 95". الآيات "104- 106" الاستنباط ص "113، 114" الدرر ص "95، 96". - سورة هود: الآيات "1- 13" الاستنباط ص "115- 119" الدرر ص "97، 98". الآيتان "15، 16" الاستنباط ص "120- 123" الدرر ص "98، 99". الآيات "49، 31، 40، 46، 36، 27" حسب ورودها في المسائل المستنبطة. الاستنباط "124- 126" الدرر "99، 100". الآيات "110- 123" الدرر ص "100- 102". - سورة يوسف: جميعها. الاستنباط ص "127- 182" الدرر ص "104- 125". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 - سورة إبراهيم: الآية "24". الدرر ص "126". - سورة الحجر: جميعها. الاستنباط ص "183- 197" الدرر ص "126- 129". - سورة النحل: جميعها. الاستنباط ص "199- 236" الدرر ص "130- 138". كلام في معنى السلطان المثبت في قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} الآية "100" النحل. والسلطان المنفي في قوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي..} الآية "22" إبراهيم- الدرر "138". الآيات "120- 123" مرة أخرى الاستنباط ص "237" الدرر ص "138". - سورة الكهف: الآيات "1- 10" الاستنباط ص "239- 242" الدرر ص "139، 140". الآيات "13- 16" الاستنباط ص "242- 244" الدرر ص "141". الآيات "19- 29" الاستنباط ص "245- 250" الدرر ص "141- 143". الآية "49". الاستنباط ص "250" الدرر ص "143". - قصة موسى والخضر. وهي الواردة في الآيات "60- 82" 0 الاستنباط ص "251- 260" الدرر ص "143- 145". الآية "110" الاستنباط ص "260، 261" الدرر ص "145، 146". - سورة طه: الآيات "124- 127" الاستنباط ص "263- 268" الدرر ص "146- 147". - سورة المؤمنون: الآيات "51- 53" الاستنباط ص "269، 270" الدرر ص "149، 150". - سورة النور: الآيات "1- 37" الاستنباط ص "271- 278" الدرر ص "150، 151". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الآيتان "39، 40" الاستنباط ص "278" الدرر ص "151". الآيات "47- 54" الاستنباط ص "278، 279" الدرر ص "151". - سورة القصص: الآيات "1- 42" الاستنباط ص "381- 294" الدرر ص "152- 155". - قصة "موسى وفرعون" في السور الأخرى، الاستنباط ص "295- 316" الدرر ص "155- 159" والسور هي: طه: الآيات "9- 75" الأعراف الآيات "104، 105، 116، 118، 119". "123- 137" الشعراء: الآيات "18- 39" "44" "50- 68" النمل: الآيات "8- 14" يونس: الآيات "77- 92" هود: الآيات "96- 98" الإسراء: الآيات "101-104" الحج: الآيات "42- 44" الصافات: الآيتان "114، 115" غافر: الآيات "23- 46" الزخرف: الآيات "46- 56" الدخان: الآيات "17- 30" المؤمنون: الآيات "45- 48" الذاريات: الآيتان "38، 39" القمر: الآيات "41- 43". المزمل: الآيات "15- 17" النازعات: الآيات "15- 26". - الآيات "58- 61" الدرر ص "159، 160". - سورة الزمر: جميعها الاستنباط ص "317- 343" الدرر ص "162- 169". كلام يتعلق بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} في الآية "22" الدرر ص "169". كلام يتعلق بقوله: {مَثَانِيَ} في الآية "23" الدرر ص "169". الآيات "64- 67" مرة أخرى. الاستنباط ص "344 - 348" الدرر ص "169- 171". استنباط من سورة "الفتح" وأغلبه من أحداث القصة ذاتها وهو أشبه بها يسمى "فقه السيرة" الدرر ص "172- 176". - سورة الحجرات:- الآيات "1- 8" وذكرت الآيتان "9، 10" ولم يذكر تفسيرهما. الاستنباط "349- 354" الدرر ص "176- 178". - سورة الحديد: الآيتان "23، 24" الدرر ص "183". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 سورة المجادلة: الآية "11" الدرر ص "182، 183". استنباطات عامه من السور الثلاث "نوح، والجن، والمزمل" الدرر ص "185". - سورة الجن: جميعها الاستنباط ص "355- 363" الدرر ص "185- 188". الآية "18" مرة أخرى. الاستنباط ص "362، 363" الدرر ص "188". - سورة المدثر: الآيات "1- 7" الاستنباط ص "365، 366" الدرر ص "190". - مقارنات بين سورتي "اقرأ" "العلق" والمدثر الاستنباط ص "366، 367" الدرر ص "190، 191". - سورة العلق: جميعها الاستنباط ص "369- 373" الدرر ص "189، 190". - استنباطات من سورة: اقرأ. "العلق" إلى آخر القرآن. الاستنباط ص "375- 380" الدرر ص "191، 192". - ما في قصة سبب نزول "تبت" "المسد" إلى آخرها من المسائل الاستنباط ص "381، 382". - ذكر ما في سورة "التكاثر" إلى آخر القرآن من المسائل الدرر ص "193". - استنباطات من بعض قصار السور. الدرر ص "193". - استنباطات من بعض قصار السور. الدرر ص "194". - سورة الإخلاص: جميعها، الاستنباط ص "383" الدرر ص "198، 199". - سورة الفلق: جميعها. الاستنباط ص "385، 386" الدرر ص "199، 200". - سورة الناس: جميعها الاستنباط ص "387- 389" الدرر ص "200". وهذا عدا ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية في التفسير فلم أثبته هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 3- مختصر تفسير سورة الأنفال: ويقع ضمن مجموعة المؤلفات/ ملحق المصنفات. 4- تفسير سورة الفلق: وهو مختصر من تفسير الإمام ابن القيم لها. وموجود بالمتحف العراقي ببغداد ومصورته بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم "2320". وقد حققه أخيراً الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي. كما تناسب للشيخ كتب في التفسير أخرى ومنها: 1- مختصر تفسير سورة الحجرات: وهو مصور بجامعة الملك سعود بالرياض برقم "1639" ضمن مجموع يشتمل على عشرين كتابا لعلماء السلف كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما. وهو بقدر سبع صفحات ونصف تقريبا بمعدل "25" سطراً في الصفحة الواحدة. وهو مختصر من تفسير الإمام ابن كثير وجار على منهج الشيخ في الاختصار بالمحافظة على اللفظ المختصر حتى كأنه منتخب منه انتخاباً. 2- قطعة من مختصر تفسير ابن كثير: وهي موجودة لدى الشيخ: عبد الرحمن الفارس1 بالرياض. وهو جزء من المختصر، مبتور من أوله ومن آخره، إذ يبدأ من أواخر ما يتعلق بتفسير الآية "الثالثة والستين" من سورة الأنبياء. وينتهي بعد سطرين مما يتعلق بتفسير آخر سورة الحجرات. وقد أفادني الشيخ الفارس أنه كان في أوله ورقة فيها نسبته إلى الشيخ محمد "رحمه الله" ويقع هذا التفسير في حوالي "280" ورقة تترواح عدد سطور صفحاتها من "23" إلى "33" سطرا، وأكثر صفحاتها إلى "33" سطراً أقرب.   1 قاضي تمييز متقاعد بالرياض وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله" انظر مشاهير علماء نجد ص "137". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وهذا التفسير جارٍ على منهج الشيخ في الاختصار كما في سابقه. وقد ذكر للشيخ مختصرا التفسير ابن كثير صاحب تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد "1: 127" للشيخ محمد بن عبد الله بن عبد المحسن آل عبد القادر الأحسائي. فالله أعلم. 2- تفسير سورة النصر. وهي تالية لمختصر تفسير سورة الحجرات المتقدم ذكره وبقدر ثمان صفحات تقريبا معدل كل صفحة "26" سطرا. وقد تبين لي بالمقارنة أنها للحافظ ابن رجب الحنبلي وقد نسبت في المخطوط للشيخ محمد بن عبد الوهاب خطأ. ثانياً: مؤلفاته فيما يتعلق بالحديث. 1- كتاب مجموع الحديث على أبواب الفقه. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/ قسم الحديث "الأجزاء 1، 2، 3، 4". 2- كتاب بعنوان: هذه أحاديث في الفتن والحوادث التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون بعده جمعها الشيخ/ محمد ابن عبد الوهاب. 3- مختصر فتح الباري: ذكره ابن قاسم في الدرر السنية1،ولم أقف عليه.   1 انظر "12: 19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ثالثاً:- مؤلفاته فيما يتعلق بالعقيدة والآداب الإسلامية. وسأبدأ بذكر ما جمع مجموعة المؤلفات/ القسم الأول/العقيدة والآداب الإسلامية وهو ما يلي:- 1- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. ص "7- 151". 2- كشف الشبهات. ص "153- 181". 3- ثلاثة الأصول. ص "183- 196". 4- القواعد الأربع. ص "197- 202". 5- فضل الإسلام. ص "203- 227". 6- أصول الإيمان. ص "229- 277". 7- كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد. ص "279- 329". 7- مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان ومنها:- - الرسالة الأولى: "مسائل الجاهلية" ص "332- 352". - الرسالة الثانية: "شرح ستة مواضع من السيرة" ص "353- 362". - الرسالة الثالثة: "تفسير كلمة التوحيد" ص "363- 369". - الرسالة الرابعة: "تلقين أصول العقيدة للعامة" "370- 373". - الرسالة الخامسة: "ثلاث مسائل". ص "374، 375". - الرسالة السادسة: "معنى الطاغوت ورؤوس أنواعه" "376- 378". - الرسالة السابعة: "الأصل الجامع لعبادة الله وحده" "379- 381". - رسالة في "نواقض الإسلام" ص "385- 387". - رسالة في "ستة أصول عظيمة مفيدة" في "393- 397". - "رسالة في توحيد العبادة" ص "398 -399". 9- كتاب الكبائر. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/القسم الأول/ العقيدة والآداب الإسلامية. 1- رسالة في الرد على الرافضة.. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/ ملحق المصنفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 كما تذكر له بعض المختصرات في العقيدة. لم أقف على شيء منها وهي: 1- مختصر الإيمان. 2- مختصر العقل والنقل. 3- مختصر الصواعق. 4- مختصر المنهاج1. رابعاً: مؤلفاته فيما يتعلق بالفقه والأحكام. وهي ضمن مجموعة المؤلفات/ القسم الثاني / الفقه. 1- مختصر الإنصاف والشرح الكبير "ضمن المجلد الأول" وما بعده ضمن المجلد الثاني. 2- أربع قواعد تدور الأحكام عليها. 3- مبحث الاجتهاد والخلاف. 4- كتاب الطهارة. 5- شروط الصلاة وأركانها وواجباتها. 6- كتاب آداب المشي إلى الصلاة. 7- أحكام الصلاة. خامساً: مؤلفاته في السيرة وفقهها. 1- مختصر سيرة الرسول "صلى الله عليه وسلم". وهو ضمن مجموعة المؤلفات / القسم الثالث. وقد ذكر له كل من ابن غنام وابن قاسم كتابا آخر في السيرة وهو "السيرة المطولة" ولم أقف عليه2.   1 ذكر هذه المختصرات وغيرها ابن قاسم في الدرر السنية "12: 18،19". 2 انظر روضة الأفكار: "1: 50" والدرر السنية"12: 18"، وانظر تعليق شخنا الدكتور صالح العبود في كتابه "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.." ص "123" حول ما ذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 3- مختصر زاد المعاد. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/ القسم الرابع. 3 - بعض فوائد صلح الحديبية. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/ ملحق المصنفات. 4- شرح ستة مواضع من السميرة. وهو ضمن مجموعة المؤلفات/ القسم الأول ص "353- 362" وغير ذلك من الرسائل والمكاتبات والخطب التي جمع الكثير منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وفاته: في سنة "1206" ست ومائتين وألف من الهجرة النبوية توفي الشيخ: الإمام محمد بن عبد الوهاب بمدينة الدرعية عن عمر يناهز الثانية والتسعين1. ذكر ابن قاسم عن يوم جنازته "وكان يوماً مشهوداً، تزاحم الناس على سريره وصلوا عليه في بلدة الدرعية، وخرج مع جنازته الكبير والصغير2. وقد رثاه الشعراء وأثنى عليه العلماء. فرحمه الله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته، وأتم له أجر من دعا إلى هدى، وحشرنا وإياه في زمرة الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ثناء العلماء عليه مفسراً: إن العظماء في التاريخ كالشيخ محمد "رحمه الله" لتثني عليهم جهودهم العظيمة وآثارهم الحميدة وقد أثنى العلماء والمنصفون على الشيخ ثناءً عطراً، فلا تكاد تعثر على ترجمة له إلا وتجدها تفوح بالثناء العاطر على هذا الإمام الجليل والمصلح النبيل. وسأقتصر هنا على إيراد بعض ثناء العلماء في ما يناسب المقام وذلك في جانب الثناء عليه مفسراً. فقد تبين من خلال ترجمة الشيخ ورحلاته العلمية أنه قرأ التفسير وتأمل فيه وبرز وقد صرح بعض العلماء بذكر منزلته فيه فمن ذلك:- تلميذه ومعاصره ابن غنام حيث يقول: "كان رحمه الله تعالى رحمة واسعة.. قد أعطى في القرآن فهماً وقاداً حديداً، ومقولاً باهراً مصيباً سديداً موفقاً مجيداً، فكان إذا تكلم على الآيات ونزلها على الواقع بهر   1 روضة الأفكار لابن غنام "2: 154" وعنوان المجد "1: 95". 2 الدرر السنية "12: 20". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 السامع كلامه" 1. وقال في الثناء عليه في هذا الجانب أيضاً " ... المستنبط من كتاب الله تعالى ما يقصر عن بعضه الفهم.. المتفنن في فهم القرآن والاستنباط.." 2. ولهذه الشهادة وزنها وقيمتها لصدورها ممن عاصر الشيخ وجالسه وأخذ عنه مع بروزه في علم اللغة والنحو3. وممن أثنى عليه بالتفسير ومعرفته ابن بشر في "عنوان المجد" حيث قال عند ذكر مؤلفاته: وكلامه على القرآن أكثر من مجلد. أتى فيه بالعجب العجاب من تقرير التوحيد ومعرفة الشرك، وكل آية وقصة يأتي عليها بعدة مسائل حتى أتى من قصه موسى والخضر في سورة الكهف بقريب مائة مسألة. وممن أثنى عليه بهذا أيضاً العلامة الشوكاني في رثائه له بقصيدته الطويلة الشهيرة وفيها: فمن للبخاري بعده ولمسلم ... يبين المخبا منهما للمحاول ومن ذا لتفسير الكتاب ومن ترى ... لأحكام فقه الدين من للرسائل4 وممن أثنى عليه في هذا المجال أيضاً الشيخ ابن قاسم في "الدرر السنية" حيث قال: وله من المسائل المستنبطات من كتاب الله ما يقصر عنه فهم الفحول الأفاضل ولا يقدر على إبرازه ذوو التدقيق الأماثل. تكلم على غالب السور واستنبط منها من الفوائد ما لم يسبق إليه5. وكل ناظر في تفسير الشيخ بفكر وتعمق وروية مع تجرد عن الهوى لا يملك إلا أن يذعن لهذا الإمام بالمعرفة بهذا الفن، وما أوتيه من دقة فهم واستنباط وغوص لمعان عميقة ونكت بديعة مما يدل على تمكنه فيه.   1 روضة الأفكار "1: 222". 2 المرجع السابق "2: 154". 3 انظر الثناء على ابن غنام بمعرفة علوم العربية في تحفة المستفيد "2: 104" مع دلالة أسلوبه في "روضة الأفكار" على ذلك. 4 الدرر السنية "12: 23". 5 المرجع السابق "12: 19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 قسم الدراسة - الباب الأول: تفسير الشيخ القرآن بالمأثور الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن ... الباب الأول: تفسير الشيخ القرآن بالمأثور ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن. الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة . الفصل الثالث: تفسيره القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين. ويشتمل على ثلاثة مباحث:- المبحث الأول: تفسيره القرآن بأقوال الصحابة. المبحث الثاني: تفسيره القرآن بأقوال التابعين. المبحث الثالث: موقفه من اختلاف السلف في التفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن. إن المنهج الصحيح الذي ارتضاه المحققون لتفسير كتاب الله عز وجل يبدأ من القرآن نفسه، وذلك أن كثيراً من الآيات يفسر بعضها بعضا، ويوضح المراد منه؛ فما أجمل في موضع من القرآن الكريم قد يبين في موضع آخر، وما أطلق في موضع قد يلحقه التقييد في موضع آخر، وما جاء عاماً قد يدخله التخصيص في موضع آخر، وهكذا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن. فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقط بسط في موضع آخر1. ا. هـ. فلهذا كان لا بد لمن يتعرض لتفسير كلام الله عز وجل أن ينظر أولا في القرآن ليفسر بعضه ببعض فإن صاحب الكلام أعلم بكلامه ومراده منه. وفي أثناء دراستي لتفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله اتضح لي أنه لم يغفل هذا المسلك الرشيد، بل كان يسلكه كلما أمكن ذلك، ووجد من الآيات ما يساعده على تحقيقه. وذلك في سبيل إيضاح المعنى وبيانه، وهو الغرض الذي يرمي إليه الشيخ من تفسيره. وأي إيضاح وبيان أعظم من بيان القرآن للقرآن؟ وذلك غاية البيان. ومما يلاحظ أن للشيخ أغراضا من إيراد الآيات التي يفسر بعضها بعضا أو يتعلق بعضها ببعض وأهمها ما يلي: أولاً: تفسير الآية بالآية، وبيان مبهم فيها، أو نحو ذلك، وهذا هو الأصل في تفسير القرآن بالقرآن، وأمثله ذلك كثيرة في تفسيره أورد منها ما يلي:   1 انظر: "مقدمة في أصول التفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص "93". وقد أورد كل من الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" وابن كثير في تفسيره هذا الكلام بنصه. فانظر البرهان "2: 175" وتفسير ابن كثير "1: 4". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 1- قال في تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} من سورة الفاتحة ما نصه: وأما تفسير الملك فيأتي الكلام عليه، وذلك أن قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وفي القراءة الأخرى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1. 1- وقال عند تفسير قوله تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} 2 ما نصه:.. ومعنى ذلك أن الله فطر عباده على الفطرة، وهي الإسلام، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} 3 الآية. 2- وقال عند تفسير قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 4 ما نصه: فهذه حجة عقلية شرحها في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} 5 الآية. 3- وقال عند تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} 6 ما نصه: أنه أنزله معتدلا لا عوج فيه، ففيه معنى قوله: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} 7. 4- وقال في أواخر تفسير سورة الناس ما نصه: وقوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يعني: أن الوسواس نوعان: إنس وجن،   1 سورة الانفطار آية "17-19" وانظر مؤلفات الشيخ / القسم الرابع / التفسير ص "13". 2 سورة النساء آية "119". 3 سورة الروم آية "30" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "90". 4 سورة يوسف آية "39". 5 سورة الزمر آية "29" وانظر مؤلفات الشيخ / القسم الرابع / التفسير "146". 6 سورة الكهف آية "1". 7 سورة المؤمنون آية "71" وانظر مؤلفات الشيخ / القسم الرابع / التفسير ص "240". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فإن الوسوسة: الإلقاء الخفي. لكن إلقاء الإنس بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إليها، ونظير اشتراكهما في الوسوسة، اشتراكهما في الوحي الشيطاني في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 1. ثانياً: بيان بعض المعاني المتعلقة بالآية، عن طريق ذكر الآية المقابلة لها، أو التي بينها وبينها مناسبة لإيضاح وجه العلاقة بين تلك الآيات. ويتضح ذلك بالأمثلة التالية من تفسيره: 1- قال عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} 2. ما نصه: ذكره أنه عهد إلى إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه لهذه الطائفة، ولذلك أنزل الله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} 3. 2- وقال عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} 4 الآية. ما نصه: ونظيره: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} 5 والله سبحانه يخاطب الموجودين، والمراد آباؤهم، كقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} 6. وقد يستطرد سبحانه من الشخص إلى النوع كقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} 7 إلى آخره.   1 سورة الأنعام آية "112" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "389". 2 سورة البقرة آية "125". 3 سورة التوبة آية "28" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع / التفسير ص "31". 4 سورة الأعراف آية "11". 5 سورة الحج آية "5". 6 سورة البقرة آية "55". 7 سورة المؤمنون آية "13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فالمخلوق من سلالة آدم، ومن نطفة ذريته1. 3- وقال عند تفسير قوله تعالى إخباراً عن مقالة يوسف: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} 2 ما نصه: قوله: {مِنْ شَيْءٍ} عام كل ما سوى الله، وهذه المسألة هي التي غلط فيها أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم، كما قال تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} 3. 4- وقال عند تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} 4. ما نصه: الإخبار بعذابهم من حيث لا يشعرون، بضد من يرزقه من حيث لا يحتسب5. أ. هـ فهو يريد أن يلفت الأنظار إلى نكتة عظيمة هنا وهي أنه كما أتى المكذبين عذاب من حيث لا يشعرون لتكذيبهم، أتى المتقين رزق من حيث لا يحتسبون لتقواهم. كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 6. ومما يدل على تمشية مع هذا المنهج – أعني تفسير القرآن بالقرآن – ما أمكن – ما نراه من جمع للآيات التي يبين بعضها بعضا ويظهر من مجموعها بيان معنى معين في بعض أبواب كتاب التوحيد كما يأتي الإشارة إليه في موضعه إن شاء الله تعالى7. مما به يتبين هذا الجانب في تفسيراته واستنباطاته.   1 انظر: مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "82، 83". 2 سورة يوسف "38". 3 سورة الشورى آية "13" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "145" وانظر قسم التحقيق ص "329". 4 سورة الزمر آية "25". 5 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "327". 6 سورة الطلاق آية "2، 3". 7 انظر فيما يأتي ص "128". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة يذهب الشيخ محمد رحمه الله إلى أن النبي "صلى الله عليه وسلم" فسر للصحابة رضوان الله عليهم ألفاظ القرآن كما بلغها. وقد مال إلى هذا القول من قبل الإمام ابن جرير الطبري1، وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله2. والذي يظهر أن مرادهم بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بين ما يحتاج إلى بيان وإيضاح، كما تدل عليه عباراتهم، واستدلالاتهم، كما سيأتي، وأما ما سوى ذلك فمجرد إبلاغه بيان له، على ما سيأتي توضيحه. فإن قول الشيخ محمد: "فسر" مشعر بذلك، حيث أن التفسير في اللغة: هو الكشف والبيان3. والذي يحتاج إلى كشف وبيان هو ما كان مستوراً غامضاً، وهو ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه في قول الله تعالى له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 4 فتولى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالبيان على أوجه كثيرة: كبيان المجمل، وتوضيح المشكل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وغير ذلك، والأدلة على بيانه صلى الله عليه وسلم كثيرة منها: 1- قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فالبيان في الآية يتناول بيان معاني القرآن، كما يتناول بيان ألفاظه بتبليغها. 2- قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} 5 وقوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} 6 وقوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} 7، وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.   1 انظر ترجمته فيما يأتي ص "286" من قسم التحقيق. 2 انظر مؤلفات الشيخ/ التفسير ص"254"، وتفسير الطبري "1: 73 وما بعد ها" ومقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ص "35". 3 انظر لسان العرب "5: 55". والمصباح المنير "472" مادة: فسر. 4 سورة النحل: آية "44". 5 سورة "ص": آية "29". 6 سورة النساء: آية "82". 7 سورة المؤمنون: آية "68". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1. وعقل الكلام متضمن لفهمه. ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه لا مجرد ألفاظه. فالقرآن أولى بذلك. ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يبقون مدة في حفظ السورة. قال أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا2. وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين. قيل: ثمان سنين. كما ذكره مالك "رحمه الله" 3، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من "النبي صلى الله عليه وسلم" عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن، والعلم والعمل جميعا4. 3- ما أخرجه أحمد وابن ماجة عن عمر أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا وأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" قبض قبل أن يفسرها5. فقد دل فحوى الكلام أنه كان يفسر لهم كل ما نزل، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها، وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه6. 4- أن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم7؟!   1 سورة يوسف: آية "3" 2 رواه الإمام أحمد في مسنده "3: 120". ومعنى قوله: جد فينا أي صار ذا حظوة وقدر عظيم بيننا. 3 أخرجه مالك في الموطأ/ كتاب القرآن/ باب ما جاء في القرآن "1: 205" اثر "11". 4 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "5: 410" والطبري في تفسيره "1: 80" تحقيق: أحمد شاكر، وابن أبي شيبة في المصنف/ كتاب فضائل القرآن/ في تعليم القرآن كم آية "6: 117" أثر "29929". 5 أحمد في مسنده "36:1، 50" وابن ماجة/ كتاب التجارات/ باب التغليظ في الربا "2/764" حديث "2276" قال الساعاتي في الفتح الرباني "18: 54" وسنده ضعيف لانقطاعه لأن سعيد بن المسيب لم يدرك عمر لكن يعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا. 6 الإتقان "205:2". 7 انظر مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية "37". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 بيد أن بعض العلماء: "ومنهم الخويي1" و "السيوطي2" قد ذهبوا إلى أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لم يفسر من القرآن إلا آيات قلائل. فيقول الخويي:- وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول "صلى الله عليه وسلم" وذلك متعذر إلا في آيات قلائل3.   1 هو شمس الدين أحمد بن الخليل بن سعادة المهلبي الخويي- نسبة إلى خوي مدينة بأذربيجان- الشافعي أبو العباس ولد سنة "ثلاث وثمانين وخمسمائة" دخل خراسان وقرأ بها الكلام والأصول على الفخرالرازي "سمع من ابن الصلاح وقرأ الفقه على الرافعي. قال الذهبي:- كان فقيهاً، إماماً، مناظراً، خبيراً بعلم الكلام، أستاذاً في الطب والحكمة ديناً كثير الصلاة والعبادة. وقال التاج السبكي: حفظ القرآن على كبره. وله مصنفات كثيرة ونظم كثير. توفي في شعبان سنة "سبع وثلاثين وستمائة". انظر: سير أعلام النبلاء "33: 64، 65" وطبقات الشافعية للسبكي "8: 16، 17"" وشذرات الذهب "183:5". 2 هو الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي. ولد سنة "تسع وأربعين وثمانمائة" وحفظ القرآن وهو دون الثامنة، كما حفظ كثيراً من المتون. وقال عن نفسه إنه رزق التبحر في سبعة علوم وهي: التفسير، والحديث والفقه، والنحو، والمعاني والبيان، والبديع. وله مؤلفات جمه، منتشرة في الآفاق، وكثير منها حسن مفيد. توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة. انظر: الضوء اللامع "4: 65" وحسن المحاضرة "188:1" والكواكب السائرة "1: 226" وشذارت الذهب "8: 51". 3 نقله عنه السيوطي في الإتقان "174:2". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ويقول السيوطي: الذي صح من ذلك- أي من النقل عن "النبي صلى الله عليه وسلم" في التفسير- قليل جداً بل أصل المرفوع منه في غاية القلة1. وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بأدلة منها: 1- ما أخرجه البزار والطبري عن عائشة "رضي الله عنها" قالت:- ما كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يفسر من كتاب الله إلا أيا بعدد علمه إياهن جبريل2. 2- ما أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه، وغيرهم أن النبي "صلى الله عليه وسلم" دعا لابن عباس بقوله: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" 3. فلو كان التأويل مسموعاً كالتنزيل لما كان لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء فائدة4. 3- إنه يتعذر أن يفسر النبي "صلى الله عليه وسلم" القرآن كله، ولا يمكن ذلك إلا في آيات قلائل، والعلم بالمراد من الآيات يستنبط بأمارات ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى- أراد أن يتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته5. والرأي الذي ارتضيه بعد هذا هو ما ذهب إليه الشيخ محمد رحمه الله ومن سبقه إليه، وهو أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد امتثل أمر ربه وبين كل ما يحتاج إلى بيان من معاني القرآن الكريم ويظهر الحق جلياً إن شاء الله تعالى إذا علمت الأمور التالية: 1- أن بيان السنة للكتاب ليس مقتصراً على تفسير كلمة قرآنية بكلمة نبوية، بل هو أعم من ذلك، فيشمل ما كان بياناً بالقول، أو الفعل، أو التقرير، أو الوصف، وكل ذلك سنة، وبها يكون البيان.   1 المرجع السابق "2: 179". 2 تفسير الطبري "1: 84" بتحقيق: أحمد شاكر. 3 انظر مسند الإمام أحمد في مواضع منها "226:1" والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان "9/98" ح "7015". والمستدرك "3: 534". 4 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "33:1". 5 الإتقان "3: 174". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "كان خلقه القرآن"1 فما تحلى به "صلى الله عليه وسلم" من كمال العبودية لله تعالى، وكريم الشمائل هو من قبيل تفسير القرآن بالسنة، فتحليله لما أحل القرآن، وتحريمه لما حرم، والتزامه بشرائعه وآدابه، في جميع شؤونه، كل ذلك هو ما قصدته عائشة "رضي الله عنها". فهو داخل ضمن التفسير. 2- أن تفسير القرآن الكريم على أربعة أوجه، كما ذكر ذلك ابن عباس بقوله "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلاهما، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى2. فمعلوم أن القسم الأول مجرد تبليغ لفظه كاف عن تفسيره، وذلك لظهور معناه، وبخاصة لدى الصدر الأول، أهل العربية والفصاحة، فإن تفسير الواضح قد يعميه، فمثل هذا لا يحتاج إلى أن يبين الرسول صلى الله عليه وسلم معناه. وكذا ما لا يعذر أحد بجهالته، لظهور معناه أيضاً. ولهذا كان الشيخ الإمام رحمه الله يشنع على الذين يقولون بأن القرآن لا يفهم معناه، وأنهم لا يستطيعون أن يستفيدوا منه مباشرة بل يأخذون من أقوال متبوعيهم دون النظر إلى نصوص الكتاب3. وأما ما استأثر الله بعلمه، كوقت قيام الساعة، وحقيقة الروح، ونحو ذلك، فهذا لم يطلع الله عليه نبيه "صلى الله عليه وسلم"، فمعلوم أنه غير مراد بالبيان، ولكن الغرض من ذكر ذلك في القرآن قد حصل وهو الابتلاء والامتحان،   1 أخرجه أحمد في مسنده في مواضع منها "6/ 91" ومسلم في صحيحه في حديث طويل / كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب جامع صلاة الليل "1/ 512" ح "129" وغيرهما. 2 أخرجه الطبري في تفسيره "1: 75" بتحقيق: أحمد شاكر. 3 انظر ما يأتي ص "93-95". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ليتميز من يؤمن ويسلم ويعمل، ممن يتبع المتشابه ويجادل. فأما ما يحتاج إلى بيان وإيضاح من النبي "صلى الله عليه وسلم"، ولا يدرك علمه إلا ببيانه، من تفصيل المجمل، وتوضيح المشكل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، ونحو ذلك فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان. وأما ما زاد بعد ذلك من تفاسير المفسرين فالأمرين: الأمر الأول: لبعد الناس شيئاً فشيئاً عن اللغة العربية الصحيحة، والذوق السليم، والفهم الصافي، فاحتاجوا بقدر بعدهم إلى إيضاح ما كان واضحاً لمن قبلهم. الأمر الثاني: ولعظمة كتاب الله تعالى وإعجازه في كل زمان ومكان، فيجد فيه كل ناظر حصيف حاجته وكفايته، فتستنبط المعاني، الكثيرة من الآية الواحدة في كافة العلوم من عقيدة، وفقه، ودعوة، ونحو ذلك. وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فالذي يظهر لي أنه لا تنهض به حجة على المدعي. وتوضيح ذلك: 1- أن حديث عائشة متكلم فيه حيث روي من طريق جعفر بن محمد الزبيري. وقد قال فيه البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال الأزدي: منكر الحديث1. وعلى فرض صحته فهو محمول على بيان بعض مغيبات القرآن، وتفسير مجمله، ونحو ذلك مما لا سبيل إلى معرفة معناه إلا بتوقيف من الله تعالى، وذلك في أي ذوات عدد بلا شك2. وقد أجاب الإمام ابن جرير الطبري على الاستدلال بهذا الحديث بكلام حسن يحسن إثباته حيث قال: ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أنه لا يفسر من القرآن شيئاً إلا آيا بعدد3 – وهو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم   1 انظر ميزان الاعتدال "1: 416" ولسان الميزان "2: 124". 2 انظر تفسير الطبري "1: 87" بتحقيق: أحمد شاكر. 3 سبق تخريجه ص "51". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آية، واليسير من حروفه كان إنما أنزل إليه "صلى الله عليه وسلم" الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أنزل إليهم. وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه "صلى الله عليه وسلم" ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمر به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن1، ما ينبي عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم": أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئاً إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه. هذا مع ما في الخبر الذي روي عن عائشة من العلة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاج به لأحد ممن علم صحيح سند الآثار وفاسدها في الدين، لأن راويه ممن لا يعرف في أهل الآثار وهو: جعفر بن محمد الزبيري2. أ. هـ. قلت: وقد تقدم ذكر بعض كلام العلماء في جعفر هذا3. 2- وأما دعاؤه "صلى الله عليه وسلم" لابن عباس فلا يلزم منه عدم بيانه فمعاني القرآن واسعة، وأغراضه كثيرة. وأيضاً فقد دعا له بالفقه في الدين، ولا يلزم منه عدم بيان "صلى الله عليه وسلم" الأحكام الشرعية، كما أن غير ابن عباس قد شاركه في الفقه والتأويل، كعلي وابن مسعود وغيرهما فلا يدل على تخصيصه بالفقه والتأويل. 3- وأما كون بيان النبي "صلى الله عليه وسلم" لكل معاني القرآن متعذر فلا وجه له. ولكن لعل أصحاب القول الثاني قد قصروا التفسير على معنى ضيق وهو بيان   1 أخرجه الطبري في تفسيره "1: 80" بتحقيق أحمد شاكر وتقدم نحوه ص "49". 2 انظر تفسير الطبري "1: 39". 3 انظر ما سبق ص "53". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 كلمة قرآنية بكلمة نبوية لفظاً فحسب والله أعلم. فإذا ثبت ما تقدم من بيان النبي "صلى الله عليه وسلم" لأصحابه مع قوله: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه" 1 وقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 2 علمت أهمية تفسير القرآن بالسنة. فيجب على من أراد فهم كتاب الله عز وجل فهماً سليماً، وتفسيره تفسيراً صحيحاً، ألا يهمل هذا الجانب بل يهتدي بهداه، ويستنير بضياه. وذلك هو ما سار عليه الشيخ من واقع سلفيته، فتجد في تفسيره ملامح كثيرة لهذا المسلك القويم، يتجلى فيها ما أسلفته من نظره شمولية لتفسير السنة للقرآن الكريم، سواء أكان تفسير كلمة بأخرى، أو ما هو أوسع من ذلك. وهذا هو الأكثر في تفسيره. ومن خلال استقرائي لمنهج الشيخ في هذا النوع من التفسير أتضح لي أن له طريقتين في تفسير القرآن بالسنة والاستفادة منها في بيان المعنى:- الطريقة الأولى: إيراد نص الحديث أو بعضه مميزاً إياه عن أسلوبه بما يعرف به أنه حديث كقوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كذا أو نحو ذلك ومثل هذا كثير ومنه: - قوله عند قول الله تعالى في شأن إبليس لعنه الله: {..وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ... } الآية3 ما نصه: .... ومعنى ذلك أن الله فطر عباده على الفطرة وهي الإسلام كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآية4.   1 جزء من حديث رواه أحمد في مسنده "4: 131" وأبو داود في سننه/ كتاب السنة/ باب في لزوم السنة "4: 200" ح "4604". 2 سورة النجم: الآيتان "3، 4". 3 سورة النساء: آية "118، 119". 4 سورة الروم: آية "30". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وفي الصحيح "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه" الحديث1 فجمع "صلى الله عليه وسلم" بين الأمرين: تغيير الفطرة بالتهويد وغيره، وتغيير الخلقة بالجدع، وهما اللذان أخبر إبليس أنه لا بد أن يغيرهما2. أ. هـ. ويعني الشيخ بتغيير الخلقة بالجدع ما ورد في بعض ألفاظ الحديث في آخره " .... كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها" 3. - وقوله عند قول الله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} 4 ما نصه: " ...... ولما كان تعبيرها- أي الرؤيا- خضوعهم له، خشي إن حدثهم أن يحسدوه فيبغون له الغوائل. وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من رأى ما يحب أن يحدث به، ولا يحدث إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر ويتفل عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره5؟ " أ. هـ. فهذا من بيان التأكيد كما يأتي إيضاحه في الفصل التالي، إذ أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه. الطريقة الثانية: تضمين تفسيره معاني واردة في بعض الأحاديث، ولا يصرح بنص الحديث بل يمتزج أسلوبه مع نص الحديث أو يرويه بالمعنى   1 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الجنائز/ باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه/ انظر الفتح "3: 260" ح "1358، 1359" ومسلم في صحيحه/ كتاب القدر/ باب معنى: "كل مولود يولد على الفطرة" "2047:4- 2049" ح "2658". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص90. 3 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب القدر/ باب: الله أعلم بما كانوا عاملين. انظر الفتح "502:11" ح "6599" ومسلم في الموضع السابق في هامش رقم "1". 4 سورة يوسف: آية "4، 5". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "129" وانظر تخريج هذه الأحاديث في موضعها من التحقيق ص "293". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وذلك لإيضاح بعض المعاني أو تقرير بعض المسائل. ومن أمثلة ذلك: - قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} 1 حيث يقول- أن صلاة البر دين بالإخلاص توصل إلى المراتب العالية2. فهو بهذا قد ضمن تفسيره معنى الحديث الشريف "من صلى البردين دخل الجنة" 3، واستفاد منه في تأييد معان مستنبطة من هذه الآية بدون ذكره نص الحديث ومن هذه المعاني المرادة هنا والمستفادة من إيراد هذا الحديث: أ- شمول الدعاء للصلاة أيضاً، وذلك أن الصلاة في اللغة: هي الدعاء4. ب- تفسير الغداة والعشي بأنهما وقت البردين أي أول النهار وآخره وهما الفجر والعصر5. جـ- فضل المحافظة على صلاة البردين. - قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 6 ما نصه: أنه لو دعا ناديه، أودنا من النبي "صلى الله عليه وسلم" لعوجل، ولكن دفع عنه ذلك لكونه ترك ما في نفسه7.   1 سورة الكهف: آية "28". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "249". 3 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب مواقيت الصلاة/ باب فضل صلاة الفجر انظر الفتح "63:2" ح "574". ومسلم في صحيحه/ كتاب المساجد/ باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما "1: 440" ح "635". 4 انظر المصباح المنير "346" مادة: صلى. 5 انظر فتح الباري "2: 64" ومؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "57". 6 سورة العلق: آية "17، 18". 7 مؤلفات الشيخ/ التفسير ص 373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فقد ضمن الشيخ تفسيره هذا معنى مستفاداً من قوله "صلى الله عليه وسلم" في أبي جهل: "لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا" 1. فلم يورد نص الحديث بل اكتفى بالاستفادة من معناه، وإن كان في كلامه ما يشعر بأن هذا المعنى مبني على حديث، إذ أن هذا الاستنباط الذي ذكره لا مجال للعقل فيه، بل لا بد فيه من نص من الشرع. - قوله فمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى في سورة "المسد": {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} 2 ما نصه:- إن الولد من الكسب، ففيه دليل على أن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وأن أولادكم من كسبكم3. فقد ضمن استنباطه هذا الحديث الشريف وهو قوله "صلى الله عليه وسلم" "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" 4. والغرض هنا هو التمثيل والاستدلال لبيان المنهج لا استقصاء جميع ما ورد. وحيث أن سنن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مع كتاب الله وجهان5، فقد استفاد الشيخ من كلا الوجهين، وأوردهما في تفسيراته وهذان الوجهان هما: الوجه الأول: نص من السنة موافق لنص الآية. فيعتبر نص السنة في هذه الحال من قبيل بيان التأكيد ومن أمثلة ذلك من تفسير الشيخ ما يلي:-   1 أخرجه البخاري في صحيحه/ كتاب التفسير/ باب {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} انظر الفتح "8/ 595" ح "4958". ومسلم في صحيحه كتاب صفات المنافقين وأحكامهم/ باب قوله: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} "5/2154" ح "2797". 2 سورة المسد: آية "2". 3 مؤلفات الشيخ/ التفسير ص "382". 4 أخرجه الإمام أحمد في مسنده في مواضع منها "2: 179" وابن ماجة في سننه/ كتاب التجارات/ باب ما للرجل من مال ولده "2: 768" ح "2290" والترمذي في جامعه "كتاب الأحكام" باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده "3: 630" ح "1358". 5 انظر الرسالة للشافعي ص "91". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 1- قوله فهن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} 1 ما نصه2:- الأمر بالاقتراب. ففيه معنى "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" 3 فيلاحظ في هذا الحديث أنه لم يزد على ما في الآية شيئاً بل ولم يوضح مبهماً فيها وإنما أكد معنى ظاهراً في الآية ظهوره في الحديث. 2- قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} 4. حيث يقول5: جوابه عليه السلام لهم فيدل على قوله: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" 6. فالذي يظهر لي أن هذا أيضاً من قبيل بيان التأكيد وذلك أن يعقوب عليه السلام أراد من قوله هذا أنه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وهذا ما أكده حديث نبينا "صلى الله عليه وسلم". الوجه الثاني:- نص من السنة مفسر أو مبين لمعاني مفردات أو معان متعلقة بالآية فمن أمثله ذلك: 1- ما أورده الشيخ رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة حيث يقول7: ومن أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة حديث أبي هريرة الذي   1 سورة العلق: آية "19". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "373". 3 رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الصلاة/ باب ما يقال في الركوع والسجود "1: 350" خ "482". 4 سورة يوسف: آية "63، 64". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "160". 6 رواه الشيخان ويأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "361". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 في صحيح مسلم قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" 1. فبين في هذا الحديث القدسي معاني بعض المفردات، والجمل، وبعض متعلقاتها. 2- قوله عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2. ما نصه3: ... في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها على المنبر وقال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السموات بيمينه" ثم ذكر تمجيد الرب تبارك وتعالى نفسه، وأنه يقول: "أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم"، قال ابن عمر: فرجف برسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى قلنا ليخرن به4. فهناك نوع مناسبة وبيان بين التسبيح في آخر الآية، والإخبار عن الله أنه يمجد نفسه ويقول: "أنا الجبار، أنا المتكبر.. " الحديث. والله أعلم.   1 أخرجه مسلم في صحيحه/ كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة "1: 369" ح "395". 2 سورة الزمر آية "67". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "345". 4 رواه من حديث "ابن عمر" أحصد في مسنده "73:3" ومسلم في صحيحه/ كتاب صفة القيامة والجنة والنار. "4: 2147" ح "2788" واللفظ لأحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ومما ورد من السنة في بيان هذه الآية ما أورده الشيخ في كتاب التوحيد "باب {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} " الآية1 من الأحاديث المفسرة لمعناها حيث قال بعد سياق هذه الآية التي ترجم بها: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر. ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} . وفي رواية لمسلم: "والجبال والشجر على أصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك أنا الله". وفي رواية للبخاري "يجعل السموات على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع" أخرجاه2. ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً "يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ " 3. ففي هذه الأحاديث زيادة تفسير وبيان لمعنى الآية. 3- ما أورده في كتاب التوحيد/ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحديد ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله4، من حديث عدي بن   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/العقيدة/ كتاب التوحيد باب "66" ص "148، 149". 2 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التفسير/ باب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} انظر الفتح "8: 412، 413"" ح "4811" ومسلم في صحيحه/ كتاب صفة القيامة والجنة والنار "4: 2147، 2148" ح "2786". 3 رواه مسلم في صحيحه/ كتاب صفة القيامة والجنة والنار "4: 2148" ح "2788". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة كتاب التوحيد/ باب "37" ص "102". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1 فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: "أليس يحرمون ما أحل الله، فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه"، فقلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي وحسنه2. فقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي هنا بيان وإيضاح لمعنى العبادة المذكورة في الآية. 4- وقوله ضمن الفوائد المستنبطة من قصة آدم وإبليس3: ومنها أن في القصة معنى قوله "صلى الله عليه وسلم": "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" 4 إلى آخره. ومن ذلك قوله حكاية عن إبليس: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} 5. فإنهم ذكروا في معناه: أي آمرهم بتغيير خلق الله، وهي فطرته التي فطر عباده عليها، وهي الإسلام لله وحده لا شريك له6. فان قوله صلى الله عليه وسلم "فأبواه يهودانه.." الحديث هو كالتفسير للآية المذكورة. وللشيخ "رحمه الله" غرض ثالث في إيراد نصوص السنة، وهو الاستشهاد بها على معان مستنبطة من الآيات فمن أمثلة ذلك:   1 سورة التوبة: آية "31". 2 رواه الترمذي في جامعه/ كتاب تفسير القرآن/ باب ومن سورة التوبة "278:5" ح "3095" والطبري في تفسيره "10: 114" وغيرهما. 3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير "96". 4 تقدم تخريجه ص "56". 5 سورة النساء: آية "119". 6 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير "96". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 1- قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} 1. ما نصه2: إن من المقامات ما يحسن من شخص، ويلام في تركه، ويذم من شخص آخر، كما نهى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من أراد الإقتداء به في الوصال بقوله: "إني لست كهيئتكم" 3. 2- قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ} 4 الآيات. من نصه:- النصيحة ولو لغير المسلمين كما قال "صلى الله عليه وسلم": "في كل كبد رطبة أجر" 5. وأما المسلم فنصحه من الفرائض6. 3- قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 7- ما نصه8: إن هذا في مثل هذا المقام ليس من الفخر كما قال النبي "صلى الله عليه وسلم": "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 9. 4- قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً   1 سورة يوسف: آية "42". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "149". 3 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "337". 4 سورة يوسف: آية "47". 5 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "343". 6 مؤلفات الشيخ "القسم الرابع، التفسير "152". 7 سورة يوسف: آية "86". 8 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير "170". 9 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "381". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} 1. ما نصه2:- إن هذه المهنة لا نقص فيها، كيف وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم" 3. ويتضح من كل ما تقدم نظرة الشيخ الشمولية لتفسير القرآن بالسنة، حتى إنه يوضح بعض المعاني المستنبطة من الكتاب بفعل النبي "صلى الله عليه وسلم"، "وهو من السنة" ومن ذلك قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى للوط عليه السلام: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} 4. ما نصه5: معرفة قدر كونه آخر الرفقة في السفر، كما كان النبي "صلى الله عليه وسلم" يتخلف في آخرهم6. ويوضح المعاني أحياناً بتقرير النبي "صلى الله عليه وسلم" مما يؤكد النظرة الشمولية لمعنى السنة وتفسير القرآن بها ويتضح هذا من إيراده الحديث الآتي بعد قوله في كتاب التوحيد "باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 7. ولحديث الذي أورده بعد هذه الآية مبيناً لها هو ما ورد عن أبن مسعود، رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع، والماء على إصبع، والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع   1 سورة القصص: آية "27". 2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير "290". 3 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب الإجارة/ باب رعي الغنم على قراريط "انظر البخاري مع الفتح "4: 516" ح "2262" من حديث أبي هريرة ونحوه عند مسلم. كتاب الأشربة/باب فضيلة الأسود من الكباث "3: 1621" ح "2050" من حديث جابر وفيه: وهل من نبي إلا وقد رعاها. 4 سورة الحجر: آية "65" 5 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير "193". 6 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "415" 7 سورة الزمر: آية "67". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فيقول: أنا الملك. فضحك النبي "صلى الله عليه وسلم" حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقد تقدم الحديث برواياته1. ومما يدل على أن الشيخ رحمه الله أورد هذا الحديث مورد التفسير للآية قوله ضمن المسائل المستنبطة من هذا الباب: الأولى: تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 2 والله أعلم.   1 انظر ما تقدم ص "61". 2 مؤلفات الشيخ / القسم الأول/ التوحيد "150". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الفصل الثالث: تفسيره القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين المبحث الأول: تفسيره القرآن بأقوال الصحابة اهتم الشيخ "رحمه الله" بتفسير الصحابة، فكان كثيرا ًما يورد تفاسيرهم في الآية مكتفياً بها حيناً، ومستفيداً من فهمهم وتفسيراتهم حيناً آخر، وخصوصاً من اشتهر منهم بطول باعه، وتضلعه من علم التفسير كحبر الأمة ابن عباس وابن مسعود وغيرهما "رضي الله عنهم أجمعين". وذلك أن تفسير الصحابة رضي الله عنهم له المنزلة السامية بين تفاسير السلف، فإذا لم نجد التفسير في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فإننا نرجع إلى تفسيراتهم، وأقوالهم، واستنباطاتهم من القرآن وذلك لما ورد من الآيات المتكاثرة، والأحاديث المتواترة الناصة على كمالهم، والمورثة العلم القطعي بفضلهم وسبقهم وعدالتهم1، كما قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 2 وغير ذلك. ولكونهم أدرى بالتفسير من غيرهم لما شاهدوه من القرائن والأحوال التى اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح. وللشيخ "رحمه الله" طريقتان في إيراد أقوال الصحابة والاستفادة من تفسيراتهم: الطريقة الأولى: أن يصرح بذكر اسم الصحابي المروي عنه، كأن يقول: قال ابن عباس. أو قاله ابن عباس مثلا. أو نحو ذلك. ومن أمثلة ذلك: - قوله في تفسير قول الله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} :   1 انظر مؤلفات الشيخ/ ملحق المصنفات/ رسالة في الرد على الرافضة ص "16- 19". 2 سورة الفتح: آية "29". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 اسمان مشتقان من الرحمة، أحدهما أبلغ من الآخر مثل العلام والعليم، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر1. أي أكثر من الآخر رحمة2. - وقوله في تفسير قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} 3: قال ابن القيم:- قال ابن عباس: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} يعني آدم, {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} لذريته4. - وقوله في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} 5: قال ابن عباس في رواية الوالبي6- الصلصال: الطين اليابس. وفي رواية: الذي إذا نقر صوت. - وقوله في تفسير قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} 7.   1 أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص "71" من طريق السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وهذه من أوهى الطرق عن ابن عباس. 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "10". 3 سورة الأعراف: آية "11". 4 أخرجه الطبري في تفسيره "126:8" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "82". 5 سورة الحجر: آية "26". 6 لعل المراد بالوالبي هنا سعيد بن جبير، ويؤيده الرواية التي هي بنحو هذا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أخرجها الطبري في تفسيره "27:14" ونحوها عن سعيد عن قتاده. وسعيد هو: ابن جبير بن هشام، الإمام، الحافظ، المقرئ، المفسر، الشهيد أبو محمد ويقال: أبو عبد الله الأسدي، الوالبي، مولاهم، الكوفي، أحد أعلام التابعين، صحب ابن عباس فأكثر عنه وجود، وأخذ عن غيره من الصحابة. وقتله الحجاج سنة "95" خمس وتسعين من الهجرة، عن "57" سبعة وخمسين عاماً. انظر طبقات ابن سعد "6: 256" سير أعلام النبلاء "4: 321" تهذيب التهذيب "4: 11". 7 سورة الجن: آية "16، 17". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أخرج ابن جرير عن عمر: حيث كان الماء كان المال، وحيث ما كان المال كانت الفتنة1. وقوله: {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} "قال ابن عباس: شاقاً2. الطريقة الثانية: أن لا يصرح بذكر اسم الصحابي المروي عنه، ولكن يذكر أن هذا قول لبعض الصحابة، أو يذكر أنه قول بعض السلف أو نحو ذلك، والمعني هو ذلك الصحابي القائل. ومن أمثلة ذلك: - قوله عند الكلام على قول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} 3 بعد كلام له: فذكر الله لمن أعرض عن القرآن وأراد الفقه من غيره عقوبتين: أحداهما: المعيشة الضنك- وفسرها السلف بنوعين: الأول: ضنك الدنيا. وهو أنه إن كان غنياً سلط الله عليه خوف الفقر، وتعب القلب والبدن في جمع الدنيا، حتى يأتيه الموت ولم يتهن بعيش. الثاني: الضنك في البرزخ وعذاب القبر. وفسر الضنك أيضاً بالجهل، فإن الشك والحيرة لها من القلق وضيق الصدر ما لها4، فصار في هذا مصداق قوله في الحديث "ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله" 5.   1 أخرجه الطبري في تفسيره "29: 115" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "359". 2 أخرجه الطبري في تفسيره "115:29" إلا أنه قال: مشقة من العذاب يصعد فيها. فلعل الشيخ رواه بالمعنى. 3 سور طه: آية "124". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "267". 5 جزء من حديث مرفوع رواه الدارمي في سننه/ كتاب فضائل القرآن/ باب فضل من قرأ القرآن "435:2" والترمذي في جامعه/ كتاب فضائل القرآن/ باب ما جاء في فضل القرآن "172:5" ح "2906" ويصححه العلماء موقوفاً من كلام علي رضي الله عنه. وانظر الكلام عليه في كتاب "فضائل القرآن" لابن كثير بذيل تفسيره "4: 582". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فالنوع الأول الذي ذكره الشيخ في تفسير المعيشة الضنك روي نحو معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ حيث روي عنه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} يقول: كل مال أعطيته عبداً من عبادي قل أو كثر، لا يتقيني فيه، لا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة. ويقال: إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين، فكانت معيشتهم ضنكاً، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله عز وجل ليس بمخلف لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله، والتكذيب به، فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به، اشتدت عليه معيشته فذلك الضنك1. والنوع الثاني: مروي عن بعض الصحابة كأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم2.   1 أخرجه البخاري في تفسيره عن ابن عباس "227:16" من طريق واهيه؛ إذ هو من طريق العوفي عنه. 2 أخرجه الطبري في تفسيره "16: 227، 228". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المبحث الثاني: تفسيره القرآن بأقوال التابعين . حيث أن التابعين هم تلامذة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقد تلقوا عنهم علومهم ومعارفهم، ونهلوا من منهلهم الصافي. فقد برز منهم علماء أفذاذ في تلك الحقبة الفاضلة، كانوا غرة في جبين الأمة الإسلامية ومسيرتها. وقد كان لعلومهم أثرها، ولقولهم وزنه، ومن هنا اهتم العلماء بإيراد أقوالهم ضمن إيرادهم للتفسير المأثور في كتبهم التي اهتمت بذلك كتفسير عبد الرزاق، والطبري، والبغوي، وغيرهم. وكان الشيخ محمد رحمه الله من أولئك العلماء الذين اهتموا بالاستفادة من تفاسير التابعين، وإيراد أقوالهم، فأوردها مستعيناً بها على تفسير الآية وإيضاح معناها، ومستشهداً بها على ما يستنبطه من أحكام وفوائد، وإن لم يكن ذلك بالقدر الموجود عند من افردوا التفسير بتصنيف خاص لجميع القرآن، إلا أنه قد طبق منهج المفسرين في هذا الجانب، فلم يهمل تفسير التابعين، بلى إنه أنزله منزلة عالية حتى كأنه يميل إلى حجية تفسير التابعين، يتضح هذا من قوله ضمن كلام وارد في رسالة مبحث الاجتهاد والخلاف وهي مختصرة من "أعلام الموقعين" لابن القيم: ومن تأمل كتب السلف ومن بعدهم وجدها مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي1. ولم يعقب الشيخ على هذا الكلام بشيء، مما يوحي بميله إلى هذا القول. ومما يقوي القول بترجيحه لما اقتصر على ذكره أن ابن القيم ذكر في "إعلام الموقعين" قبل هذا الكلام مباشرة أن في الاحتجاج بتفسير التابعي عن الإمام أحمد روايتين2. فأعرض الشيخ عن هذا الكلام وأورد ما ذكرت ففي هذا ما يوحي باختياره لإحدى الروايتين عن الإمام أحمد في هذا الموضوع. وإذا كان الأمر كذلك فقد رجع كثير من الأئمة في تفسير القرآن إلى أقوال التابعين،   1 انظر مجموع المؤلفات "القسم الثاني- الفقه- المجلد الثاني- مبحث الاجتهاد والخلاف ص 35. 2 إعلام الموقعين لابن القيم 156:4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إذا لم يجدوا التفسير في القرآن نفسه، أو السنة الصحيحة، أو أقوال الصحابة1، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب التفسير من إيراد أقوال التابعين، كمجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، والضحاك، والحسن البصري، وغيرهم. وقد حكى الأئمة أقوالهم، لأن غالب تفسيراتهم متلقاة من قبل الصحابة، فقد تلقوا عنهم القرآن وتفسيره، وعايشوا الصحابة، ورأوا أحوالهم، وعرفوا عقيدتهم، ومنهجهم، وأقوالهم، فمجاهد مثلا يقول:- عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها2. وابن أبي مليكة يقول: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله3. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به4. وقتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئاً5. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه في الحث على التفسير على منهج السلف والتحذير من الابتداع وفى الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك، بل مبتدعاً، وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه. فالمقصود بيان طرق العلم، وأدلته، وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله "صلى الله عليه وسلم" فمن خالف قولهم، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعيه كما هو مبسوط في موضعه6.   1 مقدمة في أصول التفسير ص "102". 2 أخرجه الطبراني في تفسيره "1: 40". 3 أخرجه الطبراني في تفسيره "1: 40". 4 أخرجه الطبراني في تفسيره "1: 40". 5 أخرجه الترمذي في جامعه/ كتاب التفسير/ باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه "5: 200". 6 مقدمة في أصول التفسير ص "91". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بينما ذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى عدم الاحتجاج بتفسير التابعين، وهو رواية عن الإمام أحمد وحكي عن شعبة1. قال الزركشي: ولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم2. قلت: ولا ريب عندي أن الأمر كذلك، إذ ما صرحوا بنقله عن غيرهم لا يكون من قولهم بل هم في هذه الحالة رواة. أما شعبة فقد حكي عنه أنه قال: أقوال التابعين في الفروع ليست حجه فكيف تكون حجة في التفسير؟ قال شيخ الإسلام: يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم3. ولعل عدم احتجاج هؤلاء العلماء بتفسير التابعي لأنهم ليس لهم سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التي نزل عليهم القرآن. ثم إن عدالة كل تابعي غير منصوص عليها كما نص على عدالة الصحابة. كما أنه لا دليل على حجية قولهم لذاته. والله أعلم. والذي أختاره بعد هذا أن النفس تطمئن إلى التفسير المأثور عن التابعين أكثر ممن بعدهم لقربهم من عمر النبوة وخير القرون. وأما الاحتجاج بأقوالهم لمجردها، فالأمر عندي كما قال شيخ الإسلام: إن أقوالهم لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، أما إذا اجتمعوا على الشيء فلا يرتات في   1 المرجع السابق ص "105" وأعلام الموقعين "4: 156" والبرهان في علوم القرآن للزركشي "158:2" وشعبة هو ابن الحجاج بن الورد يكنى بأبي بسطام، العتكي، مولاهم، الواسطي ثم البصري، الإمام، الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث. كال الذهبي:- كان إماماً، ثبتاً، حجة، ناقداً، جهبذاً، صالحاً، زاهداً، قانعاً بالقوت، رأساً في العلم والعمل منقطع القرين. وتوفي سنة "160" وله "77" سنة تقريباً. انظر في ترجمته طبقات ابن سعد "7: 280، 281" سير أعلام النبلاء "7: 202-228" تهذيب التهذيب "338:4- 346". 2 البرهان في علوم القرآن "158:2". 3 مقدمة في أصول التفسير "105". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك1. هذا وبعد إيضاح علو منزلة تفسير التابعين عند الشيخ رحمه الله، والإشارة إلى مذاهب العلماء في حجة تفسيرهم، أعود فأقول إن مجمل روايات التابعين التي يوردها الشيخ تدور على أعلامهم المشهورين منهم بالتفسير كمجاهدين جبر المخزومي، وقتادة بن دعامة السدوس، والحسن البصري. وله رحمه الله طريقتان مشهورتان في إيراد أقوال التابعين والاستفادة من تفسيراتهم: الطريقة الأولى: أن يصرح باسم التابعي المفسر أو المستشهد بكلامه كمجاهد وقتادة وغيرهما. ومن أمثلة ذلك ما يلي: - ما أورده من نقول عن السلف في تفسير بعض الآيات المتعلقة بقصة آدم وإبليس ومنها قوله تعالى إخباراً عن مقالة إبليس: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 2. حيث قال في قوله: {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} : الباطل أرغبهم فيه، قال الحسن: السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم3. فقد فسر الشيخ رحمه الله قوله: {عَنْ شَمَائِلِهِمْ} بأن المراد منه ترغيبهم في الباطل. ثم أورد تفسير التابعي – الحسن البصري – مستشهداً به على ما ذهب إليه من تفسير الآية.   1 مقدمة في أصول التفسير ص "105". 2 سورة الأعراف الآية "17". 3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "88" –وقول الحسن لم أجده عنه، وقد روي نحوه عن ابن عباس، كما ورد نحوه عن غير الحسن من التابعين كقتادة وإبراهيم وغيرهم. انظر تفسير الطبري "8: 136، 137". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 - وعند قوله: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} أورد تفسير مجاهد، وهو قوله: من حيث يبصرون: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من حيث لا يبصرون1. - كما قال عند قوله تعالى: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} 2 قال الضحاك مفروضا: معلوما3. وعند قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} 4 قال ابن عباس: دين الله. وقاله ابن المسيب والحسن وإبراهيم وغيرهم5. فقد أورد تفسير الصحابي هنا ثم من وافقه من التابعين. - وعند تفسير قوله تعالى- في قصة يوسف: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} 6 قال: قال مجاهد وغيره، عبارة الرؤيا7. وقد قال بهذا القول مع مجاهد قتادة والسدي8. - وأورد خلال تفسير سورة الجن بعض تفسيرات التابعين حيث قال عند قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً} 9 سفيههم إبليس. قاله مجاهد10.   1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص89 وقول مجاهد في هذا أخرجه الطبري ص "8: 137". 2 سورة النساء الآية "118". 3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "90" وقول الضحاك أخرجه الطبري "5: 281". 4 سورة النساء: آية "119". 5 مؤلفات الشيخ،القسم الرابع، التفسير ص"90" وانظر تفسير الطبري "5: 283، 284". 6 سورة يوسف: آية "6". 7 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص"129" وقول مجاهد أخرجه الطبري "153:12". 8 ذكره ابن الجوزي عنهما في زاد المسير "4: 181". 9 سورة الجن آية "4". 10 أخرجه الطبري "29: 107". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 - وعند قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 1 قال: قال قتادة: كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمرنا أن نخلص لله الدعوة إذا دخلنا المساجد2. وقيل المساجد أعضاء السجود. - وقال عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} 3 ... وعن قتادة قال: لما قام عبد الله للدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ويطفئوا نور الله: {وَيَأْبَى اللَّهُ} إلا أن يتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه4. - وقال عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 5 .... قال الحسن: أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة6. الطريقة الثانية:- أن لا يصرح بذكر اسم التابعي، ولكن يميزه عن قوله بما يتميز به، نحو "قال بعض السلف" أو "قيل" ويريد به قول بعض التابعين. ومن أمثله ذلك: - قوله عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقيل: المساجد أعضاء السجود 7.أ. هـ. وهذا القول مروي عن سعيد بن جبير 8. - قوله عند تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} 9 وقيل- لا يشعرون بإيحائنا ذلك إليه10.أ. هـ. وهذا القول مروي عن مجاهد11.   1 سورة الجن: آية "18". 2 أخرجه الطبري "117:29". 3 سورة الجن: آية "19". 4 أخرجه الطبري عن قتادة "118:29" مع بعض الاختلاف ولعل الشيخ أورده بالمعنى. 5 سورة الجن: آية "11". 6 ذكره البغوي في تفسيره "403:4". 7 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص"360". 8 ذكره البغوي عن سعيد بن جبير "404:4". 9 سورة يوسف: آية "15". 10 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "132". 11 سيأتي تخريجه عن مجاهد في موضعه من التحقيق ص "301". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 - وقال عند قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] ، قال بعض السلف: أعمى عن الحجة لا يقدر على المجادلة بالباطل كما كان يصنع في الدنيا1. وهذا القول مروي عن مجاهد وأبي صالح. حيث قال مجاهد: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} عن الحجة2. وقال أبو صالح: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ليس له حجة3. والشيخ رحمه الله لا يقتصر على إيراد ما هو من قبيل التفسير بل يورد أحياناً من أقوال التابعين ما يناسب المقام وله نوع تعلق بالآية وإن لم يكن من قبيل التفسير فيهدف من ذلك إلى الحث على أمر، أو التحذير منه، أو الاستدلال لصحة استنباط أو نحو ذلك. فمن ذلك قوله ضمن الفوائد المستنبطة من قصة آدم وإبليس4: ومنها- أي من الفوائد- معرفة شدة عداوة عدو الله لنا وحرصه على إغوائنا بكل طريق فيعتد المؤمن لهذا الحرب عدته ويعلم قوة عدوه وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله كما قال قتادة: إن عدوا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم أنه شديد المؤونة إلا من عصمه الله5. وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع وأمرنا باتخاذه عدوا. فقد استنبط الشيخ من هذه القصة شدة عداوة إبليس لت وخطورته وكيفية النجاة منه ثم دعم ذلك بإيراد قول التابعي رحمه الله. ثم أورد الشيخ قول قتادة أيضاً بعد تفسير قوله تعالى حكاية عن إبليس: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ..} 6 الآية حيث يقول: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه إلا أنه لم يأتك من فوقك ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة ربك7. ومن الاستشهاد بأقوال التابعين أيضاً قوله ضمن المسائل المستنبطة من قصة يوسف وإخوته وحال أبيه من الحزن: العبرة فيما ذكركما قال الحسن: لقد ابتلى بهذه المدة الطويلة وأنه لأكرم أهل الأرض على الله8.   1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "268". 2 أخرجه الطبري "16: 229". 3 المرجع السابق "16: 229". 4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع" التفسير "81". 5 عزا السيوطي أخراجه عن قتادة إلى عبد بن حميد وأبى الشيخ انظر الدر المنثور "3: 436". 6 س سورة الأعراف: آية "17". 7 أخرجه الطبري "136:8". 8 سورة مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 169والأثر سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "379". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 المبحث الثالث: موقف الشيخ من اختلاف السلف في التفسير أورد الشيخ رحمه الله جملة صالحة من تفاسير السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك في تفسير الصحابة والتابعين في المبحثين السابقين. ومن المعلوم أن السلف كانوا يختلفون في التفسير أحياناً، فما موقف الشيخ وقد أورد شيئاً من ذلك الاختلاف؟. لبيان هذا أقول: إن الاختلاف منه ما هو اختلاف تباين، ومنه ما هو من قبيل اختلاف التنوع والعبارة، فيذكر كل من المفسرين نوعاً مما هو مندرج تحت أصل عام، أو يعبر عن المعنى بخلاف ما يعبر عنه الآخر، والكل داخل تحت معنى الآية. وقد بين الشيخ أن أكثر اختلاف السلف في التفسير من قبيل النوع الثاني وهو اختلاف التنوع والعبارة لا اختلاف التضاد والتباين حيث قال: عادة السلف يفسرون اللفظ العام ببعض أفراده، وقد يكون السامع يعتقد أن ذلك ليس من أفراده. وهذا كثير في كلامهم جداً، ينبغي التفطن له1. ويقول عند قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2 الآية.: اختلاف كلام المفسرين، والمعنى واحد، لكن كل رجل يصف نوعاً من التقدم3.أ. هـ. وذلك أن المفسرين اختلفوا في تحديد معنى التقدم المنهي عنه في الآية- فقال ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله على لسانه. وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقال سفيان الثوري: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} بقول ولا فعل.   1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص "54". 2 سورة الحجرات: آية "1". 3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "349". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وقيل غير ذلك1. فوضح الشيخ بعبارته السابقة أن المعنى واحد، وكلاً من المفسرين قد ذكر نوعاً من أنواع التقدم، والكل راجع إلى معنى واحد وهو ما عبر عنه ابن كثير بقوله- قبل إيراده الأقوال المذكورة وغيرها- أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه- أي قبله- بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور2. وإنما نبه الشيخ إلى هذا لعظيم فائدته. فينبغي التفطن له، لئلا يظن من لا فهم عنده للمعاني، أومن يقصر نظره عن المعنى العام الجامع فيغفل عنه، ويقصر نظره على أنواعه أن ذلك اختلاف تضاد فيحكي في معنى الآية أقوالاً عديدة، ومآلها إلى معنى واحد، أو هي جميعاً مندرجة تحت أصل عام. وهذه فائدة نفيسة كما ترى. فكثير من الأقاويل عند التدقيق والتحقيق ترجع إلى معنى واحد. وكما نبه الشيخ إلى هذا فإنا نجد في تفسيره منهجاً تطبيقياً لموقف المفسر من هذا الاختلاف، إذ يجمع بعض أقوال السلف إلى بعض ويحسن الربط بينها، وإيضاح وجه كل منها، وبيانه بياناً شافياً، ولربما دعم ذلك البيان بالكتاب والسنة وضرب الأمثلة. ويتضح ذلك من كلامه على قصة آدم وإبليس عندما ذكر تفاسير السلف لقوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} 3. فقال: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعني الدنيا "أو" 4 الآخرة: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني   1 انظر هذه الأقوال وغيرها في تفسير الطبري "26: 116، 117" وتفسير ابن كثير "345:7". 2 تفسير ابن كثير "345:7". 3 سورة الأعراف: آية "11". 4 في النسخ المخطوطة والمطبوعة من التفسير بالواو، في هذا الموضع والذي بعده، والأظهر. ما أثبته كما هو في روضة. الأفكار والأفهام "1: 425" والمطبوع المحرر "2: 396". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الآخرة "أو" الدنيا1: {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} قال ابن عباس: أشبه عليهم أمر دينهم2، وعنه أيضاً: من قبل الحسنات3. وقوله: {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} الباطل أرغبهم فيه. قال الحسن: السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم4. قال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه إلا أنه لم يأتك من فوقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله5. ثم قال الشيخ وهو يوافق قول من "قال" 6: ذكر هذه الأوجه للمبالغة في التوكيد. أي أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم. ولا يناقض ما ذكر السلف. فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط، فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه. فأي سبيل من هذه سلكها وجد الشيطان عليها راصداً له، فإن سلكها في طاعة ثبطه، وإن سلكها بالمعصية حداه. وأنا أمثل لك مثالاً واحداً لما ذكر السلف: وهو أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر بك إلا في بعض الأشياء، وهي الأشياء الغامضة، والأشياء التى ليست بعالية، فلو أراد أن يمكر بك في أمر واضح بين مثل التردي من جبل أو بئر وأنت ترى ذلك لم يستطع، خصوصاً إذا عرفت أنه قد مكر بك مرات متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزاً شوهاء وأنت تراها لم يستطع ذلك.   1 أورده الطبري في تفسيره "8: 136" عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة في قوله: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يقول: أشككهم في آخرتهم: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أرغبهم في دنياهم. وعنه أيضاً من الطريق نفسه: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعنى من الدنيا: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من الآخرة. فكأن الشيخ قد اعتبر كلا الروايتين لورودهما بإسناد واحد متكرر. والله أعلم. 2 أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "8: 136" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق. 3 أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "8: 136" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق. 4 تقدم تخريجه ص "73". 5 تقدم تخريجه ص "76". 6 ليست في شيء من النسخ المطبوعة والمخطوطة "فيما اطلعت عليه" وإنما أتثبتها من روضة الأفكار والأفهام لابن غنام "1: 246" والمطبوع المحرر "397:2" وهذه المقالة ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير "177:3". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وأنت ترى اللعين- أعاذنا الله منه- يأتي الآدمي في أشياء واضحة بينة أنها مما حرم الله ورسوله فيحمله عليها حتى "يفعلها"1، ويزينها في عينه حتى يفرح بها، ويزعم أن فيها مصلحة، ويذم من خالفه كما قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} 2 الآية وقوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 3، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 4. وهذا معنى قول من قال: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل الدنيا، فإنهم يعرفونها وعيوبها، ومجمعون على ذمها، ثم مع هذا لأجلها قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وفعلوا ما فعلوا، وهذا معنى قول مجاهد: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من حيث يبصرون5. فهو لم يقنع بإتيانه إياهم من الجهة التي يجهلون أنها معصية مثل ما فسر به مجاهد: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} قال: من حيث لا يبصرون6. ولا من جهة الغيب كما قال فيها بعضهم: الآخرة أشككهم فيها، لم يقنع بذلك عدو الله حتى أتاهم في الأمور التي يعرفونها عياناً أنها النافعة وضدها الضار، وفي الأمور التي يعرفون أنها سيئات وضدها حسنات، ومع هذا أطاعوه في ذلك إلا من شاء الله منهم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 7. فقد أوضح الشيخ بهذا البيان والربط البديع بين المعاني- بعد جمعها- أن اختلافها ليس اختلافاً متضاداً، وإنما هو من قبيل التعبير عن الشيء   1 في المطبوعة. "يفعله" والتصحيح من المخطوطات. 2 س سورة آل عمران: آية "188" وتكملتها: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . 3 سورة البقرة: آية "42". 4 سورة البقرة: آية "102". 5 تقدم تخريجهما ص "74". 6 تقدم تخريجهما ص "74". 7 سورة سبأ: آية "20" وانظر مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "87- 89". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الواحد بألفاظ متقاربة بل مآلها عند التحقيق واحد. فهي متحدة في الغاية والمصب كما اتحدت في المأخذ والمشرب. ولعل الطبري رحمه الله قد شعر بهذا إذ قال بعد أن أورد أقوال السلف في معنى الآية:- وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال:- معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسن لهم الباطل، وذلك أن ذلك عقيب قوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 1 فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي، أمرهم الله به، فيصدهم عنه، وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم، ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه فيزينه لهم، ويدعوهم إليه، وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم2. وقد كان لجمع أقوال السلف فى تفسير هذه الآية أثر كبير في بيان المعنى وتحقيقه وقد نبه إلى أهمية هذا شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله بقوله:- وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين3. ولأمثل بمثال آخر يتأكد به ما ذكرت من سير الشيخ على هذا المنهج، وحرصه على متابعة السلف في أقوالهم وتتبع آثارهم، وإنزالها في مواضعها، وغاية الاستفادة منها، إذ يقول عند قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ... } الآيتين4. ما نصه: وقد ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعل الناس اليوم ولا يعرفون معناه.   1 سورة الأعراف: آية "16". 2 ورد هذا عن ابن عباس كما رواه الطبري في تفسيره "137:8" وانظر ما تقدم ص: "76". 3 مقدمه في أصول التفسير ص "54" وقد ذكر كلاماً نفيساً في أوجه اختلاف السلف في التفسير فراجعه. 4 سورة هود وتكملتهما: {فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "16". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الأول: من ذلك العمل الصالح الذي يفعل كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقه وصلاة وإحسان إلى الناس ونحو ذلك، وكذلك شرك ظلم أو كلام في عرض ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصاً لله لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريدان يجازيه الله بحفظ ماله، وتنميته، وحفظ أهله وعياله، وإدامة النعمة عليهم، ونحو ذلك، ولا همة له في طلب الجنة ولا الهروب من النار فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب. وهذا النوع ذكر عن ابن عباس في تفسير الآية1. الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف وهو الذي ذكر مجاهد أن الآية نزلت فيه وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رئاء الناس لا طلب ثواب الآخرة وهو يظهر أنه أراد وجه الله وإنما صلى أو صام أو تصدق أو طلب العلم لأجل أن الناس يمدحونه ويجل في أعينهم"فإن الجاه من أعظم أنواع الدنيا ولما ذكر معاوية حديث أبى هريرة في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار وهم: الذي تعلم ليقال عالم حتى قيل، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع بكى معاوية بكاء شديداً ثم قرأ هذه الآية2. الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة ومقصده بها مالاً، مثل أن يحج لمال يأخذه لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر هذا النوع أيضاً في تفسير هذه الآية كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة" 3..إلخ.   1 أخرجه عنه الطبري في تفسيره "12: 11" من طريق العوفي وهو إسناد ضعيف جداً انظر كلام الشيخ أحمد شاكر في هامش تفسير الطبري "1: 261، 262" بتحقيقه. 2 انظر الجامع الصحيح للترمذي/ كتاب الزهد/ باب ما جاء في الرياء والسمعة "4: 591" ح "2382" وتفسير الطبري "12: 13". 3 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الجهاد/ باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، انظر الفتح "6: 95" ح "2886، 2887". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وكما يتعلم العلم لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم أو يقرأ القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد كما هو واقع كثيراً، وهؤلاء اعقل من الذين قبلهم لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس ولا يحصل لهم طائل، والنوع الأول اعقل من هؤلاء لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له لكن لم يطلبوا منه الخير العظيم وهو الجنة ولم يهربوا من الشر العظيم وهو العذاب في الآخرة1. النوع الرابع: أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يكفره كفراً يخرجه عن الإسلام مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله وتصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شرك أكبر أو كفر أكبر يخرجهم عن الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام، وتمنع قبول أعمالهم، فهذا النوع أيضاً قد ذكر في الآية عن أنس بن مالك وغيره2. وكان السلف يخافون منه كما قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت3، لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 4 فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والمال ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله، أو أكثره، فصارت الدنيا أكبر قصده، فلذلك قيل قصد الدنيا. وصار ذلك القليل كأن لم يكن، كقوله صلى الله عليه وسلم: "صل فإنك لم تصل" 5 والأول أطاع الله ابتغاء وجهه، لكن أراد من الله   1 انظر تفسير الطبري "12: 12، 13". 2 انظر تفسير الطبري "12:12". 3 ذكر نحو ذلك عن ابن عمر "رض الله عنهما" انظر الدر المنثور "3: 57". 4 سورة المائدة: آية "27". 