الكتاب: سر صناعة الإعراب المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان الطبعة: الأولي 1421هـ- 2000م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- سر صناعة الإعراب ابن جني الكتاب: سر صناعة الإعراب المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان الطبعة: الأولي 1421هـ- 2000م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المجلد الأول المقدمات المقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} . الحمد لله الذي علم بالقلم، وهدى العمم، ورفع أمة الإسلام فوق باقي الأمم، نحمدك الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ونصلي ونسلم ونبارك على من اخترته واصطفيته بعظيم محبتك وحنانك محمداً -صلى الله عليه وسلم-. أيها القارئ العزيز الكريم: تحية طيبة من الله مباركة وبعد: فبين يديك الكريمة كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح عثمان بن جني النحوي، والذي اشتهر بين العلماء باسم "سر الصناعة" ذلك أن الكتاب يميل إلى اللغة وعلومها أكثر من النحو، وعندما نتحدث عن اللغة والنحو فإن الحديث يطول ولذا فإننا لا ننكر فضل النحو على اللغة، ولا اللغة على النحو فكلاهما علم متمم للآخر، وهذا ما أراد ابن جني التركيز عليه في كتابه هذا. وهذا على قدر فهمنا وتحليلنا لكتابه القيم، ونرجو ان نكون قد وفقنا في حكمنا هذا من خلال تحقيقنا لكتاب ابن جني. أما منهج ابن جني في كتابه فنرى أنه قد اعتمد على حروف المعجم التي تتكون منها بنية الكلمة، فقام بتحليلها من عدة جوانب. 1- ترتيبها: فقد رتبها ترتيبًا هجائيًّا "الهمزة، الباء، التاء، الثاء. إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 2- من حيث جهرها وهمسها: وذلك عند تناوله لكل حرف فقد حدد نوعه من حيث كونه مجهورًا أو مهموسًا. 3- الإطباق والانفتاح: فقام بتحديد حروف الإطباق وأهميتها والغرض من كونها مطبقة أو منفتحة. 4- الإشمام: فحد حروف الإشمام وكيفيته وأهيمته. 5- الاستعلاء والاستيفال: فنراه أيضا قد قسم الحروف بحسب نوعها من جهة الاستعلاء والاستيفال والمقصود منه. 6- الشدة والرخاوة: فقام بتحديد الحروف الرخوة معللاً لرخاوتها، وحروف الشدة والسر في شدتها. 7- قام بتحديد حروف العلة، وكذا الحروف الصحيحة. فنراه عند ذكر كل حرف يحدد نوعه من جهة الصحة والاعتلال، وأهمية ذلك وتأثيره في بنية الكلمة، وهو جزء خاص بالنحو لا باللغة. 8- قام بدراسة صوتية للحروف وما يعتريها من حذف أو إبدال أو زيادة، فشرح الأمثلة ووضح متى يأتي كل حرف أصليًا أو زائداً أو مبدلاً، وأهمية ذلك عند دراستنا للهجات القبائل المختلفة مثل البأبأة، والكشكشة، والعنعنة، وغيرها. 9- الإدغام: فقام بشرح أهميته، وما يحدث لكل حرف إذا تم إدغامه أو تسهيله. 10- الإمالة: حيث حدد مفهومها وحروفها وأهميتها لغة ونحواً. 11- النقل والحذف: وأهميتها بالنسبة لكل حرف موضحًا متى يجوز النقل أو الحذف. 12- حدد بعض الحروف وتأثيرها في إعراب الكلمة: فمثلا حرف الكاف بعد أن يحدد وصفة يحدد أهميته الإعرابية من حيث كونه حرف جر يؤثر في الاسم ويعمل فيه الجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وحرفًا مثل حرف الواو فهو يأتي عاطفًا ما بعده على ما قبله، ويأتي جارًّا لما بعده مثل واو رب، ويأتي واو القسم في أسلوب القسم وهكذا حيث كان يحدد كنه كل حرف ووظيفته اللغوية والإعرابية مما يضفي على دراسته وتناوله للحروف الهجائية شيئًا من التكامل بين اللغة والنحو. وهو في كل ما سبق يضرب الأمثلة ويشرح الأمثلة ويشرح السبب ويقنع بالحجة على وجاهة منطقة وحسن تعليله لما توصل إليه من أحكام لا تحتمل اللبس أو التأويل متخذًا من كتاب الله، وسنة رسوله، وشعر العرب الذي ساقوه في دواوينهم الدليل على ما يسوقه ويقدمه، وهذا ما جعل الكتاب يزخر بالأمثلة المتنوعة. بل وأحيانًا يفند آراء غيره ويرد عليهم من كلامهم الذي يقدمونه دليلاً عليهم لا لهم، وهو في ذلك كله يعتمد على رجاحة عقله وسديد رأيه. ونجده أحيانًا يسوق آراء اللغويين والنحويين ثم يجتهد فيفندها ويسوق رأيه الخاص المستقل غير مكتف بالرد عليهم أو تفنيد آرائهم فقط. وبعد، عزيزي القارئ فهذا ما عنَّ لنا من خلال دراستنا وتحقيقنا لكتاب ابن جني. أما منهجنا الذي اتبعناه في التحقيق فقد قمنا بشرح الغريب والشاذ مع تفسير وشرح بسيط للشاهد الذي ساقه ابن جني أو غيره ممن يرد عليهم مع إعراب هذا الشاهد لنترك للقارئ العزيز في النهاية الحكم له أو عليه، أي أننا سرنا في محاور عدة أهمها: 1- تحقيق الكتاب من خلال المخطوط. 2- شرح الغريب في الشاهد. 3- شرح الشاهد ككل إن كان آية قرآنية أو حديث شريف أو بيت من الشعر. 4- إعراب ذلك الشاهد على وجوهه المختلفة إن كان له أكثر من وجهة إعرابية، وذلك حتى يتسنى للقارئ أن يقدم على قراءة الكتاب بشيء من السهولة واليسر. ولم نتعمد أن نثقل عليك أيه القارئ العزيز بمقدمة طويلة نضرب فيها الأمثلة على ما سقناه من تحليلنا لكتاب ابن جني، ذلك أن ما قدمناه سنتناوله بالشرح والتعليق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 كل رأي وكل حكم في موقعه، وذلك حتى لا تفقد المقدمة بطولها حلاوة الكتاب وطلاوته. فإذا أصبنا فهو ما نصبو إليه ونتمناه، وإن لم نحقق الهدف المرجو فالعزاء الوحيد أن الكمال لله وحده رب العالمين. وأخيراً آملين داعين الله عز وجل أن يكون قد جنبنا مواطن الزلل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته المحققان أحمد رشدي شحاته عامر محمد فارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ترجمة المؤلف : هو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي الأزدي بالولاء، كان أبوه روميًّا مملوكًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي من أعيان الموصل. ولد أبو الفتح سنة 334هـ. وقد لازم أبو الفتح أبا علي الفارسي أربعين عامًا حتى صار كأنه كاتب له، ويظهر هذا في سر الصناعة حيث يذكره كثيرًا، وكانا في النحو على المذهب البصري. وأخذ أيضا عن: أحمد بن محمد الموصلي، وأبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم، وروى عن أبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني، وعن أبي حاتم السجستاني، وعن أبي عباس المبرد. له من كتب: 1- اسم المفعول. 2- التبصرة في العروض. 3- تذكرة الأصبهانية. 4- التصريف الملوكي. 5- تفسير المرائي الثقة. 6- القصيدة الرائية للرضي. 7- التمام في شرح شعر الهذليين. 8- التلقين في النحو. 9- التنبيه في الفروع. 10- الخصائص في النحو. 11- سر الصناعة وشرحه "وهو كتابنا هذا" 12- شرح مستغلق أبيات الحماسة. 13- شرح الفصيح لثعلب في اللغة. 14- شرح كتاب المقصور والممدود لأبي علي الفارسي. 15- كتاب الصبر في شرح كتاب المتنبي. 16- الكافي في شرح القوافي للأخفش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 17- كتاب الألفاظ من المهموز. 18- كتاب التعاقب. 19- كتاب العروض. 20- كتاب الفرق بين كلام الخاص والعام 21- كتاب المذكر والمؤنث. 22- كتاب المقصور والممدود. 23- كتاب الوقف والابتداء. 24- اللمع في النحو. 25- محاسن العربية. 26- المحتسب في شرح الشواذ لابن مجاهد في القراءات. 27- مختار تذكرة أبي علي الفارسي. 28- المسائل الخاطريات. 29- المنصف في شرح التصريف للمازني. 30- معاني أبيات المتنبي. 31- المفيدة في النحو. 32- المقتضب من كلام العرب. 33- المقتطف في معتل العين. 34- المنتصف في النحو. 35- المنهج في اشتقاق أسماء شعراء الحماسة. 36- معاني المحررة. 37- مقدمات أبواب التصريف. 38- تفسير علويات الرضا. 39- تفسير ديوان المتنبي. 40- تفسير أرجوزة أبي النواس. 41- رسالة في مدد الأصوات. 42- كتاب البشرى والظفر 43- كتاب الخطيب. 44- كتاب الفائق. 45- كتاب الفصل بين كلام الخاص والعام. 46- كتاب المغرب في شرح القوافي. 47- كتاب المنتصف. 48- كتاب النقض على ابن وكيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 49- ما أحضرنيه الخَطْر من المسائل المنثورة. 50- ما خرج مني من تأييد التذكرة. 51- مختصر التصريف على إجماعه. 52- مختصر العروض والقوافي. 53- المهذب في النحو. 54- النوادر الممتعة في العربية. وغير ذلك. وتوفي -رحمه الله- ببغداد سنة "792هـ" اثنتين وتسعين وسبعمائة1. كتبه طالب العلم/ محمد فارس 2/ ربيع الثاني/ 1418هـ 2/ 9/ 1997م   1 انظر/ كشف الظنون "2/ 988"، "5/ 652". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 النسخ الخطية : لقد اعتمدنا بفضل الله الواحد الأحد الفرد الصمد في تحقيق هذا الكتاب على نسختين خطيتين: إحداهما: نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم 120/ لغة. والثانية: نسخة دار الكتب المصرية أيضا. تحت رقم 42846/ عمومي، 16 لغة ش/ خصوصي. ولا يسعني في النهاية إلا أن أقدم الشكر لمشايخي ووالدي ووالدتي. والأستاذ/ فتحي صالح توفيق "جمع تصويري/ كمبيوتر" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف : رسمت، أطال الله بقاءك، وأحسن إمتاع العلم وأهله بك؛ فإنك بحمد الله ما زلت جمالا له ولهم، وقفا عليه وعليهم، إن أظلم شق منه، كنت لهم فيه سراجا1، أو طمس2، منار له، وجدت إليه منهاجًا، أو قعد غيرك عنه، قمت بأعبائه3، مراميا4 عن حوزته5 من أمامه وورائه، متقيلا6، آثار أسلافك7 الغر8 الأطايب9، الذين خصهم الله وإياك بأرفع المراتب، وانتضاهم10 من سلالة النجباء والنجائب11 أن أضع كتابًا يشتمل على جميع أحكام حروف المعجم،   1 سراجا: المصباح الزاهر"ج" سرج. لسان العرب "3/ 1183"مادة "س. ر. ج". 2 طمس: القلب ونحوه طموسا: فسد فلا يعي شيئا، وطمس الشيء طمسا شوهه أو محاه وأزاله. لسان العرب "3/ 2703" مادة "ط. م. س". 3 أعبائه: الحمل والثقل من أي شيء "ج" أعباء. لسان العرب "4/ 2774" مادة" ع. ب. ء". 4 مراميا: ما تهدف إليه "م" مرمى. يقال: هذا كلام بعيد المرامي. لسان العرب "3/ 1739". 5 حوزته: أي ما في ملكه، وحوزة الإسلام حدوده. لسان "2/ 1045" مادة "ح. و. ز". 6 متقيلا: يقال: تقيل فلان أباه وتقيضه تقيلا وتقيضًا إذا نزع إليه في الشبه. لسان "5/ 3798". 7 أسلافك: "م" السلف وهو كل ماتقدم من الآباء والأجداد. لسان العرب" 3/ 2068". 8 الغر: كريم الفعال وأوضحها. لسان العرب"5/ 3232" مادة "غ. ر. ر". 9 الأطايب: جمع أطيب، والمراد هنا أخيار الناس. لسان العرب "4/ 2731" مادة "ط. ي. ب". 10 انتضاهم: اختارهم. لسان العرب"6/ 4457". مادة "ن. ض. ا". يقال: انتضى الأسهم إذا استخرجها من كنانته، وانتضى السيف إذا أخرجه من غمده. وتؤول إلى اختارهم بنوع من المجاز. 11 النجائب: جمع نجيبه، والنجيب: الفاضل السخي الحسيب الكريم. والمراد هنا: الكرام ذوو الحسب. لسان العرب" 6/ 4342" مادة "ن. ج. ب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وأحوال كل حرف منها، وكيف مواقعه في كلام العرب. وأن اتقصى1 القول في ذلك، وأشبعه وأوكده2، فاتبعت ما رسمته، ونتهيت إلى ما مثلته، ولم أجد مع ما أنا بسبيله، وأنت أدام الله عزك، أعدل شاهد لي بما لي من الغرض والمدل بهذه الصناعة، الكثير منتحلها3 والقانع بالتمويه فيها، القليل محصلها والمطالب نفسه بأداء فروضها، لا مقيما عذرا لي في الوقوف دون أمرك، ولا مسهلا على الإخلال4 بموجب حقك، لما يصلني بك من مرعي الذمم، ويضمني إليك من وكيد العصم. وأنا بإذن الله ومعونته، وطوله ومشيئته، أبلغ من ذلك فوق قدر5 الكفاية، وأحرز فيه بتوفيق الله قصب الغاية، وأجتنب 6 مع ذلك الإسهاب 7 والإطالة، إلا فيما تضمن نكتا8، أو آثار دفينا، وأتبع كل حرف منها مما رويته عن حذاق9 أصحابنا وجلتهم10، وحذوته11 على مقاييسهم وأمثلتهم، ما أقدر أن فيه بلوغا لأمدك، وإصابة لغرضك. وأذكر أحوال هذه الحروف في مخارجها ومدارجها12.   1 اتقصى: أي أبلغ الغاية في القول. لسان العرب "5/ 3657" مادة" ق. ص. ي". 2 وأوكده: ووكد الشيء أي أكده. لسان العرب "6/ 905" مادة "و. ك. د". 3 منتحلها: نسبها لنفسه. لسان العرب "6/ 4368" مادة "ن. ح. ل". 4 الإخلال: ترك الحق. لسان العرب" 2/ 1248" مادة "خ. ل. ل". 5 قدر: المقدار. لسان العرب" 5/ 3545 "مادة "ق. د. ر". 6 واجتنب: اجتنب الشيء: جانبه، لسان العرب "1/ 691" مادة "ج. ن. ب". 7 الإسهاب: كثرة الكلام، وأسهب: أي أكثر الكلام. لسان العرب "3/ 2131". 8 نكتا: جمع نكته على القياس، كغرفة وغرف، والنكتة: الأثر الحاصل من نكت الأرض، والفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس، والمسألة العلمية الدقيقة يوصل إليها بدقة، وإمعان فكر، لسان العرب" 6/ 4536". مادة "ن. ك. ت". ولعل المراد هنا: التعليل لمسألة عويصة تعليلا تنبسيط له النفس. 9 حذاق: مهرة في الصنعة. لسان العرب "2/ 814". مادة "ح. ذ. ق". 10 جلتهم: المراد من أصحابه الذين ذكرهم من يذهبون مذهب نحاة البصرة. وجل الشيء معظمه. لسان العرب"1/ 622". مادة "ج. ل. ل". 11 حذوته: أي سار على مثاله. لسان العرب "2/ 814" مادة "ح. ذ. و". 12" مدارجها: أي ما انطوت عليه. لسان العرب "2/ 1351". مادة "د. ر. ج". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وانقسام أصنافها، وأحكام مجهورها1، ومهموسها2، وشديدها ورخوها3، وصحيحها ومعتلها4، ومطبقها ومنفتحها5، وساكنها ومتحركها، ومضغوطها ومهتوتها6، ومنحرفها ومشربها، ومستويها7 ومكررها، ومستعليها ومنخفضها8، إلى غير ذلك من أجناسها وأذكر فرق ما بين الحرف والحركة، وأين محل9 الحركة من الحرف: هل هي9 قبله، أو معه، أو بعده؟ وأذكر أيضا الحروف التي هي   1 مجهورها: المجهور في الأصوات: صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة كالذال والدال مثلا. لسان العرب "1/ 710". مادة "ج. هـ. ر". 2 مهموسها: بخلاف مجهورها، والمهموس من الأصوات صوت لا يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات قوية أو منتظمة وعلامة الحرف المهموس أن يبقى النفس جاريا عند النطق به، والحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك "حثه شخص فسكت" لسان العرب "6/ 4699". 3 رخوها: الرخو: الذي يجري فيه الصوت، والحروف الرخوة ثلاثة عشر حرفا هي: الثاء والحاء، والخاء، والذال، والزاي، والظاء، والصاد، والضاد، والغين، والفاء، والسين، والشين، والهاء. لسان العرب "3/ 1618". مادة "ر. خ. ا". 4 صحيحها ومعتلها: بينهما تضاد يبرز المعني ويزيده وضوحا ويقصد به الصحة والاعتلال من حيث تصنيف الحرف إلى الصحيح والمعتل. 5 مطبقها ومنفتحها: بينهما تضاد يبرز المعنى ويقويه ويقصد بها ما تنطبق به الشفتان عند النطق وما تنفتح عنده. والحروف المطبقة أربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء والحروف فيما سواها منفتحة، والإطباق رفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً، والصاد سينا، والظاء ذالاً، ولزالت الضاد لعدم الإطباق حيث تختفي البتة. لسان العرب "4/ 2673". 6 مضغوطها ومهتوتها: قال الخليل: "الهمزة صوت مهتوت في أقصى الحلق، يصير همزة، فإذا رفه عن الهمزة كان نفسا يحول إلى مخرج الهاء". وقال سيبويه: "من الحروف المهتوت، وهو الهاء وذلك لما فيها من الضعف والخفاء". ويبدو في قولهما اختلافها في اصطلاحهما في معني المهتوت. ومن كلام ابن الجني: نرى أن المهتوت ما ليس بمضغوط، لما فيه من الضعف والخفاء كالهاء، ونستدل على ذلك من جعله المهتوت في مقابلة المضغوط في عبارته. 7 ومستويها: استوى الشيء اعتدل ومستويها أي: ما اعتدل نطقه، لسان العرب "3/ 2164". 8 ومنخفضها: سيأتي في كلام المؤلف عند ذكر كل حرف ما يتعلق به، مع التوضيح لهذه الصفات المذكورة. 