5 هذا جزء من حديث المسيء صلاته، وقد أخرجه البخاري في صحيحه من مواضع "انظر البخاري مع الفتح/ كتاب الآذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم "2: 276" ح "757". ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة "298:1" ح "397". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الثواب في الدنيا، وخاف على الحظ والعيال، مثل ما يقول الفسقة. فصح أن يقال: قصد الدنيا، والثاني والثالث واضح1. فتبين من خلال هذا أن اختلاف السلف هنا من قبيل اختلاف التنوع فكل منهم يصف نوعاً تشمله الآية. ومثل هذا هو ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله بعد أن ذكر اختلافاً للسلف من هذا القبيل: فكل قول فيه ذكر نوع دخل في الآية، ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له. وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق. والعقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له: هذا هو الخبر2. فتبين بهذا هذا المنهج القويم وهذه النظرة الواعية لأقوال السلف وتفسيراتهم بفهمها والجمع بينها ما أمكن، والاستفادة من المعاني التي فسروا بها. وبالله التوفيق.   1 انظر مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "120- 123". 2 س مقدمة في أصول التفسير ص "44". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الباب الثاني: التفسير بالرأي أو بالمعلول الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته من الشرع ... الباب الثاني: التفسير بالرأي أو بالمعلول ويشتمل على خمسة فصول هي: الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته من الشرع. الفصل الثاني: نظرته إلى التفسير بالرأي . الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي لدى الشيخ. ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: معرفته باللغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره. المبحث الثاني: معرفته بالنحو والإعراب ومدى اهتمامه به في تفسيره. المبحث الثالث: معرفته بالبلاغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره. الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي عند الشيخ. ويشتمل على ثلاثة مباحث. المبحث الأول: التفسير الافرادي. المبحث الثاني: التفسير الإجمالي. المبحث الثالث: الاستنباط المباشر من الآيات. الفصل الخامس: السمات العامة لتفسيره بالرأي. ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: تمشيه مع روح الشريعة الإسلامية. المبحث الثاني: تمشيه مع تفسيره بالسلف وأقوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته في الشرع نص الشيخ مراراً على أهمية التفكر والتدبر امتثالاً لأمر الله عز وجل بذلك في كتابه في غير ما موضع، إذ من المعلوم أن الإسلام دين العقل والحكمة كما هو دين النقل، وقد حرر العقل من قيود كانت مضروبة عليه، ففك آساره وجعله مناط التكليف، وأنزله منزلته اللائقة به، فقرر به بعض دلائل التوحيد وجزئيات الشريعة، ووجهه الوجهة الصحيحة، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} 1، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 2، وقال في غير ما آية: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 4: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} 5 إلى غير ذلك مما به تتأكد أهمية استعمال العقل للنظر والتدبر والتأمل. يقول الشيخ منبهاً على التفكر عند قول الله تعالى: {أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} 6 حثه سبحانه على التفكر الذي هو باب العلم كما حث عليه سبحانه في غير موضع 7. ويقول مبيناً منزلة العقل، وتقرير الشرع به عند ذكر محاجة إبراهيم قومه كما أخبر الله عنه بذلك بقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} الآيات 8: إن ذلك من أعظم الأدلة على المسألة – أي مسألة التوحيد- ببديهة العقل لأن من رأى نخلاً كثيراً لا يتخالجه شك أن المدبر له ليس نخلة واحدة منه فكيف بملكوت السماوات والأرض9؟!   1 سورة ص آية "29". 2 سورة محمد آية"24". 3 سورة البقرة آية "242" يوسف آية "2" النور آية "61" الزخرف آية "3". 4 سورة يونس آية "24" الرعد آية "3" النحل الآيتان "11، 69" وغيرها. 5 سورة الأنعام آية "98". 6 سورة الأنعام آية "50". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع، التفسير ص "57". 8 سورة الأنعام الآيات "75-79". 9 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع / التفسير ص "64". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ويقول أيضاً عند ذكر مقالة نوح لقومه: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 1 تعريفهم أن هذا الذي استغربوا، ونسبوا من قاله إلى الجهالة والجنون، هو الواجب في العقل، وهو أيضاً حظهم ونصيبهم من الله لأنه سبب الرحمة ففي هذا الكلام من أوله إلى آخره من تحقيق الحق، وذكر أدلته العقلية على تحقيقه، وإبطال الباطل، وذكر الأدلة العقلية على بطلانه، ما لا يخفى على من له بصيرة2. وعند قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 3 يقول: ذكر الحكمة في إنزال القرآن على محمد وأنها لبيان المنزل ولتفكرهم 4. وعند قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى- عَبْداً إِذَا صَلَّى} 5 الآيات يقول: تقرير الشرع بالعقل لقوله: {أَرَأَيْتَ} 6. وبهذا تتبين منزلة العقل من الشرع، وأهميته، وإيمان الشيخ بذلك وتركيزه عليه، واستنباطه له. وفي المقابل، وضح الشيخ تمشياً مع القرآن أيضاً التحذير من زلل العقل، وتقديمه على النقل، وتجرده عنه، إذ أن في ذلك مهاوي الردي ومعاطب الهلاك، فقد جعل الله لكل شيء قدرا. وكثير من الضلالات نتجت من جراء تجاوز العقل حدوده، وخروجه عن مجاله، ودلالة أسمه، إذ الشأن أن يعقل صاحبه لا أن يحمله على أن يجمح ويتعدى.   1 سورة الأعراف آية "63". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "102". 3 سورة النحل آية: "44". 4 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "212". 5 سورة العلق الآيات: "9-14". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "371". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فقال الشيخ عند قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} 1: تغليظ رد النص بالرأي2.أ. هـ وذلك أن إبليس- عليه لعنة الله- اجتهد فيما لا مجال للاجتهاد فيه، فالمقام مقام امتثال وطاعة لأمر الله لا مقام اجتهاد. ويقول مستنبطاً من قصة آدم وإبليس ونكوص إبليس عن السجود: ومنها أي من الفوائد المستنبطة –التحذير من معارضة القدر بالرأي لقوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 3 وهذه بلية عظيمة لا يتخلص منها إلا من عصمه الله لكل مقل ومكثر4. ومنها- وهي من أعظمها- تأدب المؤمن من معارضة أمر الله ورسوله بالرأي، كما استدل بها السلف على هذا الأمر، ولا يتخلص من هذا إلا من سبقت له من الله الحسنى5. ويقول عند قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} الآية6: إن نتيجة هذا الدلالة على التمسك بالوحي والتحذير من الرأي المخالف ولو من أعلم الناس7. وغير ذلك من الاستنباطات في هذا المجال.   1 سورة الأعراف: آية: "12". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "73". 3 سورة الإسراء آية: "62". 4 مؤلفات، لشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"85". 5 المرجع السابق بصحيفته. 6 سورة الحجرات: آية "7". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "353". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الفصل الثاني: نظرته إلى التفسير بالرأي يرى الشيخ رحمه الله تحريم التفسير بالرأي 1. كما يحث في الوقت نفسه على التفكر والتدبر في القرآن تبعاً لأمر الله بذلك كما تقدم2 ومعلوم أن التدبر والتفكر قدر زائد عن مجرد النقل عن السابقين. فما وجه ذلك وما حقيقة رأي الشيخ في التفسير بالرأي؟ وجهه – والله أعلم – أن النظر والتدبر والتأمل ليس حجراً محجوراً على طائفة من الناس، وإنما هو عام للناس كلهم فمن حق كل قارئ للقرآن أن يتدبره ويتأمل معانيه، بل إنه مأمور بذلك. ومعلوم أن من تفسير كلام الله ما تعرفه العرب من لغتها، ومنه ما لا يعذر أحد بجهالته، كما ورد ذلك عن حبر الأمة رضي الله عنه3. ولهذا نجد أن عامة المسلمين يفهمون كثيراً من معانيه، وقد كان الرجل يدخل في الإسلام فيسمع آيات الله تتلى عليه فيتأثر بها، ويأتمر بأمرها، وينزجر عما تزجر عنه، والواقع شاهد بهذا حتى في زمننا الحاضر الذي عمت فيه العجمة وبعد فيه الناس عن اللغة العربية الفصحى. ومن كلام الله ما لا يعلمه إلا العلماء، إذ يحتاج إلى علم ودراية لفهمه وشرحه واستنباط الأحكام منه. ولعل مما يقرر هذا الأخير من كلام الشيخ، قوله ضمن المسائل التي لخصها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ... وأما النظر في مسألة معينة لطلب حكمها والعبد لا يعرف ما يدله عليه فهذا النظر لا يفيد، بل قد يقع له تصديقات يحسبها حقاً، وهي من إلقاء الشيطان، وقد يقع له تصديقات من إلقاء الملك، وكذلك إذا كان النظر في دليل هادي وهو القرآن فقد يفهم مقصود الدليل فيهتدي، وقد لا يفهمه   1 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "80"، وفضائل القرآن ص "28". 2 انظر الفصل السابق مباشرة. 3 انظر ما تقدم ص "52". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أو يحرفه عن مواضعه فيضل به، ويكون ذلك من إلقاء الشيطان، كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} 1 وقال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} 2 وقال: {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} 3 وقال: {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} 4 فالناظر في الدليل كالمترائي للهلال، قد يراه، وقد لا يراه لغشى في بصره. وكذلك عمى القلب ... " إلى آخر ما قال رحمه الله5. فإذا لم يكن لدى المرء أهلية للتفسير بل تجرأ وفسر القرآن برأيه المجرد فقد وقع في المذموم.. وهو ما عناه الشيخ بالتحريم حيث ترحم في كتاب فضائل القرآن بـ "باب وعيد من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم"6 وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 7. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال في القرآن برأيه" وفي رواية: "من غير علم فليتبوأ مقعده من النار".. رواه الترمذي وحسنه8. وعن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" رواه أبو داود والترمذي وقال:   1 سورة الإسراء: آية "82". 2 سورة البقرة: آية "26". 3 سورة التوبة: آية "125". 4 سورة فصلت: آية "44". 5 مؤلفات الشيخ/ ملحق المصنفات ص "196". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ كتاب فضائل القرآن ص "28". 7 سورة الأنفال: آية "33". 8 رواه الترمذي في جامعه في كتاب التفسير/ باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه "5: 199" ح "2950، 2951". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 غريب1. كما ترجم في كتاب الكبائر بـ "باب ما جاء في القول على الله بلا علم"2 وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الآية. قال أبو موسى: من علمه الله علماً فليعلمه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به فيكون من المتكلفين، أو يمرق من الدين3. وفي الصحيح عن ابن عمرو رضي الله تعالى، عنهما مرفوعاً: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق أتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" 4. وقال الشيخ عند قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 5 إنكاره عليهم القول عليه بلا علم6. وقال عند قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 7: تحريم القول بلا علم8.   1 رواه أبو داود في سننه/ كتاب العلم/ باب الكلام في كتاب الله بغير علم "3: 320" ح "3652" والترمذي في جامعه في كتاب التفسير/ باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه "5: 199" ح "2950، 2951". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ كتاب الكبائر ص "28". 3 لم أجده فيما وقعت عليه. 4 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب العلم/ باب كيف يقبض العلم انظر الفتح "1: 234" ح "100" ومسلم في صحيحه/ كتاب العلم/ باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان "4: 2058" ح "2673". 5 سورة الأعراف: آية "28". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير/ ص "77". 7 سورة الأعراف: آية "33". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ولاشك أن أعظم القول على الله القول في تفسير كلامه. ورأي الشيخ هذا في تحريم هذا النوع من التفسير بالرأي صرح به جمع من العلماء وهو مجمع عليه وممن صرح به الإمام الطبري "رحمه الله" حيث قال بعد أن ساق جملة من الأحاديث في تحريم التفسير بالرأي: "وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه وإن أصاب الحق فيه فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لان إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان ولقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لم يعلم، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ، فالقائل في تأويل كتاب الله الذي لا يدرك علمه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعل الله إليه بيانه قائل بما لا يعلم، وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم قائل على الله ما لا علم له به1". وقد صرح بهذا أيضاً النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما، قال النووي: "ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة، والإجماع منعقد عليه. وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن، والإجماع منعقد عليه" 2. وإذا كان من التفسير ما يحتاج إلى علم ودراية لفهمه فإن العلماء قد اشترطوا شروطاً للمفسر تؤهله للتفسير، كأن يكون ذا معرفة بعلوم الشريعة، وإلمام بوسائلها كاللغة العربية، وعلومها، من نحو وبلاغة   1 تفسير الطبري ص "1: 35". 2 انظر التبيان في آداب حملة القرآن ص "32" ومقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ص "105". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ونحوها وذلك لفهم مناحي الكلام ومقاصده وقد توفر ذلك في الشيخ ولله الحمد حسبما دل عليه ما ظهر من خلال تفسيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى. إلا أن الشيخ رحمه الله قد نبه على أمر مهم وخطير، وهو أنه لا يشترط للنظر في كتاب الله والتدبر فيه وتفسيره بلوغ تلك الرتبة التي أسماها بعضهم "رتبة الاجتهاد" وشرطوا لبلوغها شروطا قد لا توجد في أجله العلماء، وزعموا أن من بلغها فله أن يجتهد وينظر في كتاب الله، ومن لم يبلغها فلا يسعه إلا التقليد. وإنما يرى الشيخ أن على عموم المسلمين النظر والتأمل والدراسة لكتاب الله، ومن كان عنده من العلم ما يؤهله للتفسير والاستنباط فإن له ذلك وإن لم يبلغ تلك الرتبة. وقد رد الشيخ مراراً على من يزعم أن التفسير وقف على المجتهدين من العلماء، كما ذهب إلى ذلك بعض الجهال من المتعصبين الجامدين الذين اعترفوا على أنفسهم بالقصور والجهل، وأرادوا أن يلزموا غيرهم بأن يسلك مسلكهم، حيث اشترطوا للتفسير شروطاً لعلها لا تتوفر في سادة المسلمين وأئمتهم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرها كما ألمحت قريباً. فأبطل الشيخ هذه المقالة، وفند مزاعم أصحابها، وشبههم، بنصوص القرآن في كل مناسبة. - ومن ذلك استنباطه من قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} 1 الآية.: الرد على أعداء الله الذين زعموا أن القرآن لا يفهم معناه2. ووجه ذلك أن الله احتج عليهم بكون آياته تتلى عليهم ولا يحتج   1 سورة آل عمران: آية "101". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "49". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 عليهم بما لا يفهمون. وقوله عند قول الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} 1 قوله: {لِلْعَالَمِينَ} فيه تكذيب من قال لا يعرفه إلا المجتهد2. ووجه ذلك: أن العالمين كل من سوى الله تعالى. وقوله عند قول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} الآية3: .... ومعلوم أن الهدى هو هذا القرآن، فمن زعم أن القرآن لا يقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد فقد كذب الله في خبره أنه هدى، فإنه على هذا القول الباطل لا يكون هدى إلا في حق الواحد من الآلاف المؤلفة، وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم، بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع مما وجدت عليه الآباء، فما أبطل هذا من قول! وكيف يصح لمن يدعي الإسلام أن يظن في الله وكتابه هذا الظن4؟ ‍. وقد بين الشيخ ستة أصول عظيمة مفيدة بينها الله تعالى بياناً واضحاً وجهلها الكثير من الناس، والأصل السادس رد به على أصحاب هذه المقالة فقال5: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة، وإتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهى أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا، أوصاف لعلها لا توجد تامة في أبى بكر وعمر، فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما حتما لا شك ولا إشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق، وإما مجنون لأجل صعوبة فهمهما، فسبحان الله وبحمده كم بين الله سبحانه شرعاً وقدراً وخلقاً وأمراً في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد   1 سورة الأنعام: آية "90". 2 مؤلفات الشيح/ القسم الرابع/ التفسير ص "68". 3 سورة "طه": آية "123". 4 مؤلفات الشيخ لم القسم الرابع/ التفسير ص "265". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ الرسالة الثانية عشرة "ستة أصول عظيمة" ص "396"، "397". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الضروريات العامة ولكن أكثر الناس لا يعلمون: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} 1.   1 سورة "يس": الآيات "7- 11". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي لدى الشيخ مدخل ... الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي لدى الشيخ تبين من خلال الفصل السابق انقسام التفسير إلى قسمين: تفسير بالرأي المحمود، كالتفسير بالرأي المذموم. وإذا نظرنا إلى تفسير الشيخ رحمه الله نجد أنه كثيراً ما يتعرض لتفسير كلام الله عز وجل بالرأي، ولكنه ليس بالرأي المجرد المذموم النابع أصلاً من التعصب والهوى والتجرؤ على كلام الله بغير علم. وإنما هو حقيقة ما يفهم من كلام الله تعالى، ومتمش مع معاني الشريعة ومقاصدها، مع تحمل اللفظ لذلك المعنى، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى1 وذلك أنه قد توفر في الشيخ الشروط اللازمة للتفسير إذ من المعلوم أن الشيخ رحمه الله قد تضلع من علوم الشريعة حيث طلب العلم وطالع كثيراً، ورحل من أجله، وأخذ عن أجله من العلماء في عصره، ودرس، وأفتى، وألف، في علوم شتى كالتفسير، والحديث والعقيدة، والفقه، والسيرة، والآداب الإسلامية. فتدريسه التفسير، وتأليفه فيه- وكثير منه من قبيل التفسير بالرأي المحمود- دليل على أنه يعلم من نفسه أنه أهل لذلك، إذ لا يتصور أن يحث على طلب العلم، وينكر على من يقول بغير علم، تم بعد هذا يتكلم في أعظم شيء بلا علم. ثم إن الدارس لتفسيره يلحظ اأنه قد ظهر من خلاله ما يدل على معرفته بعلوم أخرى اشترطوها للمفسر مع أنه لم يهدف إلى إظهار تلك العلوم لذاتها، وإنما لتحقيق غرض معين. ومنها: "معرفة اللغة والإعراب والبلاغة وغيرها فضلا عن أساس ذلك وملاكه وهو صحة المعتقد. وإليك بعض اللمحات الدالة على ذلك فيما يتعلق بعلوم العربية في مباحث وأما ما يتعلق بالتضلع في العقيدة ومعرفة الفقه وأصوله وعلم القصص فسأبرزها إن شاء الله في فصول خاصة من خلال تفسيره وسألمح أيضاً إلى علوم أخرى وردت في تفسيره وظهر اعتباره لها كورود بعض القراءات والإشارة للناسخ والمنسوخ وأسباب النزول في مواضعها إن شاء الله تعالى2.   1 انظر المبحث الأول من الفصل الخامس ض هذا الباب ص "117". 2 انظر ما يأتي ص "256 وما بعدها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 المبحث الأول: معرفته باللغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره . لغة التأليف عند الشيخ لغة عربية فصيحة، ومن استعرض كتبه من تفسير وغيره مما أراد به التأليف تبين له ذلك، بل إنه ينص في تفسيره أحيانا على بعض المسائل أو المعاني اللغوية، إذا احتاج إليها، إذ ليس من منهجه الاهتمام بالتشقيقات اللغوية لذاتها، فليست هي الغرض من التفسير عنده، بل الغرض فهم كتاب الله، والاستنباط منه، والاهتداء بهديه، واللغة وسيلة لذلك، وتفسير الشيخ للقرآن، واستنباطه منه، وعمله بهداه دليل على فهمه ومعرفته، ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة اللغة العربية الصحيحة، فأنى لمن لا يفهم العربية أن يفهم فضلا عن أن يستنبط! اللهم الآن ترجمت له المعاني. ومن نص الشيخ على بعض المسائل اللغوية قوله عند قول الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} الآية1: تقول العرب: بلغ أشده أي منتهى شبابه2. وقوله عند قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} الآية3: يقال: "جهزت القوم" إذا هيأت لهم جهاز السفر. والرحل: كل ما يعد للرحيل من وعاء للمتاع، ومركب للبعير، وحلس وغير ذلك4. وقوله عند قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} 5 الآية: قبل أي شيء نريد وقد ردت بضاعتنا: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نأتي لهم بالطعام، يقال: مار وأهله   1 سورة سورة يوسف: آية "22". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "135" وانظر قسم التحقيق ص "306". 3 سورة يوسف: آية "59". 4 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "159" وانظر قسم التحقيق ص "358". 5 سورة يوسف: آية "65". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 إذا أتاهم بطعام1. قال: وقوله: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 2 أي يأتيكم أمر يهلككم كلكم3. ومن دلائل معرفته بلغة العرب تفسير المفردات على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى4. ومن دلائلها أيضاً أنه ينص على الفروق بين الكلمات المتقاربة في المعنى التي يظن ترادفها، ولا يميز بينها إلا المتأمل في اللغة الخبير بها، إلا أنه وسيرا على منهجه في الاختصار يكتفي بالنص على وجود فرق ولا يبينه غالباً، وإنما يترك على القارئ مهمة البحث عنه ومن أمثلة ذلك: قوله- الفرق بين الأمان والطمأنينة5. وقوله- الفرق بين العلم والحكم6. وقوله- الفرق بين التكذيب والتولي7. وقوله:- الفرق بين التكذيب والإباء8. وقوله:- الفرق بين العذاب المخزي والعذاب المقيم9. وقوله- الفرق بين المغفرة والرحمة10. وغير ذلك.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "164" وانظر قسم التحقيق ص "360". 2 سورة يوسف: آية "66". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "164". 4 انظر ما يأتي ص "109". 5 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "231". 6 المرجع السابق ص "384". 7 المرجع السابق ص "298". 8 المرجع السابق ص "299". 9 المرجع السابق ص "332". 10 المرجع السابق ص "336". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 المبحث الثاني: معرفته بالنحو والإعراب ومدى اهتمامه به في تفسيره الحال في النحو والإعراب في تفسير الشيخ كالحال في اللغة، إذ يلتزم في كتاباته العلمية وتأليفه ومنها التفسير بقواعد النحو، ويتجنب اللحن كيف وقد حفظ: ألفية ابن مالك في النحو1. وأما بيان جزئيات النحو والإعراب فلا يهتم بالنص عليها غالباً لأن ذلك ليس من أغراض تفسيره كما تقدمت الإشارة إلى نحوه، ومع هذا فلم يخل تفسيره واستنباطاته من بعض اللمحات النحوية إذا دعت الحاجة إليها لبيان معنى أو فائدة من جراء تركيب نحوي معين ومن ذلك: قوله مستنبطاً من قصة آدم وإبليس:- ومنها- أي من الفوائد- المستنبطة- وهي من أعظمها- معرفه الطرق التى يأتينا منها عدو الله كما ذكر الله تعالى عنه في القصة أنه قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} 2 وإنما تعرف عظمة هذه الفائدة بمعرفة شيء من معاني هذا الكلام. قال جمهور المفسرين:- انتصب صراط بحذف على" التقدير: لأقعدن لهم على صراطك. قال ابن القيم: والظاهر أن الفعل "مضمن3" فإن القاعد على الشيء ملازم له، فكأنه قال: لألزمنه ولأرصدنه ونحو ذلك4. فقد أورد هذا النقل المتعلق بالنحو لبيان حقيقة المعنى الذي به تتبين عظمة الفائدة كما أسلفت. ومن ذلك أيضاً قوله عند تفسير قول الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} الآية5 حيث قال: وقوله: {عَجَباً} أي بليغاً في لفظه ومعناه "أنه استمع"- بالفتح- لأنه نائب فاعل "أوحي" و "إنا سمعنا"- بالكسر- أنه محكى بعد   1 ذكر ذلك عنه حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن كما في الدرر السنية "9: 216". 2 سورة الأعراف: آية "16". 3 في المطبوعة "مضمر" والصواب ما أثبته كما هو في روضة الأفكار "المخطوط" بجامعة الإمام برقم "ف "2074" ورقة "77/أ". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "87". 5 سورة الجن: آية "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 القول1. ثم قال- والضمير في: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} للجن، والخطاب في: {ظَنَنْتُمْ} للإنس2. فنص على مرجع الضمائر ليتبين بها المعنى. وقال عند قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} 3 ومعنى الاستثناء قيل إنه من: {لَا أَمْلِكُ} أي: أملك إلا بلاغاً من الله،: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي} جملة معترضة لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه، على معنى أن الله إذا أراد به سوءا من مرض، أو موت، أو غيرهما، لم يصح آن يجيره منه أحد، أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه، والملتحد: الملتجأ. وقيل: {بلاغاً} بدل من ملتحدا أي لن أجد من دون منجى إلا أن أبلغ ما أرسلني به4. وهذا البيان وإن كان اعتمد فيه على نواحٍ بلاغية إلا أن له علاقة بالنحو، ويظهر ذلك جليا في القول الثاني.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص 355. 2 المرجع السابق ص "356". 3 سورة الجن: آية "22". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "361". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 المبحث الثالث: معرفته بالبلاغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره من أظهر ما في تفسير الشيخ من النواحي المتعلقة بالعربية وعلومها ما يتعلق بفن البلاغة وضروبها، فقد استفاد الشيخ منها أيما استفادة بل نص على كثير من فنونها وأغراضها، وذلك لأنها تخدم كثيراً منهج الشيخ في إيضاح المعنى والاستنباط، كما أنه يظهر من خلال النص عليه في بيان عظمة أسلوب القرآن، ودقة ألفاظه وتراكيبه وبلاغته وبذلك يظهر للقارئ روعة هذا الكتاب وعظمته. وهو عرض من أغراض التفسير لدى الشيخ. والناظر في تفسيره واستنباطاته يجد أنه يمتلك دقة في النظر والتأمل وتذوقاً للبلاغة، ويهتم من خلال ذلك ببيان بعض المعاني والنكت وتقريرها أولفت أنظار إليهم أو التحذير من بعض المخالفات وهو يسير في بيان اللمحات والأساليب البلاغية على منهجه العام في الاختصار. فانظر إلى فهمه ودقته في الاستنباط عند قول الله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} 1. حيث قال تعظيم الفعل بقوله: {إِذْ أَمَرْتُكَ} 2. ووجه هذا التعظيم الذي أشار إليه أن المسألة أمرٌ وتكليف وليست إباحة أو ندباً، ثم إن الآمر هو الرب عز وجل، والمأمور به داخل في جمله العباد المأمورين، ففعله الذي هو النكوص عن السجود عظيم مع توفر هذه الدواعي للامتثال. وقوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} 3. حيث قال تأكيد النهي4.   1 سورة الأعراف: آية "12". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "72". 3 سورة الأعراف: آية "19". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "74". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ووجه هذا التأكيد- والله أعلم- أن الله تعالى نهاهما عن قربان الشجرة مبالغة في النهي عن الآكل منها، وفي هذا معنى تأكيد النهي عن الأكل. كما أن في قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} ما يقوي هذا النهي أيضاً إذ يترتب على مخالفته كون المخالف ظالماً في فعله هذا. - وقوله مستنبطاً من قول الله تعالى إخباراً عن مقالة يوسف عليه السلام .... : {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} الآية1 حيث يقول: كرمه عليه السلام في قوله: {أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ولم يقل: من الجب. وكرمه في قوله: {نَزَغَ} ولم يقل من بعدما ظلمونى2. وهذا تأمل عجيب، ودليل حس بلاغي، ونظر دقيق لدى الشيخ رحمه الله. - وقوله عند قول الله تعالى: {نبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} 3 حيث يقول: 4 إن المغفرة والرحمة وصف بها نفسه، وأما العذاب الأليم فوصف به عذابه. وقد اقتصر هاهنا على لفت الأنظار إلى هذه الدقيقة، ولم يعللها، ولعله أراد أن يتأمل الناظر ويبحث عن السبب، فإن ما يتوصل إليه بعد بحث وعناء تكون العناية به أشد. وقد عُلِّل هذا الأسلوب في الآية بترجيح جانب الوعد على الوعيد، والرحمة على الغضب5. - وقوله مستنبطاً من قول الله تعالى في شأن قوم فرعون وطغيانهم: {فَلَمَّا   1 سورة يوسف: آية "100". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "176". 3 سورة الحجر: الآيتان "41، 50". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "190" وانظر قسم التحقيق ص "413". 5 انظر البحر المحيط لأبي حيان "457:5". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} 1 {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ... } الآية2. حيث قال: قوله: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} بالفاء. ولم يذكر الغرض من ذلك ولعل ذلك لما سبق من إرادة تأمل القارئ وبحثه عن السبب، أو لظن عدم خفاء مثل ذلك على القارئ لشهرته. والغرض من هذا- والله أعلم- أن الانتقام مترتب على طغيان قوم فرعون ومتسبب عن نكثهم، وذلك أن من أغراض العطف بالفاء السببية والتعقيب3. فظهر بما تقدم الحس البلاغي والنظر المتأمل عند الشيخ. وقد وظف الشيخ البلاغة بشكل واضح لترسيخ بعض المعاني أو شرحها واستنباطها أو التحذير مما يخالفها. فانظر إلى قوله- منبهاً على أعظم الأمور في حياة المسلم وهو التوحيد بدلالة أسلوب بلاغي بديع وهو الحصر بطريق النفي والإثبات الذي يذكره كثيراً حيث يقول: إن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" تتضمن النفي والإثبات، نفي الإلهية عما سوى الله سبحانه وتعالى، وإثباتها لله عز وجل4. ومما يستدل بها على هذا النفي والإثبات قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} 5 فهذا دليل النفي، ودليل الإثبات: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} 6.   1 سورة الأعراف: الآيتان "135، 136". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "304". 3 انظر مغني اللبيب لابن هشام "161:1- 163". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية رقم "16" ص "105" "106"، ورقم "35" ص "174" والقسم الأول/ العقيدة/ الثلاثة الأصول ص "190" وتلقين أصول العقيدة للعامة ص "371". 5 سورة الزخرف: آية "36". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ الثلاثة الأصول ص "190" وتلقين أصول العقيدة للعامة ص "371". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ويقول أيضاً مقررا هذا المعنى عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1: أنه لا بد مع الإثبات من النفي2 كما يوضح هذا المعنى جليا فيقول في شرح كلمة التوحيد: ... فإن "لا" في قولك "لا إله إلا الله" هي النافية للجنس، تنفى جميع الآلهة و "إلا" حرف استثناء يفيد حصر جميع العبادة على الله عز وجل3. ويقول أيضاً مرسخا هذا المعنى من خلال هذا الأسلوب- أسلوب الحصر- ولكن بطريق تقديم ما حقه التأخير ما نصه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيها توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فيها توحيد الألوهية: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيها توحيد الربوبية4. ويوضح هذا المعنى في موضع آخر بأبسط من هذا وبه يتبين جليا اعتباره لهذا المعنى البلاغي فيقول عند نفس الآية: فالعبادة: كمال المحبة، وكمال الخضوع، والخوف والذل، قدم. المفعول وهواه {إِيَّاكَ} وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، فالأول: التبرؤ من الشرك، والثاني: التبرؤ من الحول والقوة، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي إياك نوحد، ومعناه أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحداً لا ملكاً ولا نبياً ولا غيرهما5. ويقول مرسخا هذا المعنى أيضاً بهذا الأسلوب- أسلوب الحصر- ولكن بطريق تقديم المسند إليه حيث يقول مستنبطاً من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي   1 سورة النحل: آية: "36". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "309" وقسم التحقيق ص "27". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية رقم "16" ص "105، 106". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة والآداب الإسلامية/ بعض فوائد سورة الفاتحة.: ص "383". 5 مؤلفات الشيخ/القسم الربع/ التفسير ص "16". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} 1، فيها الاستدلال بإنزال المطر، وأن غيره لا يقدر عليه2. ونحوه أيضاً قوله عند قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} الآية3. حيث يقول تسخير البحر، وأنه الذي فعله لا غيره 4. فقوله: أن الذي فعله لا غيره، هو تقرير لربوبية الله وتفرده بالتعرف والإنعام لم ومما يدل على التفرد هنا الحصر في الآيتين. وقد نص الشيخ على طرق أخرى من أساليب الحصر مستفيداً منها كالحصر "بإنما" في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 5 حيث يقول: حصر الكذب فيمن لم يؤمن بآيات الله6. والحصر المستفاد من توسط الضمير كما في قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} الآيات إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 7 حيث يقول:- ذكر حصر الغفلة فيهم. - حصر الخسران في الآخرة فيهم8. ومن الأساليب التي نص الشيخ عليها مراراً مستفيداً من دلالتها الاستفهام بأنواعه من إنكار أو تقرير أو نحوه.   1 سورة النحل: آية. "10". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "203". 3 سورة النحل: آية "10". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص"303". 5 سورة النحل: آية "105". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "329". 7 سورة النحل: آية "106- 109". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"230". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ومن ذلك قوله: تقرير التوحيد بقوله: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} الآية1 وقوله: استفهاماً التقرير الدال على عظمه القصة في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} 2. وقوله: استفهام الإنكار في هذا الأمر الباهر في قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} 3. وقد يكتفي أحياناً بقوله: "استفهام التقرير" أو "استفهام الإنكار" مثلا4. ومن توظيف البلاغة أيضاً لترسيخ بعض المعاني العقدية قوله مستنبطا من قول الله تعالى إخباراً عن قول يوسف "عليه السلام": {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} 5. حيث يقول: قوله: {مِنْ شَيْءٍ} عام كل ما سوى الله6. ووجه ذلك أن "شيء" نكرة في سياق النفي فتعم، "ومن" لتأكيد النفي فنبه من خلال الاستفادة من هذا الأسلوب، إلي تقرير التوحيد والنهي عن إشراك آي شيء مع الله تعالى. هذا ولا أريد أن استقصي جميع ما نص عليه الشيخ، أو استفاد منه من أوجه البلاغة، وإنما الغرض هو الإشارة إلى معرفة الشيخ بهذا الفن، بل واهتمامه به في حدود ما يبين المعنى ويوضحه، أو يلفت الأنظار إليه مع السير على منهجه في الاختصار.   1 المرجع السابق ص "335" والآية في الزمر رقم "19". 2 المرجع السابق ص "395" والآية في طه رقم "9". 3 المرجع السابق ص "330" والآية في النحل رقم "73". 4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "19،335،336،337،330" وغيرها. 5 سورة يوسف: آية. "38". 6 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "145" انظر قسم التحقيق ص "329". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وليس من غرض الشيخ بيان التشقيقات البلاغية وضروبها لذاتها، وللزهو بها، ولهذا لما ورده سؤال "ابن عفالق" 1 المتنطع عن أضرب. البلاغة في "سورة العاديات"2 لم يتكلف الجواب عليه، ولم أعلم ألف رد عليه في رسالته هذه، إذ لا يجب الجواب على المتنطعين الذين يقصدون من أسئلتهم إظهار ملكتهم أو إحراج المسئول أو نحو ذلك، إذ ليس هو بمسترشد فيرشد أو مستفيد فيفاد. "وبالله التوفيق".   1 هو محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الأحسائي، من فقهاء الحنابلة، وكان من المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقد ألفا رسالة وجهها إلى الشيخ محمد وكان عنوانها "تهكم المقلدين في مدعى تجديد الدين" وضمنها أسئلة تهكميه تعجيزيه تحمل طابع التحدي والغرور. وتوفي ابن عفالق عام "1164هـ" في الأحساء. انظر السحب الوابلة ص "382، 383" ترجمة "597" وعلماء، نجد "3: 818" ترجمة"288". 2 انظر - إن شئت- طرفاً من هذه الأسئلة في كتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض لعبد العزيز بن محمد العبد اللطيف ص"43" ذكرها نقلاً عن الرسالة الموسومة "بتهكم المقلدين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي عند الشيخ مدخل ... الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي عند الشيخ لم يسر الشيخ رحمه الله في تفسيره على نمط واحد من حيث الطريقة "الشكل" وإنما تنوعت أساليبه في ذلك، ولعل ذلك لتفاوت الزمن الذي ألف فيه تفسيره، ولاختلاف الأغراض الداعية لتفسير جزئية عن أخرى، فقد يُساَّل عن آية أو آيات فيفسرها بطريقة يراها مناسبة للسائل، وقد يختار آية أو آيات فيستنبط منها المسائل، وقد يستعرض سورة كاملة فيفسرها تفسيراً شاملاً ونحو ذلك. وقد استوعب تفسيره ثلاثة مناهج في العرض، سأذكرها إن شاء الله في مباحث:- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 المبحث الأول: التفسير الإفرادي وأعني به تفسير المفردات تفصيلاً ببيان كلمة أو كلمات قرآنية بما يرادفها أو يقاربها أو يراد منها. وهذا غالباً فيما يرى أنه يحتاج إلى بيان وإيضاح، وهي طريقة من طرق المفسرين سلفاً وخلفاً. وتكثر أمثلة ذلك في بعض السور، وتقل في البعض الآخر. ومما كثر فيه هذا النوع من التفسير تفسير سورة يوسف، فإنه كثيراً ما يبدأ بشرح مفرداتها ثم يردف باستنباط المسائل منها، ومن ذلك: قوله عند قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ. إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الآيات1. {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} : شقيقه: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي جماعة. وقوله: {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} آي في تقديمهما علينا. وقوله: {اطْرَحُوهُ أَرْضاً} أي ألقوه في أرض بعيدة .... وقوله: {فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} أي أسفله: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي المارة من المسافرين: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي إن كنتم عازمين على ما تقولون2. وعند قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} 3 الآيات. يقول: لما رجعوا إلى أبيهم باكين إظهاراً للحزن على يوسف، اعتذروا باستباقهم وهو الترامي، وقالوا: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} . وقوله: {عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا وأمتعتنا. وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي بمصدقنا: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} عندك، فكيف مع التهمة؟! ثم قال: قوله: {سَوَّلَتْ} أي: زينت وسهلت، والصبر الجميل: الذي لا شكوى   1 سورة يوسف: الآيات "7- 10". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"130" وانظر قسم التحقيق ص "297". 3 سورة يوسف: الآيات "16- 18". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 معه وقوله: {تَصِفُونَ} أي تذكرون1. ثم يقول عند قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} الآيات2:- السيارة: الرفقة السائرون، والوارد: الذي يرد الماء ليستقي للقوم: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} : أي أظهروا أنهم أخذوه بضاعة من أهل الماء. وقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه في مصر بثمن قليل3. ويقول في مواضع آخر من السورة استعصم امتنع وأبى4. والعجاف ضد السمان. والملأ: كبار القوم ورؤساؤهم. و {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} : أخلاط وأباطيل. وادكر: تذكر شأن يوسف. دأبا: متوالية تحصنون: تخزنون5. التحسس: البحث والطلب. وروح الله: رحمة الله6. {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} : لا تعيير عليكم7. لولا أن تفندون: والفند ذهاب العقل8. ويقول في سورة الحجرات عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية9: معنى التبين وهو التثبت10.   1 مؤلفات الشيخ /القسم الرابع /التفسير ص"133" وانظر قسم التحقيق ص"303". 2 سورة يوسف: الآيتان "19، 20". 3 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص"133،34ا" وانظر قسم التحقيق ص"304". 4 المرجع السابق ص "141" وقسم التحقيق ص "320". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "152" وقسم التحقيق ص "344". 6 المرجع السابق ص "171" وقسم التحقيق ص "381". 7 المرجع السابق ص "173" وقسم التحقيق ص "384". 8 المرجع السابق ص "174" وقسم التحقيق ص "387". 9 سورة الحجرات: آية "6". 10 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "352". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 معنى العنت: الضيق1. ويقول في مواضع من سورة الفلق:- فمعنى أعوذ: أعتصم وألتجئ وأتحرز. والفلق: هو بياض الصبح إذا انفلق من الليل. والغاسق: الليل. {إِذَا وَقَبَ} أي أظلم ودخل في كل شيء2. ...... وهكذا.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "353". 2 المرجع السابق ص "385، 386" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 المبحث الثاني: التفسير الإجمالي وأعني به أن يبين معنى الآية ومقصدها إجمالا، دون آن ينص على معاني ألفاظها لفظة لفظة، وهذا منهج من مناهج التفسير، وقد كان أكثر ما يهتم به السلف من الصحابة وغيرهم أن يفهموا عن الله مراده، دون الاهتمام بالتشقيقات والتعريفات لكل كلمة، وأصلها، ومعناها الخاص، ولهذا وردعن أنس رضي الله عنه قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فلما أتى على هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الأب؟ قال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف1. ولعله- والله أعلم- يعني بذلك أن المعنى العام وهو امتنان الله على عباده بالنعم هو المراد وقد حصل وكل واحد يعلم أن الأب نبات لقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً. مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} 2. ومثل هذه الطريقة ينهجها الشيخ- غالباً- عندما يرى وضوح معاني المفردات، أو عندما يركز على جانب الدعوة والإصلاح من خلال الآيات. ومن أمثلة هذه الطريقة: قوله عند قول الله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} 3: أمر الله لنا آن نحاجهم بهذه الحجة القاطعة:- فإذا كان الله رب الجميع، وأيضاً أنه بإقراركم أنه عدل لا يظلم بل كل عامل فعمله له، وافترقنا في كوننا قاصديه4 مخلصين له الدين، وأنتم قصدتم غيره، فكيف يساوى بيننا وبينكم أو يخص بكرامته من أعرض عنه دون من قصده؟ هذا لا يدخل عقل عاقل4.   1 أخرجه الطبري في تفسيره "30: 59". 2 سورة عبس الآيات "27-32" وانظر كلام ابن كثير رحمه الله في توجيه قول عمر "رضي لله عنه" في تفسيره "348:8". 3 سورة البقرة: آية "139". في النسخ المخطوطة والمطبوعة "قاصدينه" وهو سهو. 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص"40، 41" وقد فسرها بأبسط من هذا ص "28، 29". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 - وقوله عند قول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} 1 يقول تعالى: لما أجليتكم عن وطنكم فإن بعد هذا الكلام، وهو أني مرسل إليكم هدى من عندي، لا أكلكم إلى رأيكم، ولا رأي علمائكم، بل أنزل عليكم العلم الواضح الذي يبين الحق من الباطل والصحيح من الفاسد، والنافع من الضار، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ومعلو أن الهدى هو هذا القرآن2. وقوله عند قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} 3 التنبيه على سبب الشرك وهو أن المشرك بان له شيء من جلالة الأنبياء والصالحين ولم يعرف الله سبحانه وتعالى، وإلا لو عرفه لكفاه وشفاه عن المخلوق، وهذا معنى قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية4. وقوله عند قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} 5. معناه: قام عبد الله يعبده كادوا يزدحمون عليه متراكمين، تعجباً مما رأوا من عبادته، وإعجاباً بما تلا من القرآن لأنهم رأوا منه ما لم يروا مثله، وعبادة عبد الله ليس بأمر مستبعد عن العقل، ولا مستنكر، حتى يكونوا عليه لبدا6، ثم ذكر أقوالاً أخر في معنى الآية.   1 سورة طه: آية "123". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "265". 3 سورة الزمر: آية "67". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "346". 5 سورة الجن: آية "19". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "360". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 المبحث الثالث: الاستنباط المباشر من الآيات كثيرا ما يعمد الشيخ رحمه الله إلى الاستنباط المباشر من الآيات دون التعرض لتفسيرها قبل ذلك تفصيلاً أو إجمالاً. ولاشك أنه يتبين من خلال استنباطه فهمه الآيات، ووجهها عنده، إذ الاستنباط ناتج عن ذلك الفهم فلا يتصور أن يستنبط من الآيات الاستنباطات الصحيحة من لم يفهمها. وفهم الشيخ هذا يعتمد في كثير من الأحيان على النظر المتأمل في الآيات دون الاعتماد على أثر في معناها فهو يندرج حينئذ تحت التفسير بالرأي. وينحى الشيخ هذا المنحى غالبا فيما يرى وضوح معناه عموما، وإنما يحتاج إلى النص على ما يقرره من مسائل، وما ينطوي عليه من فوائد. وأمثله هذه الطريقة كثيرة جداً، إذ ينهج هذه الطريقة في أغلب تفسيره من ذلك:- - استنباط من سورة الفاتحة حيث يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : فيها التوحيد. {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فيها المتابعة1. فهذه الاستنباطات المختصرة مبنية على فهم مسبق للآيات، ويتضح هذا الفهم من خلال تفسيره المبسوط لهذه الآيات فليراجع2. - وقوله مستنبطاً من أول سورة النور:- 3 فيه مسائل: الأولى: حد الزانية4. الثانية: النهي عن الرأفة 5.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "18". 2 المرجع السابق ص "16،17". 3 المرجع السابق ص "273، 273". 4 في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} . 5 في قوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الثالثة: قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 1. الرابعة: تحريم نكاح الزانية2. الخامسة: ما ذكر الله في رمي المحصنات ما لم يأتوا بالبينة3. السادسة: رد شهادتهم4. السابعة. كون الله استثنى التوبة والإصلاح5. الثامنة: ما ذكر الله في رمي الإنسان زوجته، وفيه من الأحكام أنها إذا لم تلاعن ترجم6. ... إلى غير ذلك من الاستنباطات المتمشية مع ظاهر النص القرآني ومنها يتبين فهم الشيخ للآيات وإجراؤه إياها على ظاهرها والاكتفاء بالنص على ما فيها من أحكام. ومن ذلك أيضاً قوله مستنبطاً من قول الله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا   1 سورة النور: آية "2". 2 في قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} سورة النور آية "3". 3 في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . 4 في قوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} آية "4". 5 في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} آية "5". 6 في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الآيات "6-9". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} 1 الإيمان بالقدر2. وهذا مبين لوجه المعنى عند الشيخ، وأنه يرى عود الضمير في قوله: {نَسْلُكُهُ} إلى الاستهزاء المذكور والكفر، كما ذهب إليه جمع من السلف على ما سيأتي بيانه في موضع آخر إن شاء الله تعال3. والأمثلة على هذا القسم كثيرة والغرض هنا بيان هدا المنهج والاستشهاد له لا استقصاء كل ما يندرج تحته. والله أعلم.   1 سورة الحجر: الآيات "11- 13". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "185". 3 انظر ما يأتي ص "124" وقسم التحقيق ص "405". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الفصل الخامس: السمات العامة لتفسيره بالرأي المبحث الأول: تمشيه مع روح الشريعة الإسلامية إن من أهم مميزات تفسير الشيخ بالرأي أنه يتمش مع روح الشريعة ومقاصدها، ويسير في إطار النصوص الشرعية، فهو إذا ليس تفسير اً مجرداً متحرراً، وإنما هو تفسير مقيد في معناه ومضمونه، ومحدود بحدود التمشي مع النصوص، قد أشرب معانيها، وقرر مقاصدها ومراميها. فقرر الشيخ في تفسيره كثيراً مما تقرر في الشرع من عقيدة، ومعاملات وآداب، ودروس، وعظات، وحذر مما حذر منه الشرع، من شر وفساد ورذيلة على وجه البسط تارة، والإيجاز تارة أخرى. وما كان من هذا القبيل من التفسير هو ما يسميه الزركشي "بالتفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع"1. مع تمشيه مع دلالة اللفظ المفسر لغة على ما يقرره، من معان. وشواهد ما ذكرته كثيرة ظاهرة، يتبين كثير منها من خلال ما سيأتي - إن شاء الله تعالى- من تركيزه على جانب العقيدة وترسيخها واهتمامه بما يتعلق بالاتجاه الإصلاحي وتحذيره من البدع كل ذلك من خلال التمشي مع النصوص2. ولأمثل هنا ببعض أمثلة القريبة التي تتضح من خلالها جلياً هذه السمة في تفسيره. فمن ذلك- قوله:- وأما البسملة فمعناها: أدخل في هذا الأمر من قراءة، أو دعاء/ أو غير ذلك "بسم الله" لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعيناً بالله، متبركاً باسمه تبارك وتعال3 ... فانظر إلى ما أشار إليه من خلال البسملة من الاستعانة بالله، والتبري من الحول والقوة، والتبرك باسم الله تعالى، مما هو من مسلمات العقيدة.   1 البرهان في علوم القرآن للزركشي "2: 161". 2 انظر ما يأتي من ص "126" إلى ص "213". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "9". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ومما يوضح هذه السمة أيضاً قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ... } الآية1 حيث يقول: - إن السحر نوعان. - إن له تأثيرا، لقوله: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} . الإرشاد إلى التوكل، بكونه لا يضر أحداً إلا بإذن الله2. فهذه المعاني التي استنبطها الشيخ كلها قد قررت في الشريعة، واعتقدها السلف. حيث اعتقدوا أن السحر منه ما هو حقيقة، ومنه ما هو تخييل3. وأن له تأثيرا ولكن لا يكون إلا بإذن الله سبحانه وقدره ع وليس خارجاً عن قدره في ملكه، فمن توكل على الله كفاه ووقاه، ولهذا قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . فانظر إلى تمشي الشيخ مع النصوص، وتقريره لمعانيها، وتسليمه لدلالتها والسلامة في التسليم لنصوص الشرع. ولله الحمد. ومن تمشيه مع روح الشريعة ومقرراتها قوله:- {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 4 أي لابد أن يخلقكم للبعث كما بدأ خلقكم من نطفة. ثم قال: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} 5 فهذا القدر يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فجمع في هذه الآية الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالشرع، والإيمان بالقدر. وذكر فيها تفصيل الشرع الذي أمر به، وذكر حال من عكس الأمر فجعل المنكر معروفا، والمعروف منكراً، ثم ختم الآية بهذه المسألة   1 سورة البقرة: آية "102". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "23". 3 تيسير العزيز الحميد "383". 4 سورة الأعراف: آية "29". 5 سورة الأعراف: آية "30". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 العظيمة، وهى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} 1 فلا أجهل ممن هرب عن طاعة الله واختار طاعة الشيطان ومع هذا يحسب أنه مهتد مع هذا الضلال الذي لا ضلال فوقه2. ومن استضاءته بنور الشريعة أنه يذكر في الفروق الشرعية الدقيقة منبها عليها، ليميز بينها، فمن ذلك قوله عند قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 3 الآية. إن إضافة العباد إليه إضافة الخاصة لا العامة4. ويعني بالإضافة التي تكون معها الكفاية، كما ذكر في موضع آخر5 وهى إضافة تكريم وتشريف، بخلاف الإضافة العامة التي تشمل البر والفاجر كما في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 6. ومن ذلك أيضاً قوله عند قول الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 7 إن الشفاعة كلها له ومعرفة هذه بمعرفة صفة الشفاعتين8. ويعني بالشفاعتين: الشفاعة المثبتة، وهي الشرعية، وتكون لمن أذن الله له ورضي عن المشفوع أن يشفع فيه. والشفاعة المنفية، وهى خلاف ذلك وهي التي فيها شرك أولم تستوف شروطها9. "والله أعلم"   1 سورة الأعراف: آية "30". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "100". 3 سورة الزمر: آية "10". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "323". 5 انظر المرجع السابق ص "330". 6 سورة مريم آية: "93" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "137" وقسم التحقيق ص "312". 7 سورة الزمر: آية "43، 44". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "333". 9 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "52". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 المبحث الثاني: تمشيه مع تفسيرات السلف وأقوالهم يتمشى الشيخ- من واقع سلفيته- مع أقوال السلف وتفسير اتهم للآيات، ويسير على منهجهم. وقد أكثر "رحمه الله"- كما هو معلوم- من الإطلاع على كتبهم، وأقوالهم، حتى استقرت في ذهنه، وامتزجت بأسلوبه، فصار يقرر "رحمه الله" ما قرروه من معان، ناهجا نهجهم، وسالكاً سبيلهم فنجد في تفسيره أقوالا قد قالوها، أو فسروا بها أو بنحوها، أصبحت من معارفه ومسلماته، وجرى بها قلمه، وزخرت بها مؤلفاته. فغالب اختياراته في التفسير تجد له فيها سلفاً إن لم يكن بنصها فبمعناها، وهو أثر من آثار إطلاعه على تفاسير السلف، وفهمه لمعاني القرآن من خلال النظر الصحيح، المستضيئ بما يثمر له إصابة المعنى، ومن أهمه معرفة أقوال السلف وآرائهم وتفسير اتهم التي اهتم بها، وحث على تعلمها، كما يظهر ذلك في غير موضع من كلامه. فمما يدل على اطلاعه على أقوال المفسرين:- - قوله في سورة الفاتحة: وذلك أن قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وفى القراءة الأخرى "ملك يوم الدين" فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1. - وقوله: .... وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك- أي الشرك- فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} إلى آخر الآية وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} 2.   1 سورة الانفطار: الآيات "17- 19" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "13". 2 سورة النحل: الآيتان "106، 107" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "272". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وقوله منكراً طاعة الأئمة في مخالفة أمر الله تعالى بعد سياقه قول الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 1 الآية. فقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده بهذا الذي تسمونه "الفقه" وهو الذي سماه الله شركا واتخاذهم أرباباً، لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافاً2. ففي هذه الأقوال وغيرها دليل على ما ذكرت من اطلاعه على تفاسير السلف والمفسرين عموماً، وأنه لا يفسر القرآن بمعزل عن ذلك. وكما أطلع على تفاسيرهم، وأستفاد منها، فقد حث على العناية بها، والاطلاع عليها، وفهمهما والاستفادة منها. فأنظر إلى قوله بعد أن ذكر بعض العلماء وذكر منهم ابن جرير وابن قتيبة وأبا عبيد: فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله، وكلام رسوله، وكلام السلف، وإياك وتفاسير المحرفين للكلم عن مواضعه، وشروحهم، فإنها القاطعة عن الله وعن دينه3. وقوله بعد أن ذكر بعض الآيات: واطلب تفاسير هذه الآيات من كتب أهل العلم، وأعرف من نزلت فيه، وأعرف الأقوال والأفعال التي كانت سببا لنزول هذه الآيات4. وغير ذلك مما هو دال على ما ذكرت من عنايته بكلام السلف من المفسرين، ولا شك أنه قد ظهرت آثار هذه العناية في تفسيراته برأيه الذي استضاء فيه بهذه الآراء كما سيتضح ذلك في غير موضع من تفسيره. ومن ذلك: قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ   1 سورة التوبة: آية "31". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية/ ص "277". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية/ ص "259". 4 المرجع السابق ص "261". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} 1 التحذير من فتنة جدال منافق بالقرآن2. ووجه هذا الاستنباط أن الله أثنى على عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ولا يجادلون فيه فيضربون بعضه ببعض. وقد ورد نحو هذا المعنى الذي ذكره الشيخ عن عمر رضي الله عنه حيث ورد عنه أنه قال: يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم اللائمة المضلي3. ومن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} 4. حيث قال: قوله: {إِنِّي حَفِيظٌ} أي أحفظ ما وليتني عليه: {عَلِيمٌ} بأمره وحسابه واستخراجه5. فتفسيره هذا موافق لما ورد عن السلف، بل كأنه مستقرأ من تفاسيرهم؛ فقد روى الطبري عن قتادة: أنه قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يقول: حفيظ لما وليت عليه، عليم بأمره6. وروى عن ابن إسحاق أنه قال: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ، أي حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني7 ... ، ثم أورد الطبري قولا آخر عن الأشجعي8 حيث قال: {إِنِّي   1 سورة الزمر: الآيتان "17، 18". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "324". 3 رواه الدارمي في سننه/المقدمة/باب في كراهة أخذ الرأي "1: 71". 4 سوف يوسف: آية "55". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "156". 6 انظر تخريج الأقوال في موضعه من التحقيق ص"354". 7 انظر تخريج الأقوال في موضعه من التحقيق ص"354". 8 هو الإمام الحافظ، الثبت، عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي، الكوفي، قدم بغداد فلم يزل بها حتى توفي سنة "اثنتين وثمانين ومائة". قال ابن حجر في التقريب: ثقة، مأمون، أثبت الناس كتابا في الثوري. انظر تاريخ بغداد "10: 311" وسير أعلام النبلاء "514:8" وتهذيب التهذيب "34:7" وتقريب التهذيب "373". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 حَفِيظٌ عَلِيمٌ} حافظ للحساب، عليم بالألسن1. ثم اختار القول الأول وهو قول قتادة وابن إسحاق. بينما يظهر من كلام الشيخ استفادته من كلا القولين، وعدم قصره العلم على جانب دون جانب. ومن ذلك أيضاً تعليله قول يعقوب عليه السلام: {يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} الآية2: أنه خاف عليهم من العين3. وهذا التعليل الذي ذكره وردعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين4 ومن سيره على منهج السلف، أنه يبنى استنباطاته أحياناً على تفسيراتهم وأقوالهم فمن ذلك قوله مستنبطاً من قول الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5 معرفة أن لا إله إلا الله عمل6. ووجه ذلك أنه قد ورد عن بعض السلف كأنس ومجاهد أن المراد بقوله: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي عن لا إله إلا الله7. فاستنبط الشيخ من ذلك أن لا اله إلا الله عمل، مشيراً بذلك إلى أن العقيدة كما هي اعتقاد وقول فهي عمل أيضاً. ومن ذلك قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} 8 الإيمان بالقدر9.   1 انظر تفسير الطبري "13: 5". 2 سورة يوسف: آية "67". 3 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "163". 4 انظر تخريج الأقوال في موضعه من التحقيق ص "363". 5 سورة الحجر: الآيتان "92، 93". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "196". 7 انظر تخريج الأقوال في موضعه من التحقيق ص "421". 8 سورة الحجر: آية. "12". 9 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "185". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ووجه ذلك أنه وردعن بعض السلف كابن جريح والحسن وابن زيد:- أن المراد كذلك نسلك الكفر والتكذيب في قلوب المجرمين1. وهذا هو القدر فنص الشيخ على هذا الركن من أركان الإيمان الذي دلت عليه الآية، وهو ما ذهب إليه من ذكر من السلف وغيرهم. فتبين بما سقته من أمثله أن تفسير الشيخ واستنباطاته ليست بمعزل عن تفسيرات السلف واستنباطاتهم وإنما هو مقرر لها ومؤكد ودائر في إطارها. ولله الحمد والمنة.   1 انظر تخريج الأقوال في موضعه من التحقيق ص "405". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة ... الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره ويشتمل على ستة فصول: الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره. ويشتمل على ثلاثة مباحث:- المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة. المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بينها من خلال تفسيره. ويشتمل على مطلبين. المطلب الأول: اهتمامه ببيان أنواع التوحيد من خلال تفسيره. المطلب الثاني: اهتما عه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره. المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من خلال تفسيره. الفصل الثاني: اهتمام الشيخ في تفسيره بالردود على المخالفين. الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسيره. الفصل الرابع: اهتمامه بالفقه والتأصيل في تفسيره. ويشتمل على مبحثين:- المبحث الأول:- اهتمامه بالفقه في تفسيره. المبحث الثاني:- اهتمامه بالتأصيل في تفسيره. ويشتمل على مطلبين:- المطلب الأول:- اهتمامه بالتأصيل العام في تفسيره. المطلب الثاني:-، اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره. الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به. ويشتمل على أربعة مباحث:- المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به. المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها. المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص عنده. المبحث الرابع: موقفه من القصص الإسرائيلي. الفصل السادس: ما ذكره الشيخ من علوم القرآن في تفسيره. 1- القراءات. 2- فضائل القرآن. 3- علم قصص القرآن. 4- علم أسباب النزول. 5- علم النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره. المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة. عقيدة الشيخ رحمه الله عقيدة سلفية، متمشية مع نصوص كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم". وأهم الشروط لأي تفسير ليلاقي القبول، ويؤثر في القلوب التأثير المستقيم، المثمر للعمل الصالح، أن يكون مبنياً على أسس ثابتة قوية، يكون في مقدمتها النظرة العقدية الصحيحة لنصوص كتاب الله عز وجل، ووضعها في مواضعها، وإجراؤها في مجراها الصحيح. وقد تميز تفسير الشيخ بهذه الميزة تميزاً واضحاً، على الرغم من منحى الاختصار الذي ينحاه الشيخ، ولذلك كان تفسيره من التفاسير الموثوق بها عند أهل الاعتقاد الصحيح، كبقية تفاسير السلف التي توافرت على السير على الأسس العقدية الصحيحة، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" وأسس قواعدها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" على هدى وبصيرة من الله، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1. وقد ركز الشيخ "رحمه الله" على العقيدة تركيزاً بالغاً، لأهميتها ومنزلتها العظيمة في الدين، ولما رأى من أحوال كثير من الناس الشركية والبدعية فكان لزاماً عليه، وقد صمم على القيام بمهمة الدعوة إلى الله على بصيرة أن يركز على هذا الأساس العظيم، الذي جهله فئام كثيرة من الناس وتجاهله آخرون فلم يعبؤوا به، ولم يرفعوا به رأساً، ولم يهتموا به، استكبارًا أو إعراضاً أو استهانة، أو غير ذلك: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 2. ومن ألقى نظرة على مؤلفات الشيخ، أو فتاويه، أو رسائله ومكاتباته، يظهر له تركيز، على حذا الجانب جلياً واضحاً.   1 سورة يوسف: آية "108". 2 سورة الرعد: آية "33" وسورة الزمر: آية. "23". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وحيث إن أهم الأغراض التي وردت في كتاب الله تعالى بيان وحدانية الله عز وجل وتفرده، بالربوبية والألوهية والكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته، ترسيخاً للعقيدة، وحماية لجنابها، وذباً عنها، فلا تكاد تخلو سورة من سور الكتاب العزيز من مبحث عقدي أو إشارة عقدية، فقد اهتم الشيخ بهذا الجانب، فكان يركز في تفسيره واستنباطاته عليه، ويسعى من خلال ذلك لإيضاح العقيدة، وترسيخها، والذب عن حياضها وحماية جنابها، والتحذير مما يناقضها أو يقدح فيها شارحاً للآيات، ومستدلاً بها، ومستنبطاً منها. وفي الحقيقة أنه لا يمكن للمنصف فصل العقيدة عن التفسير، إذ أن أساس معرفة تفصيلات العقيدة هو كتاب الله، والتفسير إيضاح لمعاني كلام الله عز وجل. ومن هنا نجد آن الشيخ ربط بين العقيدة والتفسير كما هو المنهج الصحيح، ويتضح تمام هذا الربط جليا في كتابه المشهور "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، ويجد ربي وأنا بصدد دراسة منهج الشيخ في الاهتمام بالعقيدة من خلال تفسيره آن أدلل على هذا الاتصال والربط بإلقاء نظرة سريعة على هذا الكتاب القيم، فإن عنوان هذا الكتاب دال على مضمونه، وهو أنه كتاب يبحث في إيضاح التوحيد وتحقيقه وتجريده. ومع هذا ففي الكتاب ملامح تفسيرية واضحة أذكر منها ما يلي: 1- ترجمته بالآية القرآنية أو الآيات وجعلها عنوانا لما يندرج تحتها، ودليلا لما يراد إثباته في هذا الباب، ومثل هذا لا يكون إلا بعد فهم الآية المترجم بها، فإن تراجم الأبواب لها أهمية كبيرة، ولهذا اهتم العلماء بمثل هذه التراجم ومراد المترجم منها في هذا الموضع، وبهذه الصياغة سواء في هذا الكتاب أم في غيره من الكتب، وأفردوها بالمصنفات. وقد ترجم الشيخ لاثني عشر بابا بآيات قرآنية، عدا ما أورده من آيات هي جزء من الترجمة ومن أمثلة ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قوله1: باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2. ويوضح الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وجه إيراد المصنف لهذه الآية في هذا الموضع، وغرضه من ذلك- ويتضح منه مدى فهم الشيخ محمد لها- فيقول: أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عبد من دون الله، فإذا كان هذا حالهم مع الله تعالى، وهيبتهم منه، وخشيتهم له، فكيف يدعوهم أحد من دون الله؟ وإذا كانوا لا يدعون مع الله تعالى، لا استقلالا ولا وساطة بالشفاعة فغيرهم ممن لا يقدر على شيء من الأموات والأصنام أولى أن لا يدعى ولا يعبد. ففي الرد على جميع فرق المشركين الذين يدعون مع الله من لا يداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم ... إلى آخر ما قال "رحمه الله" 3. وفى هذا إيضاح تفسير لما يشاكل هذه الآية من الآيات المتعلقة بالدعاء. كم أن ما يورده الشيخ من آيات أخر، وأحاديث وغير ذلك في الباب دال على وجه فهمه لهذه الآية المترجم بها. 2- إيراده لأكثر من آية في الباب الواحد. وهذه الآيات يبين بعضها بعضاً ويوضح معناه ووجهه فهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن كما أن هذا الإيراد أيضاً يمكن أن يلحق بالتفسير الموضوعي وذلك أنها آيات من مواضع متعددة في القرآن وقد جمعت لاشتراكها في إيضاح موضوع واحد وإن كان ذلك غير شامل لجميع الآيات في الموضوع أحياناً. ومن أمثلة ذلك:- قوله- باب الشفاعة4. وقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ   1 مؤلفات الشيخ/القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد باب "15" ص "48". 2 سورة سبأ: آية "23". 3 تيسير العزيز الحميد: ص "263، 364". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة كتاب التوحيد ص "51". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} 1. وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 2. وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 3. وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 4. وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} الآيتين5. فهذه الآيات قد تضافرت في بيان موضوع واحد وهو موضع الشفاعة فيتحمل من مجموعها المذهب الصحيح في الشفاعة نفياً وإثباتاً. وقد أوضح ابن تيمية ذلك بقوله الذي أورده الشيخ تعقيباً على هذه الآيات فقال: قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} إلى آخره6. 3- إيراده الأحاديث المفسرة للآيات المتقدمة عليها، وهذا من قبيل تفسير القرآن بالسنة، وكثيرا ما يورد ما يكون سببا لنزول الآية، والعلم بالسبب يعين على فهم المسبب. ومن أمثلة ذلك:   1 سورة الأنعام: آية "51". 2 سورة الزمر: آية "44". 3 سورة البقرة: آية "255". 4 سورة النجم: آية "26". 5 سورة سبأ: آية "22، 23". 6 سورة الأنبياء: آية "28". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قوله: باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء1. وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 2. وعن أبى مالك الأشعري "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة", وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" رواه مسلم3. ولهما عن زيد بن خالد "رضي الله عنة" قال: صلى لنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ ", قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" 4. ولهما من حديث ابن عباس معناه وفيه: قال بعضهم: لقد مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآية {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ} 5.أ. هـ. فقد أوردهنا قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} والمعنى: وتجعلون   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "85". 2 سورة الواقعة: آية "82". 3 رواه مسلم في صحيحه/كتاب الجنائز/باب التشديد في النياحة "2: 644"ح "934". 4 رواه البخاري في صحيحه/ في مواضع منها/ كتاب الاستسقاء، باب قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} انظر الفتح "2: 606" ح "1038" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب بيان كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا "83:1" ح "71". 5 رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب بيان كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا "1:84" ح "73" وأخرجه في صحيح البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 شكركم أنكم تكذبون1. ثم أورد سبب نزول هذه الآية، وهو معين على فهم شيء من ذلك التكذيب المقصود في الآية، وهو قول بعضهم: مطرنا بنوء كذا وكذا في مقابل هذه النعمة، فأتضح معنى الآية بإيراد الأحاديث المتعلقة بها تحتها. 4- إيراده بعض أقوال السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم، المبينة لمعنى في الآية، وهذا داخل ضمن التفسير بالمأثور. فمن أمثله ذلك: - أنه أورد في باب "قول الله تعالى": {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 2. قول ابن عباس في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} 3 قال: المودة4. - وأورد في باب "من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله" 5 وقول الله تعالي: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 6. ثم قال: قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم 7. - وأورد في باب "قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} الآية" 8.   1 ورد هذا التفسير في حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد في مسنده "108:1" والطبري في تفسيره "208:27" والترمذي في جامعه/ كتاب التفسير / باب "ومن سورة الواقعة" "401:5" ح "3295" 2 سورة البقرة: آية "165" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "88". 3 سورة البقرة: آية "166". 4 أخرجه الطبري في تفسيره "71:2". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "96". 6 سورة التغابن: آية "11". 7 أخرجه الطبري في تفسيره "123:38". 8 سورة النحل: الآية: "83" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "108". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 قول مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي1. وقول عون بن عبد الله: لولا فلان لم يكن كذا2. ثم أردف بقول غير هؤلاء فقال وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا3. وقال أبو العباس: بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه وإن الله تعالى قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" الحديث- وقد تقدم4- وهذا كثير في الكتاب والسنة يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به. وقال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثيرة. فقد أورد هنا بعض النصوص المفسرة للآية. من أقوال السلف. 5- النص ضمن مسائل الباب الواحد على تفسير الآيات المذكورة. فإن كان تفسيرها قد أتضح فبها ونعمت، وإلا فيرجع إلى تفسيرها الصحيح لأنه معين على فهمها، واستنباط الشاهد للباب منها. وأمثلته كثيرة فكل باب ترجم له بآية نص في المسائل المستنبطة على التفسير بقوله: فيه مسائل: الأولى: تفسير آية كذا وكذا أو نحو ذلك. ومن أمثلته: - قوله "باب من الشرك إرادة الإنسان عمله الدنيا" 5. وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآيتين6. ثم أورد حديث أبي هريرة المرفوع: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم" الحديث7.   1 تفسير الطبري "14: 158". 2 تفسير الطبري "14: 158". 3 انظر غريب القرآن لابن قتيبة ص "248". 4 انظر ما تقدم ص "130". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "100". 6 سورة هود: آية "15، 16". 7 تقدم تخريجه ص "82". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ثم قال: فيه مسائل: الأولى: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة. الثانية: تفسير آية هود. 6- الاستنباط من الآيات وهو داخل ضمن منهجه الاستنباطي من القرآن الكريم ومن أمثله ذلك قوله: "باب من الشرك آن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره" 1 وقول الله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الآية2. وقوله: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} الآية3. وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآيتين4. وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} 5. وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي "صلى الله عليه وسلم" منافق يؤذى المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله "صلى الله عليه وسلم" من هذا المنافق، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": "أنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله" 6. فيه مسائل: الأولى: أن عطف الدعاء على الاستقامة من عطف العام على الخاص. الثانية: تفسير قوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} . الثالثة: أن هذا هو الشرك الأكبر. الرابعة: أن أصلح الناس لو يفعله إرضاء لغيره صار من الظالمين. الخامسة: تفسير الآية التي بعدها.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "42". 2 سورة يونس: آية "107،106". 3 سورة العنكبوت: آية "17". 4 سورة الأحقاف: آية "6،5". 5 سورة النمل: آية "62". 6 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "159:10". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 السادسة: كون ذلك لا ينفع في الدنيا مع كونه كفرا. السابعة: تفسير الآية الثالثة. الثامنة: أن طلب الرزق لا ينبغي إلا من الله، كما أن الجنة لا تطلب إلا منه. التاسعة: تفسير الآية الرابعة. العاشرة: أنه لا أضل ممن دعا غير الله. الحادية عشرة: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه. الثانية عشرة: أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو للداعي، وعداوته له. الثالثة عشرة: تسمية تلك الدعوة عباده للمدعو. الرابعة عشرة: كفر المدعو بتلك العبادة ... وهكذا. وبهذا يتضح ما أردت إيضاحه من الملامح التفسيرية في هذا الكتاب العظيم. هذا وبعد إيضاح الملامح التفسيرية في كتاب التوحيد، والتي يتضح منها تمام ربط الشيخ بين العقيدة والتفسير أعود فأقول: إن تركيز الشيخ على العقيدة في تفسيره يتجلى في اختياره السور والآيات ذات الملامح العقدية الهامة، حتى تكون أساسا لفهم ما يشاكلها في القرآن كله مما يتعلق بموضوع نفسه. فمن السور التي قصرها "سورة الفاتحة" حيث توسع في تفسيرها أكثر من غيرها، وبرز فيها واضحاً تركيزه على العقيدة، وترسيخها، وحماية جنابها من خلال الفهم الصحيح، لآيات هذه السورة العظيمة، وهي سورة لا يخفى شأنها وأهميتها ويكفي أنها "أم الكتاب". ومن تلك السور سورة "النحل" وهى مليئة بالمباحث العقدية. فمنها ما يتعلق بالإشارة إلى اليوم الآخر وتنزيه الله عز وجل نفسه، وتعاليه عن الشرك: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1. وفيها ذكر تنزيله تعالى الملائكة بالأمر بوحدانية الله تعالى وتقواه {يُنَزِّلُ   1 سورة النحل: آية "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} 1. كما أن السورة تعرضت لذكر ربوبية الله عز وجل، والآيات الدالة عليه، كخلقه السماوات والأرض، وخلقه الإنسان من نطفه فإذا هو خصيم مبين، وما خلقه عز وجل لعباده من النعم في البر والبحر {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2. كما تعرضت السورة لبعض مباحث الرسالة: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3. الآية. إلى غير ذلك من المباحث التي نص الشيخ على كل جزئيه منها في استنباطاته ولست هنا بصدد ذكر تلك الاستنباطات، وإنما أكتفي بالإشارة إلى كثرة المباحث العقدية في هذه السورة المختارة. ومن تلك السور المختارة سورة "الزمر" و"الجن" والمدثر" والإخلاص" والمعوذتين" وفي كل سورة من هذه السور تعلق وثيق بالعقيدة وشمول لمعظم المباحث العقدية. فلعله لهذا اختارها الشيخ للتفسير ليفسر ما يشاكلها من السور والآيات ذات الموضوع نفسه على ضوئها. كما أن تركيز الشيخ على العقيدة في تفسيره كما يتجلى في اختيار السور المفسرة فكذلك الحال بالنسبة للآيات المفسرة، بل قد يكون ذلك أوضح. فمن الآيات المختارة للتفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآيتين4. فقد أوضح الشيخ رحمه الله أهمية هذه الآيات، واتصالها المباشر بالعقيدة   1 سورة النحل: آية "2". 2 سورة النحل: الآيات "5- 8". 3 سوره النحل: آية "36". 4 سورة آل عمران: آية "79، 80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 بما فيها من تقرير الإخلاص لله، والبراءة من الشرك، وما فيها من بيان حال الدعاة المصلحين، من الأنبياء وأتباعهم مع أقوامهم، فقال رحمه الله بعد ذكر الآيتين السابقتين:- إذا عرفت أن سبب نزولها قول أهل الكتاب "نحن مسلمون نعبد الله إلا إن كنت تريد أن نعبدك"1 عرفت أنها من أوضح ما في القرآن من تقرير الإخلاص والبراءة من الشرك، ومن أعظم ما يبين لك طريق الأئمة المهديين من الأئمة المضلين، وذلك أن الله وصف أئمة الهدى بالنفي والإثبات، فنفى عنهم أن يأمروا أتباعهم بالشرك بهم، أو بالشرك بالملائكة والأنبياء وهم أصلح المخلوقات، وأثبت أنهم يأمرون أتباعهم أن يصيروا ربانيين، فإذا كان من أنزله الله بهذه المنزلة لا يتصور أن يأمر أتباعه بالشرك به ولا بغيره من الأنبياء والملائكة فغيرهم أظهر وأظهر. وإذا كان الذي يأمرهم به كونهم ربانيين، تبين طريقة الأنبياء وأتباعهم من طريقه أئمة الضلال وأتباعهم. ومعرفة الإخلاص والشرك، ومعرفة أئمة الهدى وأئمة الضلال أضل ما حصل المؤمن2. إلى آخر ما يتعلق بهذه الآية من استنباطات معظمها استنباطات عقدية هامة، نابعة من فهم صحيح للآيات المختارة. ثم بعد الآيتين السابقتين تعرض لتفسير آيتين تاليتين لهما وهما قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الآيتين3. وفيهما تقرير نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" والبشارة به في الكتب السابقة. يوضح الشيخ هذا وغيره بقوله:- فيه- أي فيما ذكر من الآيتين- ما هو من أبين الآيات للخاص والعام، وكونه "صلى الله عليه وسلم" مذكوراً مبشرا ًبه   1 سيأتي تخريجه في موضعه ص "263". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "45، 46". 3 سورة آل عمران: آية "81، 82". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 في كتب الأنبياء، وفيه حجة على أن دعوته عامة في الظاهر والباطن، وفيه أن الإيمان به لا يكفي عن نصرته، بل لا بد من هذا وهذا، وفيه أخذه تعالى الميثاق على الأنبياء بذلك، دليل على شدته إلا على من يسره الله عليه، وفيه أن من آتاه الله الكتاب والحكمة أحق بالانقياد للحق إذا جاء به من بعده، بخلاف ما عرف من حال الأكثر من ظنهم أنه لو اتبعه غيرهم فهو نقص في حقهم وفيه مزيد التأكيد بقوله: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} . وفيه إشهادهم مع شهادته سبحانه، وفيه أن من تولى بعد ذلك فجرمه أكبر، وفيه أن الآخر مصدق لما معهم لا مخالف له1. ومن الآيات التي اختارها للتفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} إلى قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} 2. وفيها يتجلى الولاء والبراء، والالتجاء إلى الله والاعتصام به من قبل إبراهيم: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 3. وما تفضل الله به على عبده الحنيف الموحد، ومن سار على نهجه في التوحيد،: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا ... } الآيات4. فيستنبط الشيخ من هذه الآيات، التي قصت عليت ما جرى بين إبراهيم وقومه فيقول: القدح في حجتهم، لأن السواد الأعظم ليس لهم حجة إلا هي، فيدل على الرسوخ في مخالفتهم بالأدلة اليقينية، لقوله: {إِنِّي   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "46، 47". 2 سورة الأنعام: الآيات "74- 90". 3 سورة الأنعام: الآية "80". 4 سورة الأنعام: آية "83". وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1. وينبه الشيخ في ما أشارت إليه الآيات من البراء فيقول: براءته من شركهم، نفي أولا كونها "تستحق" 2، ونفى ثانيا عن نفسه الالتفات إليها. - تصريحه بما ذكر، ولم يدار مع كثرتهم ووحدته. - تصريحه بالبراءة منهم بقوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3. ويقول الشيخ مستنبطاً من الآيات إنعام الله على عباده الموحدين:- - أن العلم بدلائل التوحيد، وبطلان الشبه فيه، يرفع الله به المؤمن درجات. - معرفة آن الرب تبارك وتعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها. - كونه عليم بمن هو أهل لها كما قال تعالى: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} . - ذكر نعمة على إبراهيم بذريته التي أنعم عليهم بالهداية. - أن العلم والهداية أفضل النعم لقوله: {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} . - هدايته لمذكورين أصولهم وفروعهم ومن في درجتهم. - ذكر الذي هداهم الله إليه وهو الصراط المستقيم. وهو المقصود من القصة4. ومن الآيات التي اختارها الشيخ للتفسير أيضاً قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5. وفى هاتين الآيتين يتضح حال من لم يرد بعمله وجه الله تعالى، بل أراد عرضاً زائلاً، وأن ذلك سبب لحبوط عمله وخسرانه في الآخرة، والعياذ بالله. وقد ذكرنا ما ذكره الشيخ من أقوال السلف في ذكر الأقسام المندرجة تحت هذه الآية6.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "64". 2 في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة التي أطلعت عليها "لا تستحق" وهو خطأ. 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "65". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "66،67". 5 سورة هود: آية "15،16". 6 انظر ما تقدم ص "84-81". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وللشيخ رحمة الله مقدرة فائقة في استنباط المسائل العقدية من الآيات، وكيف لا وهو حامل لواء تجديد العقيدة الإسلامية التي خالطت روحه وفكره وثقافته، فتراه حتى في الآيات المتعلقة بالقصص القرآني يركز على الجانب العقدي، وإيضاح ما يستفاد من دروس عقدية من القصة، فلا يقف عند مجرد سرد أحداث القصة القرآنية كما درج عليه كثير من المفسرين، وذلك أن العقيدة واحدة لم تتغير بتغير الأمم، ولاشك أن الهدف من القصص هو العظة والعبرة، لا مجرد سرد الأحداث وسيأتي- إن شاء الله- مزيد تفصيل لمنهج الشيخ في القصص القرآني. واكتفى هنا بذكر مثال واحد يتضح به ما ذكرت. فقد قال الشيخ مستنبطاً من قصة آدم وإبليس1: وفي القصة فوائد عظيمة وعبر لمن اعتبر بها، منها: أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع، وعلى قدرته سبحانه، وعظمته، ورحمته، وعقوبته، وإنعامه، وكرمه، وغير ذلك من صفاته. ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" خاصة، ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم، ومنها: الدلالة على القدر خيره وشره، فقد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل، ومنها: وهى أعظمها أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب، وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره. وذلك من قصة إبليس، وما كان فيه أولا من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله "صلى الله عليه وسلم": "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع" إلى آخره2. والشيخ رحمه الله لم يكتف بالامتثال منه وكفى، بل دعا غيره إلى إتباع الحق والتمسك به ونبذ ما يخالفه من البدع والأهواء، وهذا وأضح تمام الوضوح في تفسيره. فقد كان يهتم كثيراً بإيضاح العقيدة، ويرى أنها روح الإسلام وجوهره، بل هي الدين كله. فانظر إلى كلامه حيث يقول وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالعبادة كمال المحبة وكمال الخضوع. والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، فالأول التبرؤ من الشرك والثاني لتبرؤ من الحول   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "84". 2 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب القدر/ باب "1" انظر الفتح "1 486:1" ح "6594" ومسلم في صحيحه/ كتاب القدر/ باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ... "2036:4" ح "2643". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 والقوة، فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي إياك نوحد، ومعناه أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحدا، لا ملكا، ولا نبياً ولا غيرهما كما قال للصحابة: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. فتأمل هذه الآية. واعرف ما ذكرت لك في الربوبية أنها التي نسبت إلى "تاج" و"معمد بن شمسان" 2 فإذا كان الصحابة لو يفعلونها مع الرسل كفروا بعد إسلامهم، فكيف بمن فعلها في تاج وأمثاله؟ وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذا فيه أمران: أحدهما: سؤال الإعانة من الله، وهو التوكل والتبريء من الحول والقوة، وأيضاً طلب الإعانة من الله كما مر أنها من نصف العبد3.أ. هـ. فانظر إلى كلامه "رحمه الله" عند تفسير هذه الآية العظيمة التي تضمنت الدين كله كما قال، حيث إن العلاقة بين المخلوق والخالق عبادة من المخلوق للخالق، وتكرم بالعون من الخالق للمخلوق، فنصرف لله وحده ماله من العبادة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ونسأله التفضل علينا بالعون في جميع الأمور، ونتوكل عليه سبحانه، فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ومن هنا كان الدين كله يرجع إلى هذين المعنيين كما قال الشيخ.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "16". 2 هما رجلان سلك الناس فيهما- في ذلك الزمن - سبيل الطواغيت، ورفعوهما إلى مقام الألوهية بل الربوبية. أما محمد بن شمسان فقد كان له أولاد يأمرون الناس ويندبونهم لينذروا اله ويعتقدوا فيه الولاية. أما "تاج" فكان بعض الناس يعتقدون فيه الولاية، وكانوا يأتونه لقضاء حاجاتهم، وكان هو يأتيهم من بلده الخرج إلى الدرعية لتحصيل ما تجمع من النذور، وكان أهل البلاد المجاورة يعتقدون فيه اعتقاداً عظيماً، فخافه الحكام، وهاب الناس أعوانه وحاشيته. وزعموا أنه أعمى وأنه يأتي من بلده من غير قائد. وغير ذلك من الحكايات والاعتقادات التي ضلوا بسببها عن الصراط والمستقيم. انظر: روضه الأفكار "226،216،188،178،155،130:1" وتاريخ نجد "المحرر 1:12" والرسائل الشخصية ص "52، 75، 172، 240". وتحقيق الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي لسورة الفاتحة ص "45" الطبعة الخامسة. 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "16". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وقد أوضح الشيخ كلا المعنيين هنا بينما اختصر القول في موضع آخر في الاستنباط من هذه الآية واكتفى بقوله: فيها التوحيد. وهذا جري على منهجه الاستنباطي المعروف فاكتفى بهذه الكلمة الفذة الشاملة عن كلام كثير جداً لو سطره لوسع مجلدات كما فعل ابن القيم من قبل في كتابه "مدارج السالكين بين مراتب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ". ولكن الشيخ "رحمه الله" كما هو معهود عنه من كتاباته ومؤلفاته يهدف إلى الاختصار، والنص على أصول المسائل المفيدة من أقصر طريق، وإن كان يرى أن الموضوع وأسع جدا، ومما يؤيد هذا أن الشيخ بعد أن استنبط من الفاتحة بعض المسائل المختصرة قال في آخرها: آيات الفاتحة كل آية منها لو يعلمها الإنسان صار فقيهاً، وكل آية قد أفرد معناها بالتصانيف1. وإضافة إلى بيان الشيخ للعقيدة وأسسها من خلال تفسيره، فإنه يبين أحياناً أهمية بعض المسائل بطريقة ما كأن ينص على أهميتها، أو يتعجب من عظمها، أو غفلة الناس عنها إن كانت حسنة أو انغماسهم فيها إن كانت خلاف ذلك. ولاشك أن مثل هذا الأسلوب يحدو بالقارئ إلى آن يقف عند هذه المسألة وقفة ليتمعن فيها، ويتأثر بما تأثر به الشيخ منها. وأمثلة ذلك كثيرة جدا فمنها: قوله عند تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فمن عرف تفسير هذه الآية وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم مع أنه سبحان مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة، التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، ودخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها! فأين هذا المعنى والإيمان بما صرح به القرآن مع قوله "صلى الله عليه وسلم": "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً" 2. من قول صاحب البردة:   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "19". 2 انظر تخريجه فيما يأتي في قسم التحقيق ص "338". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تجلي باسم منتقم فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم إن لم تكن في معادي أخذاً بيدي ... فضلا وإلا فقل يازلة القدم فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، ممن يدعي أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن. هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1 وقوله: "يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئاً " 2؟! لا والله. لا والله. لا والله 3 .... ومن ذلك قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 4. حيث يقول:- المسألة العظيمة الكبيرة وهى الاستدلال بصفات الله على ما أشكل عليك من القدرة، لأنه سبحانه رد عليهم ما وقع في أنفسهم من استبعاد كون الله حرمهم، وخص هؤلاء بالكرامة5. ويقول: جلالة هذه المسألة، وهي مسألة علم الله، لأنه سبحانه رد بها على الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} 6 الآية ورد بها على الكفار والجهال في هذه الآية كما ترى" 7. وقوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 8 العظيمة التي لم يعرفها   1 سورة الانفطار: آية "19". 2 انظر تخريجه في قسم التحقيق ص "338". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "14،15". 4 سورة الأنعام: آية "53". 5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "58". 6 سورة البقرة: آية "30". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "58". 8 سورة الأنعام: آية "88". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أكثر من يدعي الدين وهي مسألة تكفير من أشرك، وحبوط عمله، ولو كان من أعبد الناس، وأزهدهم1. وقوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 2حيث يقول: إبطال ما غرهم به الشيطان أن قصدهم وجه الله لا غير، وما أجلها من مسألة! 3 ومن نصه على أهمية بعض المسائل قوله في قصة يوسف: وأعظم ما فيها تقرير الشهادتين بالأدلة الواضحة4. ومن كمال نصح الشيخ "رحمه الله" أن يهتم بإيضاح المسائل التي قد يشكل أمرها على بعض الناس من خلال التفسير، لئلا يتوهم متوهم وجود اختلاف أو تعارض أو إشكال في أمر من الأمور. وقد وجد مناسبات كثيرة لهذه التنبيهات في قصة يوسف فمنها:- ما استنبطه من قوله تعالى حكاية عن يوسف قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} 5 حيث قال الشيخ- قوله: {عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} هذا فيه طلب الولاية كما قال عمر بن الخطاب لبعض الصحابة لما عرض عليه ولاية فأبى فقال: طلبها من هو خير منك، يعني يوسف "عليه السلام" ولا يخالف هذا ما ورد من النهي عن طلب الأمارة، لأن هذا في غير شدة الحاجة كما أن خالداً لما أخذ الراية يوم موته من غير إمرة مدح على ذلك6. - وقوله: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} فليس هذا مما نهي عنه من تزكية النفس   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67". 2 سورة الزمر: آية "3". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "318". 4 المرجع السابق ص "131". 5 سورة يوسف: آية "55". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "156" وانظر هذه الأخبار في موضعها من قسم التحقيق فيما يأتي ص "353". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 بل يذكر الإنسان ما فيه من الفضائل عند الحاجة إذا لم يقصد التزكية كما ورد عن جماعة من الصحابة1. وكذا قوله عند قول، الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 2 حيث قال:- تسمية الله سبحانه ذلك رحمة في قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} وهذه من أشكل المسائل على أكثر الناس، بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم، وأن التجرد من المال مطلقا هو الصواب، وبعض يظن أن عطاء الدنيا يدل على رضا الله، وكلاهما على غير الصواب. وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أو مال فجعلها طريقا إلى طاعة الله فهو ممدوح وهو أحد الرجلين اللذين يغبطهما المؤمن، وإن كان غير هذا فلا3. كما استنبط من قوله تعالى حكاية عن يوسف: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} 4. إن هذا ليس من تزكية النفس المذموم. وان هذا ليس من المن والأذى المذموم5. واستنبط مما حكاه الله عن يعقوب من قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} 6 إن الكلام إذا لم يكن فيه جزع لم يناف الشكوى7. وقال عند قوله تعالى حكاية عن يعقوب أيضاً: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 8.   1 المرجع السابق بصحيفته. 2 سورة يوسف: آية "56". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "157" وانظر قسم التحقيق ص "355". 4 سورة يوسف: آية "59". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "159"، "160". وانظر قسم التحقيق ص "359". 6 سورة يوسف: آية "84". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "169" وانظر قسم التحقيق ص "378". 8 سورة يوسف: آية "86". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 جوابه لهم عليه السلام وهو يدل على أن الشكوى إلى الله لا تنافى الصبر بل هي ممدوحة كما ذكر عن أيوب. - إخبار الرجل بنيته الصالحة إذا احتاج، أو انتفع السامع، ولا محذور في ذلك1 كما استنبط من قوله تعالى حكاية عن يوسف: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} 2 أن التبرك بذلك وإمساكه والتداوي به ليس من الشرك كما كانوا يفعلون بآثار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بل ذلك حسن مطلوب3. ومن المعلوم أن الحق والباطل في صراع دائم، وعلى الصراط دعاة يصدون عنه من آمن ويبغونها عوجا. وفي كتاب الله عز وجل من الحجج ما يقذف به الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ولحماية جناب العقيدة، والذب عن حياضها من خلال التفسير نجد آن الشيخ "رحمه الله" قد ركز على جانب الردود على أهل البدع كثيراً بنص الآيات أو بدلا لالتها وما يستنبط منها، كما سيأتي بيانه في مبحث خاص إن شاء الله تعالى4.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "170" وانظر قسم التحقيق ص "380". 2 سورة يوسف: آية "93". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "174" وانظر قسم التحقيق ص "386". 4 انظر ذلك فيما سيأتي ص "186-193". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بين لها الشيخ في تفسيره المطلب لأول: اهتمامه ببيان أقسام التوحيد من خلال تفسيره ... المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بين لها الشيخ في تفسيره كما أهتم الشيخ "رحمه الله" بالجانب العقدي في تفسيره وركز عليه في الجملة فقد نبه على كثير من المسائل عندما وجد لذكرها مجالا ومناسبة. وقد آن لي أن أبين أهم النواحي العقدية التي تعرض لها في تفسيره، وسيكون إيضاحي لهذه النواحي من خلال الاستنباط- إن شاء الله- على وجه التنبيه والإعلام والاستدلال مع الاختصار في كل ذلك ما أمكن. وأما تفصيل القول في تلك النواحي العقدية وغيرها، ومعتقد الشيخ فيها، وتقريره لها فأحيل الراغب في معرفتها إلى كتاب "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" تأليف شيخنا الدكتور: صالح بن عبد الله العبود. فقد أفاد وأجاد وفصل القول في جوانب مهمة من العقيدة، فجزاه الله خيرا، وأجزل مثوبته. وليكن أيضاً حي لأهم المباحث العقدية التي بينها الشيخ في تفسيره في مطلبين:- المطلب لأول: اهتمامه ببيان أقسام التوحيد من خلال تفسيره لقد أهتم الشيخ بهذا الجانب كثيراً وبينه وقرره واستنبط من الآيات ما يدل عليه حتى كان أظهر ما في تفسيره "رحمه الله" واليك بيانه: أولاً: اهتمامه بتوحيد المعرفة والإثبات في تفسيره. أهتم الشيخ في تفسيره بتوضيح توحيد المعرفة والإثبات وهو المشتمل على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وهو التوحيد العلمي الخبري، وذلك لأنه الأصل، فلا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه. وقد سار الشيخ في إيضاح هذا التوحيد مع كتاب الله عز وجل، حيث الإشارة إلى وحدانية الله، وكماله، وتفرده بتعريف ملكوت السماوات والأرض، وذكر الدلائل الشرعية والعقلية لتقرير هذا التوحيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ففي مجال إيضاح توحيد الربوبية: يوضح الشيخ معنى الرب في تفسير سورة الفاتحة بأنه المالك المتصرف ثم يقول:- وأما العالمين" فهو اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى، فكل ما سواه من ملك ونبي وانسي وجني وغير ذلك مر بوب مقهور يتصرف فيه، فقير، محتاج، كلهم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد1. ويستدل على توحيد الربوبية ببديهة العقل، لأن توحيد الربوبية ثابت مشهود، فيقول في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} 2 الآيات:- فإن ذلك من أعظم الأدلة على المسألة- أي الربوبية- ببديهة العقل، أن من رأى نخلا لا يتخالجه شك أن المدبر له ليس نخلة واحدة منه، فكيف بملكوت السماوات والأرض3؟! ويقول: والله من فضله أعطى الفطر ثم العقول ثم بعث الرسل وأنزل الكتب4، فمع ثبوت آيات الله الكونية الدالة عقلا على ربوبية الله تعالى إلا أن الله قد أقام الحجة على خلقه ببعث الرسل، وإنزال الكتب، لتنبيه الخلق على دلائل ربوبيته ووحدانيته وتقريرها. وقد سار "رحمه الله" في إيضاح هذا التوحيد مع تلك الآيات القرآنية الدالة على ربوبية الله تعالى، وتفرده بخلق السماوات والأرض والملكوت كله، والتفرد بالضر والنفع والتصرف فيما شاء سبحانه. فمن دلائل ربوبية الله تعالى خلق المخلوقات، والتصرف فيها، كما في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} 5. وقد ذكر الشيخ هذه الآية، ثم ذكر ما فيها من براهين دالة على الدين الحق وضده في مسائل مستنبطه وهي:   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "11". 2 سورة الأنعام: آية "75" وما بعدها. 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "64". 4 المرجع السابق ص "145". 5 سورة الزمر: آية "5". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الأولى: خلق السماوات والأرض. الثانية: أنه الحق. الثالثة: تكوير المكورين. الرابعة: تسخير النيرين. الخامسة: ذكر عزته في هذا. السادسة: ذكر مغفرته1. ثم ذكر براهين أخرى في الآية التي تليها وهي قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 2. وقد ذكر هذه البراهين في مسائل تدعو إلى التفكر وهي: الأولى: خلقنا من نفس واحدة مع هذه الكثرة. الثانية: إنزاله لنا من الأنعام هذه النعم العظيمة. الثالثة: خلقنا في البطون. الرابعة: أنه خلق من بعد خلق. السادسة: أنه في الظلمات الثلاث. السابعة: كلمة الأخلاص. الثامنة التعجب من الغلط في هذا مع كثرة هذه البراهين ووضوحها3. ومن دلائل ربوبية الله تعالى إنعامه على عباده، بالنعم، وتربيتهم بها، كما قال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ. وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} 4 فيض الشيخ على ما ذكرت هاتان الآيتان فيقول:   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير "319". 2 سورة الزمر: آية "6". 3 مؤلفات الشيخ /القسم الرابع/ التفسير ص "320". 4 سورة الأعراف: آية "10، 11". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الآية الأولى: فيها ذكر نعمته بالتمكين في الأرض. الثانية: ذكر نعمته بما فيها من المعايش. الثالثة: ذكر قلة شكرهم. وفى الآية الثانية: ذكر نعمة الخلق. الثانية: ذكر نعمة التصوير. الثالثة: ذكر نعمة أمر الملائكة بالسجود لأبينا آدم1. ويذكر الشيخ أيضاً بعض دلائل ربوبية الله تعالى من خلال الآيات كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ. وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} 2. فيذكر ما في الآية من دلائل ربوبية الله عز وجل فيقول: فيها ما جعل الله في البروج من الآيات سواء قيل: أنها النجوم، أو الكبار منها. الثانية: تزيين السماء. الثالثة: حفظها من الشياطين. الرابعة: ذكر الاستراق. الخامسة: ذكر عقوبته. السادسة: مد الأرض. السابعة: الرواسي. الثامنة: إنبات البنات.   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص "71". 2 سورة الحجر: الآيات "16- 25". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 التاسعة: كثرته، وكونه من كل شيء. العاشرة: كونه موزونا. الحادية عشرة: ذكر المعا يش. الثانية عشرة: ذكر الأنعام. الثالثة عشرة: كوننا لا نرزقهم مع كونهم لنا. واستنبط من قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} مسألتين: الأولى: فيها أن كل شيء خزائنه عنده. الثانية: إنزاله بقدر معلوم. كما استنبط من قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ... } إلى آخر الآيات ما يلي: الأولى: فيها ذكر إنعامه بإرسال الرياح. الثانية: أنها تلقح السحاب والشجر. الثالثة: إنزال الماء من السماء. الرابعة: تسهيل تناوله. الخامسة: عجزهم عن خزانته. السادسة: تفرده بالإحياء والإماتة. السابعة: أنه الو ارث. الثامنة: علمه بالمستقدم والمتأخر في الزمان وفي الطاعة. التاسعة: تفرده بحشر الجميع. العاشرة: ذكر حكمه وعلمه مع ذلك1. ويوضح الشيخ أيضاً أن من دلائل ربوبية الله تعالى، تفرده سبحانه بالضر والنفع فيقول عند قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 2.   1 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "186،187" وانظر قسم التحقيق ص "08-406". 2 سورة الأنعام: آية "80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أنهم لما خصموا رجعوا إلى التخويف كفعل أمثالهم، فذكر أنه لا يخاف إلا الله المتفرد بالضر والنفع، بخلاف آلهتهم، فذكر النفي الإثبات1. ولله تعالى مقاليد السماوات والأرض ليس لأحد فيهما شرك بل الملك كله لله سبحانه. يوضح الشيخ هذا مستنبطاً إياه من الآيات بقوله عند ذكر قصة نوح عليه السلام2: - التحقيق بكون المخلوق ليس له من الأمر شيء ولو كان نبياً مرسلاً بسبب ما فيها من قمة ابن نوح. - تبرؤ الرسل من دعوى أن عندهم خزائن الله وعلم الغيب مع أن الطواغيت في زماننا ادعوا ذلك وصدقوا وعبدوا أجل ذلك. - معرفة شيء من حكمة الله في تأديبه الرسل كما قال لنوح: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} 3. فالشيخ رحمه الله قد تمشى في إثبات ما تقدم من دلائل ربوبية الله "ووحدانيته مع كتاب الله عز وجل واكتفى بالله، والتنبيه على ما دلت عليه الآيات من الدلائل وذلك مدعاة ليجول الناظر بتفكيره في هذه الدلائل العظيمة ثم أن مجرد التنبيه على توحيد الربوبية والتذكير به كاف في إثباته لذوي العقول الإسلامية. كما أن هذا يوضح حقيقة هامة، وهي أن الشيخ يرى أن من كتاب الله ما لا يحتاج إلى شرح وتفسير بل هو واضح في نفسه، فلفظه دال دلالة ظاهرة على معناه، فالمرء بحاجة إلى لفت النظر، إلى نص كتاب الله تعالى فقط. وفي مجال توحيد الربوبية أيضاً يوضح الشيخ أنه متقرر عند الكفار عبده الأوثان ربوبية الله عز وجل فهم يعرفون ذلك معرفة مجردة. يقول الشيخ4: فالله تعالى مالك كل شيء، وهو المتصرف فيه، وهذا حق.   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "65". 2 المرجح السابق ص "124، 125". 3 سورة هود: آية "46". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "13،12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ولكن أقربه عباد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، كما ذكر الله عنهم في القرآن في غير موضع كقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 1. بل إن الكفار يعرفون بعض صفات الله عز وجل فقد استنبط الشيخ من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 2. أنه متقرر عند الكفار، عبدة الأوثان، منكري البعث، أن الله سبحانه حكيم، يضع الأشياء في مواضعها "والاشاعرة يزعمون أنه لا يفعل شيئاً لشيء3 ". ولكن الكفار لم يعبدوا الله وحده كما هو مقتضى شهادتهم بالربوبية كما قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 4. وذلك لأنهم لم يعطوا هذا التوحيد حقه، وإلا فكيف يشرك بالله من يعلم أنه هو النافع الضار؟! وكيف يؤثر على الله شيئاً من يعلم أن الملك كله لله وحده؟! وكيف يشرك بالله من يعلم أن الله يعلم السر وأخفى؟! نسأل الله السلامة. وقد أشار الشيخ إلى نحو من هذه المعاني عند قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} الآيات5. حيث ذكر بعض المسائل التي يجاوب بها من أشير عليه بشيء يصير به مرتداً ومنها: - الجواب بقوله: {أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} يعني كيف تدبر   1 سورة يونس: آية "31". 2 سورة الأنعام: آية "52". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"58". وهو يشير هنا إلى أنهم ينفون الحكمة. 4 سورة الزمر: آية "3". 5 سورة الأنعام الآيات "71-73". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 عن هذا وتقبل على هذا؟ أن الملك كله له يوم ينفخ في الصور، فكيف تؤثر عليه مالاً، أوحالاً أو جاهاً، أو غير ذلك؟!. - أنه عالم السر وأخفى فكيف لي بفعل ما تأمرني به وهو لا يغفى عليه1؟! ولهذا يبين الشيخ أن من عرف الله معرفة حقة، وعرف عظمته لم يشرك به، فيقول عند قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2. ففي الصحيح أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قرأها على المنبر وقال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه"، ثم ذكر تمجيد الرب تبارك وتعالى نفسه، وأنه يقول:- "أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم" قال ابن عمر فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قلنا ليخرن به3. ويستنبط الشيخ من هذه الآية التنبيه على سبب الشرك، وهو أن المشرك بان له شيء من جلالة الأنبياء والصالحين، ولم يعرف الله سبحانه وتعالى، وإلا لو عرفه لكفاه وشفاه عن المخلوق، وهذا معنى قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية4.   1 مؤلفات شيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "59، 60". 2 سورة الأنعام: آية "91". 3 سبق تخريجه ص "60". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "345، 346". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وأما في مجال إيضاح توحيد الأسماء والصفات: فقد اهتم به الشيخ في تفسيره، نظراً لكثرة وروده وتقريره وتأكيده في كتاب الله تعالى، فكان الشيخ تبعاً لذلك يبين هذا القسم من التوحيد، ويهتم به، ويرى أنه أصل العلوم1. فلذا يجب تعلمه والقيام بحقوقه، لأنه لا يستقيم للمرء توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية إلا بالإقرار بالصفات. وهو يسير في تفسير، لآيات الأسماء والصفات على منهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة. فعند تفسير سورة الفاتحة يبين الشيخ شيئاً مما يتعلق بالأسماء والصفات، وهو أن الله تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته فيقول: .... فذكر الله في أول هذه السورة التي هي أول المصحف الألوهية والربوبية والملك في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} كما ذكره في آخر سورة في المصحف: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد في آخر ما يطرق سمعك من القرآن، فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع، ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول، القرآن ثم في آخره إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه الصفات، فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى2. ويقول عند الكلام في موضع آخر على سورة الفاتحة أيضاً منبهاً على ما فيها مما يتعلق بالأسماء والصفات: وفي سورة الفاتحة معرفة الله على التمام، ونفى النقائص عنه تبارك وتعالى، وفيها معرفة الإنسان ربه، ومعرفة نفسه، فإنه إذا كان هنا رب فلا بد من مربوب، و، إذا كان هنا راحم فلا بد من مرحوم، وإذا كان هنا   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "372". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"11،12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 مالك فلا بد من مملوك، وإذا كان هنا عبد فلا بد من معبود، وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدى، وإذا كان هنا منعم فلا بدمن منعم عليه، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب، و، إذا كان هنا ضال فلا بد من مضل. فهذه السورة تضمنت الألوهية، والربوبية، ونفي النقائص عن الله عز وجل، وتضمنت معرفة العبادة وأركانها1. فانظر- يرحمك الله- إلى هذا النظر المستنير إلى ما تضمنته هذه السورة من مباحث تتعلق بالأسماء والصفات وغيرها، إذ أن هذه الجمل الشرطية معتمدة على فهم آيات الفاتحة ومتمشية معها، فتأمل. ومن اهتمامه باستنباط ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات من الآيات أن ميزه عن غيره من العلوم وأفرده بالذكر وقدمه عند تصنيفه لصدر سورة هود، وذكر ما فيه من العلوم حيث قال: ذكر ما في صدر سورة هود من العلوم: الأول: علم معرفة الله: الأولى2: ذكر أنه حكيم. الثانية: أنه خبير. الثالثة أنه قدير. الرابعة: أنه ذكر شيئاً من تفصيل العلم في قوله: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} 3. الخامسة: ذكر شيء من تفصيل القدرة، في قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ بعض فوائد سورة الفاتحة ص "384". 2 ليست في الأصل وزدتها للبيان. 3 سورة هود: آية "5". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 1 السادسة: خلق السماوات والأرض في ستة أيام. السابعة: كون عرشه على الماء. الثامنة: ذكر شيء من تفصيل الحكمة في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 2. التاسعة- كونه وكيلاً على كل شيء3. والشيخ من واقع منهجه السلفي يوضح أحياناً معاني بعض الأسماء والصفات الواردة في القرآن الكريم، فإن معانيها معلومة لأنها بلسان عربي مبين، أما الكيفية فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى. يقول الشيخ: "الرحمان الرحيم": اسمان مشتقان من الرحمة، أحدهما أبلغ من الآخر مثل العلام والعليم. قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما ارق من الآخر أي أكثر من الأخر رحمة. ويقول: "وأما قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالله علم على ربنا تبارك وتعالى ومعناه: الإله أي المعبود لقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} أي المعبود في السماوات والمعبود في الأرض {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} الآيتين4. وأما الرب فمعناه المالك المتصرف 5. ويقول: قوله: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 6 أي "عليم" بمن يصلح للاجتباء "حكيم" يضع الأشياء في مواضعها7.   1 سورة هود: آية "6". 2 سورة هود: آية "7". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ ص "116". 4 سورة مريم: آية "93، 94". 5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع التفسير ص "11". 6 سورة يوسف: آية "6". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "129". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ويقول: إنه الحكيم الخبير فلا يتصور أنه يشتبه عليه من يعصيه بمن يطيعه، ولا يتصور أنه يجعل من أطاعه كمن عصاه، لأنه الحكيم الخبير يضع الأشياء في مواضعها1. ويقول في تفسير سورة "الإخلاص" وما تضمنته من الأسماء والصفات: و"الأحد" الذي لا نظير له. و"الصمد" الذي تصمد الخلائق كلها إليه في جميع الحاجات، وهو الكامل في صفات السؤدد، فقوله: "الصمد" إثبات صفات الكمال. وفى قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} نفي الصاحبة والعيال. وفي قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} نفي الشركاء لذي الجلال2. وقد وضح الشيخ في تفسيره من خلال الآيات مرارا أن العلم والقدرة هما أصل الأسماء والصفات لله تعالى. فقال عند قوله تعالى"إخباراً عن إبراهيم": {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 3 ما نصه:- - سعة العلم وما قبله سعة القدرة، وهاتان هما اللتان خلق العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا لهما. - أن من ادعى معرفتهما وأشكل عليه التوحيد فعجب ولذلك قال: {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 4. ويركز من خلال الآيات أيضاً على الاستفادة العملية التي يثمرها علم الأسماء والصفات، وهي من لوازم هذا التوحيد لمن عرف معرفة حقه، فإن فائدة العلم العمل.   1 المرجع السابق ص "61" ونحوه ص "62". 2 المرجع السابق ص "387". 3 سورة الأنعام: الآيتان "79، 80". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "65" وانظر ص "366،367". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فمن أوجه الاستفادة العملية:- ما تورثه هذه المعرفة من إجلال الله وتعظيمه ومحبته، فأسماء الله سبحانه دالة على صفاته، ومعرفة صفاته مستلزمة عبادته كما قال تعالى: {وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1. فاستنبط الشيخ من هذه الآية: الأمر بالتقوى في هذا الموضع أي النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله:- والاستدلال بالأسماء الحسنى على المسألة2 وذلك أن من علم أن الله "سَمِيعٌ عَلِيمٌ" أثبت لله صفة "السمع والعلم"، فإذا آمن بهما حقا فذلك مستلزم لتقوى "السميع والعليم" ومراقبته لئلا يسمع منه ولا يعلم إلا خيرا. ومن خلال، الفهم الصحيح للآيات، والاستنباط الدقيق منها، المهتدى بالمنهج السلفي في التفسير نجد أن الشيخ يرى أن الأسماء والصفات قواعد كليه يستدل بها على جزئيات كثيرة، وأنه يستدل بها على ما أشكل على الإنسان من القدرة ونحوها، والاستدلال بصفات الله على أفعاله. فيقول مستنبطاً من قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 3. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيه:- الاستدلال بالصفات على الأفعال. والاستدلال بالقدرة على ما لا يظن وقوعه. والاستدلال بها على جعل العفو سببا لعز العافي وذل المعفو عنه. ولكن أحسن ما فيها تنبيه أعلم الناس على أشكل المسائل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 4.   1 سورة الحجرات: آية "1". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "350". 3 سورة البقرة: آية "109". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "27". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ويقول عند قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 1 ما نصه:- - المسألة العظيمة الكبيرة، وهي الاستدلال بصفات الله على ما أشكل عليك من القدرة، لأنه سبحانه رد عليهم ما وقع في أنفسهم من استبعاد كون الله حرمهم، وخص هؤلاء بالكرامة. - جلالة هذه المسألة، وهى مسألة علم الله، لأنه سبحانه رد بها على الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الآية2 ورد بها على الكفار الجهال في هذه الآية كما ترى3. ومن خلال الآيات أيضاً يركز الشيخ على جانب آخر من الاستفادة العملية من معرفة الأسماء والصفات وهو دعاء الله عز وجل بها، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، كما أمر الله عز وجل بقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 4 ولهذا ترجم الشيخ بهذه الآية في "كتاب التوحيد" فقال باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} الآية5. وكان أنبياء الله وأولياؤه يتوسلون إلى الله بأسمائه وصفاته كما أخبر عنهم فقال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 6.   1 سورة الأنعام: آية "53". 2 سورة البقرة: آية "30". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "58". 4 سورة الأعراف: آية "180". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "124". 6 سورة البقرة: الآيات "127-129". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وقد نبه الشيخ على هذا أيضاً عند قول الله تعالى إخباراً عن يوسف: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ. فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 1. فقال- استفتاحه الدعاء بربه وقوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} 2. فأشار بهذا إلى توسله إلى الله عز وجل بهذا الوصف وهو الربوبية "رب" ففيه معنى التربية والعناية، ومن كان بهذه الصفة فهو الذي يجأر إليه في الشدائد، ويدعى في الملمات، فكان من لطف هذا الرب المربي بالنعم التفضل على عبده بالإجابة، وصرف الكيد عنه وهذا من كمال عناية الرب تعالى بمربوبه. "والله أعلم ". وهكذا يسير الشيخ في بيان آيات الصفات ومعانيها وما يستنبط منها على المنهج الصحيح فيقررها، ويبين معانيها، وأهميتها، وثمرتها، ولا يحرف معانيها أو يتاولها على غير تأويلها. "ولله الحمد والمنة".   1 سورة يوسف: آية "33، 34". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "142". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ثانيا: اهتمامه بتوحيد القصد والطلب وهو توحيد الإلهية والعبادة. وقد ركز عليه في تفسيره كثيرا مستنبطاً إياه من الآيات ومقررا له. فعند قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يوضح الشيخ معنى الإله وأنه المعبود فيقول: إذا عرفت أن معنى الله هو الإله، وعرفت أن الإله هو المعبود، ثم دعوت الله أو ذبحت له أو نذرت له فقد زعمت أنه هو الله، فمن عرف أنه قد جعل "شمسان" أو "تاجا" 1. برهة من عمره هو الله عرف ما عرفت بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، فلما تبين لهم ارتاعوا، وقالوا ما ذكر الله عنهم: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2. فقد بين هنا معنى الإله وشيئاً من كيفية تحقيق العبودية لله تعالى. كما بين ضروبا من الشرك في العبودية تحذيرا منها وحماية لجناب، التوحيد. وعند قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يوضح أن العبودية كمال المحبة، وكمال الخضوع والخوف والذل، فيقول: وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . فالعبادة كمال المحبة، وكمال الخضوع، والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة، والدين كله يرجع، إلى هذين المعنيين، فالأول: التبرؤ من الشرك والثاني: التبرؤ من الحول والقوة فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي، إياك نوحد ومعناه أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحدا ل املكا مقربا ولا نبيا ولا غيرهما كما قال للصحابة، {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 3 فتأمل هذه الآية واعرف ما ذكرت لك في الربوبية أنها التي نسبت إلى "تاج ومحمد بن شمسان". فإذا كان الصحابة لو يفعلونها مع الرسل كفروا   1 انظر ما تقدم ص "140" هامش "2". 2 سورة الأعراف: آية "149" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"12". 3 سورة آل عمران: آية "80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بعد إسلامهم، فكيف بمن فعلها في تاج وأمثاله1؟. وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذا فيه أمران أحدهما: سؤال الإعانة من الله وهو التوكل، "والثاني" التبريء من الحول والقوه، وأيضاً: طلب الإعانة من الله كما مرأنها من نصف العبد 2. فقد بين هنا العبادة، وأهميتها، وان الدين كله دائر بين معاني: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ووضح معنى كل منهما. ويوضح الشيخ عند قول الله تعالى إخبارا عن قول إبراهيم لأبيه: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} 3 أن أعظم شيء عند المسلم آلهة ومعبودة فيقول: قوله: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} السؤال عن معنى الآلهه؟ فإنها جمع إله، وهو أعلى الغايات عند المسلم والكافر، فكيف يتغذ جمادا؟! وهذا أعجب وأبعد عن العقل من جعل الحمار قاضيا، لأن الحيوان أكمل من الجماد فإذا كان هذا من خشب أو حجر لم يعص الله فكيف بمن اتخذ فاسقا إلها مثل نمرود وفرعون؟! فإن كان اتخذه بعد موته فأعجب وأعجب4. ويوضح الشيخ في بداية تفسيره عند الكلام على الاستعاذة والبسملة بعض أنواع العبادة والإخلاص فيها فيقول: فمعنى "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ألوذ بالله واعتصم بالله وأستجير بجنابه من شر هذا العدو أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، لأنه أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير من صلاة أو قراءة وغير ذلك. وذلك أنه لا حيلة لك في دفعة إلا بالاستعاذة بالله لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} 5 فإذا طلبت   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "16". 2 المرجع السابق ص "8، 16". 3 سورة الأنعام: آية "74". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "64". 5 سورة الأعراف: آية "27". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به، كان هذا سببا في حضور القلب، فاعرف معنى هذه الكلمة، ولا تقلها باللسان فقط كما عليه أكثر الناس. وأما البسملة: فمعناها أدخل في هذا الأمر من قراءة أو دعاء، أو غير ذلك: "بِسْمِ اللَّهِ" لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعينا بالله متبركا باسمه تبارك وتعالى، هذا في كل أمر تسمى في أوله من أمر الدين أو أمر الدنيا فإذا أحضرت في نفسك أن دخولك في القراءة بالله مستعينا به، متبرئا من الحول والقوة، كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب وطرد الموانع من كل خير1. فقد قرر رحمه الله خلال شرح معنى الاستعاذة والبسملة معنى الاستعاذة والاستعانة والالتجاء إلى الله عز وجل والإخلاص في ذلك وبين ما يترتب عليه من عون الله وتوفيقه وحمايته لعبده. وعند قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يتعرض الشيخ لإيضاح أنواع الحمد المستغرق في الآية فيقول:- اعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري فأخرج بقوله: "الثناء باللسان" الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال فذلك من نوع الشكر، وقوله: "على الجميل الاختياري" أي الذي يفعله الإنسان با رادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا، والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ماله من الأسماء الحسنى، وما خلقه في الآخرة والأولي، ولهذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} 2 الآية، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} 3 إلى غير ذلك من الآيات.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "9". 2 سورة الإسراء: آية "111". 3 سورة الأنعام: آية "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} 1 والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه. والألف واللام في قوله "الحمد" للاستغراق، آي جميع أنواع الحمد لله لا لغيره، فأما الذي لا صنع للخلق فيه مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر والسماء والأرض والأرزاق وغير ذلك فواضح، وأما ما يحمد عليه المخلوق مثل ما يثني به على الصالحين، والأنبياء، والمرسلين، وعلى من فعل معروفا، خصوصا إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضاً بمعنى أنه خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه، وقواه عليه، وغير ذلك من إفضال الله الذي لو يختل بعضها لم يحمد ذلك المحمود فصار الحمد لله كله بهذا الاعتبار2. فقد أوضح الشيخ أولا معنى كل من الحمد والشكر والعلاقة بينهما وفصل القول في ذلك تفصيلا وافيا بالغرض وذكر أنواع الحامد ودخولها في {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . ثم بين أنها لله وحده، ووجه ذلك. وخلال تفسير الشيخ لسورة الفاتحة يذكر بضرورة حضور الذهن عند قراءتها وذلك لما تثمره في قلب صاحبها من كمال العبودية لله تعالى، إذا قرأها بتدبر لمعانيها، وما تتضمنه من الدعاء فإنه لا يستجاب الدعاء من قلب غافل. يقول الشيخ: فإذا علم العبد أنها- أي الفاتحة- نصفان: نصف لله، وهو أولها، إلى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونصف للعبد، دعاء يدعو به لنفسه وتأمل أن الذي علمه هذا هو الله تعالى، وأمره أن يدعو به، ويكرره في كل ركعة، وأنه سبحانه من فضله وكرمه ضمن إجابة هذا الدعاء إذا دعاه   1 سورة سبأ: آية "13". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "10،11". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 بإخلاص وحضور قلب تبين له ما أضاع أكثر الناس1. ومن خلال القرآن ومحاجة المعاندين به يبين الشيخ أن تلك الآيات فيها ترسيخ توحيد الألوهية والتحذير من الشرك فيه فيقول عند قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 2. إذا كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه والأئمة بعدهم قد أجمعنا أنهم ومن اتبعهم على الحق، ومن خالفهم فهو على الباطل، فنقول: هذه المسألة التي اختلفنا وإياكم فيها هل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه على قولنا أو على قولكم؟ فإذا أقروا أن دعاء أهل القبور، والبناء عليها وجعل الأوقاف والسدنة عليها من دين الجاهلية، فلما بعث الله محمدا "صلى الله عليه وسلم" ونهى عن ذلك كله، وهدم البناء الذي جعلته الجاهلية على القبور، ونهي عن دعاء الصالحين، وعن التعلق بهم، وأمر بإخلاص الدعوة لله، وآمر بإخلاص الإستعانة لله، وبلغنا عن الله أنه يقول: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 3 ومضى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه والتابعون وأتباعهم والأئمة، وأصحابهم، على ذلك ولم يحدث هذا إلا بعد ذلك "أعني دعاء غير الله والبناء على القبور، وما يتبع ذلك من المنكرات، فكيف تقرون أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه والأئمة بعدهم على ما نحن عليه، ثم تنكرونه أعظم من إنكار دين اليهود والنصارى مع إقرار كم أنه الدين الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة؟ أم كيف تنصرون الشرك وما يتبعه، وتبذلون في نصره النفس والمال مع إقراركم أنه دين الجاهلية المشركين؟!   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "8". 2 سورة البقرة- آية "140". 3 سورة الجن: آية "18". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 هذا هو الشيء العجاب لأجعل الآلهة إلهاً واحداً1. فقد بين في هذه المحاجة للمبطلين أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد بعث بالحنيفية السمحة داعياً إلى التوحيد ومحذراً من الشرك وبين ذلك واستدل له ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.   1 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "42، 43". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 المطلب الثاني: اهتمامه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره إن الناظر في استنباطات الشيخ "رحمه الله" من الآيات القرآنية يرى أنه يهتم بالنص على ما تتضمنه تلك الآيات من ركائز الإيمان وأركانه، بل يجعل ذلك من أوليات ما ينظر إليه كي يثمر العلم العمل، فإن الأعمال داخلة في مسمي الإيمان كما ذكر الشيخ عند قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} 1. وقد ذكر الشيخ عند استنباطه من قصة آدم وإبليس أن هذه القصة قد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل وذكر هذه الأصول في موضع واحد فقال 2: وفي القصة فوائد عظيمة وعبر لمن اعتبر بها، منها أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد كما استدل به سبحانه في غير موضع "وهذه دلالة القصة على الإيمان باليوم الآخر". ومنها أنها من أبين الأدلة على قدرته سبحانه وعظمته ورحمته وعقوبته و، إنعامه وكرمه وغير ذلك من صفاته "وهذه بعض دلالتها على الإيمان بالله". ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" خاصة "وهذه دلالتها على الإيمان بالرسل". ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم "وهذه دلالتها على الإيمان بالملائكة". ومنها: الدلالة على القدر خيره، وشره "وهذه دلالتها على الإيمان بالقدر". أما دلالتها على الإيمان بالكتب فلعل ذلك لكون هذه القصة، إنما أتت عن طريق الكتب، ولم يأت بها البشر من عند أنفسهم ولم يشهدها أحد منهم فدل ذلك على أن الكتاب منزل من لدن حكيم خبير كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ   1 سورة الحجرات: آية "7". وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"353". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "84". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 1. هذا وقد استنبط الشيخ في مواضع اخرى ما يتعلق بهذه الأركان الستة نصا عليها وتوضيحا لها. فأشير، إلى اهتمامه بترسيخ هذه الأركان من خلال القرآن وتفسيره. أولا: الإيمان بالله: أعظم ما نص عليه الشيخ في تفسيره، ونبه إليه، ووضحه الإيمان بالله تعالى "وقد أوضحت شيئاً من اهتمام الشيخ بهذا الجانب عند الكلام عن اهتمامه بتوحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب من خلال تفسيره ففي ذلك الكفاية فليراجع 2. ثانيا: الإيمان بالملائكة: من خلال الاستنباطات ينص الشيخ على ما يتعلق بالملائكة، وصفاتهم، ليرسخ الإيمان بهم في القلوب، وقد سبق أن ذكرت أنه ذكر في قصة آدم وإبليس الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم3، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ومن خلال القرآن يوضح شيئاً من تلك الصفات التي أجملها هنا. فمن ذلك طاعتهم لله عز وجل وسجودهم لآدم، وتواضعهم طاعة لرب العالمين، كما قال: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 4. وينص الشيخ على بعض صفاتهم فيقول: إن الملائكة لما أخبرهم الله تعالى بأنه جاعل في الأرض خليفة قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} 5 فقيل لهم ما قيل وعوتبوا بقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6   1 سورة البروج آية "21،22". 2 انظر ما تقدم ص "146" وما بعدها. 3 انظر ما تقدم ص "139". 4 سورة "ص" الآيات "71- 73" وانظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص"83،91،188". 5 سورة البقرة آية "30". 6 سورة البقرة آية "30". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فكانت توبتهم أن قالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} 1 فكان كما لهم، ورجوعهم عن العتب، وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل إلا ما علمهم سبحانه فقالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 2. وعند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 3 مما فيه تفسير لقوله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 4 يستنبط ما دلت عليه هاتان الآيتان، من صفاتهم فيقول: سجود الملائكة، وعدم استكبارهم مع شرفهم، وخوفهم منه مع ذلك، وأنهم مع ذلك الخوف كاملوا الانقياد فيما أمروا 5. ويستنبط من قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 6. الآية: أن ملك الموت له أعوان يتوفون7. ويستنبط من قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 8 أن روح القدس هو جبرائيل9. ووجه هذا الاستنباط أنه من المعلوم أن الذي ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرائيل فلما ذكر سبحانه في هذه الآية أن الذي نزله هو روح القدس علم أن روح القدس هو جبرائيل.   1 سورة البقرة: آية "32". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "94". 3 سورة النحل آية "50،49". 4 سورة التحريم: آية "6". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "213". 6 سورة النحل: آية "28". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "207". 8 سورة النحل آية "102". 9 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "228". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ويستنبط من قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} 1 أن تنزيل الملائكة بالروح بمشيئة الله لا باقتراح الخلق2. ثالثا: الإيمان بالكتب. يستنبط الشيخ من قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 3. وجوب الإيمان بجميع المنزل على هؤلاء الأنبياء، وعدم التفريق بينهم4. وينبه عند قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 5 على ما نصت عليه الآية من الأمر بأتباع المنزل إلينا، والتحريض على ذلك بأنه منزل إلينا من ربنا، والنهي عن اتباع ما سواه6. وعند قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 7 ينبه إلى ما دلت عليه الآيات من أن الحكمة من إنزال القرآن هي تثبيت المؤمنين، وهدايتهم، وتبشيرهم8. ثم يوضح عند قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ   1 سورة النحل: آية "2". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "200". 3 سورة البقرة: آية "136". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "39". 5 سورة الأعراف: آية "3". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "69". 7 سورة النحل: آية "102". 8 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "228". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 1 أن الإيمان بآيات الله يستلزم العمل ومنه ترك الكذب2. وفي هذا إيضاح الغرض من إنزال الكتب وهو الإيمان بالله المتضمن العمل الصالح. ويوضح عند قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 3 الآية: ضرورة التسليم لكتب الله، وعدم معارضتها بغيرها، ومع هذا ففي من يدعى العلم من اختار كتب السحر على كتاب الله، ويعارضون بها كتاب الله. واتباع غير كتاب الله ضلال4. ولبيان ما تقدم يقول الشيخ: إن الذي يقتصر على الوحي هو البصير، وضده الأعمى5 وذلك من خلال النظر في قوله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} 6. رابعا: الإيمان بالرسل. من خلال الفهم الصحيح لآيات كتاب الله تعالى يوضح الشيخ وجوب الإيمان برسل الله، والغرض من إرسالهم، ودلائل رسا لاتهم، وأحوالهم والواجب تجاههم، وغير ذلك مما تنص عليه الآيات فعند قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} الآية7 ينبه الشيخ على ما نصت عليه هذه الآية من عموم الرسالة لكل أمه، وأن كل أمة لها رسول يخصها، وأن بعثه الكل لأجل هاتين الكلمتين، وأنه لا بد مع الإثبات من النفي8.   1 سورة النحل: آية "105". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "229". 3 سورة البقرة: آية "102". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "23، 24". 5 المرجح السابق ص "56". 6 سورة الأنعام: آية "50". 7 سورة النحل: آية "36". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "209" وانظر قسم التحقيق ص "437،436". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ويبين الشيخ من خلال قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 1 أن كل الرسل رجال لاجني فيهم ولا أنثي، وأن كل رسول لا يرسل إلا ببينات2. ويتضح اهتمام الشيخ بالتنبيه على ما يتعلق بأحوال الأنبياء من خلال إفراده الكلام عن الرسالات بالذكر عند تصنيفه لمواضيع بعض السور أو الآيات. فعند تصنيفه لما اشتمل عليه صدر سورة هود من العلوم ذكر العلم الثالث وهو "تقرير الرسالة" 3 فذكر ما اشتمل عليه صدر هذه السورة مما يتعلق بهذا الموضوع من مسائل وهي:- الأولى: المسألة الكبرى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} 4. الثانية: أنه نذير من الله وبشير لنا. الثالثة: تقرير صحة رسالته باعتراضهم بقولهم إنها سحر مبين مع موافقتها للعقل. الرابعة: تقريرها بقولهم: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} 5. الخامسة: تقريرها بمعرفة العلماء بها. السادسة: تقريرها بالتحدي. السابعة: تقريرها بأنها الحق من الله. والسادسة مستنبطة من قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 6.   1 سورة النحل: آية "44،43". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "212". 3 المرجع السابق ص "117". 4 سورة هود: آية "2". 5 سورة هود: آية "12". 6 سورة هود: آية "13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 والخامسة والسابعة مستنبطتان من قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} 1. وعند تصنيفه لما اشتملت عليه قصة "موسى والخضر" من العلوم ذكر العلم الثاني: ما يتعلق بأحوال الأنبياء. وفيه مسائل2: "وهي مستنبطة من الكتاب والسنة على أساس أن السنة تبين القرآن". الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ "كما وقع من موسى عليه السلام حين نفى أن يكون في الأرض من هو أعلم منه"3. الثانية: أنه يجوز عليه النسيان وذلك كما نسي فتاه الحوت، ونسي هو شرط الخضر ثم اعتذر بالنسيان فقال: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت} 4. الثالثة: فضيلة نبينا "صلى الله عليه وسلم" بعموم الرسالة لقوله: موسى بني إسرائيل. الرابعة: ما جبل عليه موسى عليه السلام من الشدة في أمر الله "لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} 5. الخامسة: أنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة لقوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} 6 مع قوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} 7.   1 سورة هود: آية "17". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "252،253". 3 أنظر الكلام على هذه القصة وتخريج لم أخبارها في الفصل الخاص بدراسة القصص ص"239". 4 سورة الكهف: آية "73". 5 سورة الكهف: آية "60". 6 سورة الكهف: آية "61". 7 سورة الكهف: آية "63". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 السادسة:- ما عليه الإنسان من البشرية، ولو كان نبيا، وذلك من أدلة التوحيد وذلك من وجوه منها: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} 1. ويوضح الشيخ من خلال الآيات بعض دلائل النبوة فيقول عند قول الله تعالى لما ذكر قصة نوح {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} 2 الآية فيها: معرفة آيات رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث وافق ما قصه مع كونه لم يعلم، ولم يأخذ عمن يعلم ما عند أهل الكتاب، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه مع شدة العداوة3. وعند قوله: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 4 يقول آية النبوة وهى إخبارهم، حينئذ بهذا ثم وقع5. ويذكر الشيخ أن سورة "المسد" قد اشتملت على بعض دلائل النبوة6. ولعل من ذلك الإخبار بمصير أبي لهب وهو حي، فلم يهتد، ومات على كفره والعياذ بالله. ويستنبط من قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} 7 أن من كذب رسولا فقد كذب الرسل8. وهو يوافق ما ذكره ابن كثير في تفسيره حيث يقول: أصحاب الحجر هم ثمود الذين كذبوا صالحا نبيهم عليه السلام، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين، ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين9. ويوضح الشيخ من خلال الآيات مناقب الأنبياء، وفضائلهم، فمن ذلك قوله عند   1 سورة الكهف: آية "77". 2 سورة هود: آية "49". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "124". 4 سورة الزمر: آية "39، 40". 5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "332". 6 المرجع السابق ص "381". 7 سورة الحجر: آية "80". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "194". 9 تفسير ابن كثير "462:4" وانظر قسم التحقيق فيما يأتي ص "418". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قول الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} 1 الآية: الثناء على إبراهيم بأنه أتم الكلمات التي ابتلاه بها. قيل: إن الله لم يبتل أحداً بهذا الدين فأتمه إلا إبراهيم ولهذا قال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} 2 وأنه جازاه على ذلك بأمور منها أنه جعله إماماً، وهي مرتبة عظيمة في الدين3. وعند قول الله تعالى في شأن موسى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ} الآية4. يقول الشيخ: فيها اختصاص موسى بهذه المرتبة – وهي تكليم الله إياه- ولذلك ذكرها إبراهيم عليه السلام إذا طلبت منه الشفاعة5. وعند قول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} 6 الآية ينبه الشيخ على ما اختص به خاتم النبيين "صلى الله عليه وسلم" من عموم الرسالة فيقول: فيها معنى قوله "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" 7.   1 سورة البقرة: آية "124". 2 سورة النجم: آية "37" وهذا القول أخرجه الطبري عن ابن عباس "27: 73". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "30". 4 سورة القصص: آية "29" وما بعدها. 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "292" وحديث الشفاعة. أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التوحيد/ باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم انظر الفتح "13: 481، 482" ح "7510" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب أدنى أهل الجنة منزلة "1: 180-184" ح "193". 6 سورة الأعراف: آية "59". 7 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التيمم/ باب "1" انظر الفتح "1: 519" ح "335". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 خامساً: الإيمان باليوم الآخر. اليوم الآخر هو يوم الدين، وهو يوم الجزاء، والحساب، يقول الشيخ عند قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} معناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1 ومن قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 2. يستنبط الشيخ وجوب الإيمان بإتيان الساعة، وأن العلم بإتيانها فيه تعزية للمظلوم3. ويستدل الشيخ بالآيات وما تشير إليه من أحداث على اليوم الآخر فيقول في قصة آدم وإبليس كما تقدم: إن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد4. وذلك أن القادر على البدء قادر على الإعادة. وعند قصة أصحاب الكهف يقول: وأما دلالتها على اليوم الآخر فمن طول لبثهم لم يتغيروا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} 5. ويقول أيضاً: إن الساعة لا ريب فيها لما وقع بينهم النزاع، وذلك أن بعض الناس زعم أن البعث للأرواح خاصة، فأعثر عليهم ليكون دليلاً على بعث الأجساد6. ويستدل الشيخ بقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 7. وبقوله في شأن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 8 على عذاب القبر كما ذهب إلى ذلك جمع من   1 سورة الانفطار الآيات "17-19" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"12". 2 سورة الحجر: آية "85". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "195". 4 انظر ما تقدم "139". 5 سورة الكهف: آية "21" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص 241، 242. 6 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع / التفسير ص "246". 7 سورة الحجر: آية "1". 8 سورة غافر: آية "46". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 العلماء1. ومن قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} 2 يستنبط الشيخ أن الشرك وعدم الإيمان بالآخرة متلازمان. فإنه مع تكاثر أدلة الإلهية، ووضوحها أنكرته قلوب المشركين، فسبب ذلك عدم الإيمان بالآخرة، لاخفاء الأدلة3.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "183،313" وانظر قسم التحقيق ص "403". 2 سورة النحل: آية "22". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "205". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 سادساً: الإيمان بالقدر. يوضح الشيخ هذا الركن من خلال الآيات فيقول عند قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} 1 فهذا القدر، يهدي من يشاء ويضل من يشاء 2. وينص الشيخ على هذا الركن في آيات كثيرة ولا يخوض فيه بل يشير، إلى بعض ما يظهر من الآيات المتعلقة بالقضاء والقدر. فيقول في قصة آدم وإبليس كما تقدم: فيها الدلالة على القدر خيره وشره والقصة تفيد المعني العظيم المذكور في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه} 3 حيث أنظره الله فلم ينزع إلى التوبة، بل ازداد معصية، فهذا من عجائب القدر، كيف صدر هذا منه مع علمه وعبادته4.! ومن خلال هذه القصة يحذر الشيخ من معارضة القدر بالرأي لقوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 5 وهذه بلية عظيمة لا يتخلص منها إلا من عصمه الله، لكل مقل ومكثر6. كما يذكر الشيخ عند قول الله تعالى إخبارا عن قول إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 7: أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي من طريقة إبليس8. فيجب أن يقول المرء كقول أبويه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 9. وقد احتج به المشركون والعياذ بالله متبعين لمنهج إبليس هذا كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا   1 سورة الأعراف آية "30". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "78، 100". 3 سورة الأنفال: آية "24". 4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "73، 96". 5 سورة الإسراء: آية "62". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "85". 7 سورة الأعراف: آية "16". 8 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "73". 9 سورة الأعراف: آية "23" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص"85". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 1 ومن خلال الآيات يوضح الشيخ أن السبب يكون من العبد، ولكن الله هو الذي ينفع بمشيئته كما قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} الآية2. وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الآية3 ففي الآية ذكر مشيئة الله. وذكر السبب من العبد4.   1 سورة النحل: آية "35" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع التفسير ص "208". 2 سورة الزمر: آية "23" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "326". 3 سورة الأعراف: آية "176". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "112". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من الآيات . يسير الشيخ وراء كتاب الله تعالى في الاهتمام بالعقيدة، وترسيخها، وحماية جنابها بإيضاح ما يناقضها من الشرك أو غيره أو يؤثر فيها. ومن هنا جاءت اهتمامات الشيخ في تفسير الآيات مركزة على ما نص عليه القرآن بل إنه في بعض الأحيان يرى أن النص القرآني لا يحتاج إلى بيان فيكتفي به كقوله مثلًا في بعض المسائل قوله: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} 1 وكونه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} 2. ومن اهتمامه بحماية جناب التوحيد، من خلال الآيات القرآنية الاهتمام ببيان الشرق، والتحذير منه، وتقبيحه، ولذلك يقول عند قول الله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3. في الآيات أنواع من بطلان الشرك وتقبيحه: الأول: استفهام، لإنكار "أي أن في قوله: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ} دلالة على إنكار هذا الأمر". الثاني: كيف يؤمر بهذا لغير الله. "أي بالعبادة". الثالث: التسجيل عليهم بالجهل "أي بقوله: {أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} .   1 سورة الكهف: آية "36" 2 سورة الكهف: آية "36" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع التفسير ص "248" 3 سورة الزمر: آية "65". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الرابع: ما جاء من السمعيات أنه أوحى إليك بهذا الأمر العظيم. الخامس: أنه أوحاه إلى من قبلك. السادس: أن أقرب الخلائق منزلة لو يفعله لم يسامح. السابع: أن الحسنات وإن كثرت- إذا وجد- أي الشرك- لم يبق منها شيء. الثامن: كون ذلك المقرب لو يفعله لم يكف بطلان عمله بل صار من أولئك1. ولتبيين خطر الشرك يقول عند قول الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} 2. المسألة التي لم يعرفها أكثر من يدعي العلم، وهي مسألة تكفير من أشرك، وحبوط عمله، ولو كان أعبد الناس وأزهدهم3. ويقول عند قول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} 4. المسألة العظيمة: وهي إخبار، تبارك وتعالى أن أكثر هذا الخلق لو آمن أفسد إيمانه بالشرك، فهذه أي هذه المسألة- فساد القوة العملية5. كما ينبه أيضاً على أن في هذه الآية التنبيه على الاحتراز من اجتماع الإيمان مع الشرك المفسد، خصوصا لما ذكر أن هذا حال الجمهور6.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "339". 2 سورة الأنعام: آية "88، 89". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67". 4 سورة يوسف: الآيات "105- 107". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "178" وانظر قسم التحقيق ص "392". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "178" وانظر قسم التحقيق ص "392". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ثم يستنبط من هذه الآيات أيضاً:- احتقارهم هذا العصيان العظيم كيف أمنوا عقوبة الدنيا. وهو يدل على جهالة من أمن ذلك. وكيف آمنوا أن تأتيهم الساعة بغته وهم لا يشعرون1. وعند قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 2 يقول:- وصفهم بالشرك، وذكر أنهم يجعلون مع الله إلهاً آخر فلم يتركوا، وتقبيح ذلك في جعلهم معه ذلك كائناً من كان3. وينبه على الوعيد في قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وأنه لا يناقضه الإمهال4. وبما تقدم يتضح أن الشيخ رحمه الله يهتم كثيراً بالتنبيه على ما تضمنته الآيات مع الاختصار، مكتفياً بالبيان القرآني الوافي نصه بإيضاح عظم الموضوع وأهميته، فيكتفي الشيخ في الغالب بلفت النظر إلى ما دلت عليه الآيات من عظم الشرك، أو غيره، وذلك واضح في القرآن فمن عرف فليلزم، ومن لم يعرف فليعرف. وكما يوضح الشيخ مستنبطاً من الآيات عظم الشرك ينص على بعض أنواعه وأضربه وأسبابه، فيوضح أن من أعظم أسباب الشرك الغلو في الصالحين والجهل بعظمة الله عند قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} 5 حيث يقول معرفة أن لا إله إلا الله كما في قصة آدم وإبليس ويعرف ذلك من عرف أسباب الشرك وهو الغلو في الصالحين، والجهل بعظمة الله6. وعند قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 7.   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "178" وانظر قسم التحقيق ص "392". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "111". 3 سورة الحجر: آية "96". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "197". 5 المرجع السابق بصحيفته. 6 سورة الأعراف: آية "175" وما بعدها. 7 سورة الزمر: آية "67". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 يقول: فيها التنبيه على سبب الشرك، وهو أن المشرك بان له شيء من جلالة الأنبياء والصالحين، ولم يعرف الله سبحانه وتعالى، وإلا لو عرفه لكفاه وشفاه عن المخلوق، وهذا معنى قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية1. وعند قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} 2 يقول: إن الذين غلبوا على أمرهم قالوا: لنتخذن عليهم مسجدا فإذا تأملت ما قالوا، وأن الذي حملهم عليه محبة الصالحين، ثم ذكرت قوله "صلى الله عليه وسلم" "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة" 3 عرفت الأمر4. فيلاحظ أن الشيخ هنا قد اختصر العبارة في إيضاح سبب الشرك، واقتصر على تفسير القرآن بالسنة، لإيضاح أن تعظيم الصالحين، والبناء على قبورهم، يؤدي إلى عبادتهم من دون الله. ولاهتمام الشيخ بالتحذير من الغلو في الصالحين ترجم لثلاثة أبواب من "كتاب التوحيد" بما يحذر من الغلو في الصالحين وهي:- باب: ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين5. وقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} الآية6. وأورد حديث ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 7.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "346". 2 سورة الكهف: آية "21". 3 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الصلاة/ باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟ انظر الفتح "1: 624" ح "427" ومسلم في صحيحه ض مواضع منها/ كتاب المساجد/ باب النهي عن بناءا لمساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد "1: 375، 376" ح "528". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ تفسير ص "246" 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "56". 6 سورة النساء: آية "171". 7 سورة نوح: آية "23". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم عبدت1. وباب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده2؟! وباب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله3. ومما أورد فيه ما رواه ابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} 4 قال: كان يلت لهم السويق فعكفوا على قبره5. وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: "كان يلت السويق للحاج"6. ويوضح الشيخ أيضاً عند قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 7 أن من شروط الإيمان بالله، واليوم الآخر أن لا يشرك بعبادة ربه أحداً، ففيه التصريح بأن الشرك في العبادة، ليس في الربوبية. وفيه الرد على من قال: أولئك يستشفعون بالأصنام ونحن نستشفع بالصالحين، لأنه قال: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ، فليس بعد هذا بيان. وافتتح الآية بذكر براءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أقرب الخلق إلى الله وسيله، وختمها بقوله: {أَحَداً} 8.   1 أخرجه البخاري في صحيحه/كتاب التفسير/سورة نوح "1" باب "ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق" انظر الفتح "8: 535" ح "4920". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "60". 3 المرجع السابق ص "64". 4 سورة النجم: آية "19". 5 تفسير الطبري "58:27". 6 المرجع السابق "27: 59". 7 سورة الكهف: آية "110". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "260، 261". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ثم يوجه الشيخ النظر المتأمل إلى هذه الآية، ويبين أن معرفة بعض الفوارق بين مسائل العقيدة أساس لفهمها، فيقول واعلم رحمك الله أنه لا يعرف هذه الآية المعرفة التي تنفعه إلا من يميز بين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية تمييزاً تاماً، وأيضاً يعرف ما عليه غالب الناس، إما طواغيت ينازعون الله في توحيد الربوبية الذي لم يصل شرك المشركين إليه، وإما مصدق لهم، تابع لهم، وإما رجل شاك، لا يدري ما أنزل الله على رسوله "صلى الله عليه وسلم" ولا يميز بين دين الرسول ودين النصارى". والله أعلم1.   1 المرجع السابق ص "261". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الفصل الثاني: اهتمام الشيخ في تفسيره بالردود على المخالفين حيث أنه من أهم أغراض التفسير ومقاصده التي تعرض لها الشيخ في تفسيره الاهتمام ببيان العقيدة من خلال الآيات القرآنية، فإنه من المعلوم أن الحق والباطل في صراع دائم وأصحاب الباطل لا يفتؤون يلبسون الأمور، ويثيرون الشبهات، في محاولة لإطفاء نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون، ولذا فإنه من باب حماية المفهوم الصحيح للآيات الكريمة الرد على تلك الشبه كما يظهر التركيز على هذا الجانب في القرآن الكريم في غير موضع. ومن خلال استنباطات الشيخ يظهر اهتمامه بهذا الجانب، وإيضاح ما تتضمنه الآيات من الردود على بعض المبتدعين في التأويل والمخالفين عموماً، وقد لا تصل تلك المخالفة إلى حد الابتداع في الدين، ولكن غرض الشيخ "رحمه الله" إيضاح وجه الحق كما تفيده الآيات وتعرية ضده، وبيان عوره وزيفه، سواء أكان بدعة أم خطأ في اجتهاد. ولا تكاد تمر آية لها مساس بالتحذير من البدع إلا وينص الشيخ على ذلك الجانب منها محذراً من البدعة أياً كانت، ومقبحاً لها، حرصاً منه رحمه الله على المحافظة على الحق، ولزوم الاستقامة عليه. وقد نص على أن من القواعد الكلية أن أحكام الدين إلى الله لا إلى آراء الرجال كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} 1. ومن أمثلة استنباطه التحذير من البدع استنباطه من قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 2 النهي عن البدع، فإن في التحريض عليه- أي الاقتداء بهديهم- نهي عن ضده3.   1 سورة الشورى: آية "10" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "147". 2 سورة الأنعام: آية "90". 3 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "67". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 واستنباطه من قول الله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 1 التنبيه على بطلانها- أي المعبودات من دونه- بكونها بدعة ابتدعها من قبلكم فتبعتموهم2. ولاهتمام الشيخ بالتحذير من البدع فإنه ينص على القواعد الكلية أو شواهدها من الآيات. فمن ذلك: أ- قوله في قصة آدم وإبليس: أن فيها معرفة القاعدة من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وهي من قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} 3، فإنهم ذكروا أن معناه قطع آذان البحيرة تقرباًً إلى الله على عادات الجاهلية4. ب- وقوله ضمن الفوائد المستنبطة من قصة آدم وإبليس أيضاً بعد أن ذكر القاعدة المعروفة وهي أن كل عمل لا يقصد به وجه الله فهو باطل. ما نصه:- ومنها- أي من الفوائد- الشهادة للقاعدة الثانية وهي: أن كل عمل على غير اتباع الرسول "صلى الله عليه وسلم" غير مقبول، لقوله في القصة: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} الآية5. فقسم الناس إلى قسمين: إلى أهل الجنة وهم الذين اتبعوا الهدى المنزل من الله. وأهل الشقاق والضلال وهم من أعرض عنه6.   1 سورة يوسف: آية "40". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "146". 3 سورة النساء: آية "119". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "96". 5 سورة البقرة: آية "38" وانظر المرجع السابق ص "98". 6 المرجع السابق بصحيفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ويوضح الشيخ من خلال الآيات أنه ليس كل الشبه والبدع يجب أن يرد عليها فيقول مستنبطاً من قصة آدم وإبليس: إن الشبهة إذا كانت واضحة البطلان، لا عذر لصاحبها، فإن الخوض معه في إبطالها تضييع للزمان، وإتعاب للحيوان، مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته، وكان السلف لا يخرجون مع أهل الباطل في رد باطلهم كما عليه المتأخرون، بل يعاقبونهم إن قدروا وإلا أعرضوا عنهم. وقال أحمد لمن أراد أن يرد عليهم: اتق الله ولا تنصب نفسك لهذا فإن جاءك مسترشداً فأرشده. وهو سبحانه لما قال اللعين: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} 1 قال: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ولما قالت الملائكة ما قالت: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2 ثم بين لهم ما بين حتى أذعنوا3. وبعض استنباطات الشيخ يفهم منها أنها تتضمن الرد على أقوال مخالفة، وإن كان النص على المسائل العقدية في الوقت نفسه قد يكون تنبيهاً على خطأ المخالف في هذه المسألة، إلا أن الرد المفهوم يتجلى في بعض المسائل أكثر من غيرها فمن ذلك: أ- استنباطه من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 4 أن كل الرسل رجال، لا جني فيهم ولا أنثي5. فقد نص هنا على هذه المسألة، ويفهم من نصه هذا الرد على من يزعم خلاف ذلك وهو أن في الجن رسلاً أو في النساء. وقد صرح في موضع آخر مشابه أن في تلك الآية رداً فقال عند قوله   1 سورة ص: آية "76". 2 سورة البقرة: آية "30". 3 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "93". 4 سورة النحل: آية "43". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "212". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآية1. إنهم – أي الرسل- كلهم رجال، ففيه الرد على من يزعم أن في الجن رسلاً أو في النساء2. ب- واستنباطه من قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} 3 أنه تعالى شهيد على الجزئيات4. وهذا رد على من يزعم أن الله تعالى لا يطلع على الجزئيات، ويزعم أنه بهذا ينزه الله عن الإحاطة بالأشياء الحقيرة، مع أن كمال التنزيه في إثبات تمام العلم وشموله، وقد دل عليه آيات من الذكر الحكيم، الذي أنزله الله تعالى ليبين للناس ما اختلفوا فيه فقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 5. والرد على المخالفين في الآيات القرآنية إما أن يكون صريحا بأن تكون الآية في محاجة القوم في عقائدهم وادعاءاتهم، وإما أن يكون مستنبطاً من الآية. أما القسم الأول: فاكتفى فيه الشيخ غالباً بالتنبيه على هذا الرد المنصوص عليه بالآية وإيضاح معناه إن احتيج إلى ذلك فمن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ   1 سورة يوسف: آية "109" 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "179" وانظر قسم التحقيق ص "394". 3 سورة الأعراف: آية "7". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "70". 5 سورة يونس: آية "61". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} 1: أمره سبحانه وتعالى بمحاجتهم بهذه الحجة الواضحة للجاهل والبليد، لكن بشرط التفكر والتأمل، فيا سبحان الله ما أقطعها من حجة، وكيف يخالف من أقر بها2؟! ومن تلك الآيات قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 3. فإن الرد على المخالفين واضح بنص هذه الآية، وقد تعرض الشيخ لتوضيحه كما مر ص "165". وأما القسم الثاني: وهو الردود المستنبطة من الآيات فهذا كثير في تفسير لشيخ، وقد اهتم به لأن القسم الأول واضح، وأما هذا فيحتاج إلى فهم مذهب الخصم، ثم فهم الآية، ثم القدرة على استنباط الرد منها. ولإيراد الشيخ لهذه الردود أحوال: 1- فأحياناً يستنبط من الآية الرد على الطائفة المخالفة، أو القول المخالف مع ذكر القول المردود عليه ووجه الرد عليه من الآية. ومن أمثلة ذلك:- - قوله عند قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} 4. الأمر بالأكل من الطيبات، ففيه رد على الغلاة الذين يمتنعون عنها، وفيه رد على الجفاة الذين لا يقتصرون عليها5. وقوله أيضاً مستنبطاً من الآية نفسها: الأمر بإصلاح العمل مع الأكل من   1 سورة الأنعام: آية "41". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "53". 3 سورة البقرة: آية "140". 4 سورة المؤمنون: آية "51". 5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "270". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الطيبات، ففيه رد على ثلاث طوائف: أولهم: الآكلون الطيبات بلا شكر، والشكر هو العمل المرضي. وثانيهم: من يعمل العمل غير الخالص مثل المرائي وقاصد الدنيا. وثالثهم: الذي يعمل مخلصاً لكنه على غير الأمر1. - واستنباطه من قصة موسى والخضر الرد على منكري الأسباب، لأنه سبحانه قادر على إنجاء السفينة، وتثبيت أبوي الغلام، وإخراج أهل الكنز له بدون ما جرى2. 2- وأحياناً يذكر أن في الآية رداً على من قال: "كذا وكذا" مما به يتبين الأمر المردود عليهم فيه، ولا يعين اسم تلك الفرقة لمعرفتها، وليشمل كل من قال بتلك المقالة كما لا يبين وجه الرد من الآية لظهوره فيها. ومن أمثلة ذلك: - استنباطه من قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} 3: الرد على من قال: ما عبدتك خوفاً وطمعاً4. وهذه مقالة الصوفية الغلاة النافين لما يحب الله من خوفه والطمع في رحمته. ففي هذه الآية رد عليهم لأن الله تعالى وصف عباده في مقام الثناء عليهم بعبادتهم ربهم بالخوف والرجاء، كما قال في آية أخرى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} 5. - واستنباطه من قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "270". 2 المرجع السابق ص "259". 3 سورة الزمر: آية "9". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص "322". 5 سورة الأنبياء: آية "90". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1. الرد على من أنكر التحسين والتقبيح العقلي2. وإنكار التحسين والتقبيح العقلي من أصله هو مذهب الأشاعرة ومن وافقهم، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول وإلغاء لها في هذا3. ووجه الرد عليهم هنا: أن الفحشاء هي القبيح من قول أو فعل، والمراد بها هنا ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الطوائف بالبيت عراة، فأنكر الله هذا ووصفه بأنه فاحشة، وفحشها ظاهر بالعقل4. 3- وأحياناً يذكر أن في الآية رداً على طائفة معينة، ولا يذكر المعتقد المردود عليهم فيه ولا وجه الرد بل يترك ذلك للقارئ لما يرى من ظهوره وشهرته.. ومن أمثلة ذلك: - قوله عند قول الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 5. فيها الرد على الخوارج، والرد على المعتزلة6. ولم يوضح هنا معتقدهما الذي تضمنت الآية الرد عليهما فيه، وبالتالي لم   1 سورة الأعراف: آية "28". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "77". 3 انظر الكلام على مذهب الأشاعرة وبيان مذهب أهل السنة فيما ذكر في مجموع الفتاوى لابن تيميه "432:8- 436". 4 انظر تفسير الطبري "8: 153، 154" ومؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "99". 