9 أين محل ... هل هي ... إلخ: استفهام يقصد به جذب الانتباه والإثارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فروع مستحسنة، والحروف التي هي فروع مسقبحة، والحركات التي هي فروع متولدة عن الحركات، كتفرع الحروف عن الحروف. وأذكر أيضا ما كان من الحروف في حال سكونه له مخرج ما، فإذا حرك أقلقته الحركة، وأزالته عن محله في حال سكونه. وأذكر أيضا أحوال هذه الحروف في أشكالها، والغرض في وضع واضعها، وكيف ألفاظها ما دامت أصواتا مقطعة، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معربة، وما الذي يتوالى فيه إعلالان بعد نقله، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله، وما يمكن تركبه ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه، وما يحسن وما يقبح فيه ما ذكرنا، ثم أفرد فيما بعد، لكل حرف منها بابا أغترق فيه ذكر أحواله وتصرفه في الكلام، من أصليته وزيادته، وصحته وعلته، وقلبه إلى غيره، وقلب غيره إليه. وليس غرضنا في هذا الكتاب ذكر هذه الحروف مؤلفة، لأن ذلك كان يقود إلى استيعاب جميع اللغة، وهذا ما يطول جدا، وليس عليه عقدنا هذ الكتاب، وإنما الغرض فيه ذكر أحوال الحروف منفردة، أو منتزعة من أبنية الكلم التي هي مصوغة فيها لما يخصها من القول في أنفسها، وأقروا ذلك شيئا فشيئا على تأليف حروف المعجم، دون مدارج الحروف، كما آثرت، وبه أمرت، وسأتجشم لطاعتك المضض، بانكشاف أسرار هذا العلم، وبدوها لمن يتدرعه وهو عار منه، ويقرب إليه وهو ناء عنه ويظهر اللطف له والحفاوة، وهو الغاية في الجهل به والغباوة، ومن إذا قامت سوقه بين الرعاع والهمج، فقد علا عند نفسه أرفع الدرج، وأنسي ما عليه في عقوقه العلم ومروقه من جملة حملته، وأشياعه وحفدته، فلولا مكانك لما مكنته من اكتلاء غرره وعيونه، واجتلاء أبكاره وعونه. على أن ما أخذ من هذا الوجه خداعا وحيلة، ومواربة وغيلة، فأحر به ألا يكون عبد الله زاكيا، ولا من داء الجهل شافيا. جعلنا الله ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا وعظ اعتبر، وجعل ما علمناه خالصا لوجهه، مدنيا من رضاه، مبعدا عن غضبه، فإنما نحن له وبه، والحمد لله، وصلواته التامة الزاكية، الطيبة المباركة، على محمد المرتضى وآله، وهو حسبنا وكفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 التمهيد 1: اعلم2 أن الصوت عرض 3 يخرج من النفس مستطيلا متصلا، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له4 حرفا، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها، وإذا تفطنت5 لذلك وجدته على ما ذكرته لك؛ ألا تري أنك تبتدئ الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرسا ما، فإن انتقلت عنه راجعا منه، أو متجاوزا له، ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى6 غير الصدى الأول وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت7 إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين. وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف، أن تأتي به ساكنا لا متحركا، لأن الحركة تقلق8 الحرف عن موضعه، ومستقره، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي   1 زيادة ليست في الأصل. 2 اعلم: أسلوب أمر الغرض منه النصح والإرشاد. 3 عرض: يظهر ويبرز لسان العرب "4/ 2886". مادة "ع. ر. ض". 4 له: الضمير في "له" راجع الي الصوت، وفي عرض: راجع الي المقطع. وعلى هذا يكون المؤلف قد سمى المقطع هنا حرفا، والمعروف أن المقطع هو مخرج الحرف، لا الحرف، وبالتالي فكلامه لا يستقيم إلا على ضرب من المجاز من باب تسمية المحل باسم الحال، كقولك: انصرف الديوان، والمراد هنا من فيه، مع ملاحظة أن التجوز غير مستساغ في التعريف لأنه ينافي شروطه. 5 تفطنت: أي صرت ذا فطنة، وفطن للأمر أي تنبه إليه فهو فاطن، وفطن، وفطين. لسان العرب"5/ 3437" مادة "ف. ط. ن". 6 صدى: رجع الصوت يرده الجبل ونحوه، "ج"، أصداء. لسان العرب "4/ 2421". 7 جزت: جاز الطريق ونحوه أي تعداه وخلفه وراءه. لسان العرب "1/ 724". 8 تقلق: تصوير بليغ حيث يشبه الحركة بأنها مصدر لإزعاج الحرف بحيث تدفعه وتحركه عن موضعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 بعضه، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة1 من قبله لأن الساكن لا يمكن الابتداء به2، فتقول: اك. اق. أج، وكذلك سائر الحروف، إلا أن بعض الحروف أشد حصرا للصوت من بعضها. ألا تراك تقول في الدال والطاء واللام: اد. اط. ال. ولا تجد للصوت منفذا هناك: ثم تقول: اص. اس. ار. اث. اف، فتجد الصوت يتبع الحرف. وإنما يعرض هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقفت عليها، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها، فيتمكن الصويت فيظهر. فأما إذا وصلت هذه الحروف ونحوها مما سنبينه في مكانه، فإنك لا تحس معها شيئا من الصوت كما تجده معها إذا وقفت عليها، وذلك نحو يصبر ويسلم ويزلق ويثرد ويفتح، وإنما كان ذلك كذلك من قبل أن أخذك في حرف آخر وتأهبك له3، قد حالا4 بينك وبين التلبث5 والاستراحة التي يوجد معها ذلك الصويت، وسترى ذلك مخلصا بمعونة الله. فإن اتسع مخرج الحرف حتى لا يقتطع الصوت عن امتداده واستطالته، استمر الصوت ممتدا حتى ينفد6، فيفضي 7 حسيرا8 إلى مخرج الهمزة، فينقطع بالضرورة عندها إذالم يجد منقطعا فيما فوقها.   1 مكسورة: الكسر ليس ضروريا، والمهم أن تأتي بحركة قبل الحرف الذي تريد معرفة مخرجه، ولذلك كان الخليل، وهو أسبق من ذاق الحروف ليتعرف مخارجها، يفتح الهمزة قبل الحرف، قال في اللسان "ج1/ ص7 في المقدمة": قال الليث بن المظفر: كان "الخليل" إذا أراد ان يذوق الحرف فتح فاه بألف، ثم أظهر الحرف، ثم يقول: "أب، أت، أج". 2 لا يمكن الابتداء به: أسلوب نفي الغرض منه التأكيد على عدم الابتداء بالساكن، واستخدامه للفعل، "يمكن" منفيا يوحي بعدم القدرة والاستطاعة بالابتداء بساكن. 3 تأهبك: أي استدعاك له. لسان العرب "1/ 162". مادة "أ. هـ. ب". 4 حالا: أي حجزا ووقفا مانعا. 5 التلبث: التريث، ولبث أي مكث. لسان العرب "5/ 3952". مادة "ل. ب. ث". 6 ينفد: أي يفنى وينتهي. لسان العرب "6/ 4495 ". مادة "ن. ف. د". 7 فيفضي: يسر إليه، أو يخبره، أو يصل إلى لسان العرب "5/ 3425" مادة "ف. ض. أ". 8 حسيرا: مكشوفا. لسان العرب "2/ 868". مادة "ح. س. ر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 والحروف التي اتسعت مخارجها ثلاثة: الألف، ثم الياء، ثم الواو، وأوسعها وألينها الألف، إلا أن الصوت الذي يجري في الألف مخالف للصوت الذي يجري في الياء والواو، والصوت الذي يجري في الياء مخالف للصوت الذي يجري في الألف والواو. والعلة في ذلك أنك تجد الفم والحلق في ثلاث الأحوال، مختلف الأشكال، أما الألف فتجد الحلق والفم معها منفتحين، غير معترضين على الصوت بضغط أو حصر، وأما الياء فنجد معها الأضراس سفلا وعلوا قد اكتنفت1 جنبتي2 اللسان وضغطته، وتفاج3 الحنك عن ظهر اللسان، فجرى الصوت متصعدا هناك، فلأجل تلك الفجوة ما استطال4، وأما الواو فتضم لها معظم الشفتين، وتدع بينهما بعض الانفراج، ليخرج فيه النفس، ويتصل الصوت. فلما اختلفت أشكال الحلق والفم والشفتين مع هذه الاحرف الثلاثة اختلف الصدى المنبعث5 من الصدر، وذلك قولك في الألف أاْ، وفي الياء إيْ، وفي الواو أُوْ. ولأجل ما ذكرنا من اختلاف الأجراس في حروف المعجم باختلاف مقاطعها، التي هي أسباب تباين أصدائها، ما شبه بعضهم الحلق والفم بالناي6، فإن الصوت يخرج فيه مستطيلا أملس ساذجا7، كما يجري الصوت في الألف غفلا8 بغير صنعة، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة9، وراوح بين أنامله،   1 اكتنفت: أحاطت، لسان العرب "5/ 3941". مادة "ك. ن. ف". 2 جنبتي: الجنبة بسكون النون ويحرك، كالجنب: إحدى ناحيتي الشيء لسان العرب "1/ 691". مادة "ج. ن. ب". 3 تفاج: تباعد، كتجالى: أي نبا وبعد. لسان العرب "1/ 646". مادة "ج. ف. ا". 4 ما استطال: المؤلف يكثر من استعمال "ما" في مثل هذا التعبير، ويمكن تخريجها على الزيادة أو المصدرية. 5 المنبعث: المرسل والمندفع. لسان العرب "1/ 307". مادة "ب. ع. ث". 6 بالناي: لفظة فارسية، معناها القصبة، والمراد هنا اليراعة المثقبة التي يزمر فيها"ج" يراع. 7 ساذجا: خالصا غير مشوب. مادة "س. ذ. ج". 8 غفلا: ما لا علامة فيه ولا أثر يميزه، والغفل: المادة لم تصنع. "ج" إغفال. 9 المنسوقة: المتتابعة على نظام، ويقال: ناسق بين الأمرين أي تابع بينها ولاءم ونسقه: نظمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم1، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة. ونظير ذلك أيضا وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر2 آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها3 قليلا، سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى أصبعه من أول الوتر تشكلت لك أصداء مختلفة، إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلا غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزا4، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر وصلابته، وضعفه ورخاوته5، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا. وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب، وإن لم يكن هذا الفن مما لنا ولا لهذا الكتاب به تعلق، ولكن هذا القبيل من هذا العلم، أعني علم الأصوات والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقى، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم. فقد ثبت بما قدمناه معرفة الصوت من الحرف، وكشفنا عنهما بما هو متجاوز للإقناع في بابهما، ووضحت حقيقتهما لمتأملها.   1 فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم: تشبيه استعاري حيث يشبه الصوت بشيء مادي يقطع وتشبيه للثنايا التي تعترضه وتقطعه بأنها سكين حاد. 2 حصر: أحاط به ومنعه من الحركة. لسان العرب "2/ 895". مادة "ح. ص. ر". 3 أدناها: قربها. لسان العرب "2/ 1435". مادة "د. ن. أ". 4 أملس مهتزا: تعدد نعت الصوت ووصفه بأنه أملس. مهتز ... يدل علي شدة دقة وصف الصوت حتي يتخيله السامع بناظريه وأذنيه معا وهذا يؤكد الفكرة ويقويها، لما فيها من تشبيه بليغ للصوت كأنه شيء مادي يمكن لمسه. 5 ضعفه ورخاوته: الجمع بين الضعف والرخاوة يبين هيئة الصوت الناتج نتيجة ضعف الوتر ورخاوته. إذ يختلف بخلاف الصوت الناتج لو كان الوتر غفلا أو محصورا بالأصابع مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فأما القول على لفظهما، فإن الصوت مصدر صات الشيء يصوت صوتا، فهو صائت، وصوت تصويتا فهو مصوت، وهو عام غير مختص، يقال سمعت صوت الرجل وصوت الحمار، قال الله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} . وقال الشاعر: كأنما أصواتها في الوادي ... أصوات حج منه عمان غادي1 وقال ذو الرمة، وهو من أبيات الكتاب: كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج2 يريد كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا أصوات الفراريج، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر، لضرورة الشعر، ومثله كثير، إلا أنا ندعه لشهرته، ولأن هذا الكتاب ليس موضوعا له، والميس: خشب الرحل.   1 الوادي: كل مفرج بين الجبال والتلال والإكام "ج" أودية ووديان. لسان العرب "6/ 4803" حج: "م" حاج، وهو الذي يقصد مكة للنسك. غادي: المسافر في الغدوة، وهي الوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس. لسان "5/ 3220" وشبه الشاعر صوت الحروف وصداها بأصوات الحجيج التي تؤدي النسك وصدى صوتها بين الوديان والتلال. والبيت لم ينسبه المؤلف إلى قائله، ولم نجد له نسبة في جمهرة ابن دريد ولا في اللسان في "حج". 2 كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج إيغالهن: الإيغال الإمعال في السير بين ظهراني الجبال، أو في أرض العدو، ويقال: أوغلوا وتوغلوا وتغلغلوا. الميس: شجر عظام حرجي للتزيين، من الفصيلة البوقيصية له ثمر أسود صغير حلو تأكله الطير وفي لحائه وجذوره مادة صفراء صبغية، وخشبه قوي تصنع منه مصنوعات النجارة ومنها الرحال، وإذا كان شابا فهو أبيض الجوف، فإذا تقادم اسود فصار كالأبنوس، ويغلظ حتى تتخذ منه الموائد الواسعة ويقصد به هنا في البيت خشب الرحل، لسان العرب "6/ 4308". الفراريج: "م" فروج وهو فرخ الدجاج. لسان العرب "5/ 3371" مادة: "ف. ر. ج". ويشبه الشاعر أصوات أواخر الرحل "الميس" في محاولتها العدو والإيغال لتلحق بأول الرحل كأنها أصوات الفراريج. والميس كناية عن الرحل المصنوع من شجر الميس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ومن مسائل الكتاب: "له صوت صوت حمار"1. ويقال: رجل صات أي شديد الصوت، وحمار صات، كما يقال رجل مال: كثير المال، ورجل نال: كثيرا النوال، وكبش صاف: كثير الصوف، وبئر ماهة: كثيرة الماء، ورجل هاع2 لاع3، وامرأة هافة لاعة، ورجل خاف ويوم طان4. راح5: كثير الطين والريح، وتقدير هذه الأوصاف كلها عندنا: "فعل" مكسورة العين. قال النظار الفقعسي6: كأنني فوق أقب سهوق ... جأب إذا عشر صات الإرنان7   1 "له صوت صوت حمار": هذه العبارة وردت في كتاب سيبويه في باب "ما ينتصب فيه المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره" قال: "وذلك قولك: مررت به فإذا له صوت صوت حمار، ومررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى. وقال الشارع: وهو النابغة الذبياني: مقذوفة بدخيس النحص بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد 2 هاع: واضح بين، والمهيع الواضح أيضا، "ج" مهايع. 3 لاع: أي احترق من شدة الشوق والحب. 4 طان: أي كثير الطين. لسان العرب "4/ 2739". مادة "طين". 5 راح أي شديد الريح. لسان العرب "3/ 1764". مادة "روح". 6 الفقعسي: نسب ابن جين هذا البيت إلى النظار الفقعسي، ووافقه صاحب اللسان في هذه النسبة في "صوت" "4/ 2521"، ولكنه خالفه في "سهوق" "3/ 2134" فنسبه الي المرار الأسدي وكلاهما شاعر إسلامي. 7 أقب: الأقب الرقيق الخصر، الضمر البطن، لسان العرب "5/ 3507". مادة "قبب". سهوق: الطويل من الرجال وغيرهم. لسان العرب "3/ 2133، 2134". مادة "سهق". الجأب: الحمار الغليظ من حمر الوحش، "ج" جؤوب. لسان العرب "1/ 527". عشر: من التعشر وهو بلوغ العشرة. والمراد: أن يتابع النهق عشر نهقات، ويوالي بين عشر ترجيعات في نهيقه. لسان "4/ 2954". صات: الشديد الصوت. لسان العرب "4/ 2521". مادة "صوت". الإرنان: الشديد لسان العرب"3/ 1746". مادة "رنن". والشاعر يصف الحمار الوحشي الذي يركبه بأنه رقيق الخصر ضامر البطن طويل، غليظ قوي الصوت إذا عشر كان له صوت شديد قوي، والشاهد في قوله "ص. أ. ت". إعراب الشاهد: صات: نعت مجرور على الاتباع وعلامة جره الكسره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فأما قولهم لفلان صيت إذا انتشر ذكره في الناس، فمن هذا اللفظ، إلا أن واوه انقلبت ياء لانكسار الصاد قبلها، وكونها ساكنة، كما قالوا ريح من الروح، وقيل من القول، وكأنهم بنوه على فعل، للفرق بين الصوت المسموع، وبين الذكر المتعالم، على أنهم قد قالوا أيضا: قد انتشر صوته في الناس، يعنون به الصيت1 الذي هو الذكر، والصيت في هذا المعنى أعم وأكثر استعمالا من الصوت، ولا يستعمل الصيت إلا في الجميل من الذكر، دون القبيح. والصوت مذكر، لأنه مصدر بمنزلة الضرب والقتل والغدر والفقر. فأما قول رويشد بن كثير الطائي: يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت2 فإنما أنثه لأنه أراد الاستغاثة، وهذا من قبيح الضرورة، أعني تأنيث المذكر؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وإنما المستجاز من ذلك رد التأنيث إلى التذكير، لأن التذكير هو الأصل، بدلالة أن "الشيء" مذكر، وهو يقع على المذكر والمؤنث. فعلمت بهذا عموم التذكير، وأنه هو الأصل الذي لا ينكسر. ونظير هذا في الشذوذ قوله، وهو من أبيات الكتاب: إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم3   1 الصيت: انقلبت الواو ياء لانكسار الصاد قبلها 2 يا أيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت هذا البيت لرويشد بن كثير الطائي، ذكره صاحب اللسان "4/ 2521". المزجي: السائق برفق، يقال: الريح تزجي السحاب: أي تسوقه سوقا رفيقا. لسان "3/ 1815". والصوت: الجرس الذي يحدث من اصطدام جسم بآخر، فتحمله موجات الهواء إلى الأذن، وهو مذكر، وإنما أنثه الشاعر هنا لأنه أراد به الضوضاء والجلبة أو الاستعانة. وابن جني قبح هذا الشاهد الذي يتم فيه تأنيث المذكر لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وأجاز العكس أي رد التأنيث إلى التذكير لأن التذكير هو الأصل. إعراب الشاهد: الصوت: خبر مرفوع. 3 إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وهذا أسهل من تأنيث الصوت قليلا، لأن بعض السنين سنة، وهي مؤنثة وهي من لفظ السنين، وليس الصوت بعض الاستغاثة ولا من لفظها، ونظائر هذا كثيرة، وفيه وجه آخر، وهو أنه أراد الأصوات، أخرجه مخرج الجنس، لأنه مصدر، والمصادر قلما تجمع، كما تقول قوم صوم وزور وضيف. ومنها ما حكاه الأصمعي عن أبي عمر بن العلاء، أنه سمع بعض العرب يقول -وذكر إنسانا، فقال: فلان لغوب- جاءته كتابي، فاحتقرها. فقلت له: أتقول: جاءته كتابي1؟ فقال نعم: أليس بصحيفة؟ فقلت له ما اللغوب؟ فقال: الأحمق، ومثله قول لبيد: فمضى وقدمها كانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها2 قالوا: أنث الإقدام لأنه ذهب بها إلى التقدمة.   البيت لجرير يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان. انظر/ خزانة الأدب الكبري للبغدادي "2/ 167". تعرقتنا: أكلت لحومنا، ويقال: عرق العظم: إذا أكل ما عليه من اللحم. لسان "4/ 2906" والشاهد فيه: تأنيث السنين. ويري ابن جني أنها أسهل قليلا من تأنيث الصوت لأن بعض السنين سنة. إعراب الشاهد: السنين: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بالجمع المذكر السالم. 1 جاءته كتابي؟: استفهام الغرض منه التأكيد على جواز أن يؤنث المذكر، بحيث إن الكتاب صحيفة فجاز تأنيثه. 2 فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عردت إقدامها التعربد: التأخر وسرعة الذهاب في الهزيمة والفرار. لسان العرب "4/ 2872". مادة "عود". الإقدام: بمعنى التقدمة، ولذلك أنث فعلها، فقال: "وكانت" أي وكانت تقدمة الأتان عادة من العير إذا تأخرت هي أي خاف العير تأخرها. والشاهد فيه: تأنيث الإقدام. وإعراب الشاهد: إقدامها: إقدام: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة الظاهرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قالوا: ونحوه قول الآخر: غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر1 أنث الغفر لأنه أراد المغفرة. ونحو هذا قوله عز اسمه: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ 2} ، لأن بعضها سيارة، وقال الآخر: أتهجر بيتا بالحجاز تلفعت ... به الخوف والأعداء أم أنت زائره3 أراد المخافة، فأنث لذلك، وحكى سيبويه: "ذهبت بعض أصابعه"4 فأنث البعض لأنه إصبع في المعنى. وهذا كثير، إلا أنا ندع اغتراقه5 كراهية لطول الكتاب.   1 ............... ... غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر لم نعثر على صدر هذا البيت ولا على قائله وقد ذكر صاحب اللسان في "غفر" "5/ 3274"، وقال: فإنما أنت الغفر، لأنه في معنى المغفرة. والشاهد فيه كما يبدو معاملة الغفر على أنها مغفرة، ومن ثم أنثها. وإعراب الشاهد: الغفر: اسم كانت -مؤخر- مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. 2 سيارة: السيارة يراد بها جنس السيارات، ويصح أن يكون بعضها سيارة. 3 أتهجر بيتا بالحجاز تلفعت ... به الخوف والأعداء أم أنت زائره لم نعثر على قائله، وقد أنشده صاحب اللسان في "خوف" "2/ 1290" غير منسوب. قوله: "تلفعت به الخوف" مقلوب، والأصل: تلفع بالخوف. يريد أن الخوف قد أحاط به. ويرى الشاعر أن الحبيب قد ترك بيته في الحجاز وقد أحاط به الخوف والأعداء. إعراب الشاهد: تلفعت: فعل ماضي مبني. الخوف: فاعل مرفوع. 4 "ذهبت بعض أصابعه" عبارة سيبويه في الكتاب"1/ 25": "وربما قالوا في بعض الكلام: ذهبت بعض أصابعه، وإنما أنث البعض لأنه إضافة الي مؤنث هو منه، ولو لم يكن منه لم يؤنثه، لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن. 5 اغترافه: الاغتراف: الاستيعاب. لسان العرب "5/ 3245". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فأما الحرف فالقول فيه وفيما كان من لفظه: أن "ح ر ف" أينما وقعت في الكلام يراد به حد الشيء وحدته، من ذلك حرف الشيء إنما هو حده وناحيته، وطعام حريف: يراد حدته، ورجل محارف، أي محدود عن الكسب والخير، ويقال أيضا فيه: مجازف1 بالجيم، ومثله مجرف، ومجلف2، كأن الخير قد جرف عنه وجلف3، كما يجلف القلم ونحوه، وقولهم: "انحرف فلان عني": من هذا أيضا، كأنه جعل بيني وبينه حدا بالبعد والانعدال4. وقال أبو عبيدة في قوله عز اسمه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] 5 أي لا يدوم، تقول: إنما أنت على حرف، أي لا أثق بك، وهذا راجع إلى ما قدمناه، لأن تأويله أنه قلق في دينه، على غير ثبات ولا طمأنينة ولا استحكام بصيرة6، فكأنه معتمد علي حرف دينه، غير واسط فيه، كالذي هو على حرف الجبل ونحوه. وقال أحمد بن يحيي: أي على شك، وهذا هو المعنى الأول، ومن هنا سميت حروف المعجم حروفا، وذلك أن الحرف حد منقطع الصوت وغايته وطرفه، كحرف الجبل ونحوه.   1: مجارف: ذهب بالشيء أو ابتعد به. لسان العرب "1/ 601". مادة "ج. ر. ف". 2 مجلف: جلفه أي قشره وكشطه وقلعه واستأصله. لسان "1/ 660". مادة" ج. ل. ف". 3 جرف عنه وجلف: بينهما جناس ناقص يؤثر في السمع ويعطي جرسا موسيقيا يؤثر على تحسين الفكرة ويوضحها. 4 الانعدال: التنحي والانصراف عن الشيء. لسان العرب "4/ 2840". مادة "عدل". 5 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أي على شك. والمقصود أنه لا يداوم على عبادته لله لعدم ثقته أو شكه، وتأويله أنه قلق على دينه واستخدام الحرف هنا كشاهد يدل على استخدام الجزء ويقصد به الكل ذلك أن الحرف في كل شيء طرفه وجانبه وفلان على حرف أي على ناحية وجانب من رأيه إذا رأى شيئا لا يعجبه عدل عنه. لسان العرب"2/ 837" مادة. "ح. ر. ف". والشاهد فيه: كلمة حرف. إعراب الشاهد: حرف: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة الجر الكسرة. 6 بصيرة: قوة الإدراك والفطنة والعلم والخبرة والحجة، وجمعها بصائر. لسان العرب "1/ 291". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ويجوز أن تكون سميت حروفا لأنها جهات للكلم ونواح، كحروف الشيء وجهاته المحدقة به1. ومن هذا قيل، فلان يقرأ بحرف أبي عمرو وغيره من القراء، وذلك لأن الحرف حد ما بين القراءتين وجهته وناحيته. ويجوز أيضا أن يكون قولهم: حرف فلان، يراد به حروفه التي يقرأ بها، أي القارئ يؤديها بأعيانها، من غير زيادة ولا نقص فيها، فيكون الحرف في هذا وهو واحد، واقعا موقع الحروف وهي جماعة، كقوله عز اسمه: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17] 2 أي والملائكة، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22] 3 أي والملائكة، وكقولنا: "أهلك الناس الدينار والدرهم" أي الدنانير والدراهم، وكقولنا: "الأسد أشد من الذئب" أي الأسد أشد من الذئاب، وهذا واسع في كلامهم، ونحوه أيضا: "الملك أفضل من الإنسان" أي الملائكة أفضل من الناس. ومن هذا سمي أهل العربية أدوات المعاني حروفا، نحو من، وفي، وقد، وهل، وبل، وذلك لأنها تأتي في أوائل الكلام وأواخره في غالب الأمر، فصارت كالحروف والحدود له.   1 المحدقة به: المحيطة به. لسان العرب "2/ 805". مادة"ح. د. ق". 2 {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} : أرجائها مفرد "الرجا" ويقصد بها الناحية والجانب. ويقول الطبري في تفسيرها: أي والملك على أطراف السماء وحافاتها حين تشقق. انظر/ تفسير الطبري "ص502". والشاهد فيها استخدام الملك مفرد ويقصد بها الملائكة. إعراب الشاهد: والملك: معطوف مرفوع بالتبعية وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لأنه اسم مفرد. 3 {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} : أي جاء ربك والملائكة صفا بعد صف. انظر/ تفسير الطبري "ص529" والشاهد أيضا استخدام الملك مفرد ويقصد بها الملائكة. إعراب الشاهد: الملك: معطوف مرفوع بالتبعية وعلامة رفعه الضمة لأنه اسم مفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ومنه قولهم لهذه البقلة1 الحادة الحرف2 سمي بذلك لحدته، والعرب أيضا تسميه الثفاء3 ومنه قولهم: "ناقة حرف" أي ضامر، وتأويله أنها قد تحددت أعطافها4 بالضمر5 والهزال6، وليس هناك سمن يكون معه رهل7 واسترخاء. وقال بعضهم: الحرف: التي انتقلت من هزال إلى سمن، وتأويل هذا القول أنها انحرفت من حال إلى حال. وقال بعضهم: الحرف: التي كأنها حرف جبل في شدتها وصلابتها، وهذا واضح جلي. وقال بعضهم: الحرف: التي كأنها حرف السيف في مضائها8 وحدتها وهذا أيضا مفهوم غير خفي9. وقال بعضهم: شبهت لضمرها بحرف من المعجم، قالوا: وهو الواو، لدقتها وتقويسها. وقال أحمد بن يحيى: لأنها انحرفت عن السمن، وهذه كلها معان متقاربة ومن هذا قولهم لمكسب الرجل وطعمته الحرفة، كأنها الجهة التي انحرف إليها عما سواها من الماكسب، والمحراف: الميل، سمي بذلك لحدته، أو لأنه يعرف به حد الجراحة وقدرها، أي يسبر به10.   1 البقلة نبات عشبي يتغذى الإنسان به أو بجزء منه مثل الفجل والجرجير والجزر وغيرها "ج" بقول. لسان العرب "1/ 328". مادة "ب. ق. ل". 2 الحرف: هو حب الرشاد، أو كل ما فيه حرارة ولذع. لسان "2/ 840" مادة"ح. ر. ف". 3 الثفاء: كرمان: الخردل أو الحرف، واحدته بهاء. 4 أعطافها: جوانبها ومفردها عطف، وتجمع على أعطاف وعطاف وعطوف. لسان "4/ 2996". 5 بالضمر: الضمر قلة اللحم وانكماشه وانضمام بعضه إلى بعض. لسان العرب "4/ 2606". 6 والهزال: الغثاثة والنحافة. لسان العرب "6/ 4663". مادة "هـ. ز. ل". 7 رهل: اضطراب واسترخاء. لسان العرب "3/ 1756". مادة "ر. هـ. ل". 8 مضائها: قوتها. 9 مفهوم غير خفي: مفهوم وخفي بينهما طباق يبرز المعني بالتضاد ويزيده وضوحا وتأكيداً. 10 يسبر: أي ينظر ما بغورها وأبعادها، وسبر الجرح: أي نظر ما غوره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قال القطامي يصف جراحة: إذا الطبيب بمحرافيه عنّ لها ... زادت على النقر أو تحريكها ضجما1 الضجم: الميل والاختلاف. والتحريف في الكلام: تغييره عن معناه. كأنه ميل به إلى غيره، وانحرف به نحوه، كما قال عز اسمه في صفة اليهود: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه} [النساء: 46] 2 أي يغيرون معاني التوراة بالتمويهات3 والتشبيهات. ويقال: انحرف الإنسان وغير عن الشيء، وتحرف، واحرورف.   1 المحرف والمحراف: الميل الذي تقاس به الجراحات، والمحارقة: قياس الجرح بالمحراف. لسان العرب "2/ 840" مادة "حرف". زادت على النقر: قال شارح الديوان: أي إذا نقرها بالميل ازدادت سعة. ويروى: على النفر، والنفر: الورم، ويقال: خروج الدم. والضجم: اعوجاج في الجراحة. لسان "4/ 2556" مادة "ض. ج. م" كقول العجاج: عن قلب ضجم توري من سبر، يصف الجراحات، فشبها في سعتها بالآبار المعوجة الجيلان. أي النواحي. ومعني البيت: إذا عالجها بمحرافيه ليسبر غورها ازدادت على السبر اتساعًا وورمًا، أو ازدادت سيلان دم. 2 {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه} : نزلت هذه الآية في اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة حيث إنهم يشترون الضلالة بالهدى ويعرضون عما أنزل الله على رسوله ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- ليشترون به ثمنا قليلا من طعام الدنيا. انظر/ تفسير ابن كثير "1/ 507". والشاهد فيه: يحرفون. أي إنهم يغيرون. إعراب الشاهد: يحرفون: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة الرفع ثبوت النون، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. 3 التمويهات: موه الشيء أي طلاه بشيء آخر بغرض التلبيس، أي تلبيس الحق بالباطل. ويقال: موه الحديث: أي زخرفه ومزجه من الحق والباطل. لسان العرب "6/ 4303". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قال: وإن أصاب عدواء احرورفا ... عنها وولاها الظلوف الظلفا1 يصف ثورا يحترف كناسا. وأنشد أبو زيد: مشي الجمعليلة بالحرف النقل2   1 العدواء: أرض يابسة صلبة غير مستوية في ارتفاع وانخفاض يبرك عليه البعير فيضجع عليه فيوهنه اضجاعه ولا يستطيع أن يقوم حتى يموت. مادة "عدا" اللسان "4/ 2847". واحرورف: حاد عن الشيء وعدل عنه. مادة "ح ر ف" اللسان "2/ 839". والظلوف: جمع ظلف، وهو ظفر كل مجتر من الحيوان: كظلف البقرة والشاه والظبي وما أشبهها، والظلف جمع ظالف، وهو توكيد للظلوف، كما يقال بطاح بطح. وهذا البيت للعجاج يصف ثورا يحفر كناسا، حتى إذا وجد أرضا صلبة استدار عنها وضربها بأظلافه. لسان العرب "4/ 2849". مادة "عدا". والشاهد فيه: كلمة احرورف التي استخدمها الشاعر بمعنى تغيير الاتجاه. إعراب الشاهد: احرورفا: فعل ماضي مبني على الفتح. 2 الجمعليلة: الضبع، وقال الأزهري: الناقة الهرمة. لسان العرب "1/ 683" مادة "جمعل" الحرف: من الجبل ما نتأ في جنبه منه كهيئة الدكان الصغير أو نحوه. لسان "2/ 838" "حرف" والنقل من الامكنة: مكان فيه النقل، وهو صغار الحجارة. والبيت مذكور في معجم الأدباء لياقوت "6/ 231" ومعه بيتان قبله. وهي من الأوابد اللغوية التي كان يحفظها الصاحب إسماعيل بن عباد ويباهي بها وبأمثالها الشعراء والعلماء. والرجز كله: جاءت بخف وحنين ورحل جاءت تمشي وهي قدام الإبل مشي الجمعليلة بالحرف النقل والشاهد فيه: كلمة الحرف. إعراب الشاهد: بالحرف: الباء: حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر، والحرف: اسم مجرور بحرف الجر -الباء - وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وقال: الحرف: مسيل الماء، وتأويله أنه انحرف فسال الماء عنه، ولم يستقم، فيثبت عليه، فهذا كله يشهد لمعنى الحرف، وهذا الطريق من الاشتقاق وإنما يحذق1 حقيقتها من كان سبطا2 مرتاضا3، لاكزا4 ريضا5. فقد أتينا على ذكر معنى الصوت والحرف، ونتلي ذلك الحركة. اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين، وهي الألف والياء والواو، فكما أن هذه الحروف ثلاثة، فكذلك الحركات ثلاث، وهي الفتحة، والكسرة، والضمة، فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمة بعض الواو، وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والضمة الواو الصغيرة، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة، ألا تري أن الألف والياء والواو اللواتي هن حروف نوام6 كوامل7، قد تجدهن في بعض الأحوال أطول وأتم منهن في بعض، وذلك قولك يخاف وينام، ويسير ويطير، ويقوم ويسوم، فنجد فيهن امتدادا واستطالة ما، فإذا أوقعت بعدهن الهمزة أو الحرف المدغم8، ازددن طولا وامتدادا، وذلك نحو: يشاء ويداء9 ويسوء ويهوء10 ويجيء ويفيء11 وتقول مع الإدغام شابة ودابة، ويطيب بكر، ويسير راشد، وتمود الثوب12، وقد   1 يحذق: يمهر. لسان العرب "2/ 811". مادة "ح. ذ. ق". 2 سبطا: السبط، بفتح السين وسكون البا، وفتحها وكسرها: ضد الجعد ويقال: رجل سبط: سمح كريم، ومطر سبط: مرسل متدارك، والمراد هنا: سعة العلم. لسان "3/ 1921". 3 مرتاضا: تمت رياضته. 4 لاكزا: اليابس المقتبض، وهو كناية عن قلة العلم، وضعف الفهم، "ج" الكز. 5 ريضا: الريض: غير الماهر في الرياضة: لسان العرب "3/ 1776" مادة "ر. و. ض". 6 نوام: نما الشيء إذا زاد وكثر، والحروف نوام إذا كانت أتم وأطول في بعض أحوالها. 7 كوامل: أي تامات. لسان العرب "5/ 3930". مادة "ك. م. ل". 8 المدغم: الإدغام إدخال حرف في حرف. لسان "2/ 1391". مادة "د. غ. م". 9 ويداء: داء الرجل يداء داء: إذا صار في جوفه الداء. لسان "2/ 1448". مادة" دوأ". 10 ويهوء: هاء بنفسه الي المعالي يهوء هوءا: رفعها وسما بها إلى المعالي. لسان "6/ 4716". 11 ويفيء: ويرجع، فاء فيئا: رجع، وبابه باع. لسان "5/ 3456". مادة "ف. ي. أ". 12 وتمود الثوب: تحرك واضطرب. لسان العرب"6/ 4305". مادة "م. ي. د". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قوص زيد بما عليه، أفلا ترى إلى زيادة المد فيهن بوقوع الهمزة والمدغم بعدهن، وهن في كلا موضعيهن يسمين حروفا كوامل، فإذا جاز ذلك فليست تسمية الحركات حروفا صغارا بأبعد في القياس منه. ويدلك على أن الحركات أبعاض لهذه الحروف، أنك متي أشبعت واحدة منهن حدث بعدها الحرف الذي هي بعضه، وذلك نحو فتحة عين عمر، فإنك إن أشبعتها حدثت بعدها ألف، فقلت عامر، وكذلك كسرة عين عنب، إن أشبعتها نشأت بعدها ياء ساكنة، وذلك قولك عينب، وكذلك ضمة عين عمر، لو أشبعتها لأنشأت بعدها واوا ساكنة، وذلك قولك عومر، فلولا أن الحركات أبعاض لهذه الحروف وأوائل لها، لما تنشأت عنها، ولا كانت تابعة لها. ويزيد ذلك وضوحا لك، أن جميع حروف المعجم غير هؤلاء الثلاثة الأحرف لك أن تأتي بكل حرف منها، بعد أي الحركات شئت، ولا تجد مع ذلك نبوا1 في اللفظ، ولا استكراها، سواكن كن الحروف أو متحركة. وذلك نحو اللام من سلم وسلم وسلمى، وكذلك العين من سعد وسعد وسعلاة وسعاد وسعيد وسعود، فأما استكراههم الخروج من كسر إلى ضم بناء لازما، فليس ذلك شيئا راجعا إلى الحروف وإنما هو استثقال منهم للخروج من ثقيل إلى ما هو أثقل منه. وأنت لو رمت2 أن تأتي بكسرة أو ضمة قبل الألف لم تستطع ذلك البتة3 وكذلك لو تكلفت الكسرة قبل الواو الساكنة المفردة، أو الضمة قبل الياء الساكنة المفردة، لتجشمت4 فيه مشقة وكلفة5 لا تجدها مع الحروف الصحاح، وذلك نحو فعل من القول والطول6، وأصله أن تقول قول وطول، ثم تستثقل ذلك، فتقلب الواو إلى الكسرة قبلها ياء، فتقول: قيل وطيل، وقد قالتهما العرب مقلوبين   1 نبوا: نبا الشيء: أي تجافى وتباعد وبابه سما. لسان العرب "6/ 4333". مادة "نبا". 2 رمت: طلبت، رام الشيء أي طلبه وبابه قال. لسان "3/ 1782". مادة "ر. و. م". 3 لم تستطع ذلك البتة: أسلوب نفي وغرضه التعجيز. أي أنك تعجز عن ذلك. 4: لتجشمت: جشم الأمر من باب فهم، أي تكلفته على مشقة. لسان العرب "1/ 629". 5 كلفة: مشقة. لسان العرب "5/ 3917". مادة "ك. ل. ف". 6 الطول: الفضل والغنى واليسر. لسان العرب "4/ 2728" مادة "ط. و. ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 هكذا، ونحوهما ميزان وميعاد وميقات، كل هذه من الواو في وزن ووقت ووعد، وكذلك قولا موسر وموقن، وأصلهما ميسر وميقن، فكرهوا الياء بعد الضمة فأبدلوها واوا، وكذلك إن انكسر ما قبل الألف أو انضم قلبت للكسرة ياء، وللضمة واوا، وذلك الياء في قراطيس1 إنما هي بدل من ألف قرطاس، والواو في ضويرب إنما هي بدل من الألف في ضارب، وإنما قلبت هذه الحروف بعد هذه الحركات، لأنك إذا بدأت بالكسرة فقد جئت ببعض الياء، وآذنت2 بتمامها، فإذا تراجعت عنها إلى الواو فقد نقضت أول قولك بآخره3 وخالفت بين طرفيه، وكذلك إذا بدأت بالضمة ثم جئت بعدها بالياء، فقد جئت بأمر غيره المتوقع، لأنك لما جئت بالضمة توقعت الواو، فإذا عدلت إلى الياء فقد ناقضت4 بآخر لفظك أوله، إلا أن ذلك وإن كان مستثقلا فليس بمستحيل في الطاقة والطوع، كاستحالة مجيء الألف بعد الكسرة أو الضمة. فإن قلت: فما بالك تقول الغير والعيبة والطول والعوض فتأتي بالياء بعد الضمة، وبالواو بعد الكسرة؟ فالجواب أنه جاز ذلك من قبل أن الياء والواو لما تحركتا قويتا بالحركة، فلحقتا بالحروف الصحاح، فجازت مخالفة ما قبلهما من الحركات إياهما، وكذلك قولهم اجلوذ5 اجلواذا، واخروط اخرواطا، فتصح الواو الأولى في اجلواذ واخرواط، من قبل أنها لما أدغمت في التي بعدها قويت، وضارعت6 الحروف الصحاح، فجاز ثباتها مع انكسار ما قبلها، وكذلك قالوا: قرن ألوى7، وقرون لي، فصححوا   1 قراطيس: مفرد قرطاس -معروف يتخذ من بردي يكون بمصر، لسان العرب "5/ 3592"، مادة "ق. ر. ط. س". 2 آذنت: أعلمت وأنذرت. لسان العرب "1/ 51". مادة "أ. ذ. ن". 3 فقد نفضت أول قولك بآخره: أسلوب توكيد يعطي قوة في التأكيد على فكرة استحالة أن تأتي الياء بعد الضمة. 4 ناقضت: أفسدت بعد إحكام. لسان العرب "6/ 4524". مادة "ن. ق. ض". 5 اجلوذ: مضى وأسرع، وامتد ودام. لسان العرب "1/ 656". مادة "جلذ". 6 ضارعت: شابهت. لسان العرب "4/ 2581". مادة "ض. ر. ع". 7 قرن ألوى: معوج، والجمع: لي، بضم اللام، على غير القياس. لسان العرب "5/ 4107". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الياء الأولى وإن كانت ساكنة مضموما ما قبلها، من قبل أنها قويت بالإدغام فحصنها عن القلب. فإن قلت: فما بالك تقول سوط وحوض وثوب وبيت وقيد وشيخ، فتصح الواو والياء هما ساكنتان وقبلهما حركة تخالفهما؟ وهلا قلبتهما ألفا لانفتاح ما قبلهما، كما تقلب الواو ياء لسكونها وانضمام ما قبلها في نحو: الكوسي والطوبي؟ فالجواب في ذلك أن بين الياء وبين الواو قربا ونسبا ليس بينهما وبين الألف، ألا تراها تثبت في الوقف في المكان الذي تحذفان فيه، وذلك قولك: هذا زيد، ومررت بزيد، ثم تقول: ضرب زيدا، وتراهما تجتمعان في القصيدة الواحدة ردفين نحو قول امرئ القيس: قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب1 ثم قال فيها: كالدلو بتت عراها وهي مثقلة ... وخانها وذم منها وتكريب2 ولا يجوز معهما ألف في مكانهما. فلم كان بين الياء والواو هذا التقارب، وتباعدتا من الألف هذا التباعد، وغيره مما سنذكره في أماكنه، جذبت كل واحدة منهما صاحبتها إليها، لأنهما صارتا بما ذكرناه من أمرهما بمنزل الحرفين يتقارب مخرجاهما، نحو الدال والطاء، والذال   1 الشعواء: المنتشرة من شعيت الغارة تشعى شعى: إذا انتشرت. لسان العرب "4/ 2282". الجرداء: القصيرة الشعر، وهو من نعت عتاق الخيل. لسن العرب "1/ 588". مادة "جرد". معروقة اللحيين: ليس على لحييها لحم، وهو أيضا من علامات عتقها. لسان "4/ 2906". والسرحوبة: الطويلة الحسنة الجسم، لسان العرب "3/ 1987". مادة "سرحب". ويبدو نعت الخيل حيث يصفها امرؤ القيس بأنها: جرداء -معروقة اللحيين- سرحوب -وكلها صفات تطلق على عتاق الخيل التي تصول وتجول في الحرب. 2 الوذم: جمع الوذمة، وهي السير الذي أذان الدلو وعراقيها تشد بها، وقيل: هو الخيط الذي بين العرا، لسان العرب "6/ 4807". مادة "وذم". والكرا والتكريب: حبل يشد على عراقي الدلو، ثم يثنى ثم يثلث، ليكون هو الذي يلي الماء، فلا يعفن الحبل الكبير، لسان العرب "5/ 3846". مادة "كرب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 والظاء، فقلبت الواو للكسرة قبلها، والياء للضمة قبلها، ولما تباعدت الألف منهما، تباعدت الفتحة أيضا من الكسرة والضمة، فلم تقو الفتحة في نحو سوط وحوض وبيت وقيد على قلب الواو والياء ألفا، واحتمل لما ذكرناه من التفاوت الذي بينهما، ولخفة الفتحة مجيء الواو والياء ساكنتين بعد الفتحة. فإن قلت: فقد نرى الفتحة تقلب الواو والياء المتحركيتن ألفا في نحو: قام وباع وخاف وطال، وقد قدمت من قولك أن الحركة في الحرف تقويه وتحصنه، فإذا جاز للتفحة أن تقلب الحرف المتحرك القوي، وهما الواو والياء في نحو: قام وسار، فهلا قلبت الحرف الساكن الضعيف في نحو بيت وشيخ وحوض وسوط. فالجواب أن هذه مغالطة من السائل ودعوى1 في سؤاله، وذلك أن الواو والياء في نحو: قام وباع لما تقلبا ألفين، لأن الفتحة قويت عليهما متحكرتين فقلبتهما، ولو كان ذلك كذلك، لوجب قلب الواو ياء في نحو: عوض وحول، وقلب الياء واوا في نحو: عيبة2 وسيرة3، بل كان ذلك مع الضمة والكسرة أوجب لثقلهما وقوة تأثيرهما. وإنما كان الأصل في: قام قوم، وفي: خاف خوف، وفي: طال طول، وفي: باع بيع، وفي: هاب هيب، فلما اجتمعت ثلاثة أشياء متجانسة، وهي الفتحة، والواو أو الياء، وحركة الواو والياء، كره اجتماع ثلاثة أشياء متقاربة، فهربوا من الواو والياء إلى لفظ تؤمن فيه الحركة، وهو الألف، وسوغها4 أيضا انفتاح ما قبلها. فهذا هو العلة5 في قلب الواو والياء في نحو: قام وباع، لا ما ادعاه السائل من أن الفتحة قويت على قلب الحرف المتحرك.   1 ودعوى: أي ما يدعي. 2 عيبة: الكثير العيب للناس، كالعياب والعيابة. لسان العرب "4/ 3184" مادة "عيب". 3 سيرة: الكثير السير. قال ابن منظور: هذا عن ابن جني. لسان العرب "3/ 2169". 4 سوغها: جوزها. لسان العرب "3/ 2152". مادة "س. و. غ". 5 العلة: السبب، والجمع علل، علات. لسان العرب "4/ 3080". مادة "ع. ل. ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وسندل بإذن الله فيما يستقبل على مضارعة حروف اللين للحركات. فأما الكسرة في نحو: عوض وطول، فلو قلبت لها الواو المتحركة [كما قلبت الواو المتحركة في قام ألفا] 1 للتفحة واستثقال حركتها، لوجب أن تقول عيض وحيل، ولا تصير إلى حرف تأمن فيه الحركة، إنما صرت إلى الياء، والياء قد يمكن تحريكه، وليس كذلك الألف في قام، لأنك قد صرت من الواو، إلى حرف تؤمن حركته، والياء في عيبة كالواو في عوض، لأنه ليس قبلهما فتحة تجتلب الألف التي تؤمن حركتها، فلذلك لم تقلبا، فافهم2. على أن من العرب من يقلب في بعض الأحيان الواو والياء الساكنيتين ألفين، للفتح قبلهما، وذلك نحو قولهم في: الحيرة حاري3، وفي: طيئ طائي. وأجاز غير الخليل في آية أن يكون أصلها أية، فقلبت الياء الأولى ألفا، لانفتاح ما قبلها، وقالوا: أرض داوية، منسوبة إلى الدو4، وأصلها دوية، قلب الواو الأولى الساكنة ألفا، لانفتاح ما قبلها، إلا أن ذلك قليل، غير مقيس عليه غيره، ومع هذا فشبهته ما ذكرت لك. فقد ثبت بما وصفناه من حال هذه الأحرف أنها توابع للحركات ومتنشئة عنها، وأن الحركات أوائل لها، وأجزاء منها، وأن الألف فتحة مشبعة، والياء كسرة مشبعة، والواو ضمة مشبعة، يؤكد ذلك عندك أيضا أن العرب ربما احتاجت في إقامة الوزن إلى حرف مجتلب ليس من لفظ البيت، فتشبع الفتح، فيتولد من بعدها الألف، وتشبع الكسرة، فتتولد من بعدها ياء، وتشبع الضمة، فتتولد من بعدها واو.   1 ما بين المعقوفين ساقط، وهو ضروري لفهم كلام المؤلف. 2 فافهم: أسلوبأمر الغرض منه النصح والإرشاد. 3 حاري: ظاهر كلامهم أن الحاء في حيرة مفتوحة، ولكنا لم نجد فتحها في اسم البلد المعروف. والنسبة إليها، على ما هو معروف من ضبطها، حيري، بكسر الحاء، على القياس، وحارى في المسموع. ولا يمكن أن نساير قوله إلا إذا توهمنا أنهم حولوا اللفظ المنسوب إلى "حيرى" بفتح الحاء، ثم قالوا: حارى الذي هو المسموع، وبذلك يتحقق ما يريده المؤلف. 4 الدو: الفلاة الواسعة، أو الأرض المستوية، لسان العرب "2/ 1462". مادة "دوا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وأنشد سيبويه: فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق وفضة وزناد راعي1 أراد بين نحن نرقبه أتانا، فأشبع الفتحة، فحدثت بعدها ألف. فإن قيل: فإلام أضاف الظرف الذي هو بين، وقد علمنا أن هذا الظرف لا يضاف من الأسماء إلا إلى ما يدل على أكثر من الواحد، أو ما عطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف، نحو المال بين القوم، والمال بين زيد وعمرو، وقوله "نحن نرقبه": جملة، والجملة لا مذهب لها بعد هذا الظرف؟ فالجواب: أن هاهنا واسطة محذوفا، وتقدير الكلام: "بين أوقات نحن نرقبه أتانا"، أي أتانا بين أوقات رقبتنا إياه، والجمل مما يضاف إليها أسماء الزمان، نحو أتيتك زمن الحجاج أمير، وأوان الخليفة عبد الملك، ثم إنه حذف المضاف، الذي هو أوقات، وأولى الظرف الذي كان مضافا إلى المحذوف الجملة التي أقيمت مقام المضاف إليها، كقوله تعالي: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] 2، أي أهلها، هكذا علقت عن أبي علي3 في تفسير هذه اللفظة وقت القراءة عليه، وقل من يضبط ذلك، إلا من كان متقنا أصيلا في هذه الصناعة.   1 الوفضة: خريطة يحمل فيها الراعي أداته وزاده، جمعها وفاض. لسان "6/ 4883". والزناد: مفرد كالزند: خشبتان: يستقدح بهما، فالسفلى زندة، والأعلى زند. ابن سيده لسان العرب "3/ 1871". مادة "زند" وقد أثبتنا البيت على ما جاء في لسان العرب. وزناد: منصوب حملا على موضع الوفضة، لأن المعنى يعلق وفضة وزناد راعي. والشاهد فيه: إشباع فتحة الفتح "أتانا" فتحدث بعدها ألف. إعراب الشاهد: أتى: فعل ماضي مبني، و"نا" ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة لا محل لها من الإعراب. 2 واسأل القرية: أسلوب أمر الغرض منه الالتماس، ويعني بالقرية أهل المصر. انظر/ تفسير ابن كثير "2/ 487"، والآية بها مجاز مرسل علاقته المكانية حيث ذكر المكان وقصد به أهله. 3 أبو علي: هو أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الإمام النحوي الكبير، والمؤلف ينقل عنه كثيرا، لأنه أستاذه الذي تخرج به، توفي سنة 377هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ومثل البيت الذي مضى، بيت آخر من أبيات الكتاب، وهو قول الفرزدق: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف1 أراد الصيارف، فأشبع الكسرة، فتولد عنها ياء. فأما الدارهيم فلا حجة فيه، لأنه يجوز أن يكون جمع دراهم، وقد نطقت به العرب، قال: لو أن عندي مئتي درهام ... لجاز في آفاقها خاتامي2 ومثل البيت الأول قول أبي ذؤيب: بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع3   1 نفي الدراهم: إثارتها للانتقاد، والدراهم: جمع درهم، وجاء في تكسير درهم: دراهيم أيضا. اللسان "2/ 1370". والتنقاد: مصدر كالنقد، إلا أنه للمبالغة. والصياريف: جمع صيرف كالصيارف، والكوفيون يجعلون زيادة الياء في نحو الدراهيم والصياريف جائزة، والبصريون يجعلونها ضرورة للشعر، اللسان "4/ 2435". والبيت في وصف ناقة بالقوة، شبه خروج الحصى من تحت مناسمها بارتفاع الدراهم عن الأصابع إذا نقدها الصيرف، وهو تشبيه بليغ يوضح المعني ويؤكد الفكرة. والشاهد فيه: إشباع حركة الكسر فتولد عنها ياء في كل من الدراهيم، والصياريف، وكلاهما مجرور بالإضافة. 2 الدرهام: الدرهم، وزعم سيبويه أنهم لم يتكلموا به، ولكن الجوهري أثبتها في الصحاح مستشهدا بهذا البيت، وعلى ذلك يكون "الدراهيم" في بيت الفرزدق السابق جاريا على القياس. 3 بينا هنا بمعنى بين، وبين مضافة إلى تعنقه، لأنه قد عطف عليه قوله "وروغه" وهذا الظرف لا يضاف إلا لما يدل على أكثر من واحد، أو ما عطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف، وللعلماء فيما بعد بينا وبينما مذهبان. فالأصمعي يخفض ما بعدهما إذا صلح في موضعهما "بين" وينشد هذا البيت بكسر تعنقه، وغير الأصمعي يرفع ما بعد بينا وبينما، على الابتداء والخبر، وينشد هذا البيت بالرفع والخفض "انظر اللسان في مادة بين". "1/ 405". والتعنق: المعانقة. والكماة: جمع كمى، وهو البطل المتستر في سلاحة. وروغه المخادعة. واتيح: تهيأ. وسلفع: شجاع جريء جسور. والشاهد فيه: قوله: "بينا" يريد "بين تعنقه" وأن الألف وإن كانت إشباعا للفتحة فهي في هذا الموضع زيادة لازمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يريد "بين تعنقة"، إلا أن هذه الألف وإنك كانت إشباعا للفتحة، فإنها في هذا الموضع زيادة لازمة. وأنشدنا أبو علي لابن هرمة1 يرثي ابنه: وأنت من الغوائل حيت ترمى ... ومن ذم الرجال بمتزاح2 أراد: بمنتزح، فأشبع فتحة الزاي. وأنشدني أيضا: الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور3 وأنني حوثما يشري الهوى بصري ... من حيثما سلكوا أثني فأنظور4 يريد: أنظر، فأشبع ضمة الظاء، فنشأت عنها واو.   1 ابن هرمة: هو إبراهيم بن علي بن محمد بن سالم بن عامر بن هرمة، شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وهو آخر من يستشهد اللغويون بكلامه. 2 قائل البيت: هو إبراهيم بن علي بن محمد بن سلمة بن عامر بن هرمة، والبيت في رثائه لابنه على ما ذكر في اللسان موافقا لابن جني هنا، وقد أورده الصاغاني في العباب، وذكر أنه في مدح بعض القرشيين، وكان قاضيا لجعفر بن سليمان بن علي وروايته هكذا: وأنت من الغوائل حيث تنمي ... ومن ذم الرجال بمنتزاح الغوائل: جمع غائلة، وهي الفساد والشر. وتنمي: تكثر ومنتزاح: أي بعد، يقال: أنت بمنتزح من كذا، أي ببعد منه. أشبعت فتحة الزاي في منتزح فتولدت الألف. وأسلوب البيت خبري تقريري والغرض منه تأكيد الفكرة. 3 صور: جمع أصور وهو المائل العنق من الشوق من صور يصور صوراً إذا مال نحوه بعنقه، يريد أنهم كانوا يوم الفراق دائمي التلفت نحو أحبابهم. اللسان "4/ 2523". وأسلوب البيت خبري تقريري الغرض منه الاسترحام والعتاب علي هذا الحبيب المفارق الذي لا يبالي بفراق الأحبة. 4 يشري: كذا في لسان العرب مادة "شري" "4/ 2254". يقال: أشراه ناحية كذا: أماله مأخوذ من الشري وهي الناحية وقيل: معناه يعلق الهوى بصري ويحركه تجاه الأحبة. حوثما: حيث: ظرف مكان، لغة في حيث، وما: زائدة. والشاهد في قوله: "فانظور" حيث أشبع ضمة الظاء فنشأ عنها واو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وقد أجرت العرب أيضا الحرف مجرى الحركة، في نحو قولهم: لم يخش، ولم يسع، ولم يرم، ولم يغز، فحذفوا هذه الحروف للجزم، كما تحذف له الحركات في نحو لم يقم ولم يقعد. وكذلك أيضا أجروا الحركة مجرى الحرف، فأجازوا صرف هند: اسم امرأة معرفة، فإذا تحرك الأوسط منعوه الصرف معرف البتة، وذلك نحو: قدم، فصارت الحركة في منع الصرف بمنزلة الياء في زينب والألف في عناق ونحوهما في منع الصرف، ولهذا نظائر1 سنذكرها في مكانها إن شاء الله تعالى. أفلا ترى إلى هذه الحروف كيف تتبع الحركات التي قبلها وهي أبعاض لها، فقد صح ما قدمناه. وإنما سميت هذه الأصوات الناقصة حركات، لأنها تقلق الحرف الذي تقترن به، وتجتذبه نحو الحروف التي هي أبعاضها، فالفتحة تجتذب الحرف نحو الألف والكسرة تجتذبه نحو الياء، والضمة تجتذبه نحو الواو، ولا يبلغ الناطق بها مدى الحروف التي هي أبعاضها، فإن بلغ بها مداها، تكملت له الحركات حروفا، أعني ألفا وياء وواوًا. وأعلم أن الحروف في الحركة والسكون على ضربين2: ساكن، ومتحرك فالساكن: ما أمكن تحميله الحركات الثلاث نحو كاف بكر، وميم عمرو، ألا تراك تقول: بكَر وعمَرو، وبكِر وعمِرو، وبكُر وعمُرو، فلما جاز أن تحمله الحركات الثلاث، علمت أنه قد كان قبلها ساكنا. والمتحرك: هو الذي لا يمكن تحميله أكثر من حركتين، لأن الحركة التي هي فيه قد استغني بكونها فيه عن اجتلابها له، وذلك نحو ميم عمر، يمكن أن تحملها الكسرة والضمة، فتقول: عُمِر، وعُمَر، ولا يمكنك أن تجتلب لها فتحة، لأنها قد كانت في أول اعتبارك إياها مفتوحة، والحرف الواحد لا يتحمل حركتين، لا متفقتين ولا مختلفتين، وإذا كانت الحركات ثلاثا: فتحة، وكسرة، وضمة.   1 نظائر: أشباه: ونظير الشيء أي: مثله، مادة "ن. ظ. ر" اللسان "6/ 4467". 2 ضربين: صنفين، والضرب: الصنف. مادة "ض. ر. ب" اللسان "4/ 2565". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فالمتحرك إذن على ثلاثة أضرب: مفتوح، ومكسور، ومضموم. فالمفتوح: هو الذي إذا أشبعت حركته حدثت عنها ألف، نحو ضاد ضرب، لك أن تشبع الفتحة، فتقول: ضيارب. والمكسور: هو الذي إذا أشبعت حركته حدثت عنها ياء نحو ضاد ضراب، لك أن تشبع الكسرة فتقول ضيراب. والمضموم: هو الذي إذا أشبعت حركته حدثت عنها واو، نحو ضاد ضرب، لك أن تشبع الضمة، فتقول: ضورب، إلا أن هذه الأحرف اللائي يحدثن لإشباع الحركات، لا يكن إلا سواكن، لأنهن مدات والمدات لا يتحركن أبدا. واعلم أن الحركة التي يتحملها الحرف لا تخلو أن تكون في المرتبة، قبله، ومعه، أو بعده. فمحال أن تكون الحركة في المرتبة قبل الحرف، وذلك أن الحرف كالمحل للحركة، وهي كالعرض فيه، فهي لذلك محتاجة إليه، ولا يجوز وجودها قبل وجوده، وأيضا لو كانت الحركة قبل الحرف لما جاز الإدغام في الكلام أصلا، ألا ترى أنك تقول قطع، فتدغم الطاء الأولى في الثانية، ولو كانت حركة الطاء الثانية في الرتبة قبلها، لكانت حاجزة بين الطاء الأولي، وبين الطاء الثانية، [ولو كان الأمر كذلك لما جاز إدغام الأولى في الثانية] 1 لأن الحركة، على هذه المقدمة، مرتبتها أن تكون قبل الطاء الثانية، بينها وبين الأولى، وإذا حجز بين الحرفين حركة بطل الإدغام، فجواز الإدغام في الكلام، دلالة على أن الحركة ليست قبل الحرف فالمتحرك بها. فقد بطل بما ذكرناه أن تكون حركة الحرف في الرتبة قبله، وبقي أن تكون معه أو بعده، وفي الفرق بينهما بعض الإشكال. فالذي يدل على أن حركة الحرف في المرتبة بعده، أنك تجدها فاصلة بين المثلين أو المتقاربين، إذا كان الأول منهما متحركا.   