5 سورة الحجر: آية "2". 6 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "183". وانظر الكلام على هاتين الفرقتين ووجه الرد عليهما في موضعه من قسم التحقيق ص "401، 402". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 يوضح وجه الرد عليهما، إلا أن استنباطه هذا دال على إطلاعه على تفسير الآية وهو ما ورد أن هذا التمني من الكفار عندما يرون أهل الكبائر من الموحدين يخرجون من النار1. والخوارج والمعتزلة يزعمون أن مرتكب الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار، ففي هذه الآية رد عليهم في معتقدهم هذا كما يتضح من تفسيرها. - وقوله عند قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 2. فيها الرد على القدرية، والرد على الجبرية3. وهذا استنباط دال على النظر المتأمل في كلام الله عز وجل والاستفادة من كل كلمة منه، فوجه الرد على القدرية هنا:- أن الله تعالى أثبت في الآية أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بمقتضى عدله وحكمته. والقدرية يزعمون أن العبد يخلق أفعال نفسه، فإن شاء ضل، وإن شاء اهتدى استقلالا، كما سيأتي بيان مذهبهم في موضعه. ووجه الرد على الجبرية- أن الله تعالى أثبت لعباده عملا هم مسئولون عنه فقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . والجبرية لا يثبتون للعبد فعلا على الحقيقة بل يزعمون أنه مقهور مجبور على أفعاله فهو كالريشة في مهب الريح. وهكذا يظهر من هذه الأمثلة وغيرها اهتمام الشيخ في تفسيره باستنباط الردود على المخالفين من خلال الفهم الصحيح لآيات الكتاب العزيز، والنظر المتأمل الدقيق، مع سابق اطلاع على تفسير الآية وما قاله العلماء فيها. ومن ذلك أيضاً تطهر الشمولية لدى الشيخ في التفسير والاستنباط وعدم قصره ذلك على مجرد معاني الآيات أو الألفاظ القرآنية. والله أعلم.   1 انظر تخريج هذا الأثر في موضعه من قسم التحقيق ص "401، 402". 2 سورة النحل: آية "93". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "225،226"- وانظر الكلام على هاتين الفرقتين، ووجه الرد عليهما في موضعه من قسم التحقيق ص "455، 456". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسير الشيخ إن أظهر السمات البارزة في تفسير الشيخ رحمه الله هي الدعوة إلى الإصلاح الشامل في جميع شئون الحياة التي تكدرت بما شابها من زيف وانحراف في الأصول والفروع. ولذلك نرى أنه يسعى للربط بين الواقع وبين المعاني المفهومة من كتاب الله العزيز، نصحاً وإيضاحاً لما يشكل، وتفنيداً وتزييفاً لما يبطل، كما هو واضح من استنباطاته واهتماماته المتميزة بالنص على الفائدة. يقول رحمه الله:- اعلم رحمك الله أن الله سبحانه عالم بكل شيء، يعلم ما يقع على خلقه، وأنزل هذا الكتاب المبارك، الذي جعله تبياناً لكلى شيء، وتفصيلًا لكل شيء، وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر، ومن بعدهم كما جعله هدى لأهل القرن الأول ومن بعدهم. ومن أعظم البيان الذي فيه بيان الحجج الصحيحة، والجواب عما يعارضها، وبيان الحجج الفاسدة ونفيها، فلا إله إلا الله، ماذا حرمه المعرضون عن كتاب الله من الهدى والعلم!، ولكن لا معطي لما منع الله1. أ. هـ. وفي سبيل تحقيق الإصلاح الشامل يركز على ناحيتين عظيمتين لا تجدي إحداهما بدون الأخرى. الناحية الأولى: التركيز على القوة العلمية. وقد نال استنباط ما يتعلق بالاهتمام بالعلم الصحيح والتحذير من ضده عناية كبيرة من قبل الشيخ، ولا غرو في ذلك إذ أن استنباطاته من كتاب الله الذي وضحت فيه العناية البالغة بهذا الجانب. فقد لاحظ الشيخ هذا الجانب فاستفاد منه ودعا إليه. وقد نص في مقدمة رسالة الأصول الثلاثة على أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل2:- أولاهن: العلم ثم أورد قول البخاري رحمه الله "باب العلم قبل القول والعمل" والدليل عيه قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 3 فبدأ بالعلم   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "263". 2 مؤلفات الشيخ القسم الأول/ رسالة ثلاثة الأصول ص "185". 3 سورة محمد: آية "19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قبل القول والعمل1. ويتضح اهتمام الشيخ بما يتعلق بالقوة العلمية من خلال الآيات من خلال إفراده الكلام عن آداب العالم والمتعلم2 بالذكر عند تصنيفه لأمهات المسائل المستنبطة من قصة موسى والخضر. ومن المسائل التي استنبطها من القصة في هذا المجال: 1- أن خدمة العالم مما يرفع الله بها كما رفع يوشع. 2- تعلم العالم ممن دونه. 3- اتخاذ ذلك نعمة يبادر إليها لا نقمة يبغضها. 4- التعلم بعد الرياسة. 5- لرحلة في طلب العلم. 6- رحلة الفاضل إلى المفضول. 7- ركوب البحر لطلب العلم. 8- أدب المتعلم لقوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} إلى آخره. 9- احتمال المشاق في طلب العلم لقوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} . وإنما أهتم الشيخ بالعلم أنه هو أصل العمل، فلذا ورد التنويه بشأن العلم والعلماء في غير ما آية من كتاب الله تعالى، إذ أن العلم الصحيح بفضل الله عصمة من الزلل لمن قام بحقه. ويقرر الشيخ هذا المفهوم ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} 3 بقوله: - وجوب طلب العلم بسبب أن هذا "أي هذا الفعل" مع كونه سبباً للإحباط لا يفطن له فكيف بما هو أغلظ منه بكثير؟   1 انظر صحيح البخاري مع الفتح/كتاب العلم/ باب العلم قبل القول والعمل "1: 192". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/تفسير ص "255، 256".. 3 سورة الحجرات: آية "2". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وقوله: {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} أي لا تدرون. فإذا كان هذا فيمن لا يدري دل على وجوب التعلم والتحرز، وأن الإنسان لا يعذر بالجهل في كثير من الأمور1. والعلم الذي يرى الشيخ وجوبه على كل مسلم هو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة2. وهذا شامل لعلم الدين كله. وتركيز الشيخ على هذه العلوم والمعارف من أظهر ما في تفسيره فمن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} 3 فيه مسائل- وذكر منها- الأولى: معرفة أن لا إله إلا الله كما في قصة آدم وإبليس، ويعرف ذلك من عرف أسباب الشرك، وهو الغلو في الصالحين، والجهل بعظمة الله. الثانية:- معرفة أن محمداً رسول الله، يعرفه من عرف عداوة علماء أهل الكتاب له. الثالثة:- معرفة الدين الصحيح والدين الباطل، لأنها نزلت في إبطال دينهم الذي نصروا، وتأييد دينه الذي أنكروا4. ويبين الشيخ أن أهم مصادر العلم الصحيح هو كتاب الله تعالى فيقول مستنبطاً من قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 5. إن من أكبر آياته- أي القرآن- تصديقه لما بين يديه من العلوم التي جاءت بها الرسل، التي هي العلم النافع في الحقيقة.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "350". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ ثلاثة الأصول ص "187". 3 سورة الأعراف.: آية "175". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "111". 5 سورة يوسف: آية "111". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 - أن هذا فيه تفصيل كل شيء يحتاج إليه، ففيه العلم النافع، وفيه الإحاطة بالعلوم الكثيرة، ومع هذا يفصلها، أي يبينها. - وإنه هدى يعتصم به من الضلالة، ورحمة يعتصم به من الهلكة، فلا يضل من اتبعه ولا يشقى1. ويقول أيضاً عند قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 2. ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب أن عمر أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" بكتاب فقرأ عليه، فغضب، فقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيه لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق فتكذبونه، أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" 3. ثم يقول: والمراد بأحسن القصص القرآن لا قصة يوسف وحدها. وقوله: {تِلْكَ} أي هذه: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} الواضح الذي يوضح الأشياء المبهمة. وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي تفهمون معانيه. ثم يقول عند قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} أي الجاهلين وهذا مما يبين جلالة القرآن، لأن فيه دلالة على أن علمه صلى الله عليه وسلم من القرآن4. ويستنبط الشيخ من كتاب الله تعالى ما يتعلق بحماية القوة العلمية، وذلك بالتحذير من كتب الضلالة، فيقول عند قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "181". 2 سورة يوسف: آية "3". 3 سيأتي تخريجه في التحقيق ص "289" 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "128". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1 تعريفه سبحانه بالأحاديث المفتراة وإقبال الأكثر عليها واشتراء الكتب المصنفة بغالي الأثمان وتكبر من اشغل بها وظنه أنه أفضل ممن لم يشتغل بها وزعمه أنها من العلوم الجليلة ومع هذا معرض عن قصص الأنبياء مستحقر له زاعم أنه علم العوام الجهال2. ويقول مستنبطا من قول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 3 الآية كون أناس من أهل الكتاب إذا وقعت المسألة وأرادوا إقامة الدليل عليها تركوا كتاب الله كأنهم لا يعلمون واحتجوا بما في الكتب الباطلة4. ويهدف الشيخ من استنباطه هذا إضافة إلى إيضاح حال القوم – إلى التحذير من فعلهم بالاحتجاج بالكتب الباطلة وترك كتاب الله كما يظهر ذلك من خلال السياق القرآني لأن الله تعالى وصفهم يهذا الوصف في معرض الذم لهم ففيه تحذير من سلوك سبيلهم. ويقول عند هذه الآية أيضا: إن في من يدعي العلم من اختار كتب السحر على كتاب الله. وأنهم يعارضون به كتاب الله وإن اتباع غير كتاب الله ضلال5. ثم يقول: لا تأمن الكتب ولا من ينتسب إلى العلم على دينك6. وهو يعني كتب الضلالة كتلك التي اتبعها اليهود ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.   1 سورة يوسف: الآية: "111". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "181". 3 سورة البقرة: الآية: "102". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "21". 5 المرجع السابق ص "23, 24". 6 المرجع السابق بصحيفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ويعني بمن ينتسب إلى العلم من يدعي أنه عالم وليس بعالم على الحقيقة، وإنما ينتسب انتساباً ويتشبه بالعلماء تشبهاً على وجه التلبيس والتمويه. ومن قبيل الاتجاه الإصلاحي في مجال الاهتمام بالقوة العلمية توجيه العلماء والدعاة وذلك أن النصيحة واجبة ولو لغير المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم. "في كل كبد رطبة أجر" 1، كما ذكر الشيخ هذا عند قول الله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُون} 2 وقال وأما المسلم فنصحه من الفرائض3. وذلك أن العلماء والدعاة من أهل القوة العلمية. يقول الشيخ عند قوله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} 4: أمره بالطريق إلى القوة على ما تقدم5 فهو الصبر خالصاً. ففيها آداب الداعي، لأن الخلل يدخل على رؤساء الدين من ترك هذه الوصايا أو بعضها، ففيها الحرص على الدنيا، فنهى عنه بقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} ومنها عدم الجد فنبه عليه بقوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 6. ومنها رؤية الناس فيه العيوب المنفرة لهم عن الدين كما هو الواقع. ومنها التقصير في تعظيم العلم الذي هو من التقصير في تعظيم الله. ومنها عدم الصبر على مشاق الدعوة. ومنها عدم الإخلاص. ومنها عدم هجران الرجز والتقصير في ذلك، وهو من أضرها على الناس، وهو من تطهير الثياب، لكن أفرد بالذكر كنظائره7.   1 يأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "343". 2 سورة يوسف: آية "47". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "152" وانظر قسم التحقيق ص "343". 4 سورة المدثر: آية "7". 5 المراد بما تقدم ما تقدم من التوجيهات في قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} سورة المدثر "2-6". 6 سورة المدثر: آية "1". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "265، 266". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فقد استنبط الشيخ من أوائل سورة المدثر نبراساً نيراً للدعاة، إذ هي توجيهات ربانية لإمام الدعاة "صلى الله عليه وسلم" تجب العناية بها والاهتمام. كما يستنبط من إجابة يوسف "عليه السلام" للسائلين المسجونين معه دروساً نافعة للعلماء والدعاة منها:- 1- أنه ينبغي للعالم إذا سأله العامي عما لا يحتاج إليه أو سأله عما غيره أهم منه أن يفتح له باباً إلى المهم. قلت وهذا مأخوذ من بيان يوسف "عليه السلام" وحدانية الله، وبطلان ما سواه قبل البدء في تفسير رؤياهما لأنهما في هذه الحال مصغيان إليه غاية الإصغاء مهتمان بما يقول لما قد يكون له من علاقة بالجواب. 2- أنك لا تحقر عن التعليم من تظنه أبعد الناس عنه، ولا تستبعد فضل الله، فإن الرجلين من خدام الملوك الكفرة، بخلاف من يقول: ليس هذا بأهل للعلم بل تعليمه إضاعة للعلم. 3- أنه أجاب السائل بأكثر مما سأله عنه خلافاً لمن جعل هذا من عدم الأدب1. ويستنبط الشيخ من قوله في قصة يوسف: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 2 أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل عن مسائل العلم إلا من رآه يحسن ذلك3. فهذا توجيه للعوام والمستفتين بأن يسألوا أهل الذكر حقيقة كما أمر الله تعالى بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 4.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "147، 148". 2 سورة يوسف: آية "36". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "143". 4 سورة الأنبياء: آية "7". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الناحية الثانية: التركيز على القوة العملية. يركز الشيخ من خلال استنباطاته على العمل كما ركز على العلم تركيزاً بالغاً، وذلك أنه ثمرة العلم، بل أنه يرى أن العلم الذي لا يثمر العمل لا يسمى علماً1. وإن سمى علماً، فأنه علم لا ينفع- والعياذ بالله- يقول الشيخ عند قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أو أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} 2. معرفة العلم النافع والعلم الذي لا ينفع، فمع معرفتهم أن ما يكشفه إلا الله، ومع معرفتهم بعجز معبوداتهم، ونسيانهم إياها ذلك الوقت يعادون الله هذه المعاداة، ويوالون آلهتهم تلك الموالاة3 قال تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} 4. ويقول عند قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} إلى قوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 5: "أن الفائدة في تعليم العلم تذكر المتعلم واهتداؤه6". ويقول أيضاً مركزاً على ضرورة اقتران العلم بالعمل عند قول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَأنه فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} 7. بعد أن استنبط بعض المسائل قال: المسألة الخامسة: "التي سيق لأجلها الكلام، أنك إذا عرفت ملته فالواجب الاتباع لا مجرد الإقرار مع الرغوب عنها8.   1 لتفسير ص "163" وانظر قسم التحقيق ص "364". 2 سورة الأنعام: آية "40، 41". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "54". 4 سورة النحل: آية "72". 5 سورة آل عمران آية: "103". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "50". 7 سورة البقرة: آية "130". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "35". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 ويقول عند قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إن الهداية إلى ذلك تتضمن العلم النافع، والعمل الصالح، على وجه الاستقامة والكمال والثبات على ذلك إلى أن يلقى الله1. ولاشك أن هذا التركيز على القوة العملية أمر ضروري، ومن السنن المألوفة من مصلح ومجدد يتخذ من كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" مصدراً للإصلاح الشامل في جميع شئون الحياة إيماناً بقول الله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} 2 ويستنبط منهما ما به يكون الإصلاح. حيث يتضح في هذين الأصلين التركيز على الجانب العملي قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} 3 الآية. فلذا ركز الشيخ في استنباطاته على هذا الجانب وبيأنه وإصلاحه والتحذير من إفساده وأعظم ما اهتم الشيخ بإصلاحه في مجال القوة العملية إصلاح الجانب الاعتقادي. إذ العقيدة هي المثمرة للعمل، ومن ثم يسهل إصلاح الحياة بجميع نواحيها الاجتماعية والسياسية وغيرها، للارتباط الوثيق بينها وبين العقيدة، وخصوصاً إذا نظرنا إلى العقيدة تلك النظرة الشمولية المستوعبة لجميع شئون الحياة. فمن أهم ما ركز عليه في هذا المجال: 1- التوحيد: وقد تقدم الكلام عن اهتمام الشيخ بجانب ترسيخ العقيدة وبيانها، واستنباطاته المتعلقة بهذا الموضوع في الفصل "الأول" بعنوان "التركيز على العقيدة من خلال تفسيره". إذ الغرض من ذلك البيان والإيضاح هو الإصلاح الاجتماعي كما هو معلوم فليرجع إلى ما سبق4.   1 المرجع السابق ص "17". 2 سورة النحل: آية "89". 3 سورة التوبة: آية. "105". 4 انظر ما تقدم ص "126". وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 2- التحذير من فساد هذه القوة العملية. وحيث قد بين الشيخ القوة العملية فقد اهتم بحماية جنابها والتحذير مما يناقضها أو يؤثر فيها. فمن ذلك بيأنه الكفر والمكفرات والشرك وأسبابه وقد تقدم شيء من ذلك1. - يقول الشيخ منبهاً على النهي عن فساد القوة العملية عند قول الله تعالى بعد ذكر قصة يوسف وأخوته {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 2 قال بعد أن ذكر المسألة الثامنة: إن الذي أتاهم من الآيات ليست هذه وحدها، بل كم وكم من الآيات السماوية والأرضية يمرون عليها، ويعرضون عن الانتفاع بها، وليس هذا قصوراً في البيان، فأنه مشاهد، بل القلوب غير قابلة: التاسعة: المسألة العظيمة، وهي إخباره تبارك وتعالى أن أكثر هذا الخلق لو آمن أفسد إيمأنه بالشرك، فهذه فساد القوة العملية، والتي قبلها فساد القوة العلمية3. وذلك أن الشرك- والعياذ بالله- محبط للعمل من أساسه مهما كان ذلك العمل عظيماً كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 4. وقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 5. وسيأتي ما قاله الشيخ عند هذه الآية6. ويبين الشيخ عظمة الشرك عند قول الله تعالى لما ذكر قصة نوح مع قومه {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} 7. فيقول عظمة الشرك عند الله ولو قصد صاحبه التقرب إلى   1 انظر ما تقدم ص "180". وما بعدها. 2 سورة يوسف آية "105، 106". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "178" وانظر قسم التحقيق ص "391، 392". 4 سورة الفرقان: آية "23". 5 سورة الزمر: آية "65". 6 ص "204، 206". 7 سورة هود: آية "49". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الله، وذلك مما فعل الله بأهل الأرض لما عبدوا ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا1. ويقول أيضاً عند قول الله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2: العظيمة التي لم يعرفها أكثر من يدعى الدين وهي مسألة تكفير من أشرك، وحبوط عمله، ولو كان أعبد الناس وأزهدهم3. كما يقول محذراً من الكفر ومظاهرة الكافرين، ومبيناً بعض ما يتعلق به عند قول الله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} إلى قوله: {سبحانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 4. يقول: أن المسلم إذا أطاع من أشار عليه في الظاهر كفر، ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، فإنهم لم يريدوا من النبي "صلى الله عليه وسلم" تغيير عقيدته. ففيه بيان لما يكثر وقوعه ممن ينتسب إلى الإسلام، في إظهار الموافقة للمشركين خوفاً منهم، ويظن أنه لا يكفر إذا كان قلبه كارهاً له. - إن الجهل وسخافة العقل هو موافقتهم في الظاهر، وإن العقل والفهم والذكاء هو التصريح بمخالفتهم، ولو ذهب مالك، خلافاً لما عليه أهل الجهل من الاعتقاد أن بذل دينك لأجل مالك هو العقل، وذلك في آخر الآية {أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} . أما الآية الثانية {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} الآية ففيها مسائل أيضاً: الأولى: شدة الحاجة إلى تعلم التوحيد فإذا كان الأنبياء يحتاجون إلى ذلك ويحرصون عليه فكيف بغيرهم؟ ففيه رد على الجهال الذين يعتقدون أنهم عرفوه فلا يحتاجون إلى تعلمه. الثانية: المسألة الكبرى وهي كشف شبهة علماء المشركين الذين يقولون: هذا   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "134". 2 سورة الأنعام: آية "88". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67". 4 سورة الزمر: الآيات "64- 67". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 شرك ولكن لا يكفر من فعله لكونه يودي الأركان الخمسة، فإذا كان الأنبياء لو يفعلونه كفروا فكيف بغيرهم؟! الثالثة: أن الذي يكفر به المسلم ليس هو عقيدة القلب خاصة، فإن هذا الذي ذكرهم الله لم يريدوا منه "صلى الله عليه وسلم" تغيير العقيدة كما تقدم، بل إذا إطاعة المسلم من أشار عليه بموافقتهم أجل ماله أو بلده أو أهله مع كونه يعرف كفرهم ويبغضهم فهذا كافر إلا من أكره1. كما ينبه الشيخ على تقبيح الشرك عقلا في آخر هذه الآية فيقول: إن آخر الآية وهو قوله: {سبحانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ينبهك على الحكمة في كونه سبحانه يغفر الكبائر ولا يغفر الشرك، وتزرع بغض الشرك وأهله ومعاداتهم في قلبك. وذلك أن أكبر مسبة بعض الصحابة مثل أبى بكر وعمر لو يصل في منزلته بعض ملوك زماننا مثل سليمان2 ن أو غيره، مع كون الكل منهم آدمي، والكل ينتسب إلى دين محمد "صلى الله عليه وسلم"، والكل يأتي بالشهادتين والكل يصلي ويصوم رمضان. فإذا كان من أقبح المسبة لأبى بكر أن يسوي بينه وبين بعض الملوك في زماننا، فكيف يجعل للمخلوق من الماء المهين –ولو كان نبياً- بعض حقوق من هذا بعض عظمته وجلاله من كونه يدعى كما يدعى، ويخاف كما يخافه ويعتمد عليه كما يعتمد عليه؟! هذا أعظم الظلم، وأقبح المسبة لرب العالمين وذلك معنى قوله في آخر الآية: {سبحانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ولكن رحم الله من تنبه لسر الكلام، وهو المعنى الذي نزلت فيه هذه الآيات، من كون المسلم يوافقهم في شيء من دينهم الظاهر مع كون القلب بخلاف ذلك، فإن هذا هو الذي أرادوا من النبي "صلى الله عليه وسلم" فأفهمه فهماً حسناً لعلك   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "344، 345". 2 لعله يعنى: سليمان بن محمد بن غرير الحميدي، وكان رئيس بني خالد، وقد ملك الأحساء وأمتد سلطانه على ما جاورها حتى بلغ نجدا. وهو الذي هدد ابن معمر- أمير العينية- بقطع العطاء عنه إن لم يقتل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو يخرجه. وتوفي سليمان هذا في الخرج من أرض نجد عام 1166هـ بعد أن غدر به قومه وأخرجوه من الأحساء. انظر تاريخ نجد "1: 10، 27" وتحفة المستفيد "1: 124" وما تقدم ص "14". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 تعرف شيئاً من دين إبراهيم "عليه السلام" الذي بادر أباه وقومه بالعداوة عنده1. ويقول أيضاً مبيناً الكفر عند استنباطه المسائل من قول الله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} 2. - المسألة الكبرى أن من ذبح لغير الله أو دعا غيره فقد كذب بقول: "لا إله إلا الله". وقد دعا إلهين اثنين، واتخذ ربين. - المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس؛ أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمناً حقاً كارهاً لموافقتهم فقد كذب في قوله "لا إله إلا الله" واتخذ إلهين اثنين، وما أكثر الجهل بهذه والتي قبلها. - أن ذلك لو يصدر منهم - أعني موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك- فهو قوله: {شَطَطاً} والشطط: الكفر3. ومن جوانب الاتجاه الإصلاحي عند الشيخ: استنباط ما يتعلق بإيضاح المنهج الصحيح لاتباع الأئمة المهتدين من خلال الآيات، وذلك أن الحاجة ماسة لإيضاح ذلك، حيث أن الفترة التي قام فيها الشيخ بدعوته قد عم فيها الجمود في التقليد الأعمى، وتجاوز ذلك التقليد في الفقه إلى التقليد في العقيدة، بل في أي عقيدة، ومهما كان ذلك المقلد سواءً أكان ذا منزلة علمية وصلاح، أم لا فحاد كثير من الأتباع عن منهج الاتباع الصحيح، فمنهم من يزعم أنه يحب الصالحين، وأنهم سلفه، ولكنه في العمل مخالف لهم ولهديهم، ومنهم من يعتقد فيهم فوق مالهم. فلذا لاحظ الشيخ هذا الأمر الخطير، وظهر في تفسيره التنبيه إليه، والتحذير من ضرره في غير موضع.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "347، 348". 2 سورة الكهف: آية "14". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "243". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فأوضح الشيخ من خلال استنباطاته أنه لا بد قبل الاقتداء من النظر في أحوال الأئمة المقتدى بهم لمعرفتهم، وتمييز من يصلح للاقتداء من غيره، فيقول عند قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} 1 إن معرفة هذا مما يوجب الحرص على النظر في الأئمة إذا كان منهم من جعله الله يدعو إلى النار ومنهم من قال فيه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} 2. وفي موضع آخر يستنبط وصف الأئمة المهتدين، وحالهم مع متبوعيهم فيقول عند قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} 3 الآيتين: إذا عرفت أن سبب نزولها قول أهل الكتاب: نحن مسلمون نعبد الله إلا إن كنت تريد أن نعبدك4. عرفت أنها من أوضح ما في القرآن من تقرير الإخلاص والبراءة من الشرك، ومن أعظم ما يبين لك طريق الأئمة المهديين من الأئمة المضلين، وذلك أن الله وصف أئمة الهدى بالنفي والإثبات، فنفى عنهم أن يأمروا أتباعهم بالشرك بهم أو بالشرك بالملائكة والأنبياء وهم أصلح المخلوقات، وأثبت أنهم في يأمرون أتباعهم أن يصيروا ربانيين، فإذا كان من أنزله الله بهذه المنزلة لا يتصور أن يأمر أتباعه بالشرك به ولا بغيره من الأنبياء والملائكة، فغيرهم أظهر وأظهر. وإذا كان الأمر الذي يأمرهم به كونهم ربانيين، تبين طريقة الأنبياء وأتباعهم، من طريقة أئمة الضلال وأتباعهم. ومعرفة الإخلاص والشرك، ومعرفة أئمة الهدى وأئمة الضلال أفضل ما حصل المؤمن5. ويستنبط في موضع آخر كيفية موالاة الصالحين، ويحذر من الزلل فيها فيقول عند قول الله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 6 "ضمن استنباطات كثيرة متعلقة بالاتباع":   1 سورة القصص: آية "41". 2 مؤلفات الشيخ بر القسم الأول/ التفسير ص "394". 3 سورة آل عمران: آية "79، 80". 4 انظر تخريج هذا في ص "263". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "45، 46". 6 سورة البقرة: آية "133". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 جوابهم- أي أبناء يعقوب- {نَعْبُدُ إِلَهَكَ} الآية، لأن في هذا معنى الحجة، وظهور الأمران من اتبع الصالحين يسلك طريقهم، وأما كونه يترك طريقهم بزعمه أنه اتباع لهم فهذا خلاف العقل. ويقول أيضاً: إخبارهم له بلزوم الإسلام بعد موته. وذكرهم له أن ذلك الإسلام لله وحده لا شريك له، ليس لك ولا لآبائك منه شيء1. ويحاج بهذه الآيات أيضاً الذين لم ينهجوا المنهج الصحيح في الاتباع بل خالفوا من يزعمون أنهم يوالونهم من الصالحين فيقول:- إن ذلك من أوضح الحجج على ذريتهم مع إقرارهم بذلك. ومع هذا يزعمون أنهم على ملتهم مع تركها، وشدة العداوة لمن اتبعها2. ويقول أيضاً عند قول الله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 3. إن كانت الخصومة في الصالحين، ودعواهم أنهم على طريقهم، فهم لا يقدرون آن يدعوا أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه على طريقتهم، بل يصرحون أنهم على غيرها، ولكن يعتذرون أنهم لا يقدرون عليها، فكيف هذا التناقض؟! يدعون أنهم تابعوهم مع تحريمهم اتباعهم وزعمهم أن أحدا لا يقدر عليه4! وحيث أن من أسباب الاتباع والتعظيم عند كثير من الناس ما يظهر على أيدي بعض الناس من كرامات، وخوارق للعادات، فيتبعون لذلك، فلم يغفل الشيخ هذا الجانب ومعالجته بالقرآن فقد قال مستنبطاً من قصة آدم وإبليس مبيناً حقيقة الكرامة، ومحذراً من الاغترار بخوارق العادات: ومنها- أي من الفوائد المستنبطة من هذه القصة- أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فإن اللعين أنظره الله تعالى، ولم يكن ذلك إلا إهانة له وشقاء عليه، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير. فينبغي   1 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "37". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "37". 3 سورة البقرة: آية "140" 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "41". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة1 ويقول أيضاً مستنبطاً من إجابة الله طلب إبليس النظرة: إن إجابة دعاء الداعي في بعض الأحيان لا تدل على الكرامة2. ويستنبط من هذه القصة أيضاً أن الفاجر قد يعطيه الله سبحانه كثيراً من القوى والإدراكات في العلوم والأعمال، حتى في صحة الفراسة، كما ذكر عن اللعين حين تفرس فيهم أن يغويهم إلا المخلصين، فصدق الله فراسته في قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3. كما ينبه الشيخ من أعطي شيئاً من الكرامات أن لا يغتر بها فقد يكون ذلك من قبيل الاستدراج فيقول مستنبطاً من قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} 4. عدم الاغترار بالكرامات وإجابة الدعاء5.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "95". 2 المرجع السابق ص "73". 3 سورة سبأ: آية "20" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "97". 4 سورة الأعراف: آية "175". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "111". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ومن جوانب الاتجاه الإصلاح عند الشيخ والمتعلقة بما سبق: الإرشاد إلى النظر في حقيقة الأمور بمنظار الشرع، وعدم الاغترار بكثرة من يعمل بها زمنا بعد زمن وما عليه السواد الأعظم من الناس، وليس ضرر ذلك بأقل من ضرر الجمود في التقليد، بل أنه يربو عليه ويكفي في الدلالة على ذلك أن من أعظم ما وقف في وجه دعوات الأنبياء هو هذا، وهو ما أخبر الله به من قول كثير من الأمم لأنبيائهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1. فكان الشيخ يستنبط من الآيات ما فيه الدلالة على أن اتباع الحق هوا الحق لا اتباع الناس وإن كثروا {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 2، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 3. فيقول عند قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} 4. إن الذي حملهم على إنكاره كونه غريباً مخالفاً لما عليه السواد الأعظم، وذلك لا يوجب رده، لأن اتباع الحق إذا ظهر هو الحق. وإذا ظهر الباطل لم يزينه فعل الأكثر له، مثل الرياء والكذب والخيانة5. ويقول أيضاً عند قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} الآية6، إنهم لمحبتهم ما هم عليه من الجاهلية، وغرامهم به، نبذوا كتاب الله الذي عندهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعرفونه، والذي حملهم على هذه العظائم أنه أتاهم أمر من الله موافق لدينهم لكن مخالف لعاداتهم الجاهلية7. ويقول عند قول الله تعالى مخبراً عن قول هود   1 سورة الزخرف: آية "23". 2 سورة الأنعام: آية "116". 3 سورة يوسف: آية "103". 4 سورة يوسف: آية "109". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "179" وانظر قسم التحقيق ص "393" 6 سورة البقرة: آية "101، 102". 7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "25". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 لقومه: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} 1. كون الشيء معمولاً به قرنا بعد قرن من غير نكير لا يدل على صحته2. ففي هذه الاستنباطات وما شابهها لفت الأنظار إلى هذه الحقيقة، وتوجيه لكل من قرأها بأن يكون متبعاً لشرع الله، وقافاً عند حدود الله، لينال السعادة في الدنيا والآخرة. بل أنه في موضع آخر يسعى لتربية الأتباع، وتوجيههم إلى الاتباع الصحيح المبني على أسس عقدية صحيحة من كتاب الله عز وجل وسائر ما أوحى إلى رسوله فهو يوضح كون ذلك الوحي سياجاً واقياً، وسلاحاً للمؤمن يشهره في وجوه أعداء الحق ودعاة الضلالة، الذين يزينون الباطل ويدعون إليه، إضلالا منهم، ومعاندة لرب العالمين، وغشاً لعباده. فيقول عند قول الله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} الآيات إلى قوله: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} 3 فيه أربعة عشر جواباً لمن أشار عليك بموافقة السواد الأعظم على الباطل لما فيه من مصالح الدنيا والهرب من مضارها، ولكن ينبغي أن تعرف أولاً أن الكلام مأمور به مؤمن فقيه. فالأول: أن تجيبه بقوله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} وهذا تصوره كاف في فساده. الثاني: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} وهذا أيضاً كذلك. الثالث: هذا المثل الذي هو أبلغ ما يرغبك في الثبات، ويبغض إليكم موافقته. "ويعني بالمثل المثل المذكور في الآية {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي   1 الأعراف: آية "71". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "105". 3 قال تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الْأَرْضِ حَيْرَانَ} . الرابع: قولك له إذا زعم أن الهدى في موافقة فلان وفلان بدليل الأكثر فتجيبه بقولك: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} . الخامس: أن تجيبه بقوله: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فإذا أمرتني بالإسلام لفلان، فالله أمرني بما لا أحسن منه. السادس: أن تقول وأمرنا بإقامة الصلوات، وهذه خصلة مسلمة لا جدال فيها، ولا يقيمها إلا الذين أمرتني بتركهم، والذين أمرتني بموافقتهم لا يقيمونها. السابع: أنا مأمورون بتقوى الله، وأنت تأمرني بتقوى الناس. الثامن: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} . كما قالوا لفرعون لما دعاهم إلى ذلك {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ} 1. التاسع: أنه هو الذي خلق السموات والأرض بالحق، وهذا مقتضى ما نهيتني عنه. والذي أمرتني به يقتضي أنه خلقها باطلاً. العاشر: أن الذي تأمرني بترك أمره حشر هذا الخلق العظيم ما دونه إلا قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} . الحادي عشر: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره قوله الحق، وقد قال ما لا يخفى عليك ووعد عليه بالخلود في النعيم، ونهى عما أمرتني به، وتوعد عليه بالخلود في الجحيم، وهو لا يقول إلا الحق فكيف مع هذا أطيعك؟! الثاني عشر: أن له الملك يوم ينفخ في الصور، فإذا أقررت بذلك اليوم، وأن عذابه ونعيمه دائمان، فما ترجوه من الشفاعات كلها باطلة ذلك اليوم، وقد بين تعالى معنى ملكة لذلك اليوم في آخر الانفطار "أي قوله تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 2.   1 الأعراف: آية "125". وسورة الشعراء: آية "50". 2 سورة الانفطار: آية "19". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الثالث عشر: أنه عالم الغيب والشهادة، فلا يمكن التلبيس عليه، بخلاف المخلوق ولو أنه نبي. الرابع عشر: أنه هو الحكيم الخبير، فلا يجعل من اتبع أمره ولو فارق الناس كمن ضيع أمره موافقة للناس، حاشاه من ذلك. ولهذا يقول الموحدون يوم القيامة: قد ذهب الناس فارقناهم في الدنيا أحوج ما كنا إليهم1. والله أعلم.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "61- 63". وما ذكره الشيخ من قول الموحدين هنا، رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب التفسير / باب {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} انظر الفتح "98:8" ح "4581" ومسلم في صحيحه/كتاب الإيمان/باب معرفة طريق الرؤية "1: 167-171" ح "183" في حديث طويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الفصل الرابع: اهتمامه بجانب الفقه والتأصيل في تفسيره المبحث الأول: اهتمامه بالفقه في تفسيره إن من ضرورات المنهج الاستنباطي الشمولي الذي ينحاه الشيخ أن يتعرض لنواحٍ كثيرة مما تضمنه كتاب الله تعالى، وحيث أن هذا الكتاب العظيم تبيان لكل شيء، وتفصيل له من لدن حكيم خبير، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} 1. ففيه ما يتعلق بتوحيد الله- وهو ما سبق أن أوضحت منهج الشيخ في دراسته- وقصص السابقين وما يتعلق بأحكام المكلفين، وهو ما يتعلق بالفقه والأصول، وهو ما أنا بصدد الحديث عن اهتمام الشيخ به، ومنهجه في بيانه في مجال الفقه هنا. فمعلوم أن القرآن العظيم هو أول أدلة الأحكام، وأعظم مصادرها، كما دل على هذا حديث معاذ عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: "بم تحكم؟ ", قال: بكتاب الله,.. إلى آخر الحديث. وفيه قول النبي "صلى الله عليه وسلم" في آخره، "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" 2. فقد قدم الكتاب على غيره من مصادر الأحكام، وأقره النبي "صلى الله عليه وسلم" على ذلك. فلا يستغني المشتغل بمعرفة الأحكام الفقهية عنه، كما أن الناظر في كتاب الله لا يسعه أن يهمل النظر في الأحكام، وإلا كان نظره قاصراً محدوداً. وحيث أن الشيخ رحمه الله سلفي المنهج والاتجاه، ودعوته كلها معتمدة على الكتاب والسنة، ومستمدة منهما، وقائمة عليهما، فإن ذلك يقتضي   1 سورة النحل: آية: "89". 2 أخرجه الإمام أحمد في مسنده في مواضع منها "5: 330" وأبو داود في سننه/ كتاب الأقضية باب اجتهاد الرأي في القضاء "303:3" ح "3592" والترمذي في جامعة كتاب الأحكام/ باب ما جاء في القاضي كيف يقضي "607:3" ح "1327، 1328" وغيرهم. وانظر الكلام على هذا الحديث في "إعلام الموقعين" لابن القيم "1: 202". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أن يركز على النظر في النصوص، للاستدلال الصحيح بها لما يذهب إليه، واستنباط الأحكام منها. وهذا هو ما نهجه الشيخ كما تشهد به كتبه الفقهية، ومختصراته في الأحكام، فإنا نجدها مليئة بالاستدلال بالكتاب والسنة، واستنباط الأحكام منهما، طلباً للحق بدليله أسوة علماء السلف الذين يحذو حذوهم، ويسلك مسلكهم. ولأمثل هنا بمثال واحد مشهور وهو استدلاله على إبطال وقف الجنف1 الذي كان منتشراً في زمنه، ويفتي بجوازه بعض المتفقهة آنذاك فأبطله الشيخ بنصوص الكتاب والسنة، قال رحمه الله: وأما وقف الإثم والجنف فمن رد، فقد عمد بالسنة، ورد البدعة، واتبع القرآن2. وذلك أن الله عز وجل قد تولى قسم الميراث بنفسه فقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 3. وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} 4 وغير ذلك. فوقف الجنف على بعض الورثة مخالف لذلك، ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من الظلم المحرم وتعدي حدود الله فقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 5. وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} 6 وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 7 فمن قبل ما آتاه الرسول، وانتهى عما نهى عنه، وأطاعه ليهتدي، واتبعه ليكون محبوباً عند الله   1 صورة هذا الوقف حسبما ذكر: أن كثيراً من الجهال والعامة- إذا أراد أن يغير فرائض الله ويحرم بعض أولاده من الإناث ما قسم الله له أو يحرم أولاد الإناث ويخصه بالذكور وأولادهم أو أراد أن امرأته لا ترث من هذا النخل، ولا تأكل منه إلا لاحياه عينها- وقف ماله وأشهد عليه انظر روضة الأفكار والأفهام "1: 124- 129" وتاريخ نجد "2: 112- 120 ومؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "78- 85". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الخامس/الرسائل الشخصية ص "82". 3 سورة النساء: آية "11". 4 سورة النساء: آية "12". 5 سورة الحشر: آية "7". 6 سورة النور: آية "54". 7 سورة آل عمران: آية "31". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فليوقف كما أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وقف عمر رضي الله عنه، وكما وقفت حفصة1، وغيرهم من الصحابة وأهل العلم2. يقول الشيح3: وأما الوقف المحدث الملعون المغير لحدود الله فهذا الذي قال الله فيه بعد ما حد المواريث والحقوق للأولاد والزوجات وغيرهم {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 4. وأما ظهور هذا الجانب- جانب استنباط الأحكام من الآيات- في تفسيره فهو ظاهر جداً حيث لم يهمله، بل كان يستنبط من الأحكام ما يجد له مجالاً ومناسبة وموضع استنباط. ولعل مما يؤكد اعتبار الشيخ له نصه على ما في قصة "موسى والخضر عليهما السلام" من الفقه، حيث أفرده بالذكر عند تصنيفه الفوائد المستنبطة من هذه القصة تصنيفا موضوعياً. فقد استنبط من هذه القصة، وما ورد من أحداثها، سواءً في الكتاب أو السنة مما هو معين على فهمها استنباطات تنم عن مقدرة فائقة في استخراج الأحكام والدقائق من مصادرها، وإن كانت تلك المصادر أحداث قصة ماضية، إذ أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه5.   1 هي أم المؤمنين "رضى الله عنها". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الخامس/ الرسائل الشخصية ص "84". 3 المرجع السابق ص "84، 85". 4 سورة النساء: الآيتان "13، 14".. 5 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "67"، وروضه الناظر لابن قدامة "1: 400- 403". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وهذا ما يبين النظرة الواعية فيما ينبغي على المسلم تجاه كتاب ربه من الاستفادة من كل ما جاء فيه، وأعمال النظر في ذلك، والاهتمام بموضع الفائدة المستنبطة من النص القرآني مباشرة سواءً أكانت اعتباراً بحال من مضى، أم استنباط مسائل فقهيه، أم استدلالاً لها أم نحو ذلك. وسأذكر هنا- إن شاء الله- بعض ما استنبطه من هذه القصة من مسائل فقهيه، موضحاً موضع استنباطها ما أمكن، ليتبين ما ذكرت. يقول الشيخ: ما فيها- أي في هذه القصة- من مسائل الفقه. الأولى: عمل الإنسان في مال الغير بغير إذن إذا خاف عليه الهلاك1. ووجه استنباطها: هو ما يبينه العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، في استنباطه الذي وافق فيه الشيخ، كما وافقه في كثير من استنباطاته من هذه القصة، وسار على منهج الشيخ فيها في إفرادها بالذكر، والاستنباط منها مع بيان وجه الاستنباط من الآيات2. فيقول السعدي: ومنها- أي من الفوائد المستنبطة- القاعدة الكبيرة أيضاً وهي: أن عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة أنه يجوز، ولو بلا إذن، حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير، كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم3. قال الشيخ: الثانية: ليس من شروط الجواز خوف الهلاك، بل قد يجوز للإصلاح لقصة الجدار4.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "256". 2 انظر تفسير السعدي "63:5- 72". 3 تفسير السعدي "5: 71". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "256". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وهذه المسألة مستنبطة من قصة الجدار كما ذكر. ووجه ذلك أن الخضر عمل في مال غيره بغير إذنه، وعرف من ذلك الإصلاح، مع أنه لا يلزم من عدم عمله ذلك ذهاب كنز الغلامين. والله أعلم. الثالثة: أنه ليس من شروط المسكين في الزكاة أنه لا مال له1. ووجه استنباطها أن أصحاب السفينة قد وصفوا بالمسكنة مع ملكهم إياها. وقد سبق الشيخ إلى مثل هذا البغوي في تفسيره ووافقه السعدي في تفسيره كذلك2. الرابعة: أنه استدل بها على أنه أحسن حالاً من الفقير3. وممن استدل بها على ما ذكر الشافعي4، وذلك أن الفقير: من لا مال له، والمسكين: من له مال لا يبلغ كفايته كأصحاب السفينة. ثم ذكر الشيخ بقية ما يستنبط من هذه القصة من مسائل فقهيه، ومنها ما هو من قبيل الفقه بمعناه الاصطلاحي، ومنها ما هو من قبيله بمعناه العام. وللشيخ "رحمه الله" طريقتان واضحتان في إيراد المسائل الفقهية، وكلتاهما متمشيتان مع منهجه المقتضب غالباً، وإحداهما أضر من الأخرى: فالطريقة الأولى: أن يلفت النظر إلى نص الآية وما تضمنه من حكم فقهي ومن ذلك قوله مستنبطاً من أول سورة النور: - حد الزانية. - تحريم نكاح الزانية.   1 المرجع السابق ص "257". 2 انظر تفسير البغوي "3: 176" وتفسير السعدي "5: 71". 3 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "258". وانظر الاستدلال بها على ما ذكر الشيخ في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "8: 169". 4 ذكره عن الشوكاني في فتح القدير "303:3" وذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن "8: 169" أنه أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 - ما ذكر في رمي المحصنات ما لم يأتوا بالبينة. - رد شهادتهم. - كون الله سبحانه استثنى التوبة والإصلاح1. إلى غير ذلك من الاستنباطات الفقهية الكثيرة جداً في أول هذه السورة والتي لا يظن خفاؤها على من قرأ الآيات لظهورها. والطريقة الثانية: أن يستنبط المسألة الفقهية من الآية. ومن ذلك ما تقدم من استنباطاته من قصة "موسى والخضر" 2. وقوله مستنبطاً من سورة يوسف: - قوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} 3 فيه جواز بذل الأجرة لمن جاء بالسرقة4. - قوله: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} 5 استدل به على صحة الضمان ولزومه6. وقوله عند قول الله تعالى إخباراً عن قول يوسف: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} 7: جواب يوسف يدل على أن السرقة تثبت بوجود المسروق عند الرجل8. ... وهكذا.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "272،273". 2 انظر ما تقدم ص "216- 218". 3 سورة يوسف: آية "73". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "165" وانظر التحقيق ص "368". 5 سورة يوسف: آية "72". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "165" وانظر التحقيق ص "368". 7 سورة يوسف: آية "79". 8 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "167" وانظر التحقيق ص "372، 375". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وتمشياً مع هذا المنهج المختصر غالباً نجد أن الشيخ لا يكاد يتعرض لأدلة المسائل المستنبطة- فيما أراد به التفسير والاستنباط- وإنما يكتفي باستنباطها من الآيات فتكون الآية ذاتها دليلاً على المسألة. كما أنه لا يتعرض لذكر الأقوال في المسألة، ولكنه يشير أحياناً إلى ما في الآية من حكم ورد على المخالف في تلك المسألة مصرحاً بردها عليه أو ملمحا. ومن أمثلة ذلك قوله مستنبطاً من قصة موسى والخضر عليهما السلام:- - أنه يجوز أخذ الأجرة على العمل الذي لا يكلف خلاف ما توهمه بعضهم1. وقوله مستنبطاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} 2: الأمر بالأكل من الطيبات، ففيه رد على الغلاة الذين يمتنعون عنها، وفيه رد على الجفاة الذين لا يقتصرون عليها3. وقوله مستنبطاً من قول الله تعالى إخباراً عن مقالة والد البنتين اللتين سقى لهما موسى "عليه السلام" {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ... } الآية4. حيث قال الشيخ- وقوله: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ} إلى آخره فيه أن هذه الإجارة صحيحة بخلاف قول كثير من الفقهاء، من منعهم الإجارة بالطعام والكسوة للجهالة5. الثانية: أن المنفعة يصح جعلها مهراً للمرأة خلافاً لمن منع ذلك6.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "257". 2 سورة المؤمنون: آية "51". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "270". 4 سورة القصص: آية "27". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "289". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "289". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 المبحث الثاني: اهتمامه بالتأصيل في تفسيره المطلب الأول: التأصيل العام في تفسيره من سمات المنهج الاستنباطي المختصر عند الشيخ الاهتمام بالتأصيل وذكر القواعد العامة كثيراً، فيندرج تحت القاعدة أفرادها، ويغني ذلك عن كلام كثير، كما ينطلق من خلال تلك القواعد إلى تفسير ما يشابه من الآيات. وللاهتمام بالتأصيل أهميته البالغة ولعل الشيخ استفاد من قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم1. ولهذا نجد واضحاً تركيز الشيخ على هذه القواعد العامة، عقدية كانت أم فقهية، فيما يسميه غالباً "بالقاعدة الكلية"، وهي قواعد كلية عامة يستنبطها من الآية أو يكون في الآية دليل لها. ويندرج تحتها جزئياتها الكثيرة، وقد ينص على شيء من تفاصيلها، أورد الجزئيات إليها، كما سيتضح من خلال الأمثلة. وأكثر ما يكون ذلك في خواتم الآيات، إذ كثيرا ما تختم الآيات بقواعد أو أوصاف ذات صلة وثيقة بما تقدم في الآية من وعد أو وعيد أو تكليف أو نحو ذلك، فالمناسبة وثيقة بين الآية وختامها. وقد أولى الشيخ هذا الجانب اهتماماً كبيراً فركز عليه مراراً، وهو لفت للأنظار منه إلى هذا الجانب وإلى أهمية معرفته والتركيز عليه. ومن ذكره لتلك القواعد الكلية قوله: القاعدة الكلية {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} 2.   1 مجموع الفتاوى "19: 203". 2 سورة يوسف: آية "23"، وانظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "135". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 - وقوله عند قول الله تعالى: { .... إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 1: القاعدة الكلية: وهي من مسائل الصفات2 ويعني بهذه القاعدة ما ذكره الله تعالى من جريان سنته في جعله الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون. وقوله عند قول الله تعالى بعد أن ذكر تعالى جمعا من الأنبياء {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} 3 الآية- القاعدة الكلية: أن هذا الطريق هو هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ليس للجنة طريق إلا هو4. ومن أمثلة رده المسائل الجزئية إلى القواعد الكلية قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن قول يعقوب لبنيه {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5. رد المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية6. فالمسألة الجزئية هنا استغفاره لهم راجياً أن يغفر الله لهم، والقاعدة الكلية إن ربه تبارك وتعالى غفور رحيم. وكذا قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ... } الآية إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 7. رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: إنه ربه تبارك وتعالى لطيف لما يشاء، فلذلك أجرى ما أجرى8.   1 سورة الأعراف: آية "37". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "77". 3 سورة الأنعام: آية "88". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67". 5 سورة يوسف: آية "98". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "175". 7 سورة يوسف: آية "100". 8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "176". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فالمسألة الجزئية ما ذكر قبل من تصيير الله العاقبة إلى خير بعد أن جرى ما جرى بينه وبين أخوته، والكلية ما صرح بذكره. ثم قال أيضاً- رد ذلك إلى القاعدة الكلية أيضاً وهي {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 1 ومن ذلك أيضاً قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن قول يوسف عليه السلام: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2. - بيان الواجب على العبد في الأديان السؤال عما أمر الله به ونهى عنه، وهو السلطان المنزل من السماء لا يعبد بالظن وما تهوى الأنفس3. ثم قال- القاعدة الكلية التي تفرع عنها تلك الجزئية، وهى أن أحكام الدين إلى الله لا إلى آراء الرجال كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} 4. ثم يقول مستفيداً من تقرير هذه القاعدة الكلية ورد الجزئية إليها: إذا ثبت أن الحكم له وحده دون الظن وما تهوى الأنفس فإنه سبحانه حكم بأن العبادة كلها محصورة عليه ليس لأحد من أهل السماء وأهل الأرض منها شيء5. وبهذا يتبين اهتمام الشيخ بهذه القواعد الكلية- ومثلها كثير- ونصه عليها لما يترتب عليها من أحكام وما تثمره من فوا ئد، وما يندرج تحتها من جزئيات كثيرة.   1 المرجع السابق بصحيفته. 2 سورة يوسف: آية "40". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "146، 147". 4 سورة الشورى: آية "10" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص 147 وقسم التحقيق ص "332". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "147". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 المطلب الثاني: اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره . وأما أصول الفقه: فإن الشيخ لم يخل تفسيره واستنباطاته منه بل كان ينص أو يشير أحياناً إلى ما تشتمل عليه الآيات أو تشهد له من قواعد أصولية فقهية. ومن ذلك: قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فيه حجه الإجماع1. ووجه ذلك- والله أعلم- أن الله علم المؤمنين أن يدعوه بهذا الدعاء -دعاء الفاتحة- أن يهديهم الصراط المستقيم الذي بينه الله تعالى بأنه هو صراط الذين أنعم عليهم بمعرفة الحق، وإيثاره، وتقديمه على غيره. فمن كانت هذه حالهم من الأنعام عليهم فلا ريب أن ما اجتمعوا عليه حجة، وهو ما يدعو المؤمن ربه أن يوفقه إليه. - ومن الاستنباطات الأصولية الفقهية أيضاً استنباطه ما يشهد للقول بالعموم والعمل به وذلك في مواضع منها:- قوله: إن الاستدلال بالعموم صحيح2. وذلك في مواضع منها عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود، وكان بينهم إبليس، فلم يسجد معهم فعاتبه الله بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} 3 الآية بعد قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} 4 فأيأسه الله عز وجل. - ومن استنباطه المسائل الأصولية وشواهدها أيضاً: قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن مقالة إخوة يوسف: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} 5 إبطال قياس الشبه6. وقوله أيضاً عند قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "18". 2 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "72، 78، 335" وغيرها. 3 سورة الأعراف: آية "12" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "72". 4 سورة الأعراف: آية "11". 5 سورة يوسف: آية "77". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "166" وانظر قسم التحقيق ص "371، 372". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بَشَراً مِثْلَنَا} 1 بيان الله تعالى لتلك الحجج فقولهم {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا} فيه القياس الفاسد2. وقوله عند قوله تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} الآية3. التصريح بالقياس الجلي أن هؤلاء كمن قبلهم4. وقوله أيضاً: قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 5 أن دينهم واحد وأن شرع من قبلنا شرع لنا6. وهذا مقيد بما لم يكن في شرعنا ما يخالفه كما هو معلوم7. وهكذا يستنبط الشيخ هذه المسائل الأصولية من الآيات ليكون ذلك جزءاً من منهجه الاستنباطي الشامل.   1 سورة هود: آية "27". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "176". 3 سورة الزمر: آية "50، 51". 4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "335". 5 سورة الأنعام: آية "90". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67". 7 انظر ما تقدم ص "216". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به لقد نال القصص القرآني جانباً كبيراً من اهتمام الشيخ، فلم يمنعه اختياره لآيات أو سور معينة، والاستنباط منها بأسلوب مركز مقتضب غالباً من أن يتناول القصص بالدراسة والاستنباط، بل كان من الآيات المختارة أحياناً ما يحي قصة من قصص القرآن، واهتمامه ذلك نابع من نظرته إلى القصص النظرة الصحيحة، وهي أن القصة القرآنية لا تخرج في أهدافها وغاياتها عن بقية أقسام القرآن، من توحيد، وأحكام ووعد ووعيد، كما أن للقصة القرآنية تأثيرها البالغ في القلوب والمشاعر، إذ هي ليست مجرد أحداث مضت، لأمم خلت، في أزمنة سلفت، بل فيها من العظة والعبرة ما فيه مدكر لمدكر، ومزدجر لمزدجر، ومواعظ لمعتبر، فهي جديرة بالاهتمام والعناية. وقد نقل الشيخ عن بعض السلف قوله "القصص جنود الله" قال الشيخ: يعني إن المعاند لا يقدر يردها1. ولأهمية القصص القرآني ذكره الحكيم الخبير في كتابه العزيز مرات ومرات ولذا قال بعض العلماء: إن القرآن على ثلاثة أضرب وذكروا منها القصص2. وقد اهتم الشيخ بالقصص القرآني اهتماماً فاق فيه كثيراً من المفسرين وسيأتي إن شاء الله إيضاح ملامح اهتمام الشيخ بالقصص وتميزه عن غيره. والتنبيه على اهتمام الشيخ بالقصص ليس مجرد مسألة استقرائية – كما أن اهتمامه به لم يأت عفويا غير مقصود، بل نبه مراراً إلى الاهتمام بقصص القرآن.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص "7". 2 انظر البرهان في علوم القرآن "1: 18" وتفسير القاسمي "17: 6301". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 والاعتبار بما فيه من دروس وعظات، إيماناً بقول الله تعالى في شأن قصص الأولين {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 1 فيقول2: ومن أوضح ما يكون لذوي الفهم قصص الأولين والآخرين، قصص من أطاع الله وما فعل بهم وقصص من عصاه وما فعل بهم، فمن لم يفهم ذلك ولم ينتفع به فلا حيلة فيه، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} 3. فيوضح بعبارته هذه أهمية القصص للمتفكرين المتدبرين لكتاب الله، الناظرين في القصة وأحداثها نظرة واعية، منصبة على النظر في أحوال الناجين وسبب نجاتهم وأحوال الهالكين وأسباب هلاكهم، ففي هذه عبر عظيمة لا يحرمها إلا من أعمى الله بصيرته، حيث أنها واقع مادي ملموس، فكيف يكابر العقل وتنكر المحسوسات. ويقول الشيخ أيضاً مبيناً أهمية القصص وأن هدف القصة القرآنية هو ترسيخ المعاني الإيمانية والتحذير من ضدها والنص على موضع العظة والعبرة، لا مجرد التسلية، أو سرد الأحداث والوقائع للتسجيل التاريخي فحسب، يقول4: ولما ذكر الله القصص في سورة الشعراء ختم كل قصة بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} 5.أ. هـ. ومعنى آية: دلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة6. ويقول الشيخ: فقص الله ما قص لأجلنا كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} الآية.   1 سورة يوسف آية "111". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث/ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص "7". 3 سورة "ق" آية: "36". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث / مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص "10". 5 سورة الشعراء الآيات "8، 67، 103، 121، 139، 158، 174، 190". 6 تفسير ابن كثير "155:6". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ولما أنكر الله على أناس من هذه الأمة في زمن النبي "صلى الله عليه وسلم" أشياء فعلوها قال: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} الآية1. وكذلك كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقص على أصحابه قصص من قبلهم ليعتبروا2. ومن تنبيه الشيخ على أهمية القصص قوله مستنبطاً من قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . - الثناء على قصص الرسل وأن فيه عبرة. - أن ما يفهم هذه العبرة مع وضوحها إلا أولوا الألباب. - تعريضه سبحانه بالأحاديث المفتراه، وإقبال الأكثر عليها، واشتراء الكتب المصنفة بغالي الأثمان، وتكبر من اشتغل بها، وظنه أنه أفضل ممن لم يشتغل بها، وزعمه أنها من العلوم الجليلة، ومع هذا معرض عن قصص الأنبياء، مستحقر لها، زاعم أنه علم العوام الجهال3. فانظر إلى هذا الكلام، وما فيه من دلالة واضحة على اهتمام الشيخ بالقصص القرآني، وعلو منزلته عنده، وهو حرى بذلك. ويقول أيضاً مؤكداً ما سبق من الحث على تعلم القصص القرآني ومعرفته:- فاحرص على معرف ما جرى لأبيك آدم وعدوك إبليس، وما جرى لنوح وقومه وهود وقومه، وإبراهيم وقومه، ولوط وقومه، وموسى وقومه، وعيسى وقومه، ومحمد "صلى الله عليه وسلم" وقومه.. لعلك تعرف الإسلام والكفر فإن الإسلام اليوم غريب، وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر، وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح4.   1 سورة التوبة: آية "70". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث/ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص "11". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "181" وانظر قسم التحقيق ص "398". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث/ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص"8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فانظر كيف يربط الشيخ هنا بين معرفة القصص وأحداثه، وبين معرفة الإسلام والكفر، إذ أن ما جرى من أحداث بين من ذكر ليست مجرد أحداث شخصية ذاتية، وإنما تبين الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، إذ في محاجة الأنبياء بأقوامهم بيان وحدانية الله، ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى، وتفرده بالربوبية والألوهية، وتقرير ذلك، وأمرهم أقوامهم بتحقيقه والبعد عما ينافيه أو يؤثر فيه. ومعلوم أن القصص القرآني يتفاوت في أهميته، وما يثمره من عظة وعبرة، وما يستخلص منه من دروس، فبينما نجد بعض القصص يرد مرة واحدة في كتاب الله، نجد بعضه قد كثر وتكرر في مواضع متعددة، وبأساليب متنوعة، فبينما تجمل القصة في موضع، يسهب في ذكرها وذكر بعض تفاصيلها في موضع آخر، وذلك لما تميزت به تلك القصة عن غيرها من أهميه، وقد تحكي حالا مشابهة لبعض الأحوال عند نزول القرآن فتعالجها، وفي كل موضع ترد فيه تلك القصة المتكررة من كتاب الله، تقضي غرضاً مهما وتركز على جانب معين من جوانبها، ثم إن تكرارها بصياغات مختلفة مدعاة لأن يفهمها ويتعظ بها كل من يسمعها. والشيخ تبعاً لذلك قد ركز على أهم القصص، وتعرض لدراستها، وواستنباط الدروس والعبر والفوائد منها. فلنلق نظرة على أهم القصص التي تعرض الشيخ لها وأهميتها بما يتضح به الدواعي لاختيارها. أولاً: قصة آدم وإبليس: وهي قصة الإنسان الأولى والتي ما زالت ولن تزال أثارها باقية إلى ن يرث الله الأرض ومن عليها. ولذا ذكرها الله عز وجل في غير ما موضع من كتابه مذكراً عباده بها وممتناً عليهم بتكريمهم بخلقه أباهم آدم عليه السلام بيده، ونفخه فيه من روحه، وأمر ملائكته بالسجود له. ومحذراً إياهم من عدوهم اللعين الذي تكبر ونكص على عقبيه، ونظر إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 نفسه، وأعرض عن أمر مولاه، فلم يك من الساجدين، فلما لعنه الله وأبلسه، وسأل الله النظرة فأنظره إلى يوم الدين أقسم ليقعدن لعباد الله الصراط المستقيم ليصرفهم عنه بكل السبل فينقلبوا خاسرين، ويكونوا معه في سواء الجحيم إلا عباد الله المخلصين. فلا غرابة إن تكررت هذه القصة العظيمة المستمرة. ولا غرابة أن يفردها الشيخ بالدراسة والاستنباط محذراً مما حذر الله منه من كيد إبليس وإغوائه وصده عن الطريق المستقيم. ثانياً: قصة موسى وفرعون: وهي امتداد للصراع بين الحق والباطل والخير والشر. الحق الذي يمثله موسى عليه السلام، بما يحمله من هداية وبيان ودعوة إلى الخير والشر الذي يمثله فرعون بتمرده وعتوه وطغيانه، وتجنيده نفسه وحاشيته لخدمة إبليس وطاعته بالصد عن سبيل الله، وإيذاء عباد الله، وتكذيب رسله، وبلوغ الغاية في العتو والتكبر بادعاء الألوهية. وهذا الصراع بين الحق والباطل لا يزال مستمراً. فهذه القصة من أعظم قصص الأنبياء كما أن فيها منهجاً عظيماً للدعوة إلى الله والصبر عليها وحسن عاقبه الصابرين. ثالثاً: قصة موسى والخضر: وهي قصة عجيبة اشتملت على كثير من الفوائد والأحكام والقواعد، ففيها تعليم للإنسان بأن يسند العلم إلى الله تعالى، ويعلم أن ما أتاه الله من العلم بالنسبة لعلم الله كقطرة من بحر زاخر، فيطلب من الله المزيد، ويسعى في طلب العلم ويتحمل المشاق في تحصيله من أهله، وإن كان أعلى منهم رتبه. وفيها آداب العالم والمتعلم، وما ينبغي لكل منهما. إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي نص الشيخ على بعضها. فلأهمية هذه القصص مع كثرة ورود القصتين الأوليين في كتاب الله أفردهما الشيخ بالدراسة والاستنباط، ولم يقتصر على هذه القصص بل تناول غيرها بالذكر لها واستنباط المسائل والفوائد والعبر منها كقصة يوسف وإخوته وكثير من قصص الأنبياء ولكن عنايته بالقصص الثلاث السابقة قد فاقت غيرها فلذا أفردت بالذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها لم تجر دراسة الشيخ للقصص القرآني على نسق واحد من حيث الشكل، ولعل ذلك لتفاوت الزمن الذي ألف فيه تفسير كل قصة، والاستنباط منها شأنها في ذلك شأن بقية تفسيره، وإن كان بينها بعض السمات المشتركة المتحققة في تفسيراته كلها، وأهم هذه السمات هي المنهج الاستنباطي الذي يركز عليه الشيخ ويهتم به كثيراً، فقد حقق الشيخ هذا المنهج في جانب القصص، واستنبط منها المسائل والفوائد من خلال النظر في الآيات الدالة على أحداثها. ولذلك فلا أستطيع أن أجد منهجاً شكلياً متحداً لدراسة القصص ولكن دراسته للقصص قد أتت على أنحاء مختلفة أهمها: 1- أنه تارة ينحى منحى الإسهاب والتفصيل إلى حد ما ويركز في ذلك على الفائدة أكثر من تركيزه على أحداث القصة ذاتها. ويتضح ذلك في قصة آدم وإبليس حيث كثيراً ما يذكر الفائدة ويوضحها بأسلوب يفهمه المتعلم والعامي، ويوضح مأخذها من الآيات مستشهداً لدعم تلك الفائدة أو الاستنباط بآيات أخر أو بالسنة، أو أقوال السلف فمن ذلك قوله ضمن الفوائد المستنبطة من هذه القصة: - ومنها- أي من الفوائد- معرفة العداوة التي بين آدم وذريته، وبين إبليس وذريته وأن هذا سببها لما طُرِد عدو الله، ولُعِن بسبب آدم لما لم يخضع، وهذه المعرفة مما يغرس في القلب محبة الرب جل جلاله، ويدعوه إلى طاعته، وإلى شدة مخالفة الشيطان، لأنه سبحانه ما طرد إبليس، ولعنه، وجعله بهذه المنزلة الوضيعة، بعد تلك المنزلة الرفيعة، إلا لأنه لم يخضع بالسجود لأبينا آدم، فليس من الإنصاف والعدل موالاته، وعصيان المنعم جل جلاله، كما ذكر هذه الفائدة بقوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} 1. فقد أوضح الفائدة هنا، وهي معرفة العداوة التي بين آدم وذريته، وإبليس وذريته ومأخذها مما دلت عليه الآيات من نكول إبليس عن السجود لآدم وطرده بسبب ذلك واستدل على هذه الفائدة بذكره سبحانه هذه العداوة في الآية المذكورة. وقوله2: ومنها- وهي أعظمها- أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب، وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره، وذلك من قصة إبليس وما كان فيه أولاً من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله "صلى الله عليه وسلم": "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ... " إلى آخره3. وقد دعم هذا الاستنباط بالسنة. وقوله4:- ومنها معرفة شدة عداوة عدو الله لنا، وحرصه على إغوائنا بكل طريق فيعتد المؤمن لهذا الحرب عدته، ويعلم قوة عدوه وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله كما قال قتادة: إن عدوا يرآنا هو وقبيله من حيث لا نراهم أنه لشديد المؤنة إلا من عصمه الله، وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع، وأمرنا باتخاذه عدوا5. وقد دعم هذا الاستنباط بقول قتادة التابعي "رحمه الله". وقد سار الشيخ على هذا النمط كثيراً في استنباطه الفوائد من قصة آدم وإبليس فمن ذلك قوله أيضاً:   1 سورة الكهف: آية "50" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "86، 87". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "84". 3 تقدم تخريجه ص "139". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "87". 5 تقدم تخريجه ص "76". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ومنها معرفة قدر الإخلاص عند الله، وحمايته لأهله، لقول اللعين: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 1 فعرف عدو الله أن لا سبيل له على أهل الإخلاص. ومنها أن كشف العورة مستقر قبحه في الفطر والعقول لقوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} 2. وقد سماه الله فاحشة. منها أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بالفجرة بل يكون على حذر منهم ولو قالوا ما قالوا، خصوصاً أولياء الشيطان، الذين تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته، فإن اللعين حلف: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} 3. ومنها أن زخرفة القول قد تخرج الباطل في صوره الحق، كما في الحديث "إن من البيان لسحرا" 4. فإن اللعين زخرف قوله بأنواع منها: تسمية الشجرة "شجرة الخلد"، ومنها تأكيد قوله: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وغير ذلك مما ذكر في القصة، فينبغي للمؤمن أن يكون من زخرف القول على حذر، ولا يقنع بظاهرة حتى يعجم العود5. وهكذا يتضح في معظم استنباطاته من قصة آدم وإبليس الفائدة ومأخذها، حتى لا يكون هناك مجال لردها، أو ادعاء المبالغة أو التخيل فيها فهي نابعة من صميم القصة وأحداثها. وقد تكون الفائدة المستنبطة دعما واستدلالا لقاعدة معروفة أو أمر مقرر في الشرع فيقول مثلا: -ومنها أن في القصة شاهداً لما ذكر في الحديث "إن من العلم جهلا" 6 أي من بعض العلم ما العلم به جهل، والجهل به هو العلم فإن اللعين من أعلم الخلق بأنواع   1 سورة الحجر آية "40" وسورة "ص" آية: "83". 2 سورة الأعراف: آية "20". 3 سورة الأعراف: آية: "21". 4 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الطب/ باب إن من البيان سحرا. انظر الفتح "10: 247" ح "5767" ومسلم في صحيحه كتاب الجمعة/ باب تخفيف الصلاة والخطبة "594:2" ح "869". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "93، 94". 6 رواه أبو داود في سننه/ كتاب الأدب/ باب ما جاء في الشعر "303:4" ح "5012". وضعفه الألباني في ضعيف الجامع "1: 193" ح "1989". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الحيل التي لا يعرفها آدم، مع أن الله علمه الأسماء كلها، فكان ذلك العلم من إبليس هو الجهل، وفى الحديث: "إن الفاجر خب لئيم وإن المؤمن غر كريم" 1 وأبلغ من ذلك وأعم منه قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} 2 فقيل لهم ما قيل وعوتبوا، فكانت توبتهم أن قالوا: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} 3 فكان كمالهم ورجوعهم عن العتب وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل إلا ما علمهم سبحانه، ففي هذه القصة شاهد للقاعدة الكبرى في الشريعة المنبة عليها في مواضع منها قوله "صلى الله عليه وسلم": "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" 4. وقوله5: ومنها أن فيها معنى القاعدة الكبرى في الشريعة المذكورة في مواضع منها قوله "صلى الله عليه وسلم": "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 6 وهي من قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} 7 فإنهم ذكروا أن معناه قطع آذان البحيرة تقربا إلى الله على عادات الجاهلية8.   1 رواه الإمام أحمد في مسنده "2: 394" وأبو داود في سننه "كتاب الأدب/ باب في حسن العشرة "4: 251" ح "4790" والترمذي في جامعه/ كتاب البر والصلة باب ما جاء في البخيل "344:4" ح "1964" وقال: حديث غريب. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي "2: 187" ح"1599". 2 سورة البقرة آية: "30". 3 سورة البقرة آية: "32". 4 أخرجه الطبري في تفسيره "85:7" والحاكم في مستدركه "4: 115". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "96". 6 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب الصلح/ باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود انظر الفتح "5: 355" ح "2697" ومسلم في صحيحه كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور "1343:3" ح "1718". 7 سورة النساء: آية "119". 8 قاله الطبري ورواه عن قتادة والسدي وعكرمة. انظر تفسيره "5: 281، 282". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وقوله:1- ومنها أن فيها شهادة لما ذكر عن بعض السلف: أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها. وقوله: ومنها أنها تفيد القاعدة المعروفة: إن الجزاء من جنس العمل، وذلك أنه قصد الترفع، فقيل له: {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} 2 فقصد العز فأذله الله بأنواع من الذل3. وهكذا يسعى الشيخ لتحقيق شمولية الاستفادة من القصة بكل ما فيها من عبرة وعظة أو استدلال وتقرير لقاعدة أو مسألة إذ القرآن الذي حكاها لنا من لدن حكيم خبير. وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه. 2- وتارة ينحى منحى الإيجاز في الاستنباط من القصة والإشارة إلى رؤوس الفوائد والمسائل وعدم التفصيل فيها فهو يسير بهذا على منهجه الاستنباطي المقتضب غالباً في تفسيره، وذلك كاستنباطه من قصة موسى وفرعون، فمن ذلك قوله مستنبطاً من قول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية4. هذا وحي إلهام ففيه إثبات كرامات الأولياء. الثانية: أنها أمرت بإلقائه في اليم وبشرت بأربع. الثالثة: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} فيه حكمة هذا الالتقاط. الرابعة: أن اللام لام العاقبة. الخامسة: أن الإنسان قد يختار ما يكون هلاكه. السادسة: أن ذلك القدر بسبب خطايا سابقه5. وقوله: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} الآية6. فيه أن المرأة الصالحة قد يتزوجها رجل سوء. الثانية: قولها: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فيه محبة الفأل.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "97". 2 سورة الأعراف: آية "13". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "97". 4 سورة القصص: آية "7". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "282، 283". 6 سورة القصص: آية "9". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الثالثة: ذكر الترجي. الرابعة: عدم الشعور1. وقوله: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} 2 الآية فيه: ما ابتليت به. الثانية: لولا منة الله عليها بالربط. الثالثة: لتكون من المؤمنين. الرابعة: أن الإيمان يزيد وينقص3. وقوله: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ..} الآية4 فيه: أن التوكل واليقين لا ينافي السبب. الثانية: تسبب الأخت أيضاً. الثالثة: عدم شعورهم مع ذكائهم، وظهور العلامات5.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "383". 2 سورة القصص: آية: "10". 3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "383". 4 سورة القصص: آية "11". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "383". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص لدى الشيخ ينحى الشيخ في دراسته للقصص في بعض الأحيان منحى الجمع الموضوعي لاحتواء أطراف القصة وأحداثها، ولتحقيق الوحدة الموضوعية وإن كان ذلك في نطاق محدود فيتسنى بذلك جمع الاستنباطات والفوائد المستنبطة من القصة، والمستوحاه منها، في موضع واحد ليسهل بذلك الاطلاع عليها، وتعم الفائدة المرجوه. فمن ملامح هذا الجمع الموضوعي صنيعة في التعرض لتفسير قصة يوسف بأكملها دون اختيار أجزاء منها مما حدا به إلى تفسير السورة بأكملها حيث شغلت القصة منها حيزاً كبيراً. وهذه القصة تتجلى فيها الوحدة الموضوعية في أبدع أشكالها، وأبهى حللها، إذ تسير القصة سيرا موضوعيا، منسجما، متكاملا كل جزئية منها متصلة بالجزئية الأخرى اتصالا وثيقا، منذ بداية القصة بالرؤيا: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 1 ومن ثم الأحداث المتتالية المنتهية بتأويل تلك الرؤيا بعد زمن طويل كان ظرفا لأحداث كثيرة: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} الآية2. ولعل اختيار الشيخ لهذه القصة المتكاملة الأحداث في مكان واحد، واستنباط ما فيها من العبر والدروس اعتبار منه لهذه الوحدة الموضوعية، وإن كان لا يستغرب على من تصدى لتفسير كتاب الله أن يتعرض لتفسير سورة يوسف بما فيها قصة يوسف "عليه السلام". إلا أن الشيخ كما هو معلوم لم يرد فيما يبدو أن يفسر القرآن كله، بل آيات مختارة منه، فكون سورة يوسف بما فيها من تلك القصة التي تحققت فيها   1 سورة يوسف: آية "4". 2 سورة يوسف: الآيتان "99، 100" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الوحدة الموضوعية من تلك المختارات اعتبار منه لهذا الأمر. والله أعلم. وتتجلى ملامح هذا الجمع الموضوعي واضحة عند تعرفه للاستنباط من قصة "موسى وفرعون"، فقد أهتم في ذكرها بجمع الآيات ذات العلاقة في موضع واحد، حيث جمع أكثر الآيات التي تعرضت لذكر هذه القصة فبدأ بسورة القصص، واستنبط ما فيها من الفوائد حسبما ذكر من أحداثها في هذه السورة ثم انتقل لذكر ما ورد في سورة "طه" من الزيادة مستنبطاً ما فيها من الفوائد ثم ما ورد في سورة الأعراف ثم الشعراء وهكذا حتى أتى على استنباط الفوائد المتعلقة بهذه القصة من خلال ورودها في خمس عشرة سورة هي:- "الأعراف" و "يونس" و "هود" و "الإسراء" و "المؤمنون" و "الشعراء" و "النمل" و "القصص" و "المؤمن" و "غافر" و "الزخرف" و "الدخان" و "الذاريات" و "القمر" و "المزمل" و "النازعات". ومن ملامح هذا الجمع الموضوعي أيضاً صنيعه في قصة "آدم وإبليس" فقد تكلم عن القصة والفوائد المستنبطة منها مستفيداً من ورود أحداثها في سور متعددة. فمثلا قوله: ومنها أن فيها معنى القاعدة الكبرى في الشريعة، المذكورة في مواضع منها قول النبي "صلى الله عليه وسلم": "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 1 وهي من قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} فإنهم ذكروا أن معناه قطع آذان البحيرة تقرباً إلى الله على عادات الجاهلية. مستفاد من آية النساء المذكورة رقم "119". وقوله: "ومنها أن كشف العورة مستقر قبحة في الفطر والعقول لقوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} وقد سماه الله فاحشة2". مستفاد من آية الأعراف المذكورة رقم "20".   1 تقدم تخريجه ص "234". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "93". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقوله: "ومنها أن زخرفة القول قد تخرج الباطل في صورة الحق كما في الحديث "إن من البيان لسحرا" 1 فإن اللعين زخرف قوله بأنواع منها: تسمية الشجرة "شجرة الخلد" ومنها تأكيد قوله: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وغير ذلك مما ذكر في القصة.." 2. مثل له بما ذكر في آيتين الأولى في سورة "طة" وهي قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} الآية". والأخرى في سورة "الأعراف" وهي قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} . وهكذا بقية الفوائد المستنبطة من القصة هي مستنبطه من سور عديدة، فتحقق بهذا الجمع الموضوعي لهذه القصة بشكل شامل مبسط. ومما يجدر التنبيه إليه هنا صنيع الشيخ في تصنيف الفوائد المستنبطة من قصة "موسى والخضر" تصنيعاً موضوعيا بديعا مستوحى من هذه القصة وما ورد من بيانها في الكتاب والسنة. حيث صنف الفوائد المستنبطة إلى أقسام يندرج تحت كل قسم ما يتعلق به من فوائد وعبر عن هذه الأقسام بمسائل وكل مسألة مشتملة على مسائل3. فالأولى: ما يتعلق بجلال الله وعظمته وفيه مسائل: الأولى: معرفة سعة العلم لقوله "ما نقص علمي وعلمك" 4 وهذا من أعظم ما سمعنا من عظمة الله.   1 تخدم تخريجه ص "233". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "93، 94". 3 انظر هذه المسائل في المرجع السابق ص "251" وما بعدها. 4 هذه اللفظة جزء من الحديث المتفق عليه في قصة موسى والخضر عليهما السلام وفيه "فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين قال له الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر". رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب أحاديث الأنبياء/ باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام "الفتح 497:6- 499" ح "3400- 3402" ومسلم في صحيحه/ كتاب الفضائل/ باب من فضائل الخضر عليه السلام "1847:4" ح "2380". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الثانية: الأدب مع الله لقوله: "فعتب الله عليه". 1 الثالثة:- الأدب معه أيضاً في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} 2 وقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} 3. ووجه ذلك- والله أعلم- أنه نسب العيب إلى نفسه. وإرادة الصلاح إلى الله تعالى وهكذا. الثاني: ما يتعلق بأحوال الأنبياء وفيه مسائل: الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ. قلت: وهي مأخوذة من قول موسى وقد سئل: "أي الناس أعلم؟ فقال: أنا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. فقال: بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك" الحديث4. الثانية: أنه يجوز عليه النسيان. قلت: وهي مأخوذة من قوله تعالى إخباراً عن قول موسى: {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} 5. وكذا قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} 6. الثالثة: فضيلة نبينا "صلى الله عليه وسلم" بعموم الدعوة لقوله: "موسى بنى إسرائيل" 7. وهكذا. الثالث: مسائل الأصول. وفيه مسائل: أعظمها التوحيد، ولكن سبق آنفاً فنقول: الأولى: الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الأدلة إحياء الموتى في دار الدنيا. الثانية: إثبات كرامات الأولياء على القول بعدم نبوة الخضر. الثالثة: أنه قد يكون عند غير لنبي من العلم ما ليس عند النبي. .... وهكذا   1 هذا جزء من الحديث السابق تخريجه ص "239". 2 سورة الكهف: آية "79". 3 سورة الكهف: آية "84". 4 جزء من الحديث السابق تخريجه ص "239". 5 سورة الكهف: آية "73". 6 سورة الكهف: آية "61". 7 جزء من الحديث السابق تخريجه ص "239". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الرابع: ما فيها من التفسير: الأولى: أن المذكور هو الخضر لا كما قال الحر بن قيس1. الثانية: أن موسى هو المشهور عليه السلام خلافاً لنوف2. الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم ألفاظ القرآن كما بينها. .... وهكذا. الخامس: آداب العالم والمتعلم ففيه مسائل: الأولى: تسمية التلميذ الخادم فتى. الثانية: أن تلك الخدمة مما يرفع الله بها كما رفع يوشع3. الثالثة: تعلم العالم عمن دونه. ..... وهكذا. السادس: ما فيها من مسائل الفقه: فالأولى: عمل الإنسان في مال الغير بغير إذنه إذا خاف عليه الهلاك. الثانية: ليس من شروط الجواز خوف الهلاك بل قد يجوز للإصلاح لقصة الجدار. الثالثة: أنه ليس من شروط المسكين في الزكاة أنه لا مال له. ..... وهكذا. السابع: المنثور والجامع. الأولى: القصة بجملتها من أعجب ما سمع، ولا يعرف في نوعها مثلها. الثانية: عين الحياة ومالله من الأسرار في بعض المخلوقات.   1 هو صاحب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الحر بن قيس بن حصن الفزاري ابن أخي عيينة بن حصن وهو أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله "صلى الله علية وسلم" مرجعه من تبوك، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر "رضي الله عنه". انظر ترجمته في أسد الغابة "393:1، 394" والإصابة "2: 5، 6". 2 هو نوف بن فضالة الحميري البكالي، إمام أهل دمشق في عصره، وكان راوياً للقصص وهو ابن زوجة كعب الأحبار. استشهد مع محمد بن مروان في الصائفه وذكره البخاري في فضل من مات ما بين التسعين إلى المائة. انظر في ترجمته حلية الأولياء "48:6" وتهذيب التهذيب "10: 490". 3 هو يوشع بن نون "فتى موسى" الذي خلفه في بني إسرائيل. انظر تفسير الطبري "15: 271" وزاد المسير "5: 164". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الثالثة: ما أبتلى به موسى عليه السلام مما لا يحتمل مع وعده الصبر وتعليقه بالمشيئة. ...... وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي لم يهتم الشيخ بالإسرائيليات وذلك لاهتمامه في مجال القصص القرآني ودراسته بالنص على الفائدة، ومن المعلوم أن القصة القرآنية قد نصت على موضع العبرة والفائدة، وغالب التفصيلات الواردة في أخبار بني إسرائيل لا فائدة فيها، يقول الشيخ عند قول الله تعالى في أول سورة يوسف: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 1 ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب أن عمر أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" بكتاب فقرأ عليه، فغضب فقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب. والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيه، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه، أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" رواه أحمد2. وفي لفظ أنه استكتب جوامع من التوراة وقال: ألا أعرضها عليك، وفيه: "لو أصبح فيكم موسى حياً ثم أتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين" 3. قال الشيخ موضحاً حزم عمر في هذا الموضع: وقد انتفع عمر بهذا، فقال للذي نسخ كتاب دانيال: امحه بالحميم والصوف الأبيض، وقرأ عليه أول هذه السورة، وقال: لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة"4. قلت: وهذا موقف حازم من عمر "رض الله عنه". وأما من أنا بصدد دراسة موقفه من الإسرائيليات وهو الشيخ محمد "رحمه الله"   1 سورة يوسف: الآيات "1- 3". 2 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "288، 289". 3 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "288، 289". 4 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "128". والأثر سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "290". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 فيقول: أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات1. فهل يا ترى يذهب الشيخ إلى أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مطلقاً؟ أو أنه يسير على ما سار عليه كثير من المفسرين في جواز الأخذ من أخبار بني إسرائيل في حدود المباح؟ الذي يظهر لي أنه ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه يذهب إلى المنع مطلقاً، وإن كان يشعر بالتشديد في شأن أخبار بني إسرائيل. وأما قوله: إن القرآن كاف عما سواه من الكتب. فحق لا مرية عليه ولكن القضية في حكم الأخذ من الإسرائيليات هل يجوز أولا؟ لقد ساق الشيخ هذا الحديث المتضمن هذه القصة التي حدثت لعمر رضي الله عنه ثم قال:- وقد انتفع عمر بهذا .... فلم يستنبط الشيخ منه حكما عاما، وإنما ذكر هذا الموقف لعمر "رضي الله عنه". ثم إن هذا الموقف لعمر "رضي الله عنه" اجتهاد منه في العمل بالأمر الأول وهو المنع لما رأى من المصلحة، والحال المقتضية لذلك، إما لأنه رأى أن الناسخ لكتاب دانيال لم يتمكن من علوم الشريعة الإسلامية، فليس لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، فخشى عليه أن يزيغ فيكذب بحق أو يصدق بباطل، وإما لخوف التشويش على أهل تلك الديار التي منها هذا الناسخ ممن هم حديثو عهد بكفر، وهم في أول إسلامهم، فناسب أن يعاملوا بما يناسب حالهم من المنع، كما منع الرسول "صلى الله عليه وسلم" المسلمين أول مرة من الأخذ من أخبار أهل الكتاب. قال الحافظ ابن حجر: وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحظور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار2. أ. هـ.   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "255". 2 انظر فتح الباري "575:6". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فموقف عمر "رضى الله عنه" هنا- وإن كان يدل على التشديد في شأن الأخذ من أخبار بنى إسرائيل والكراهة له- إلا أنه لا يدل على أنه يذهب إلى تحريم الأخذ من أخبارهم في حدود المباح، لمن كانت عنده القدرة على التمييز بين السليم والسقيم، ومثل هذا وأرد أيضاً عن بعض الصحابة كابن عباس "رضي الله عنه" فأنه قد ورد عنه النهي عن سؤال بنى إسرائيل ومع هذا فكان "رضي الله عنه" كثيراً ما يأخذ عن مسلمة أهل الكتاب من أخبارهم. فدل هذا على أن التشديد من أولئك الصحابة هو في حق من لم يستطع التمييز بين الصحيح وغيره وما هو داخل ضمن المأذون في نقله من عدمه لعدم تضلعه من علوم الشريعة. وأما من كان عنده القدرة على معرفة الحق من غيره، وكيفية الأخذ والاستفادة من أخبار بني إسرائيل، فإنه يجوز له أن يأخذ من أخبارهم، وإن كنا لسنا بحاجة إلى أخبارهم. فإذا كان كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتقدم أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات، لا يدل على أنه يرى النهي عن الأخذ من أخبار بني إسرائيل مطلقاً فما المراد به؟ وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن كلام الشيخ هذا يحمل على أحد معان: 1- أنه صادر في حق من لم تكن لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل فهو من قبيل النهي المتقدم من الصحابة عن الأخذ من أخبار أهل الكتاب وسؤالهم وخصوصاً أن الجهل قد عم وطم في كثير من الأرجاء في الفترة التي قام فيها الشيخ بدعوته. 2- أنه لا يجوز تفسير كلام الله عز وجل وإيضاح معانيه بمجرد أخبار بني إسرائيل اعتماداً عليها، واعتقادا لها، حيث أن أخبارهم لا يقطع بصحة كونها من جملة أخبار كتبهم السماوية على الحقيقة. إذ أن الله عز وجل لم يتكفل بحفظ كتابهم، بل استحفظهم إياه كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} , الآية1 فحفظ الأنبياء كتبهم، هم ومن سار على نهجهم من الربانيين والأحبار، حتى جاء من علمائهم وعبادهم من ضيعوا ما استحفظوا، وزادوا في كتبهم، ونقصوا وحرفوا لفظاً ومعنى، كما أخبر الله عنهم بقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} 2 وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه} 3. هذا مع فقد الإسناد لديهم. فلذا تذكر أحاديثهم وأخبارهم للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها وإن شهد لها ما عندنا من الكتاب المهيمن، والسنة الراشدة بالصحة، فالاعتقاد بما عندنا، وما عندهم إنما يستشهد به4. 3- أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مما يعلم بطلانه من أخبارهم لدلالة ما عندنا على بطلانه، فالشيخ يعني نوعاً معيناً من الإسرائيليات، وذلك أن أخبار بنى إسرائيل على ثلاثة أقسام5: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا ما يشهد له بالصدق، كنبوة موسى وغيره من أنبيائهم، وغير ذلك فذاك صحيح. الثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا ما يخالفه، وذلك كرميهم لبعض الأنبياء بالتهم الباطلة المنافية لما نعلمه في ديننا من عصمة الأنبياء، فمثل هذا من أخبارهم كذب. الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته، وعليه يحمل قول النبي "صلى الله عليه وسلم": "لا تصدقوا بني إسرائيل ولا تكذبوهم" 6.   1 سورة المائدة: آية "44". 2 سورة المائدة: آية "41". 3 سورة النساء: آية "46" وسورة المائدة: آية "13". 4 انظر مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص "100". 5 انظر: مقدمة في أصول التفسير ص "100". 6 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" انظر الفتح "13: 345" ح "7363". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فالذي يعنيه الشيخ من هذه الأقسام هو القسم الثاني وهو ما علمنا كذبه لدلالة شرعنا على بطلانه، ولا يعنى الشيخ النوعين الآخرين، ويدل على هذا أمور منها: 1- أن الخبر الذي استنبط منه أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات كان من قبيل ما يعلم كذبه بما عندنا مما يخالفه، وذلك الخبر هو ما ثبت أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بن إسرائيل، وإنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "قام موسى النبي خطيباً في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك ... ", الحديث1. فسياق الكلام، ومنبع الاستنباط دال على أن المراد هو ما ذكر مما عندنا ما يخالفه، إذ أن قول نوف البكالي أنه ليس بموسى بنى إسرائيل من أخبار بنى إسرائيل الكاذبة، فالكلام هنا فيها لا غير. 2- أن الشيخ في بعض الأحيان ينقل بعض الأخبار التي هي في الحقيقة مأخوذة من بنى إسرائيل، مما هو داخل تحت الإباحة، فلا يتصور أن يرى الشيخ تحريم تفسير القرآن بالإسرائيليات مطلقاً ثم يأخذ هو منها. وكل معنى من هذه المعاني صحيح2 في ذاته، وأقربها لمقصود الشيخ الثالث ثم الثاني، ولا يمتنع أن يجمع بينهما فيكون المعنى أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مما عندنا ما يكذبه، وإن ذكر ما ليس عندنا ما يكذبه، فإنما يذكر ذلك للاستشهاد لا للاعتقاد. وهذا هو رأى شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع3.   1 تقدم تخريجه ص "239". 2 أي المعاني الثلاثة التي قلت: إن كلام الشيخ يحتملها. 3 انظر مقدمه في أصول التفسير ص "100". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وأما التوجيه الأول فيظهر لي أنه مع إمكانه فيه نظر وذلك أن الشيخ علق الحكم على التفسير لا على المفسر. والله أعلم. إذا ثبت هذا فإن أخذ الشيخ من الأخبار الإسرائيلية هو في نطاق ضيق، وفى حدود ما أذن به، إذ أن الإسهاب في ذكر القصص الإسرائيلي لا يخدم منهج الشيخ، ولا يلائمة، لما علم من أن غرض الشيخ هو النص على الفائدة، ولما علم من ميزة كل من القصة القرآنية، والقصة الإسرائيلية. فانظر إلى مقاله عند بداية الحديث عن قصة أصحاب الكهف عند قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} 1 حيث يقول2: يعنى أن قصتهم مع كونها عجيبة، فيها مسائل جليلة، أعظمها الدلالة على التوحيد، وبطلان الشرك، والدلالة على نبوته "صلى الله عليه وسلم" ومن قبله، والدلالة على اليوم الآخر، ففي الآيات المشاهدة من خلق السماوات والأرض، وغير ذلك مما هو أعجب، وأدل على المراد من قصتهم، مع إعراضهم عن ذلك، فأما دلالتها على التوحيد وبطلان الشرك فظاهر، وأما دلالتها على النبوات فكذلك كما جعلها أحبار يهود آية لنبوته، وأما دلالتها على اليوم الآخر فمن طول لبثهم لم يتغيروا كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} 3. وهكذا عندما تعرض الشيخ للاستنباط مما ذكر من أحداث هذه القصة، حسبما ورد في كتاب الله تعالى ركز على الفوائد والعبر الواردة فيها، واستفاد من أحداثهما في النصح والتوجيه، دون التعرض لتفصيلات القصة وجزئياتها مما لم يذكر في شرعنا. فمن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} الآية4 فيه مسائل: الأولى: كونهم فعلوا ذلك عند الفتنة وهذا هو الصواب عند وقوع الفتن الفرار منها.   1 سورة الكهف: آية "9". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "241، 242". 3 سورة الكهف: آية "21". 4 سورة الكهف: آية "10". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الثانية: قولهم: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} لا نحصلها بأعمالنا ولا بحيلتنا. الثالثة: قولهم: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} طلبوا من الله أن يجعل لهم من ذلك العمل رشداً مع كونه عملاً صالحاً، فما أكثر ما يقصر الإنسان فيه، أو يرجع على عقبيه، أو يثمر له العجب والكبر، وفى الحديث "وما قضيت لنا من قضاء فأجعل عاقبته رشدا" 1. وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} إلى قوله: {مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} 2 فيه مسائل: الأولى: من آيات النبوة وإليه الإشارة بقوله "بالحق". الثانية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} وهم الشبان، وهم أقبل للحق من الشيوخ، عكس ما يظن الأكثر. الثالثة: قوله: {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} فلم يسبقوا إلا بالإيمان بالله. الرابعة: ما في الإضافة إلى ربهم من تقرير التوحيد. الخامسة: في قوله: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عمل بما يعلم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم. السادسة: أن المؤمن أحوج شيء إلى أن يربط الله على قلبه، ولولا ذلك الربط افتتنوا. السابعة: قولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هذه الربوبية هي الألوهية. الثامنة: المسألة الكبرى: أن من ذبح لغير الله أو دعا غيره فقد كذب بقول "لا إله إلا الله" وقد دعا إلهين اثنين واتخذ ربين. التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس: أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمناً حقاً، كارهاً لموافقتهم فقد كذب في قوله: "لا إله إلا الله" واتخذ إلهين اثنين، وما أكثر الجهل بهذه والتي قبلها.   1 هذا جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد في مسنده "6: 146، 147" والحاكم في مستدركه "1: 521، 522" وصححه، ووافقه الذهبي. 2 سورة الكهف: الآيات "13- 26". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 العاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم- أعني موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك فهو قوله: {شَطَطاً} والشطط: الكفر. الحادية عشرة: قوله: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} فهذه المسألة مفتاح العلم، وما أكبر فائدتها لمن فهمها. الثانية عشرة: قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} ففيه أن مثل هذا من افتراء الكذب على الله، وأنه أعظم أنواع الظلم، ولو كان صاحبه لا يدري بل قصد رضا الله. الثالثة عشره: قوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} فيه اعتزال أهل الشرك، واعتزال معبوديهم، وأن ذلك لا يجرك إلى ترك ما معهم من الحق، كما قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} 1. الرابعة عشره: قوله: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} فيه شدة صلابتهم في دينهم حيث عزموا على ترك الرياسة العظيمة، والنعمة العظيمة، واستبدلوا بها كهفاً في رأس جبل. الخامسة عشرة: حسن ظنهم بالله، ومعرفتهم ثمرة الطاعة، ولو كان مباديها ذهاب الدنيا، حيث قالوا: {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} . السادسة عشرة: الدليل على الكلام المشهور أن التعب يثمر الراحة، والراحة تثمر التعب. السابعة عشرة: عدم الاغترار بصورة العمل الصالح، فرب عمل صالح في الظاهر لا يثمر خيراً، أو عمل صالح يهيئ لصاحبه منه مرفقا2.   1 سورة المائدة: آية "8". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "242- 244". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وهكذا لم يهتم الشيخ بذكر ما ذكره بعض المفسرين من القصص الإسرائيلي المتعلق بهذه القصة، وإنما ركز في النظر على الدروس المستفادة من أحداث هذه القصة، واستنبط منها كما استنبط من غيرها كقصة آدم وإبليس، وموسى وفرعون، استنباطات عجاب وفوائد عذاب. وأما أحداث القصة ذاتها فإن ما جاء في القرآن من ذلك كاف عما سواه، إذ فيه الكفاية لفهم القصة وفائدتها، ولذا نجد أن الشيخ يركز أحياناً على استنباط أحداث القصة من خلال التأمل في النص القرآني ودلالته. - ومن دلائل ذلك استنباطه من قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} 1 الآية. أنهم لم يعلموا أنها ردت إليهم حتى وصلوا إلى أهلهم وفتحوا المتاع2. وهذا الفهم من خلال التأمل في نص الآية فإن "لما" في هذا الموضع تقتضي جملتين؛ وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما3. ومفهوم ذلك ما ذكره الشيخ في استنباطه. - ثم يقول مستنبط من هذه الآية والتي بعدها وهى قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 4. إن هذا يدل على أنهم في جوع وضراء عظيمة، وهم أكرم أهل الأرض على الله وابتلاهم بذلك لا لهوانهم عليه"5. وهذا الاستنباط إنما هو من خلال التأمل في حالهم وما جرى بينهم وبين أبيهم من حوار وعهود ومواثيق، إذ لو كان بهم غناء عن جلب الميرة لم يحتج أبوهم إلى أن يخاطر بابنه الآخر بل يكتفي بما عندهم من الزاد.   1 سورة يوسف: آية "65". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "161". 3 انظر مغني اللبيب لابن هشام "280:1". 4 سورة يوسف: آية "66". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "162". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ومن دلائله أيضاً قوله عند قول الله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} الآية1. انهم لما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه كما أوى إليه أخاه يدل على أنه لم يفعل ذلك بإخوته2. وهذا الاستنباط من خلال تأمل قوله هنا: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} مع قوله: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} 3 فمعلوم أنه أول مره لم يؤو إليه بقية إخوته، إذ أن قوله لأخيه: {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4 يدل على أنه كان بمعزل عنهم، فأسر إليه هذا الأمر دونهم. فكذا قوله: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} كذلك يدل على ما ذكره الشيخ. وهذا من أحسن الفهم والاستنباط، أعني الفهم الناتج من ضم الآيات بعضها إلى بعض والاستنباط من خلال ذلك. ومن دلائله أيضاً استنباطه من قوله تعالى إخباراً عن مقالة إخوة يوسف {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} الآية5. أن هذا يدل على أن أهل مصر لم يعرفوا يعقوب معرفة تامة6. وهذا الفهم ناتج من خلال النظر في كلام الاخوة، ووصفهم أباهم بالأوصاف المذكورة في الآية، فلو كان يعقوب عليه السلام معروفاً عند أهل مصر معرفة تامة لم يحتاجوا إلى أن يصفوه بهذه الأوصاف، وإنما يكتفون بقولهم: أنه ابن نبي الله يعقوب عليه السلام. أو نحو ذلك.   1 سورة يوسف: آية "99". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "175". 3 سورة يوسف: آية "69". 4 سورة يوسف: آية "69". 5 سورة يوسف: آية "78". 6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "168". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 بل إن الشيخ قد يرد على بعض ما ورد في القصص الإسرائيلي من خلال النص القرآني ومن ذلك قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن مقالة النسوة {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوء} 1 فيه رد لبعض الأقوال التي قيلت في الهم2. ووجه ذلك أن {سُوء} نكرة في سياق النفي فيدل على العموم مع تأكيد النفي بزيادة {مِنْ} فدل ذلك على نفي جميع أنواع السوء عن يوسف عليه السلام كما قال تعالى من قبل: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} 3. إذ يقول الشيخ: عطف الفحشاء على السوء. قيل: إن السوء الذنوب كلها، وصرف الله عنه السوء والفحشاء، فيه رد على ما ذكر بعض المفسرين4. فهذا الفهم لأحداث القصص من خلال النص القرآني أولى من الانهماك في نقل الأخبار الإسرائيلية، فإن في الأخذ عنهم مخاطرة عظيمة، يمكن تلافيها بالاستنباط من الآيات" والنظر الصحيح، الذي يكون صاحبه بين أجر وأجرين. ثم أعود فأقول إن استنباطات الشيخ من القصص مع واقعيتها قد لا تخطر على بال الكثير. فكان تنبيهه إليها وإلى مواضع استنباطاتها من الآيات مما يثير الإكبار حقاً لهذا الفهم السليم، والمنهج القويم، حيث ينبه من خلاله إلى كثير من أهداف القصة ودروسها وعبرها، فتجد في هذه الاستنباطات ما يتعلق بترسيخ العقيدة، وما يتعلق بالاتجاه الإصلاحي للمجتمع، والاتعاظ والاعتبار والنصح والتوجيه بل والفقه والأحكام، وغير ذلك، وإن كانت القصة قد مضت وانتهت، إلا أن إخبار الله إيانا بها منطو على توجيهنا إلى الاتعاظ والاعتبار بما فيها كما قال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 5 وهذا هو ما نبه الشيخ إليه باستنباطاته امتثالاً أمر الله تعالى بالاعتبار بقصص القرآن.   1 سورة يوسف آية "51". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "153". 3 سورة يوسف: آية "24". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "137" وانظر قسم التحقيق ص "313". 5 سورة يوسف: آية "111". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فما أجدر من تعرض لدراسة القصص القرآني بأن يسلك هذا المنهج، ويعالج بما يستنبط من أحداثه واقعاً أليماً، ومشكلة واقعة بدلاً من الإسراف في نقل الإسرائيليات، والإغراق في الخيال، وذلك حتى نستفيد من كتاب ربنا الذي قال فيه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 1. فإذا كنا مؤمنين بأن من أعظم أهداف القصة القرآنية الاتعاظ والاعتبار، فلنتعظ ونعتبر بما نص الله عليه من أحداث حقيقية ذكرها لعظيم ما يستنبط منها من فوائد، بينما لم يذكر سبحانه بعض التفصيلات التي لا تهمنا في شيء، فالبحث عن تلك التفاصيل من الأخبار الإسرائيلية إهدار للجهد والوقت فجما لم يكلفنا الله البحث عنه. ولذا لم يهتم الشيخ كما قلت بذكر القصص الإسرائيلي، وإذا ذكر شيئاً منه للاستشهاد، أو لبيان أمر ما فإنه يحتاط في ذلك فلا ينقل شيئاً مما في شرعنا ما يخالفه. ومع هذا يحتاط أيضاً في رواية أخبارهم المأخوذة عنهم فيذكر ما يروى غالب بصيغة التمريض نحو "قيل" و "روي" و "ذكر" وذلك لأنه لا يوثق بنقلهم. فالجزم بشيء من أخبارهم أنه من كتاب الله، وحقيقته أنه ليس من كتاب الله، أو الجزم أنه ليس من كتاب الله، وحقيقته أنه من كتاب الله أمر خطر بلا شك. فلعل الأسلم في رواية أخبارهم هذه الصيغة. فمن أمثلة ذلك قوله عند قول الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} إلى قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 2. فيه مسائل، ونذكر قصة قبل ذلك: قيل: إن الملك بلغه أن الخباز يريد أن يسمه، وأن صاحب شرابه مالأه لحى ذلك، فحبسهما جميعاً، وذلك قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} فقال الساقي: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} ، أي: أعصر عنباً خمراً، وقال صاحب الطعام: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} بتفسيره، {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} تأتي الأفعال الجميلة، وقيل: ممن يحسن   1 سورة النحل: آية "89". 2 سورة يوسف: آية "36". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 تعبير الرؤيا. ثم ذكر المسائل المستنبطة من هذه القصة1. ويقول مستنبطاً من قصة تعبير يوسف رؤيا الملك: أنه عبر البقر السمان بالسنين المخصبة، والبقر العجاف بالسنين المجدبة، وأكلها السمان كون غلة السنين المخصبة يأكلها الناس في السنين المجدبة، وكذلك السنابل الخضر واليابسات، قيل: إنه رأى سبع سنابل خضر قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات، قد استحصدت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن2. ويقول عند قول الله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} إلى قوله: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} 3 قيل: لما أطمأن يوسف في ملكه ومضت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة، وأصاب الشام من القحط ما أصاب غيرهم، فأرسل يعقوب بنيه إلى مصر وأمسك بنيامين عنده، فلما دخلوا عليه عرفهم. قيل: كان بين دخولهم عليه وإلقائه في الجب "أربعون سنة" فلذلك لم يعرفوه فقال: أخبروني ما أمركم؟ فقالوا: نحن قوم من أرض كنعان، جئنا نمتار طعاماً. قال: كم أنتم؟ قالوا: عشرة قال: أخبروني خبركم. قالوا: إنا إخوة، بنو رجل صديق، وإنا كنا اثني عشر، فذهب أخ لنا معنا في البرية فهلك فيها، وكان أحب إلى أبينا منا، فقال: فإلى من يسكن أبوكم بعده؟ قالوا: أخ لنا أصغر منه فذلك قوله {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} ... إلى آخره4. وهكذا يتبين ما أشرت إليه من منهجه في ذكر القصص القرآني. "وبالله التوفيق"   1 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "142، 143" وانظر قسم التحقيق ص "323" وما بعدها. 2 المرجع السابق ص "151" وقسم التحقيق ص "341". 3 سورة يوسف: الآيات "58- 61". 4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "158، 159". وتخريج هذه القصة في موضعه من قسم التحقيق ص "357". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الفصل السادس: ما ذكره الشيخ من علوم القرآن في تفسيره . اشتمل تفسير الشيخ واستنباطاته على ذكر بعض ما يندرج تحت علوم القرآن، وإن كان ذلك على وجه الندرة والاختصار في بعض ما ذكر منها. إلا أنه رغبة مني في التطرق لكل ما يتعلق بعلم التفسير لديه آثرت آن أنبه القارئ إلى تلك العلوم وبعض مواضعها في تفسيره ليتبين جلياً شمولية تفسيره. 1- القراءات: من المعلوم أنه من الضروري لمن يطلع على كلام المفسرين أن يطلع على ما ذكروه من قراءات ولكن لا يشترط لمن يفسر القرآن، وخصوصاً على منهج الشيخ أن يذكر القراءات الواردة في الآيات. فلذا لم يكثر الشيخ من ذكر القراءات وإن كان الظن أنه قد اطلع على كثير منها بل أنه قد أجيز بما يشمله ثبت أبي المواهب وهو مشتمل على القراءات كما تقدم1. فمن المواضع التي أورد فيها القراءات في تفسيره: - قوله في تفسير سورة الفاتحة عند قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وفى قراءة "ملِكِ يَوْمِ الدِّينِ"2. وقوله في سورة يوسف عند قوله تعالى إخباراً عن مقالة إخوة يوسف {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} 3 وفى قراءة "نرتع ونلعب"4. وعند قوله تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} 5.   1 انظر ما تقدم ص"8". 2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "13" وانظر حجة القراءات ص "77- 79" والكشف عن وجوه القراءات "1:25- 33". 3 سورة يوسف: آية "12". 4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "131" وانظر قسم التحقيق ص"300". 5 سورة الكهف: آية "26". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 قال: النهي عن إشراك مخلوق في حكم الله على قراءة الجزم1. وفى هذا- وإن لم أجد له نظيراً في تفسيره- دليل على أنه يولي القراءات نظرا ويستفيد منها طالما أنها قراءة صحيحة، وإن لم يسر عليها في بقية تفسيره واستنباطاته. ولبيان ما أراده الشيخ أقول: إن هذه هي قراءة ابن عامر "ولا تشركْ" بالتاء والجزم. وقراءة الباقين "ولا يشركُ" بالياء والرفع. ووُجِّهت قراءة ابن عامر بأن المعنى "لا تشرك أيها الإنسان في حكم ربك أحدا" نهي عن الشرك، وهو رجوع من غيبة إلى الخطاب2. وهذا المعنى هو الذي عناه الشيخ في استنباطه. ومما يدل على اهتمامه بالقراءات ومعانيها أنه اختصر بعض المسائل، والفوائد من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه "رحمه الله" وكان مما أورده في اختصاره، بعض ما يتعلق بالقراءات ومعلوم أن المختصر إنما يقتصر على ما يرى أهميته وفائدته أكثر من غيره، كما أن الاختصار في ذاته غرض من أغراض التأليف. يقول الشيخ "رحمه الله" في هذا الاختصار: .... وقرئ {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} 3 بالرفع والنصب، أي تستبين أنت سبيلهم، فالإنسان يستبين الأشياء وهم يقولون: بأن الشيء، وبينته، وتبين، وتبينته، واستبان ... واستبنته، كل هذا يستعمل لازماً ومتعدياً. فقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 4 هنا متعد. وقوله: {فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 5 فهنا لازم. فالبيان بمعنى تبيين الشيء، وبمعنى   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "248". 2 انظر حجة القراءات ص "415" والكشف عن وجوه القراءات "58:2، 59". 3 سورة الأنعام: آية "55". 4 سورة الحجرات: آية "6". 5 سورة النساء: آية "19" وسورة الطلاق: آية "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 بينت الشيء، أي أوضحته، وهذا هو الغالب1. فمثل هذا النقل دال بلا شك على اهتمام الشيخ واعتباره لجانب القراءات واستفادته منها. وإن كان قد جرى في تفسيره على قراءة حفص عن عاصم. وبالله التوفيق.   1 انظر مؤلفات الشيخ: ملحق المصنفات/ مسائل لخصها الشيخ من كلام ابن تيمية ص "184" ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام "9: 64". وانظر حجه القراءات "253" والكشف عن وجوه القراءات "433:1، 434". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 2- فضائل القرآن: بين الشيخ مراراً أهمية كتاب الله تعالى وعظمته ومنزلته، وأنه منبع الهداية، وطريق النجاة، وأن فيه الكفاية عما سواه من الكتب عند تعرضه لما يتعلق بهذا كما في أول سورة يوسف "عليه السلام"1، وفي كلامه في تفسير آيات من سورة "طه" وخصوصاً عند قوله تعالى في نهاية قصة آدم: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 2. وأورد هنالك قول ابن عباس رضى الله عنه: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة3.. وفي غير ذلك من المواضع. ولاشك أن هذا من أعظم فضائل القرآن بل هو أعظمها، وجميع ما يذكر من فضائله يرجع إلى هذه المعاني العظيمة. ومع هذا فقد ذكر في بعض المواضع بعض ما ورد من الأحاديث والآثار في بيان فضل القرآن. فقد ذكر عند تفسير سورة الإخلاص الحديث المروي عن عبد الله بن خبيب قال: خرجنا في ليلة مطيرة، وظلمة شديدة، نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، قال: فأدركته، فقال: "قل". فلم أقل شيئاً ثم قال: "قل"، فلم أقل شيئاً قال: "قل", قلت: ما أقول؟ قال: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء" 4.   1 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص "1027" وقسم التحقيق ص "288". 2 سورة طه آية: "123". وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص464-468. 3 أخرجه الطبري في تفسيره "225:16". 4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "383". والحديث أخرجه أبو داود في سننه/ كتاب الأدب/ جاب ما يقول إذا أصبح "322:4" ح "5082". والترمذي في جامعه/ كتاب الدعوات/باب 17 "567:5" ح "3575" والنسائي في سننه/كتاب الاستعاذة باب 1 "8: 250" ح "5428". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 ومن أعظم ما يدل على اهتمام الشيخ بهذا الجانب- وإن لم يسهب فيه كثيراً في تفسيره مراعاة لمنهجه- أنه ألف كتاباً نفيساً في فضائل القرآن ذكر فيه من الآيات والأحاديث والآثار المعزوة إلى مخرجيها كثيرا مما يبين عظيم قدر القرآن، ومنزلته، وفضله. ووجوب تعلمه واحترامه، وعدم المراءاة به، أو الغلو فيه، أو اتباع متشابهه أو تفسيره بالرأي المجرد. وغير ذلك. وقد اشتمل على "ثمانية عشر باباً" بدأها بـ "باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه". واختتمها بـ "باب ما جاء في التغني بالقرآن". 3- علم قصص القرآن: وهو من أكثر ما تعرض له الشيخ في تفسيره من علوم القرآن وذلك لما فيها من عظة وعبرة، وقد ذكرت اهتمامه بالقصص في فصل خاص لاهتمامه ومنهجه الظاهرين في عرضه وبيانه، والنظرة إليه، والاستنباط منه فليرجح إليه1. 4- أسباب النزول: من علوم القرآن التي أولاها الشيخ اهتماما كما يظهر ذلك من خلال تفسيره أسباب النزول. وذكره لها- مع ما يقتضيه منهجه الاستنباطي المختصر غالباً- دليل على اهتمامه به لفائدته إذ العلم بالسبب مما يعين على العلم بالمسبب. وله في ذكر أسباب النزول طريقتان:- 1- فأحياناً يذكر القصة التي هي سبب النزول على وجه البسط نوعاً ما كذكره لسبب نزول أول سورة يوسف2، وأول سورة الكهف3، وكذا في أول سورة الجن حيث قال: روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق   1 انظر ص "226 وما بعدها" فيما سبق. 2 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "137" وقسم التحقيق ص "286- 288". 3 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "239". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء؟ ‍‍ فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا إليه، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك حين رجعوا إلى قومهم {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} الآية فانزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} 1 يعني أنهم لما رجعوا إلى قومهم قالوا لهم هذا2. وغير ذلك من المواضع. 2- وأحياناً يشير إلى السبب إشارة، ويستنبط منه استنباطات دالة على معرفته بذلك السبب دون أن يذكره وذلك في مواضع منها: عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ – إلى قوله- وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} 3.   1 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التفسير / باب سورة "قل أوحي" انظر الفتح "538:8" ح "4921". ومسلم في صحيحه في كتاب الصلاة/ باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن "1: 331" ح "449". 2 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "355". 3 سورة آل عمران الآيات "100- 108". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 - معرفة سبب النزول يدل على شدة الحاجة لها فإذا احتاجوا فكيف بغيرهم1. ولم يذكر سبب النزول، وإنما استفاد منه في فهم الآية. وكذا قوله: قصة سبب نزول {تَبَّتْ} إلى آخرها فيها مسائل: ثم ذكر المسائل وما فيها من استنباطات دالة على معرفته بالقصة مع عدم ذكره إياها2، كقوله:   1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "48". وقد ذكر بعض المفسرين أن سبب نزولها ما حصل من تحريش اليهودي "شاس ابن قيس" بين الأوس والخزرج، لما رأى ما هم عليه من التآلف والتآخي وغاظه ذلك فأراد أن يوقع بينهم بالتحريش بتذكيرهم بما حصل بينهم في الجاهلية من حروب فاستثار أضغان الجاهلية حتى كاد أن يقع بينهم قتال لولا أن لطف الله فعلم الرسول "صلى الله عليه وسلم" بذلك فأتاهم فوعظهم وتلا عليهم الآيات فتابوا إلى رشدهم وعلموا أنها نزعة من الشيطان وكيد من العدو. وانظر في ذلك تفسير الطبري "23:14- 25" وأسباب النزول للواحدي "ص 149" والدر المنثور للسيوطي "3: 278- 280". 2 وسبب نزول سورة تبت ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ورهطك منهم المخلصين" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: "يا صباحاه". فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه, فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ ", قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". قال أبو لهب: تباً لك. ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} . "وقد تب" هكذا قرأها الأعمش. رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التفسير / باب سورة تبت يد أبي لهب وتب، انظر الفتح "8: 609" ح "4971" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} "193:1، 194" ح "208". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 - إن هذا هو العقل والصواب- أعني صعود الجبل والصياح في هذه المسألة ولو عده أكثر الناس سفها بل جنونا. وقوله: لعل الكلمة التي لا يلقي لها بالا يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه، ولعلة يعتقدها نصيحة أو صلة رحم. والشيخ في استفادته من أسباب النزول يوسع دائرة النظر والاستنباط، فلا يقصر الآية على سبب نزولها، ولا يفسرها بمعزل عن سبب نزولها. بل يعتبر بسبب نزولها ويستفيد منه، إذ أن معرفة السبب تعين على فهم المسبب كما تقدم. ولا يقصرها على سبب نزولها إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم ولهذا يقول رحمه الله: ... فمازال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها1. وهذا أمر متقرر ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن كلام له ....... والآية التي لها سبب معين إن كانت أمراً أو نهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته، وان كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناولة ذلك الشخص ولمن كان بمنزلته2. وهذه هي النظرة الصحيحة لأسباب النزول. ومما يشهد لتطبيقه هذا المنهج الذي سلكه: قوله عند قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآيتين3: "إذا عرفت أن سبب نزولها قول أهل الكتاب: نحن مسلمون نعبد الله، إلا إن كنت تريد أن نعبدك4، عرفت أنها من أوضح ما في القرآن من تقرير الإخلاص   1 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الثالث/ الفتاوى ص "23، 24" والقسم الخامس/ الرسائل الشخصية "241". 2 انظر مقدمة في أصول التفسير ص "47". 3 سورة آل عمران، آية "79- 81". 4 انظر هذا السبب في تفسير الطبري "325:3" وأسباب النزول للواحدي ص "146". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 والبراءة من الشرك، ومن أعظم ما يبين لك طريق الأئمة المهديين من الأئمة المضلين، وذلك أن الله وصف أئمة الهدى بالنفي والإثبات فنفى عنهم أن يأمروا أتباعهم بالشرك بهم أو بالشرك بالملائكة والأنبياء وهم أصلح المخلوقات، وأثبت أنهم يأمرون أتباعهم أن يصيروا ربانيين. فإذا كان من أنزله الله بهذه المنزلة لا يتصور أن يأمر أتباعه بالشرك به ولا بغيره من الأنبياء والملائكة فغيرهم أظهر وأظهر1. فانظر - يرحمك الله- إلى استفادة الشيخ من هذه الآيات مع اقترانهما بهذه القصة التي هي سبب نزولها والإفادة من عموم لفظها في ترسيخ ما تتضمنه من معان وما يستنبط منها من فوائد غير مقصورة على من نزلت فيه. ومن ذلك أيضاً قوله عند قول الله تعالى في أول سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية2. لما قدم وفد بني تميم قال أبو بكر: يا رسول الله أمر فلاناً وقال عمر: بل فلاناً، قال: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردته، فتجادلا حتى ارتفعت أصواتهما3. ففيه مسائل: الأولى: الأدب مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وتعظيم حرمته. الثانية: إذا كان هذا التغليظ في الشيخين فكيف بغيرهم. فقد ذكر سبب النزول هنا لبيان معنى الآية، ثم استنبط منها هذين الاستنباطين العامين وغيرهما4 مما هو مقرر لما ذكرته من سيره على هذا المنهج في أسباب النزول.   1 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "45". 2 سورة الحجرات: آية "1، 2". 3 أخرجه البخاري في مواضع منها/ كتاب التفسير / باب {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} انظر الفتح "8: 454" ح "4845". 4 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "349، 350". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 5- تعرضه للنسخ: تعرض الشيخ في تفسيره في بعض المواضع لذكر النسخ على وجه الاختصار البالغ مستنبطاً ذلك مما تشير إليه الآيات. فمن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1. حيث قال: ذكر النسخ2. والآية دالة على وقوع النسخ، ولهذا يستدل بها العلماء على جوازه شرعا3. وقوله،: عند قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 4. حيث يقول: الإشعار بالنسخ قبل وقوعه5. ووجه ذلك عنده والله أعلم- أن الله تعالى أمر المؤمنين بالعفو والصفح عن أهل الكتاب بقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} وجعل غاية ذلك إلى أن يأتي الله بأمره ففيه إشارة إلى نسخ حكم العفو قبل وقوعه، وهو ما تم بعد، إذ نسخ بقتال الكفار كافة، وقد قال بنسخ العفو والصفح عنهم ابن عباس وقتادة وغيرهما كما أخرجه عنهم الطبري6. الموضع الثالث: قوله عند قول الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 7 إنها ناسخة. وهو يعني بذلك نسخها للحال الأولى وهى المرحلة السرية للدعوة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم8.   1 سورة النحل: آية "101". 2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "227". 3 انظر الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي "61". 4 سورة البقرة: آية "109". 5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "196". 6 انظر بسط القول في ذلك في تفسير الطبري "490:1" والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخة لمكي "125، 126" ونواسخ القرآن لابن الجوزي "136-138" 7 سورة الحجر: آية "94". 8 انظر التعليق على هذا القول في قسم التحقيق ص "422". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 كما نص في اختصاره لتفسير سورة الأنفال على بعض الآيات المنسوخة منها ومن ذلك قوله1: وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} إلى قوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} 2 يأمر تعالى نبيه محمداً "صلى الله عليه وسلم" بتحريض المؤمنين على القتال، ويخبرهم أنه حسبهم أي كافيهم وناصرهم وإن كثر عددهم، ثم قال مبشراً وآمراً: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الآية ثم نسخ الأمر. قال ابن عباس: "لما نزلت شق على المسلمين حين فرض ألا يفر واحد من عشرة ثم جاء التخفيف فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآية، ونقص من الصبر بقدر ما خفف3. وغير ذلك من المواضع4. وبهذا يتبين اهتمام الشيخ بالنسخ، وتجويزه إياه، تمشياً مع كتاب الله تعالى. ومعلوم أن الشيخ لم يفسر القرآن كاملا حتى تظهر إحاطته بناسخ القرآن ومنسوخه. والله أعلم.   1 مؤلفات الشيخ/ ملحق المصنفات/ مختصر تفسير سورة الأنفال ص "؟ 3، 35" 2 سورة الأنفال: آية "65، 66". 3 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب التفسير / تفسير سورة الأنفال انظر الفتح "8: 162" ح "4652، 4653" والطبري في تفسيره "38:10، 39" وانظر تفسير ابن كثير "4: 31". 4 انظر مؤلفات الشيخ/ ملحق المصنفات/ مختصر تفسير سورة الأنفال ص "24، 26". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قسم التحقيق - مقدمة ... أولا: اسم الكتاب المحقق جزؤه وتوثيق نسبته الجزء الذي قمت بتحقيقه هو جزء من تفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب المسمى "استنباط القرآن". وقد ورد هذا الاسم في عنوان نسخة "ض" ونسب في جميع ما وجدته من مخطوطات للشيخ رحمه الله. وهذا الاسم هو الذي اشتهر به بين الباحثين. فقد ذكره به الشيخ: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ1. كما ذكره الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي بـ "استنباط من القرآن" 2. وذكره الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري باسم "الاستنباط" 3. وقد ذكر بغير هذا:- فذكر في عنوان نسخة "ب": "مسائل استنبطها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من القرآن" وفي كتاب الأدب العربي وتاريخه: التفسير على بعض سور القرآن4. وأما من عاصر الشيخ أو كان قريباً من عصره- في من اطلعت على كلامهم- فقد ذكروا أن الشيخ قد تكلم على جملة من السور والآيات واستنبط منها. فيقول ابن غنام: وكتب على كثير من السور مسائل كثيرة مثل تفسير سورة يوسف والحجر والزمر والنحل5. ويقول ابن بشر: وكلامه على القرآن أكثر من مجلد6. ولكنهما لم يذكرا تفسيره باسمه الذي اشتهر به "استنباط القرآن" فيتضح مما تقدم من أقوال العلماء والمؤرخين أن الشيخ قد تكلم على جملة من السور والآيات، تفسيرا، واستنباطا، يبلغ مجلدا وأكثر، ومن تلك السور الجزء   1 انظر مشاهير علماء نجد وغيرهم ص "26". 2 انظر "الشيخ محمد بن عبد الوهاب. عقيدته السلفية.." ص "37". 3 انظر بحثه "حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية" ضمن بحوت أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب "1: 144". 4 تاريخ الأدب العربي ملحق "2: 531". 5 روضة الأفكار "1: 222". 6 عنوان المجد "1: 92". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الذي قمت بتحقيقه وهو المشتمل على كلامه على سورة يوسف والحجر والنحل، ويظهر أن الشيخ لم يسم تفسيره، بما اشتهر به وهو "استنباط القرآن"، وإنما هو اسم وضع لتفسيره بعد جمعه في سفر واحد. وإنما أستظهر هذا لعدم تسمية المتقدمين ممن أرخ للشيخ ما كتبه الشيخ بهذا الاسم. ولما يظهر من أنها سور وآيات متفرقة، جمع تفسيرها والاستنباط منها في موضع وأحدـ إذ قد اشتمل هذا الاستنباط. على تفسيره لسورة الفاتحة وهو إنما كتبه مستقلا، جواباً لطلب الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود "رحمه الله" كما ذكر ابن غنام1. كما أن في إيراد السور والآيات المفسرة ما يشعر بالجمع حيث يبدأ غالبهما في الاستنباط بقول الجامع: "قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ....... " أو "قال الشيخ رحمه الله: هذه مسائل مستنبطة من سورة كذا" أو "ذكر ما ذكر الشيخ على سورة كذا من المسائل" أو "سئل عن قوله تعالى " .... " فأجاب" ونحو ذلك. ثم في سياق كلام ابن غنام ما يشعر بذلك حيث قال: ونذكر في هذا الفصل كلامه على الآيات المتفرقة من كل سورة على ترتيب المصحف. فأورد جل ما في الاستنباط، ولم يورد تفسير سورة يوسف والحجر والزمر والنحل مع ذكره لها من تفسير الشيخ. ولم يسمه بهذا الاسم. ومع هذأ فالمراد من الاسم التعريف والتمييز عن الغير. وتسمية تفسير الشيخ باستنباط القرآن من حيث هي مناسبة جدا لمنهجه الاستنباطي الذي سلكه في تفسيره عموما.   1 انظر روضة الأفكار "223:1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ثانيا: وصف النسخ المخطوطة توفر لدي لتحقيق ما حققته من تفسير الشيخ أربع نسخ مخطوطة بالإضافة إلى المطبوعة. النسخة الأولى: "ض". وهى بعنوان "استنباط القرآن" وهي من محتويات المكتبة السعودية التابعة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد "بالرياض تحت رقم "516/86" وقد كتب على لوحة العنوان: "هذه النسخة الشريفة المسماة بـ "استنباط القرآن" تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة: محمد بن عبد الوهاب عظم الله له الأجر والثواب. آمين. آمين. آمين، وصلى الله على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين". وتحته "هذا الكتاب لو يباع بوزنه ذهباً لكان البائع هو المغبون". وتحته في دائرة "اللهم اغفر لكاتبه، ولمؤلفه، ومالكه، وقاريه، ومستمعه، والناظر فيه، ولوالدي الجميع، ولجميع المسلمين، ولمن دعا لهم بالمغفرة يا رب العالمين". وهذه النسخة تبدأ من أول تفسير سورة الفاتحة وأولها: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال شيخنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه: اعلم أرشدك الله لطاعته وأحاطك بحياطته وتولاك في الدنيا والآخرة إن مقصود الصلاة وروحهما ولبها هو إقبال القلب على الله تعالى..إلخ وتنتهي بما ذكر، الشيخ من مقارنات بين سورتي اقرأ والمدثر، وآخرها قوله: العشرون: في السورتين شاهد لقوله: "العلم قبل القول والعمل". وبعده كتب: "هذا آخر ما وجدته من هذه النسخة رحم الله مؤلفها وكاتبها وقاريها ومستمعها ومالكها ولجميع المسلمين. آمين". وفى آخر ورقة كتب أيضاً: اللهم اغفر لكاتبه ومالكه وقاريه ومستمعه والناظر فيه ولمؤلفه. آمين. وتحته كتابة يتبين بها تاريخ النسخ واسم الناسخ حيث جاء: تمت هذه النسخة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الشريفة في ضحى يوم السبت ثالث عشر من المحرم سنة "1286" ست وثمانين ومائتين وألف. بقلم "الفقير إلى الله أحمد بن محمد بن عبيد غفر الله له ولوالديه ولمشائخه. آمين. آمين. وتحته: هذا الكتاب لو يباع بمثله ذهباً لكان البائع هو المغبون. وتقع هذه النسخة في "96" صفحه بدون لوحة العنوان، يتراوح غالبها من "24 إلى 25" سطرا ويتراوح عددا لكلمات في غالب سطورها من "13" إلى "15" كلمة وهي نسخة مصححة. وقد ألحق بهذه النسخة بقية لتفسير الشيخ تبدأ من الكلام على سورة الجن وتنتهي بنهاية الكلام على سورة الناس في "15" صفحة وهي بخط مغاير. ويقع الجزء الذي حققته من نسخة استنباط القرآن في "2/1 31" صفحة. يبدأ بقوله ذكر ما ذكر الشيخ محمد "رحمه الله" على سورة يوسف من المسائل، الصفحة "40" وقد رمزت لها بحرف "ض". النسخة الثانية:"س". وهي موجودة لدى الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن سحمان القاضى بمحكمة التمييز بالرياض ضمن مجموع يضم عدة كتب منها الأدب المفرد للبخاري. ولم يعنون لتفسير الشيخ هنا بشيء. وهي تبدأ من أول الكلام على سورة الفاتحة وأولها قوله: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه بمنه وكرمه. آمين: "اعلم أرشدك الله لطا عته ... ". وتنتهي بنهاية الكلام على سورة الناس. "فهي نسخة كاملة". وقد جاء في آخرها بيان الناسخ وتاريخ النسخ حيث جاء ما نصه "آخر ما وجد من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه وكرمه. آمين. وقع الفراغ من هذه النسخة المباركة في جمادى أول باق منه يوم سنه "1276هـ" بقلم علي بن سلمان كفر الله له ولوالديه وللمسلمين والمسلمات.. آمين. آمين." وهذه النسخة تقع في "206" صفحه. يتراوح غالبها من "20 إلى 23" سطراً. معدل ما في السطر الواحد "9" كلمات تقريباً. وهي نسخة مصححة وقد كتبت آياتها بالحمرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ويقع الجزء الذي حققته في "65" صفحه منها، من ص 66 وليس لها بداية مستقلة. وقد رمزت لها بالحرف "س". النسخة الثالثة: "ب" وهي ضمن محتويات مكتبة "برلين" بألمانيا الغربية. وتقع ضمن مجموع برقم "3968" يضم عدة كتب منها "كتاب الإيمان" لشيخ الإسلام ابن تيمية وعنون لتفسير الشيخ بعنوان:- مسائل استنبطها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من القرآن وخطها جميل جدا. وأولها: بسم الله الرحمن الرحيم. وبه نستعين. هذه مسائل استنبطها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من سورة الفاتحة:- الأولى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيها التوحيد.. وهكذا. وتنتهي أثناء الكلام على سورة الحجرات بقوله: الرابعة عشر: التنبيه على لطفه تعالى بنا وأنه أرحم بنا من أنفسنا {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فيه. ا. هـ. وتقع هذه النسخة في "192 صفحة في كل صفحة حوالي "15" سطرا، ومعدل ما في السطر الواحد حوالي "10" كلمات. ويقع الجزء الذي حققته في "2/1 84" صفحة منها. من ص "42" وليس لها بداية مستقلة وقد رمزت لها بحرف "ب". النسخة الرابعة: "ق". وهي ضمن محتويات مكتبة "مزعل" العامة بالقويعية ولم يعنون لها بشيء كما لم يذكر اسم ناسخها ولا تاريخ النسخ. وبدايتها موافقة لبداية نسخة "س". ونهايتها بعد تمام الكلام على سورة "المسد" وهو قوله: "وأما أدلة النبوة ففي مواضع". وجاء في آخرها ما نصه: وهذا آخر ما تيسر جمعه من كلام الشيخ رحمه الله تعالى. وهى تقع في "169" صفحه يتراوح غالبها من "20 إلى 24" سطرا. في كل سطر حوالي "10" كلمات ويقع الجزء الذي حققته في "55" صفحة منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 تبدأ من ص "65" على نقص فيه. ويبدو أنها مقابله على أصلها. إلا أنني اعتبرتها نسخة مساعدة "ثانوية" ولم أقابل سائرها مع باقي النسخ وإنما استبعدتها من المقابلة لأمور:- 1- سقط بعض صفحاتها. 2- كثرة سقط الكلمات فيها إذ تزيد الكلمات الساقطة فيما حققته عن "100" موضع. 3- كثرة أخطائها وخصوصا فيما تنفرد به. 4- غالب ما تنفرد به عن نسختي "ض" و "ب" توافقها فيه "س" فتكفى عنها، وذلك للعلاقة بينهما إذ أن غالب ما يكون ساقطاً من "ق" يكون ملحقاً في هامش "س". أما المطبوعة: فاعني بها تلك التي طبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1399هـ ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والتي يحتويها القسم الرابع منها. وهي الطبعة الوحيدة- فيما أعلم- لاستنباط القرآن بصورته هذه، وإن كان قد طبع أجزاء من تفسير الشيخ ضمن كتاب روضة الأفكار لابن غنام، والدرر السنية لابن قاسم. وإنما قصت بتحقيق جزء منها خدمة للقارئ والكتاب، نظرا لحاجة الكتاب إلى ذلك الأمور منها: 1- كثرة الأخطاء والتصحيف فيها. 2- عدم الاهتمام بإيضاح الفروق بين النسخ الخطية إلا نادرا، مع أنه ذكر في مقدمتها اعتماد المحقق لها على نسختين خطيتين بالإضافة إلى بعض المخطوطات التي ورد فيها شيء من التفسير. حيث لم يثبتوا في تحقيق تفسير سورة الحجر مثلاً سوى اختلافين من اختلافات النسخ، في حين أثبت أكثر من أربعين اختلافاً من الاختلافات بين النسخ التي اعتمدوها في التحقيق فضلاً عن غيرها من النسخ، مع أن هذه السورة هي أقصر السور التي حققت تفسيرها وأقلها اختلافاً بين النسخ في تفسيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 3- عدم العناية بإيضاح كثير مما يحتاج إلى إيضاح من استنباطات الشيخ مما قد يشكل على الكثير أو يصعب فهمه. 4- ما يظهر من عجلة في تحقيقها كما يظهر ذلك من الإحالات المجملة مثل "انظر تفسير هذه الآية في التفاسير المطولة" أو نحو ذلك. ولهذا فتداركا للنقص، وتتميما للفائدة، وخدمة للقارئ والكتاب فيما حققته أدرجت هذه المطبوعة في المقابلة على المنهج الذي سأوضحه إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ثالثا: منهجي في التحقيق والتعليق 1- تحقيق نص الكتاب سلكت في تحقيق النص مسلك إثبات النص المختار، وذلك بالمقارنة بين النسخ وإثبات ما أراه أقرب لنص المؤلف من خلال معنى الكلام وسياقه وما إلى ذلك من الاعتبارات المرجحة للفظ على آخر مع إثبات النص المرجوح في الهامش. وأما إن اختلفت النسخ ولم يترجح لي نص دون الآخر فإني أثبت ما تواطأت عليه أكثر النسخ مع إثبات الفروق في الهامش. وأما المطبوعة فإني إنما سلكتها في المقابلة للتنبيه على أخطائها فلا ألتزم بذكر موافقتها الصواب إذ هو المفترض إلا إن انفردت به فإني أشير إليه. وقد حرصت على ألا أتصرف في النص لا إذا رأيت اللفظ خطأ لا يحتمل الصواب فإني أثبت ما أراه صواباً مع ذكر ما ورد في النسخ في الهامش وهو قليل جدا. وقد رأيت أن الحاجة ماسة لبعض الإضافات في المتن وقد نبهت عليها في مواضعها من التحقيق وهى قليلة جدا وأهمها ما يلي:- ا- وقع خطأ متكرر حيث لم تثبت تاء عشره عند التركيب في النسخ المخطوطة مع تأنيث المعدود إلا نادراً ولذا أثبتها مع عدم الإشارة إلى ذلك لكثرته إلا في أول موضع ص "331". 2- قصت بترقيم الآيات على ما سيأتي بيانه. 2- كتابة الآيات. التزمت في كتابة الآيات الرسم العثماني. واعتمدت في إثبات الآيات المفسرة في المتن على النسخ التي تورد أكبر قدر من الآية فإذا وردت آية أو آيات رقمتها في المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وإذا وردت بعض الآيات المفسرة أو أشير إلى الآيات بقوله: ومن قوله تعالى: " ..... إلى قوله .... " فيه مسائل. فإني أذكر الآيات في الهامش مع رقمها والاستدلال بالتفسير على الآيات المرادة. إذ قد يكون عد المؤلف مخالفاً لرقم الآية في المصحف فالمراد لدى المؤلف في كثير من الأحيان عد المقطع في الآيات ككل وقد يحتوي على أكثر من آية. كما قمت بعزو الآيات المستشهد بها في التفسير. 3- تخريج الأحاديث والآثار: قمت بتخريج جميع الأحاديث والآثار الواردة بعزوها إلى مصادرها الأصيلة فإذا كان الحديث أو الأثر في الصحيحين اكتفيت بهما في الغالب. وإذا كان في أحدهما فقد أكتفي به وقد أزيد عليه. وأما إذا لم يكن في واحد منهما فإني أجتهد في تخريجه من كتب السنة مع عدم الإطالة. وطريقتي في التخريج أن أعزو الحديث إلى مرجعه الأصيل بذكر الكتاب والباب، مع ذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث، تسهيلًا للقارئ، وليناسب جميع الطبعات. 4- التعليق على ما يحتاج إلى تعليق. قمت بالتعليق على ما يحتاج إلى تعليق من المسائل والفوائد مع توثيق ذلك التعليق إذا دعت الحاجة إلى ذلك. كما قمت في كثير من الأحيان بتوثيق كلام الشيخ من كتب التفسير واللغة وغيرها إذا دعت الحاجة. كما قمت ببيان موضع الاستنباط من الآيات ووجهه عند خفائه .... 5- التراجم: ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم إلا المشهورين منهم جدا فاكتفيت بشهرته. كما ترجمت للفرق الوارد ذكرها وبينت وجه الرد عليهم من الآيات. تنبيهات: 1- حرصت في ذكر مراجع التخريج والتعليق والترجمة على مراعاة التسلسل الزمني للمؤلفين ما لم تدع الحاجة إلى غير ذلك. 2- حرصت على إظهار التحقيق بمظهر متكامل والإحالة على ما يذكر فيه من تخريج أو ترجمة أو نحو ذلك وإن تقدم عليه في قسم الدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 النص المحقق ذكر ما ذكر الشيخ محمد رحمه الله على سورة يوسف من المسائل ... "ذكر ما ذكر الشيخ محمد رحمه الله على سورة يوسف من المسائل" 1 بسم الله الرحمن الرحيم 2 {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} روى "ابن جرير" 3 عن سعد بن أبي وقاص4 قال:   1 ما بين القوسين ساقط من "س" وهو في "ب": "ذكر ما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى علي سورة يوسف من المسائل". 2 البسملة ساقطة من المطبوعة. 3 في "ض": "ابن جبير". وابن جرير هو الإمام، العلم، المجتهد، الثقة، المقرئ، المفسر، الفقيه: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري. صاحب التصانيف البديعة، منها تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" وتاريخ الأمم والملوك "وتهذيب الآثار" لم يتمه وغيرها. توفي سنة "310" عشر وثلاثمائة. قال الذهبي: كان ثقة، صادقاً، حافظاً، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفاً بالقراءات وباللغة، وغير ذلك. انظر: تاريخ بغداد "2: 162" سير أعلام النبلاء "14: 267" معرفة القراء الكبار "1: 264" طبقات المفسرين للداوودي "2: 110". 4 هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري القرشي: أبو إسحاق، أحد السابقين إلى الإسلام، أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وآخرهم موتا، شهد بدراً، وأحداً، والحديبية، والمشاهد كلها، وجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم بين أبويه يوم أحد – فقال: "ارم فداك أبي وأمي". وهو أحد الستة أهل الشورى، وقائد القادسية، تولى إمارة الكوفة زمناً، وكان مجاب الدعوة روى جملة من الأحاديث في الصحيحين وغيرهما واختلف في تاريخ وفاته. واختار الذهبي أنها كانت سنة خمس وخمسين من الهجرة. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد "3: 139" تاريخ بغداد "1: 144" أسد الغابة لابن الأثير "2: 390" سير أعلام النبلاء "1: 92" الإصابة لابن حجر "3: 83". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 "أنزل" 1 على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه "زمانا" 2، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} 3 الآية، وله عن 4 عون بن عبد الله5 قال: مل الصحابة ملة، فقالوا: يا رسول الله "حدثنا" 6 فنزل:   1 في "س" والمطبوعة "أنزل الله". 2 في "س": زماناً طويلاً. 3 رواه ابن جرير الطبري في تفسيره "12: 150" بلفظ: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال: فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله: لو قصصت علينا، فأنزل الله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ..} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ..} الآية. قال: ثم تلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً..} إلى آخره. ورواه البزار في مسنده "3/352" أثر "1152، 1153" وأبو يعلى في مسنده "2: 87" أثر رقم "740" وابن أبي حاتم في تفسيره "ص 15، 16" أثر "15" وابن حبان في صحيحه، انظر الإحسان "8: 31" والحاكم في مستدركه "2: 345" وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والواحدي في أسباب النزول "311" وأورده السيوطي في الدر المنثور "4: 496" وزاد نسبته إلى إسحاق بن رواهويه، وابن المنذر، وأبي الشيخ. 4 أي لابن جرير. 5 هو الإمام القدوة، العابد: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي الكوفي. وثقه أحمد وغيره. وقال ابن سعد والبخاري: كان ثقة، كثير الإرسال. توفي سنة بضع عشرة ومائة. انظر طبقات ابن سعد "6: 313" والتاريخ الكبير للبخاري "7/13" وسير أعلام النبلاء "5: 103" وتهذيب التهذيب "8: 171". 6 في "س" و "ب": لو حدثتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} ، ثم ملوا ملة فقالوا: "يا رسول الله" 1 "حدثنا2" ما فوق الحديث "ودون3" القرآن – يعنون القصص – فأنزل الله أول هذه السورة إلى قوله: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 4. ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه "من الكتب5" أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب "فقرأه6" عليه، فغضب، فقال: "أمتهوكون "فيها 7 " يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء "نقية 8 "، لا تسألوهم   1 سقط من المطبوعة لفظ الجلالة. وهو خطأ مطبعي. 2 ساقطة من "س" و "ب" ومثبتة في هامش "ض". 3 في المطبوعة "دون" وهو خطأ مطبعي. 4 رواه الطبري في تفسيره "12: 150" بلفظ: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} ، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن – يعنون القصص – فأنزل الله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} . ورواه أبو عبيد في فضائل القرآن "ص7" ح "13". وذكره الواحدي في أسباب النزول "312" بدون إسناد. 5 ساقطة من "س" و "ب" ومثبتة في هامش "ض". 6 في "ض" و "ب": فقرأ عليه. 7 في "س" مثبتة في الهامش. 8 في "س" مثبتة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 عن شيء "فيخبروكم 1 " بحق "فتكذبوا به" 1، أو بباطل "فتصدقوا به" 1 والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي" رواه أحمد2. وفي لفظ أنه استكتب "جوامع3" من التوراة وقال "ألا أعرضها4" عليك؟ ... وفيه: "لو أصبح فيكم موسى 5 ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين" 6. وقد انتفع عمر بهذا، فقال للذي نسخ كتاب دانيا7: امحه بالحميم8 والصوف   1 في "س" و "ض" و "ب": فيخبرونكم، وفي النسخ المخطوطة: أيضاً والمطبوعة "فتكذبونه، فتصدقونه" والتصويب في المسند. 2 رواه الإمام أحمد في المسند "387:3" من حديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى "النبي صلى الله عليه وسلم" بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي "صلى الله عليه وسلم"، فغضب فقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى "صلى الله عليه وسلم" كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني". ورواه الدارمي في سننه "1: 115" وحسنه الألباني في تخريج المشكاة "1: 63" ح "177" 3 في "ب" جوامعا. وهو خطأ. 4 في "ب" لاعرضهاه. 5 في المطبوعة بزيادة "حيا" ولم أجدها في غيرها، وليست هي في هذه الرواية عند أحمد. 6 رواه الإمام أحمد في المسند "3: 471" من حديث عبد الله بن ثابت. وفيه جابر الجعفي، متكلم فيه. إلا أن الحديث السابق يشهد له. والله أعلم. 7 يقال: إنه أحد أنبياء بني إسرائيل، ممن وقع ض أسر بختنصر، فأتى به بابل، فتوفي في تلك الديار، فلما افتتح المسلمون مدينة السوس، بقيادة أبي موسى الأشعري "رضي الله عنه" في خلافة عمر "رضي الله عنه" وجدوا جثة دانيال وكتابه، فكتب إلى عمر يستشيره في شأنه. فأمره أن يغسله، ويكفنه، ويدفنه في مكان، ويخفي قبره، لئلا يفتتن به. والله أعلم- انظر مصنف ابن أبي شيبة "7: 4" أثر "33818، 33819" وفتوح البلدان للبلاذري "533" وتاريخ الأمم والملوك "3/187" ومجموع الفتاوى "15: 154" والبداية والنهاية "2: 37". 8 الحميم: الماء الحار. انظر مجمل اللغة لابن فارس "218:1": حم، ولسان العرب لأبن منظور "12: 153":حمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الأبيض. وقرأ عليه أول "هذه1" السورة. وقال: لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة2. والمراد بأحسن القصص: القرآن، لا قصة يوسف وحدها3. وقوله: {تِلْكَ} أي: هذه4 {آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} "أي5" الواضح الذي يوضح الأشياء المبهمة وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} "أي6" "تفهمون7" معانيه.   1 ساقطة من "ب". 2 رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده انظر مجمع الزوائد للهيثمي "182:1" قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة. أ. هـ. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره ص "16، 17، 18" في مصنفه "6: 114" أثر "10166" وابن الضريس فضائل القرآن "102" أثر "88" نحوه مختصرا. 3 وبهذا قال الضحاك والزجاج حيث قال: تبين لك أحسن البيان. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واستدل له، فقال في قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} : المراد الكلام الذي هو أحسن القصص، وهو عام في كل ما قصه الله لم يخص به سورة يوسف ولهذا قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} ولم يقل: بما أوحينا إليك هذه السورة، والآثار المأثورة عن السلف تدل كلها على ذلك. أ. هـ. انظر معاني القرآن وإعرابه "3: 88" ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام "17: 39" والدر المنثور "4: 498". 4 {تِلْكَ} هي كما قال الشيخ بمعنى "هذه" إلا أن الإشارة فيه للبعيد، والبعد هنا بعد منزلة للتشريف. انظر في ذلك شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك "136:1" وبصائر ذوي التمييز إلى لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي "26:3" والدرر السنية "10: 39". 5 سقطت من "ض" والمطبوعة. 6 سقطت من "س". 7 في "ب" تفقهون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 والقصص: مصدر قص الحديث يقصه "قصصا"1 {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} 2 "أي"3 بإيحائنا4 إليك هذا القرآن. وقوله: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} أي "من"5 الجاهلين به هـ وهذا "مما"6 يبين جلالة القرآن، لأن فيه دلالة على أن "علمه"7 "صلى الله عليه وسلم" من القرآن. وفيه دلالة على8 جلالة الله "سبحانه"9 وقدرته10، ودلالة على11 عظيم نعمته على نبيه "صلى الله عليه وسلم"12. "وفيه دلالة"13 على كذب من أدعى أن غيره من الكتب أوضح منه14.   1 في "ب" "قصا" وانظر البحر المحيط "5: 278"، ولسان العرب "7: 74": قصص. 2 ليست في شيء من النسخ التي بين يدي، وزدتها إذ يقتضيها السياق. 3 سقطت من "س". 4 قوله"بإيحائنا" تأويل لقوله تعالى: {بِمَا أَوْحَيْنَا} إشارة إلى أن "ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر. انظر معاني القرآن للفراء "2: 32" وتفسير الطبري "12: 150" والبحر المحيط "5: 279". 5 سقطت من المطبوعة. 6 سقطت من "س". 7 في "ب" "علم النبي" 8 في "ب" بزيادة "أن" بعد "على". 9 زيادة من "ق". 10 من أوجه تلك الدلالة قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} إذ عظم تعالى نفسه بقوله: {نَحْنُ} ، وقص عليه أحسن القصص من أخبار الأولين وغيرها مما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه من قبل. 11 في "ب" بزيادة "أن" بعد "على". 12 مما يدل على ذلك قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} إذ خصه بالإنزال عليه من بين قومه، وعلمه ما لم يكن يعلم. 13 مثبتة في هامش "ض". 14 ولعل من أولئك بعض المقلدة الجامدين الذين يعدلون عن النظر في القرآن والاهتداء به إلى النظر في أقوال أئمتهم الاستنباط منها؛ زاعمين أنهم لا يستطيعون أن يأخذوا من القرآن مباشرة. وقد رد عليهم الشيخ المصنف وعرض بهم عند تفسيره لقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "263". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 {إِذْ 1 قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} 2. أبوه: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "عليه السلام"3، "والكواكب"4: عبارة عن أخوته، والشمس والقمر عبارة عن "أبيه وأمه"5، ووقع تفسيرها بعد أربعين "سنة"6. وقيل: ثمانين7، حين رفع أبويه على العرش، وخروا له سجداً.   1 في المطبوعة قوله عز وجل. وليس في شيء من النسخ التي أطلعت عليها. 2 في "س" من قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ} إلى آخر الآية ملحق بالهامش. 3 وقد ورد هذا النسب الكريم في قول النبي صلى الله عليه وسلم "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها: كتاب أحاديث الأنبياء/ باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} انظر الفتح "482:6" ح "3390" والترمذي في جامعة: كتاب التفسير/ باب 13 ومن سورة يوسف "5: 293" ح "3116". 4 في "ب": "الكوكب". 5 في "س" "أمه وأبيه". وقال بذلك في تأويل الكواكب والشمس والقمر قتادة وابن جريج والضحاك وابن زيد كما أخرجه عنهم الطبري في تفسيره "12: 151، 152". وانظر تفسير البغوي "2: 409" وتفسير ابن كثير "485:2". 6 رواه الطبري في تفسيره "13: 69، 70" عن سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد، وكذا رواه عن سلمان أيضاً الحاكم في مستدركه "396:4" بسند صححه ابن حجر. وقوى هذا القول الحافظ ابن حجر في فتح الباري "393:12" بعد أن ذكر غيره من الأقوال 7 رواه الطبري في تفسيره "13: 70، 71" عن الحسن والفضيل بن عياض. وقيل غير ذلك. فانظر تفسير البغوي "2: 451" وتفسير ابن كثير "2: 485" والدر المنثور "4: 588، 589". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ولما كان تعبيرها خضوعهم له خشي إن حدثهم "أن يحسدوه"1 فيبغون له الغوائل وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من رأى "ما يحب"2 أن يحدث به، ولا يحدث "به"3 إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر، ويتفل عن يساره ثلاثا، ويتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره4.   1 في "ض" و "ب": أن يحسدونه. وهو خطأ من الناسخ. 2 في المطبوعة: ما يجب. وهو خطأ مطبعي. 3 مثبتة في "ب" دون بقية النسخ. 4 وردت هذه التوجيهات النبوية في أحاديث متفرقة "حسبما اطلعت عليه" فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره". رواه أحمد في المسند في مواضع منها "8:3" والبخاري في صحيحه: كتاب التعبير/ باب الرؤيا من الله. انظر الفتح "12: 385" ح "6985" والترمذي في جامعه كتاب الدعوات/ باب ما يقول إذا رأى رؤيا يكرهها "505:5" ح "3453". وعن أبي قتادة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لا تضره"، رواه البخاري في صحيحه/ كتاب التعبير/ باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها. انظر الفتح "12: 449" ح "7044" ومسلم في صحيحه: كتاب الرؤيا "4: 1771، 1772" ح "2261". وعن جابر عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه". أخرجه أحمد في مسنده "350:3" ومسلم في صحيحه كتاب الرؤيا "4: 1772، 1773" ح "2262". وأبو داود في سننه كتاب الأدب/ باب ما جاء في الرؤيا "305:4" ح "5022" وابن ماجة كتاب التعبير/ باب من رأى رؤيا يكرها "1286:2" ح "3908". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وفيها1: عدم الوثوق بنفسك وبغيرك. قيل للحسن: أيحسد المؤمن؟ قال: أنسيت إخوة يوسف2؟! وفيها التنبيه على السبب وهو عداوة الشيطان للإنسان. "وفيها: كتمان النعمة ما لم يؤمر بإظهارها" 3. وفيها: كتمان السر. {4 وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم} . أي كما اختارك لهذه الرؤيا {كَذَلِكَ} 5 يختارك لنبوته: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال مجاهد6 وغيره: عبارة الرؤيا7 {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بإرسالك {كَمَا أَتَمَّهَا   1 في "س" و "ب": وفيه. 2 ذكر ابن الجوزي نحوه فقال: قال حميد: قلت للحسن: أيحسد المؤمن المؤمن؟ قال: لا أبالك! ما نساك بني يعقوب؟! انظر زاد المسير "4: 191" 3 ساقطة من "ب" 4 في المطبوعة: "قوله": وليست في شيء من النسخ التي اطلعت عليها. 5 في "ض" ملحقه بالهامش. 6 هو الإمام التابعي، الثقة، المقرئ، المفسر، الحافظ: مجاهد بن جبر المخزومي، مولاهم، المكي "أبو الحجاج". كان إماماً في التفسير فقد ورد عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله: فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ ولذا قال الشافعي: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. قال فيه ابن سعد: ثقة، فقيه، عالم، كثير الحديث. توفي سنة "ثلاث ومائه" وهو ابن "ثلاث وثمانين" سنه انظر طبقات ابن سعد "466:5" حلية الأولياء "269:3" سير أعلام النبلاء "4: 449" معرفة القراء الكبار "1: 66" غاية النهاية ترجمه "2659" تهذيب التهذيب "10: 42". 7 قاله مجاهد والسدي وابن أبي نجيح كما أخرجه عنهم الطبري في تفسيره "12: 153، 176" وابن أبي حاتم في تفسيره "ص 31، 32" أثر "33". وذكره ابن الجوزي عن ابن عباس بدون إسناد. انظر زاد المسير "4: 181". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} . وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بمن يصلح للاجتباء. {حَكِيمٌ} في الأشياء في مواضعها. وهذا من أنفع العلوم، يعني معرفة الله، تعالى، ولا يعتني به إلا من عرف قدره. وفيها: "البشارة"1 بالخير، وأنه ليس من مدح الإنسان المنهي عنه2. وفيها: تولية النعمة مسديها سبحانه "وتعالى"3. وفيها "سؤال الله"4 "إتمام"5 النعمة. وأن علم التعبير علم صحيح "يمن"6 الله به على "يشاء"7 "من عباده"8.   1 في "ب" بشارة. 2 وردفي النهي عن المدح أحاديث منها: ما ورد عن أبي بكرة أن رجلاً ذكر عند النبي "صلى الله عليه وسلم" فأثنى عليه رجل خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك قطعت عنق صاحبك" - يقوله مرارا- "إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسبه كذا وكذا- إن كان يرى أنه كذلك- وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحداً". رواه البخاري في صحيحه/ كتاب الأدب/ باب ما يكره من التمادح. انظر الفتح "10: 491" ح "6061" ومسلم في صحيحه/ كتاب الزهد والرقائق/ باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح "4: 2296" ح"3000". كما وردت أحاديث أخرى دالة على الإباحة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك". رواه البخاري في صحيحه/ كتاب فضائل الصحابة/ باب مناقب عمر رفي الله عنه/ انظر الفتح "7/50" ح "3683" ومسلم في صحيحه/ كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل عمر رضي الله عنه "4/ 1863، 1864" ح "2396". قال ابن حجر والضابط- أي في المدح الجائز- أن لا يكون في المدح مجازفة.، ويؤمن على الممدوح الإعجاب والفتنة. انظر فتح الباري "10: 494". 3 ساقطة من "س". 4 في المطبوعة: سؤال الله تعالى. 5 في "ض وب": تمام 6 في "س": من. 7 في "ض": شاء. 8 ساقطة من "ض" و "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 {1 لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} . يعني أن في ذلك "عبراً"2 وفوائد "لمن سأل"3، فأنه خبر يستحق السؤال {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} شقيقه4 {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} "أي"5 جماعة، وقوله: {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 6 أي "في"7 تقديمهما علينا8، وقوله: {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً} 9 أي ألقوه في أرض بعيده {يَخْلُ لَكُمْ} وحدكم10 {وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا   1 في المطبوعة: وقوله عز وجل. وليس في شيء من النسخ التي أطلعت عليها. 2 في "ض" و "ب": عبر. وهو خطأ. 3 في "س": لمن يسأل الله. وفي المطبوعة: لمن يسأل. 4 في المطبوعة بزيادة "أي" قبلها. 5 ساقطة من المطبوعة. 6 في "ض": "في ضلل" بدون قوله "مبين". 7 ساقطة من "ب" والمطبوعة. 8 وقال بذلك الطبري في تفسيره "12: 155" وأخرج بسنده عن السدي أنه قال: في ضلال من أمرنا. والبغوي في تفسيره "2: 411". وقال: وليس المراد من هذا الضلال الضلال عن الدين، ولو أرادوه لكفروا به بل المراد منه الخطأ في تدبير أمر الدنيا ... ، وابن كثير في تفسيره "487:4". 9 أو: ساقطة من المطبوعة. 10 س ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} 1 أي تتوبون2. وقوله: {فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} أي أسفله {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي المارة من المسافرين {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} "أي "إن"3 كنتم عازمين"4 على ما تقولون. قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين5. وفيها مسائل: منها ما نبه الله "تعالى"6 عليه أن هذه القصة فيها عبر. قال بعضهم: فيها أكثر من ألف مسألة7. وفيها: أن الذي ينتفع بالعلم هو الذي يهتم به ويسأل عنه. وأعظم ما فيها: تقرير الشهادتين بالأدلة الواضحة8.   1 في "س" قال بعد قوله: {صَالِحِينَ} : الآية. ولا وجه لذلك. 2 في "ب" "يتوبون". وقال بهذا التفسير الطبري في تفسيره "12: 155" وأخرجه بسنده عن السدي. والبغوي "2: 412" وابن كثير بمعناه "487:4" حيث قال: أضمروا التوبة قبل الذنب. وذكر ابن الجوزي عن مقاتل وجهاً آخر حيث قال: يصلح حالكم عند أبيكم. انظر زاد المسير "4: 184" والأظهر ما ذكره الشيخ لوجوه منها: 1- إن من أعظم ما يقف في وجه من يفكر في ارتكاب الجريمة الخوف من سوء العاقبة وتأنيب الضمير، فهو نوا على أنفسهم الخطب بتنبيت نية التوبة بعد الفعل. 3- إن صلاح حالهم عند أبيهم قد تضمنه قولهم: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} فالقول بالتفسير الثاني- يقتضي التكرار، فيما يظهر، فاجتنابا لذلك يقال: إن المراد هو التوبة. لإصلاح حالهم عند أبيهم. والله أعلم. 3 "إن" ساقطة من "ض". 4 في "س" مثبتة في الهامش. 5 أخرجه عنه ابن أبي حاتم "ص 42" أثر "55" ضمن كلام طويل. 6 ساقطة من "س". 7 قاله العلامة ابن القيم "رحمه الله". وقال: لعلنا إن وفق الله أن نفردها في مؤلف مستقل. انظر الجواب الكافي "ص 251". 8 المراد بقوله "وأعظم ما فيها" أي القصة عموماً- فمن أدلة شهادة أن لا إله إلا الله، ما أخبر الله به من قول يوسف "عليه السلام": ... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وفيها: أن الوالد يعدل بين الأولاد لئلا "يوقع"1 بينهم القطيعة، وأن ذلك ليس مختصاً بالمال2.   = {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . وأما شهادة "أن محمداً رسول الله" فمن إخباره صلى الله عليه وسلم بهذه القصة مطابقة للواقع والصحيح في الكتب السابقة مع أنه صلى الله عليه وسلم كما قال الله فيه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} فدل على أن ذلك من لدن حكيم خبير، وأنه رسوله ولهذا قال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} . وقد استنبط الشيخ منها: تنبيه الله على آية الرسالة بأن هذه القضية غيب لا يتوصل إليه الرسول إلا بالوحي لكونه لا يقرأ ولا يخط ولا أخذ عن عالم. انظر ما يأتي ص "391" والمطبوعة ص "146، 147، 177". 1 في "س": يقع وفي المطبوعة: تقع. 2 المعنى الذي أشار إليه الشيخ صحيح من حيث هو، ولعل وجه استنباطه أن فعل الإخوة ناتج من توهمهم تفضيل أبيهم يوسف وأخاه عليهم، مع أنه لم يقع، فدل على أن وقوع التفضيل حقيقة مدعاة لحدوث القطيعة. وليس في الآيات- فيما يظهر لي- ما يدل على أن يعقوب "عليه السلام" لم يعدل بين أولاده. وأما محبة الأب لأصغر أبنائه، ومزيد العناية بهم، فأمر طبيعي، مركوز في الفطر وهم محتاجون لها. وعلاوة على ذلك فإن مزيد محبة يعقوب ليوسف هي لما توقع له من النبوة، وخصوصاً بعد رؤياه، ولكن لم يكن ذلك على حساب إخوته أبداً، وإن توهموه. والميل القلبي مما لا يؤخذ الله به إذا لم يكن له أثر في الخارج. "والله أعلم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وفيها: غلط العالم في الأمر الواضح1، وتغليطه من لا ينبغي تغليطه "لقولهم"2: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} الآية3. وفيها: أن الإنسان لا يغتر بالشيطان "إذا"4 زين له المعصية ومناه التوبة. وفيها شاهد للمثل المعروف "بعض الشر أهون من بعض"5. وفيها: شاهد لقوله: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه" 6. وسيأتي بعض ما فيها من المسائل "في مواضعه"7 إن شاء الله تعالى. {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .   1 المراد غلط إخوة يوسف بحسدهم ومكيدتهم إياه معتزين بكثرتهم حيث قالوا: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} وغلطوا أباهم النبي بقولهم: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . 2 في "س" و"ب": لقوله. 3 قوله: "الآية" ساقط من "ض". 4 في "ب": وإذا. 5 انظر المثل في مجمع الأمثال للميداني "1: 164". وموضع استنباط هذا قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ..} الآية. فالإلقاء شر وقطيعة.، ولكنه أهون من القتل. 6 رواه أحمد في مسنده في مواضع منها "174:1" والترمذي في جامعه كتاب الزهد/ باب ما جاء في الصبر على البلاء "4: 601، 602" ح "2398" وقاله حسن صحيح. وابن ماجة في سننه كتاب الفتن/ باب الصبر على البلاء "3: 1334" ح "4023" والدارمي في سننه/كتاب الرقائق/ باب في أشد الناس بلاء "2: 320". وابن حبان في صحيحه/ كتاب الجنائز وما يتعلق بها/ ذكر الأخبار عما يجب على المرء من توطن النفس على تحمل ما يستقبلها من المحن والمصائب. انظر الإحسان "4: 245" ح "2890" والحاكم في مستدركه "1: 40، 41" و "343:3" كلهم من رواية مصعب بن سعد عن أبيه. وعند الحاكم بلفظ: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل .... ". 7 في "ب" "في مواضعها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 قال ابن عباس وغيره: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} يسعى "وينشط"1، وفى قراءة "نرتع ونلعب"2 فيه الرخصة في بعض اللعب خصوصا للصغار. وفيه التحفظ على الأولاد. وعليه إرسالهم مع الأمناء الناصحين. وفيه عدم الاغترار بحسن الكلام. {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ} . قال: أنه "ليشق علي"3 مفارقته وقت ذهابكم "به"4 لفرط محبته {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} 5 أي تشغلون عنه برميكم "ورتعكم"6 فأخذوها منه وجعلوها عذرهم، ومن الأمثال "البلاء موكل بالمنطق"7. وفيه: أنه لم يتهمهم "بما أرادوا"8 ولكن خاف من التقصير في حفظه {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي: إن عدا عليه فأكله {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي"9 جماعة إنا إذا لعاجزون. فيه "الذم"10 لمن ترك الحزم، وفيه آن العجز هلكة.   1 في "ض" و"س" و"ب" والمطبوعة: وينبسط. والوارد عن ابن عباس ما أثبته. وبه قال الضحاك، انظر تفسير الطبري "158:12، 159". 2 قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر "نرتع ونلعب" بالنون. "أخبر الاخوة عن أنفسهم". ثم قالوا: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} . وقرأ أهل المدينة والكوفة "يرتع ويلعب" بالياء إخباراً عن يوسف. وأما العين: فقرأ نافع وابن كثير: "نرتعِ" بكسرها "من الرعي". وقرأ الباقون: "نرتعْ" بإسكانها.- انظر حجة القراءات لابن زنجلة "ص355، 356" والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي "2: 5، 6، 7" والنشر في القراءات العشر للجزري "2: 293". 3 في "ب" "يشق عليه". 4 ساقطة من "ب". 5 انظر تفسير ابن كثير "4: 301". 6 في "ض" و "ب" والمطبوعة: ورعيكم. 7 انظر مجمع الأمثال للميداني "1: 26". 8 في "ب" "بما أراد". 9 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 10 في "س" و"ب": ذم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . "هذا"1 فيه تعظيم لما فعلوا أنهم أتفقوا على "إلقائه"2 في أسفل الجب، وقد "أخذوه"3 من أبيه بذلك الكلام. وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} 4 قيل: كان قد أدرك5. وقيل6: أوحي إليه كما أوحي إلى عيسى "ويحيى"7، وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي لا يشعرون بأنك8 يوسف، "كذا"9 روي عن ابن عباس10. وقيل لا يشعرون بإيحائنا ذلك إليه11.   1 في "ب": هذه. 2 في "س": إلقاءه. 3 في المطبوعة: أخذوا. 4 قال في "س" بعد قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} الآية. 5 قال في لسان العرب: أدرك الغلام وأدرك الثمر أي بلغ: انظر اللسان "10: 420": درك. والقول بأن يوسف حينئذ قد أدرك عزاه ابن الجوزي والخازن إلى أبن السائب والحسن حيث ذكرا عنهما أن سنه حينئذ كان سبع عشرة سنة. وقيل غير ذلك. انظر تفسير الخازن "3/268" وزاد المسير "4/190". 6 ذكر ابن الجوزي والخازن عن الحسن والضحاك نحوه حيث ذكرا عن الحسن أن سنه حينئذ "اثنتا عشرة" سنه وعن الضحاك قال ست سنين. انظر زاد المسير "4: 190" وتفسير الخازن "3: 268" وانظر ما يأتي ص "306" 7 في "ب" بزيادة "إلى" قبلها. 8 في "ض" مثبتة في الهامش. وفى "ب" "لا يشعرون أنك". 9 في "ب": كذلك. 10 انظر تفسير الطبري "12: 162". 11 أخرجه الطبري في تفسيره "12: 161، 162" عن مجاهد وقتادة. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره "ص 53، 54" أثر "77" عن ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 "وفيه"1 جواز الذنوب على الصالحين. وفيه "الرجاء"2 "لرحمة الله"3. وفيه: أن "لله"4 سبحانه "في"5 وقت البلاء "نعما"6 عظيمة. وفيه: أن الماكر يصير وبال مكره عليه، ولكن "لا يشعر"7، ولو شعر لما فعل. {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ 8 وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} 9. لما رجعوا إليه باكين "إظهارا للحزن على يوسف "10 "اعتذروا"11 باستباقهم وهو الترامي "وقالوا"12: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} 13 وقوله:14 {عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي "عند"15   1 في "س" و "ب": فيه. 2 في "ب" والمطبوعة: رجاء. 3 في "ض" و "ب" والمطبوعة: رحمة الله 4 في "ض"و"س" و"ب" والمطبوعة: الله 5 ساقطة من "ض" و "ب". 6 في "س": "نعم". 7 في "س"مثبتة في الهامش وفي "ب" "لا يشعرون". 8 في هامش "س": {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} إلى آخر الآية. 9 ساقطة من "ب". 10 في "ب": واعتذروا. 