1 ما بين المعقوفين ساقط، وهو ضروري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فالمثلان نحو قولك: قصص ومضض وطلل1 وسرر وحضض2 ومرر3 وقدد4، فلولا أن حركة الحرف الأولى في هذين المثلين بعده، لما فصلت بينه وبين الذي هو مثله بعده، ولو لم تفصل لوجب الإدغام، لأنه لا حاجز بين المثلين، فإن ظهر هذان المثلان ولم يدغم الأول منهما في الآخر منهما، فظهورهما دلالة على فصل واقع بينهما، وليس هاهنا فصل البتة غير الحركة المتأخرة عن الحرف الأول. فإن قيل: فما تنكر أن يكون الفاصل بين المثلين في نحو طلل وسرر إنما هو حركة الحرف الأول، دون ما ذهبت إليه من حركة الحرف الأول. قيل: قد تقدم من القول ما فيه دلالة على أن الحركة لا يجوز أن تكون قبل الحرف، ويدل على فساد قول من قال إن الحاجز بين المثلين في نحو جدد وعدد، إنما هو حركة الثاني، أنه لو فصل هنا بالحركة، لوجب الفصل بها في نحو شد ومد، مع حركة الثاني منهما، دلالة على أن الحركة في الحرف الثاني لم تفصل بينه وبين الأول، ولو كانت في الرتبة قبله لوجب الفصل بها بينهما، وأيضا فإنك تقول: شددت وحللت، فتظهر، لأن الثاني من المثلين ساكن. فهذا أمر، كما تراه، واضح في المثلين. وأما المتقاربان فنحو قولك في وتد إذا سكنت التاء لإرادة الإدغام ود، فكانت الحركة في التاء قبل إسكانها فاصلة بينها وبين الدال فوجب لذلك الإظهار فلما سلبت التاء كسرتها، وزالت التاء أن تكون حاجزة بينهما بعدها، وسكنت التاء، واجتمع المتقاربان، أبدلت التاء دالا، وأدغمتها في الدال بعدها، كما تقول في انعت داود: انعداود، فظهور التاء في وتد ما دامت مكسورة، وإدغامها إذا سكنت، دلالة على أن الحركة قد كانت بينهما، وإذا كانت بينهما، فهي بعد التاء لا محالة. فهذه دلالة من القوة على ما ترى.   1 طلل: ما شخص من آثار الدار، "ج" أطلال. مادة "ط. ل. ل". اللسان "4/ 2697". 2 حضض: دواء معروف. مادة "ح. ض. ض". اللسان "2/ 910". 3 مرر: جمع مرة، والمرة: إحكام القتل أو إحكام العقل أو شدته. اللسان "6/ 4177". 4 قدد: جمع قدة، والقدة الطريقة والفرقة من الناس إذا كان هوى كل واحد على حدة. يقال: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} . مادة "ق. د. د" اللسان "5/ 3543". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ودلالة أخرى تدل على أن حركة الحرف بعده، وهي أنك إذا أشبعت الحركة تممتها حرف مد، كما تقدم من قولنا في نحو ضرب وقتل، إذا أشبعت حركة الضاد والقاف قلت ضارب وقاتل. وضرب وقتل إذا أشبعت قلت: ضورب وقوتل وكذلك ضراب وقتال، إذا أشبعت قلت ضيراب وقيتال. فكما أن الألف والواو والياء بعد الضاد والقاف، فكذلك الفتحة والضمة والكسرة في الرتبة بعد الضاد والقاف، لأن الحركة إذا كانت بعضا للحرف، فالحرف كل لها، وحكم البعض في هذا تابع لحكم الكل، فكما أن الحروف التي نشأت عن إشباع الحركات بعد الحروف المتحركة بها، فكذلك الحركات التي هي أبعاضها وأوائل لها وأجزاء منها، في الرتبة بعد الحروف المتحركة، وهذا واضح مفهوم لمتأمله. فإن قلت: ما تنكر أن تكون الحركة تحدث مع الحرف المتحرك البتة، ثم تأتي بقية حروف اللين التي هي مكملة للحركة حرفا مستأنفة بعد الحركة التي حدثت مع الحرف البتة، كما قد نشاهد بينا من الأشياء ما يصحبه بعض لغيره، ثم يأتي تمام ذلك البعض فيما بعد، فلا يلزم من هذا أن يكون ذلك البعض الذي شوهد أو مصاحبا لغيره، في حكم البقية التي جاءت من بعده، بل يكون الجزء الأول مصاحبا لما وجد معه، والجزء الثاني آتيا من بعده، ونظير هذا: رجل له عشرون غلاما، فقدم ومعه منهم عشرة، ثم أوفى بعد استقراره بمن وافى في جملته من غلمانه بقيتهم، فليس تأخر من تأخر منهم بموجب تأخر من تقدم منهم، فما أنكرت مع ما مثلنا أن تكون الحركة حادثة مع الحرف، وتكون المدة التي تحدث لإشباع الحركة مستقبلة فيما بعد. فالجواب أن هذا التمثيل إنما يصح فيما أمكن تقطعه وتجزؤه، لأنه قد يمكن أن يحضر بعض الغلمان مع مالكهم، ويغيب بعض، فأما ما اتصلت أجزاؤه وتتابعت وتوالت شيئا فشيئا، ولم يمكن قطعها، ثم العود إلى تمامها، فقد جرى لذلك مجرى الجزء الواحد الذي لا يسوغ تجزؤه، فمحال أن يكون له حكم إلا وهو مشتمل عليه1، وذلك حكم حرف المد الذي يحدث عن تمكين2 الحركة ومطلها3.   1 مشتمل عليه: أي يحتوي عليه ويصيبه نفس حكمه. اللسان "4/ 2329". 2 تمكين: أي تمكن واستمكان. مادة "م. ك. ن" اللسان "6/ 4251". 3 مطلها: أي إطالتها. مادة "م. ط. ل" اللسان "6/ 4225". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 واستطالتها، هو من هذا الوجه في حكم الحركة، والحركة في حكمه، لأنه لا يمكن فصل الحركة منه، والعود إلى استتمامه، لأن هذه المدة المستطيلة إنما تسمى حرفا لينا ما دامت متصلة, فمتى عقتها1 عن الاستطالة بفصل ما فقد أخرجتها عن اللين والامتداد الذي من شرطها، وإذا كانت الحركة لاتصالها بالحرف في حكمه، كما أن الألف بعد الضاد في ضارب، فكذلك الفتحة في الرتبة بعد الضاد. وقول النحويين إن الحركة تحل الحرف مجاز، لا حقيقة تحته، وذلك أن الحرف عرض، والحركة عرض أيضا، وقد قامت الدلالة عن طريق صحة النظر على أن الأعراض لا تحل الأعراض، ولكنه لما كان الحرف أقوى من الحركة، وكان الحرف قد يوجد ولا حركه معه، وكانت الحركة لا توجد إلا عند وجود الحرف، صارت كأنها قد حلته، وصار هو كأنه قد تضمنها، تجوزا لا حقيقة. واستدل أبو علي على أن الحركة تحدث مع الحرف، بأن النون الساكنة إذا تحركت زال عن الخياشيم إلى الفم، وكذلك الألف إذا تحركت انقلبت همزة، فدل ذلك عنده على أن الحركة تحدث مع الحرف، وهو لعمري استدلال قوي2. قد فرغنا من ذكر مائية3 الأصوات والحروف والحركات، وأين محل الحركات من الحروف. ونحن نتبع هذا القول، على معنى قولهم، حروف المعجم، وعددها، وأجناسها، وأصنافها، ثم نستأنف بعد ذلك القول على حرف حرف منها، بحسب ما شرطنا على أنفسنا، وجعلناه في ضمان كتابنا، بإذن الله وقدرته.   1 عقتها: أي حبستها. مادة "ع. و. ق". اللسان "4/ 3173". 2 في هامش ب ما نصه: "حاشية. في الأصل بخط ابن جني المصنف -رحمه الله- قد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالخصائص ما يقدح في قول أبي علي رحمه الله هذا، وأرينا أن الأثر قد يكون قبل وجود مؤثره، أعني باب.. وعمبر وشمباء. تمت" وهي في متن ص مختصرة ومحرفة، وأولها يشعر بتقدم تأليف كتاب الخصائص على سر الصناعة، وقوله: فيما بعد، يشعر بأن كتاب الخصائص ألف بعد سر الصناعة، وفي هذا تناقض، ويزول التناقض إذا عرفنا أن ابن جني كان دائم التنقيح لمؤلفاته، فيظهر أنه بعد إشارته للرد على أبي علي في هذا الكتاب، بدا له أن يشبع القول فيه مبينا فساده، فألحق أدلة ذلك بكتابه الخصائص "ص29 من النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 5 نحو ش". 3 المائية: الماهية، وهي حقيقة الشيء التي يسأل عنها بما، أو بما هو؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 إن سأل سائل فقال: ما معنى قولنا حروف المعجم؟ هل المعجم صفة لحروف هذه أو غير وصف لها؟ فالجواب أن "المعجم" من قولنا حروف المعجم، لا يجوز أن تكون صفة لحروف هذه من وجهين: أحدهما: أن "حروفا" هذه لو كانت غير مضافة إلى المعجم، لكانت نكرة، والمعجم كما ترى معرفة، ومحال وصف النكرة بالمعرفة. والآخر: أن الحروف مضافة إلى المعجم، ومحال أيضا إضافة الموصوف إلى صفة، والعلة في امتناع ذلك أن الصفة هي الموصوف، على قول النحويين، في المعنى، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت أخاك الظريف، فالأخ هو الموصوف، والظريف هو الصفة، والأخ هو الظريف في المعنى وليس يريد النحويين بالصفة ما يريد المتكلمون بها، من نحو القدرة، والعلم، والسكون والحركة، لأن هذه الصفات غير الموصوفين بها، ألا ترى أن السواد غير الأسود، والعلم غير العالم، والحركة غير المتحرك، وإنما الصفة عند النحويين هي النعت، والنعت هو اسم الفاعل أو المفعول، أو ما يرجع إليهما من طريق المعنى، مما يوجد فيه معنى الفعل، نحو ضارب ومضروب، ومثل وشبه ونحو، وما يجري مجرى ذلك، وإذا كانت الصفة هي الموصوف عندنا في المعنى، لم يجز إضافة الحرف إلى المعجم، لأنه غير مستقيم إضافة الشيء إلى نفسه، وإنما امتنع ذلك من قبل أن الغرض في الإضافة إنما هو التخصيص والتعريف، والشيء لا تعرفه نفسه، لأنه لو كان معرفة بنفسه لما احتيج إلى إضافته، وإنما يضاف إلى غيره ليعرفه، ألا ترى أنك تضيف المصدر إلى الفاعل تارة، نحو عجبت من قيام زيد، وإلى المفعول أخرى، نحو عجبت من أكل الخبز، وإنما جازت إضافة المصدر إليهما، لأنه في المعني غيرهما، ونجيز أيضا إضافة الفاعل إلى المفعول، نحو عجبت من ضارب زيد، {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةَ} و {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} . وإنما جاز ذلك لأن الفاعل غير المفعول، ولا يجوز سررت بطالعة الشمس، كما تقول سررت بطلوع الشمس، لأن طلوعها غيرها، فجازت إضافته إليها، والطالعة هي الشمس، ولا تضيفها إلى نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فكذلك لو كان المعجم صفة لحروف لما جازت إضافتها إليه، وأيضا فلو كان المعجم صفة لحروف، لقلت المعجمة1، كما تقول تعلمت الحروف المعجمة. فقد صح بما ذكرناه أن المعجم ليس وصفا لحروف. والصواب في ذلك عندنا ما ذهب إليه أبو العباس محمد بن يزيد [المبرد] رحمة الله تعالى، من أن المعجم مصدر، بمنزلة الإعجام، كما تقول أدخلته مدخلا، وأخرجته مخرجا، أي إدخالا وإخراجا. وحكى أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفشن أن بعضهم قرأ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم} [الحج: 18] 2 بفتح الراء، أي من إكرام، فكأنهم قالوا: هذه حروف الإعجام، فهذا أسد وأصوب من أن يذهب إلى أن قولهم حروف المعجم بمنزلة قولهم صلاة الأولى ومسجد الجامع، لأن معنى ذلك صلاة الساعة الأولى والفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع، فالأولى غير الصلاة في المعنى، والجامع غير المسجد في المعنى أيضا، وإنما هما صفتان حذف موصوفاهما، وأقيمتا مقامهما، وليس كذلك حروف المعجم، لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم، ولا حروف اللفظ المعجم، وإنما المعني أن الحروف هي المعجمة، فصار قولنا حروف العجم، من باب إضافة المفعول إلى المصدر، كقولهم: هذه مطية ركوب، أي من شأنها أن تركب، وهذا سهم نضال3 أي من شأنه أن يناضل به، وكذلك حروف المعجم، أي من شأنها أن تعجم، فاعرف ذلك. وقد اعترض فصلنا هذا أمر لا بد من شرحه وإبانته بالاشتقاق. اعلم أن "ع ج م" إنما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء، وضد البيان والإفصاح.   1 يقصد أن تطلق المعجمة على الحروف كما أطلق لفظ المعجم على الكتاب الذى يجمع هذه الحروف في ترتيب وتنسيق شديدين. 2 {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم} : إن الذي يذله الله ويهنه لا يمكن أن يكرمه أحد أو يرفع من مكانته. واستخدام أسلوب الشرط يؤكد المعنى عن طريق تخصيص العز والذل بين الله عز وجل. 3 سهم نضال: سهم صائب غالب. مادة "ن. ض. ل". اللسان "6/ 4456". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 من ذلك قولهم: رجل أعجم، وامرة عجماء: إذا كانا لا يفصحان ولا يبينان كلامهما، وكذلك العجم والعجم، ومن ذلك قولهم: عجم الزبيب1 وغيره، إنما سمي عجما لاستتاره وخفائه بما هو2 عجم له. ومن ذلك قوله عليه السلام: "جرح العجماء جبار"3 يراد به البهيمة4 لأنها لا توضح عما في نفسها، ومن ذلك تسميتهم: صلاتي الظهر والعصر العجماوين، لم كانتا لا يفصح فيهما بالقراءة. قال أبو علي: ومن ذلك قولهم: عجمت العود ونحوه، إذا عضضته. قال: وهو يحتمل أمرين، كل واحد منهما راجع إلى ما قدمناه: أحدهما: أنه قيل: عجمته، لأنك لما أدخلته فاك لتعضه، فقد أخفيته في فيك، والآخر: أنك قد ضغطت بعض أجزائه بالعجم، فأدخلت بعضها في بعض، فأخفيتها، وربما سميت العرب الأخرس أعجم من هذا، فأما قول ذي الرمة: حتى إذا جعلته بين أظهرها ... من عجمة الرمل أنقاء لها حبب5 عجمة: معظم الرمل، وأشده تراكما، سمي بذلك لتداخله، واستبهام أمره على سالكه، ومنه قولهم: اسعجمت الدار: إذا صمت، فلم تجب سائلها.   1 عجم الزبيب: حبه الذي في جوفه. اللسان "4/ 2828". مادة "عجم". 2 بما هو: ما: يراد بها ثمرة الزبيب التي في جوفها الحبة، والضمير يراد به "عجمة الزبيب" وهي الحبة التي في داخل الزبيبة. 3 "جرح العجماء جبار": أي هدر. قال الأزهري: معناه أن البهيمة العجماء تنفلت فتتلف شيئا، فهو هدر. اللسان "4/ 2827". مادة "ع. ج. م". 4 البهيمة: واحدة البهائم. مادة "ب. هـ. م". اللسان "1/ 376". 5 الأنقاء: جمع نقا، وهو الرمل المحدودب المنقاد. اللسان "6/ 5432". مادة "ن. ق. أ". الحبب: بكسر الحاء: جمع حبة، وروي بالخاء، ومعناهما: الطريقة في الرمل. والهاء في جعلته ضمير راجع إلى الثور الوحشي. مدة "ح. ب. ب". اللسان "2/ 745". والمعني: حتى إذا صار الثور وسط الرمال أدركه الليل، وضم الظلام عليه شملته، أي حلته، والمقصود أن الليل ستره، كما يفهم من البيت بعده. ضم الظلام على الوحشي شملته ... ورائح من نشاص الدلو منسكب والشاهد في البيت: كلمة "عجمة" حيث أطلق على الرمل لشدة تداخله وتراكمه كلمة عجمة. إعراب الشاهد: عجمة: اسم مجرور بحرف الجر من وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 قال امرء القيس: صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل1 فإن قال قائل فيما بعد: إن جميع ما قدمته يدل على أن تصريف "ع ج م" في كلامهم موضوع للإبهام، وخلاف الإيضاح، وأنت إذا قلت: أعجمت الكتاب، فإنما معناه أوضحته وبينته، فقد ترى هذا الفصل مخالفا لجميع ما ذكرته، فمن أين لك الجمع بينه وبين ما قدمته؟ 2 فالجواب: أن قولهم أعجمت وزنه أفعلت، وأفعلت هذه وإن كانت في غالب أمرها إنما تأتي للإثبات والإيجاب، نحو: أكرمت زيدا، أي أوجبت له الكرامة، وأحسنت إليه، أثبت الإحسان إليه، وكذلك أعطيته وأدنيته وأسعدته وأنقذته، فقد أوجبت جميع هذه الأشياء له -فقد تأتي أفعلت أيضا يراد بها السلب والنفي، وذلك نحو: أشكيت زيدا: إذا زلت3 له عما يشكوه. أنشدنا أبو علي قال: أنشد أبو زيد: تمد بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها4 أي لو أننا نزول لها عما تشكوه.   1 الصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع، والفعل منه "صم" بالإدغام. اللسان "4/ 2500". والصدى: ما يرجع عليك من صوت الجبل، وإسناد الصمم إلى الصدى لتخيل أن الصدى يسمع المتكلم فيجيب، فإذا لم يجب فكأن به صمما. اللسان "4/ 2422". واستعجمت الدار: سكتت، ولذلك عداه يعن، والمراد أن هذه الدار لم تجب السائل عما يسأل، وذهبت آثارها التي تدل على أصحابها. مادة "ع. ج. م" اللسان "4/ 2828". 2 فمن أين لك الجمع بينه وبين ما قدمته؟: أسلوب استفهام يفيد التشوق والتقرير. 3 زلت: تنحيت له عما يشكوه. اللسان "3/ 1856". مادة "ز. ل. ل". 4 نشكيها: ننزع لها عن شكايتها وعتابها. مادة "ش. ك. أ". اللسان "4/ 2314". والراجز هنا يصف أبلا قد أتعبها السير فهي تلوي أعناقها تارة، وتمدها أخرى، وتشتكي إلينا، فلا ننزع لها عن شكايتها. شكواها: ما غلبها من سوء الحال والهزال، وهذا يقوم مقام كلامها. وبين "تمد، تلويها" طباق يبرز المعنى بالتضاد ويزيده وضوحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ومثله قوله عز اسمه: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] 1 تأويله والله أعلم، عند أهل النظر: أكاد أظهرها، وتلخيص حال هذه اللفظة: أي أكاد أزيل عنها خفاءها، وخفاء كل شيء: غطاؤه، من ذلك خفاء القربة2، للكساء الذي يكون عليها. وجمعه: أخفية. أنشدنا أبو علي: لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى ... تزججها من حالك واكتحالها3 فقوله: " أخفية الكرى": جمع خفاء، والكرى: النوم، وجعل الأعين في اشتمالها على النوم بمنزلة الخفاء في اشتماله على ما ستر به، ونصب أخفيه الكرى:   1 {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} الساعة: القيامة. أكاد أخفيها: أقارب أن أسترها عن الناس، يظهر لهم قربها بعلاماتها. "تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي ص313" والأسلوب إنشائي في صورة توكيد. والشاهد في قوله تعالى {أُخْفِيهَا} حيث استخدمها بمعنى أظهرها وأزيل ما يسترها بإظهار علامتها إعراب الشاهد: أخفيها: أخفي: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره لأن آخره حرفا من حروف العلة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا يعود تقديره إلى لفظ الجلالة -الله-، والهاء ضمير متصل مبني على السكون المطلق في محل نصب مفعول به. 2 ذلك خفاء القربة: -يضرب مثالا بخفاء القربة- أي الكساء الذي يسترها ويغطيها، باعتبار أنه يخفي معالمها بحيث لا تظهر. وخفى "خفاه" من باب رمى، كتمه وأظهره أيضا فهو من الأضداد، ويقال برح الخفاء أي وضح الأمر. مادة "خ. ف. ا". اللسان "2/ 1216". 3 أخفية: جمع خفاء، والخفاء: رداء تلبسه العروس على ثوبها، فتخفيه به، وكل ما ستر شيئا فهو له خفاء. مادة "خ. ف. ا". اللسان "2/ 1217". وأخفية الكرى: الأعين، كما أن أخفية النور أكمته. تزججها: الزج: بالضم الحديدة التي في أسفل الرمح، والجمع زججه وزجاج، أما الزج بالفتح: دقة الحاجبين وطولهما. مادة "ز. ج. ج". اللسان "3/ 1811-1812". والشاهد فيه: أخفية الكرى: جمع خفاء. إعراب الشاهد: أخفية: تمييز منصوب. الكرى: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسر المقدر على آخره، لأنه اسم مقصور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 على التمييز، كما تقول: لقد علم الأيقاظ عيونا تزججها، فأخفيها، في أنه" أزيل خفاءها": بمنزلة قوله "لو أننا نشكيها": أي نترك لها ما تشكوه. فكذلك أيضا يكون قولنا: "أعجمت الكتاب": أي أزلت عنه استعجامه، كما كان أخفيها، أزيل خفاءها، ونشكيها: بمنزلة ندع لها ما تشكوه. ونظيره أيضا: أشكلت الكتاب. أي أزلت عنه إشكاله. وقد قالوا أيضا: عجمت الكتاب، فجاءت "فعلت" للسلب أيضا، كما جاءت أفعلت. ونظير عجمت في النفي والسلب، قولهم: مرضت الرجل: أي داويته ليزول مرضه، وقذيت عينه، أي أزلت عنه القذى1. ومنه "رجل مبطن": إذا كان خميص البطن2، كأن بطنه أخذ منه، فجاءت "فعلت" للسلب أيضا، وإن كانت في أكثر الأمر للإيجاب، نحو: علمته، وقدمته، وأخرته، وبخرته: أي أوصلت هذه الأشياء إليه، وكذلك: عجمت الكتاب أيضا. مثل: مرضته، وقذيت عينه. ونظير فعلت وأفعلت في السلب أيضا "تفعلت"، قالوا: تحوبت3، وتأثمت، أي تركت الحوب والإثم، وإن كان "تفعلت" في أكثر الأمر تأتي للإثبات، نحو: تقدمت، وتأخرت، وتعجلت، وتأجلت، فكذلك أيضا أعجمت الكتاب وعجمته: أي أزلت استعجامه. فإن قيل: إن جميع هذه الحروف ليس معجما، إنما المعجم بعضها، ألا ترى أن الألف، والحاء والدال ونحوها، ليس معجما، فكيف استجازوا تسمية جميع هذه الحروف حروف المعجم؟ 4.   1 القذى: ما يسقط في العين والشراب، وقذيت عينه من باب صدي سقطت فيها قذاة فهي قذى وقذت عينه: رمت بالقذى. مادة "ق. ذ. ى". اللسان "5/ 3562". 2 خميص البطن: الأخمص ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض، والخمصة الجوعة، وخمص بطنه خلا وضمر، "ج" خماص وخمائص. اللسان "2/ 3562". 3 تحوبت: الحوب بالضم والحاب الإثم، وقد حاب بكذا أي أثم. اللسان "2/ 1036". 4 فكيف استجازوا تسمية هذه الحروف حروف المعجم؟: أسلوب إنشائي في صورة استفهام الغرض منه الاستنكار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 قيل: إنما سميت بذلك لأن الشكل الواحد إذا اختلفت أصواته، فأعجمت بعضها، وتركت بعضها، فقد علم أن هذا المتروك بغير إعجام، هو غير ذلك الذي من عادته أن يعجم. فقد ارتفع إذن بما فعلوه الإشكال والاستبهام عنها جميعا، ولا فرق بين أن يزول الاستبهام عن الحرف بإعجام عليه، أو بما يقوم مقام الإعجام في الإيضاح والبيان. ألا ترى أنك إذا أعجمت الجيم بواحدة من أسفل، والخاء بواحدة من فوق، وتركت الحاء غفلا، فقد علم بإغفالها أنها ليست واحدة من الحرفين الآخرين، أعني الجيم والخاء، وكذلك الدال والذال، والصاد والضاد، وسائر الحروف نحوها، فلما استمر البيان في جميعها جازت تسميته بحروف المعجم. وهذا كله رأي أبي علي، وعنه أخذته، وقد أتيت في هذا الفصل من الاشتقاق وغيره، بما هو معاني قوله، وإن خالفت لفظه، وهو الصواب، الذي لا يذهب عنه إلى غيره. واعلم1 أن العرب قد سمت هذا الخط المؤلف من هذه الحروف "الجزم". قال أبو حاتم: إنما سمي جزما لأنه جزم من المسند، أي أخذ منه. قال: والمسند: خط حمير في أيام ملكهم، وهو في أيديهم إلى اليوم وباليمن. فمعنى جزم: أي قطع منه وولد عنه، ومنه جزم الإعراب، لأنه اقتطاع الحرف من الحركة ومد الصوت بها للإعراب.   1 أسلوب إنشائي في صورة أمر لغرض منه النصح والإرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 باب أسماء الحروف : وأجناسها، ومخارجها، ومدارجها، وفروعها المستحسنة، وفروعها المسقبحة، وذكر خلاف العلماء فيما مستقصى مشروحا: اعلم أن أصول حروف المعجم عند الكافة1 تسعة وعشرون حرفا. فأولها الألف. وآخرها الياء، على المشهور من ترتيب حروف المعجم، إلا أبا العباس، فإنه كان يعدها ثمانية وعشرين حرفا، ويجعل أولها الباء، ويدع الألف من أولها، ويقول: هي همزة، ولا تثبت على صورة واحدة، وليست لها صورة مستقرة، فلا أعتدها مع الحروف التي أشكالها محفوظة معروفة. وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس2 غير مرضي منه عندنا، وسأوضح القول فيه بإذن الله. اعلم أن الألف التي في أول حروف المعجم هي صورة الهمزة، وإنما كتبت الهمزة واوا مرة وياء أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف3، ولو أريد تحقيقها البتة، لوجب أن تكتب ألفا على كل حال، يدل على صحة ذلك أنك إذا أوقعتها موقعا لا يمكن فيه تخفيفا، ولا تكون فيه إلا محققه، لم يجز أن تكتب إلا ألفا، مفتوحة كانت أو مضمومة أو مكسورة، وذلك إذا وقعت أولا، نحو: أخذ، وأخذ، وإبراهيم، فلما وقعت موقعا لا بد فيه من تحقيقها اجتمع على كتبها ألفا البتة4.   1 الكافة: الجميع، ويقصد بهم عموم النحاة، مادة "كف". اللسان "5/ 3804". 2 أبو العباس: هو أبو العباس المبرد أحد النحاة المعتد بآرائهم. 3 إنما يكون ذلك عند أهل الحجاز إذا لم تقع أول الكلمة. 4 البتة: قطعا لا رجعة فيه. مادة "ب. ت. ت". اللسان "1/ 204". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وعلى هذا1 وجدت في بعض المصاحف: "يَسْتَهْزِأُون" بالألف قبل الواو. ووجد فيها أيضا: "وإنْ مِنْ شَيْأٍ إلا يُسبِّحُ بِحَمْدِه"2 بالألف بعد الياء. وإنما ذلك لتوكيد التحقيق. وهذه علة في الهمزة كنت قديما، أنا رأيتها، ثم غبرت3 زمانا، فرأيت بعض كلام أبي بكر محمد بن السري -رحمه الله-، وقد أوردها فيه غير مسنده إلى غيره، ثم إني رأيتها بعد ذلك في بعض كلام الفراء، فلا أدري: أاصاب أبا بكر مع الفراء ما أصابني أنا من المواردة4 له، أم هو شيء سمعه، فحكاه واعتقده؟ وهي دلالة قاطعة قوية. وفيه دلالة أخرى، وهي أن كل حرف سميته ففي أول حروف تسميته لفظه بعينه، ألا ترى أنك إذا قلت: جيم، فأول حروف الحرف "جيم" وإذا قلت دال، فأول حروف الحرف "دال" وإذا قلت حاء، فأول ما لفظت به حاء، وكذلك إذا قلت ألف، فأول الحروف التي نطقت بها همزة. فهذه دلالة أخرى غريبة، على كون صورة الهمزة مع التحقيق ألفا. فأما المدة التي في نحو: قام وسار وكتاب وحمار، فصورتها أيضا صورة الهمزة المحققة، التي في أحمد وإبراهيم وأترجة5، إلا أن هذه الألف لا تكون إلا ساكنة، فصورتها وصورة الهمزة المتحركة واحدة وإن اختلف مخرجاهما، كما أن النون الساكنة في نحو: من وعن، والنون المحركة في نحو: نعم ونفر، تسمى كل واحدة منهما نونا، وتكتبان شكلا واحدا، ومخرج الساكنة من الخياشيم6، ومخرج المتحركة من   1 الإشارة بهذا إلى مضمون الكلام السابق، وهو أنها إذا لم تقع في أول الكلمة يخففها الحجازيون ويحققها غيرهم، ولذلك توجد في بعض المصاحف محققة، مكتوبة ألفا على طريقة غير الحجازيين. 2 يسبح: ينزه مادة "سبح" اللسان "3/ 1914"، ومعنى الآية: أن كل شيء ينزه الله سبحانه وتعالى، والآية دليل على تحقيق بعض كتاب المصحف للألف في كلمة "شيئا". 3 غبرت: مضيت، مادة "غبر". اللسان "5/ 3205". 4 المواردة: اتفاق الخواطر. مادة "ورد". 5 أترجة: ثمر ذكي الرائحة. جمعها أترج. مادة "ت. ر. ج" اللسان "1/ 425". 6 الخياشيم: واحدها الخيشوم وهو الأنف. مادة "خ. ش. م" اللسان "2/ 1168". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الفم، كما أن مخرج الألف المتحركة التي هي همزة من المصدر، ومخرج الألف فوقها من أول الحلق، فهاتان ها هنا كتينك هناك. فأما إخراج أبي العباس الهمزة من جملة الحروف، واحتجاجه في ذلك بأنها لا تثبت صورتها، فليس بشيء، وذلك أن جميع هذه الحروف إنما وجب إثباتها واعتدادها لما كانت موجودة في اللفظ الذي هو قبل الخط، والهمزة أيضا موجودة في اللفظ، كالهاء والقاف وغيرهما، فسبيلها أن تعتد حرفا كغيرها، فأما انقلابها في بعض أحوالها لعارض يعرض لها من تخفيف أو بدل، فلا يخرجها من كونها حرفا، وانقلابها أدل دليل على كونها حرفا، ألا ترى أن الألف والواو والياء والتاء والهاء والنون وغيرهن قد يقلبن في بعض الأحوال، ولا يخرجهن ذلك من أن يعتددن حروفا، وهذ أمر وضح غير مشكل1. واعلم أن واضع حروف الهجاء لما لم يمكنه أن ينطبق بالألف التي هي مدة ساكنة، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، دعمها باللام قبلها متحركة، ليمكن الابتداء بها. فقال: هـ، و، لا، ي. فقوله "لا" بزنة ما، ويا، ولا تقل كما يقول المعلمون: لام ألف. وذلك أن واضع الخط لم يرد أن يرينا كيف أحوال هذه الحروف إذا تركب بعضها مع بعض، ولو أراد ذلك، لعرفنا أيضا كيف تتركب الطاء مع الجيم والسين مع الدال، والقاف مع الظاء، وغير ذلك مما يطول تعداده، وإنما مراده ما ذكرت لك، من أنه لما لم يمكنه الابتداء بالمدة الساكنة، ابتدأ باللام، ثم جاء بالألف بعدها ساكنة، ليصح لك النطق بها كما صح لك النطق بسائر الحروف غيرها، وهذا واضح. فإن قال قائل: فلم اختيرت لها اللام دون سائر الحروف؟ وهلا جيء لها بهمزة الوصل، كما فعل العرب ذلك بالساكن لما لم يمكن ابتداؤه، نحو: اضرب، اذهب، انطلق، وغير ذلك؟ فالجواب: أن همزة الوصل لو جيء بها قبل الألف توصلا إلى النطق بالألف الساكنة، لما أمكن ذلك، ولادتهم الحال إلى نقض الغرض الذي قصدوا له.   1 المشكل: الملتبس مادة "شكل". اللسان "4/ 2310". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وذلك أن همزة الوصل كانت تأتي مكسورة، كما جرت العادة فيها، ولو كسرت قبلها لانقلبت الألف ياء، لانكسار ما قبلها، فكنت تقول: "اي"، فلا تصل إلى الألف التي اعتمدتها1. فلما لم يجز ذلك عدلوا إلى اللام من بين سائر الحروف، لما أذكره لك. وذلك أن واضع الخط أجراه في هذا على اللفظ، لأنه أصل للخط، والخط فرع على اللفظ، فلما رآهم قد توصلوا إلى النطق بلام التعريف، بأن قدموا قبلها ألفا نحو: الغلام والجارية، لما لم يمكن الابتداء باللام الساكنة كذلك أيضا، قدم قبل الألف في "لا"، لاما، توصلا إلى النطق بالألف الساكنة، فكان في ذلك ضرب من المعاوضة2 بين الحرفين. وهذا بإذن الله غير مشكل. فإذا كنا قد أجمعنا إيراد حروف المعجم على ما في أيدي الناس من التأليف المشهور، أعني على غير ترتيب المخارج، وذكرها حرفا حرفا، فليس ذلك بمانع لنا سوقها على ترتيب المخارج، فإنه أوضح في البيان، ثم نعود فيما بعد إلى استقرائها على تأليف أب ت ث، إلى أن نأتي بإذن الله على جميعها.   1 اعتمدتها: اعتمد الشيء أي عليه اتكأ. مادة "عمد". اللسان "4/ 3097". وفاعل اعتمد: ضمير يرجع إلى الألف، وها: عائد على الهمزة. والمعني: أن الألف اعتمدت الهمزة، أي اتكأت عليها، ليمكن النطق بها. 2 المعاوضة: المبادلة، مادة "عوض". اللسان "4/ 3170". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 باب: الحروف على مراتبها في الاطراد ... ذكر الحروف على مراتبها في الاطر اد 1: وهي: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والقاف، والكاف، والجيم، والشين، والياء، والضاد، واللام، والراء، والنون، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو. فهذا هو ترتيب الحروف على مذاقها وتصعدها، وهو الصحيح، فأما ترتيبها في كتاب العين2 ففيه خطل واضطراب، ومخالفة لما قدمناه آنفا، مما رتبه سيبويه3، وتلاه أصحابه عليه، وهو الصواب الذي يشهد التأمل له بصحته. واعلم أن هذه الحروف التسعة والعشرين قد تلحقها ستة أحرف تتفرع عنها حتى تكون خمسة وثلاثين حرفا، وهذه الستة حسنة، يؤخذ بها في القرآن، وفصيح الكلام، وهي النون الخفيفة، ويقال الخفية، والهمزة المخفية، وألف التفخيم، وألف الإمالة4، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي. وقد تلحق بعد ذلك ثمانية أحرف وهي فروع غير مستحسنة، ولا يؤخذ بها في القرآن ولا في الشعر، ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة، غير متقبلة، وهي الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالميم، ولا يصح أمر هذه الحروف الأربعة عشر اللاحقة للتسعة والعشرين، حتى كملتها ثلاثة وأربعين، إلا بالسمع والمشافهة، وسنفصل ذلك إن شاء الله.   1 الاطراد: أي تتابع مواقعها من الحلق إلى الشفتين. مادة "طرد" اللسان "4/ 2652". 2 ترتيب العين وهو معجم الخليل بين أحمد كالتالي: العين، الحاء، الهاء، الخاء، الغين، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الضاد، الصاد، السين، الزاي، الطاء، الدال، التاء، الظاء، الذال، الثاء، الراء، اللام، النون، الفاء، الباء، الميم، الياء، الواو، الألف. 3 ترتيب سيبويه للحروف هكذا: ء، ا، هـ، ع، ح، غ، خ، ك، ق، ض، ج، ش، ي، ل، ر، ن، ط، د، ت، ص، ز، س، ظ، ذ، ث، ف، ب، م، و. 4 الإمالة: نطق الألف بين الألف والياء، والفتحة كالكسرة، مادة "ميل" اللسان "6/ 4311". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 واعلم أن مخارج هذه الحروف ستة عشر: ثلاثة منها في الحلق. فأولها من أسفله وأقصاه، مخرج الهمزة والألف والهاء، هكذا يقول سيبويه. وزعم أبو الحسن1 أن ترتيبها: الهمزة وذهب إلى أن الهاء مع الألف، لا قبلها ولا بعدها، والذي يدل على فساد ذلك وصحة قول سيبويه، أنك متى حركت الألف، اعتمدت بها على أقرب الحروف منها إلى أسفل، فقلبتها همزة، ولو كانت الهاء معها لقلبتها هاء، وهذا واضح غير خفي. ومن وسط الحلق مخرج العين والحاء. ومما فوق ذلك مع أول الفم، مخرج الغين والخاء. ومما فوق ذلك من أقصى اللسان، مخرج القاف. ومن أسفل من ذلك وأدنى إلى مقدم الفم مخرج الكاف. ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى، مخرج الجيم والشين والياء. ومن أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد، إلا أنك إن شئت تكلفتها2 من الجانب الأيمن، وإن شئت من الجانب الأيسر. ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية3، مخرج اللام. ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا، مخرج النون. ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا، لانحرافه إلى اللام، مخرج الراء. ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا، مخرج الطاء والدال والتاء. ومما بين الثنايا وطرف اللسان، مخرج الصاد والزاي والسين.   1 هو: أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط. 2 تكلفتها: تحملتها مع مشقة. مادة "كلف". اللسان "5/ 3917". 3 الثنية: إحدي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، اثنتان من فوق واثنتان من تحت، والجمع "ثنايا". مادة" ثنى". اللسان "1/ 516". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا، مخرج الظاء والذال والثاء. ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى، مخرج الفاء. ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو. ومن الخياشيم مخرج النون الخفية، ويقال الخفيفة أي الساكنة. فذلك ستة عشر مخرجا1. ويدلك على أن النون الساكنة إنما هي من الأنف والخياشيم، أنك لو أمسكت بأنفك، ثم نطقت بها2 لوجدتها مختلة، وأما النون المتحركة فمن حروف الفم، كما قدمنا، إلا أن فيها بعض الغنة3 من الأنف. وأما الهمزة المخففة فهي التي تسمى همزة بين بين. ومعنى قول سيبويه: بين بين، أي هي بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، إن كانت مفتوحة، فهي بين الهمزة والألف، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو، إلا أنها ليس لها تمكن الهمزة المحققة، وهي مع ما ذكرنا من أمرها، في ضعفها وقلة تمكنها، بزنة المحققة، ولا تقع الهمزة المخففة أولا أبدا، لقربها بالضعف من الساكن، فالمفتوحة نحو قولك في سأل: سال، والمكسورة نحو قولك في سئم: سيم والمضمومة نحو قولك في لؤم: لوم.   1 اختلف العلماء في عدد مخارج الحروف، بين أربعة عشر وستة عشر وسبعة عشر مخرجا، وعلماء التجويد على أنها سبعة عشر، على الرأي المختار، وهو رأي الخليل. وقال سيبويه: إنها ستة عشر، فأسقط مخرج الجوف، ووزع حروفه على بقية المخارج، فجعل الألف من الحلق، والياء من وسط اللسان، والواو من الشفتين، وتابعه على ذلك كثير منهم الشاطبي. وذهب قطرب والجرمي والفراء ومن تبعهم إلى أنها أربعة عشر مخرجا، فأسقطوا الجوف كما فعل سيبويه، وجعلوا مخارج اللسان ثمانية، لأنهم جعلوا اللام والنون والراء من مخرج واحد كلي ذي مخارج جزئية. 2 الضمير راجع إلى النون. 3 الغنة: صوت يخرج من الخيشوم. مادة "غ. ن. ن". اللسان "5/ 3307". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ويدلك على أنها وإن كانت قد قربت من الساكن فإنها في الحقيقة متحركة، أنك تعتدها في وزن العروض حرفا متحركا، وذلك نحو قول كثير1. أان زم أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البيت أنت حزين2 ألا ترى أن وزن قولك "أان زم": فعولن، فالهمزة إذن مقابلة لعين "فعولن" وهي3 متحركة كما ترى. وحدثنا أبو علي، قال: أخذ أبو نواس4 لفظ سيبويه ومعناه، يعني قوله: "بين بين"، فقال: وخذ من كف جارية وصيف ... مليح الدل ملثوغ الكلام له شكل الإناث وبين بين ... ترى فيه تكادية الغلام5   1 كثير: هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر العذري، من فحول شعراء الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريرا والفرزدق والأخطل والراعي وكان كثير غاليا في التشيع يذهب مذهب الكيسانية. مات سنة 105هـ في ولاية يزيد بن عبد الملك. انظر/ الأغاني "8/ 25". 2 زم: من زمم الجمل إذا شد عليه الزمام. مادة "ز. م. م". اللسان "3/ 1865". إجمال: واحدها "جمل" وهو الكبير من الإبل. البين: الفراق. مادة "بين" اللسان "1/ 403". شرح البيت، هل تحزن إذا شدت الأزمة على الجمال، وفارقك الجيران ونعب الغراب آذنا بالرحيل؟ الشاهد في البيت قوله: "أان زم" وهو شاهد على أن الهمزة تكون متحركة حتى لو كانت مسهلة كما في المتن. إعراب البيت: الهمزة: للاستفهام. أن: أداة شرط جازمة سهلت همزتها. 3 وهي: ضمير راجع إلى عين فعولن، لانها ظاهرة الحركة. 4 أبو نواس: هو أبو الحسن بن هانئ، الشاعر المتفنن، والجاد الماجن، وصاحب الصيت الطائر، والشعر السائر، ورأس المحدثين بعد بشار، وهو فارسي الأصل، ولد بكورة خوزستان سنة 145هـ، ونشأ يتيما وعمل بالعطارة ثم مدح الرشيد ومحمد الأمين، وتوفي ببغداد سنة 198هـ. 5 الوصيف: الخادم الحدث، يريد الساقي، ويطلق على الجارية أيضا. اللسان "6/ 4850". مليح: ملح الشيء من باب ظرف وسهل أي حسن فهو مليح، والجمع ملاح وأملاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وأخبرني1 أيضا قال: سألني سائل قديما، فقال: هل يجوز الخرم2 في أول أجزاء متفاعلن من الكامل؟ 3 قال: ولم أكن حينئذ أعرف مذهب العروضيين4 فيه فعدلت به إلى طريق الإعراب، فقلت: لا يجوز. فقال: لم لا يجوز؟ فقلت: لأن التاء التي بعد الميم قد يدركها السكون في بعض الأحوال، فيكره الابتداء بحرف قد يكون في بعض أحواله ساكنا في ذلك المثال بعينه، كما كرهت العرب الابتداء بالهمزة المخففة، لأنها قد قربت من الساكن، أفلا ترى إلى تناسب هذا العلم5، واشتراك أجزائه، حتى إنه ليجاب عن بعضه بجواب غيره.   1 الدال: هو حسن الحديث. اللسان "2/ 1413". مادة "د. ل. ل". ملثوغ: اللثغة: تحول اللسان من حرف إلى حرف، كقلب السين ثاء، أو الراء غينا. اللسان "5/ 3995". مادة "ل. ث. غ". بين بين: أي التوسط. لسان العرب "1/ 406". مادة "ب. ي. ن". تكاديه: "م" تكدية، وهو فرق الشعر وأصل مصدره: كده تكديها إذا فرق شعره. اللسان "5/ 3838". مادة "ك. د. هـ". الشرح: يخاطب الشاعر صديقه طالبا منه أن يتناول عقاره من يد تلك الحسناء المليحة التي تتدلل في حديثها ثم يصف تلك الجارية فهي ملثوغة اللسان لها وجه الإناث ولكنها تتشبه بالغلمان في تفريق الشعر من منتصفه. خذ: أسلوب إنشائي في صورة أمر، الغرض منه التوسل والرجاء. والشاهد في قوله: بين بين: فقد استخدم الشاعر تعبير سيبويه بلفظه ومعناه كما في المتن. 1 الضمير راجع إلى أبي علي المذكور قريبا. 2 الخرم: قال ابن سيده: الخرم في العروض ذهاب الفاء من فعولن فيبقي"عولن" فينقل في التقطيع إلى فعلن، قال: ولا يكون الخرم إلا في أول الجزء في البيت. اللسان "2/ 1145". 3 الكامل: بحر من بحور الشعر وزنه: متفاعلن ست مرات. 4 العروضيين: نسبة إلى العروض وهو علم اخترعه الخليل بن احمد، وهو علم يدرس موازين الشعر. 5 لعل الإشارة بهذا إلى علم العربية وفقهها، بدون نظر خاص إلى فروعها من لغة ونحو وصرف وعروض وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ومعنى قول سيبويه "بين بين": أي هي ضعيفة ليس لها تمكن المحققة، ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها. قال عبيد بن الأبرص1. تحمي حقيقتنا وبعض ... القوم يسقط بين بينا2 أي يتساقط ضعيفا غير معتد به. وأما ألف الإمالة فهي التي تجدها بين الألف والياء، نحو قولك في عالِم وخاتِم: عاِلِم خاِتِم3 وأما ألف التفخيم4 فهي التي تجدها بين الألف وبين الواو، نحو قولهم: سُلام عليك، وقُام زيد، وعلى هذا كتبوا: الصلوة والزكوة والحيوة بالواو، لأن الألف مالت نحو الواو، كما كتبوا إحداهما وسواهن بالياء لمكان إمالة الفتحة قبل الألف إلى الكسرة. وأما الشين التي كالجيم، فهي الشين التي يقل تفشيها واستطالتها، وتتراجع قليلا متصعدة نحو الجيم.   1 عبيد بن الأبرص: هو عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر أحد بني دووان بن أسد بن خزيمة، قال عنه صاحب الطبقات: إنه قديم عظيم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب لا أعرف له إلا قوله. أفقر من أهله ملجوب ... فالقطيبات فالذنوب ولا أدري ما بعد ذلك. انظر/ طبقات فحول الشعراء "ص58". 2 حقيقتنا: ما تجب علينا حمايته، "ج" حقائق. اللسان "2/ 942". مادة "ح. ق. ق". يقول الشاعر: إننا نحمي حرمتنا بينما يتقاعس البعض عن ذلك. هذا وقد فسر ابن جني "بين بين" بالضعف اتباعا لسيبويه، غير أن ابن بري استدرك على هذا كما ذكر صاحب اللسان حيث قال: قال ابن بري: قال السيرافي: كأنه قال: بين هؤلاء وهؤلاء، كأن رجل يدخل بين فريقين في أمر من الأمور فيسقط، ولا يذكر فيه. قال الشيخ: يجوز عندي أن يريد بين الدخول في الحرب والتأخر عنها، كما يقال: فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى. انظر/ لسان العرب "1/ 406" مادة "بين". 3 وضعنا كسرة تحت العين والخاء، وأثبتنا الألف علامة على إمالة ألف عالم وخاتم. 4 التفخيم: التعظيم والتضخيم عن طريق ملء الفم بالحرف "كالطاء والظاء" اللسان "5/ 3362". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وأما الصاد التي كالزاي، فهي التي يقل همسها1 قليلا، ويحدث فيها ضرب من الجهر، لمضارعتها2 الزاي، وذلك قولك في يصدر يصدر، وفي قصد قصد3. ومن العرب من يخلصها زايا، فيقول يزدر وقزد، وقالوا في مثل لهم: "لم يحرم من فزد له" أي فصد له. وتأويل هذا أن الرجل كان يضيف الرجل في شدة الزمان، فلا يكون عنده ما يقريه4، ويشح أن ينحر راحلته له، فيفصدها5، فإذا خرج الدم سخنه للضيف، إلى أن يجمد ويقوى، فيطعمه أياه6، فجرى المثل في هذا، فقيل: "لم يحرم من فزد له". أي لم يحرم القرى من فصدت له، إلا أنه أسكن الصاد تخفيفا، كما يقال في ضرب زيد: ضرب، وفي قتل: قتل، فلما سكنت الصاد ضارعوا7 بها الدال التي بعدها، بأن قلبوها إلى أشبه الحروف بالدال من مخرج الصاد، وهي الزاي، لأنها مجهورة8، كما أن الدال مجهورة، فقالوا: فزد. فإن تحركت الصاد لم يجز فيها البدل، وذلك نحو صدر وصدف، لا تقول فيه زدر ولا زدف، وذلك أن الحركة قوت الحرف وحصنته، فأبعدته من الانقلاب، بل قد يجوز فيها إذا تحركت إشمامها9 رائحة الزاي، فأما أن   1 الهمس: وهو غير الجهر، والمهموس من الحروف ما يضعف الاعتماد على مخرجه عند النطق به، وعلامته أن يبقي النفس جاريا عند النطق به، والحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك: "حثه شخص فسكت". اللسان "6/ 4699"، مادة "هـ. م. س". 2 المضارعة: المشابهة: اللسان "4/ 2580". مادة "ضرع". 3 اعلم أن النطق بالصاد هنا وفي يصدر هو بين الصاد والزاي. 4 يقريه: ما يقدمه لضيف من الطعام. اللسان "5/ 3618". مادة "قرى". 5 يفصدها: يشق عرقها ليستخرج دمه فيشربه. اللسان "5/ 3420". مادة "فصد". 6 الضمير عائد إلى الرجل السابق ذكره. 7 ضارعوا: شابهوا. اللسان "4/ 2580". 8 المجهور: من الأصوات: صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة، كالذال والدال مثلا. مادة "جهر". 9 الإشمام: عند جمهور النحاة والقراء، صيغ الصوت اللغوي بمسحة من صوت آخر، مثل نطق كثير من قيس وبني أسد لأمثال: "قيل وبيع" بإمالة نحو واو المد، ومثل إشمام الصاد صوت الزاي في قراءة الكسائي بصفة خاصة. اللسان "4/ 2333". مادة "ش. م. م". والإشمام أيضا "لدى القراء وحدهم": الإشارة بالشفتين إلى الضمة المحذوفة من آخر الكلمة الموقوف عليها بالسكون من غير تصويت بهذه الضمة. انظر/ الوسيط مادة "شمر" "1/ 515". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 تخلص وهي متحركة زايا كما تخلص وهي ساكنة، فلا. وإنما تقلب الصاد زايا أو تشم رائحتها إذا وقعت قبل الدال، فإن وقعت قبل غيرها لم يجز ذلك فيها. فهذه أحوال الحروف التي هي فروع مستحسنة. فأما الثمانية اللاحقة بهذه فهي مستقبحة1، وفي شرح أحوالها طول، فتركناه لذلك، لا سيما وليست الحاجة إليها كهذه، إلا أن المشافهة تأتي عليها، وتوضح لك حالها.   1 هذه الحروف المستقبحة قسمان: مستقبحة دائما، ومستقبحة في موضع، حسنة في غيره. - فأما الأولى فهي: أ- حرف بين الجيم والكاف وينطق به بدل الكاف في لغة اليمن فيقولون: جافر بدلا من كافر، وبدل الجيم في لغة البحرين فيقولون: جملة بجيم مصرية، وبدل القاف في لغة أهل البوادي فيقولون: جعد بدلا من قعد، مع تفخيم الجيم. ب- حرف بين الصاد والسين، وينطق به بدل الصاد، فيقولون في صاد، ساد بتفخيم السين. ج- حرف بين الطاء والتاء، وينطق به بدل الطاء وكثيرا ما يوجد في كلام العجم إذا أرادوا نطق العربية فيقولون تاهر بدلا من طاهر بالتاء المفخمة. د- حرف بين الضاد والظاء، وينطق به بدل الضاد، فيقولون في ضبع: ظبع بالظاء المصرية. هـ- حرف بين الظاء والثاء، وينطق به بدل الظاء فيقال في ظاهر: ثاهر، بثاء مفخمة. و حرف بين الفاء والباء، وينطق به بدل الباء فيقال: بلخ بحرف يشبه الحرف p أو v. - وأما الحروف المستقبحة في موضع المستحسنة في آخر فهي: أ- حرف بين الجيم والشين، وينطق به بدل الشين استحسانا إذا كانت ساكنة بعدها دال فيقولون: مجدود بدلا من مشدود. وتستقبح إذا كانت ساكنة بعدها دال أو تاء مثل: أجدبوا، واجتمعوا. ب- حرف بين الواو والياء، وينطق بها استحسانا بدل الواو الخالصة، أو الياء الخالصة، نحو: قبل وبيع، فتجعل الياء شبه حرف u وهو في لغة كثير من قيس وبني أسد. وينطق به استهجانا بدل واو المد التي بعدها راء مكسورة كابن سرور فتمال الضمة إلى الكسرة، فيفطن إلى إمالة الواو نحو الياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 واعلم أنك كما قد تجد هذه المضارعة وهذا التقارب بين الحروف، فقد تجده أيضا بين الحركات، حتى إنك تجد الفتحة مشوبة بشيء من الكسرة أو الضمة منحوا بها إليهما، وتجد الكسرة أيضا مشوبة1 بشيء من الضمة، والضمة مشوبة بطرف من الكسرة، ولا تجد الكسرة ولا الضمة مشوبة بشيء من الفتحة، وسنذكر لم كان ذلك كذلك عقيب هذا الفصل إن شاء الله. أما الفتحة المشوبة بالكسرة فالفتحة التي قبل الإمالة نحو فتحة عين عابد وعارف، وذلك أن الإمالة إنما هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، فتميل الألف التي بعدها نحو الياء لضرب من تجانس الصوت، فكما أن الحركة ليست فتحة محضة2، فكذلك الألف التي بعدها ليست ألفا محضة، وهذا هو القياس، لأن الألف تابعة للفتحة، فكما أن الفتحة مشوبة، فكذلك الألف اللاحقة لها. وقد أمالوا أيضا هذه الفتحة وإن لم تكن بعده ألف، فقالوا: من عمرو3 ورأيت خبط رياح4، وقرأ بعضهم: "فإنهم لا يكذبونك" وقرئ أيضا: "وإنا إليه راجعون" و"رأى القمر". وأما الفتحة الممالة نحو الضمة، فالتي تكون قبل ألف التفخيم، وذلك نحو الصلاة والزكاة، ودعا وغزا، وقام وصاغ، وكما أن الحركة أيضا هنا قبل الألف ليست فتحة محضة، بل هي مشوبة بشيء من الضمة، فكذلك الألف التي بعدها، ليست ألف محضة، لأنها تابعة لحركة هذه صفتها، فجرى عليها حكمها. وأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو قيل وبيع، وغيض5، وسيق. وكما أن الحركة قبل هذه الياء مشوبة بالضمة، فالياء بعدها مشوبة بروائح الواو، على ما تقدم في الألف.   1 مشوبة: مخلوطة. مادة "شوب". اللسان "4/ 2355". 2 المحض: الخالص. قال الأزهري: كل شيء خلص حتى لا يشوبه شيء يخالطه فهو محض اللسان "6/ 4146". مادة "محض". 3 وضعنا فوق العين فتحة وتحتها كسرة للإشارة إلى أنها ممالة، وكذلك فوق الطاء وتحتها في خبط. 4 وخبط الرياح: ما يتساقط من ورق الشجر إذا ضربته الرياح. اللسان "2/ 1093". 5 غيض الماء: نزل في الأرض وغاب فيها. مادة "غيض". اللسان"5/ 3326". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قولك في الإمالة: مررت بمذعور، وهذا ابن بور. نحوت بضمة العين والباء نحو كسرة الراء، فأشممتها شيئا من الكسرة، وكما أن هذه الحركة قبل هذه الواو ليست ضمة محضة، ولا كسرة مرسلة، فكذلك الواو أيضا بعدها، هي مشوبة بروائح الياء، وهذا مذهب سيبويه، وهو الصواب، لأن هذ الحروف تتبع الحركات قبلها، فكما أن الحركة مشوبة غير مخلصة، فالحرف اللاحق بها أيضا في حكمها. وأما أبو الحسن فكان يقول: مررت بمذعور وهذا ابن بور، فيشم الضمة قبل الواو رائحة الكسرة، ويخلص الواو واوا محضة البتة، وهذا تكلف فيه شدة في النطق، وهو مع ذلك ضعيف في القياس. فهذا ونحوه ما لا بد في أدائه وتصحيحه للسمع، من مشافهة توضحه، وتكشف عن خاص سره. فإن قيل: فلم جاز في الفتحة أن ينحى بها نحو الكسرة والضمة، وفي الكسرة أن ينحى بها نحو الضمة، وفي الضمة أن ينحى بها نحو الكسرة، على ما قدمت ومثلت، ولم يجز في واحدة من الكسرة ولا الضمة أن ينحى بها نحو الفتحة؟ فالجواب في ذلك أن الفتحة أول الحركات، وأدخلها في الحلق، والكسرة بعدها، والضمة بعد الكسرة، فإذا بدأت بالفتحة، وتصعدت تطلب صدر الفم والشفتين، اجتازت في مرورها بمخرج الياء والواو، فجاز أن تشمها شيئا من الكسرة أو الضمة لتطرقها1 إياهما، ولو تكلفت أن تشم الكسرة أو الضمة رائحة من الفتحة لاحتجت إلى الرجوع إلى أول الحلق، فكان في ذلك انتقاض2 عادة الصوت، بتراجعه إلى ورائه، وتركه التقدم إلى صدر الفم، والنفوذ بين الشفتين، فلما كان في إشمام الكسرة أو الضمة رائحة الفتحة، هذا الانقلاب والنقض، ترك ذلك، فلم يتكلف البتة. فإن قيل: فقد نراهم نحوا3 بالضمة نَحو الكسرة في: مذعور ومنقور ونحوهما، والضمة كما تعلم فوق الكسرة، فكما جاز لهم التراجع في هذا، فهلا جاز أيضا في الكسرة والضمة أن ينحى بهما نحو الفتحة؟   1 تطرقها: أي تبتغي إليها. مادة "طرق". اللسان "4/ 2665". 2 انتقاض: إفساد ما أبرمت. اللسان "6/ 4524". مادة "نقض". 3 نحوا: اتجهوا. اللسان "6/ 4371". مادة "نحو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فالجواب أن بين الضمة والكسرة من القرب والتناسب ما ليس بينهما وبين الفتحة، فجاز أن يتكلف نحو ذلك بين الضمة والكسرة، لما بينهما من التجانس فيما قد تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب، وفيما سنذكره أيضا في أماكنه، وهو مع ذلك قليل مستكره، ألا ترى إلى كثرة قيل وبيع وغيض1، وقلة نحو: مذعور وابن بور. ولعل أبا الحسن أيضا إلى هذا نظر في امتناعه من إعلال2 الواو في مذعور، وتركها واوا محضة، لأن له أن يقول أن الحركة التي قبل الواو لم تتمكن في الإعلال والإشمام تمكن الفتحة في الإشمام نحو عالم وقام، ولا تمكن الكسرة في قيل وبيع فلما كان الإشمام في مذعور ونحوه عنده والعمل خلسا3 خفيا، لم يقو على إعلال الواو بعده، كما اعتلت الألف في نحو عالم وقام، والكسرة في نحو قيل وغيض فلذلك لم تعتل عنده الواو في مذعور وابن بور، وأخلصها واو محضة. فهذا قول من القوة على ما تراه، وإن شئت فقل أن الضمة وإن نحي بها نحو الكسرة فلقربها منهاوبعدت الفتحة منها فلم يجز فيها ما جاز في الكسرة القريبة. فلما بطل ذلك في الضمة، حملت الكسرة عليها، لأنها أختها، وداخلة في أكثر أحكامها، ويشهد لهذا القول أنهم أدغموا النون في الميم، لاشتراكهما في الغنة والهوي في الفم، ثم إنهم حملوا الواو في هذا على الميم، بأنها من الشفة، وإن لم تكن النون من الشفة. ثم إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا، لأنها ضارعتها في المد، وإن لم تكن معها من الشفة، فأجازوا إدغام النون في الياء، فالميم نحو قولهم: من معك؟ والواو نحو قولهم: من وعدت؟ والياء نحو قوله عز اسمه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول} 4، فكما جاز حمل الواو على الميم، ثم حمل الياء على الواو فيما ذكرنا،   1 وضعنا ضمة فوق كل من القاف والباء والغين للدلالة على إمالة الكسرة نحو الضمة. 2 المراد بالإعلال هنا: إشمام الواو رائحة الياء، وليس قلبها ياء خالصة. 3 خلسا: على حين غفلة. مادة "خلس". اللسان "2/ 1226". 