11 قاله البغوي "414:2" وابن كثير "488:2". وعزاه ابن الجوزي إلى ابن عباس. وقاله ابن قتيبة حيت قال: والمعنى يسابق بعضنا بعضا في الرمي. وذكر البغوي وابن الجوزي عن السدي أنه قال: نشتد على أقدامنا. واللفظ محتمل للمعنيين، ولا نص أعلمه بتعيين أحدهما، والحاصل أنهم اعتذروا بانشغالهم عنه. والله أعلم. انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص "213" وزاد المسير "4: 191، 192" 12 في "ض": وقوله 13 ما بين القوسين ساقط من "ب" 14 في "س": وأما قوله. وفي "ب": قوله. 15 ساقطة من "ض" و"ب" "والمطبوعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ثيابنا "وأمتعتنا"1. وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي لست بمصدقنا ولو كنا صادقين عندك فكيف مع التهمة؟ وقوله: {بِدَمٍ كَذِبٍ} نسوا أن يخرقوا القميص، فعرف كذبهم2. "وقوله"3: {سَوَّلَتْ} أي4 زينت "أو سهلت"5. والصبر الجميل: الذي لا شكوى معه. قوله: {تَصِفُونَ} آي تذكرون. وفيه من الفوائد: عدم الاغترار ببكاء الخصم، وعدم الاغترار بزخرف القول. وما يجعل الله على الباطل من العلامات. وفيه الاستدلال بالقرائن6.   1 في "س" مثبتة في الهامش. 2 أخرج الطبري في تفسير ة "12: 164" القول بنحو ما ذكر الشيخ عن ابن عباس والحسن والشعبي. 3 في "ض" و "ب": قوله. 4 ساقطة من "س". 5 في "س": وسهلت. 6 حيث استدل بعدم خرق القميص على كذبهم. ومثله ما سيأتي من شهادة يوسف حيث استعمل القرينة- وهى قد القميص- وحكم بها. فالاستدلال بالقرائن أمر متقرر في الشرع. وهذا ما لم تعارضها قرائن أخرى. وانظر الكلام على هذا الباب مطولا في: تبصرة الحكام لابن فرحون "111- 130" والطرق الحكمية لابن القيم "3، 4" وغالب الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وفيه ما ينبغي استعماله عند المصائب، وهو الصبر الجميل، والاستعانة بالله، وأن التكلم بذلك حسن1. {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ 2 فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى 3 هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} . السيارة: الرفقة السائرون4. والوارد: الذي يرد الماء "ليستقي"5 للقوم6. وقوله: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي أظهروا أنهم أخذوه بضاعة من أهل الماء. وقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} أي باعوه7 في مصر بثمن قليل، لأنهم لم يعلموا حاله.   1 قوله: بذلك. أي بالصبر والاستعانة وهو مستنبط من قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ويؤيد هذا الاستنباط قوله تعالى إخباراً عن مقولة الأنبياء: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} إبراهيم "12". ومن السنة قول عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك: إني والله لا أجد مثلا إلا أبا يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: كتاب التفسير /سورة يوسف/ باب {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} انظر الفتح "213:8" ح "4690". ومسلم كتاب التوبة/ باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف "4:2129" ح "2770". 2 قال في "ض" بعد قوله "وارد هم": إلى قوله: {مِنَ الزَّاهِدِينَ} . 3 في "ب": يا بشراي. 4 انظر في هذا المعنى تفسير الطبري "166:12" وتفسير البغوي "415:2". 5 في "ض" والمطبوعة: "يستسقي". 6 انظر في هذا المعنى تفسير الطبري "166:12" وتفسير البغوي "415:2" ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج "97:3". 7 الشرى: من الأضداد يقال: شراه أو اشتراه بمعنى باعه أو ابتاعه. ولكن الأكثر أن "شرى" بمعنى: باع، و "اشترى" بمعنى: ابتاع. والمعني في الآية ما ذكره الشيخ. انظر تفسير الطبري"170:2" ومجمل اللغة لابن فارس "527:2" وكتاب الأضداد لأبن الأنبا ري ص"72" والمفردات للراغب ص "260" ولسان العرب "427:14" مادة: شرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 "وفيه من الفوائد"1: أن الله يبتلي أحب الناس إليه بمثل هذا البلاء العظيم عليه وعلى أبيه، ومن ذلك البلاء أنه سلط عليه من يبيعه بيع العبد. وفيه: أنه لا ينبغي للعاقل أن يستحقر أحدا، فقد يكون زاهدا فيه وهو لا يعلم. {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ 2 عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . قال ابن مسعود" أفرس الناس ثلاثة: العزيز "حين"3 تفرس في يوسف،والمرأة "حين"4 قالت يا أبت استأجره، وأبو بكر في عمر5. وقوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} 6 أي: كما أنجيناه من كيد اخوته، ومن الجب، وجعلناه عند من يكرمه مكنا له: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث} 7 أي "إنما"8   1 مكرره في "س". 2 قال في "س"بعد قوله: أكرمي مثواه: إلى أخره. 3 في المطبوعة: حيث. 4 في "س" و "ب" التي. 5 المراد بالمرأة هي المرأة التي قالت في موسى عليه السلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} كما في سورة القصص آية رقم "26" وأبو بكر في عمر حين استخلفه بعده. والأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى "273:3" وابن جرير في تفسيره "176:12" وابن أبي حاتم في تفسيره"ص0 8، 81" أثر "135". والطبراني في المعجم الكبير "185:9" أثر "8830,8829"والحاكم في مستدركه "345:2" وصححه. 6 في هامش "س": ليوسف في الأرض. 7 ما بين القوسين ساقط من "س". 8 في "ب" "أنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فعلنا ذلك لحكمة وهى "إعطاؤنا"1 إياه العلم والعمل2. وقوله3: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} "أي"4: الذي يجري ما أراد لاما أراد العباد "كما لم يعمل"5 كيدهم في يوسف. وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ما أعظمها من فائدة لمن "فهمها"6! {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} . تقول العرب: بلغ أشده أي منتهى شبابه7. "قيل"8: الحلم9. وقيل: أكثر من ذلك10.   1 في "ض" و"س": إعطائنا. 2 تقدم ذكر الشيخ عن مجاهد أن المراد بتأويل الأحاديث: عبارة الرؤيا، واقتصر عليه هنالك، بينما فسرها الشيخ هنا بإعطاء العلم والحكم فلعله يرى أن تأويل الأحاديث أعم من مجرد تفسير الرؤيا كما ورد نحو ذلك عن ابن زيد حيث قال: تأويل الكلام: العلم والحكم، وكان يوسف أعبر الناس وقرأ {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} . انظر تفسير الطبري "153,154:12" والبحر المحيط لأبي حيان "5: 281" وزاد المسير "181:4". 3 في "س": وقال. 4 ساقطة من "ب". 5 في "ب" "كالم يعلم". 6 في هذا إشارة إلى عدم الاغترار بما عليه السواد الأعظم. وهو ما ينبه إليه الشيخ كثيرا. انظر ما تقدم في قسم الدراسة ص "210" وما بعدها. 7 انظر في هذا المعنى مجاز القرآن لأبى عبيده "1: 305"تفسير الطبري "8: 85" "176:12" وكتاب الأضداد للأنباري "224" وتفسير البغوي "417:12". 8 في "س": وقيل. 9 قاله زيد بن أسلم والشعبي وربيعة ومالك أخرجه عنهم ابن أبي حاتم في تفسيره "ص85،86،87" أثر "148,147,146,145" وعزاه السيوطي إخراجه عن الشعبي لعبد بن حميد أيضا. انظر الدر المنثور "518:4". 10 حيث قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة. وقال الضحاك: عشرون سنة. وقال الحسن أربعون سنة. وقال عكرمة.: خمس وعشرون .......... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وقوله1: {آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} العلم: معرفة الأشياء. والحكم. العمل به وإصابة "الحق"2. وقوله3: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يعني أن هذا ليس مختصا "بيوسف"4 بل الله سبحانه يجازي "المحسنين بخير الدنيا والآخرة، ومن ذلك "أنه"5 "يجازي"6 "المحسن"7 بإعطائه العلم "والحكم"8. {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِه 9ِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} فيه مسائل:   = وقال السدي: ثلاثون سنة. وقيل غير ذلك. قال الحافظ: والحق أن المراد بالأشد بلوغ سن الحلم ففي يوسف عليه السلام ظاهر ولهذا جاء بعده: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} أ. هـ يعني أنها إنما راودته لما بلغ مبلغ الرجال. انظر تفسير الطبري "178,177:12" وابن أبي حاتم "ص 83، 4 8، 87، 88" أثر "140-144,149,150" وكتاب الأضداد للأنباري "224" وزاد المسير "4: 200" وفتح الباري "8: 209". 1 في "ض" و "ب": قوله. 2 في "ض"و "ب" المحز. والمراد به مفصل الأمور 0 3 في "ض"و "ب": قوله. 4 في "س" مثبتة في الهامش. 5 في "س": أن. 6 من قوله "المحسنين" إلى قوله "يجازي" الثانية ساقط من "ب". 7 في "ض": المحسنين. 8 "ض" و "ب": والحكمة. 9 في "س" بعد قوله: عن نفسه: الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الأولى: قوله: {إِنَّهُ رَبِّي} إن هذا1 جائز في "شريعته"2 بخلاف شريعتنا3 لأنها لو كانت سمحة في العمل "فإنها"4 حنيفية في التوحيد. الثانية: مراعاة حق المخلوق. الثالثة: شكر نعمة المخلوق "لقوله: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} "5 الرابعة: القاعدة الكلية: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} . الخامسة: التنبيه على "عدم مخالطة"6 الخدم "للنساء"7 خصوصاً إذا كان في الخادم داعية8.   1 يرى الشيخ- كما يظهر من هذا الاستنباط والاستنباط الثالث والرابع والسابع هنا- أن الضمير يرجع إلى العزيز زوج المرأة. وهذا هو قول الأكثر وبه قال مجاهد والسدي وابن إسحاق. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:- وهو أصح القولين. أ. هـ وقال بعض المفسرين: {إِنَّهُ رَبِّي} أي إن الله تعالى ربي. والأول أصح. انظر تفسير الطبري "182:12" وتفسير ابن أبى حاتم "ص18،99" أثر "171، 173، 174" وتفسير البغوي "3: 418" وزاد المسير"4: 03 3" وتفسير ابن تيمية "التفسير الكبير" "5: 54". 2 في "س" والمطبوعة: شريعتهم. 3 فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: عبدي، فكلكم عبيد الله ولكن ليقل: فتاي. ولا يقل العبد: ربي، ولكن ليقل سيدي" رواه أحمد في مسنده "496,444:2" ومسلم في صحيحه كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها/ باب حكم إطلاق لفظ العبد والأمة والمولى والسيد "1464:4" واللفظ له. 4 في "ض"و"ب"والمطبوعة: فهي. 5 هذه المسألة في "ض" مثبتة في الهامش. وما بين القوسين ساقط من "ب". 6 في "س" مثبته في الهامش. 7 في "ب": النساء. 8 رحم الله الشيخ فما أدق تفطنه لهذه المسألة، وما أعظم خطر عدم مراعاتها، وخصوصا مع ضعف الإيمان وموت الغيرة. فلا حول ولا قوة إلا بالله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 السادسة:- معرفة كمال يوسف "عليه السلام"، فإن صبر لا يعرف له نظير. السابعة: براءته "عليه السلام"1 من الحول والقوة "بقوله"2: {مَعَاذَ اللَّهِ} "أي: أعوذ بالله {إِنَّهُ رَبِّي} أي سيدي، {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي أكرمني"3. الثامنة: "ان"4 الاعتذار بحق المخلوق لا بأس به، ولو كان في القضية حق الله ومعنى "هيت لك": أقبل5. {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ 6 بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فيه مسائل7:   1 في "ض": "صلى الله عليه وسلم". 2 في "ض" و "ب" والمطبوعة "لقوله" وما أثبته من "س" وكذا هو في "ق". 3 من قوله "أعوذ بالله" إلى قوله "أكرمني" ساقط من "ب" من هذا الموضع ومثبت بعد قوله "أقبل" وفي "ض" مثبت في الهامش. وسقطت "أي" الأولى من "ض" والمطبوعة. 4 ساقطة من "س". 5 في "س" والمطبوعة: أي أقبل. والقول بأن هيت لك" بمعنى "أقبل" قال به ابن عباس ومجاهد والسدي والحسن وغيرهم. أخرجه عنهم ابن جرير في تفسيره "180,179:12". كما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسره "ص94,93,92" أثر "61 ا- 166" عن ابن عباس ومجاهد وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج "99:3". ولسان العرب "3: 105" مادة: هيت. 6 قال في "س" بعد" وهم": الآية. 7 في "س": فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الأولى: أن الهم الذي لا يقترن به عمل ولا قول لا يعد ذنبا، كما في الحديث "إن الله تجاوز لهذه الأمة "عما حدثت" 1 به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل" 2. الثانية: أن الذي صرفه عن ذلك فضل تفضل الله عليه به تلك الساعة غير إيمانه الأول، "وهذه"3 من أعظم ما يعرف الإنسان "نفسه"4.   1 في "س" و "ب": ما حدثت. ووردت به بعض الروايات. 2 في "ب": أو تعلم. وقد رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب العتق/ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه.. انظر الفتح "190:5" ح "2528". ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر "117,116:6" ح "202,201". وأقول إضافة لكلام الشيخ: بل إن الهم بالذنب الذي لا يقترن به قول ولا عمل إذا تركه المرء لله أثيب عليه كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "يقول الله تعالى: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة. فإن عملها فاكتبوها بمثالها". رواه البخاري/ كتاب التوحيد / باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} نظر الفتح "473:13" ح "7501" ومسلم كتاب الإيمان/ باب إذا هم العبد بحسنة. كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب "117:1"ح "128" واللفظ له. وقد اختلفت عبارات المفسرين في هم يوسف عليه السلام، وخاص كثير منهم فيما لم يحط بعلمه، وغالبه اعتماد على الإسرائيليات، إذ لم يأت عن الله أو عن رسوله "صلى الله عليه وسلم" شيء مما ذكروا وقد أحسن شيخ الإسلام "رحمه الله" الكلام في هذا المقام فراجعه, وأورد العلامة الشنقيطي "رحمه الله" الأقوال وناقشها وخلص إلى أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين: 1- إما أن يكون لم يقع منه هم أصلا بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان وقدر أي البرهان. 2- وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى. انظر التفسير الكبير لشيخ الإسلام "5: 77- 99" وأضواء البيان للشنقيطي "3: 68". 3 في "س": وهذا. 4 في "س": بنفسه. وفي"ب" سقطت جمله "وهذه من أعظم ما يعرف الإنسان نفسه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الثالثة: أن هذا الفضل سببه ما تقدم له من العمل الصالح، فمن ثواب العمل حفظ "الله"1 للعبد كما في قوله: "احفظ الله يحفظك" 2 الرابعة: معرفة قدر الإخلاص، حيث أثنى الله على يوسف أنه من أهله. الخامسة: السابقة التي سبقت من الله كما قال أبو عثمان 3: لأنا بأول هذا اأمر أفرح مني بآخره4.   1 لفظ الجلالة في "س" مثبت في الهامش. 2 جزء من حديث ابن عباس في وصية النبي "صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد في مسنده "307,293:1" والترمذي في جامعه/ كتاب صفة القيامة باب 59 "667:4" ح "2516" وقال: حسن صحيح. 3 هو الإمام، الحجة، شيخ الوقت: عبد الرحمن بن مل "والميم مثلثة" وقيل"ابن مكي" بن عمرو بن عدي البصري يكنى بأبي عثمان النهدي، مخضرم، معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، ولم يره، ولكنه أدى إلى عماله الزكاة. وغزا في خلافة عمر وبعدها غزوات. وثقه ابن المديني وأبو زرعة وجماعة. وقال ابن حجر في التقريب: ثقة، ثبت، عابد. مات سنة "مائة" وقيل بعدها، وعاش "مائة وثلاثين" سنه وقيل أكثر انظر "طبقات ابن سعد "97:7" سير أعلام النبلاء "4: 175-178" تهذيب التهذيب "277:6" تقريب التهذيب"351". 4 هذا القول ذكره عن أبى عثمان ابن القيم في شفاء العليل ص"47" والمراد بهذا الأمر ما سبق من قضاء الله لعبده بالسعادة قال ابن القيم بعد أن ذكر قول أبي عثمان النهدى: ... وذلك لأنه إذ كان قد سبق له من الله سابقة، وهيأه ويسره، للوصول إليها، كان فرحه بالسابقة التي سبقت له من الله، أعظم من فرحه بالأسباب التي تأتي بها، فإنها سبقت له من الله قبل الوسيلة منه، وعلمها الله "وشاءها، وكتبها، وقدرها، وهيأله أسبابها لتوصله إليها، فالأمر كله من فضله وجوده السابق ... إلى آخر ما قال رحمه الله. ووجه هذه المسألة أن الله أثنى على يوسف أنه من المخلصين فسبق له من الله هذا القضاء. فلله الحمد والمنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 السادسة: أن العباد "المضافين"1 إليه غير الذين قال فيهم: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 2. السابعة: صرف الله "عنه"3 السوء والفحشاء "ففيه"4 رد على ما ذكر بعض المفسرين5. الثامنة: أن الصارف له آية من آيات الله أراه إياها.   1 في "س" و "ب": المضافون. وهو خطأ 2 سورة مريم: آية رقم "93". والمراد أن العبودية في قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} عبودية خاصة، الإضافة فيها للتشريف والتكريم ولا تكون إلا للمتقين بخلاف العبودية في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} . فهي عبودية عامة تشمل البر والفاجر، وهي من باب إضافة المملوك للمالك. 3 في "ض": عن. 4 في المطبوعة: فيه. 5 رد عليهم فيما ذكروه من همه بالفاحشة. كحل سراويله ونحوه. ووجه الرد عليهم هنا: أن الله أخبر أنه صرف عنه جميع أنواع السوء والفحشاء. والسوء: الذنوب كلها، كما قال تعالى في موضع آخر إخباراً عن قول النسوة {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} والنكرة في سياق النفي تفيد العموم. وانظر ما تقدم ص "253" وما سيأتي ص "313، 346". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 التاسعة: عطف الفحشاء على السوء، قيل: إن السوء الذنوب كلها1. {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ 2 وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 3. "تبادرا الباب"4، إن سبق يوسف خرج، وإن "سبقته"5 أغلقت الباب لئلا يخرج. وقوله: {مِنْ دُبُرٍ} أي من خلف،: {وَأَلْفَيَا} " أي وجدا. {سَيِّدَهَا} أي زوجها: {لَدَى الْبَابِ} "أي" عنده6. "فيه"7 مسائل:- الأولى: حرصه عليه السلام على البعد عن "الذنب"8 كما حرصت على الفعل. الثانية: لطف الله تعالى في تيسيره شق القميص من دبر. الثالثة: كشف "الله"9 ستر العاصي فيما يستبعد. الرابعة: شدة مكر النساء، كيف قويت على هذا في هذا الموضع.   1 قال الراغب: السوء كل ما يغم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية البدنية والخارجة من فوات مال وجاه وفقد حميم. انظر المفردات "253,252". واختار الشوكاني أن السوء عام في كل ما يسوء. انظر فتح القدير "18:3". 2 قال في"س": {مِنْ دُبُر ... } الآية. 3 في "س" و "ب" والمطبوعة تبادرا إلى الباب. 4 في "ب" سبقت. 5 في المطبوعة "ألفيا". بدون الواو. وفى "ب" {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} . 6 ساقطة من "س". 7 في "ض" و "ب" والمطبوعة فيها. 8 في "س" الذنوب. 9 لفظ الجلالة ساقط من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الخامسة:- التحرز من "تظلم"1 الشخص فربما أنه هو الظالم، والدواء التأني وعدم العجلة. السادسة: تسمية الزوج سيداً في كتاب الله2. السابعة: ما عليه الكفار من استعظام الفاحشة. الثامنة: الغيرة على الأهل3. {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ 4 فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . قوله: {مِنْ أَهْلِهَا} أي من أقاربها "وكان مع زوجها"5. "فيه"6 مسائل:   1 في "س": متظلم. وفي "ب": تظليم. 2 كان في هذا إشارة إلى الاستدلال بهذه الآية على جواز إطلاق لفظ "سيد" مقيداً بالإضافة على غير الله مع أن "السيد" من أسماء الله تعالى. انظر بدائع الفوائد لابن القيم "213:3" والآداب الشرعية لابن مفلح "456:3". 3 يشير الشيخ إلى هذه المسألة التي فطر عليها كل أبي وهي الغيرة على الأهل. وقد أرادت المرأة أن تستثير غيرة زوجها عليها بمكرها إلا لم أنه كان قليل الغيرة أو عديمها. كما سيأتي في استنباط الشيخ ص "316". 4 في "س" بعد قوله "من قبل": إلى آخر الكلام. 5 في "ض" "وإن كان مع زوجها" وانظر - إنا شئت- أقوال المفسرين في الشاهد في تفسير الطبري "193:13- 196" وتفسير ابن أبي حاتم "125ص-119ص" أثر "208-220". وفتح الباري "6: 553". 6 في "س": وفيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الأولى: "أن"1 القيام بالقسط في الشهادة قد يكون من الكفار. والعجب أنه في مثل هذه الحادثة. الثانية: أن الشاهد إذا كان من قرابات "المشهود عليه"2 فهو أبلغ3. الثالثة: الحكم "بالدلالات"4 والقرائن5. الرابعة: "ذكره تعالى"6 ذلك على سبيل التصويب، فيفيد قبول الحق ممن أتى به كائنا من كان. الخامسة: أن مثل هذه القرينة "يصح"7 الحكم بها. السادسة: "ألطافه"8 تبارك وتعالى في البلوى. السابعة: أن ذكر الخصم مثل هذا عن صاحبه لا يذم بل يحمد. {فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} 9 يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} . فيه مسائل:   1 ساقطة من "ض" والمطبوعة. 2 في المطبوعة: الشهود عليه. وهو خطأ مطبعي. 3 في "س": إذا كان الشاهد من قرابة المشهود عليه فهو أبلغ. 4 في "ب" "بالدلالة". 5 مستنبط من قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فنبه إلى الاستدلال على الحق بموضع قد القميص. وانظر ما تقدم ص"303". 6 في المطبوعة: ذكر الله تعالى. 7 في "س": يصلح. 8 في المطبوعة: ألطافة. وهو خطأ مطبعي. 9 في "س": بعد {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} : الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 الأولى: كون زوجها قبل الحق، وصار مع يوسف عليها. الثانية: قلة الغيرة على "أهله"1. الثالثة: "أن قوله"2 هذه القضية الجزئية خارجة عن قضايا كليه3. الرابعة: "عظمة كيد النساء"4، وذكره تعالى "ذلك"5 غير "منكر"6 له مع "قول النبي صلى الله عليه وسلم":7 "إنكن لأنتن 8 " صواحب يوسف" 9   1 مصححة بهامش "ض" وفي "س": أهلها. وفي "ب" الأهل. وقد أشار إلى ما ذكر الشيخ هنا وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية، كما أشار إليه ابن كثير أيضا ومما يدل عليه أن زوجها لم يعاقبها بعد أن علم حقيقة الأمر, ولم يغرق بينها وبين يوسف، وهي قد بقيت على إصرارها, ومراودتها، كما يدل عليه قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} . والله أعلم. انظر التفسير الكبير لشيخ الإسلام "62,61:5" وتفسير ابن كثير "311:4". 2 في "ب": "قوله أن". 3 الذي يظهر أن المراد بالقضية الجزئية كيد هذه المرأة ذاتها. والمراد بالقضية الكلية إن كيد النساء عموما عظيم كما يدل على هذا ما يأتي في المسألة الرابعة أعلاه. 4 ما بين القوسين ساقط من "ب". 5 ساقطة من "س". 6 في "ض" منكرا. وهو خطأ. 7 في "س": مع قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. 8 في "س": لم أنتن. 9 رواه البخاري في مواضع منها كتاب الأذان / باب أهل العلم والمفضل أحق بالإمامة. انظر الفتح "193,192:2" ح "679" ومسلم كتاب الصلاة / باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر "313:1- 316" خ "95,94". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الخامسة: أنه لم يحكم عليها إلا بعد ما رأى القد. السادسة: أمره ليوسف بكتمان السر مع "ما أنزل"1 الله في ذلك من التغليظ إلا "بأربعة"2 شهداء3. السابعة: "أمره لها بالاستغفار "من"4 الذنب مع عدم الإسلام. الثامنة: حكمه عليها أنها صارت من هؤلاء المذمومين عندهم. {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . قوله: {فَتَاهَا} أي عبدها. وقوله: {شَغَفَهَا} "الشغاف"5 داخل القلب6، "أي"7   1 في المطبوعة: ما أنزله. 2 في المطبوعة: أربعه. 3 كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . النور آيه رقم "4" قال ابن كثير في تفسيره "6: اا" فإن كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه. ولعل الشيخ يشير بذلك إلى قلة غيره الرجل وجهله بالشرع وعدم إنصافه حيث لم يقم عليها حد القذف مع ظهور كذبها. 4 في "س": مع. 5 في "س": الشغفان. 6 وقد قال بهذا القول الحسن. وفى قوله شغفها ثلاثة أقوال: ا- قيل الشغاف غلاف القلب. 2- وقيل هو حبة القلب وسويد اؤه. 3- وقيل الشغف داء يكون ض الشراسف وهى مقاطع رؤوس الأضلاع. والمعنى وصل حبه إلى شغاف قلبها فغلب عليه. انظر في هذا المعنى مجاز القرآن "308:1" وتفسير الطبري "12، 198-200" وزاد المسير "315,314:4" المفردات "363" لسان العرب "9: 178، 179" مادة: شغف. 7 ساقطة من "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 دخل "حبه"1 في داخل قلبها. فيه مسائل: الأولى: أن هذا قبيح في عرفهن "وإن"2 لم يكن مسلمات. الثانية: حب امرأة حب عظيما من هو دون مرتبتها مما يعينه. الثالثة: أنها لم تكتم3 بل سعت في طلب الفاحشة بالراودة. الرابعة: أن "هذا"4 من مثلها ضدل "مبين" عندهن. {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ 5 وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} 6 فيه مسائل: الأولى: بيان كمال عقلها الذي "يقصر"7 عنه أكثر "عقول"8 الرجال9. الثانية: "ما أعطي"10 يوسف عليه السلام من جمال الصورة التي تبهر الناظر11.   1 في "ض" "حب". 2 في "ض" والمطبوعة: "ولو". 3 أي لم تكتم حبها إياه ورغبتها فيه، بل وإعلانها مراودتها إياه. 4 ساقطة من "س". 5 في "ض" "بين". 6 في "س" بعد قوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} ، الآية. 7 في المطبوعة: ينقص. 8 في "ض"و "ب": عقلاء. 9 وذلك لاحتيالها عليهن بإعطائهن السكاكين, وأمر يوسف بالخروج عليهن, ليرينه ويحدث منهن العجب والانبهار فيعذرنها. وهذا أقرب إلى المكر والكيد. فكمال عقلها كمال ذكاء, لاكمال زكاء. والله أعلم. 10 في المطبوعة: ما أعطي. 11 وقد ورد في حديث أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي يوسف عليه السلام شطر الحسن" رواه أحمد في مسنده في مواضع منها "286,148:3" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم "147,146,145:1" ح "259". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 الثالثة: غيبة عقولهن، وعدم إحساسهن بقطع "أيديهن"1. وهذه من أعجب ما سمع. الرابعة: معرفتهن بالملائكة. الخامسة: جلالة الملائكة "عندهن"2 وأنهم أكمل من البشر. السادسة: معنى: {حَاشَ لِلَّهِ} في هذا المقام3. السابعة: وصفهن الملك بالكرامة. {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِين} فيه مسائل: الأولى: إظهار عذرها لما أصابهن ما ذكر. الثانية: إقرارها أنها ستعود.   1 في "س": "ايهن" وفيها سقط. 2 ساقطة من "ب" وفي "س" عند. 3 كلمة {حَاشَ لِلَّهِ} تستعمل في موضعين: أحدهما: التنزيه. والثاني: الاستثناء. وهي هنا للتنزيه, كأنه قيل: معاذ الله. وهو قول مجاهد وغير واحد من السلف. قال الزجاج: وأما على مذهب المحققين من أهل اللغة فحاشا مشتقة من قولك: كنت في حشا فلان أي في ناحية فلان, فالمعنى في {حَاشَ لِلَّهِ} برأه الله من هذا، من التنحي، المعنى: قد نحى الله هذا من هذا ... إلى آخره. وهذا تشقيق لغوى مآله إلى ما ذكر المفسرون. انظر في هذا تفسير الطبري "208:12" ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج "107/3". ولسان العرب "14: 181": حشا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 "الثالثة"1: "لما"2 أرتهن جماله الظاهر بالحسن، أخبرتهن بجماله الباطن بالعفة3. الرابعة: "إخبارهن"4 أنها لا صبر لها عنه، فإن لم يفعل سعت في سجنه ومهونته. الخامسة: معنى: {فَاسْتَعْصَمَ} امتنع "وأبى5". {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ 6 وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ*فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . فيه مسائل: الأولى: فضيلة يوسف "عليه السلام" كيف اختار السجن على ما ذكر مع قوة الدواعي وصرف الموانع "ولا يعرف"7 لأحد نظير "هذ"18. الثانية: التصريح "بأن النسوة"9 دعونه من غير امرأة العزيز.   1 ساقطة من "ض". 2 ساقطة من "س" وفي المطبوعة: كما. 3 انظر تفسير ابن كثير "213:4". 4 في "ب":إخبارها. 5 ساقطة من "ض". وقد ورد هذا المعنى في قوله: {فَاسْتَعْصَمَ} : عن ابن عباس "رضي الله عنه" وقال به البغوي وابن كثير وغيرهما. انظر تفسير الطبري "12: 210" وتفسير البغوي "2: 424" وتفسير ابن كثير "4: 213" ولسان العرب "12: 404": عصم. 6 قال في "س" بعد قوله "أصب إليهن": إلى قوله: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . 7 في "س": فلا يعرف. 8 في "س" مثبتة في الهامش 9 في "س": بالنسوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الثالثة: معرفته عليه السلام بنفسه "وبربه"1، وأن القوة التي فيه لا تنفع إلا إن "أمده"2 الله "تعالى"3 "بمدد منه"4. الرابعة: أن هذا الكلام دعاء ولو كان بهذه الصيغة5. الخامسة: آن الله سبعا نه "ذكر أنه"6 استجاب "دعاءه"7، "فدعاؤه"8 عليه السلام سبب لصرف ذلك عنه. السادسة: ختمه سبحانه ما ذكر بوصف نفسه "بأنه"9 السميع العليم10.   1 ساقطة من "ب". 2 في "س": مده. 3 ساقطة من "س" والمطبوعة. 4 في "س": بمد من عنده 5 ولهذا قال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} فرتبت الاستجابة على ما قبلها. وقوله عليه السلام كقول الأبوين: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف: 33 وإخبار العبد بحاله وافتقاره إلى ربه من أسباب إجابة الدعاء. انظر: الوابل الصيب لابن القيم "163،162". 6 في "س" مثبتة ض الهامش. 7 في "ض": دعاؤه. وهو خطأ. 8 في "س" فدعاء يوسف. 9 في "ب"أنه. 10 وجه ذلك: أن الله تعالى سميع لدعاء الداعين فسمع دعاء يوسف، عليم بأحوالهم، وإخلاصهم فعلم ما عليه يوسف من الإخلاص مع الكرب فاستجاب له. وانظر تفسير الطبري "12: 212". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 السابعة: استفتاحه الدعاء "بـ "رب "1" وقوله "تعالى":2 {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} 3. الثامنة: إثبات المكر"أولاً"4 والكيد بعده لهن. {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} الآية. قيل: "سبب5" ذلك أن الحديث شاع في الناس "فأرادوا سجنه إظهارا للناس أنه المذنب"6 {حَتَّى حِينَ} قيل: إلى أن تسكن القضية7. فيه مسائل: الأولى8: أنهم تمالوا على ذلك "ليس"9 رأيا لزوجها10 خامة. الثانية: أن تلك الحيلة لم تنفع، بل أظهر الله "ما يكرهون"11 على الرغم منهم.   1 في "ب" والمطبوعة: بربه. 2 ساقطة من "س". 3 انظر ما سبق من الكلام عن منهج الشيخ ص "160". 4 في "س": بالهامش. 5 في "س": أن سبب. 6 في المطبوعة: فأرادوا إظهار أنه المذنب. 7 ذكر البغوي في تفسيره "425:2" نحو هذا القول عن عطاء حيث قال: إلى أن تنقطع مقالة الناس. 8 في "س" مثبته في الهامش. 9 ساقطة من "ض". 10 لظاهر قوله تعالى.: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} . وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "186:9". 11 في "س": ما يكرهونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الثالثة: ابتلاء الله أحب الخلق إليه وهم الأنبياء بالسجن. الرابعة: أن السبب الذي أظهروا1 أكبر بلية "من"2 السجن عند أهل المروءات. الخامسة: أن رؤية الآيات "والقطع على المسألة"3 "لا يستلزم"4 اتباع الحق وترك الباطل. {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ5 مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . فيه مسائل، ونذكر "القصة"6 قبل ذلك: قيل إن الملك بلغه أن الخباز يريد أن يسمه، وأن صاحب "شرابه"7 مالأه على ذلك فحبسهما جميعا "فذلك"8 قوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} 9.   1 لعل المراد بالسبب الذي اظهروا دعوته إلى الفاحشة. 2 ساقطة من "س". 3 في "ب": القطع على الملة. وهو تحريف. 4 في "س": لا تستلزم. بالتاء. 5 في المطبوعة "تأكل منه الطير". 6 في المطبوعة: قصة. 7 في "س": الماء. 8 في "ض" و "ب" والمطبوعة: وذلك. 9 اخرج نحو هذه القصة ابن أبى حاتم في تفسيره عن ابن عباس والسدي "ص167,166" أثر "313- 317". وابن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة والسدي وابن إسحاق "214:12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 فقال الساقي: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} "أي أعصر عنبا خمرا"1، وقال صاحب الطعام: {إنِي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزا ً2 تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا} "أخبرنا"3: {بِتَأْوِيلِهِ} بتفسيره: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 4، تأتي "الأفعال"5 الجميلة6، وقيل: ممن يحسن تعبير الرؤيا7.   1 في "س" مثبتة في الهامش. وممن قال بهذا القول في قوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} البغوي حيث قال: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عنبا سمى العنب خمرا باسم ما يؤول إليه كما يقال: فلان يطبخ الآجر، أي يطبخ اللبن للآجر. وقيل: الخمر: العنب بلغة عمان. وعليه قراءة ابن مسعود: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عنبا} . وبه قال الضحاك واختاره الطبري. ولا معارضة بين القولين إذ مآلهما واحد. والله أعلم. انظر تفسير الطبري "12: 215" وتفسير البغوي "2: 425". 2 في "س" بعد قوله: {خُبْزاً} : الآية. 3 ساقطة من "ب" والمطبوعة. 4 في "س" مثبته في الهامش. 5 في "ض" للأفعال. 6 قاله الضحاك وقتادة ورجحه الطبري وظاهر صنيع الشيخ يدل على اختياره لتقديمه واعتماده انظر تفسير الطبري "216,215:12". 7 وكذا حكاه الزجاج ولم يعزه وبه قال البغوي. ونحوه قول الفراء حيث قال: من العالمين، قد أحسنت العلم. انظر معاني القرآن للفراء "45:2" ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج "3/110" وتفسير البغوي "425:2". والقول الأول، أولى لعمومه ويمكن أن يدخل تحته القول الثاني فيكون من إحسانه إليهم تأويله رؤياهم لما آتاه الله من العلم. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فيه مسائل1: الأولى: "أن"2 عبارة الرؤيا علم صحيح ذكره الله في القرآن "ولأجل ذلك"3 قيل لا يعبر الرؤيا إلا من هو من أهل العلم بتأويلها4 أنها من أقسام الوحي5. الثانية: تعبير أكل الطير من الخبز الذي فوق رأس الرجل بما ذكر.   1 ساقطة من "ب". 2 ساقطة من المطبوعة. 3 في "س": "لأجل ذلك" وفي "ب": "ولذلك". 4 ورد عند الإمام أحمد من حديث أبي رزين في الرؤيا وفيه: "ولا تحدثوا بها إلا عالما أو ناصحا أو لبيبا". المسند "4/ 10". وعند الترمذي من حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح". الجامع الصحيح للترمذي- كتاب الرؤيا/ باب في تأويل الرؤيا ما يستجب منها وما يكره "537:4" ح "2280" قال الترمذي حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي "260:2". 5 كما ورد من حديث أنس بن مالك "رضي الله عنه"، أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". رواه البخاري في صحيحه/ كتاب التعبير/ باب رؤيا الصالحين. انظر الفتح "378:12" ح "6983"- ومسلم في صحيحه/ كتاب الرؤيا "4: 1774" ح "2264". وعن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" , قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة". رواه البخاري في صحيحه/ كتاب التعبير/ باب المبشرات"انظر الفتح "12: 391" ح "6990" وروى مسلم من حديث ابن عباس نحوه بلفظ: "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له.. ", كتاب الصلاة/ باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود "348:1" ح "479". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الثالثة: تعبير عصر الخمر بسلامة الذي رآه، ورجوعه إلى مرتبته. الرابعة: فيه "دلالة"1 على قوله "صلى الله عليه وسلم": "إذا رأى أحدكم ما يكره فلا يذكرها" 2 وقوله: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت" 3. الخامسة: أن التأويل في كلام الله "ولغة"4 العرب غير التأويل في عرف المتأخرين. ومعناه: ما يؤول الأمر إليه5. السادسة: أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل عن مسائل العلم إلا من رآه يحسن ذلك.   1 في "ب" "الدلالة". 2 انظر ما تقدم ص "293" هامش "4". 3 رواه أحمد في مسنده "4/10" وابن ماجة في سننه/ كتاب التعبير/ باب الرؤيا إذا عبرت وقعت فلا يقصها إلا على واد "1288:2" ح "3914" وأبو داود في سننه كتاب الأدب/ باب ما جاء في الرؤيا "305:4" ح "5020" كلهم من حديث أبي رزين رضي الله عنه. 4 في "س" مثبتة في الهامش. 5 في "ب" "ما يؤول إليه الأمر". والتأويل في اللغة مأخوذ من الأول: وهو الرجوع يقال: آل الأمر إلى كذا أي رجع.- وأما في الاصطلاح فقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ما محصله: أن التأويل يطلق على ثلاثة معان: معنيان عند السلف ومعنى عند المتأخرين أما معنياه عند السلف فهما: 1"تفسير الكلام وبيان معناه، ومنه- والله أعلم- قول مجاهد: أن العلماء يعلمون تأويله، وقول ابن جرير الطبري: القول في تأويل قوله تعالى " ....... ". 2- نفس المراد بالكلام، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب. وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به، ومن ذلك قول يوسف عليه السلام: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ} وقوله: {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِه} وهذا الوضع والعرف هو لغة القرآن التي نزل بهما ............... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . يقول عليه السلام: إني عليم بتعبير الرؤيا هذه وغيرها، فلا يأتيكما طعام "في المنام"1 إلا نبأتكما بتأويله قبل إتيانه فكيف بغير ذلك! ففيه مسائل: الأولى: ذكر العالم أنه من أهل العلم عند الحاجة، ولا يكون من تزكية النفس. الثانية: إضافة هذه النعمة العظيمة إلى معطيها سبحانه وتعالى لا إلى فهم الإنسان واجتهاده.   = وأما عند المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة ونحوهم فهو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية "288:13- 294" وانظر: الصواعق المرسلة لابن القيم "1: 170 وما بعدها" فقد أفاد وأجاد كعادته رحمه الله. وانظر لسان العرب "11: 32": أول. 1 في "ض"، والمطبوعة: "فلا يأتيكما طعام ترزقانه". وفي "س":- "قال لا يأتيكما طعام في المنام" وكذا في "ق". وفي "ب" ما لم أثبته. والأظهر أن الكلام مسوق مساق التفسير ولهذا قيد بالمنام كما عند الطبري في تفسيره "217:12". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الثالثة: ذكر سبب إكرام الله "له"1 بهذا الفضل، وهو الترك والفعل، فترك الشرك الذي هو مسلك الجاهلين، واتبع التوحيد الذي هو "سبيل"2 أهل العلم "من الأنبياء"3 وأتباعهم. الرابعة: ذكره أنه من "ذرية"4 هؤلاء الأكرمين فانتسب إلى البيت الذي هو أشرف بيوت أهل الأرض، وهذا جائز على "غير سبيل"5 الافتخار خصوصا عند الحاجة. الخامسة: أنه صرح لهم بأنهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب6. "السادسة"7: أن الجد يسمى أبا كما ذكر ابن عباس، واحتج بالآية8 على زيد بن ثابت9   1 ساقطة من "ض". 2 في "س" هكذا "مسبيلك" ولعل الناسخ تردد في كتابتها بين "سبيل" و "مسلك". 3 ساقطة من "ض". 4 ساقطة عن "ض" و "ب" والمطبوعة. 5 في "س" مثبتة في الهامش. 6 انظر ما تقدم ص "292" هامش، "3". 7 في "ض" الخامسة. وهو خطأ. 8 أخرجه عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس أنه كان يرى الجد أبا ويتلو هذه الآية: {مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} . انظر المصنف/ باب فرض الجد "10: 264" أثر "19053" وكذا أخرجه سعيد بن منصور في سننه باب الجد"47,46:1" أثر "52,51,50,49,46" وانظر السنن الكبرى للبيهقي/ كتاب الفرائض/ باب من لم يورث الاخوة مع الجد "6/246" وانظر الكلام على هذه المسألة في أحكام القرآن للجصاص "100:1ومابعدها" والمغنى لابن قدامه "218:6" وفتح الباري "19:12". 9 هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتب الوحي، الإمام الكبير، شيخ المقرئين والفرضيين مفتى المدينة، زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجى النجاري الأنصاري. من كبار حفاظ القرآن ومفسريه من الصحابة، وهو الذي تولى جمعه في زمن أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما. وكان عمر يستخلفه إذا حج على المدينة وتوفى في زمن معاوية، واختلف في تحديد سنة وفاته، لكن قال ابن حجر: في "خمس وأربعين" قول الأكثر. انظر ترجمة في الطبقات الكبرى لابن سعد "358:3- 362" وأسد الغابة "223,222:2" وسير أعلام النبلاء "2: 426-441" الإصابة لابن حجر "23,22:3". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 السابعة: قوله: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قيل "معناه"1: إن الله عصمنا2. وهذه الفائدة3 من أكبر الفوائد وأنفعها لمن عقلها، والجهل بها "من"4 أضر الأشياء وأخطرها. الثامنة: قوله: {مِنْ شَيْءٍ} عام "كل ما"5 سوى الله6، وهذه المسألة7 "هي"8 التي غلط فيها أذكياء العالم، عقلاء بني آدم، كما قال تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} 9.   1 في "س" مثبته في الهامش. 2 قاله البغوي في تفسيره "436:2". وذكره ابن الجوزي عن ابن عباس بغير إسناد "انظر زاد المسير "4/225". 3 وهي عدم إشراك شيء مع الله في العبادة كائنا من كان. 4 ساقطة من المطبوعة تبعا لنسخة "ق"، وفي "س"! مثبته في الهامش. 5 في "ض": كلما. 6 وذلك أن "شيء" نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وزيادة "من" قبلها لتأكيد العموم. انظر: روضة الناظر لابن قدامه "124:2" وتفسير البحر المحيط "5: 310" ومغني اللبيب لابن هشاه "322:1". 7 المراد بهذه المسألة: مسألة إفراد الله بالعبادة، وعدم إشراك أي شيء معه فيها, وهى التي غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم فأشركوا معه بعض مخلوقاته ممن كبروا في أعينهم، ولهذا استغربوا دعوة التوحيد واستعظموها كما قال تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} ، "الشورى 13" وأخبر عن مقالتهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} "ص:5". 8 ساقطة من "س". 9 سورة الشورى آية: "13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 التاسعة: ذكر سبب معرفتهم بالمسألة وعلمهم بها "وثباتهم"1 عليها هو مجرد فضل الله فقط عليهم. العاشرة: أن فضله سبحانه "هذا"2 ليس مخصوصا بنا، بل عام للناس "كلهم"3 لكن منهم من قبله، ومنهم من رده، وذلك أنه أعطى "الفطر"4 ثم العقول ثم بعث الرسل وأنزل الكتب. الحادية عشرة: "إزالة"5 الشبهة عن المسألة التي "هي"6 "من"7 أكبر الشبه، وذلك "أن"8 الله. إذا تفضل بهذا "كله"9 خصوصا البيان، فما بال الأكثر لم يفهم، ولم يتبع، وما أكثر الجاهلين "بهذا"10، وما أكثر الشاكين فيه! "فقال"11 تعالى إن "السبب أن"12 جمهور الناس "لم يشكروا" 13، فأما من عرف "نعمة الله"14 فلم يلتفت إليها فلا إشكال فيه، وأما من لم يعرف فذلك لإعراضه، ومن أعرض فلم يطلب معرفة دينه فلم يشكر.   1 في "ض": "واثباتهم". 2 ساقطة من "ض" والمطبوعة. 3 في "س" مثبتة في الهامش. 4 في "س": الفطرة. 5 في "س": إزالته. 6 في "س" مثبتة في الهامش. 7 ساقطة من "ض" و "ب". 8 في "ب": بأن 9 في "س" مثبتة في الهامش. 10 في "ب": بها. 11 في المطبوعة: فقد ذكر. وهو بمعنى "أخبر تعالى" إذ هو تفسير لقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} وهذا الأسلوب جارٍ عند المفسرين كابن جرير وغيره. 12 ساقطة من "ض". 13 في "س": لا يشكروا. وفى "ض" والمطبوعة: لم يشكر. وفي "ق": لا يشكر. 14 في "ض" و "ب" والمطبوعة: النعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الثانية عشرة1: دعوته إياهما عليه السلام إلى التوحيد في تلك الحال، فلم تشغله عن النصيحة، والدعوة إلى الله، فدعاهما أولا بالعقل، ثم "بالنقل2". وهى الثالثة عشره3. الرابعة عشرة4: قوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} "فهذه حجة عقلية شرحها في قوله "تعالى5": {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ 6 هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} الآية7. الخامسة عشرة.: أن الذي في الجانب الآخر "هو الله الذي"8 "جبلت"9 القلوب وأقرت الفطر أنه ليس له "كفو"10. السادسة عشرة: أنه هو القهار مع كونه "واحدا"11 وما سواه لا يحصيهم إلا هو، "فهذه قوته"12، وهذا عجزهم، فكيف "يعدل به واحد"13 منهم   1 لم تثبت "تاء" عشرة في النسخ المخطوطة في هذا الموضع وأمثاله إلا نادرا والصواب إثباتها، فأثبتها مع عدم الإشارة إلى ذلك لكثرته. 2 في "ب": "ثم النقل" 3 وهي الدعوة بالعقل ثم بالنقل، وذلك لعدم إيمانهم بالنقل، وتقديمهم العقل عليه فخوطبوا به إذ أن العقل المريح لا يعارض النقل الصحيح. 4 ساقه من "ب". 5 ساقطة من "س". 6 في "س" بعد قوله: {لِرَجُلٍ} الآية. 7 سورة الزمر: آية "29". 8 في"ض" والمطبوعة: "هو الذي". 9 في "ب": جلت 10 في النسخ المخطوطة: {كُفُّوا} . 11 في النسخ المخطوطة "واحد" وهو خطأ. 12 في "ب": فهذه قوتهم وفى المطبوعة: "فهذه قوله" وهو تحريف. 13 في "ب": نعدل به واحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أو عشرة "أو"1 مائه! السابعة عشرة:- "بيان"2 بطلان ما عبدوا من دونه بأنها أسماء لا حقيقة لها. الثامنة عشرة:- التنبيه على بطلانها بكونها بدعة ابتدعها من قبلكم فتبعتموهم. التاسعة عشرة:- بيان أن الواجب على العبد في "الأديان"3 السؤال عما أمر الله به ونهى عنه، وهو السلطان المنزل من السماء، لا يعبد بالظن وما تهوى الأنفس. العشرون:- القاعدة الكلية التي "تتفرع"4 "منها"5 تلك "المسائل"6 الجزئية وهي أن أحكام "الدين"7 إلى الله لا إلى آراء الرجال كما قال "تعالى"8: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ} 9 الحادية والعشرون: إذا ثبت أن الحكم له وحده دون الظن وما تهوى الأنفس فإنه سبحانه حكم بأن العبادة كلها محصورة عليه "وحده"10، ليس لأحد من أهل السماء "وأهل"11 الأرض منها شيء.   1 ساقطة من "ب". 2 في "ب": بيانه. 3 في "س" مصححه في الهامش. 4 في "ض"و "ب" تفرع. 5 في المطبوعة: عنها. 6 ساقطة من المطبوعة. 7 في "ض": الدنيا 8 في "س": عز وجل. 9 سورة الشورى: آية رقم "10". 10 مثبتة في هامش "س" وساقطة من "ض"و "ب" والمطبوعة. 11 في "س" مثبتة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 "الثانية والعشرون"1: أن هذه المسألة هي الدين القيم، "وكل ما"2 خالفها أو ليس منها فليس بقيم بل "أعوج"3 فعلامة الحق أن العقول السليمة تعرف "استقامته"4 بالفطرة، "وعلامة الباطل أن العقول السليمة تعرف اعوجاجه بالفطرة"5، ومع هذا أنزل الله السلطان من السماء بتحقيق هذا والإلزام به، وتبطيل ذلك "و"6 تغليظ الوعيد عليه. الثالثة والعشرون- المسألة "الكبيرة العظيمة"7 التي لو "تجعلها"8 نصب عينيك ليلا ونهارا لم يكن كثيرا، "وأيضا"9 تبين "لك كثيرا من المسائل التي أشكلت على الناس، وهي أن الله "بي"10 لنا بيانا واضحا أن الأكثر "الجمهور"11 الذين يضيقون الديار، ويغلون الأسعار من أهل الكتاب والأميين لا يعلمون هذه المسألة مع "إيضاحها"12 "بالعقل والنقل"13 والفطرة، والآيات النفسية والأفقية14.   1 في "ب": الثالثة والعشرون. 2 في "ب" والمطبوعة: "وكلما". 3 في هامش"س": معوج. 4 في المطبوعة: اعوجاجه. وهو خطأ بين. 5 ما بين القوسين ساقط من المطبوعة. 6 ساقطة من "ب". 7 في "س" العظيمة الكبيرة. 8 في "ب": لو جعلتها. 9 في "س" مثبته في الهامش. 10 ما بين القوسين ساقط من "ض". 11 في المطبوعة: والجمهور. 12 في "ض": إضاحها. 13 في "س" بالنقل والعقل. 14 كما قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} آية "21,20". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الرابعة والعشرون: أنه ينبغي للعالم إذا "سأله"1 العامي عما لا يحتاج إليه، أو سأله عما غيره أهم منه أن يفتح له بابا إلى المهم. الخامسة والعشرون: أنك لا تحقر عن التعليم من تظنه "من"2 أبعد الناس عنه، ولا تستبعد فضل الله، فإن الرجلين من خدام الملوك الكفرة. بخلاف من يقول: ليس هذا "بأهل"3 للعلم بل تعليمه إضاعة للعلم. {يَا صَاحِبَيِ 4 السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . سبق ما في هذا من المسائل5، لكن فيه ما لم "6يذكر": منها: "أنه يجوز للمفتي"7 أو يستحب أن "يفتي"8 "السائل"9 بما لا يحتاج إليه. ومنها "أنه"10 يجيب السائل بما يسؤوه "إذا كانت الحال تقتضيه"11.   1 في "س": سأله. 2 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 3 في "ب": من أهل. 4 هنا في المطبوعة: وقال رحمه الله تعالى: قوله تعالى. 5 انظر ما تقدم ص "325" وما بعدها. 6 في "س": يذكره. 7 في "س": أن الإفتاء به يجوز له. وفي المطبوعة: أن المفتي يجوز له. 8 في "ب" ينبيء. 9 في "س": المسائل. 10 في "س": أن. 11 ما بين القوسين ساقط من "ض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 "ومنها: تأكيد الفتيا بما يسوؤة"1 بما ذكر من قضاء الله "عليه"2 ذلك. {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} . يعنى3: قال يوسف للساقي الذي ظن نجاته- "قيل إن الظن هنا هو اليقين"4 {اذْكُرْنِي} 5 {عِنْدَ رَبِّكَ} أي الملك، {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ} "أي أنسى   1 ما بين القوسين ساقط من"ض"وفي هامش"س"بعد قوله بما يسوؤه: إذا كانت الحال تقتضيه ومنها تأكيد الفتيا بما يسوء. 2 في "س" والمطبوعة: على. 3 ساقطة من "ض". 4 في "ض": "والظن هنا هو اليقين" وفي "ب" "وقيل الظن هنا هو اليقين". وفي المطبوعة: "قيل الظن هنا هو اليقين"- وضمير "هو" في "س"مثبت في الهامش والظن من الأضداد:- فيستعمل في اليقين كما هنا وكقوله: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} "20" الحاقة وتستعمل في الشك كقوله: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} "32"الجاثية. والقول بأنها هنا بمعنى اليقين ذكره ابن الجوزي في تفسيره عن ابن عباس بدون إسناد، وبه قال الطبري والبغوي. وروى الطبري عن قتادة أن الظن هنا خلاف اليقين. انظر في ما تقدم تفسير الطبري "12: 221، 222" وتفسير البغوي "2/427" وزاد المسير "4: 227" ومعجم مقاييس اللغة "3: 462" والمغردات للراغب "317" وبصائر ذوي التمييز "545:3" ولسان العرب "272:13" ظنن 5 في "س" والمطبوعة وقوله: {اذْكُرْنِي} . وكلمه "اذكرني" في "س" مثبتة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الشيطان"1 يوسف ذكر الله2. والبضع ما بين الثلاث إلى التسع3. فيه مسائل: الأولى: أن الرب كما يطلق على "المالك"4 يطلق على المخدوم5.   1 في "س": مثبتة في الهامش. 2 يرى الشيخ رحمه الله عود الضمير في قوله "فأنسمه" إلى يوسف "عليه السلام". وهذا القول هو اختيار الطبري وقد أخرجه عن مجاهد وقتادة وعكرمه والحسن وروى في مضمون ذلك حديثا مرفوعا، ونسبه البغوي إلى ابن عباس وقال: وعليه الأكثرون. بينما ذهب بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه وابن كثير إلى عود الضمير إلى الفتى الناجي فهو الذي أنساه الشيطان ذكر ربه. وقد ضعف ابن كثير الحديث المروي في ذلك ثم قال: وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما، وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن. والقول الثاني أظهر, ومن أقوى ما ذكروا من أدلته أن قوله تعال: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} دليل على أنه كان قد نسي من قبل فاذكر، والكلام هنا في الساقي بلا شك. "والعلم عند الله". انظر تفسير الطبري "12: 222- 224" وتفسير ابن أبى حاتم "192، 193"أشر "367، 368" وتفسير البغوي "2: 428" والتفسير الكبير لشيخ الإسلام "5: 55- 60" وتفسير ابن كثير "317,316:4". 3 هذا القول أخرجه الطبري في تفسيره "12: 224،225" عن مجاهد وقتادة. كما أخرجه عن مجاهد أيضاً ابن أبى حاتم في تفسيره ص"194" أشر "372"- وانظر لسان العرب "8: 15" مادة بضع. وهذا القول هو الأشهر والأظهر. والله أعلم. 4 في "ض"و "ب": الملك. 5 انظر في هذا تفسير الطبري "12: 221، 222" وإصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني "189" مادة: ربب، وتفسير القرطبي "9: 195"، والكلام هنا في ورود اللفظ لغة. أما جوازه شرعا فقد سبق أن أشار الشيخ ص"308" إلى عدم جوازه في شرعنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 الثانية: أن "مثل"1 هذا2 مما يعاقب "به"3 الأنبياء مع كونه "جائزا"4 لغيرهم. الثالثة: أن المقرب قد "يؤاخذ"5 بما لا يؤاخذ به من دونه. الرابعة: أن الشيطان قد يتوصل إلى "الأنبياء"6 بمثل هذا. الخامسة: أن ترك هذا القول والاستغناء بالله من التوكل7. السادسة: أن من المقامات ما يحسن "من"8 "شخص"9، ويلام في تركه ويذم من شخص آخر كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من "أراد الإقتداء"10 به في الوصال وقال: "إني لست كهيئتكم" 11.   1 في "ض" مثبتة في الهامش. 2 المراد بهذا قول يوسف: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . 3 في "س" مثبته في الهامش. 4 في "ض" و "ب" جائز" وهو خطأ. 5 في المطبوعة: يؤخذ 6 في "ب" "للأنبياء"، و"إلى" في "س"مثبته في الهامش. 7 ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع بعض أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً قال الراوي وهو عوف بن مالك. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. أخرجه مسلم في صحيحه/ كتاب الزكاة/ باب كراهة المسألة للناس"2: 721" ح "43 0 1" وأبو داود في سننه/ كتاب الزكاة/ باب كراهة المسألة "2: 121" ح "1643،1642" وابن ماجة في سننه/ كتاب الجهاد/ باب البيعة "957:2" ح "2867". وهذا غاية في تجريد التوحيد، وتحقيقه ص وتعلق القلب بالله وتوكله عليه وصرفه عما سواه. 8 في "س": مثبتة. في الهامش. 9 في "ب" "الشخص". 10 في "س": اقتدى. 11 أخرجه البخاري في صحيحه/ كتاب الصوم/ باب الوصال "انظر الفتح 238:4" ح "1964" من حديث عائشة. ومسلم في صحيحه/ كتاب الصيام/ باب النهي عن الوصال في الصوم "774:2- 776" ح "1102" من حديث ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 السابعة: أن هذا من أبين أدلة التوحيد لمن عرف أيشاب الشرك بالمقربين، "وهو1" أبلغ من قوله "صلى الله عليه وسلم2": "يا فاطمة "بنت" 3 محمد لا أغني عنك من الله شيئا" 4 وتمامها بمعرفة الثامنة وهي: أن الله عاقبه باللبث في السجن هذه المدة الطويلة، مع "أن"5 لبث الإنسان فيه سنة واحدة من العذاب الأليم "فكيف"6 "بشاب"7 ابن نعمه. {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} .   1 في "ب" وهذا. 2 في "س": عليه السلام. 3 في "ب" ابنت. 4 أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوصايا/ باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب بلفظ: "يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من ماي لا أغني عنك من الله شيئا". انظر الفتح "449:5" ح "2753". ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان/ باب في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} بلفظ: "يا فاطمة بنت محمد سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا" "193,192:1" ح "206" وورد بألفاظ أخر. 5 ساقطة من "س". 6 في "س" مثبتة في الهامش. 7 في "ض" و "ب": شاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} فيه مسائل1: الأولى: تسمية الله ذلك الرجل بالملك2. الثانية: أن الذي "سأل"3 عنه هو البقر والسنابل. الثالثة4: أنه استفتى الملأ وهم الأشراف5، ولكن بشرط إن كان عندهم علم. الرابعة: جوابهم بقولهم: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} يدل على أن مما يراه النائم فيه رؤيا حق، "وفيه"6 أضغاث أحلام "باطلة"7، "وقد صح بذلك   1 في "س": الكلام فيه مسائل. 2 إشارة إلى جواز تسمية العباد بهذا وإن كان اسماً من أسماء الله تعالى الاشتراك هنا لفظي فملك الله عز وجل ملك تام يليق بجلاله وعظمته وغناه, وملك العبد ملك تمليك من الله مناسب لحال الإنسان وعجزه وقصوره وفقره. والله أعلم. 3 في "س":يسئل. وفي "ب":سئل. ولعله أراد "سأل" حيث جرى كثيراً على كتابة الهمزة المفتوحة على نبرة. وفي المطبوعة: سأله. 4 في "ض": الثانية. وهو خطأ. 5 وقاله الطبري انظر تفسيره"225:12"وانظر بصائر ذوي التمييز "517:4" والمصباح المنير "2:580"مادة: ملل. ولسان العرب "1: 159" مادة: ملأ، وانظر ما يأتي ص. "344". 6 في "س" مثبته الهامش. 7 في "ب": باطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم"1. الخامسة: إقرارهم بعدم العلم بالتعبير ولم يأنفوا مع أنهم الملأ. السادسة: كلام الساقي وحذقه، كونه قطع أنها رؤيا وأن عند يوسف تعبيرها. "السابعة"2: قوله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} 3 أي "ذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي"4 دهر5، "فيه6 أن "الدهر"7 يسمى أمة.   1 ما بين القوسين ساقط من "ب". وفي "س": وقد صح بذلك الحديث عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. " ... والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه " - رواه البخاري في صحيحه/ كتاب التعبير: باب القيد في المنام "انظر الفتح "422:12" ح "17 70" ومسلم في صحيحه/ كتاب الرؤيا "1773:4" ح "2263" من حديث أبى هريرة. واللفظ لمسلم. كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " ... إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". رواه ابن ماجة في سننه/كتاب تعبير الرؤيا/ باب الرؤيا ثلاث "1285:2" ح "3907" من حديث عوف بن مالك وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة "2: 340" ح"3155". 2 في "س": لسابعه. 3 في "ض": {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة} . وفي "س": "ولدكر " 4 ساقطة من "ب" والمطبوعة. 5 انظر معنى "أمه" عند الطبري في تفسير"12: 227-229" ومعاني القرآن للفراء "3: 47" وإصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني "42، 43، 44" مادة "أم ة" ولسان العرب "12: 27" مادة: أمم. 6 في "ض": وفيه. 7 في "س": لدهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الثامنة1: أنه لم يذهب مع تحققه ما طلب الملك إلا بعد الاستئذان. التاسعة2: قوله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} يدل على أنه يعرف معنى الصديقية3، أنه عرف اتصاف يوسف بذلك. العاشرة4: أنه ذكر ليوسف العلة، وهي علم الناس بما أشكل عليهم. الحادية عشرة: أنه عبر البقر السمان بالسنين "المخصبة"5 والبقر العجاف بالسنين المجدبة، وأكلها "المسمان"6 كون "غله"7 السنين8 المخصبة يأكلها الناس في "السنين المجدبة، وكذلك السنابل الخفر، واليابسات. قيل: إنه رأى سبع سنابل خضر قد انعقد حبها "وسبعا"9 آخر "يابسات"10 قد "استحصدت"11، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن12.   1 في "س": "لثامنه". 2 في "س": "لتاسعه". 3 ذكر المفسرون للصديق معاني تدور في مجملها حول معنى واحد وهو أنه الذي من دأبه الصدق في اعتقاداته وأقواله وأعماله، والتصديق بالصدق. فقد قال الطبري في تفسيره "5: 162" في معناه: المصدق قوله بفعله وذكر أن الصيغة للمبالغة، وقال البغوي "2: 429" الصديق هو الكثير الصدق. وذكر الراغب في مفردات القرآن "277" أقوالا في معنى الصديق ومنها الصديق: الذي صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} مريم:"41"، وقال: {صِدِّيقَةٌٍ} المائدة: 75. 4 في المطبوعة: العشرة. 5 في "س": الخصبة. 6 في "س" و"ب": للسمان. 7 في "س": علم. وهو خطأ. 8 في "س": لمسنين. 9 في "ض" و "ب" وهامش "س": وسبع 10 في "س" مثبتة في الهامش. 11 في "ب" استحصت. وهو تحريف. 12 ذكر هذا البغوي عن الكلبي انظر تفسير البغوي "428:2" والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الثانية عشرة: أنه أجاب السائل بأكثر مما سأله عنه، خلا فالمن جعل هذا من عدم الآداب1. الثالثة عشرة: كرمه وطيب "أخلاقه2" "عليه السلام" 3 كما قال بعض "السلف"4 "لو كنت المسئول ما أجبتهم إلا بكذا وكذا"5. الرابعة عشرة: معرفته عليه السلام بأمور الدنيا، وأن الحب إذا كان في سنبله لم تأته الآفة" ولو لبث سنين6. الخامسة عشرة- أنه أمرهم بتدبير "المعيشة"7 لأجل "السنين"8 الجدب، ولا يأكلون إلا قليلا. السادسة عشرة: أنه فهم من الرؤيا أن الخصب يأتي بعد سبع سنين. السابعة عشرة: "ادخار الطعام للحاجة"9 "وأنه"10 لا يصير من الاحتكار المذموم.   1 أنظر ما تقدم ص "334".. 2 في "ب": نفسه. 3 في "ض" و "ب": العلماء. 4 لم أجد من قال هذا. ولكن أخرج الطبري في تفسيره "235:12" من حديث عكرمة مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ... ولو كنت مكانه - يعنى يوسف- ما أخبرتهم بشيء حتى اشترط أن يخرجوني ... " الحديث. 5 وأخرج نحو هذا ابن أبى حاتم في تفسيره "ص204"، عن ابن زيد اشر "397". 6 في "ب": العيسه. 7 في "س" سنين 8 ما بين القوسين ساقط من "ب". 9 في "ب": أن هذا. 10 الاحتكار في الأصل: الجمع والإمساك، ويسمى أيضا "حكرة" وصاحبه "محتكر" وهو في الاصطلاح: جمع الطعام وحبسه, يتربص به وقت الغلاء. انظر الصحاح للجوهري "2: 635" مادة: حكر، والتعريفات للجرجاني "11" ولسان العرب "208:4". حكر وقد ورد في النهى عن الاحتكار أحاديث أصحها: ما روي معمر بن عبد الله العدوى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحكر إلا خاطئ". أخرجه مسلم في صحيحه /كتاب المساقاة/ باب تحريم الاحتكار في الأقوات"1227:3،1228" ح "1605" وأبو داود في سننه/ كتاب البيوع/ باب في النهى عن الحكرة "3: 271" ح "3447". وابن ماجة في سننه/ كتاب التجارات/ باب الحكرة والجلب "2: 728"ح "3451". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 "وكان صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة1". الثامنة عشرة:- النصيحة ولو لغير المسلمين كما قال "صلى الله عليه وسلم": "في كل كبد رطبة أجر" 2وأما المسلم فنصحه من الفرائض. التاسعة عشرة:- أن الرؤيا الصحيحة قد تكون من "كافر3" كما استدل بها البخاري في صحيحه4. العشرون: الفرق بين الحلم والرؤيا كما قال "صلى الله عليه وسلم": "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان" 5.   1 ما بين القوسين ساقط من "ب". وقد ورد عن عمر رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. رواه البخاري في صحيحه/ كتاب النفقات/باب حبس الرجل قوت سنة على أهله "انظر الفتح" "9/412"ح "5357". ومسلم في صحيحه/ كتاب الجهاد والسير/ باب حكم الفىء "3: 1376" ح "1757" واللفظ للبخاري. وهذا من قبيل التدبير والاقتيات، لا من قبيل الاحتكار, وتربص غلاء السعر بسبب احتكاره. 2 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب الشرب والمساقاة/ باب فضل سقي الماء "انظر الفتح "5: 50" ح "2363". ومسلم في صحيحه/ كتاب السلام/باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها "4: 1761" ح "2244". 3 في "س": الكافر. 4 حيث ترجم لباب من، أبواب كتاب التعبير بقوله: باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك لقوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} إلى قوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} وقال الفضيل لبعض الأتباع: يا عبد الله {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ ... } الآيات. إلى قوله: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ..} . انظر صحيح البخاري مع الفتح "12 ة 397". قال ابن حجر: وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام، ورؤيا ملكهما وغير ذلك "الفتح 12: 379". 5 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب الطب/ باب النفث في الرقيه "10: 219". ح "5747" ومسلم في صحيحه/ كتاب الرؤيا "4: ا 177" ح "1 226"، وقال ابن حجر عند الكلام في باب الرؤيا من الله: وظاهر قوله: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" أن التي تضاف إلى الله لا يقال لها "حلم"، والتي تضاف للشيطان لا يقال لها "رؤيا" وهو تصرف شرعي وإلا فكل يسمى "رؤيا" وقد جاء في حديث آخر "الرؤيا ثلاث" أطلق على كل "رؤيا" الفتح "12: 386". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الحادية والعشرون: التعبير عن الماضي بالمضارع1. والعجاف: ضد السمان، والملأ: كبار القوم "ورؤوسهم"2، وأضغاث أحلام: أخلاط وأباطيل، "وادكر"3: تذكر شأن يوسف، دأبا. متوالية، "تحصنون"4: "تخزنون"5: {يَعْصِرُونَ} 6:- قيل من العنب عصيرا، ومن الزيتون زيتا، ومن السمسم دهنا7، للخصب الذي أتاهم.   1 حيت عبر بأرى عن رأيت. وهو سائغ في لغة العرب. ولعل الغرض من ذلك حكاية الحال الماضية كما قال ابن عطية وأبو حيان وغيرهما، أواستحضار الصورة، كما قال الشوكاني. أو الغرضان جميعا كما قال ابن القيم. والله أعلم. انظر المحرر الوجيز لابن عطية "9: 308" والفوائد المشوق إلى علوم القرآن "102_104" والبحر المحيط "5: 312" وفتح القدير "3: 30". 2 في "س": ورؤسائهم- وفي المطبوعة: ورؤساؤهم. 3 في "س": والدكز وفي "ب": "واذكر". 4 في المطبوعة: تحصدون. وهو خطأ. 5 في "ب" "تختزنون". 6 في "ب" تعصرون. 7 اخرج ابن جرير نحو هذا القول عن ابن عباس وقتادة وغيرهما واختاره وهو اختيار البغوي وابن كثير أيضاً. انظر تفسير الطبري "12: 232- 234" وتفسير البغوي "2: 430" وتفسير ابن كثير "318:4". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} فيه مسائل: الأولى: أمر الملك بالإتيان به ليأخذ عنه مشافهة، وكذلك يفعل العقلاء والسفهاء في الأمر الذي "يهتون"1 به. الثانية: أن طلب العلم الذي يزحزح عن النار ويدخل الجنة أحق بالحرص من جميع المهمات2. الثالثة: هذا الأمر العظيم الذي "لم يسمع بمثله"3 ولهذا قال "صلى الله عليه وسلم": "ولو" 4 لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي" 5 الرابعة: قوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} 6.   1 في "ب": "يتهمون". 2 لعله يشير إلى أن الملك قد حرص على علم تأويل رؤياه فكان عند يوسف "عليه السلام" علم تأويلها فأخرج من السجن بسبب ذلك ففيه أن العلم ينفع صاحبه، فينبغي أن يحرص المرء على العلم الذي هو أعلى العلوم وأشرفها، وهو الذي يكون به الفوز بالجنة والنجاة من النار. والله أعلم. 3 في "ض" و "ب": لم يسمع مثله. وفي المطبوعة: لم يسمح بمثله. 4 في "ض"و "س"والمطبوعة "لو". 5 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب أحاديث الأنبياء/ باب قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} "الفتح 473:6" ح "3372". ومسلم في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الإيمان/ باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة "1331" ح "151" 6 انظر ما تقدم ص "308,309". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الخامسة: قوله: {النِّسْوَةِ} قيل: لم يفرد امرأة العزيز أدباً وحفظاً لحق الصحبة1. السادسة: قوله في هذا الموطن: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} 2. السابعة: قولهن3: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} "فيه"4 رد لبعض الأقوال5 التي قيلت في "الهم"6.   1 قاله الزجاج والبغوي. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج "3: 115" وتفسير البغوي "2: 430" وذكر ابن الجوزي توجيهات أخر فانظر زاد المسير "4: 236، 237". 2 لعل الشيخ رحمه الله يشير إلى أن المراد بالرب هنا هو الله عز وجل. وهو الأظهر والأليق للمغايرة بين الضميرين في قوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّك} وقوله: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} . فقوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّك} أي سيدك كقوله: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} في الأظهر. وقيل: إن المراد بالرب في قوله: {إِنَّ رَبِّي} - سيده، زوج المرأة فهو ذو علم ببراءته مما قذف به. انظر تفسير الطبري "12: 236" وتفسير البغوي "2: 430" وانظر ما تقدم ص "308، 309" والله أعلم. 3 في "ض" والمطبوعة: قوله. 4 ساقطة من "ب". 5 ووجه الرد فيها أن: {سُوءٍ} نكرة في سياق النفي و"من" لتأكيد النفي. فنفت الآية عنه أي سوء، ولا شك أن ما قاله بعض المفسرين من كيفية هم يوسف عليه السلام بأنه حل سراويله ونحو ذلك هو من السوء الذي نفته هذه الآية. فظهر بذلك أن ما ذكروه من كيفية الهم هو من قبيل الإسرائيليات، ومعلوم من اليهوداتها مهم الصريح لأنبياء الله بما يبرأ منه أوساط الناس فضلاً عن صفوتهم. انظر بعض ما قيل في الهم في تفسير الطبري "183:12- 191" وانظر ما سبق ص "312". 6 بياض في "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الثامنة:- قولها1: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} 2. [إقرار بما فعلت. وقولها: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} 3. التاسعة: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} هذا علة لما جرى سواء كان رد الرسول أو إقرارها، فإن كان الأول فالضمير للعزيز زوج المرأة، وإن كان الثاني فالضمير ليوسف4. العاشرة:- رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} أي لا يرشد "كيد"5 من خان "أمانته"6.   1 في "س": قوله. 2 الآية في "س" إلى قوله: {أَنَا رَاوَدْتُهُ} . 3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ب" والمطبوعة. 4 قوله فإن كان الأول: أي إن كان اسم الإشارة عائدا إلى الأول "أي إنما رددت الرسول" ليعلم العزيز، فالضمير المستتر في ليعلم للعزيز زوج المرأة. وإن كان الثاني أي إن كان اسم الإشارة عائداً إلى إقرارها، فالضمير عائد ليوسف أي ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته. والأول عليه أكثر المفسرين وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. والثاني اختاره ابن كثير وابن تيمية وابن القيم وأبو حيان وغيرهم. وهو الظاهر لاتصاله بكلامها، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل. والله اعلم. انظر تفسير الطبري "319:12، 320" وتفسير ابن أبى حاتم "214- 217" أثر "422- 430". والتفسير الكبير لابن تيمية "5: 78، 79، 84" والتفسير القيم لابن القيم "316- 318" والبحر المحيط "5: 317، 318". 5 ساقطة من "س". 6 في "س": بأمانته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 قيل: يفتضح في العاقبة1. الحادية عشرة: قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} ما أجلها من مسألة وما أصعب فهمها! سواء كان "هذا من كلام يوسف عليه السلام أو من كلام امرأة العزيز"2. الثانية عشرة: رد هذه المسألة الجزئية "إلى القاعدة الكلية وهي: أن هذا حال النفس" 3.. "الثالثة عشرة"4: الاستثناء من ذلك وهو من "رحمه الله"5، فأجاره الله من شر نفسه، كذلك ما أجلها من مسألة! "لكن"6 لمن فهمها7. الرابعة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي "قوله"8: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} .   1 حكى ابن الجوزي نحوه ولم يعزه لأحد. انظر زاد المسير "4: 240". 2 في "ب" سقطت "من" الثانية. وفي "س": "من امرأة العزيز أو من كلام يوسف". وفي المطبوعة "من كلام امرأة العزيز أو من كلام يوسف عليه السلام". ويعني الشيخ- والله أعلم- أن احتقار النفس، وعدم تزكيتها والزهو بها، أمر عظيم القدر، جليل الفائدة، إذ يحمل صاحبه على السعي حثيثا إلى إصلاح نفسه، وتحصيل أسباب الكمال البشري لها. 3 في "س" مثبتة في الهامش. 4 في "س" مثبتة في الهامش. 5 في "ض" و "ب" والمطبوعة: رحمه الله. 6 ساقطة من "ض" والمطبوعة. 7 أي استثناء من رحمه الله من الأنفس الأمارة بالسوء. وهذه مسألة جليلة القدر، عظيمة النفع، إذ من عرف حال كثير من النفوس البشرية وأنها أمارة بالسوء إلا من رحمه الله فحفظه، ووقاه، وسدد خطاه، لم يزك نفسه ويتعاظم، بل يتواضع ويفتقر إلى خالقه ويلتجئ إليه، ويعتصم به، طامعا في رحمته إذ لا غنى به عن ربه طرفة عين. 8 ساقطة من المطبوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 "وقوله1": {فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} 2 قيل: معناه. اسأله أن يكشف عن الخبر حتى يعلم الحقيقة3. ففيه المسألة الخامسة عشرة وهي: حرص المخلص لله على براءة عرضه عند الناس وأن ذلك لا يناقض الإخلال بل قد يكون واجباً، ولم يعتب عليه "في هذا"4 كما عتب عليه في قوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} . قيل: إن: {ما} في هذا الموضع5 بمعنى "من"6. قوله: {مَا بَال} ما شأن النسوة. {مَا خَطْبُكُنّ} 7 ما أمركن وقصتكن. "وقوله8": {حَصْحَصَ الْحَقّ} "أي"9 ظهر وتبين10. {الْآنَ} أي هذا الوقت. {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}   1 في "ض" و"ب": "قوله". 2 في "ب": {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . 3 لم أجد هذا القول منسوبا. 4 في هامش "س": في ذلك. 5 يظهران المراد بهذا الموضع قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ} . 6 في المطبوعة: "عن" وقد صرح بأنها بمعنى "من" البغوي في تفسيره "2: 431" والقرطبي في تفسيره "9: 210" وحكاه ابن الجوزي ولم يعزه انظر زاد المسير "4: 242"- وقدرها بمعنى "من" ابن كثير في تفسيره "4: 340". 7 في "ض" و"ب": "خطبكن". 8 في "ض": قوله. 9 ساقطة من "ض" و"ب". 10 وقد قال بهذا من قبل ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة "1: 314" وتفسير الطبري "12: 236، 237" وتفسير البغوي "2: 430". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فيه مسائل: الأولى: {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} ""أي: أجعله خالصاً لي دون غيري"1 كما يقال: الرفيق قبل الطريق2، "وكما قيل"3: "لينظر أحدكم من يخالل" 4.   1 في "ب": "أن أجعله خالصاً دون غيره". 2 هذا القول أورده الميداني في الأمثال "52:2". وقد روي مرفوعاً من حديث رافع بن خديج بلفظ "التمسوا الرفيق قبل الطريق والجار قبل الدار". رواه الطبراني في الكبير "4/268، 269" برقم "4379" والخطيب في الجامع "2: 292، 293" والقضاعي في مسند الشهاب "412:1" ح "709" وغيرهم من حديث أبان بن المحبر عن سعيد بن معروف بن رافع ابن خديج عن أبيه عن جده. وسعيد بن معروف قال فيه الأزدي: لا تقوم به حجة. أ. هـ. وأبان بن المحبر قال فيه الذهبي: أبان متروك فالعهدة عليه. أ. هـ. وللحديث شواهد رواها العسكري والخطيب. قال السخاوي: وكلها ضعيفة ولكن بانضمامها تقوى. قال العجلوني: فيصير حسناً لغيره. وقالا: وفي قوله تعالى حكاية عن آسية: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ما يشير للجملة الثانية. وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: الحديث ضعيف جداً. انظر ميزان الاعتدال "2: 159" المقاصد الخمسة للسخاوي "151" ح "163". كشف الخفاء للعجلوني "1: 178" ح "531" ضعيف الجامع للألباني "1: 349" ح "1245". 3 في "ض": وكما يقال - وفي المطبوعة: وكما قال 4 رواه الإمام أحمد في مسنده "2: 303، 334". وأبو داود في سننه/ كتاب الأدب/ باب من يؤمر أن يجالس "4: 259" ح "4833" والترمذي في جامعه/ كتاب الزهد/ باب 45 "4: 589" ح "2378" وقال: حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي "2: 280" ح "1927". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الثانية: وهى أعجب: قوله: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} "وبيانها"1 لما دخل بعض العلماء، على بعض الملوك وكان "دميما"2 فضحك الملك "من دمامته"3 فذكر له هذه الآية واستحسن الملك جوابه4. ومعنى هذا5 أن الملك لم يتمكن من قلبه لما رأى جمال صورته بل لأجل علمه الذي تبين له لما كلمه. الثالثة: قوله: {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا} 6 أي عندنا: {مَكِينٌ} أي مكنتك من ملكي تصرف فيه،: {أَمِينٌ} أي عرفت صحة أمانتك فأمنتك على ما تحت يدي، وهذا معنى قول أبي العباس7- الولاية لها ركنان   1 في المطبوعة: وبيانه. 2 في "ض" و"ب" ذميما. 3 في "ض" و "ب" وهامش "س": من ذمامته. 4 لعل الشيخ يشير بهذا إلى قصة عبد العزيز الكناني ودخوله على المأمون لمناظرة بشر المريسي في مسألة خلق القرآن. فعاب خلقه بعض الحاضرين تم أجابه عبد العزيز بهذه الآية وما يتعلق بها. انظر الحيده للإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني ص "14، 15". 5 أي معنى قوله: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} . 6 في "ض" و "ب": {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} . 7 هو شيخ الإسلام أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ثم الدمشقي المولود بحران عام "661"هـ والمتوفى سنة "728هـ" بقلعة دمشق فضائله كثيرة ومناقبه جمة. وعلومه ومعارفه واسعة، ومؤلفاته جمة نفيسة وقد ترجمه كثير من العلماء فانظر في ترجمته: فوات الوفيات للكتبي "74:1- 80" والدرر الكامنة لابن حجر "1: 154- 170" وشذرات الذهب لابن العماد "6: 80- 86" وأفرد بعض العلماء ترجمته في مؤلف خاص كالعقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، لابن عبد الهادي، والرد الوافر، لابن ناصر الدين، والكواكب الدرية، والشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، كلاهما لمرعي ابن يوسف الحنبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 القوة والأمانة كما في الآية الأخرى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} 1. الرابعة.- قوله: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} 2 "هذا"3 فيه طلب الولاية كما قال عمر بن الخطاب لبعض الصحابة لما عرض عليه "ولاية"4 "فأبى"5، فقال: طلبها من هو خير منك6، يعني يوسف "عليه السلام"7، ولا يخالف هذا ما ورد من النهي عن طلب الإمارة8،   1 انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام "28: 253". 2 سورة القصص: آية "26". 3 ساقطة من "س". 4 في "ب": الولاية. 5 مكررة في "س". 6 الصحابي هو أبو هريرة رضي الله عنه، وقد دعاه عمر رضي الله عنه ليستعمله فأبى أن يعمل له فقال: أتكره العمل وقد طلبه من كان خيراً منك، يوسف؟ والأثر طويل وهذا موضع الشاهد منه. وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11: 323" أثر "30659" وابن سعد في الطبقات الكبرى "335:4" وابن أبي حاتم في تفسيره "ص222" أثر "439" والحاكم في مستدركه/كتاب التفسير / تفسير سورة يوسف "347:2" وأبو نعيم في الحلية "1: 380". 7 ساقطة من "س". 8 من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: "يا عبد الرحمن لا تسأل الأماره، فإنك إن أعطيتها عن مسالة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها .... " الحديث. رواه البخاري في صحيحه/كتاب الأحكام/ باب من لم يسأل الأمارة أعانه الله عليها/ وباب من سأل الأمارة وكل إليها "الفتح 13: 132" ح "7146، 7147". ومسلم في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الإمارة/ باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها "1456:3" ح "1652" وقد استنبط مثل ما ذكره الشيخ من جواز طلب الولاية القرطبي وابن كثير وابن حجر. انظر الجامع لأحكام القرآن "9: 215" وتفسير ابن كثير "4: 321" وفتح الباري "135:13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 لأن هذا في غير شدة الحاجة، كما أن خالدا لما أخذ الراية يوم موته من غير أمرة مدح على ذلك1. الخامسة: قوله: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} "ليس"2 هذا مما نهي عنه من تزكية النفس3، بل يذكر الإنسان ما فيه من الفضائل عند الحاجة. إذا لم "يقصد"4 التزكية، كما ورد عن جماعة من الصحابة5.   1 عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد من غيرة إمرة ففتح الله عليه .... " الحديث. رواه أحمد في مسنده "3/ 113، 118". والبخاري في صحيحه في مواضع منها كتاب الجهاد والسير/ باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو. انظر الفتح "208:6" ح "3063". وقد وقعت غزوة موته سنة ثمان بين المسلمين والروم، انظر خبرها في سيرة ابن هشام "427:3- 447". 2 في المطبوعة: فليس. 3 ما ورد به النهي قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ..} النجم آية: "32". 4 في "س": تقصد. 5 من ذلك ما ورد عن ابن مسعود "رضي الله عنه" أنه قال: والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين أنزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه". رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن/ باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "الفتح 663:8" ح "5002". ومسلم في صحيحه/ كتاب فضائل الصحابة/ باب 22 من فضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "1913:4" ح "2463". وإنما كان ذكر الإنسان شيئاً من فضائله حسناً بشرطه لأنه خرج مخرج الشكر، وتعريف المستفيد ما عند المفيد، كما ذكر هذا ابن الجوزي عن محمد بن القاسم، وذكر عن أبي يعلى أنه قال: في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه وأنه ليس من المحظور في قوله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} - انظر زاد المسير "4: 245". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 "قوله"1: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} "أي"2 ارض مصر. وقوله: {إِنِّي حَفِيظٌ} أي أحفظ ما وليتني عليه،: {عَلِيمٌ} بأمره وحسابه واستخراجه3. {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 4. فيه مسائل: الأولى: قوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} قيل: معنى ذلك "كما أنعمنا عليه بنعم الدين أنعمنا عليه بنعم الدنيا"5. الثانية: أن ذلك تمكينه في أرض مصر يحل وينزل منها: "ما"6 أراد بعد ذلك الحبس والضيق. [الثالثة: "تسمية الله"7 سبحانه "ذلك"8 رحمة في قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} 9] 10   1 في "س" وقوله. 2 في "س" يعني. وانظر تفسير الطبري "13: 5" وتفسير البغوي "2: 433" وتفسير ابن كثير "4: 321". 3 ورد نحو هذا التفسير عن قتادة وابن إسحاق. انظر تفسير الطبري "13: 5" وتفسير البغوي "2: 342". 4 الآية الأخيرة: مثبته في هامش "ض". 5 في "ب": "كما أنعمنا عليه بنعمه الدنيا" بإسقاط الباقي. وهذا القول لم أجده معزوا. 6 ساقطة من "ض". 7 في "ب": تسميته. 8 ساقطة من "ب". 9 قوله: {مَنْ نَشَاءُ} ساقط من "ب". 10 ما بين المعقوفتين ع ساقط من"ض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وهذه من أشكل المسائل على أكثر الناس، بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم وأن التجرد من المال مطلقاً هو الصواب، "وبعض"1 يظن أن "عطاء الدنيا"2 يدل على رضي الله "وكلاهما على غير الصواب"3، وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أو مال فجعلها طريقاً إلى طاعة الله فهو ممدوح، وهو أحد الرجلين "اللذين يغبطهما"4 المؤمن، وإن كان غير هذا فلا. الرابعة:- أن هذه الأمور وإن جلت وصارت أعلى المراتب وأصعبها طريقاً فتحصيلها مردود إلى محض المشيئة لا إلى الأسباب. الخامسة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهى أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. السادسة: أن من عدم إضاعته "أنه5" يعجل في الدنيا بعضه لمن أراد الله كما قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} 6. السابعة: "أن"7 الأجر الثاني لمن أحسن "خير"8 من ملك يوسف وسليمان ابن داود. الثامنة: قوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} "فالإيمان"9 يدخل فيه الدين كله. وأيضاً يدخل كله في التقوى، وأما إذا "قرن"10 "بينهما"11 كما هنا فالإيمان الأمور الباطنة والتقوى   1 في "ق" وبعضهم. 2 في "ب": عطاء الله الدنيا. 3 في "ب" وكلاهما يدل على غير الصواب. 4 في "س" و "ب" والمطبوعة: الذين يغبطهم. أ.هـ. وهما الموسر المتصدق، والعام العامل المعلم، كما في الحديث "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكة في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمهما" - رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب العلم/ باب الاغتباط في العلم والحكمة "انظر الفتح "1: 199" ح"73" ومسلم في صحيحه / كتاب صلاة المسافرين/ باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه "1: 559" ح"816". 5 في "ب" أن. 6 سورة النمل: آية "30". 7 ساقطة من المطبوعة. 8 في "س" مثبتة في الهامش. 9 في "ب" والإيمان. 10 في "ض" والمطبوعة: "فرق" ولعله تصحيف. 11 في "س" مثبته في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الأمور الظاهرة. "وإن"1 قلت الإيمان فعل الواجبات والتقوى ترك المحرمات فقد أصبت2. {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} 3 قيل: لما اطمأن يوسف في ملكه ومضت "السنين"4 المخصبة. ودخلت "السنين" "الجدب"5 وأصاب الشام من القحط ما أصاب غيرهم، فأرسل يعقوب بنيه إلى مصر، وأمسك "بنيامين"6 عنده. فلما دخلوا عليه عرفهم. قيل "كان"7 بين دخولهم عليه "وإلقائه"8 في الجب أربعون سنه، فلذلك لم يعرفوه9. فقال10 أخبروني ما أمركم؟ فقالوا: نحن قوم من أرض كنعان جئنا نمتار طعاماً.   1 في المطبوعة: وإذا 2 أشار ابن تيمية رحمه الله إلى نحو هذا التفصيل في مواضع من الفتاوى وخصوصاً في كتاب الإيمان فانظر مثلا "7: 162، 169". 3 الآية في "ض" و "ب" إلى قوله: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} . 4 في المطبوعة: السنون. 5 في المطبوعة: المجدبة. 6 في "ب": "ابن يامين" وهو خطأ. 7 في "س" مثبته في الهامش. 8 في "س": وبين إلقائه. وفي "ب": "إلقائه" بدون "و". 9 ذكره البغوي عن ابن عباس بدون إسناد. انظر تفسير البغوي "2: 435". 10 في "ب" "فقال لهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قال: كم أنتم؟ "قالوا"1: عشرة قال: أخبروني خبركم. قالوا "إنا"2 إخوة "بنو رجل"3 صديق، وإنا كنا "اثني عشر"4 فذهب "أخ له معنا"5 في البرية فهلك فيها، "وكان أحبنا إلى أبينا"6. "قال"7 "فإلى من سكن"8 أبوكم بعده؟ قالوا: "إلى"9 أخ لنا أصغر منه، فذلك قوله: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} 10 يقال: جهزت القوم إذا هيأت لهم جهاز السفر11، وحمل لكل رجل منهم بعيرا، وقال ألا ترون أني أوف الكيل وأنا خير المنزلين"12.   1 في "ض": قال. 2 في "ب": نحن. 3 في "س": "بني رجل". 4 في "ض" "اثنا". 5 في "ض": "معنا أخ لنا". 6 في المطبوعة "وكان احب إلى أبينا منا" وفي "ب" "وكان أخينا من أبينا" والموافق للرواية والنسخ المخطوطة ما أثبته. 7 في المطبوعة "فقال" والموافق للرواية والنسخ ما أثبته. 8 في "س" والمطبوعة فإلى من يسكن. وفي "ض": "لمن سكن". 9 من هامش "س" وهو الموافق للرواية. 10 في "ض": {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} وما أثبته من "ض" و "ب" وهو أنسب، وموافق لما عند البغوي في تفسيره "435:2". 11 انظر المصباح المنير "1: 113" ولسان العرب "5: 325" مادة: جهز. 12 أخرج نحو هذه القصة ابن جرير الطبري عن كل من السدي وابن إسحاق انظر تفسير الطبري "13: 7". والبغوي "2: 434". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 "المضيفين"1. قيل: "إنه"2 أحسن ضيافتهم ثم أوعدهم على ترك الإتيان بالأخ فقال: فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون"3. وقوله: {..} ، والرحل "كل ما"4 يعد للرحيل "من"5 وعاء "للمتاع"6 ومركب للبعير وحلس7 "وغير ذلك"8. قيل: مراده أنهم يعرفون "كرمه9" فيحملهم على العود10. وقيل: خاف أن لا يكون عندهم ما يرجعون به11. فيه مسائل: الأولى: كون القحط عم البلاد لم يكن على مصر خاصة.   1 ساقطة من "ض"، "ب": وهذه الرواية. ذكرها البغوي وعزاها إلى مجاهد بدون إسناد "2: 435". 2 في "ب": لأنه. 3 ذكر هذا ابن الجوزي في تفسيره ولم يعزه لأحد. انظر زاد المسير "4: 248". 4 في "ب" "كما". 5 ساقطة من "ض". 6 في "س" والمطبوعة "المتاع". 7 انظر زاد المسير "4: 249" والمصباح المنير "1: 222" مادة: رحل. والحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله. انظر المصباح المنير "1: 146" ولسان العرب "6: 54" مادة: حلس. 8 في "ب" لا غير ذلك. وهو تحريف. 9 في "ب" "إكرامه". 10 ذكره البغوي في تفسيره "2: 435"، وابن الجوزي في زاد المسير "4: 350"، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن "9: 223". 11 حكاه البغوي عن الكلبي، وابن الجوزي عن أبي صالح عن ابن عباس. انظر تفسير البغوي "2: 435" وزاد المسير "4: 249". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 الثانية: إنكارهم إياه "ومعرفته لهم"1. الثالثة: حيلته "عليه السلام"2 في التوصل إلى إتيان أخيه. الرابعة: "كون"3- ما فعل "معهم"4 حثهم "به"5 على الإتيان به. الخامسة: أن هذا "ليس"6 من تزكية النفس "المذموم"7. السادسة: أن هذا ليس من المن "والأذى"8 المذموم9. السابعة: "أن"10 قوله: {فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ} ليس من منع المضطر المذموم11. الثامنة: ما صنع الله "له"12 من إذلالهم بين يديه، وذلك أنهم "وعدوه أنهم"13 يراودون "عنه"14 أباه "وأكدوا ذلك له"15 بالعزم على الفعل.   1 في "ض": ومعرفتهم له. 2 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 3 في "ض": كونه. 4 في "س": بهم. 5 ساقطة من "س" والمطبوعة. 6 ساقطة من "ض". 7 في "س" مثبتة في الهامش، وانظر هذه المسألة فيما سبق ص "353". 8 في "س" مثبتة في الهامش. 9 المذموم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} الآية "264" من سورة البقرة، وغيره. 10 ساقطة من "س". 11 ومن أدلة ذم منع المضطر قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وانظر شيئاً من الكلام على هذا المبحث في الطرق الحكمية لابن القيم ص "260". 12 ساقطة من "ض". 13 في "س" مثبتة في الهامش، وكلمه "أنهم" مكرره في المطبوعة. 14 ساقطة من "ض"، و"س" والمطبوعة. 15 في "س" و"ب" وأكدوا له ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 التاسعة: أمره "الفتيان أن يجعلوا البضاعة"1 في رحالهم2، والحكمة في ذلك أنهم إذا رجعوا إلى أهلهم "وفتحوا المتاع"3 ووجدوها ردت إليهم رجعوا. {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فيه مسائل: الأولى: أنهم وفوا ليوسف "بما وعدوه"4. الثانية: أنهم ذكروا لأبيهم ما يقتضي الإجابة وهو منع الكيل. الثالثة: أن هذا "يدل"5 "على"6 أنهم لاغناء "بهم"7 عن التردد إلى الميرة8.   1 في "ض" والمطبوعة "أمره بجعل الفتيان بضاعتهم في رحالهم". وفي "ب" "أمره الفتيان بجعل بضاعتهم". 2 في قوله: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . 3 ساقطة من "ب". 4 في "ب": "ما وعدوه". 5 في المطبوعة: مما يدل. 6 في "س" مثبته في الهامش. 7 في المطبوعة: لهم. 8 "الميرة" "بكسر الميم" الطعام يجلبه الإنسان. يقال: مار أهله يميرهم ميرا إذا جلب لهم الطعام. وهم يمتارون لأنفسهم، ويميرون غيرهم، فقوله: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نجلب لهم الميرة. انظر المفردات للراغب "478" ولسان العرب "5: 188". المصباح المنير "2: 587": مير. وانظر ما يأتي ص "365". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الرابعة:- أنهم وعدوه حفظه، وأكدوه بإن واللام. الخامسة: "جوابه عليه السلام لهم"1، فيدل على قوله "عليه السلام"2: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" 3. السادسة: أن من "أساء"4 فعله ساء الظن فيه ولو لم يكن كذلك. السابعة:- أنهم لما ذكروا له أنهم يحفظونه وأكدوا أجابهم بقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً} . الثامنة: أنه أجابهم أيضاً بكون الله أرحم الراحمين. التاسعة: ذكرك للممنوع سبب منعك إياه. العاشرة: أنه "فعلكم"5 كقوله: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} 6. {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا 7 وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} . فيه مسائل: الأولى: استعطاف "الممتنع"8 بالخصال التي توجب إجابته.   1 في "ب": جوابه لهم عليه السلام. 2 ساقطة من "ض" والمطبوعة. وفي "س" مثبته في الهامش. 3 رواه البخاري في صحيحه/ كتاب الأدب/ باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. "انظر الفتح 10: 546" ح "6133". ومسلم في صحيحه/ كتاب الزهد/ باب "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" "2295:4" ح "2998". 4 في "ب" ساء. 5 في "س" فلعلكم: وهو خطأ من الناسخ. 6 سورة آل عمران آية: "165". 7 في "ض" والمطبوعة بعد قوله: {رُدَّتْ إِلَيْنَا} قال: إلى قوله: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} . 8 في "ب": للممتنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الثانية: أنهم لم يعلموا أنها ردت إليهم حتى وصلوا "إلى"1 أهلهم وفتحوا المتاع. الثالثة: ذكرهم له حاجة الضعفاء والذرية إلى الكيل. الرابعة: أنهم "يزدادون"2 حملا آخر على ما أتوا به. الخامسة: ذكرهم الثناء على يوسف بأن الحمل عليه يسير لكرمه مع شدة حاجتنا إليه وغلاء ثمنه3. السادسة: أنه عليه السلام لما ذكروا "له ذلك"4 رجع عن رأيه الأول ورأى إجابتهم. السابعة: أنه شرط عليهم هذا الشرط الثقيل. الثامنة: أنهم أعطوه إياه على ثقله. التاسعة: أنهم لما "آتوه5" الموثق وعظهم "وأكده"6 عليهم بقوله: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 7. العاشرة: أن هذا يدل على أنهم في جوع "وضراء"8 عظيمة، وهم أكرم أهل الأرض على الله، وابتلاهم بذلك لا لهوانهم عليه.   1 ساقطة من "س". 2 في "ض": يزدادوا. وهو خطأ. 3 ذهب إلى نحو هذا القول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه "119:3". 4 في "س": "ذلك له". وفي "ب": "إليهم ذلك". 5 في "ب" بزيادة أعطوه قبلها ولا وجه له. 6 في "ب": "وأكد". 7 في المطبوعة: {واللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} . 8 في "س": مثبتة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ 1 وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} فيه مسائل: الأولى: خوف عليهم من العين2. الثانية: أمره لهم بالسبب الذي يمنع، ونهيهم عما قد يكون سبباً لوقوعها. الثالثة: أنه مع فعل السبب تبرأ من الالتفات إليه. الرابعة: أنه دلهم على عدم الالتفات إلى أبيهم3. الخامسة: أنه دلهم على التوكل على الله. السادسة: أنه "أخبرهم أنه توكل"4 عليه وحده لا شريك له، لا على "علمه"5 وفطنته ولا على السبب الذي أمرهم به. السابعة6: أنه أخبرهم أن توكل المتوكلين "كلهم"7 "على الله فمن توكل"8 على غيره فليس منهم.   1 في "ض" و "ب" والمطبوعة بعد قوله: {مُتَفَرِّقَةٍ} قال: إلى قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . 2 وقد قال هذا القول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ومحمد بن كعب القرظي وهو قول جمهور المفسرين.- انظر تفسير الطبري "13: 13، 14" وتفسير ابن أبي حاتم "ص 244، 245" أثر "497- 499". 3 في "س" مثبتة في الهامش وفي المطبوعة: التهمه كما في "ق". 4 في "ب" وهامش "س": أخبرهم أن توكله. 5 في "س": عمله. 6 في "س" "السا" بدون أخر الكلمة وهو سقط. 7 في "س" كله. 8 في "س": عليه لا شريك وفي "ب" "عليه فمن توكل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الثامنة: خبره "تبارك و"1 تعالى أنهم قبلوا وصية أبيهم وعملوا بها "فتفرقوا"2 على الأبواب لما أرادوا دخول البلد. التاسعة: أن ذلك لا يغني عنه "من الله شيئاً"3 لا يريد بهم "شيئاً"4. العاشرة: الاستثناء، وهو أن ذلك التعليم من الرجل الحكيم المصيب، وقبول المنصوح "وعمله"5 بالنصيحة التي هي سبب لو أراد الله أن العين تصيبهم أصابتهم ولو تفرقوا "على الأبواب"6 حظا للعباد على الاعتماد عليه لا على الأسباب. الحادية عشرة: ثناؤه على يعقوب بأنه "ذو علم لما عملناه"، قيل: معناه "عامل بما علم"7، وهو يدل على أن العلم الذي لا يثمر العمل لا يسمى علماً. الثانية عشرة: ذكره أن أكثر الناس لا يعلمون. {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ8 قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . قيل إنه قال لهم "ليصر"9 كل اثنين جميعا10. فبقي "أخوه"11 وحده فآواه   1 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 2 في "ب": وتفرقوا. 3 في "ض" و"س" والمطبوعة: "شيئا من الله". 4 ساقطة من "ض". 5 في "ب" مصححة في الهامش. 6 في "س" مثبتة في الهامش. 7 في "ض" والمطبوعة: عامل بما علمه وفي "ب": عاقل بما علمه وهو تصحيف وهذا القول أخرجه الطبري عن قتادة. وذكره البغوي وابن كثير عن الثوري وروى الطبري عن الثوري أنه قال: من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما. انظر تفسير الطبري "13: 15" وتفسير البغوي "2: 438" وتفسير ابن كثير "4: 324". 8 في "ض" و"ب" بعد قوله أخاه: الآية. وليس في المطبوعة. وفي "س": ما أثبته. 9 في المطبوعة: "يصير" وفي النسخ المخطوطة "ليصير" والصواب ما أثبته. 10 ذكر نحوا من هذا الطبري في تفسيره "15:13" عن السدي وابن إسحاق. 11 في المطبوعة وجميع النسخ المخطوطة: "أخاه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 إليه. "فقال"1 له: {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ} . قيل: إنه أخبره الخبر2. وقيل: المراد أخوة المحبة3. "وقوله"4: {مَا نَبْغِي} 5. قيل أي شيء نريد وقد ردت بضاعتنا6. و"قوله"7: أي "نأتي"8 لهم بالطعام، يقال مار أهله "إذا"9 أتاهم بطعام10.   1 في "س": "وقال". 2 أخرجه الطبري في تفسيره "13: 15" وابن أبى حاتم في تفسيره ص "250" أثر "512" عن ابن إسحاق وزاد ابن الجوزي نسبته إلى ابن عباس- انظر زاد المسير "4: 255". وهذا القول هو الأظهر. 3 أخرجه الطبري في تفسيره "15:13" عن وهب بن منبه. 4 في "ب": "قوله". 5 في "ب": قوله: {مَا نَبْغِي هَذِه} . 6 أخرج الطبري في تفسيره "13: 12" نحوا من هذا عن قتادة. وكذا أخرجه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره "ص 240" اشر "483". ونحوه قال الزجاج في معاني القرآن "2: 118" والبغوي في تفسيره "3: 436". 7 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 8 في "ض": "نات". 9 في "س": "أي". 10 في "ب": "بالطعام". وانظر ما تقدم ص "360" هامش: "8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 "وقوله"1 {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي يأتيكم أمر يهلككم "كلكم"2. {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} فيه مسائل: الأولى: كونه عليه السلام احتال بهذه الحيلة، ولا حجة في هذا لأهل الحيل الربوية4، لأن ذلك مما أذن الله فيه ليوسف عليه السلام5 وإلا لو "يفعل ذلك"6 "الآن رجل"7 مع أبيه وإخوته حرم إجماعا.   1 في "ض" و "ب" والمطبوعة: "قوله". 2 ساقطة من "س". 3 قال في "ض" و "ب" والمطبوعة بعد قوله: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} : إلى قوله: {وْكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} . 4 الحيلة:، أن يقصد المرء سقوط الواجب أوحل الحرام بفعل لم يقصد به ما جعل ذلك الفعل له أو ما شرع ... قاله شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى "17:6". 5 وأما الحيل الربوية فهي مخادعة لله تعالى، وانتهاك لحرماته، وتعد لحدوده وما زجر عنه.- وانظر الكلام على إبطال الحيل عند شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه "إقامة الدليل على إبطال التحليل" ضمن الفتاوى الكبرى "6: 5-392". وضمنه الكلام على وجه فعل يوسف عليه السلام هذا من ص "125" إلى ص "133" وابن القيم في إعلام الموقعين من "3: 159" إلى "47:4" وضمنه الكلام على وجه فعل يوسف من ص "216" إلى ص "222" وخلاصه ما ذكروه في فعل يوسف هذا أنه لا يخلو من أمرين: 1- أنه كان بأمر الله. 2- أنه كان برضى أخيه، ورغبته البقاء عنده عندما علم أنه أخوه. وانظر ما يأتي ص "373". 6 في "س": "لو يفعله". 7 في "ب": "رجل الآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الثانية: قوله: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} 1 "أي"2 المنادى بصوت رفيع يسمى "مؤذنا"3 "وقوله"4: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قيل: فيه جواز المعاريض "إن"5 أراد بذلك أنهم سرقوه من أبيه فإنه لم يقل: سرقتم الصواع6.   1 في "ب" وهامش "س": {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون} . 2 ساقطة من المطبوعة. 3 في "ض" و "ب" "مؤذن". وانظر هذا المعنى عند الطبري في تفسيره "17:13" والراغب في المفردات"14" والدامغاني في إصلاح الوجوه والنظائر "26" ولسان العرب"12: 9" مادة: أذن. 4 ساقطة من "ب" والمطبوعة. 5 ساقطة من "ب". 6 قوله فيه جواز المعاريض: التعريض: خلاف التصريح. والمعاريض: التورية عن الشيء بالشيء وعرفها شيخ الإسلام بقوله: المعاريض وهي أن يتكلم الرجل بكلام جائز يقصد به معنى صحيحا، ويتوهم غيره أنه قصد به معنى آخر ... ". وهي جائزة ما لم تكن في إبطال حق أو إحقاق باطل. وخصها بعضهم بوقت الحاجة أو الضرورة إليها. انظر الصحاح للجوهري "3: 1087" مادة: عرض. والفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام "6: 0 2 1" ولسان العرب "7: 83 1" مادة عرض، وفتح الباري "10: 610". وكون المراد بقوله: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} أي سرقتم يوسف من أبيه ذكره البغوي، في تفسيره "439:2" وابن العربي في أحكام القرآن "095:3 1" والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن "9: 231". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الثالثة: قوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} فيه جواز "بذل"1 الأجرة لمن جاء بالسرقة2. "قوله"3: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} استدل به على صحة الضمان4 ولزومه، "وهي"5 الرابعة. الخامسة:- "قوله":6 {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} . فيه جواز الحلف على مثل هذا مع أن العلم في القلب، "لكن بعض ما في القلب يعرف بالقرائن"7. أي: ما جئنا "لهذا"8، وما هذا "بفعل لنا"9، "ولا يصلح منا"10، "ولسنا أهلا له"11.   1 في "ض" و "ب": نيل. 2 وذلك على سبيل الجعالة. وممن ذكر أنها في الجعاله الكيا الهراسي في أحكام القرآن "233:4" وابن العربي في أحكام القرآن "3: 96 0 1" وغيرهما. 3 ساقطة من "س". 4 عرفه ابن رشد في المقدمات الممهدات "373:2- 3 0 4" بقوله: الضمان هو التزام القيام بالشيء والاستطلاع به. واستدل على مشروعيته بهذه الآية. وعرف ابن قدامة في المغنى "4: 590" بقوله: هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعا، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما. واستدل على مشروعيته بهذه الآية أيضاً. وانظر الاستدلال بهذه الآية أيضاً على صحة الضمان ولزومه في أحكام القرآن لابن العربي "3: 1095". 5 في "ب": "هى". 6 في "س": قولهم. وفي "ب" قوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا..} . 7 في "س": لكن يعرف بعض ما في القلوب بالقرائن. 8 في المطبوعة: بهذا. 9 في "ض" و "ب" والمطبوعة: "بفعلنا". 10 في "ض": وما يصلح. 11 في "ض" و "س" "ولمسا أهل له"، وفي "ب" "ولسنا أهله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 السادسة: "أن"1 السرقة ونحوها من الفساد في الأرض. "وقوله"2: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} قيل: "كان"3 في شرعهم استعباد السارق هو لهم كالقطع في شرعنا4 فلهذا {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} "5. السابعة: "بداءته"6 بأوعيتهم "قبل وعاء أخيه"7 "إبعادا عن تهمته"8 وذلك من كيد الله له9. الثامنة: قوله: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي "حكمه"10 علي السارق غير ذلك11، ولكن الله دبر ما جرى نصرة ليوسف، لأنهم ظلموه، فكاد له، كما كادوا أباهم. التاسعة: قوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} أي ما جرى على ألسنتهم من ذلك لقول الذي حكموا به على أنفسهم، فأخذه بفتياهم وذلك من مشيئة الله.   1 ساقطة من "ب". 2 في "ض" و "ب": قوله. 3 ساقطة من "ض" و "ب". 4 أخرجه الطبري عن السدي وابن زيد وابن إسحاق ومعمر وهو قول جماهير المفسرين أنظر معاني القرآن للفراء "2: 53،54" وتفسير الطبري "13: 22، 26"وتفسير البغوي "2: 440" وزاد المسير لابن الجوزي "4: 360" والجامع لأحكام القرآن للقرطبي "9:234". 5 في "س"مثبته في الهامش. 6 في "ض" "بداته" وفى "س" "بدؤته". 7 ساقطة من "ض" والمطبوعة. 8 في "ب" "ابعاد من تهمته". 9 هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية المسألة الثالثة عشرة مستنبطه من قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . 10 في "ب" "حكم". 11 نحو هذا التفسير مروي عن قتادة والضحاك ومحمد بن كعب القرظي وابن زيد وذكره ابن الجوزي عن ابن عباس بدون إسناد. انظر تفسير الطبري "13: 25، 26" وتفسير ابن أبي حاتم "ص266،267" أثر "554، 555". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 العاشرة: كونه يسبحانه "فاوت"1 بين عباده "تفاوتا عظيما"2، حتى الأنبياء "رفع"3 بعضهم فوق "بعض"4 درجات5. الحادية عشرة: التنبيه "على"6 أن ذلك لا يكون إلا بمشيئة "الله"7. الثانية عشرة: أن رفع الدرجات الذي ينافس "فيه"8 هو رفعها بالعلم. الثالثة عشرة: أنه ذكر أن "فوق كل ذي علم عالم أعلم منه"9 حتى "ينتهي"10 العلم إلى الله. {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ   1 في "س": جعل. 2 في "ض": تفاوت عظيم. 3 في المطبوعة: "ورفع" كما في "ق". 4 في المطبوعة: بعضهم. 5 قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَات ... } الآية "253" سورة البقرة. 6 ساقطة من "ب" وفى "ض" مثبتة في الهامش. 7 في "س" مثبتة في الهامش. 8 في "س": فيها. 9 في "س" والمطبوعة: كل عالم فوقه أعلم منه. وفي "ض" كما أثبته مع زيادة "عليم منه" بعدها ولا وجه لها. والله أعلم وفي "ب" "فوق كل عالم أعلم منه". 10 في "س": يصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} 1. وفيه مسائل: الأولى: إبطال قياس "الشبه"2.   1 في "ض" بعد قوله {فِي نَفْسِهِ} قال: إلى قوله: {تَصِفُونَ} . وفي "ب" قال: إلى قوله: {إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} . 2 في "ض" مثبته في الهامش. وقد اختلف العلماء في حد قياس الشبه، وفي الاحتجاج به، إذ هو من أصعب مسالك العلة، كما صرح به الأصوليون فذكر ابن قدامة له تعريفين: أحدهما: أن يتردد الفرع بين أصلين، حاظر ومبيح، ويكون شبهه أحدهما أكثر. الثاني: الجمع بين الأصل والفرع بوصف يوهم استعماله على حكمة الحكم من جلب المصلحة أو دفع المفسدة. ويقرب من التعريف الثاني قول من قال: إنه ما يوهم المناسبة من غير اطلاع عليها. وقيل في حده غير ذلك من التعريفات. وغالبها يرجع إلى أن الوصف في قياس الشبه مرتية بين الطردى والمناسب. - وقد اختلف في الاحتجاج به: فأكثر الفقهاء والأصوليين على الاحتجاج به، فنقل الغزالى في "المنخول" قبوله عن أبى حنيفة ومالك والشافعي. وعن الإمام أحمد فيه روايتان. وممن قال بإبطاله العلامة ابن القيم، وقال: إن الله لم يحكه إلا عن المبطلين، ومثل له بأمثلة منها: قوله عن إخوة يوسف: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} وحاصل ما ذكره ابن القيم هنا: أن الإخوة زعموا أن أخا بنيامين سرق من قبل فهو كذلك، فلم يجمعوا بين الفرع والأصل بعله، ولا دليلها، سوى الأخوة، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ، والقياس بالصورة المجردة، إذ الأخوة ليست مقتضية للتساوي في السرقة، لو كانت حقا..= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الثانية: أن تعيير غيرك بذنب قد فعلت أكبر منه غير صواب، كما في قوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ .... } الآية1 الثالثة: كون المظلوم المرمي "بشيء خفي"2 يتعزى بعلم الله "تعالى"3 {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} 4. فيه مسائل5: الأولى: بيان مبالغتهم في حفظ "أخيهم"6. الثانية: جواب يوسف يدل على أن السرقة تثبت بوجود المسروق عند الرجل7.   1 قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} الآية "217" من سورة البقرة. 2 ساقطة من "ض". 3 مثبته في "ض" والمطبوعة. 4 قال في "ض" والمطبوعة بعد قوله: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} إلى قوله: {إِنَّا إِذاً لَظَالِمُون} . 5 ما بين المعقوفتين من "الأولى" إلى نهاية قوله "فيه مسائل" ساقط من "ب". 6 في "ض" و "س": أخاهم. وفى "ب": أخيه. 7 انظر ما يأتي ص "375". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الثالثة: أن من وجب عليه الحد لو بذل "غيره"1 نفسه عنه لم يحل2. الرابعة: "أن الرجل"3 يثبت أنه ظالم "ولو"4 بفعلة واحدة. الخامسة: أنهم عرفوا "منه"5 "عليه السلام"6 من العدل والإحسان "ما فهموا"7 أنه من المحسنين. السادسة: استشفاعك، على غيرك بما فيه من الخصال الحميدة. السابعة: المعاريض فإنه عليه السلام لم يقل إنه سارق8. الثامنة: إبطال استدلال أهل الحيل المحرمة فإن هذا يدل على أنه "إنما أخذه برضا"9 أو بوحي خاص10.   1 في "س"و "ب": غير 2 قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. وحكاه ابن المنذر والقرطبي إجماعاً، انظر المسألة في كتاب الأم للشافعي "230:3" والإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر "1: 124" والإجماع لابن المنذر "144" والمبسوط للسرخسي "2: 102" والمنتقى للباجى "84:6" والمغنى لابن قدامة "616:4" والجامع لأحكام القرآن للقرطيى "9: 240". 3 ساقطة من "ض" و "ب". 4 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 5 في المطبوعة: فيه. 6 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 7 في "ب" فهو. 8 انظر ما تقدم ص "367". 9 في "ض" و "س" "إنما أخذه إلا برضاه". وفي "ب" "ما أخذه إلا برضاه" والتصحيح من "ق". 10 انظر ما تقدم ص "366". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 التاسعة: أن المظلوم يجوز له أن يعامل من ظلمه بما لا يحلى أن يعامل به غيره1. العاشر: "أن هذا"2 يدل على "أن"3 أهل مصر لم يعرفوا "يعقوب"4 معرفة تامة5. {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 6   1 وجه استنباط هذه المسألة أن يوسف عليه السلام قد عامل إخوانه بما لا يحل أن يعامل به غيرهم من وضعه الصواع في رحل أخيه واستبقائه عنده وفى ذلك نكاية بهم. وهذه المسألة من حيث هي لها ما يؤيدها كقوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} النساء "149" وانظر تفسيرها عند الطبري "16: 1- 4" وابن كثير "2: 394- 396" وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} الشورى وانظر تفسيرها عند الطبري "25: 37، 38" وابن كثير "197:7- 200". 2 في "س" مثبتة في الهامش. 3 ساقطة من "ب". 4 ساقطة من "ب". 5 وهذا مستنبط من قولهم كما أخبر الله عنهم {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} . 6 في "ض" والمطبوعة بعد قوله: {مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ} قال: إلى قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وقال في "ب" إلى قوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 فيه مسائل: الأولى: أنهم بالغوا حتى استيأسوا منه. الثانية: ثقل الأمر عليهم كما فعل كبيرهم. الثالثة: أنه ذكر أنه على هذه الحال "إلى أن يأذن له أبوه"1 "أو يحكم"2 الله له فإنه سبحانه يحكم لك أو عليك. الرابعة: رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية، وهى معرفة أن الله "أحكم"3 الحاكمين4. الخامسة: الشهادة على الرجل بالسرقة إذا وجد المسروق عنده5. السادسة: أن هذه شهادة "بعلم"6 مع كونهم ما علموا إلا القرينة7.   1 في "س": إلا إن أذن له أبيه. وفي "ب": إلى أن أذن له أبوه. 2 في "ب": "أو حكم". 3 في "ب": "هو خير". 4 المراد بهذه المسألة الجزئية المسألة الثالثة، وهى بقاء كبيرهم حتى يأذن له أبوه أو يحكم الله له. 5 وذلك- كما قال ابن القيم في الطرق الحكمية اعتمادا على القرينة الظاهرة في شأن المتهم، قال رحمه الله: ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار. قلت: وهذا في شأن المتهم بالسرقة، وهو- والله أعلم- ما لم يدفع القرينة بأقوى منها فينظر. وقد وافق الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله في استنباطه هنا العلامة السعدي في تفسيره. انظر الطرق الحكميه لابن القيم "6،7" واعلام الموقعين له أيضاً "3: 220 221" وتفسير السعدي "4: 73". 6 في هامش "س": تعلم. 7 هذه مستنبطة من قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} وانظر نحوا من هذا عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن "245:9". وقد استنبط نحوا منه السعدي في تفسيره تيسير الكريم المنان "4: 80". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 السابعة: الاعتذار بعدم علم الغيب. الثامنة: الرجوع إلى الجيران وأهل الخبرة في الأمور الخفية. التاسعة: "تسمية"1 المدينة قرية2. العاشرة: اتهام المتهمين كما ذكر النعمان بن بشير3.   1 في المطبوعة: تسميته. 2 ويدل على هذا أيضاً قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} الآية: "13" سورة: محمد صلى الله عليه وسلم- وانظر لسان العرب "177:15" مادة: قرأ. 3 هو الصحابي ابن الصحابي والأمير العالم النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبه بن زيد الأنصاري الخزرجي. يكنى "أبا عبد الله" ويقال: "أبو محمد" وهو ابن أخت عبد الله بن رواحه رضي الله عنه. ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا. ولي الكوفة لمعاوية مدة، ثم ولي قضاء دمشق، ثم ولي إمرة حمص. وكان كريما، جوادا، شاعرا، فصيحا. قتل رضي الله عنه في ذي الحجة سنة أربع وستين من الهجرة. انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد "53:6" وأسد الغابة "23:5" وسير أعلام النبلاء "3: 1 41" والإصابة "6: 240" ولعل الشيخ يعنى بما ذكر النعمان ما رواه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بين, وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .... " الحديث. رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الإيمان/ باب فضل من استبرأ لدينه انظر الفتح "153:1" ح "52". ومسلم في صحيحه/كتاب المساقاة/ باب أخذ الحلال وترك الحرام "3: 1219" ح "1599" ووجه هذا الاستنباط- والله أعلم- أن من مفهوم الحديث أن من لم يتق الشبهات لم يستبرىء لدينه من النقص وعرضه من الطعن. فلما سبق من أخوه يوسف في شأنه ما سبق اتهمهم أبوهم هنا. قال ابن حجر "رحمه الله" في شرح قوله "استبرأ": أي برأ دينه من النقص وعرضه من الطعن فيه، لأن من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه. وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه. وفى هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة. انظر فتح الباري "155:1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 الحادية عشرة: لتعزي بالعزم على الصبر الجميل عند "توالي"1 المصائب. الثانية عشرة: الرجوع إلى الله في تفريج "الكرب"2. الثالثة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية3 إلى القاعدة الكلية "وهي قوله:"4 {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 5. فيه مسائل: الأولى:- التولي عن مثل هؤلاء كما قال "تعالى:"6 {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} 7.   1 في "ب": التوالي. 2 في"س": الكربات. 3 المراد بالمسألة الجزئية هنا: الرجوع إلى الله ورجاؤه أن يأتيه بابنيه جميعا. 4 في "س" و "ب": لقوله. 5 قال في "ض" بعد قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} إلى قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . وقال في "ب" بعد قوله: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} : إلى قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . 6 ساقطة من المطبوعة. 7 الصافات آية "174" وهي في "ب" فتولى عنهم وقال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 "الثانية: قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} أن الكلام"1 إذا لم يكن فيه جزع "لم يناف"2 الشكوى3. الثالثة: ذكر الله تعالى كبر مصيبته أنه ابيضت عينا، من البكاء، وابتلى "سنين"4 كثيرة. الرابعة: العبرة "فيما ذكر"5 كما قال الحسن6. لقد ابتلى "بهذا تلك   1 في "س": "وقوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} الثانية: أن الكلام". ومن "الثانية"إلى قوله "يوسف" ساقط من "ب". 2 في "ض" و "س" و "ب" "لم ينافي". وهو خطأ. 3 المراد- والله أعلم- أن الكلام بذكر المصيبة إذا لم يكن فيه جزع وتسخط لا ينافي الشكوى إلى الله فقول يعقوب عليه السلام: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} لا ينافى قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} وإنما هو من قبيل الإخبار بالحال من غير شكوى للبشر. وقد وجه ابن الجوزي قوله يعقوب: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} بتوجيهين:- أحدهما: أنه شكا إلى الله لامنه. الثاني: أنه أراد به الدعاء، فالمعنى: يا رب ارحم أسفي على يوسف. انظر زاد المسير "4: 270" ومجموع الفتاوى "10: 184" وانظر ما يأتي من كلام الشيخ ص"380". 4 في "ض": والمطبوعة: "بسنين". 5 في "س": فيما ذكر الله. 6 هو الحسن بن يساز، أبو سعيد، الأنصاري، مولاهم. البصري. التابعي. كانت أمه مولاة لأم المؤمنين أم سلمه رضى الله عنها. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وشهد يوم الدار وله أربع عشرة سنة قال ابن سعد: وكان الحسن جامعاً، عالماً، عالياً، رفيعاً، فقينهاً، ثقةً، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً. وقال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيراً ويدلس توفي رحمه الله في رجب سنة "عشر ومائة" من الهجرة، عن نحو من "ثمان وثمانين" سنة. انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد "7: 56 1" وسير أعلام النبلاء "4: 563" وتقريب التهذيب ص160 ترجمة رقم "1227". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 المدة الطويلة"1 وإنه لأكرم أهل الأرض على الله2. الخامسة: تسمية البكاء3 "حزنا"4 لأنه نشأ عنه5. السادسة: وصفه بأنه كظيم، أي أنه كاظم "لحرارة"6 المصيبة "لا يشكو"7. السابعة: معاتبتهم له على الحزن مع "مصيبة"8 طال "العهد"9 بها.   1 في "س": "بهذه تلك المدة الطويلة". وفى المطبوعة: "بهذه المدة الطويلة". 2 أخرج عبد الله بن الإمام أحمد نحوه عن الحسن في زوائد الزهد بلفظ: بكى يعقوب على يوسف ثمانين سنه وكان أكرم أهل الأرض يومئذ على الله. وأخرجه الطبري عنه بلفظ: والله ما على الأرض يومئذ خليقه أكرم على الله من يعقوب "صلى الله عليه وسلم". وأورده السيوطي في الدر المنثور, وزاد نسبة تخريجه إلى أبي الشيخ. أنظر الزهد للإمام أحمد "107"وتفسير ابن جرير الطبري "13: 48". والدر المنثور "13: 568". 3 كلمه "البكاء"مكرره في "ض". 4 في "ض": حزن. وهو خطأ. 5 ذكر نحوا من هذا ابن عطية والقرطبي وأبو حيان. وذكر ابن الجوزي عن ابن عباس- بدون إسناد- أنه قال: من الحزن: أي من البكاء. انظر المحرر الوجيز لابن عطية "9: 358" وزاد المسير "4: 271" والجامع لأحكام القرآن "9: 248" وتفسير البحر المحيط "5: 335". 6 في "س": الحرارة. 7 في"س": لا شكوى. 8 في "ب": مصيبته. 9 في "س": الهد وهو سقط من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الثامنة: "جوابه لهم عليه السلام"1، وهو يدل على أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر بل هي ممدوحة كما ذكر عن أيوب2. التاسعة: أخبار الرجل بنيته الصالحة إذا احتاج "أو انتفع"3 السامع ولا "محذور"4 في ذلك. العاشرة.: قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} كيف صار هذا جواباً لهم! الحادية عشرة: قيل معناه: أعلم من صفات الله ورحمته ولطفه ما لا تعلمون5. وقيل: إن يوسف لم يمت6.   1 في "س": جوابه لهم عليه السلام على الكلام. وقوله: "عليه السلام" مثبت في الهامش. 2 في "ض" و "س" و "ب" قال بعد قوله: كما ذكر عن أيوب: وهي المسألة الثامنة. ولا داعي لهذا القول فلم أثبته. والمراد بما ذكر عن أيوب ما في قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} . سورة الأنبياء "84-83". وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ... } سورة ص."44-41" 3 في "س" و "ب" وانتفع. 4 في "س" في الهامش. 5 ذكر ابن الجوزى نحو هذا عن عطاء - بدون إسناد- وكذا ذكره القرطبي عن قتادة. والذي أسنده الطبري عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاء قط إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه. وقد قال بنحو ما ذكره الشيخ الزمخشري وأبو السعود. انظر تفسير الطبري "13: 46" والكشاف للزمخشري "272:2" وزاد المسير "275:5" والجامع لأحكام القرآن "9: 251" وتفسير أبي السعود "302:4". 6 ذكره ابن الجوزي عن ابن السائب- بدون إسناد. وبه قال البغوي. انظر تفسير البغوي "2: 445" وزاد المسير "275:4". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الثانية عشرة: أن هذا في "مثل"1 هذا المقام ليس من الفخر، كما قال "صلى الله عليه وسلم": "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" 2. {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 3. فيه مسائل:- الأولى: أمره لهم بالتحسس عن يوسف مع استبعادهم ذلك. والتحسس "هو"4: البحث والطلب5. الثانية: نهيهم عن اليأس من روح الله. الثالثة: وهي العظيمة، أنه قد يقع اليأس من روح الله في مثل هذه القضية. الرابعة: "إخباره لهم"6 بقدر هذا الذنب "بأنه"7 لا يصدر من مسلم بل لا يكون إلا من كافر. "وروح الله" "رحمة الله"8.   1 ساقطة من "ب". 2 أخرجه بنصه ابن ماجة في سننه/ كتاب الزهد/ باب ذكر الشفاعة "1440:2" ح "4308" من حديث أبي سعيد. وكذا أخرجه أحمد في مسنده "2:3" والترمذي في جامعه: كتاب التفسير /باب "18" ومن سورة بني إسرائيل "308:5" ح "3148". كلاهما من حديث، أبي سعيد أيضاً بلفظ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر واخرج البخاري في صحيحه /كتاب أحاديث الأنبياء/ باب قول الله عز وجل {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} - انظر الفتح "428:6" ح "3340". ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها "1: 184" ح "194"، كلأهما نحوه من حديث أبى هريرة بلفظ: "أنا سيد الناس يوم القيامة". 3 الآية في "س" والمطبوعة إلى قوله: {مِنْ يُوسُفَ} الآية. وفي "ب" إلى قوله: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} الآية. 4 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 5 انظر تفسير البغوي "6: 38" ولسان العرب "6: 50" مادة: حسس. 6 في "ض" و "ب" المطبوعة "إخبارهم". 7 في "ب": أنه. 8 في "ب": رحمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} 1. فيه مسائل: الأولى: قولهم: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ} أن الإخبار بالحال من غير "شكوى"2 لا يذم. الثانية: ما ابتلى الله "به"3 أهل هذا البيت من الجوع المضروهم أكرم أهل الأرض على الله4. الثالثة: ذكرهم قدر السلعة التي معهم أنها ناقصة "ردية"5 وليس هذا من ازدراء النعمة المذموم6 الرابعة: سؤالهم عند الحاجة، فيدل على أن مثل هذا السؤال في مثل هذه الحال لا يذم.   1 في "ض"و "ب" والمطبوعة بعد قوله: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ} إلى قوله: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} . 2 في "س": شكوة. 3 ساقطة من "ض". 4 انظر قول الحسن فيما سبق ص "379". 5 في المطبوعة: رديئه. و "وردية": فصيحة. 6 مما ورد في ذم ازدراء النعمة قوله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله" رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الزهد والرقائق "2275:4" ح "2963". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الخامسة: سؤالهم الصدقة، فيدل على أنها غير محرمة عليهم1. السادسة.: رد هذه المسألة الجزئية2 إلى القاعدة الكلية وهي السابعة: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} . الثامنة: قوله: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ..} 3 الآية يدل على أن مثل هذا التقريع ليس بمذموم. التاسعة: أنه "عليه السلام" ذكر في التقريع "ما يهونه"4 عليهم5. العاشرة: استثباتهم أنه يوسف مع رؤيتهم له وذلك لاستبعادهم ذلك. الحادية عشرة: قوله: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} يدل على أنهم فعلوا مع أخيه ما لا يحسن. قوله: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} إسناد النعمة إلى مسديها في مثل هذا الموطن وهي الثانية عشرة. الثالثة عشرة: رد هذه المسألة الجزئية6 إلى القاعدة الكلية وهي قوله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .   1 وهذا ظاهر النص القرآني، وبه قال سفيان بن عيينة، وهو اختيار الطبري والله أعلم. انظر تفسير الطبري "13: 53، 54". 2 المسألة الجزئية هنا هي طلبهم أن يتصدق عليهم خصوما طلبا لثواب الله. لأن الله يجزى المتصدقين عموما، وهي الكلية. 3 في "ب": {هَلْ عَلِمْتُمْ} الآية. وقوله: {مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} في "س"مثبت في الهامش. 4 في المطبوعة: ما يهون. 5 وهو قوله: {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} . 6 المسألة الجزئية هي: أن الله تعالى من عليهما بالتقوى والصبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الرابعة عشرة: الجمع بين التقوى والإيمان "ومعرفة الفرق بينهما"1. الخامسة عشرة: "أن"2 من جمع بينهما فهو من "المحسنين"3. السادسة عشرة: "قولهم"4: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} "الآية"5 "اقروا باثنتين"6: بفعل الله مع يوسف، وفعلهم مع أنفسهم. السابعة عشرة: "انتصار"7 الله له هذا الانتصار العظيم. الثامنة عشرة: إذلاله إياهم8 هذا الإذلال العجيب. التاسعة "عشرة"9: قوله: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} أي لا تعيير عليكم، يعنى أنى عفوت "عنكم"10، ومن عفوي11 أني لا أذكر لكم "ذ نبكم"12 بعد اليوم.   1 في المطبوعة وهامش "ض" "ومعرفة الإيمان ومعرفة الغرق بينهما". وانظر في الفرق بينهما ما تقدم ص "356،355". 2 في "س": أنه. 3 في "س": الحسنين. وهو خطأ من الناسخ. 4 في "ض" و"ب" والمطبوعة: قوله. 5 في "س"مثبته في الهامش. 6 ساقطة من "ض" و "ب". والاثنتان كما ذكر الشيخ هما: 1- إيثار الله يوسف عليهم، كما في قولهم: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} 2- خطؤهم، كما في قولهم: {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} . 7 في "ب": "انتصاره". 8 أي إذلال الله إياهم. 9 ساقطة من "س". 10 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 11 في "ب" بزيادة "عفى" قبل عفوي ولا معني لها. 12 في "ب" مصححة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 العشرون: استغفاره لهم، "لما غفر"1 "لهم"2 حقه سأل الله لهم المغفرة. الحادية والعشرون: رد هذه المسألة الجزئية3 إلى القاعدة الكلية4 وهي الثانية والعشرون. الثالثة والعشرون: "تصديق القلب بأن الله أرحم الراحمين"5. "الرابعة والعشرون"6: أن الذي خافوا منه واشتد عليهم "حتى فعلو بأبيهم وأبيهم ما فعلوا"7 "ظنا"8 أنه عليهم مضرة كبيرة وهو كون يوسف أرفع منهم صار أكبر المصالح لهم في دنياهم وفي دينهم "يبينه"9 الخامسة والعشرون. وهي: قوله: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} 10 ذكر انه قميص هبط به جبرائيل على إبراهيم حين ألقي في النار، فلما ولد إسحاق جعله عليه، فجعله   1 في "س" مثبتة في الهامش. 2 ساقطة من "ب". 3 المراد بالمسألة الجزئية هي: رحمة الله لهم باستغفار يوسف بقوله: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} . 4 والمراد بالقاعدة الكلية هنا: كون الله أرحم الراحمين كما قال: وهو أرحم الراحمين وهي المسألة الثانية والعشرون. 5 في "ص" مثبتة في الهامش. وقد نص الشيخ على هذه المسألة لعظمتها، وثمرتها، إذ بعد أن جرى من إخوة يوسف ما جرى من الأفعال الشنيعة، واعترفوا بخطئهم أمام أخيهم وسألوه أن يستغفر لهم استغفر لهم، وختم استغفاره بالثناء على الله بأنه أرحم الراحمين. ومن أعظم أثار معرفة ذلك عدم القنوط من رحمة الله تعالى. والله أعلم. 6 في "ض" مثبتة في الهامش. 7 في "ض": "حتى فعلوا ما فعلوا بأخيهم وأبيهم". 8 في "س" مثبتة في الهامش. 9 في "ض" و "ب" ينبه وفي "س" "يبينه" وقد ضرب عليها. وهي مثبته في "ق" والمطبوعة. 10 في "ض" و "س". والمطبوعة قال: وهي قوله: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 إسحاق على يعقوب ["وجعله"1 يعقوب على يوسف] 2 ونسيه إخوته لما ألقوه في الجب فأمرهم أن يذهبوا به "فيلقوه"3 على وجه يعقوب ليرتد "إليه"4 بصره5. السادسة والعشرون:- ما جعله الله من الأسباب الباطنة في بعض مخلوقاته. السابعة والعشرون:- "أن"6 التبرك بذلك وإمساكه والتداوي به ليس من الشرك كما كانوا "يفعلون"7 بآثار "رسول الله"8 صلى الله عليه وسلم9، بل ذلك حسن مطلوب. الثامنة والعشرون: أنه أمرهم بالإتيان بأهلهم كلهم، والانتقال عنده فأعطاهم الله هذا الخير والفرج من الشدة بسبب ارتفاعه الذي كرهوا "كراهة"10 شديدة. {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ   1 في"س" فجعله. 2 ما بين المعقوفتين ساقط من "ب". 3 في "ض" و "ب": فيلقونه. 4 في "ب"عليه. 5 ذكر البغوي نحواً من هذه القصة عن مجاهد بدون إسناد "448:2" ويظهر أنها من أخبار بنى إسرائيل. والله أعلم بحقيقتها. 6 ساقطة من "ب". 7 في هامش "س": "يفعلونه". 8 في "س": "النبي". 9 المراد بآثاره صلى الله عليه وسلم ما أثر من ذاته الشريفة كشعره وعرقه وريقه ونحو ذلك. 10 في المطبوعة: كراهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 1. فيه مسائل: الأولى: كونه أدرك الريح من مكان بعيد. الثانية: أنه عرف أنه ريح يوسف. قيل: "انه عرف ريح القميص"2 "وأنه"3 ليس إلا مع يوسف4. الثالثة: قوله: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} والفند: ذهاب العقل5، ففيه الأخبار بما تعلم أن المخبر يكذبك إذا كان في ذلك مصلحة. الرابعة: قولهم: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} لا ينبغي لمن حدث بغريب أن يغضب إذا كذب أو شتم. الخامسة: الآية في رد بصره عليه بسبب إلقاء القميص. السادسة: تقريره لهم ما أنكروا من تفاصيل القاعدة الكلية6. السابعة: طلبهم الاستغفار من المظلوم. الثامنة: "عفو المظلوم"7 "ودعاؤه"8 لمن طلب ذلك منه. التاسعة: الاعتراف منهم بالذنب. العاشرة: رد المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية9.   1 في "ض" و "ب" والمطبوعة بعد قوله: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} : إلى قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . 2 في "س" و "ب" "إنه عرف أنه ريح القميص. 3 في "ب" أنه. 4 ذكر ابن الجوزي في زاد المسير "4: 284" نحوا من هذا عن مجاهد "بدون إسناد" وانظر تفسير البغوي"448:2". 5 وقد قال بهذا مجاهدو ابن زيد كما أخرجه ضنهم الطبري في تفسيره "13: 60" وهو أحد معاني الفند وانظر بقيتها في تفسير الطبري "13: 59- 61" والمحرر الوجيز لابن عطية "9: 373، 373" وزاد المسير "4: 385" وانظر مادة: فندفى لسان العرب "3: 338". 6 المراد بالتقرير المذكور ما في قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . 7 في "س" مثبتة في الهامش. 8 في "ض" و "س" و "ب" ودعائه: وهو خطأ. 9 المسألة الجزئية هي طمعه في غفران الله لهم باستغفاره. والمسألة الكلية هي كون الله غفور رحيم كما في قوله: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 1 فيه مسائل: الأولى: أنهم لما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه كما آوى "إليه"2 أخاه،يدل على أنه لم يفعل ذلك باخوته. الثانية: قوله لهم: {ادْخُلُوا مِصْرَ..} الآية. الثالثة: تعليقه ذلك بالمشيئة3. الرابعة: رفع أبويه "على العرش"4. الخامسة: سجودهم كلهم له5. السادسة: قوله لأبيه: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ}   1 في "ض"و"ب" والمطبوعة: بعد قوله: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} : إلى قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . 2 في "س" مثبته في الهامش. 3 في "س": {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} . 4 في "س" مثبتة في الهامش. 5 فلم يأنفوا من إعطائه ما يستحقه من تقدير واحترام وأن كانوا أبويه وفي إخوته من هو اكبر منه سنا. وكان سجودهم له سجود تحيه وتعظيم لا سجود عبادة وقد قال جمع من المفسرين إن هذا كان جائزا في شرعهم ثم نسخ في شرعنا. والله أعلم. انظر تفسير الطبري "3: 68، 69" وتفسير البغوي "450:2" وتفسير ابن كثير "4: 335". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 السابعة: شكر نعمة الله عليه حيث جعلها حقا. الثامنة: شكر نعمة الله في إخراجه من السجن. التاسعة: شكر نعمة الله في إتيانه بأهله من "البدو"1. العاشرة: شكر نعمة الله أنه بعد ما نزغ الشيطان بينهم صير الله العاقبة إلى "خير"2 ولم يضرهم نزع الشيطان. الحادية عشرة: رد هذه "المسائل"3 الجزئية4 إلى القاعدة الكلية وهى آن ربه تبارك وتعالى لطيف لما يشاء فلذلك أجرى ما أجرى "وهي"5 الثانية عشره. الثالثة عشرة: رد ذلك إلى القاعدة الكلية أيضاً وهى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وهي الرابعة عشر6. الخامسة عشرة: كرمه عليه السلام في قوله: {أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْن} ولم يقل من الجب. السادسة عشرة: كرمه "أيضاً"7 في قوله: {نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} 8 ,9 ولم يقل "من"10 بعد ما ظلموني.   1 في "س": البدوي. 2 في المطبوعة: الخير. 3 في "ض" و "ب" والمطبوعة: المسألة. 4 المسائل الجزئية هنا هي كل ما تقدم في الآية من لطف الله به وبأبويه فيما أجراه عليهم من البلوى فكانت العاقبة إلى خير. 5 في "ض" مثبتة في الهامش وساقطة من المطبوعة، ولذا جمعت في المطبوعة: الثانية عشرة والثالثة عشرة. فالمسالة الثانية عشره لطف الله تعالى لما يشاء كما قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} . 6 فالرابعة عشرة: قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . 7 ساقطة من "ض" والمطبوعة، ومثبته في هامش "س". 8 في "ض" والمطبوعة: {نَزَغَ} ، فقط وتكملة الآية مثبتة في هامش"س". 9 ما بين المعقوفتين ساقط من "ب". 10 ساقطة من "ض"و"ب" والمطبوعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 "السابعة عشرة"1: أن إخراج الله الآدمي من البدو نعمة تشكر، ففيه فضل الحاضرة على البادية. الثامنة عشرة: دعاؤه بهذا الدعاء2 وهو في غاية نعيم الدنيا. التاسعة عشرة: "شكره"3 نعمة الملك. العشرون: "شكر"4 نعمة التعبير. الحادية والعشرون: ثناؤه على ربه "بأنه"5 فاطر السماوات والأرض6. "الثانية والعشرون"7: إقراره "لله"8 بكونه وليه في الدنيا والآخرة. الثالثة والعشرون: توسله بذلك كله إلى هذه "الحاجة"9 "وهى" 10وفاته على الإسلام وإلحاقه بالصالحين. قوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} 11. فيه مسائل:   1 في "ب" السادسة عشر. وهو خطأ. 2 وهو قوله: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ..} الآية فلم ينسه ما هو فيه من نعيم الدنيا افتقاره إلى الله واللجوء إليه. 3 في "ض" و "ب": شكر. 4 في "ض" والمطبوعة: شكر. 5 في "ب": أنه. 6 ما بين المعقوفتين في "ب" مثبت في الهامش. 7 ساقطة من "ب". 8 في "س": الله. 9 في "س" مثبتة في الهامش. 10 في "س" و "ب": وهو. 11 في "ض" و "ب" والمطبوعة. بعد قوله: {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} إلى قوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الأولى: تنبيه الله على آية الرسالة بأن هذه "القضية"1 غيب لا يتوصل إليها الرسول إلا بالوحي لكونه لا يقرأ "و"2 لا يغط ولا آخذ عن عالم3. الثانية: تقريره هذه الحجة بقوله: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} لأن هذا لا سبيل إلى العلم به إلا بالوحي أو بحضوره. الثالثة: أن مكرهم خفي. لو حفرهم أحد لخفي عليه. الرابعة: ذكر، سبحانه حقيقة الحال، أن الأكثر لا يقبلون الحق ولو تبين لهم بالأدلة. الخامسة: ذكر حرصه "صلى الله عليه وسلم" على إيمان الناس. السادسة: أنه لا مانع مع هذا البيان مثل سؤال الأجر4. السابعة: أنه ذكر لهم مع شدة كراهتهم له، كما كره الأخوة ارتفاع يوسف. الثامنة: أن الذي أتاهم من الآيات ليست هذه وحدها، بل كم وكم من آية من الآيات السماوية والأرضة "يمرون عليها ويعرضون عن الانتفاع بها"5. "وليس هذا للقصور في البيان"6 فإنه مشاهد "بل القلوب"7 غير قابلة.   1 في "ب": العطية. 2 في المطبوعة: أو وهو خطا مطبعي. 3 انظر ما سبق ص. "297، 298". 4 يعني-والله أعلم- أنه ليس هناك مانع يمنعهم من الإيمان مثل سؤال الأجر فلا يؤمنوا ضنا منهم بالمال. 5 في "ب" يمرون عليها وهم عنها يعرضون ويعرفون عن الانتفاع بها. 6 في "ض" و "ب": وليس في هذا القصور البيان. وفي المطبوعة: ليس هذا قصورا في البيان. 7 في "ب" بالقلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 التاسعة: المسألة العظيمة، وهي إخباره تبارك وتعالى أن أكثر هذا الخلق لو آمن أفسد إيمانه بالشرك، فهذه1 فساد القوة العملية، والتي قبلها2 فساد القوة العلمية. العاشرة: التنبيه على الاحتراز من اجتماع الإيمان مع الشرك المفسد له خوصا لما ذكر أن هذا حال الجمهور. الحادية عشرة: احتقارهم هذا العصيان العظيم، كيف أمنوا عقوبة الدنيا، وهو يدل على جهالة من أمن "عقوبة"3 ذلك. الثانية عشرة: كيف أمنوا أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} 4. فيه مسائل: الأولى: أمره سبحانه نبيه بإخبار الناس بدينه مجملا. الثانية: أن هذا "أيضاً"5 سبيل من اتبعه. الثالثة: أن ذلك هو الدعوة إلى الله وحده لا شريك له. الرابعة: أن ذلك "هو الدعوة إلى الله"6 على بصيرة خلافا لمن اتبع الحق ودعا إلى الله "على"7 غير بصيرة.   1 أي المسألة التاسعة. 2 أي المسألة الثامنة. 3 ساقطة من "ض" والمطبوعة ومثبته في هامش "س". 4 في "ض" و "ب" والمطبوعة بعد قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} إلى قوله: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} . 5 في "س" مثبته في الهامش. 6 ساقطة من "س". 7 ساقطة من "ض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الخامسة1: أن دينه الذي أنكره الأكثر هو تنزيه الله "عن"2 السوء "ولا إنكار"3 في ذلك. السادسة: أن الذي حملهم على إنكاره كونه غريبا مخالفا لما عليه "السواد"4 الأعظم، وذلك لا يوجب رده "لأن اتباع الحق إذا ظهر هو الحق. "وإذا ظهر الباطل"5 لم يزينه فعل الأكثر له مثل "الربا"6 والكذب والخيانة. السابعة: رد شبهتهم في كونه "بشرا"7، "وذلك"8 "واضح"9 لأنهم "إن"10 كانوا ممن يقر بالرسالة في الجملة كأهل الكتاب والمشركين"فواضح"11، وإن أنكروها كامجوس فالنكال الذي أوقع الله "بمن"12 خالف الرسل الذي سمعوه وشاهدوه حجة عليهم. الثامنة: الرد عليهم في قولهم: {لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} أو نحو ذلك، لأن الرسل ما أتوا الأمم إلا بالوحي.   1 ساقطة من "ض". 2 في "ض" و "س" والمطبوعة: "من" والتصحيح من "ق". 3 في "س": والإنكار. وفي "ب" والمطبوعة: والإنكار. والمراد أن ما دعا إليه الرسول "صلى الله عليه وسلم" هو تنزيه الله عن السوء. وهذا لا غرابة فيه ولا ينكر. 4 في المطبوعة: البسواد وهو خطأ مطبعي. 5 في "س" مثبتة في الهامش. 6 في "س" هكذا: الزيا وفي "ب" الزنا وفي "ق": الرياء. 7 في "ض" و "س" و "ب": "بشر". والتصحيح من "ق". 8 في "ض" و "ب": وذا 9 في "ض" و "س" و "ب": واضحاً. وهو خطأ. 10 في "ب" وهامش "س": إذا. 11 في "س": فواضحا. 12 في "س" و "ب": لمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 التاسعة: أنهم كلهم رجال، ففيه الرد على من يزعم أن في الجن رسلا أو في النساء1. العاشرة: قوله: {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} ، ففيه الرد على من انتقص أهل القرى، أو فضل البدو أو "ساواهم"2 بهم. الحادية عشرة: استجهال الله إياهم، حيث لم يسيروا في الأرض فيعتبروا بمن قبلهم فدل "على أن فهم"3 ذلك مقدور لهم. الثانية عشرة: إخباره "أن ما"4 يعطى الله من أطاع الرسل خير عما أعطى يوسف   1 وجه الرد في هذه الآية وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً..} الآية هو ما دلت عليه من حصر النبوة في الرجال. وما يذهب إليه الشيخ من ذلك هو الذي عليه الجمهور. وقد نص على أن ليس في الجن رسلا ابن عباس ومجاهدو ابن جريج وغير واحد من السلف والخلف, وإليه ذهب الغراء والزجاج والقرطبي وغيرهم من المفسرين، وقد حكاه ابن تيمية وابن القيم عن الجمهور. وخالف في ذلك الضحاك ومقاتل وأبو سليمان فذهبوا إلى أن فيهم رسلا. وأما النساء: فقد حكى ابن كثير عن الجمهور أيضاً أن ليس فيهم رسوله. وقد نص على ذلك الحسن والطبري والقرطبي وغيرهم. ولم أجد من خالف في ذلك. وإنما خالف بعضهم من نبوة النساء فأثبتها كابن حزم والقرطبي. انظر فيما سبق معاني القرآن للغراء "1: 354" وتفسير الطبري "8: 36" "13: 80" ومعاني القرآن للزجاج "292:2" والفصل الملل والنحل لابن حزم "5: 119" وزاد المسير "125:3" "4: 295" والجامع لأحكام القرآن "4: 82، 83، 84" "7: 86" والنبوات لابن تيمية "396" وطريق الهجرتين لابن القيم "416". وتفسير ابن كثير "3: 332، 333" "4: 345، 346". 2 في "ض" و "س" والمطبوعة: وأساهم. وهي بمعنى ساواهم. انظر الصحاح للجوهري "6/8622" ولسان العرب "41/63" مادة: أسا. 3 في"ب":"أن فيهم". 4 في "ض":"إنما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وسليمان وأيوب1 وغيرهم من حسن عاقبة الطاعة. الثالثة عشرة: أن سنة الله في الرسل ومن أتبعهم، وسنته فيمن خالفهم في الدنيا قبل الآخرة، من أظهر البينات للكفار الجهال. فمن لم يفهمها يقال له: كيف زال عقلك؟! {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2. فيه مسائل:   1 وجه تخصيص هؤلاء الأنبياء الكرام بالذكر لم أن كل واحد منهم قد ابتلى بلاء ذكر في القرآن فصبر، فآتاهم الله عاقبه الصبر عاجلا مع ما ادخر لهم عنده من الزلفى وحسن المآب. فثواب الصابر المتقى في الآخرة خير مما أعطى هؤلاء الأنبياء في الدنيا من زينتها {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ولهم هم النصيب الأوفر من ذلك "عليهم السلام". قال الطبري- رحمه الله عند قول الله تعالى: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} سورة يوسف آية "57" ما نصه: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة، {خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا} يقول: للذين صدقوا الله ورسوله مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} . يقول: وكانوا يتقون الله فيخافون عذابه في خلاق أمره، واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه. انظر تفسير الطبري "13: 7". 2 في "ض" والمطبوعة بعد قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} :إلى آخر السورة. وفي "ب" بعد قوله: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاء} إلى آخر السورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الأولى: "تأخر النصر عن الرسل"1 حتى استبطؤوا. ولا يعجل الله لعجلة أحد2. الثانية: إذا عرف أن هذه سنه فكيف يستعجل من يزعم أنه متبع لهم كما قال "صلى الله عليه وسلم": "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل" 3. الثالثة: "أن ما"4 يقع في القلب من خواطر الشيطان لا يضر بل هو "صريح"5 الإيمان إذا كان مع الكراهة6.   1 في المطبوعة: تأخير النصر على الرسل. 2 انظر تفسير الآية عند الطبري "13: 83-89" والتفسير الكبير لابن تيمية "135117:5"وتفسير ابن كثير "347:4- 349". 3 رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الدعاء والتوبة والاستغفار/ باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجب لي "4: 2095" ح "2735" والترمذي في جامعه/كتاب الدعوات/ باب "12" ماجاء فيمن يستعجل في دعائه "5: 464" ح "3387" وغيرهما. 4 في"س"- أنما. 5 في "ب" "من صريح". 6 كما ورد في الصحيح عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "وقد وجد تموه؟ ", قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان". رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب بيان الوسوسة في الإيمان "1: 119" ح "132" وأبو داود في سننه/ كتاب الأدب/ باب في رد الوسوسة "4: 329" "5111" بلفظ آخر. والحافظ ابن منده في كتاب الإيمان باب69: ذكر ما يدل على أن الوسوسة التي تقع في قلب المسلم من أمر الرب عز وجل صريح الإيمان "2: 472". قال النووي رحمه الله في شرح مسلم "2: 154" في معنى قوله: "ذاك صريح الإيمان" - استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. أ. هـ. ثم أورد وجهاً آخر في معنى هذا الحديث ونحوه، وهو اختيار القاضي عياض فقال: وقيل معناه: أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد ...... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الرابعة: أن العادة أن الشدة إذا تمت وتضايقت جد افهو من علامات حضور الفرج. الخامسة: أنه سبحانه ينجى من يشاء ولو كان مع المهلكين في المكان. السادسة: أنه إذا جاء أمر الله لم يقدر على "دفعه"1 "أحد"2 من "آهل"3 السماء ولا من آهل أرض. السابعة: أنه "سبحانه"4 لا يظلم "أحدا"5. وأن ذلك "بسبب"6 إجرامهم7.   = عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد. فعلى هذا معنى الحديث: سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان. ولقول عياض رحمه الله وجه جيد من النظر ومما يشهد له ما ورد عند مسلم أيضاً في نفس الموضع عن عبد الله- هو ابن مسعود- قال: سئل النبي "صلى الله عليه وسلم" عن الوسوسة؟ قال: "تلك محض الإيمان". فالظاهر من النص أن السؤال عن الوسوسة نفسها والإشارة بقوله: {تِلْكَ} إلى الوسوسة لا إلى استعظامها. مع أن المؤمن مستعظم لها مدافع. وكذا قوله في الحديث السابق أيضاً "وقد وجد تموه؟ " وقوله: "ذاك صريح الإيمان" فالإشارة به إلى الموجود وهو الوسوسة بدليل أول الحديث: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به.." والله أعلم. 1 في المطبوعة: رفعه. 2 في "س": أحداً. وهو خطأ. 3 ساقطة من "س". 4 ليست في "س" ولا في "ب". 5 في "ص"، أحد وهو خطأ. 6 في "س" و "ب": سبب. 7 فيه إشارة بالرد على الجبرية. وسيأتي الكلام عليهم ص."455،456". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الثامنة: الثناء على قصص الرسل وأن فيه عبره. التاسعة: "أنه لا"1 يفهم هذه العبرة مع وضوحها إلا أولو الألباب. العاشرة: "تعريضه"2 سبحانه بالأحاديث المفتراة، وإقبال الأكثر عليها، واشتراء الكتب المصنفة "فيها"3 بغالي الأثمان، وتكبر من اشتغل بها وظنه أنه أفضل ممن لم يشتغل بها وزعمه أنها من "العلوم"4 الجليلة، ومع هذا معرض عن الأنبياء،! "مستحقر"5 له، "زاعم"6 أنه "من"7 علم "العوام"8 الجهال. الحادية عشرة: أن من أكبر آياته تصديقه لما بين يديه من العلوم التي جاءت بها الرسل التي هي العلم النافع في الحقيقة. الثانية عشرة: أن "هذا"9 فيه تفصيل كلى شيء يحتاج إليه، ففيه العلم النافع، وفيه الإحاطة بالعلوم الكثيرة، ومع هذا يفصلها أي يبينها. الثالثة "عشرة":10: أنه هدى "يعتصم"11 به من الضلالة. الرابعة عشرة: أنه رحمة "يعتصم به"12 من الهلكة فلا يضل من اتبعه ولا يشقى.   1 في "ض" والمطبوعة: "أن ما" وفي "س": "أنما". 2 في "س": تقريره. 3 في هامش "س": فيه وهى ساقطة من المطبوعة. 4 في "ض": العموم. 5 في "ب": مستحقرا. 6 في "ب": زاعما. 7 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة. 8 ساقطة من "ب" وفى "س" مثبتة في الهامش. 9 ساقطة من "س" و "ب" ومثبته في هامش "ض". 10 ساقطة من "س". 11 في "س" و "ب": يعصم. 12 في "ض": يعتصم. وفي "س": يعصم يه. وفي "ب": يعصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 الخامسة عشرة: أن هذا ليس لكل "أحد"1 "بل"2 لقوم مخصوصين. السادسة عشرة: أن سبب ذلك الإيمان، ففيه شاهد لقوله: "من عمل" بما علم"3 أورثه الله علم ما لم يعلم"4. آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد5.   1 في "س":وأحد. 2 في المطبوعة: بلى. 3 في "ب": بما يعلم. 4 هذا القول لم ورده عن أنس مرفوعا أبو نعيم في الحلية "10: 14،15" وأنكر رفعه. وذكر السيوطي في الدر المنثور "3: 123، 124" للحديث شاهدا. أخرجه أبو الشيخ من طريق جو يبر عن الضحاك عن أبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ... ومن تعلم علما فعمل به فإن حقا على الله أن يعلمه ما لم يكن يعلم". وذكر، أن أبا يعقوب البغدادي أخرج في كتاب "رو آية الكبار عن الصغار" عن سفيان قال: من عمل بما يعلم وفق لما لا يعلم. وذكر الشوكاني حديث أنس في الفوائد المجموعة "286" وضعفه. أما الألباني فقد حكم عليه بالوضع في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة "423:1" ح "422". أما معناه فصحيح إذ قد جاءت به أدلة أخرى كقوله تعالى: {..وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} البقرة آية "282". والله أعلم. 5 في "س": آخره والحمد لله رب العالمين. وفي "ب": آخره والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين أولا وأخرا وظاهرا وباطنا. وفي المطبوعة: والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1 هذه مسائل مستنبطة من سورة الحجر الآية الأولى2: فيها الترغيب في القرآن بجمعه بين الوصفين3. الثانية: وصفه بالبيان. الثالثة: "معنى"4 الكتاب المعرف بالألف واللام5. "الرابعة: معنى القرآن" 6.   1 قبل البسملة في "س": قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ورضي عنه. والبسملة في الهامش. 2 قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} . 3 الوصفان هما: كونه مكتوباً {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} . ومقروءا بينا مبينا. وانظر نحو هذا المعنى عند البغوي في تفسيره "3/43" وابن الجوزي في زاد المسير "4/379" والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن "10/ 1". 4 ساقطة من "ب". 5 للمفسرين في معنى الكتاب قولان: أحدهما: أنه القرآن، جمع له بين الوصفين. الثاني: أنه التوراة والإنجيل، فعلى هذا تكون "ال" للجنس أي جنس الكتب المتقدمة. والأول هو الأظهر وهو الذي يرجحه الشيخ فيما يظهر لقوله في المسألة الأولى: الترغيب في القرآن بجمعه بين الوصفين. انظر تفسير الطبري "14/ 1" وتفسير البغوي "3/ 43" وانظر تفسير ابن كثير عند تفسيره لآية مشابهة في سورة الرعد "4/ 350". 6 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 "الآية1 الثانية2: فيها الرد على الخوارج3.   1 ساقطة من "ض" و "ب". 2 قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} . 3 هذه هي المسألة الأولى في الآية الثانية. والخوارج: في الأصل هم كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان، مح خروجهم على الدين. ثم أصبح هذا الاسم علما بالغلبة على الفرقة الضالة التي خرجت على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عقب وقعة صفين وقضية التحكيم وقالوا: لم حكمت الرجال ولا حكم إلا لله؟! واعتزلوا عنه إلى حروراء فسموا حرورية أيضا, وهم المعنيون هنا، وهم فرق شتى. ويجتمعون على إكفار علي وعثمان ولم صحاب الجمل والحكمين. ومن رضي بالتحكيم لم وصوب، لحكمين أولم حدهما، والخروج على السلطان الجائر. كما لم شهم يقولون بخلق القرآن ومجمعون- إلا النجدات- على تكفير مرتكب الكبيرة والقول بتخليده في النار. وهم لا يقولون بعذاب الخبر، ولا يرون أن لم حد ايعذب في قبره. وفي الآية المذكورة هنا وهى قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} رد عليهم في قولهم بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، على قول من قال إن هذا التمني من الكفار حينما يخرج الله عصاة الموحدين من النار كما ورد ذلك عن جابر وابن مسعود وابن عباس وأنس وغيرهم من السلف. ويؤيد ذلك حديث أبي موسى الأشعرى "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من أهل القبلة من شاء الله، قالوا: ما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟! قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فاخرجوا فيقول الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا". قال: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} .... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الثانية: الرد على المعتزلة1.   = رواه ابن جرير في تفسيره "14/2" وابن أبي عاصم في السنة"405:2" والحاكم في مستدركه "2: 242" وصححه ووافقه الذهبي. وانظر أقوال من ذكر من السلف في تفسير ابن جرير "14: 3- هـ" والدر المنثور "62:5- 65". كما أن في هذه الآية أيضا ردا على الخوارج في إنكار عذاب القبر كما سيأتي ص "403". انظر عقيدة الخوارج في مقالات الإسلاميين للأشعري "86-127" والفرق بين الفرق للبغدادي "73" والملل والتحف للشهرستاني "1: 114". 1 المعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء الغزال "ت 131" سموا بذلك لاعتزال رئيسهم هذا مجلس الحسن البصري، حينما جاء رجل وسأل الحسن عن حكم مرتكب الكبيرة. فابتدر واصل الجواب قائلا بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، وإنما هو بمنزلة بين المنزلتين "الإيمان والكفر"، ثم اعتزل إلى ناحية وأخذ يقرر ما ذهب إليه معتزلا شيخه والأمة كلها. ثم افترقت المعتزلة إلى فرق كثيرة تجمعها أصول خمسة وهي: 1- التوحيد: ويتضمن عندهم نفي صفات الباري جل وعلا، والقول بخلق القرآن. 2- العدل: وبه ينفون القدر، زاعمين أن الله لم يشأ ما لم يأمر به أو نهى عنه من أعمال العباد. 3- الوعد والوعيد: وبه يوجبون على الله أن يثيب المطيع ويعاقب العاصي. 4- المنزلة بين المنزلتين ويعنون بذلك م ن مرتكب لكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر فهو بمنزله بينهما، وفي الآخرة خالد مخلد في النار. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويتضمن عندهم وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولو بالسيف، وأمر غيرهم بما يأتمرون به ونهيه عما ينتهون عنه، وقتال المخالف لهم في أصولهم، والخروج على السلطان الجائر. ووجه الرد عليهم في الآية المذكورة هنا هو نفس الرد على الخوارج المتقدم. ص "401" إذ أن مذهبهم جميعاً القول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار في الآخرة وإن اختلفوا في الحكم عليه في الدنيا. انظر عقيدة المعتزلة في المقالات الإسلامية "155" الفرق بين الفرق "114" الملل والنحل "1: 43". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 الثالثة: النظر في العواقب. الرابعة:. عدم الاغترار بالحال "الحاضرة"1. الخامسة: إثبات عذاب القبر2. "الآية3" الثالثة4: "فيها" 5 تعزية المؤمن عما هم فيه من "النعيم" 6. الثانية: أن الاغترار بذلك من وصف الكفار. الثالثة: أن الأمل سبب ترك الغير. الرابعة: أن ذلك من وصفهم. الخامسة: الوعيد الشديد. "الآية" 7 الرابعة: فيها الآية العظيمة الباهرة وهي إهلاك القرى المكذبة.   1 في ض: الحاظره. وهو خطأ. 2 وهذا بناءً على التفسير المروى عن ابن عباس وغيره في هذه الآية وهو ما رواه ابن أبى حاتم من طريق السدى عن أبى مالك وأبى صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} قال: ود المشركون يوم بدر حين ضربت أعناقهم حين عرفوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد "صلى الله عليه وسلم". انظر الدر المنثور "5: 61". قال الزجاج بعد ذكر هذا القول وغيره:- والذي أراه- والله أعلم- أن الكافر كلما رأى حالاً من أحوال العذاب، ورأى حالا عليها أحوال المسلم ود لو كان مسلماً. قال: فهذه الأحوال كلها تحتملها الآية انظر معاني القرآن وإعرابه "3: 173". وهو اختيار الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان أيضا "3: 116". 3 ساقطة من "ض" و "ب". 4 والمراد قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} . 5 ليست في شيء من النسخ التي بين يدي وزدتها إذ يقتضيها السياق. 6 في "ب": النعم. 7 ساقطة من "ض" و "ب". والمراد بها قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُوم مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} . والاستنباطات دالة على الآية أو الآيات المستنبط منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 الثانية: أن ذلك "الأجل"1 لا يتقدم "ولا يتأخر"2 ولا يستعجل الله لعجلة أحد. الثالثة: التعزية. الرابعة: أنه إذا جاء لا يؤخر لحظه ففيه الوعيد. "الآية" 3 الخامسة والآيتان بعدها4 فيها أن الذكر هو القرآن. الثانية: كلا مهم على سبيل الاستهزاء. الثالثة: وصفهم أكمل الناس عقلا عندهم بالجنون. الرابعة: أن الذي دلهم على جنونه عدم إتيانه بالملائكة. الخامسة: عدم تصريحهم "بالعتابة" 5 بل تعللوا بتكذيبه. السادسة: أنه سبحانه لا ينزل الملائكة لمثل ذلك. السابعة: انه لا ينزلهم إلا بالحق. الثامنة: أنهم سألوه شيئاً لو أجابهم إليه "لهلكوا" 6. التاسعة: عليها تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل7. العاشرة: أن الذكر هو القرآن.   1 في "س" و "ب": بأجل. 2 ساقطة من "ض" و "ب" والمطبوعة ومثبتة في هامش "س". 3 ساقطة من "ض" و "ب". 4 المراد قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . 5 في "ض" بالعتابة, وفي "ب" بالعناية "وفي المطبوعة بالمعاتبة. ولعل الصواب ما اخترته إذ أن القوم لم يصرحوا بعتوهم وتمردهم وانما تعللوا بكون الذي جاءهم كذبا. والله اعلم. 6 في "ض" و "ب" والمطبوعة: هلكوا. 7 في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . فالضمير المتصل "نا" في قوله "إنا". والضمير المنفصل "نحن".- انظر تفسير البحر المحيط "5: 446" وشرح ابن عقيل لألفية بن مالك "3/217,216". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الحادية عشرة: حفظ الله إياه عن شياطين الجن والإنس. الثانية عشرة: كون ذلك الحفظ آية كافية "عن"1 إنزال الملائكة. "الآية" 2 الثامنة وثلاث بعدها3 فيها أن الرسالة عمت بنى آدم. الثانية: هذا الخبر "العجيب"4 مع انقيادهم للكذابين. الثالثة: لم يكفهم الامتناع والتكذيب حتى استهزؤوا. الرابعة: أن ذلك "بسبب"5 إجرامهم. الخامسة: الإيمان بالقدر6. السادسة: أن العقوبة "للذنب" 7 تكون بذنب أكبر منه. السابعة: ذكر الآية الكبرى وهي أهلاك أمم لا يحصيهم إلا الله. الثامنة: أن مع هذا الأمر القاطع لم "تنتمع" 8 به أمة واحدة. التاسعة: خبر الصادق أنهم لو جاءتهم "آية" 9 ملجئة10 لم يؤمنوا.   1 في "ب": على. 2 ساقطة من "ض" و "ب". 3 المراد قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} . 4 في "ص" و "ب": والمطبوعة: العجب. والمراد بالخبر العجيب استهزاؤهم بالمرسلين {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . 5 في "س" و "ب": سبب. 6 مستنبط من قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} . ويبينه قول البغوي في تفسيره "3: 45" {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} أي كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} ندخله {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} . يعني مشركي مكة قومك، وفيه رد على القدرية. أ. هـ. وانظر تفسير الطبري "14: 1059" وتفسير ابن كثير "445:4". 7 في "ض" والمطبوعة: بالذنب. 8 في "ض" و "س" والمطبوعة: ينتفع. 9 في "س" مثبتة في الهامش. 10 أي ملزمة لهم ومضطرتهم إلى التصديق- انظر لسان العرب "1: 152" والمصباح المنير "3: 55" مادة: لجأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 العاشرة: مع هذا العتو يعتذرون تسكيرا1 وسحرا ولم يصرحوا بأنه حق ولكنه باطل. "الآية" 2 الثانية عشرة وأربع بعدها3: فيها ما جعل الله في البروج من الآيات سواء قيل أنها "لنجوم" 4 أو الكبار5 "منها"6. الثانية: تزيين السماء. الثالثة: حفظها من الشياطين. الرابعة: ذكر الاستراق. الخامسة: ذكر عقوبته. السادسة: مد الأرض. السابعة: الرواسي. الثامنة: إنبات النبات. التاسعة: كثرته وكونه من كلى شيء. العاشرة: كونا موزونا. الحادية عشرة: ذكر المعايش. الثانية عشرة: ذكر الأنعام. الثالثة عشرة: كوننا لا نرزقهم مع كونهم لنا.   1 في قولهم: {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أي أصابها ما يصيب السكران الذي لا يعقل ولا يميز لم وسدت "على ما جاء في التفسير". انظر في ذلك تفسير الطبري "10:14- 13" تفسير البغوي "3: 45" تفسير ابن كثير "446:4". 2 ساقطة من "ض" و"ب". 3 المراد قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} . 4 في هامش "س" "الصغار" بعد قوله النجوم. وفي "ب": النجوى: وهو تحريف وقد قال بأنها النجوم: قتاده في رواية أخرجها عنه الطبري في تفسيره "14:14". 5 قيدها بالنجوم الكبار البغوي في تفسيره "45:3" وروى ابن أبى حاتم في تفسيره عن أبى صالح أنه قال: هي الكواكب العظام. انظر الدر المنثور "5/69". 6 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 "الآية"1 السابعة عشرة: فيها أن كل شيء خزائنه عنده. الثانية: إنزاله بقدر معلوم. "الآية"2 الثامنة عشرة وثلاث بعدها3 فيها: ذكر إنعامه بإرسال الرياح. الثانية: أنها تلقح "السحاب" 4 والشجر5. الثالثة: إنزال الماء من السماء. الرابعة: تسهيل تناوله. الخامسة: عجزهم عن خزانته. السادسة: تفرده بالإحياء والإماتة. السابعة: أنه لوارث الثامنة: علمه بالمستقدم6 والمستأخر7 في الزمان وفي الطاعة8.   1 مثبتة من هامش "س". والمراد قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} . 2 مثبتة من "س". 3 المراد بها قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} . 4 في "ب" مصححه في الهامش. 5 وقد قال به ابن عباس والحسن وهو اختيار الطبري والزجاج وابن كثير وغير واحد، انظر تفسير الطبري "14 20- 22" معاني القرآن وإعرابه "3: 177" تفسير ابن كثير "448:4". 6 في هامش "س" بالمستقدمين. 7 في "س" المستأخرين. 8 تكلم المفسرون في المراد بالمستقدمين والمستأخرين فذكروا أقوالاً كثيرة: أ- فعن ابن عباس قال: المستقدمون كل من مات، والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي. وروى نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. ورجحه الطبري. ب- وعن ابن عباس رأبي الجوزاء: المستقدمون في الصفوف في الصلاة، المستأخرون فيها. ج- وعن الحسن: المستقدمون في طاعة الله، والمستاخرون في معصيته. وتفسير الشيخ هو بالنظر إلى علوم اللفظ، وسعة علم الله فشمل الأقوال كلها "والله أعلم" انظر تفسير ابن جرير "4 1: 23- 27" وتفسير البغوي "3: 48". والدر المنثور "5: 73- 77". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 التاسعة: تفرد بحشر الجميع. العاشرة: "ذكر"1 "حكمه"2 وعلمه مع"ذلك"3. "الآية"4 الثانية والعشرون "وتسع عشرة"5 آية بعدها6 فيها. ذكر المادة التي خلق منها آدم7.   1 في "س" ذكره. 2 هكذا في جميع النسخ ولعلها "حكمته". 3 في "س" مثبتة في الهامش. 4 مثبته من "س". 5 في "س" أو تسعة عشره". 6 المراد بها قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} . 7 وهي كما قال الله هنا: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} . فالصلصال: هو التراب اليابس الذي له صلصله، كما فصره بذلك ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. والحمأ: الطين المتغير إلى السواد كما فسره ابن عباس. والمسنون: المتغير كما فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. انظر تفسير الطبري "14: 27- 29". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 "الثانية: المادة التي خلق منها إبليس"1 الثالثة: إخبار الله للملائكة بمادته2 "وأنه بشر"3. الرابعة: أنه سواه. الخامسة: أنه نفخ فيه من روحه. السادسة: أن السجدة لآدم4. السابعة: أنها سجدة وقوع5. الثامنة: أنهم سجدوا كلهم لم يستثن إلا إبليس. التاسعة: الدليل على شدة عيبه أنه لم يدخل مع هذا الجمع ولم يتخلف إلا هو.   1 ساقطة من "ض". والمادة التي خلق منها إبليس كما ذكر الله هنا هي نار السموم. وقد قال فيها ابن عباس: هي السموم الحارة التي تقتل كما أخرج ذلك عنه ابن جرير في تفسيره "14: 30". 2 أي مادة آدم عليه السلام. 3 ساقطة من "ض" وفي "ب": "وأنه لبشر". 4 كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} . والأمر كما قال ابن جرير وكثير من العلماء هـ إن السجود لآدم سجود تحية وتكرمة لا سجود عبادة له. قال ابن عباس رضي الله عنه: كانت السجدة لآدم والطاعة لله. أخرجه ابن أبى حاتم "1: 121" ط. وقال قادة: كانت الطاعة لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته. أخرجه ابن أبى حاتم "229:1" ط. وانظر تفسير البغوي "3: 49" وتفسير ابن كثير "5: 163" وتفسير القرطبي "293:1"، "24:10". 5 كما يدل عليه ظاهر قوله: {فَقَعُوا} فالظاهر أنها كانت بوضع الجباه على الأرض وقد حكاه القرطبي عن الجمهور، وقال: لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع. أنظر الجامع لأحكام القرآن "1: 293". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 العاشرة: أن اسمه "إبليس"1 من ذلك الوقت. الحادية عشرة: تخلف الإنسان عن العمل الصالح وحده أكبر لقوله: {مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} . الثانية عشرة: تعذره بأصله وبكونه بشرا2. الثالثة عشرة: علم الملائكة بالبعث قبل خلق "بني"3 آدم4.   1 إبليس مأخوذ من الابلأس، قال الطبري: وهو الإياس من الخير. والندم والحزن كما قال جل ثناؤه: {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} "44" الأنعام. يعنى آيسون من الخير نادمون حزنا. انظر تفسير الطبري "1/227"، ولسان العرب "6: 29" مادة: بلس. 2 في ب "بشر". وهو خطأ. ومعنى هذه المسألة: تعذر إبليس بأصله وبكون آدم بشرا. 3 كلمه "بنى" في "س" مضروب عليها وتقرأ. 4 وهذا مستنبط من قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} فيحتمل أن يكون وجه هذا الاستنباط أن إبليس علم بالبعث من الملائكة لكونه بينهم. ويحتمل أن الشيخ يرى أن إبليس كان من الملائكة وهو الظاهر. وقد صرح به كما في الدار السنية "79:10" وهو ما رجحه الطبري وأخرجه في تفسير. عن ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المصيب وقتادة والضحاك وغيرهم عند قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} البقرة. وقال القرطبى: وهو قول الجمهور وهو ظاهر الآية. قلت: ويعنى بذلك. والله أعلم. أن الظاهر أن الاستثناء هنا متصل كما هو الأصل في الاستثناء فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه. وذهب بعض العلماء إلى أن إبليس لم يكن من الملائكة كما قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر. رواه ابن جرير. وصحح ابن كثير إسناده ..... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 الرابعة "عشرة"1: لا يسمى المسلم من أتباعه "ولو عصى"2 لقوله "الا من أتبعك من الغاوين. وإن جهنم لموعدهم أجمعين"3. الخامسة عشرة: كل من اتبعه فهو "غاو" 4. السادسة عشرة: التنويه بآدم قبل خلقه. السابعة عشرة: وقوع ما أخبر الله به من قوله: {إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} لأنه "لم يتب" 5. الثامنة عشرة: كونه رجيم. التاسعة عشرة: كونه من ساكني الجنة. العشرون: خلق الجنة والنار قبل ذلك الوقت. 6   = وقال عند قوله الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ... } الكهف "50", بعد أن ساق كثيرا من أقوال السلف المؤيدة للقول الأول: وقد روى في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها. ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته الحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ماعداه من الأخبار المتقدمة .... إلى آخر ما قال رحمه الله. وقال الشنقيطي- رحمه الله- في أضواء البيان: وأظهر الحج في المسألة حجة من قال: إنه غير ملك لأن قوله تعالى: { ... إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ ... } الآية هو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحي، والعلم عند الله. قلت: ولعل مما يؤكد القول الثاني قوله "صلى الله عليه وسلم": "خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". رواه الإمام أحمد في مسنده "168,153:6" ومسلم في صحيحه/ كتاب الزهد/ باب في أحاديث متفرقة "4: 2294". فالاستثناء على هذا منقطع. والله أعلم بحقائق الأمور. انظر هذا المبحث في تفسير الطبري "1: 224- 227" وتفسير القرطبي "295,294:1" وتفسير ابن كثير "165:163:5" وأضواء البيان للشنقيطي "121:119:4". 1 في "س" مثبتة في الهامش. 2 ساقطة من "ب". 3 قال في "ب" بعد ذكر الآية كاملة: الآية ولا وجه لذلك. وفى "س": {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ} الآية. 4 في "س" و "ب": من الغاوين. 5 في المطبوعة: لم ينب. 6 في هذا رد على من يرى أن جنة آدم التي أهبط منها ليست جنة الخلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 "الآية" 1 "الثانية" 2 والأربعون وخمس بعدها3 فيها: وعد أهل التقوى. "الثانية" 4: ما يقال لهم عند دخولها. الثالثة: أن الغل الذي بينهم لا يفرج من التقوى5. الرابعة: أن من نعيم أهل الجنة الأخوة الصافية. الخامسة: التنبيه على أكبر عيوب الدنيا، وهو النصب والإخراج. السادسة: أمره رسوله بتعليم عباده بهذه المسألة. السابعة: أنه "صلى الله عليه وسلم" أخبرهم أن المؤمن "لو" 6 يعلم ما عنده من العقوبة 7 .... "الخ. "الثامنة: أن المغفرة والرحمة وصف بها نفسه، وأما العذاب الأليم8 فوصف به "عذابه" 9.   1 مثبتة من "س". 2 في "المطبوعة" الثامنة. وهو خطأ. 3 المراد قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} . 4 في المطبوعة: والثانية. 5 وجه ذلك إن الله تعالى وصفهم بالتقوى فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ثم قال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} فدل على وجود نزع غل من الصدور لم يخرج من التقوى. وانظر تفسير الآية في تفسير الطبري "4 1: 36- 38" وتفسير ابن كثير "457:455:4". 6 في "س" "لم" وفيها شيء من الغموض. 7 وذلك في قوله "صلى الله عليه وسلم": "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد" - رواه الإمام أحمد في مسنده "397,334:2". ومسلم في صحيحه كتاب التوبة/ باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه "2109:4" ح "2755". والترمذي في جامعه/ كتاب الدعوات/ باب خلق الله مائه رحمه "549:5" ح "3542" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ لمسلم. 8 في "س" مثبته في الهامش. 9 في "س": عذاب. وقد ذكر لهذا نكته، وهي أن ذلك لترجيح جانب الوعد على الوعيد. انظر روح المعاني للآلوسي "14/60". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 "التاسعة" 1: تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل, وتعريف العذاب2. العاشرة: وجوب تعلم هذه المسألة على المؤمن3. "الآية" 4 الثامنة والأربعون "وإحدى وثلاثون" 5 آية بعدها6: فيها أمره رسوله بتعليم عباده بالقصة فدل على شدة حاجتهم إليها.   1 في "ب" مثبته في الهامش. 2 في قوله: {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . فالضمير المتصل "الياء" في "إني". والضمير المنفصل "أنا". 3 لقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي} . 4 مثبته من "س". 5 في "ض" و "س" والمطبوعة: "وأحد وثلاثون" وفي "ب" "وواحد وثلاثون". 6 المراد قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الثانية: تسمية الملائكة أضيافاً. الثالثة: تشريف إبراهيم "عليه السلام" بضيافتهم. الرابعة: قولهم "سلاماً" استدل به على أجزائه في السلام. الخامسة: جواز مخاطبة الأضياف بمثل هذا1 عند الحاجة. السادسة: أن مثل هذا الخوف لا يذم. السابعة: "البشارة" 2 بالغلام وبكونه عليم. الثامنة: أن استبعاد مثل هذا "ليس" 3 من القنوط. التاسعة: أنه مظنة القنوط لقولهم: {فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} . العاشرة: مثل هذا4 لا يخرج من التوكل. الحادية عشرة: لا يخرج من معرفة "قدرة" 5 الله. الثانية عشرة: معرفة كبر القنوط. الثالثة عشرة: معرفته عليه السلام أن البشارة ليست حاجتهم وحدها6. الرابعة عشرة: معرفة نقمة الله لمن خالف الرسل. الخامسة عشرة: معرفة التوحيد من قصة امرأة لوط7. السادسة عشرة: لم يعرفهم لوط أول مرة. السابعة عشرة: معرفة جواز قول مثل هذا8 للأضياف عند الحاجة. الثامنة عشرة: معرفة أنه9 خوفهم عقوبة الدنيا لقوله: {بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} .   1 أي بمثل قوله: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} . 2 لأنه من قبيل الخوف الطبيعي وخصوصاً لما بدر من أولئك الأضياف من كفهم أيديهم عن الطعام. 3 في "ب": أن البشارة. 4 ساقطة من "ب". 5 أي مثل قوله: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} وهو استغراب منه عليه السلام لأمر غير مجهود. 6 ساقطة من "ب". 7 حيث بادرهم "عليه السلام" بعد البشارة بقوله: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} . وانظر مثل هذا الاستنباط في التفسير الكبير للرازي "19/ 202، 203" وتفسير البيضاوي "3/171" وروح المعاني للألوسى "14: 62، 63". 8 وجه ذلك أن لوطاً "عليه السلام" لم يستطع إنجاء امرأته من عذاب الله لما كفرت مع قومها، مع كونه نبيا، كما وعظ الله تعالى بهذا في قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم. 9 أي مثل قول لوط عليه السلام: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} "10" أي أن لوطاً "عليه السلام" خوف قومه عقوبة الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 التاسعة عشرة: معرفة أن التأكيد وتكرير المسألة على الطالب ليس نقصاً في حقه. "لقولهم"1 بعده: {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} . العشرون: أن اليقين يتفاضل حتى في حق الأنبياء، يوضحه ما تقدم من قولهم: {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} الآية2. الحادية والعشرون: "معرفة3" الأمر بالهجرة. الثانية والعشرون: تفصله "عليه السلام" بالهجرة مرتين4. الثالثة والعشرون: "معرفة5" أنهم أمروا بها إلى مكان معين6. الرابعة والعشرون: معرفة قدر كونه آخر الرفقة في السفر كما كان "صلى الله لحيه وسلم" يتخلف في آخرهم7.   1 في المطبوعة: لقوله. 2 آية رقم "55" الحجر. 3 في "ض" مثبتة في الهامش. 4 لعل المراد بالهجرة الأولى هجرته مع إبراهيم "عليه السلام" كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العنكبوت. والهجرة الثانية هي المذكورة هنا في قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} ... الآية"65". انظر تفسير الطبري "20: 142، 143" والجامع لأحكام القرآن للقرطبي "13: 339، 340". والبحر المحيط "7: 149". وتفسير ابن كثير "282:6". 5 ساقطة من "ب". 6 لقولهم له: {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} . 7 وذلك لئلا ينقطع الضعفاء، قال جابر رضي الله عنه: كان رسول "الله صلى الله عليه وسلم" يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم. رواه أبو داود في سننه/ كتاب الجهاد/ باب في لزوم الساقه "3: 44". ح "2639" وقد ذكر نحو هذا الاستنباط ابن كثير في تفسيره "4: 459". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 الخامسة والعشرون: عدم الرأفة على أعداء الله لقوله: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} 1. السادسة والعشرون: معرفة إخباره أن هذه قضي فلا مراجعة فيه كما أخبر إبراهيم عليه السلام2. السابعة والعشرون: معرفة قرب وقته3. الثامنة والعشرون: معرفة الأمر العظيم وهو فرح الإنسان بما لعله هلاكه4. التاسعة والعشرون: قوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيفِي} إلخ يدل على توقيرهم إياه "يوضحه"5 قولهم: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} 6. الثلاثون- أن طلب الستر وخوف الفضيحة من أعمال "الأنبياء"7. الحادية والثلاثون: كونك تأمر بالتقوى ولو أفجر الناس.   1 ذكر ابن كثير رحمه الله نحو هذا فقال: وقوله: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} أي: إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم، وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال. انظر تفسير ابن كثير "4: 460". 2 وهذا مستنبط من قوله في شأن لوط "عليه السلام": {وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} كما أخبر إبراهيم عليه السلام في قوله: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} . قال البغوي {قَدَّرْنَا} أي قضينا. انظر تفسيره "3/53". 3 وهو الصبح لقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} أي حال كونهم داخلين في الصباح كما قال تعالى في آية أخرى. "81" هود. انظر البحر المحيط "5: 461". 4 مستنبط من قوله تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} . 5 في "ب": "ويوضحه". 6 قوله: {عَنِ الْعَالَمِينَ} . في "س" مثبت في الهامش. 7 في "ض" "الدنيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الثانية والثلاثون: خوف الخزي. الثالثة والثلاثون: شدة مدافعته عن ضيفه بعرض بناته1. الرابعة والثلاثون: كرامة رسول "الله صلى الله عليه وسلم" بالقسم بحياته2. الخامسة والثلاثون: تأمل ما أخبر الله به "من"3 سكر الشهوة. السادسة والثلاثون: الجمع بين قلبها وإمطار الحجارة. السابعة والثلاثون: معرفة تنبيه الله على هذه الآية. الثامنة والثلاثون: تخصيص المتوسمين4. التاسعة والثلاثون: توضيح الآية بكونها على الطريق. الأربعون:- إقامتها5. الحادية والأربعون: تخصيص المؤمنين بالآية. "الثانية والأربعون: الآية التي في أصحاب الأيكة" 6.   1 وقد اختلف المفسرون في وجه عرض لوط عليه السلام بناته على أقوال منها: 1- أنه عرض عليهم بناته لصلبه على وجه التزويج. عزاه ابن الجوزي إلى ابن عباس. 2- أنه أراد نساء أمته على وجه التزويج. وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم. 3- أنه أراد المدافعة عن ضيفه ولم يرد إمضاء ما قال. مروي عن عكرمة وابن عبيدة. انظر بسط تفسير ابن جرير الطبري "12: 81-86" وزاد المسير "4: 137- 139" والجامع لأحكام القرآن للقرطبي "76:9- 78" وأضواء البيان للشنقيطي "34:3- 36". 2 ويشهد لهذا ما ورد عن ابن عباس "رضي الله عنه" قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد "صلى الله عليه وسلم" قال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} يقول: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا. رواه ابن جرير في تفسيره "14: 44". وأبو نعيم في دلائل النبوة "1/63" ح "21، 22". والبيهقي في دلائل النبوة أيضاً "487:5، 488" 3 ساقطة من "ب". 4 والمتوسمون هم المتفرسون المعتبرون بما يجعله الله لخلقه من العلامات. انظر تفسير الطبري "14/ 45- 47" ومعاني القرآن للزجاج "3: 184" وتفسير ابن كثير "461:4". 5 بقوله: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي معلم واضح بين. انظر تفسير الطبري "14: 47" وتفسير البغوي "3: 55". 6 ساقطة من "ض" وهي في "المطبوعة" مؤخرة بلفظ "الثالثة والأربعون: الآية في أصحاب الأيكة". والأيك: الشجر الملتف. أنظر تفسير الطبري "14: 48" ومعاني القرآن للزجاج "3: 185". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 "الثالثة والأربعون"1: "توضيح الآية بكونها على الطريق الواضح. الرابعة والأربعون2: ذكر السبب وأنه ظلمهم. الخامسة والأربعون: ذنب أصحاب الحجر. السادسة والأربعون: أن من كذب رسولا فقد كدب الرسل3. السابعة والأربعون: ذكر إنعامه عليهم بالآيات. الثامنة والأربعون: ذكر ما عاملوها به من الإعراض. التاسعة والأربعون: ما أعطوا من القوى حتى نحتوا الجبال بيوتا. الخمسون: أمنهم. الحادية والخمسون: ذكر عقوبتهم وهي أخذ الصيحة صباحا. الثانية والخمسون: ذكر أن ذلك العطاء الذي غرهم ما أغنى عنهم وقت البلاء كما أغنت الأعمال الصالحة عن أهلها. [الآية] 4 التاسعة والسبعون وسبع بعدها5. فيها التنبيه على "تنزيه الله"6 عن مضاد الحكمة. الثانية: كونه ما خلق ذلك إلا بالحق ففيه إثبات الحكمة. الثالثة: أن من الحكمة في ذلك الإيمان به وتوحيده.   1 في "ض" والمطبوعة الثانية والأربعون. 2 ما بين القوسين ساقط من "ب". 3 وجه ذلك أن الله أرسل إليهم صالحاً "عليه السلام" ثم أخبر أنهم كذبوا المرسلين فقال: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} وذلك لأن دين المرسلين واحد في الأصول، فمن كذب واحداً منهم فقد كذبهم جميعهم. وانظر في هذا المعنى تفسير البغوي "3/55" والجامع لأحكام القرآن للقرطبي "10 / 46". 4 زدتها للإيضاح سيراً على منهج الشيخ في هذه السورة حسبما ورد في نسخه "س". 5 المراد بها قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . 6 في "ض" والمطبوعة: تنزيهه. وفي "ب" تنزيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 "الرابعة"1: الإيمان بإتيان الساعة. الخامسة: أن العلم بإتيانها "فيه"2 تعزية للمظلوم. السادسة: أن العلم بكونه الخلاق العليم فيه تعزيه أيضاً. السابعة: أن فيه الوعيد "للظالم"3. الثامنة: المنة "بإيتاء4" السبع المثاني5 والقرآن العظيم، فيه التعزيه "عما أصابه6" وعما صرف عنه.   1 في "س" مثبتة في الهامش. 2 في "ب": ففيه. 3 في "ض": للمظالم. 4 في "ب" "بإتيان" وفي المطبوعة باتياء. وهو خطأ مطبعي. 5 للمفسرين في المراد بالسبع المثاني أقوال أشهرها قولان: أحدهما: أنها السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس. الثاني: أنها الفاتحة. وقد ورد في ذلك أحاديث صحيحه منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" "أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم" ح "4704" كتاب التفسير / باب {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} انظر الفتح "232:8". قال ابن كثير رحمه الله: فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطوال بذلك، لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضاً كما قال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} الآية "23" الزمر .... إلى آخر ما قال رحمه الله. وانظر بسط هذه، المسألة في تفسير الطبري "14/ 51- 60" وزاد المسير لابن الجوزي "4: 413- 415" وتفسير ابن كثير "4: 465". 6 في المطبوعة: عما أصابه به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 التاسعة: نهيه عن مد العين إلى دنياهم. العاشرة: كون ذلك من نتائج ذلك الإيتاء. الحادية عشرة: نهيه عن الحزن عليهم ولو كانوا الملأ1. الثانية عشرة: أمره "بخفض"2 الجناح لمن آمن ولو كان عندهم حقيرا3. الثالثة عشرة: "قوله لهم" 4 {إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} وما في هذه الكلمة من التأكيد5. الرابعة عشرة: ذكر آياته في انتقامه منهم. الخامسة عشرة: رجاء المؤمن إذا نظر إلى ذلك. السادسة عشرة: وصفهم بالاقتسام6 ففيه جدهم في الباطل.   1 الملأ: هم رؤساء القوم وإشرافهم. وهذه المسألة مستنبطة من قوله: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ... } الآية، لأن المراد بالأزواج: الأغنياء، الأمثال، الأشباه "على ما رواه الطبري عن مجاهد". انظر تفسير الطبري "14/ 60، 61" وانظر تفسير الملأ فيما سبق ص "331، 344". التحقيق. 2 في "س" بحفظ. وهو تصحيف. 3 في "ض" حقير. وهو خطأ. وقوله: "ولو كان عندهم حقير أي ولو كان المؤمن عند الكفار حقيرا. 4 في "ب" قولهم. وهو خطأ. 5 وذلك من تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل كما نص عليه الشيخ مراراً انظر مثلا ص "404، 413". 6 اختلف المفسرون في المراد بالمقتسمين في الآية على أقوال: القول الأول: انهم المتحالفون الذين يحلفون على تكذيب الرسل كما أخبر الله عنهم بقوله: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} الآية "49" من سورة النمل وغيرها. القول الثاني: أنهم اليهود والنصارى، وصفوا بالاقتسام لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها كما في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} الآية "150" من سورة النساء وغيرها. القول الثالث: أنهم كفار قريش، اقتسموا القرآن فقال بعضهم هو سحر وقال بعضهم، هو سحر وقال بعضهم كهانه. كما يدل على ذلك آيات ......... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 السابعة عشرة: وصفهم القرآن بهذه الصفة1 ففيه شدة الجراءة. وفيه وضوح ضلالهم. الثامنة عشرة: الإقسام على هذا الأمر العظيم. التاسعة عشرة: معرفة أن لا إله إلا الله عمل2. العشرون: أن ذلك شرع للكل. "الآية"3 الثمانون وأربع بعدها آخر السورة4: فيها   = كثيرة، كما في قوله: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} الآية "34" من سورة المدثر وغيرها وقيل غير ذلك من الأقوال. ورجح العلامة الشنقيطي القول الثالث بعد أن حكى الأقوال الثلاثة. وذلك أن القرية في الآية تؤيده ولا تنافي الثاني.. لأن قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أظهر في القول الثالث، لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختلاف أقوالهم الكاذبة. انظر تفسير الطبري "14: 61- 66" وزاد المسير "4: 417- 19 4" وتفسير البغوي "58:3". وتفسير ابن كثير "466:4- 468" وأضواء البيان "197:3- 199". 1 وهو جعلهم القرآن عضين. 2 وجه ذلك أنه قد فسر العمل في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} بلا إله إلا الله. كما أخرجه الطبري في تفسيره "14: 67" عن أنس ومجاهد وغيرهما. وقد روي عن أنس مرفوعاً كما أخرجه الترمذي في جامعه/ كتاب تفسير القرآن/ باب "ومن سورة الحجر" "5: 298" وابن جرير في تفسيره "14: 67" وغيرهما. وانظر تفسير البغوي "58:3" وتفسير ابن كثير "468:4". 3 مثبتة من "س". 4 في "المطبوعة" إلى آخر السورة. والمراد بها قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 أن الصدع1فيه زيادة "على"2 الإنذار. الثانية: أنها ناسخة3. الثالثة: جمعه بين ذلك وبين الإعراض عنهم. الرابعة: ذكر الآية في تلك الكفاية4. الخامسة: في ذلك "تشجيع"5 على الصدع والتوكل. السادسة: وصفهم بالاستهزاء بما لا يستهزأ به. السابعة: وصفهم بالشرك.   1 إذ الصدع بالدعوة هو إظهارها وإعلانها، وهو معنى زائد على النذارة التي قد تكون بدونه. انظر في معنى الصدع هنا تفسير البغوي "3/59". واصلاح الوجوده والنظائر "276".: صدع. 2 في "ب": عن. 3 يشير الشيخ بهذا إلى أن هذه الآية: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ناسخة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الإسرار بالدعوة في مرحلتها الأولى "السرية". ويدل على هذا ما روي عن عبد الله بن عبيده قال: مازال النبي "صلى الله عليه وسلم" مستخفياً حتى نزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} . فخرج هو وأصحابه أخرجه الطبري "68:14" بإسناد ضعيف لانقطاعه وضعف موسى ابن عبيدة الربذى، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره "469:4" هذا الحديث عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وعزا السيوطي في الدر"5: 99" إلى ابن جرير إخراجه عنه ولم أجده. وف أخرج عبد الرزاق في مصنفه "5: 361" نحوه عن عكرمة. وانظر سيرة ابن هشام "1: 363" وما بعدها. 4 في كفايته المستهزئين وهم خمسة نفر كانوا يستهزئون بالنبي "صلى الله عليه وسلم" وبالقرآن فأهلكهم الله. انظر في ذلك تفسير الطبري "14: 69- 73" وتفسير البغوي "3: 59، 60". 5 في "ب": التشجيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الثامنة: ذكر أنهم يجعلونها مع الله "إلها"1 فلم يتركوا. التاسعة: تقبيح ذلك في جعلهم معه ذلك كائناً من كان. العاشرة: الوعيد2. الحادية عشرة: لا يناقضه الإمهال لقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 3. الثانية عشرة: تعزيته بعلم الله. الثالثة عشرة: تنبيهه على الدواء. الرابعة عشرة: أن ذلك "بالجمع"4 بين التسبيح والحمد. الخامسة عشرة: تنبيهه على السجود أنه مع ما تقدم هو الدواء. السادسة عشرة: التحريض على ذلك بتذكر عباد الله الساجدين، وكونه منهم. السابعة عشرة: ختمه السورة بهذه المسألة الكبيرة5.   1 ساقطة من "ض" و "ب" "ب" ومثبته في "المطبوعة" فقط. 2 في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} . 3 في المطبوعة: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} . 4 في "ض": الجمع. 5 وهى عبادة الله عز وجل حتى الممات كما قال تعالى هنا: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 مسائل مستنبطة من سورة النحل ... "سورة النحل" بسم الله الرحمن الرحيم 1 قوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 2: أي الذي يفصل بين المؤمنين والمشركين. فسر بالنصر في الدنيا3 "وبالقيامة"4 ففيها: إتيانه "سبحانه"5 بصيغة الماضي للتحقيق، والبشارة، والنذارة6. الثانية: النهي "عن"7 الاستعجال به. الثالثة: تسبيحه نفسه، وتعاليه عن شركهم، ففيه التنبيه على عظمة قبحه لكونه مسبة له. "الثانية"8: فيها تنزيله الملائكة. الثانية: "تسمية"9 المنزل روحا لكونه يعيى القلوب10.   1 في "س" قدمت البسملة على اسم السورة. 2 قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . 3 فسره بذلك ابن عباس وابن جريج كما ذكره عنهما أبو حيان في البحر المحيط "472:5". 4 في "ض" مثبتة في الهامش. وقد فسره بالقيامة ابن عباس وجمهور المفسرين. انظر تفسير الطبري "14: 75" وتفسير البغوي "3: 61" وتفسير ابن كثير "4: 473". 5 ساقطة من "س". 6 انظر المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى للحدادي "333" وتفسير أبى حيان "5: 472" وتفسير ابن كثير "4: 473". 7 ساقطة من "س". 8 في "س" و"ب" "الأولى". والمراد قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} . 9 ساقطة من "ب". 10 ذكر نحو هذا البغوي في تفسيره "3: 61". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الثالثة: أن ذلك الروح من أمره. الرابعة: أن التخصيص بمن ينزل عليه "بمشيئته"1 بالاقتراح. الخامسة: أن المخصوص بذلك من جملة عباده. السادسة: ذكر الحكمة في هذا وهو إنذار الخلق عن الشرك. السابعة: أنه إذا ثبت ذلك فخصوه بالتقوى لكونه المتفرد بالضر والنفع. "الثالثة2": عليها الاستدلال بخلق السماوات والأرض. الثانية: أنه بالحق. الثالثة: ذكر تعاليه عن شركهم، ذكره عند بدء الخلق، وعند الوعد بالفصل3. "الرابعة":4 فيها الاستدلال بخلق الإنسان، ذكر أولاً الخلق العام ثم الخاص5. الثانية: كونه "من"6 نطفه. الثالثة: "صيرورته"7 إلى "هذه"8 الحال بعد تلك الحال، وهو تفضيله بالعقل والبيان.   1 في "س" والمطبوعة: بمشيئة 2 في "س" و"ب" "الثانية" والمراد بها الآية الثالثة وهي قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . وهذه الآية وما بعدها إلى نهاية "السادسة عشرة" فيها دلائل ربوبية الله تعالى. 3 ذكر تعاليه عن شركهم عند بدء الخلق بقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وعند الوعد بالفصل بقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . 4 في "س" و "ب" الثالثة والمراد بها الآية الرابعة وهي قوله تعالى: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} . 5 الظاهر أن المراد بالخلق العام خلق السماوات والأرض. والخلق الخاص هنا هو خلق الإنسان. والله أعلم. 6 ساقطة من "س". 7 في "ب": ضرورته. 8 في المطبوعة: هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الرابعة: على تفسير مجاهد1 ذكر هذا الكفر بعد ما أعطاه من النعمة، وبين له من القدرة. "الخامسة:"2 والآيتان بعدها3 فيها: الاستدلال بخلق الأنعام على اختلافها. الثانية: أن ذلك لنا. الثالثة: التنبيه على ما فيها من المصالح منها الدفء، والآكل "و"4 الجمال، وحمل الأثقال إلى ما ذكره، وغير ذلك من المنافع. الرابعة: التنبيه على رأفته ورحمته بنا.   1 لم أجد لمجاهد رحمه الله عند هذه الآية كلا ما فيما أطلعت عليه، ولكن الذي يظهر أن الشيخ أراد قول مجاهد عند آية أخرى هي كالمفسرة لهذه وهى قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ... } الآية من سورة "يس" فقد قال مجاهد رحمه الله في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} : أبي بن خلف جاء بعظم فقال: يا محمد أتعدنا أنا إذا متنا فكنا مثل هذا العظم البالي-في يده ففته- وقال: من يحيينا إذا كنا مثل هذا. رواه ابن جرير في تفسيره "23/30". وعزا السيوطي إخراجه إلى أبن أبي حاتم وعبد بن حميد. وابن المنذر: انظر الدر المنثور "7: 75". وقد ذكر البغوي أن الآية في سورة النحل نزلت في أبي بن خلف، ولكن لم يعز ذلك لمجاهد. انظر تفسير البغوي "63:3" وكذلك ابن الجوزي في زاد المسير "428:4، 429" ولم يعزه لمعين بل قال: قال المفسرون. 2 في "س" و"ب" الرابعة. 3 المراد قوله: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 4 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 "الثامنة"1: ذكر الخيل والبغال والحمير في الاستدلال. الثانية: ذكر نعمته أن الحكمة في ذلك لركوبنا. الثالثة: زينة لنا. الرابعة: التنبيه على خلق ما لا نعلم. "التاسعة"2: فيها أن "السبل"3 منها "قاصد"4. الثانية: أنه يوصل إلى الله. الثالثة: أن منها جائر5 فيدل على الطلب والنظر. الرابعة: "ذكر"6 القدرة بعد "ما"7 ذكر الشرع8. العاشرة9: فيها الاستدلال بإنزال المطر.   1 في "س" وهامش "ب" "السابعة" والصواب ما أثبته، والمراد بها الآية الثامنة وهي قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} . 2 في "س" و"ب" الثامنة والمراد بها الآية التاسعة وهي قوله تعالى {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . 3 في المطبوعة: السبيل. وليست في شيء من المخطوطات التي بيدي. 4 في "ض": "قصدا" وهو خطأ. ومعنى قوله "ومنها قاصد" أي معتدل مستقيم وهو طريق الحق. انظر تفسير الطبري "14/ 83، 84" والتفسير الكبير لابن تيمية "5: 149- 165". 5 قال ابن كثير رحمه الله "ومنها جابر": أي مائل زائغ عن الحق- انظر تفسيره "4/479". 6 في "س" و "ب" والمطبوعة: ذكر. 7 ساقطة من "ب". 8 أي بعد ما ذكر الله تعالى أن طريق الحق لا يعرج عنه، وأنه تعالى يوضحه ويبينه بقوله: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} ذكر قدرته. فقال: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . 9 في "ض"، و"ب": التاسعة والعاشرة. والتاسعة قد تقدمت والمراد هنا الآية العاشرة والتي بعدها وهي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الثانية: "التنبيه"1 على أن غيره لا يقدر عليه2. الثالثة: التنبيه على النعمة بقوله: {لَكُمْ} . الرابعة: ما يحصل به من الشراب والمرعى. الخامسة: نبات الزرع والأشجار الخاصة. السادسة: من كل الثمرات. السابعة: أن ذلك الإنبات لنا. الثامنة: ذكره أن في هذا "آيات"3. التاسعة: كونها مخصوصة بالمتفكرين. الحادية عشرة4: الاستدلال بخلق الليل والنهار والعلويات. الثانية: أن تسخيرها لنا. الثالثة: قوله: {مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} . الرابعة: ذكر الآيات في ذلك. الخامسة: أنها مخصوصة بالذين يعقلون. الثانية عشرة5: الاستدلال بخلق ما في الأرض "لنا"6 على   1 ساقطة من المطبوعة. 2 يدل على هذا الحصر، ع المستفاد من تقديم الضمير في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} الآية. 3 في المطبوعة: لآيات. 4 المراد بها قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . 5 المراد بها قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} . 6 ساقطة من "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 "كثرته واختلافه"1. الثانية: ذكر النعمة في كونه لنا. الثالثة: ذكر الآيات في ذلك. الرابعة: تخصيص المتفكرين بفهمها. الثالثة عشرة2: ذكر تسخير البحر. "الثانية"3: "أنه"4 الذي فعله لا غيرة5. الثالثة: التنبيه على ما فيه من مصالحنا من "أكل"6 اللحم الطري، واستخراج الحلية، ولبسها، وجريان الفلك فيه، والابتغاء من فضله. الرابعة: أن الحكمة في ذلك ليستخرج منكم "الشكر"7 في هذه الأمور التي فمها الآيات والنعم. الرابعة عشرة8: الاستدلال بخلق "الجبال"9. الثانية: ذكر الحكمة10.   1 في "ض" والمطبوعة: اختلاف وكثرته. 2 المراد بها قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . 3 في "س" مثبتة في الهامش. 4 في "ب": أنه هو. 5 للحصر المدلول عليه بتخديم الضمير كما تقدم في ص "104، 105". 6 في "ض": استخراج. 7 في "ب": الشاكر. 8 المراد بها قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . 9 في "س" سقط آخر الكلمة فكتبت: الجبا. 10 في قوله: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} . قال البغوي في تفسيره "3/64" والميد: هو الاضطراب والتكفؤ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الثالثة: ذكر الأنهار. الرابعة: ذكر السبل. الخامسة: ذكر الحكمة وهي الاهتداء. السادسة: ذكر الحكمة الثانية وهي العلامات. فالجبال: علامات النهار، ثم ذكر الحكمة "الثالثة"1 وهي الاهتداء بالنجم في الليل2. الخامسة عشرة3: ذكر الدليل القاطع البديهي "الفطري"4 الضروري. الثانية: "دعاؤهم"5 إلى التذكر. الثالثة: أتى باستفهام الإنكار، ولكن "ليتأمل"6 التذكر ما هو7؟ لقوله: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} 8. الرابعة- "دعاؤهم"9 إلى الطاعة بذكر نعمه "على الإجمال"10، وأنها لا تحصى.   1 في "ض" و "س" والمطبوعة: "حكمة ثالثة". 2 كون العلامات علامات النهار وهي الجبال وعلامات الليل وهي النجم روي نحوه عن ابن عباس كما أخرجه عنه الطبري واختاره، وذكره البغوي عن محمد ابن كعب والكلبي. والذي أخرجه الطبري عن الكلبي، أنه قال: وعلامات: الجبال. انظر تفسير الطبري "14/ 91، 92" وتفسير البغوي "3/ 64". 3 المراد بها قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ*وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} . 4 في "ب": "الفطر". 5 في "ض" و"س": دعاهم وفي "ب": "دعاؤه" وفي "ق": دعائهم. 6 في المطبوعة: لتأمل. 7 يعنى الشيخ: أن المراد بالتذكر حقيقة هو التذكر المثمر للعمل فعلاً أو تركاً رغبة أو رهبة لا مجرد استعادة الصورة في الذهن. 8 سورة غافر: آية "13". 9 في "ض" و "س": دعاهم وفي "ق": دعائهم. 10 في هامش "ض": "وأنها" ليكون الكلام: "وأنها على الاجمال ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 الخامسة:- "ختم"1 الآية بالاسمين. السادسة عشرة2: ذكر سعة علمه وإحاطته بالسر والجهر. الثانية: أن الذين يدعون غيره ليس لهم قدرة، ولا لهم علم، فلا يخلقون شيئاً، "ولا يدرون"3 متى يبعثون. الثالثة: أنهم أموات غير أحياء. السابعة عشرة4: ذكر توحيد "الإلهية5". الثانية: "أنه"6 مع تكاثر هذه الأدلة ووضوحها أنكرته قلوب هؤلاء. الثالثة: أن سببه عدم الإيمان بالآخرة لإخفاء الأدلة. الرابعة: أن الشرك وعدم الإيمان بالآخرة متلازمان7. الخامسة: أنهم مع هذا الجهل العظيم الذي لا أخس منه "مستكبرون"8. السادسة: جمعوا بين الإنكار والاستكبار. السابعة: ذكر علمه سرهم وعلانيتهم، وهو صريح في الوعيد. الثامنة: كونه لا يحب المستكبرين.   1 في "س" والمطبوعة: ختمه. 2 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} . 3 في المطبوعة: ولا يدري وهو خطأ. 4 المراد بها قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} . 5 في "ب": الألوهية. وهو إفراد الله بالعبادة. 6 في "ب": "ان". 7 انظر مجموع الفتاوى "9: 32، 33". 8 في المطبوعة: متكبرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 [الثامنة عشرة1: ذكر وصفهم أعظم نعمة جاءتهم من الله. الثانية: إقرارهم بالربوبية2. الثالثة: ذكر عاقبة ذلك3. الرابعة: ذكر حملهم أوزار من أضلوا. الخامسة: أنهم جهال ولو ظن "الأتباع"4 غيره. السادسة] 5: تهويل "ذلك"6 الجزاء. التاسعة عشرة وأربع "آيات"7 بعدها8:- ذكر ما فعل بمن قبلهم لما مكروا9.   1 المراد بها قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} . 2 حيث قيل لهم: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} فقالوا: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فلم ينكروا الرب وإنما أنكروا المنزل. والله أعلم. 3 في قوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... } الآية. 4 في "ب": زيدت "الا" قبل "الاتباع" ولا وجه لها. 5 ما بين المعقوفتين في "ض" مثبت في الهامش. 6 في "ض" والمطبوعة "ذكر". 7 ساقطة من "س". 8 المراد بها قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} . 9 زاد في "ب": أنه أتاه من القواعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الثانية: أنه "أتاه"1 من القواعد. الثالثة: "أنه"2 خر عليهم الذي بنوا. الرابعة: أن الخرور من فوقهم. الخامسة: إتيان العذاب من "طرق"3 لم يعلموا بها. السادسة: الخزي يوم القيامة. السابعة: هذا العتاب الشديد. الثامنة: ما فيه من قبح الشرك. التاسعة: ما فيه من فتنة المشرك بالشرك. العاشرة: "مشاقتهم"4 الله "وأولياءه"5. الحادية عشرة: ذكره أن ذلك لأجل الشركاء6. الثانية عشرة: ما فيه من تعزية المؤمن وتبشيره7. الثالثة "عشرة"8: شرف العلم في الآخرة.   1 في "س" و "ب": أتاهم. والضمير الظاهر في "أتاه" عائد إلى البنيان. 2 في المطبوعة أنهم. 3 في المطبوعة: طريق. 4 في "ب": مسافهتهم. وهو خطأ. 5 في "ض" و "س": "وأولياؤه" وهو خطأ. 6 هذه مستنبطة من قوله: {تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} . وممن ذكر أن معنى فيهم: لأجلهم. ابن الجوزي في زاد المسير "4: 441". والسعدي في تيسير الكريم المنان "4: 196". وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: "10: 98": بسببهم. 7 الذي يظهر أن وجه استنباط هذه المسألة من كون الخزي يوم القيامة والسوء على الكافرين، ففيه تسلية للمؤمن عما هم فيه في الدنيا حيث أن مآلهم إلى ما ذكره، وبشارة له بالنجاة مما ذكر إذ ليس هو منهم. والله أعلم. 8 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الرابعة عشرة: جمعه بين الخزي والسوء1. الخامسة عشرة: كونه على من كفر. السادسة عشرة: ذكره "موتهم"2 على هذه "الحالة"3. السابعة عشرة: كونهم ما ظلموا إلا أنفسهم. الثامنة عشرة: كون ملك الموت له أعوان يتوفون. التاسعة عشرة: كونهم ألقوا السلم حين لا ينفعهم. العشرون: تفسير ذلك بقولهم "ما كنا نعمل من سوء". الحادية والعشرون: جوابهم. الثانية والعشرون: عقابهم. الثالثة والعشرون: "أن"4 هؤلاء أهل الأبواب5. الرابعة "والعشرون"6: عظمة الكبر عند الله. الرابعة والعشرون: "والآيتان"7 بعدها8: قول المتقين في المنزل. الثانية: الوعد بحسنة الدنيا.   1 إذا لخزي هو الذل والهوان. والسوء هو العذاب. انظر في هذا تفسير الطبري "14: 99" وتفسير البغوي "3: 66" والجامع لأحكام القرآن "10: 98". 2 في "ب": موته. 3 في المطبوعة: الحال. 4 ساقطة من المطبوعة. 5 قال ابن كثير في تفسيره "4: 454" عند قوله تعالى في سورة الحجر {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} أي قد كتب لكل باب منهم جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه- أجارنا الله منها- وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر فعله. 6 في "س": مثبتة في الهامش. 7 في "س" و "ب" والمطبوعة: وآيتان. 8 المراد بها قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الثالثة: أن حسنة الآخرة خير. الرابعة: أنها دار المتقين. الخامسة: وصفها بهذه الصفات العظيمة. السادسة: أن الجزاء بهذا "مما"1 يوصف الله به في حق المتقين2. السابعة: وصفهم بحالهم عند الوفاة وما بقال لهم. السابعة والعشرون:3 وآية بعدها: الموعظة "عن"4 التسويف. الثانية: الفرق بين إتيان الملائكة وأمر الله5. الثالثة: أن هذا كفعل من قبلهم. الرابعة: تنزيهه سبحانه عن الظلم. الخامسة: إثبات ظلمهم لأنفسهم. السادسة: أن "عملهم"6 هو الذي أصابهم. السابعة: كون الذي استهزءوا به حاق بهم.   1 في "ب": ما. 2 في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} . 3 والمراد هنا قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . 4 في "ض": "من". 5 إذ المراد بإتيان الملائكة: إتيانها لقبض أرواحهم. والمراد بإتيان أمره يوم القيامة، قالهما مجاهد وقتادة. وقيل: المراد بإتيان أمره: العذاب. وهو غير إتيانه تعالى حقيقة لفصل القضاء يوم القيامة. انظر تفسير الطبري "14: 102" وتفسير البغوي "68:3". 6 في "ب" "والمطبوعة": علمهم. وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 "الثامنة":1 والعشرون2: أن الاحتجاج بالقدر من كلام الكفار. الثانية: اعترافهم أنهم يعبدون من دونه3 مع قولهم: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 4. الثالثة: اعترافهم أنهم يحرمون من دونه مع زعمهم أنهم يتقربون به إليه5. الرابعة: ذكره سبحانه أن هذا كفعل المتقدمين. الخامسة: ذكره الو اجب على الرسل. "التاسعة والعشرون"6: عموم الرسالة لكل أمة. الثانية: أن كل أمة لها رسول يخصها. الثالثة: أن بعثة الكل لأجل هاتين "المسألتين"7.   1 في هامش "ض" التاسعة. 2 والمراد بها قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} . 3 يشير الشيخ بهذا إلى أن اتخاذهم الشفعاء والوسائط عند الله عبادة لهم ولو زعموا خلاف، ولهذا اعترفوا بهذه العبادة في هذا الموطن. 4 في "ض" و "ب" والمطبوعة: عنده. وقولهم: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ورد في سورة يونس آية: "18". 5 يشير بهذا إلى أن ما كانوا يزعمون أنهم يتقربون به إلى الله عز وجل من تحريم بعض الأشياء كالوصيلة والحام مثلا هو تشريع منهم لما لم يأذن به الله، وإن زعموا التقرب به، ولهذا اعترفوا هنا. 6 في هامش "ض" "الثلاثون" والمثبت من "س" و "المطبوعة" وهو الصواب. والمراد بها قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} . 7 في "س" الكلمتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الرابعة: أنه لا بد مع الإثبات من النفي1. الخامسة: ذكر حسن الأولى بالإضافة إليه. السادسة: ذكر قبح الشرك، وحسن النهي عنه. السابعة: أنهم افترقوا. الثامنة: أن من أعطي خيراً فالله أعطاه. التاسعة: أن الضلالة "حقت"2 على الضالين. العاشرة: "ذكر"3 الأمر بالسير في الأرض لأجل النظر في عاقبتهم. الحادية عشرة: "ذكر أن"4 حرص الرسول لا يجدي على من "أضله الله"5. الثانية عشرة: مالهم من ناصرين. "الثلاثون"6: كونهم يقسمون بالله.   1 في "س" والمطبوعة: أنه لا بدمن الإثبات مع النفي. والمثبت هنا عبادة الله والمنفي عبادة الطاغوت وهو معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" وكثيرا ما يكرر الشيخ هذه العبارة وهي النفي والإثبات ومدارها على إخلاص التوحيد لله وحده. انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ الرسالة الثالثة "تفسير "كلمه التوحيد" ص "363". 2 في "ب": حق. 3 في "ض": ذكره. 4 في "ب": ذكره. 5 في المطبوعة: أضل الله. 6 في هامش "ض" "الحادية والثلاثون". وفي "ب": "الثانية والعشرون" والمراد بها قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الثانية: أنه القسم بالله عندهم أجل من القسم "بالآلهة"1. الثالثة: "اجتهادهم"2 في اليمين على ما لا يعلمون. الرابعة: كون هذا على نفي ما قامت الأدلة الواضحة على ثبوته. الخامسة: تأليهم على الله ألا يفعل. السادسة: رده عليهم بقوله: {بَلَىْ} . السابعة: أنه لا يخلف الميعاد. الثامنة: أنه جعل ذلك حقاً عليه. التاسعة: إخباره أن السواد الأعظم لا يعلمون "ذلك"3. العاشرة: "ذكر4" الحكمة في. ذلك، وهي تبيينه لهم ما اختلفوا فيه، ومعرفة الكافرين أنهم أهل الكذب لا خصومهم. الحادية عشرة: ذكره عظيم قدرته "وأنها"5 على غير القياس، وهم "نفوا"6 "لما نظروا إلى عظمة الأمر"7 ولم يعرفوا عظمة الله8. السادسة والثلاثون9: "ذكر"10 الهجرة.   1 في "س" بالإلهيه. وهذا دليل على أن شرك المتأخرين الذين يرون أن القسم بآلهتهم أعظم من القسم بالله أعظم من شرك أولئك وأغلظ. 2 في "ض": اجهادهم. 3 ساقطة من "س". 4 في "ب" ذكر. 5 في "س" مثبتة في الهامش. 6 في "س": أنفوا. 7 في "ب" "إلى ما نظروا إلى الأمر" وهو كلام لا معنى له. 8 تأمل-أخي- هذا الأصل العظيم فإن التوفيق لفهمه ينجي بفضل الله من مهالك كثيرة. 9 المراد بها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . 10 في "ض" ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الثانية: ذكر نية أهلها1. الثالثة: ذكر الظلم الذي أصابهم وصبروا. الرابعة: "ذكر"2 "الوعد"3 بحسنة الدنيا. الخامسة: أن أجر الآخرة أعظم. السادسة: أن هذا الخير العظيم لا يعلمه الأكثر، ولو "علموه"4 لاستبقوا إليه. السابعة: وصفهم بالصبر. الثامنة: وصفهم بالتوكل. السابعة والثلاثون5: ذكر الحجة الدامغة لإنكارهم "إرسال"6 البشر مع تسليمهم "بنبوة"7 المتقدمين. الثانية: أن الإرسال بالوحي. الثالثة: أن هذا مسلم عند كل من عرف العلم النازل من الله. الرابعة: تنبيه الجاهل "أنه"8 لا يعذر لأنه يمكنه السؤال. الخامسة: أن كل الرسل رجال لاجني فيهم ولا أنثى9. السادسة: أن كل "رسول"10 لا يرسل إلا ببينات11. السابعة: لا يرسل إلا ومعه كتاب12.   1 "في الله". 2 ساقطة من "المطبوعة". 3 في المطبوعة: الوعيد وهو خطا. 4 في "ب": علموا. 5 والمراد قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . 6 في "ض" و "س" والمطبوع: "الإرسال". 7 في "ض" و "س": "نبوة". 8 ساقطة من "ب". 9 انظر ما تقدم ص "394". 10 كلمة "رسول" مكررة في "ب". 11 كما يدل عليه ظاهر الآية إذ "الباء" في قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} متعلقه. 12 كما يدل عليه ظاهر الآية إذ "الباء" في قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} متعلقه .... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الثامنة: ذكر الحكمة في إنزال القرآن على محمد. وأنها "لبيان"1 المنزل ولتفكرهم. التاسعة: تسميته الذكر. "الثامنة والثلاثون2": ذكر مكر السيئات. الثانية: أنهم "مستحقون"3 التعجيل العقوبة. الثالثة: كيف أمنوا ذلك. الرابعة: ذكر أنواع العذاب الأربعة. الخامسة: أنهم لا يعجزون بعد ذكر الثالث4.   = بقوله أرسلنا. فتأويل الكلام كما قال الطبري: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر. وهو اختيار أبي حيان أيضاً وقدر البغوي الكلام: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم. والزبر: هي الكتب كما ورد ذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. انظر تفسير الطبري "14: 109- 111" وتفسير البغوي "3: 70"، والبحر المحيط "5: 494". وتفسير ابن كثير "4: 493". 1 في "ب": "البيان". 2 والمراد هنا قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 3 في "ب" مستخفون. وهو تصحيف. 4 أي بعد ذكر النوع الثالث من أنواع العذاب وهو المذكور في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 السادسة: ذكر الرأفة والرحمة بعد الرابع1. التاسعة والثلاثون2 والآيتان بعدها: فيها ذكر الآية التي في المخلوقات. الثانية: "تقرير عدم رؤيتهم"3 ذلك مع وضوحه. الثالثة: "تفيؤ"4 الظلال يمينا وشمالا5. الرابعة: سجودهم لله. الخامسة: حال الدخول6.   1 أي بعد ذكر النوع الرابع من أنواع العذاب وهو المذكور في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} . فقد ختم تعالى الآية الثالثة في هذا المقطع بما يدل على أن عدم معاجلتهم بالعقوبة مع تقبلهم في أسفارهم وتصرفاتهم ليس للعجز فما هم بمعجزين. وختم الآية الثالثة بما يدل على أن سبب عدم مباغتهم بالعقوبة رأفته بخلقه ورحمته بهم، فيخوفهم وينقصهم ليتذكروا فيتداركوا. انظر تفسير الطبري "14/ 114". وتفسير البغوي "3/70". 2 المراد قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . 3 في "ض": عدم تقرير رؤيتهم. والمراد بالرؤية هنا الرؤية النافعة المثمرة للاتعاظ. 4 في "ب" نفي. وهو خطأ. 5 أي ميلها ورجوعها من جانب إلى جانب. انظر تفسير الطبري "14/114- 116". وتفسير البغوي "3/ 71". 6 {وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي صاغرون. انظر تفسير الطبري "14/116". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 السادسة: ذكر جميع "دواب"1 السماء والأرض. السابعة: سجود جميع الملائكة. الثامنة: عدم استكبارهم مع شرفهم. التاسعة: مع ذلك خوفهم منه. العاشرة: ذكر الفوقيه. الحادية عشرة: ذكر كونهم مع ذلك الخوف كامل الانقياد فيما أمروا. الثانية والأربعون2: النهي عن اتخاذ إلهين. الثانية: بيان أن الإله واحد. الثالثة: "بيان"3 أن من لوازم ذلك إفراده "بالرهبة"4. الرابعة: الاستدلال على ذلك "بملك"5 السماوات والأرض. الخامسة: الاستدلال "بأن"6 دينه واصب7.   1 في "ب": "الدواب". 2 والمراد قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} . 3 ساقطة من "ب". 4 في "ب": بالألوهية. 5 في "ب" ملك. 6 في "ب": أن 7 في "س": واصباً. وهو خطأ ومعنى واصب ثابت دائم كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، واختاره الطبري والبغوي وقدمه ابن كثير. وقيل معناه: واجب وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. انظر تفسير الطبري "14/ 119، 120" وتفسير البغوي "3/ 73". وتفسير ابن كثير "4/495". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 السادسة: الإنكار عليهم في تقوى غيره مع هذه الأدلة. الثالثة والأربعون1: فيها التذكير بأن كل "ما بنا من نعمة"2 فهو "المتفرد بها"3. الثانية: اللجأ إليه وحده إذا نزل الضر "بالجؤور"4. الثالثة: فعلهم القبيح بعد كشفه وبعد الإخلاص. الرابعة: ذكر عاقبة فعلهم أنه الكفر بالنعم. الخامسة: ذكر العاقبة الثانية وهي التمتع. السادسة: الوعيد. السابعة "والأربعون"5: جعلهم حقا من الذي أعطاهم الله لغيره. الثانية: أنهم "لا يعلمونه"6. الرابعة: أنه بالقسم. الثامنة والأربعون7: جعلهم "لله"8 الأوكس9.   1 والمراد قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} . 2 في "ض": ما ينافى من نعمه. 3 في"ض" و"ب": المنفرد بها. 4 في "س" و "ب": بالجور. 5 في "س":والأربعه. والمراد بها قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} . 6 في "المطبوعة": لا يعلمون. 7 والمراد بها قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} . 8 في "ض" و "س" والمطبوعة: "الله". 9 أي الأنقص والأقل نصيباً. من "الوكس" انظر الصحاح "3/989" والمصباح المنير "2/670" مادة: وكس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 الثانية: جعلهم لأنفسهم الأعلى. الثالثة: إذا بشروا بما جعلوا لله جرى منهم ما ذكر. الرابعة: أنه لشدته يتوارى. الخامسة: أنه يتردد هل يمسكه على هون أم يدسه؟ السادسة: التسجيل على سوء هذا الحكم. الخمسون1: ذكر "أن"2 مثل السوء لمن لا يؤمن بالآخرة. الثانية: إثبات المثل الأعلى لله سبحانه. الثالثة: ذكر عزته. الرابعة: ذكر حكمته. الحادية والخمسون3: ذكر "حلمه"4. الثانية- ذكر استحقاقهم5. الثالثة: إهلاك من لا ذنب له بسبب كبر الجريمة6. الرابعة: ذكر أنه مع ذلك لا يهمل.   1 والمراد بها قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 2 ساقطة من المطبوعة. 3 والمراد بها قوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} . 4 في "ب": حكمه والصواب ما أثبته. 5 مستنبطه من قوله تعالى: {بِظُلْمِهِمْ} إذا الباء سببية. 6 ويشهد لهذا ما ورد من حديث عائشة رفي الله عنها وفيه: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث". رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/كتاب الفتن/ باب قول النبي "صلى الله عليه وسلم": "ويل للعرب من شر قد اقترب" انظر الفتح "13:13" ح "7059". ومسلم في صحيحه/ كتاب الفتن/ باب اقتراب الفتنة وفتح ردم يأجوج ومأجوج "4: 2207" ح "2880". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 "الخامسة: أن"1 التأخير إلى أجل مسمى. السادسة: أنه إذا جاء لا يستأخرون ساعة. السابعة: أنهم لا يستقدمون قبله. الثانية والخمسون2: ذكر فعلهم العجيب. الثانية: ذكر اغترارهم مع ذلك. الثالثة: ذكر الصواب فيما يستحقون. الرابعة: أنهم مفرطون3. الثالثة والخمسون4: القسم5. الثانية: ذكر أنه أرشدهم إلى ما ينفعهم. الثالثة: ذكر السبب الذي صدهم6. الرابعة: ذكر الثمرة اليوم7.   1 ساقطة من "ب". 2 المراد بها قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} . 3 أي متروكون منسيون كما قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم. وقال قتادة: معجلون إلى النار، من الفرط وهو السابق إلى الورد. قال ابن كثير: ولا منافاة لأنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار، وينسون فيها، أي يخلدون. انظر تفسير الطبري "14/127- 129". وتفسير البغوي "3: 74". وتفسير ابن كثير "4: 75". 4 المراد بها قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . 5 والقسم دليل على الاهتمام بالأمر. 6 وهو تزيين الشيطان لهم كما في قوله تعالى: {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} . 7 وهي ولاية الشيطان لهم كما في قوله تعالى: {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الخامسة: الوعيد بغيره1. الرابعة والخمسون2: ذكر "الحكم"3 في إنزال "الكتاب"4 عليه. الثانية: الحصر في ذلك. الثالثة: أنها ثلاثة أنواع: الأول عام، والثاني والثالث خاص5. الرابعة: ذكر سبب الخصوص6. الخامسة والخمسون7: ذكر الآية الشهيرة. الثانية: أن فيها آية. الثالثة: لقوم مخصوصين. الرابعة: أنهم أهل السمع. السادسة والخمسون8: ذكر الآية في الإنعام باللبن. الثانية: تفصيل الإنعام. السابعة والخمسون9: ذكر ثمرات النوعين. الثانية: اتخاذ النوعين منها. الثالثة: ذكر الآية التي في ذلك.   1 وهو أن لهم عذاب أليم كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . 2 المراد قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . 3 في "ض" و"ب": الحكمة. 4 في "ب": "الكتب". 5 فالبيان عام، وكونه هدى ورحمة خاص بالمؤمنين. 6 سببه: الإيمان. 7 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} . 8 المراد بها قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} . 9 المراد بها قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الرابعة: أنها لأهل العقل خاصة. الثامنة والخمسون1: ذكر أن الإلهام من أقسام الوحي. الثانية: إلهامها اتخاذ تلك البيوت "من تلك الأمكنة" 2. الثالثة: إلهامها مأكولها. الرابعة: سلوك "سبل"3 ربها. الخامسة: كونها ذللا4. السادسة: خروج "ذلك"5 الشراب من بطونها. السابعة: اختلاف ألوانه. الثامنة: ما فيه من الشفاء. التاسعة: الآية التي فيه. العاشرة: كونها للمتفكرين. التاسعة والخمسون6: الآية في خلقهم. الثانية: توفيهم. الثالثة: رد من شاء إلى أرذل العمر. الرابعة: لكيلا يعلم من بعد "علم"7 شيئاً.   1 المراد بها قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . 2 في "ب": "من تلك الأبيات والأمكنه". 3 في "ب": سبيل. 4 ذللا: جمع ذلول. وهي السهلة الميسرة. انظر تفسير الطبري "14: 137، 138". وتفسير البغوي "3: 76". 5 في "ض" و "س" والمطبوعة: تلك. 6 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} . 7 ساقطة من "س". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الخامسة1: علمه. السادسة2: قدرته. الستون3: تفضيلهم في الرزق. الثانية: أن المفضلين لا يرضون لأنفسهم بهذا خصوصا مع التساوي4. الثالثة: استفهام الإنكار5. الحادية والستون6: جعل الأزواج من الأنفس. الثانية: جعل منها بنين. الثالثة: حفدة. الرابعة: الرزق من الطيبات. الخامسة: استفهام الإنكار في هذا الأمر الباهر7. الثانية والستون8: عبادة من لا يملك نفعا.   1 في "ض": الرابعة. 2 في "ض": الخامسة. 3 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} . 4 أي أن المفضلين لا يرضون أن يشاركهم مواليهم فيما رزقهم الله حتى يكونوا متساوين، فكيف يجعلون بعض العباد شركاء لسيدهم تعالى في العبادة فيرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم. أنظر في تفسير هذه الآية: تفسير الطبري "14: 142، 143". 5 في قوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} . 6 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} . 7 في قوله تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} ؟ 8 المراد بها قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الثانية: أنهم لا يستطيعون. الثالثة: النهي عن ضرب المثل له. الرابعة: التنبيه على علمه وجهلهم. الثالثة والستون1 والتي بعدها: "فيهما"2 "المثلان العظيمان القاطعان"3. الخامسة والستون4: ذكر تفرده بعلم الغيب5. "الثانية"6: ذكر "أمر"7 الآخرة. الثالثة: ذكر قدرته على كل شيء فلا تستبعد شيئاً. السادسة والستون8: ذكر إخراجنا من البطون هكذا9. الثانية: وهب الآلات. الثالثة: ذكر مراده في ذلك.   1 المراد بها والتي بعدها قوله تعالى: {يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . 2 ساقطة من "ب" وفي "س": فيها. 3 في "ض" و "س" و"ب": المثلين العظيمين القاطعين. والمثبت من "ق" والمطبوعة. 4 المراد بها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . 5 التفرد بعلمه الغيب مستفاد من الحصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. 6 في "ب": "الثالثة". وهو خطأ. 7 في المطبوعة: أمره. 8 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . 9 أي لا نعلم شيئاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 السابعة والستون1: ذكر "آية"2 الطير. الثانية: كيف لم يفهموها؟ الثالثة: "أن فيها"3 آيات. الرابعة: لقوم مخصوصين. الثامنة والستون4: ذكر "السكن"5 من البيوت. الثانية: جعل البيوت من جلود الأنعام. الثالثة: استخفافها "ظعنا6" وإقامة. الرابعة: من الأصواف والأوبار والأشعار أثاثاً7. الخامسة: "المتاع"8 إلى حين. التاسعة والستون9: ذكر الظلال "مما خلق"10.   1 المراد بها قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . 2 في "المطبوعة": آيات. 3 ساقطة من "ب". 4 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} . 5 في "ض": السكر. 6 غير مقروءة في "ب". 7 أي من أصواف الضأن، وأوبار الإبل، وأشعار المعز. أنظر تفسير البغوي "3/79" وتفسير ابن كثير "4: 509". 8 في "ض": متاعا. 9 المراد بها قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} . 10 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 "الثانية"1: "الأكنان"2 من الجبال. الثالثة سرابيل3 الحر. الرابعة: سرابيل4 البأس. الخامسة: إتمام النعمة. السادسة: الحكمة في ذلك. السبعون والتي بعدها5: ذكر الوعيد. الثانية: التعزية. الثالثة: "التعليم"6 أن ذلك ليس عليه7. الرابعة: ذكر ما عليه. الخامسة: "نعته"8 بالبيان. السادسة: العجب العجاب وهو جمعهم بين الضدين9.   1 في "س": الثالثة. 2 في "ب": ذكر الأكنان. 3 السرابيل جمع سربال قال الراغب: وهو القميص من أي نوع كان. أ. هـ والمراد بها هنا الثياب. انظر تفسير الطبري "14/155، 156". وإصلاح الوجوه والنظائر "234" والمفردات "229". 4 المراد بها الدروع. انظر المراجع السابقة بصحائفها. 5 المراد قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} . 6 في "ب": تعليم. 7 أي أن الهدى ليس عليه على سبيل التوفيق إليه، وإنما على سبيل البيان والبلاغ. 8 في "س" والمطبوعة: نعمته. 9 الضدان هنا هما معرفة نعمه الله وإنكارها كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 السابعة: أن أكثرهم عدم القوة "العملية"1. الحادية والسبعون "والآيتان"2 بعدها3: ذكر "بعثه"4 الشهداء. الثانية: أنه "من"5 كل أمة "شهيد"6. الثالثة7: تخلف أسباب النجاة في "الآخرة8" "وهي"9 الإذن "والاستعتاب"10. الرابعة: تغلف التخفيف والأنظار. الرابعة والسبعون11: قول المشركين لشركائهم. الثانية: معرفة أنهم يدعون من دونه. الثالثة: تكذيب المعبودين لهم. الرابعة: إلقاء السلم إلى الله12 حينئذ.   1 في "س": العلمية. 2 في "ض" و"س" والمطبوعة: وآيتان. 3 المراد قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} . 4 في المطبوعة: بعثة. 5 في "ب": "فى". 6 في "ض" و "المطبوعة": شهيدا. 7 مكرره في "ض". 8 في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة "الدنيا" والذي يتمشى مع معنى الآية ما أثبته. والله اعلم. 9 في "ض" و "س" والمطبوعة: وهو. 10 في "ب" والاستيعاب. 11 المراد قوله تعالى: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} . 12 أي استسلموا. قاله قتادة. انظر تفسير الطبري "14/ 160". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الخامسة: زوال الافتراء. الخامسة والسبعون1: من جمع الكفر والصد جمع له ما ذكر. الثانية: "ذكر"2 الحكمة. السادسة والسبعون3: ذكر بعث الشهيد في كل أمة من أنفسهم. "الثانية"4: "بعثه"5 صلى الله عليه وسلم على أمته. الثالثة: تنزيل الكتاب عليه. الرابعة: بيانه لكل شيء. الخامسة: كونه هدى. السادسة: كونه رحمة. السابعة: كونه بشرى لقوم مخصوصين. الثامنة: الثناء على الإسلام. السابعة والسبعون6: الأمر بالعدل. الثانية: الأمر بالإحسان. الثالثة: الأمر بإيتاء ذي القربى. الرابعة: النهي عن الفحشاء. الخامسة: النهي عن المنكر.   1 المراد قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} . 2 ساقطة من "س". 3 المراد قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . 4 في "ض": الثالثة. 5 في "ض" والمطبوعة: بعثته. 6 المراد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 السادسة: النهي عن البغي. السابعة: ذكر أن الأمر والنهي موعظة. الثامنة: ذكر الحكمة في ذلك. التاسعة: أن التذكير مستلزم "للعمل"1. الثامنة والسبعون2: الأمر بالوفاء بالعهد. الثانية: نسبته إلى الله. الثالثة: النهي عن نقص الأيمان بعد توكيدها. الرابعة- التنبيه على قبح ذلك بجعلهم الله "عليهم كفيلا"3. الخامسة: الوعظ بعلمه بأعمالهم. التاسعة والسبعون4: "وأربع بعدها"5: نهيهم عن مشابهة الخرقاء. الثانية: تبيين ذلك "باتخاذ"6 الإيمان دخلا بينهم. الثالثة: أنه لأجل كون أمه أربى من أمة.   1 في المطبوعة "العمل". 2 المراد قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} . 3 في "ض" و"س" والمطبوعة: كفيلا عليهم. وما أثبته من "ب" وهو متمش مع سياق الآية ونسقها. 4 المراد قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . 5 ساقطة من "ب". 6 في "ب": "بالاتخاذ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الرابعة: ذكر أن ذلك "اختبار"1 منه سبحانه. الخامسة: وعظهم بالبيان "للاختلاف"2 ذلك اليوم. السادسة: أنه لو شاء "لجعلهم3 أمة واحدة. السابعة عيان المشيئة. الثامنة: الرد القدرية4. التاسعة: "الرد على"5 الجبرية6.   1 في "ض" و "س": اختيار. 2 في "ب": "لاختلاف". 3 في "ض"و "س": لجعلكم. 4 القدرية: هم الذين خاضوا في القدر قائلين بإنكاره، وأن الله لم يقدر أفعال العباد ولم يخلقها خيرها وشرها، وليس له قدرة ولا مشيئة في أفعالهم. وإنما هم يخلقون فعل أنفسهم بقدرتهم التامة التي خلقها الله فيفعلون من الكفر والمعاصي ما لم يشأ الله. وقد حدثت هذه الفرقة في أو آخر زمن الصحابة، فتبرأ منهم من بقي من الصحابة، كأبي هريرة وجابر وابن عمر وابن عباس وأنس وغيرهم من الصحابة والتابعين وسائر سلف الأمة. ووجه الرد عليهم هنا أن الله أسند الإضلال والهداية إليه في قوله: {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وهم ينسبونها إلى البشر استقلالاً. انظر في عقيدة القدرية:- مقالات الإسلاميين "ص 227" والفرق بين الفرق "18-20، 115" والملل والنحل "1: 45" وشرح أصول اعتقاد أهل السنة "ص752" وانظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني "1-297- 348". 5 ما بين القوسين مكرر في "س". 6 الجبرية:- "هم في مقابل القدرية" وهم القائلون بالجبر. والجبر: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى. والجبرية أصناف: - فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلا .......... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 "العاشرة"1: "توعده"2 بسؤالهم. الحادية عشرة: نهيه عن اتخاذها دخلا3. الثانية عشرة: ذكر العقوبة. الثالثة عشرة: أنها نوعان. الرابعة عشرة: أن ذلك بما صدوا عن سبيله. الخامسة عشرة: ذكر العذاب المهين. السادسة عشرة: نهيهم عن الاشتراء بالعهد ثمناً قليلاً. السابعة عشرة: "ذكر"4 "أن ما"5 عنده على الوفاء خير6.   = فتزعم أنه كالريشة في مهب الريح، وحركاته كحركات المرتعش، ومنهم الجهم بن صفوان. - والجبرية المتوسطة التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلا. ووجه الرد عليهم هنا: أن الله أثبت لهم عملاً هم عاملوه ومسؤولون عنه فقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . وهم لا يثبتون له عملاً على الحقيقة. انظر في عقيدة الجبرية: مقالات الإسلاميين ص "279". والفرق بين الفرق ص "211". والملل والنحل "1: 85". ولوامع الأنوار البهية للسفاريني "1: 306- 311". 1 في "س" مثبته في الهامش. 2 في "ض": توعدهم. 3 قوله "دخلاً": أي خديعة ومكراً. قال الزجاج: وكل ما دخله عيب قيل هو مدخول، وفيه دخل. وقال الراغب: الدخل كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة كالدغل ... انظر معاني القرآن للزجاج "3/ 217" والمفردات "166". 4 ساقطة من "ض". 5 في "س" و"ب": أنما. 6 أي: أن ما عند الله من الثواب على الوفاء بالعهد خير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الثامنة عشرة: ذكر أن من أثر هذا فلجهله1. التاسعة عشرة: ذكره بعض "الخيرية"2، وهو نفاذ هذا وبقاء هذا. العشرون: وعد الصابرين. الحادية والعشرون: أن ذلك بأحسن أعمالهم. الرابعة والثمانون3: إلزام العمل الإيمان وبالعكس. الثانية: ذكر الجزاء بالحياة الطيبة، وما بعدها أكبر، "وهو"4 "جزاؤهم"5 بأحسن أعمالهم. الثالثة: أنه عام لمن فعل ذكرا كان أو أنثى. الرابعة: التنبيه على طيب الحياة. الخامسة والثمانون والتي بعدها6: الأمر بالاستعاذة من الشيطان عند القراءة. الثانية: أن القراءة غير المقروء7. الثالثة: التنبيه على التوحيد.   1 مستنبطة من مفهوم قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . 2 في "ب": الخيره. 3 المراد قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . 4 في المطبوعة: هو. 5 في "ض" و "س". جزاهم. 6 المراد قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} . 7 يريد بالقراءة هنا فعل العبد، وبالمقروء: القرآن الكريم وانظر الكلام على هذه المسألة وما يتعلق بها في خلق أفعال العباد للبخاري ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام "12: 306، 307، 360، 361، 363، 372، 373، 560 إلى 563". ومختصر الصواعق المرسلة "2: 431، 436، 442". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الرابعة: الإخبار "بأنه"1 "لا"2 سلطان له على هؤلاء3. الخامسة: عطف التوكل على الإيمان مع أنه منه4. السادسة: "أن نفي سلطانه عنهم"5 لا ينافي فعلهم الأسباب مثل الاستعاذة. السابعة: إثبات سلطانه على هؤلاء6. الثامنة: عطف توليهم على شركهم. الثامنة والثمانون7: ذكر النسخ. الثانية: ذكر الفتنة به. الثالثة: جوابهم. "الرابعة"8: سببه عدم العلم. الخامسة: أن روح القدس جبريل9.   1 في المطبوعة: "أنه" أي الشيطان. 2 في "س" مثبتة في الهامش. 3 المراد بهؤلاء المذكورون في الآية وهم: {آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . 4 وفي هذا دلالة على عظيم شأن التوكل- ومثل هذا يستدل به على أن عطف الأعمال على الإيمان لا يدل على عدم دخولها في مسماه، إذ أن التوكل من أعمال القلوب ومع هذا عطف على الإيمان لأهميته فليس كل ما يعطف على الإيمان يكون خارجاً عنه. 5 في "ب": "أن في نفي سلطانه عنه" وهو تحريف من الناسخ. 6 المراد بهؤلاء المذكورون في الآية وهم: {الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} . 7 المراد قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . 8 ساقطة من "ب". 9 في "س" و "ب" والمطبوعة: جبرائيل. ووجه هذا الاستنباط أنه ذكر هنا أن الذي نزله روح القدس في قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ..} وفسر في آية أخرى فقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية "97" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 السادسة: أنه من ربك. السابعة: أنه لا ينافي كون الله أنزله. الثامنة: أنه "بالحق"1. التاسعة: ذكر الحكمة وهى تثبيت هؤلاء2. العاشرة: ذكر الحكمة الأخرى أنه هدى "لهؤلاء"3. الحادية عشرة: ذكر الحكمة الأخرى أنه بشرى لهم. الثانية عشرة: مدح الإسلام. التاسعة والثمانون4: ذكر إفكهم. الثانية: "ذكر"5 علمه به. الثالثة: بيان فساد إفكهم بأوضح حجة. الرابعة: الرد على الأشعرية6.   1 في "ض" و "س" والمطبوعة "الحق". 2 المراد بهؤلاء الذين آمنوا في قوله تعالى: {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} . 3 في "ض" هؤلاء. والمر اد بهم المسلمون لقوله: {وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . 4 المراد قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . 5 في "ض": ذكره. 6 الأشعريه: هم الذين ينتسبون في المعتقد إلى أبي الحسن الأشعري، وهم في الحقيقة على مذهبه إبان رجوعه عن مذهب المعتزلة، وقبل انتظامه على منهج السلف، وهم يخالفون أهل السنة والجماعة في كثير من أصول الاعتقاد، كما حقق ذلك الشيخ: سفر الحوالي في رسالته القيمة "منهج الأشاعرة في العقيدة".. إذ يقدمون العقل على النقل حتى في الإلهيات، ولذا لا يثبتون من الصفات في الجملة- على اختلاف بينهم فيما يثبتون- إلا سبعا يسمونها صفات السبع المعاني يزعمون أن العقل يقتضيها فحسب ولذا أثبتوها وأولوا ما عداها. وهي: "السمع والبصر والكلام والإرادة والعلم والقدرة والحياة". كما أنهم يزعمون أن الإيمان هو التصديق بالجنان فقط ...... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الخامسة: الرد على من زعم أنه لا يمكن معرفته1. التسعون2: ذكر عقوبة من لم يؤمن بآيات الله.   = ولهم معتقدات أخر ليس هذا موضع بسطهما فانظر: الملل والنحل "1: 94 وما بعدها" مجموع الفتاوى "36: 122". منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للشنقيطي ص"5" وما بعدها. والرد عليهم هنا في معتقدهم في القرآن حيث أنهم يقولون إن كلام الله نفسي قديم، ليس بحرف ولا صوت، فإن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن خبر عنه بالعبرانية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل. وفى الآية رد عليهم في معتقدهم هذا من وجوه منها: 1- أن الإشارة هنا للقرآن وهو هذا الكتاب العربي، المقروء بسوره وآياته وكلماته وحروفه، وليس هذا كلاماً نفسياً. 2- أن الله احتج على المشركين في هذه الآية بأن لسان الذي يزعمون أنه يعلم النبي "صلى الله عليه وسلم" لسان أعجمي، والقرآن لسان عربي مبين، فهو يختلف عن ذلك اللسان ويباينه، فلو كان كلام الله كلاماً نفسياً لكان الكلامان في الحقيقة كلاماً واحداً فلا يتوجه الرد على المشركين. كما أن في الآية ردا على من يقول- منهم ومن غيرهم من المتكلمين- إن القرآن فيض من العقل الفعال أو يقولون: إنه مخلوق في بعض مخلوقاته ووجه الرد عليهم: أن المعلَّم به في قوله: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} هو القرآن الذي نزله روح القدس من ربك. فهو أولاً: منزل، ثم الذي نزل به هو روح القدس، الموصوف بالأمانة في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} والأمين هو المؤتمن على ما يرسل به، ثم أنه من ربك. وانظر لمزيد الإيضاح التفسير الكبير لابن تيمية "5: 171- 175" وقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب كلام ابن تيميه ضمن المسائل التي لخصها من كلامه في ملحق المصنفات من مجموع مؤلفاته "72- 75" وانظر مجموع الفتاوى لابن تيميه "ج12" معظمه. ولوامع الأنوار البهية "161:1-170". 1 انظر ما سبق في قسم الدراسة ص "93- 95". 2 المراد قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الثانية: أن ذلك منعهم الخير الذي هو الهداية، وإيصال الشر وهو العذاب1. الثالثة: أن الهداية نعمة منه. الحادية والتسعون2: تعظيم أمر الكذب بكونه ينافى الإيمان. الثانية: "أن"3 الإيمان بآيات الله يستلزم العمل ومنه ترك الكذب. "الثالثة: حصر الكذب"4 فيمن لم يؤمن "بآياته"5 الثانية والتسعون وأربع بعدها6: ذكر تعظيم الكفر بعد الإيمان. الثانية: استثناء المكره المطمئن. الثالثة: أن الرخصة لمن جمع بينهما "بخلاف"7 المكره فقط. الرابعة: أن الردة المذكورة كلام أو فعل من غير اعتقاد. الخامسة: أنها تكون مع شدة المعرفة بالدين. السادسة: أنها تكون مع شدة المعرفة "بالباطل"8.   1 أي أن عقوبة من لم يؤمن بآيات الله أمران: منع الخير عنهم وإيصال الشر لهم. 2 المراد قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} . 3 ساقطة من "ب". 4 ما بين القوسين في "س" مثبت في الهامش. 5 في "المطبوعة": بآيات الله. 6 المراد قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} . 7 في المطبوعة: خلاف. 8 ساقطة من "ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 السابعة: أنها تكون مع محبة الدين. الثامنة: أنها تكون مع بغض الباطل. التاسعة: أنها تكون مع شدة الخوف. العاشرة: تكون أيضاً مع شدة حاجته لما بذل له "أو لما يرجوه"1. الحادية عشرة: كون من فعل ذلك كفر ولو هو أفضل الأولياء2. الثانية عشرة: "يكفر بذلك"3 ولو كان في بلد المشركين تحت أيديهم. الثالثة عشرة: من فعل ذلك فقد شرح بالكفر صدرا ولو كره ذلك، لأنه لم يستثن إلا من ذكر4. الرابعة عشرة: فيه "أنه"5 يتصور أنه مؤمن ولم يطمئن6. الخامسة عشرة: ذكر العقوبة وهي "نوعان"7. السادسة عشرة: ذكر سبب تلك العقوبة، وهى استحباب الدنيا على الآخرة لا مجرد الاعتقاد "أو الشك"8. السابعة عشرة: ذكر "السبب"9 الآخر، وهو من الصفات. الثامنة عشرة: ذكر أن سبب فعدهم "الطبع"10 المذكور. التاسعة عشرة: ذكر حصر الغفلة فيهم. العشرون: حصر الخسران في الآخرة فيهم.   1 في "ض" و "ب": أو لما يرجوا. 2 لعل هذا مستفاد من قوله "من كفر" لأن "من" من ألفاظ العموم. والله أعلم. 3 ساقطة من "ب". 4 المراد بقوله من ذكر: {مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} . 5 في النسخ المخطوطة "ض" و"س" و "ب": أن. والأليق ما أثبته كما هو في المطبوعة. والله أعلم. 6 هكذا في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة التي بين يدي ولعل الكلام على وجه النفي والإنكار لهذا المتصور والحقيقة، أنه لا يتصور أنه مؤمن ولم يطمئن. والله أعلم. 7 في "ض": النوعان. 8 في "ض": والشك. 9 في "ب": سبب. 10 في "ض": للطبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 الحادية والعشرون: ذكر قبول توبة هؤلاء. الثانية والعشرون: ذكر صفة توبتهم وهي "الهجرة"1 والجهاد والصبر. الثالثة والعشرون: ذكر أن المغفرة لما صدر منهم من الأعمال المذكورة. السابعة والتسعون2: تعظيم ذلك اليوم. الثانية: ذكر الأمر الهائل في كل نفس. الثالثة: كشف الشبهة بقوله: {عَنْ نَفْسِهَا} 3. الرابعة: توفية كل نفس عملها. الخامسة: نفي الظلم ولو عن الأشرار. الثامنة والتسعون "والتي بعدها"4: ذكر "ما أعطى"5 القرية. الثانية: الفرق بين الأمان والطمأنينة6. الثالثة: إتيان الرزق لها رغدا. الرابعة: من كل مكان. الخامسة: أن النعمة بما خرق العادة أظهر.   1 في "س" مثبتة في الهامش. 2 المراد قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} . 3 لعل المراد بالشبهة شبهة من يتخذون شفعاء من دون الله ليشفعوا لهم بزعمهم. فبين تعالى أن كل نفس تجادل عن نفسها، وكما قال في آية أخرى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} الانفطار. 4 في "ب": "وأربع بعدها". المراد قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} . 5 في "س" و "ب": ما أعطى. 6 قوله تعالى: {آمِنَةً} أي ذات أمن لا يهاج أهلها ولا يغار عليهم- وقوله "مطمئنة" أي ساكنه بأهلها، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق- انظر تفسير البغوي "3: 87" وزاد المسير "4: 500". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 السادسة: أن ترك الشكر له عقوبة عاجلة. السابعة: أن العقوبة تأتي من حيث لا يحتسب. الثامنة: ذكر الجمع بين "هاتين"1 العقوبتين. التاسعة: أن ذلك لباس2. العاشرة: كونه بصنيعهم. الحادية عشرة: كون النعمة أتتهم ولم يطلبوها. الثانية عشرة: كونه منهم. الثالثة عشرة: تكذيبه مع هذا. الرابعة عشرة: كون العذاب أخذهم بهذا السبب. الخامسة عشرة3: كونهم في تلك الحالة "ظالمين"4 المائة5: ذكر قاعدة الشريعة وهي أن الأصل الحل6. الثانية: أمره بالشكر. الثالثة: تنبيهه على ترك الغلو.   1 في "س" و "ب" "هؤلاء". 2 قال البغوي رحمه الله في تفسيره "3: 88" وذكر اللباس لأن ما أصابهم من الهزال والشحوب، وتغير ظاهرهم عما كانوا عليه من قبل كاللباس لهم". وانظر تفسير الطبري "14: 187" وأضواء البيان "378:3، 379". 3 في "ض" ألحقت هذه المسألة بالهامش. 4 في "ض" الظالمين. 5 المراد قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} . 6 انظر الكلام على هذه القاعدة في:- روضه الناظر لابن قدامة "1: 117- 120"، وأما المفسرون فيذكرونها في كتب أحكام القرآن غالباً عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً..} الآية "29" من سورة البقرة. فانظر مثلاً الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "1: 250- 252". وتفسير البغوي "3: 77" وتفسير ابن كثير "4: 504، 505". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الرابعة: أن كل حلال فهو طيب. الخامسة: "أن"1 الشكر للنعمة من الفرائض، لكونه من شروط العبادة "الخالصة"2. "الحادية بعد المائة"3: ذكر تحريم الأربع. الثانية: ذكر "إنما" التي تفيد الحصر4.   1 ساقطة من "س" والمطبوعة. 2 في "المطبوعة": الخاصة. 3 في "ض" و"ب" الحادية والمائة. والمراد بها قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . 4 قد اختلف العلماء في تخريج هذا الحصر في هذه الآية وما يشبهها كقوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ..} الآية "145". على أقوال: 1- فمنهم من أجرى هذا الحصر على ظاهره، وقال لا محرم من الحيوان يخرج عن هذه الآية وهو قول يروى عن ابن عباس، وابن عمر، وعائشة. قال القرطبي: ويروى عنهم خلافه. 2- ومنهم من قال بأن هذه الآية منسوخة. وذكروا من النواسخ لها نهي النبي "صلى الله عليه وسلم" عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير. 3- ومنهم من قال بتحريم ما ثبت تحريمه بعد في الكتاب أو السنة مضافاً إلى ما ذكر في هذه الآية. قال القرطبي: وعلى هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأشر. قلت: وهو رأي المصنف رحمه الله. وهو الأظهر لورود نصوص ثابتة بتحريم ما عدا المذكور في لآية، فتكون زيادة على النص لا تخالفه، ولا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع. وقد أمكن هنا ....... = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الثالثة: الرخصة للمضطر الرابعة: "شروط ذلك"1. الخامسة: [ختم الحكم بالصفتين. الثانية بعد المائة] 2,3: نهيه عن التعليل والتحريم بلا علم. الثانية: أن ذلك وصف "الألسنة"4 "الكذب"5.   = ثم لهؤلاء في توجيه هذا الحصر أقوال منها: أ- أن هذا الحصر باعتبار ذلك الوقت، أي: لا أجد فيما أوحي إلى في هذا الوقت. ثم لا يمتنع تحريم غير ما ذكر فيما بعد. ب- أن المعنى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تأكلون إلا أن يكون ميتة. واستظهره الشافعي. ج- أن الآية رد عليهم فيما زعموا حله على وجه المبالغة، فكان المعنى: لا حرام إلا ما حللتموه. والله أعلم. انظر هذه المسائل في: الأم للشافعي "2: 247" والرسالة له "ص 206، 207، 208، 231". وتفسير الطبري "8: 69، 70" والناسخ والمنسوخ للنحاس "174- 177" ونواسخ القرآن لابن الجوزي "335، 336". والجامع لأحكام القرآن "7: 115 وما بعدها" وفتح الباري "9: 570-574". ومؤلفات الشيخ/القسم الثاني/ الفقه "1: 726، 727" وأضواء البيان للشنقيطي "2: 246 وما بعدها". 1 في "ض" و "ب" شرط ذلك. والمراد بالشروط ما ذكر في قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} . 2 المراد قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . 3 ما بين المعقوفتين ساقط من "ب". 4 في "ب": السنة. 5 في المطبوعة: بالكذب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الثالثة: "لام كى"1 في قوله: {لِتَفْتَرُوا} 2. الرابعة: وعيد الفاعل3. الخامسة: إزالة الشبهة4 بقوله: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} . الثالثة بعد المائة5: ذكر تحريمه على اليهود ما ذكر. "الثانية"6: أنه "بسبب" ظلمهم. الثالثة: تسمية ما حرم عليهم طيبات. الرابعة: "تنزيهه"7 نفسه "عن الظلم"8. الخامسة: إثبات الظلم على من "ظلم"9.   1 في "ب": "اللام". 2 يعني أن اللام في قوله لتفتروا لام التعليل. وممن ذهب إلى ذلك: ابن جرير الطبري، والبغوي، والزمخشري وأبو حيان. انظر تفسير الطبري "14: 189". وتفسير البغوي "3: 88". والكشاف للزمخشري "2: 347". والبحر المحيط لأبي حيان "5: 545". 3 أي المفترى على الله الكذب. ووعيده هو ما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} . 4 شبهة الاغترار بالدنيا، وطول الأمل فيها. 5 المراد قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . 6 في "ب": الثالثة. 7 في "ب": تنزيه. 8 في"ض": "من الظلم". 9 ساقطة من "ض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 الرابعة بعد المائة1: ذكر توبته على العاصين. "الثانية"2: قوله بجهاله. الثالثة: ذكره الإصلاح مع التوبة. الرابعة: ذكر الربوبية في أول الكلمة "وآخرها"3. الخامسة: "ختم الحكم"4 بالصفتين. الخامسة بعد المائة5: ذكر تعظيمه إبراهيم بما لا يعلم له نظير. الثانية: كونه أمه6. الثالثة: قنوته لله7. الرابعة: كونه حنيفا8.   1 المراد قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} . 2 في "س" مثبتة في الهامش. 3 في المطبوعة: وآخره. 4 غير واضحة في "س". 5 المراد قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . 6 أي إما ما يقتدى به في الخير. لم نظر تفسير الطبري "14: 190- 192". وتفسير ابن كثير "4: 530". 7 قال ابن كثير في تفسيره "4: 530" القانت الخاشع المطيع. وانظر ما يأتي أيضاً من كلام الشيخ ص "471". 8 الحنيف: المائل عن الأديان الباطلة إلى التوحيد فلا يزول عنه أبداً. انظر معاني القرآن وإعرابه "3/ 322". وتفسير ابن كثير "4: 530". وانظر ما يأتي من كلام الشيخ ص "471". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الخامسة: تنزيهه عن هذه الطائفة1. السادسة: كونه "شاكرا"2 السابعة: كونه اجتباه. الثامنة: هداه إلى صراط مستقيم. التاسعة: أعطاه في الدنيا حسنه. العاشرة: كونه في الآخرة مع هذه الطائفة3. الحادية عشرة: "كون"4 سيد المرسلين "مأمورا"5 باتباع ملته. التاسعة بعد المائة6: ذكر فرض "السبت"7 عليهم. الثانية: ذكر الحصر بإنما. الثالثة: ذكر اختلاهم فيه. الرابعة: ذكر الوعيد. الخامسة: ذكر فصل جميع الاختلاف ذلك اليوم8. العاشرة بعد المائة9: "كونه"10: "مأموراً"11 بالدعوة إلى سبيل ربه "لا غير"12.   1 أي طائفة المشركين. 2 في "ب" "شاكر". 3 أي طائفة الصالحين. 4 في "ض": كونه. 5 في "ض" و"س" و"ب": مأمور. 6 المراد قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . 7 في "ب": "السبب" وهو تصحيف. 8 أي يوم القيامة. 9 المراد قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} . 10 من قوله "كونه مأمورا" إلى نهاية قوله "الحادية عشر بعد المائة" في "س" قد أثبت في الهامش. 11 في "س" و"ب": مأمور. 12 في "س": لا غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الثانية: كونه "بالحكمة"1. الثالثة: كونه بالموعظة الحسنة. الرابعة: المجادلة بالتي هي أحسن. الخامسة: تعزية المؤمن بعلمه سبحانه "بالمهتدى"2 والضال. الحادية عشرة بعد المائة"3 ذكر العدل حتى في حق الكفار. الثانية: ذكر أن الصبر أفضل ولو على الكفار. الثانية عشرة بعد المائة والتي بعدها4 "الأمر بالصبر"5. الثانية: "أنه"6 لا يكون إلا بالله. الثالثة: نهيه عن الحزن عليهم. الرابعة: نهيه عن الضيق من مكرهم. الخامسة: "تنبيهه"7 "على"8 أن الله مع الذين جمعوا بين الوصفين9. آخره والحمد لله رب العالمين "وصلى الله على سيدنا ونبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين10.   1 في "س": حكمه. 2 في "س": بالمهتد. 3 المراد قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} . 4 المراد قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} . 5 ساقطة من "ب". 6 ساقطة من "س" والمطبوعة. 7 في "ب": التنبيه. 8 ساقطة من "س" و "ب". 9 وهما التقوى والإحسان. 10 ما بين القوسين زيادة من "ض". وفي المطبوعة: وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 "وتكلم رحمه الله على آخر هذه السورة "أيضاً"1 فقال"2: "قوله تعالى"3: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين: {قَانِتاً لِلَّهِ} لا للملوك ولا للتجار المترفين،: {حَنِيفاً} لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل "العلماء4" المفتونين: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، خلافاً لمن كثير سوادهم وزعم أنه من المسلمين: {شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ} ليس كمن نسي "النعم"5 ونسبها إلى نفسه فصار من المتكبرين: {اجْتَبَاهُ} ليعلم أنه المتفرد بالفضل والتمكين: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} لتعرف الاستقامة من الاعوجاج عن الحق كمبين: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} "ليعلم"6 أن الدنيا مع الآخرة في اتباع الدين: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ترغيبا في زمرة الصالحين. ثم ختم هذا الثناء العظيم بالأمر الكبير والعصمة، والقاعدة الكلية فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} "تبيينا"7 للناجين من الهالكين، "وفرقانا"8 بين المحقين والمبطلين، وبياناً للموحدين من المشركين. "أخر كلامه على هذه السورة، رحمه الله ورضي عنه، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين"9.   1 كلمة "أيضا-" ساقطة من "ض" و"س" والمطبوعة. 2 في "س":- وقال رحمه الله في كلامه على آخر هذه السورة. 3 مثبتة في "ض" و"ب". 4 في "ب": علماء. 5 في المطبوعة: النعم. 6 في "س": "لتعلم". وفي المطبوعة "لنعلم". 7 في "ب": "تبيانا". 8 في "ض" و "ب": "وفرقا". 9 ما بين القوسين من "ق" فقط. وفي "ب": آخر كلامه والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الخاتمة الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات وبعد: فقد يسر الله بمنه وإحسانه إتمام هذا البحث الذي بينت فيه من منهجا من مناهج السلف في التفسير ببيان منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التفسير وجليت جوانب مهمة منه كانت مجهولة لدي ولدى كثيرين. وتوصلت منه إلى عدة نتائج كما أوصي بتوصيات أجملها فيما يلي: أما النتائج فكما يلي: 1- أن الشيخ رحمه الله قد بلغ من العلم شأواً عظيماً في فنون شتى، ورحل في طلبه، وأخذ عن جلة من العلماء، مما أهله بفضل الله وتوفيقه للقيام بدعوته الإصلاحية والعودة بالناس إلى كتاب الله عز وجل. 2- بينت أن الشيخ قد سار في منهجه في التفسير على المنهج السلفي، مولياً التفسير بالمأثور عناية كبيرة ومهتدياً به في فهم القرآن وتفسيره، ومورداً كثيراً منه في تفسيره. وعلى ضوء ذلك بينت تنبيه الشيخ إلى مسأله نفيسة وهي ضرورة الاهتمام بتفسيرات السلف وأقوالهم مهما اختلفت طالما أن لها وجهاً إذ أن كثيراً من اختلافاتهم من قبيل اختلاف التنوع والعبارة. كما بينت نماذج من تعامله مع اختلافهم في التفسير وتطبيقه لما أشار إليه من منهج ينبغي سلوكه. 3- بينت أن الشيخ يرى تحريم التفسير بالرأي. كما يرى ضرورة التدبر والتفكر في كتاب الله، الذي تعبد الله عباده به وأمرهم بتدبره والعمل به. كما بينت أهلية الشيخ للتفسير بالرأي المحمود- لما توفر له من معرفة بعلوم الشريعة والعربية ووسائلها مما يحتاجه المفسر. وأشرت إلى حقيقة مهمة نبه الشيخ إليها وهي أن القرآن ليس وقفاً على طائفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 معينة من الناس لا يفهمه غيرهم، بل كل من كان عنده أهلية فله أن يستنبط وإن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد كما زعم البعض. كما بينت أن الشيخ قد سار في تفسيره بالرأي المحمود على مناهج السلف، وطبقها من تفسير إجمالي وإفرادي واستنباط مباشر مع التمشي مع روح الشريعة وتفسيرات السلف. 4- بينت أن أهم أغراض التفسير عند الشيخ التركيز على العقيدة والاهتمام بها وتقريرها بالقرآن واستنباط مبادئها ومقرراتها منه. 5- كما بينت تنبيه الشيخ في تفسيراته واستنباطاته إلى ضرورة الاستغناء بالقرآن، والاعتصام به، والتحصن من قوى الشر والطغيان- وأن فيه الجواب على كلى الشبه والرد على كل البدع. 6- كما بينت اهتمام الشيخ البالغ بالربط بين المجتمع والقرآن وتفسيره بربطه به وتلمس علاج أدوائه منه ولفت أنظار الناس إلى ذلك. وذكرت في هذا المجال نماذج طبقها الشيخ في هذا المجال فيما يتعلق باستنباط ما يتعلق بحماية الجانب العلمي والعملي وإصلاحهما.. 7- كما بينت أنه قد أولى الفقه والتأصيل بنوعيه العام والخاص نظراً في تفسيره مستنبطاً كثيراً مما يتعلق بذلك من القرآن ومهتدياً به في بيان الأحكام والاستدلال لها والاهتمام بالقواعد الكلية المفيدة جداً. 8- بينت أن الشيخ قد أولى القصص القرآني عناية كبيرة تصريحاً واستقراء ونهج فيه منهجاً قويماً دراسة واستنباطا واعتباراً. مع موقف حذر ومحذر من القصص الإسرائيلي، وعدم استرسال في الأخذ منه، مع الاحتياط في ذكر شيء منه لئلا يقع في الممنوع. 9- لبيان شمولية تفسير الشيخ أشرت إلى تعرف لبعض علوم القرآن وذكرها في تفسيره كالقراءات وفضائل القرآن وأسباب النزول ونحو ذلك. 10- وأخيراً قمت بتحقيق جزء من تفسير الشيخ ليتبين به منهج الشيخ المتكامل وكثير مما تعرضت له في الدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 هذا وقد حرصت في كل ما أذكر أن أستدل له من واقع تفسير الشيخ واستنباطاته دفعاً للاستغراب أو توهم المبالغة. وخلصت إلى نتيجة عامة وهي أن الشيخ ممن أوتي فهماً وتمكناً في تفسيره مع توفيق للعمل والاهتداء به والدعوة إليه. وأما التوصيات والمقترحات فتتمثل فيما يلي: 1- ضرورة الاهتمام بتفاسير السلف، وخدمتها بتنقيتها وتقريبها للناس، وإظهار ميزتها، وترغيبهم فيها. 2- حبذا لو تولى بعض العلماء الأكفاء المتمرسين في العقيدة شرح تفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب واستنباطاته أو أجزاء منه لتقريبه للناس كما قرِّب لهم كتاب التوحيد بشروحه. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475