4 الآية شاهد على إدغام النون في الياء وهذا إدغام بغنة. والحروف التي تدغم مع النون هي حروف كلمة "يرملون" أربعة منها بغنة واثنين بدون غنة. فأما الأربعة فهم: "ي، ن، م، و" وأما الحرفين اللذين بدون غنة فهما: "ر، ل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الفتحة. ولهذا نظائر كثيرة في كلامهم، أتركها خوف الإطالة. وقد كان يجب على أصحابنا1 إذ ذكروا فروع الحروف، نحو ألف الإمالة وألف التفخيم، وهمزة بين بين، أن يذكروا أيضا الياء في نحو: قيل وبيع والواو في نحو: مذعور وابن بور. على أنه قد يمكن الفصل بين الياء والواو، وبين الألف، بأنها لا بد من أن تكون تابعة، وأنهما قد لا تتبعان ما قبلهما. وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع2 ومن وجد قولا قاله، والله يعين على الصواب بقدرته. فأما النون إذا أدغمت بغنة، والطاء والصاد والظاء إذا أدغمن بإطباق3، فقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه البتة، وما بقي من رائحة الإطباق، لا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ ما بعده، لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان، فجرى الإطباق والغنة بعد الإدغام في قلة الاعتداد به4 مجرى الإشمام الذي لا حكم له، حتى صار الحرف الذي هو فيه، في حكم الساكن البتة، وسترى القول فيه، والدلالة عليه. فأما الحركة الضعيفة المختلسة كحركة همزة بين وبين وغيرها من الحروف التي يراد اختلاس حركاتها تخفيفا، فليست حركة مشمة شيئا من غيرها من الحركتين، وإنما أضيف اعتمادها، وأخفيت لضرب من التخفيف، وهي بزنتها إذا وفت5 ولم تختلس.   1 المراد بأصحابنا هنا: هم البصريون وسيصرح المؤلف بذلك مرارا. 2 لنا أن نسجل هنا أن ابن جني يعد بحق من اللغوين العالميين الذين وضعوا أسس الدراسات الصوتية قبل أن تعرفها أوروبا في النهضة الحديثة. 3 الإطباق: أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلي مطبقا له فيفخم نطق الحرف. وحروف الإطباق هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. اللسان "4/ 2637". 4 الضمير راجع إلى الإطباق والغنة، والضمير فيما أثبتناه راجع إلى الإدغام، وكل التعبيرين له وجه. 5 إذا وفت: يقال أوفى فلانا حقه ووفاه ووافاه: إذ أتمه ولم ينقص منه شيئا، اللسان "6/ 4885". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وقد تقدمت الدلالة على أن همزة بين بين كغيرها من سائر المتحركات في ميزان العروض، الذي هو حاكم وعيار على الساكن والمتحرك، وكذلك غير هذه الهمزة من الحروف المخفاة الحركات، نحو قوله عز اسمه {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} [يوسف: 8] ؟ 1 وغير ذلك كله محرك وإن كان مختلسا، يدل على حركته قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَان} [البقرة: 185] فيمن أخفى، فلو كانت الراء الأولى ساكنة، والهاء قبلها ساكنة، لاجتمع ساكنان في الوصل، ليس الأول منهما حرف لين والثاني مدغما، نحو دابة وشابة. وكذلك قوله: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} 2 [يونس: 35] لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون الهاء مسكنة البتة، فتكون التاء من "يهتدي" مختلسة الحركة. وإما أن تكون الدال مشددة، فتكون الهاء مفتوحة بحركة التاء المنقولة إليها، أو مكسورة لسكونها وسكون الدال الأولي، وكذلك: {يَخِصِّمُون} الحكم فيهما واحد. ومثل: {شَهْرُ رَمَضَان} ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر} [الحجر: 9] 3 و {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت} [ق: 43] ، لا بد من أن تكون النون الأولى مختلسة الضمة تخفيفا، وهي بزنة المتحركة، فأما أن تكون ساكنة والحاء قبلها ساكنة فخطأ، وقول القراء إن هذا ونحوه مدغم سو منهم، وقصور عن إدراك حقيقة هذا الأمر. ومن الإخفاء أيضا قوله تبارك اسمه {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] وقالوا في جمع حياء4 وعياء5: أحيية وأعيية، مختلسين.   1 وردت في حوار دار بين أخوة يوسف وأبيهم. والآية دليل على تحرك الميم في "تأمنا" بالضم، وإن كان خافيا مختلسا. كما ذكر المؤلف في المتن. 2 يهدي: أي يسترشد، وقرئت "من لا يهدى" أي طلب الهداية، أو أقام عليها. 3 الذكر: هو القرآن الكريم. اللسان "3/ 1508". مادة "ذكر". ومعنى الآية: أن الله يؤكد على أنه هو منزل القرآن ليس غيره كما زعم الكفار. 4 الحياء: ممدودا، وهو الفرج من ذوات الخف والظلف. اللسان "2/ 1081". مادة "حيي". 5 العياء: الفحل الذي لا يقوى على الضراب. اللسان "4/ 3201". مادة "عيي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وكذلك ما أنشده سيبويه من قول الراجز1: وغير سفع مثل يحامم2 باختلاس حركة الميم الأولى. فأما ما أنشده أيضا من قوله3: كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحه مر عقاب كاسر4 فقال سيبويه كلاما يظن به في ظاهره أنه أدغم الحاء في الهاء5، بعد أن قلب الهاء حاء، فصار في ظاهر قوله ومسح.   1 الراجز: هو غيلان بن حريث، كما ذكر سيبويه في الكتاب "2/ 448". 2 السفع: جمع سفعاء، وهي الأثفية، وسفعتها: سوادها. اللسان "3/ 2027". مادة "سفع" والمثل: المنتصبة القائمة، جمع ماثلة، اللسان "6/ 4135". مادة "مثل". واليحامم: جمع يحموم وهو الأسود من كل شيء، وأصلا يحاميم، حذفت الياء لضرورة الشعر، اللسان "2/ 1010" مادة "حمم" والبيت من مشطور الرجز. والشاهد فيه: اختلاس أو إخفاء حركة الميم الأولى في "يحامم". إعراب الشاهد: يحامم: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة. 3 البيت ذكره سيبويه دون أن ينسبه. انظر/ الكتاب "2/ 448". 4 كأنها: الهاء عائدة على ناقة يصفها. والكلال: التعب. اللسان "5/ 3919". مادة "كلل". الشرح: بين الشاعر قوة الناقة فيصفها بعد طول السير وتعب زاجرها كأنها عقاب منقضة كسرت جناحيها عند انقضاضها. والشاهد فيه: أنه قلب الهاء حاء، وأخفاها في الحاء الأولى، وهذا ما جعله سيبويه ضربا من الإدغام، وهو يستدعي أن تنطق الحاء كأنها مشددة تشديدا خفيفا، وذلك ما دعا بعضهم أن يتصوره إدغاما كاملا، كما ترى في كلام المؤلف في دفاعه عن سيبويه. انظر/ الكتاب "2/ 413". 5 عبارة سيبويه في الكتاب "2/ 413" هي: ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله: كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحي مر عقاب كاسر يريدون: "ومسحه"، وظاهر من هذه العبارة أنه يرى أن الإدغام هو إدخال الثاني في الأول، وظاهر من عبارة ابن جني هنا، وهي: "أن أدغم الحاء في الهاء" أنه يذهب إلى أن الأول هو الذي يدغم في الثاني وهما مذهبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 واستدرك أبو الحسن ذلك عليه، وقال: إن هذا لا يجوز إدغامه، لأن السين ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين، فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه، فأما حقيقة معناه، فلم يرد محض الإدغام، وإنما أراد الإخفاء، فتجوز بذكر الإدغام، وليس ينبغي لمن قد نظر في هذا العلم أدنى نظر أن يظن سيبويه ممن يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش، حتى يخرج فيه من خطأ الإعراب إلى كسر الوزن، لأن هذا الشعر من مشطور الرجز، وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء، "ومس حهي" مفاعلن، فالحاء: بإزاء عين مفاعلن، فهل يليق بسيبويه أن يكسر شعرا، وهو من ينبوع العروض، وبحبوحة1 وزن التفعيل2، وفي كتابه أماكن كثيرة تشهد بمعرفته بهذا العلم، واشتماله عليه فكيف يجوز عليه الخطأ فيما يظهر ويبدو لمن يتساند إلى طبعه، فضلا عن سيبويه في جلالة قدره، ولعل أبا الحسن أراد بذلك التشنيع عليه، وإلا فهو كان أعرف الناس بحاله، وقد تلا أبا الحسن في تعقب ما أورده سيبويه في كتابه جلة3 أصحابنا، كأبي عمر4 وأبي عثمان5 وأبي العباس6 وغيرهم، فقلما ضره الله بذلك، إلا في الشيء النزر7 القليل من قوله، وأما ما أنشده أيضا من قول الراجز8. متى أنام لا يؤرقني الكرى ... ليلا ولا أسمع أجراس المطى9   1 بحبوحة: من كل شيء وسطه وخياره. اللسان "1/ 215". مادة "بحبح". 2 يشير بهذه العبارة إلى تمكن سيبويه من علم أستاذه الخليل صاحب العروض. 3 جلة: معظم. اللسان "1/ 633". مادة "جل". 4 أبو عمر الجرمي: هو صالح بن إسحاق النحوي البصري. توفي سنة 225. 5 هو أبو عثمان المازني، وهو بكر بن محمد بن بقية، توفي سنة 248 أو 249. 6 هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الثمالي الأزدي نحو بصري، توفي سنة 285. 7 النزر: القليل. مادة "نزر". 8 لم نعثر على قائل البيت وهو من شواهد الكتاب. اللسان "1/ 450". 9 الكرى: النعاس. مادة "كرى" والمطي: جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها. يقول الشاعر: متى أنام غير مؤرق؟ والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التمني. والشاهد في قوله "يؤرقني"، فقد حكى سيبويه أن بعض العرب كان يشم الضم فيه على تقدير وقوعه موقع الحال، أي متى أنام غير مؤرق، وهذا أبين إلا أن فيه قبحا لتوالي الحركات واستثقال الضم والكسر. انظر/ الكتاب لسيبويه "1/ 450". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فزعم أن العرب تشم القاف شيئا من الضم، وهذا يدلك من مذهب العرب على أن الإشمام يقرب من السكون، وأنه دون روم1 الحركة، وذلك أن هذا الشعر من الرجز ووزنه. متى أنا ملا يؤر رق نل كرى مفاعلن، مفاعلن، مستفعلن فالقاف من "يؤرقني، بإزاء سين مستفعلن، والسين كما ترى ساكنة، ولو اعتددت بما في القاف من الإشمام حركة، لصار الجزء إلى "متفاعلن" وكان يكون كسرا، لأن الرجز2 لا يجوز فيه متفاعلن، وإنما يأتي في الكامل3. فهذه دلالة قاطعة على أن حركة الإشمام لضعفها غير معتد بها، والحرف الذي هي فيه ساكن، أو كالساكن، وأنها أقل في النسبة والزنة من الحركة المخفاة في همزة بين بين وغيرها، مما قروناه4 الآن آنفا. فهذه عدة الحروف والحركات، وما لحق بها من الفروع، بأحوط5 ما يمكن في معناه. ونحن نتبع هذا ذكر أجناس الحروف، فإذا فرغنا منها بدأنا بالقول على حرف حرف، كما شرطنا بمشيئة الله.   1 الروم "عند القراء": سرعة النطق بالحركة التي في آخر الكلمة الموقوف عليها مع إدراك السمع لها، وهو أكثر من الإشمام لأنه يدرك بالسمع. اللسان "3/ 1782". مادة "روم". والروم يكون بزنة الحركة وإن كانت مختلسة، أما الإشمام فهو أن تذيقه الضمة أو الكسرة بحيث لا تسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة، فهو أقل من روم الحركة، ولا يعتد به حركة لضعفه، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن، فحركة الإشمام لا تكسر وزنا. 2 الرجز: بحر من بحور الشعر أصل وزنه "مستفعلن" ست مرات. اللسان "3/ 1588". وتسمى قصائده أراجيز واحدتها أرجوزة وهي كهيئة السجع، إلا أنه في وزن الشعر. ومن أشهر الرجاز عند العرب العجاج ورؤبة وأبو النجم الفضل بن قدامة والأغلب العجلي. 3 الكامل: بحر من بحور الشعر وزنه "متفاعلن" ست مرات. اللسان "5/ 3930". 4 قروناه: من قرا "قرواً" إذا تتبع الأمر ونظره. اللسان "5/ 3616". مادة "قرو". 5 أحوط: يريد بها هنا أشمل وأوسع فهو أفعل تفضيل من الإحاطة بالشيء. اللسان "2/ 1052". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 اعلم أن للحروف في اختلاف أجناسها انقسامات نحن نذكرها. فمن ذلك انقسامها في الجهر والهمس، وهي على ضربين: مجهور ومهموس. فالمهموس عشرة أحرف، وهي: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والصاد، والتاء، والسين، والثاء، والفاء، ويجمعها في اللفظ قولك، "ستشحثك خصفة"1. وباقي الحروف، وهي تسعة عشر حرفا، مجهور. فمعنى المجهور: أنه حرف أشبع الاعتماد من موضعه، ومن النفس أن تجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت، غير أن الميم والنون من جملة المجهورة قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم، فتصير فيهما غنة، فهذه صفة المجهور. وأما المهموس: فحرف أضعف الاعتماد من موضعه، حتى جرى معه النفس وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت نحو: سسسس كككك هههه، ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك. وللحروف انقسام آخر إلى الشدة والرخاوة وما بينهما: فالشديدة ثمانية أحرف، وهي: الهمزة، والقاف، والجيم، والطاء، والدال، والتاء، والباء، ويجمعها في اللفظ: "أجدت طبقك" و"أجدك طبقت". والحروف التي بين الشديدة والرخوة ثمانية أيضا، وهي: الألف، والعين، والياء، واللام، والنون، والراء، والميم، والواو، ويجمعها في اللفظ: "لم يرو عنا"، وإن شئت قلت: "لم يروعنا"، وإن شئت قلت: "لم يرعونا"، وما سوى هذه الحروف والتي قبلها، هي الرخوة. ومعنى التشديد: أنه الحرف الذي يمنع الصوت من أن يجري فيه، ألا ترى أنك لو قلت: الحق، والشط، ثم رمت مد صوتك في القاف والطاء، لكان ذلك ممتنعا.   1 هناك ترتيب آخر ذكره ابن منظور لمصطلح المهموس من الحروف وهو "حثه شخص فسكت" والذي ذكره المصنف هنا هو ما في المحكم. لسان العرب "6/ 4699". مادة "همس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 والرخو: هو الذي يجري فيه الصوت، ألا ترى أنك لو قلت: المس، والرش، والشح، ونحو ذلك، فتمد الصوت جاريا مع السين والشين والحاء. وللحروف انقسام آخر إلى الإطباق والانفتاح، فالمطبقة أربعة: وهي الضاد، والطاء، والصاد، والظاء، وما سوى ذلك فمفتوح غير مطبق. والإطباق: أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى، مطبقا له، ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا. والصاد سينا، والظاء ذالا، ولخرجت الضاد عن الكلام، لأنه ليس من موضعها شيء غيرها، فتزول الضاد إذا عدمت الإطباق إليه1. وللحروف انقسام آخر إلى الاستعلاء والانخفاض. فالمستعلية سبعة، وهي: الخاء، والغين، والقاف، والضاد، والطاء، والصاد، والظاء، وما عدا هذه الحروف فمنخفض. ومعنى الاستعلاء أن تتصعد في الحنك الأعلى، فأربعة منها فيها مع استعلائها إطباق، وقد ذكرناها، وأما الخاء والغين والقاف، فلا إطباق فيها مع استعلائها. وللحروف قسمة أخرى، إلى الصحة والاعتلال، فجميع الحروف صحيح، إلا الألف والياء والواو، اللواتي هن حروف المد والاستطالة، وقد ذكرناهن قبل إلا أن الألف أشد امتدادا، وأوسع مخرجا، وهو الحرف الهاوي. وللحروف قسمة أخرى إلى السكون والحركة، وقد شرحنا أحكام ذلك. وللحروف قسمة أخرى إلى الأصل والزيادة. وحروف الزيادة عشرة، وهي الهمزة، والألف، والياء، والواو، والميم، والنون، والسين، والتاء، واللام والهاء، ويجمعها في اللفظ قولك: "اليوم تنساه"، وإن شئت قلت: "هويت السمان"، وإن شئت قلت: "سألتمونيها". وأخرج أبو العباس الهاء من حروف الزيادة، وقال: إنما تأتي منفصلة لبيان الحركة والتأنيث.   1 الضمير فيه يجوز أن يرجع إلى شيء، ويكون الجار والمجرور متعلقا بنزول، ويكون تزول بمعنى تنتقل، ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بالإطباق، ويكون الضمير راجعا إلى الحنك الأعلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وإن أخرجت من هذه الحروف السين واللام، وضممت إليها الطاء والدال، والجيم، صارت أحد عشر حرفا، تسمى حروف البدل، وسيأتيك ذلك مفصلا إن شاء الله، ولسنا نريد البدل الذي يحدث مع الإدغام، وإنما نريد البدل في غير إدغام. ومن الحروف حرف منحرف، لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت، وتتجافى ناحيتا مستدق اللسان عن اعتراضهما على الصوت، فيخرج الصوت من تينك الناحيتين، ومما فويقهما، وهو اللام. ومنها المكرر، وهو الراء، وذلك أنك إذا وقفت على رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين. واعلم أن في الحروف حروفا مشربة، تحفز في الوقف، وتضغط عن مواضعها، وهي حروف القلقلة1، وهي القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء، لأنك لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، وذلك لشدة الحفز والضغط، وذلك نحو: الحق واذهب واخلط واخرج بعض العرب أشد تصويتا. ومن المشربة حروف يخرج معها عند الوقف عليها نحو النفخ إلا أنها لم تضغط ضغط الأول، وهي: الزاي، والظاء، والذال، والضاد، وبعض العرب أشد تصويتا. فأما حروف الهمس فإن الصوت الذي يخرج معها نفس، وليس من صوت الصدر، وإنما يخرج منسلا2، وليس كنفخ الزاي، والظاء والذال والضاد والراء شبيهة بالضاد. ومن الحروف ما لا تسمع بعده شيئا مما ذكرناه، لأنه لم يضغط، ولم يجد منفذا، وهي: الهمزة، والعين، والغين، واللام، والنون، والميم، وجميع هذه الحروف التي تسمع معها في الوقف صوتا، متى أدرجتها ووصلتها زال ذلك الصوت، لأن أخذك في صوت آخر، وحرف سوى الأول، يشغلك عن إتباع الحرف الأول   1 القلقلة "في علم التجويد": أن ينتهي النطق بالحرف الساكن بحركة خفيفة، ولا يكون إلا في حرف شديد غير مهموس، هي حروف "قطب جد". 2 منسلا: خارجا في خفية. مادة "سل". اللسان "3/ 2074". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 صوتا، وذلك نحو قولك: خذها، وحزه، واخفضه، واحفظه، إلا أنك مع ذلك لا تحصر الصوت عندها، حصرك إياه مع الهمزة، والعيين، والغين، واللام، والنون، والميم. ومن الحروف المهتوت، وهو الهاء، وذلك لما فيها من الضعف والخفاء. ومنها حروف الذلافة، وهي ستة: اللام، والراء، والنون، والفاء، والباء، والميم، لأنه يعتمد عليها بذلق اللسان، وهو صدره وطرفه. ومنها الحروف المصمتة وهي باقي الحروف، وفي هذه الحروف الستة سر طريف، ينتفع به في اللغة، وذلك أنك متى رأيت اسما رباعيا أو خماسيا غير ذي زوائد، فلا بد فيه من حرف من هذه الستة، أو حرفين، وربما كان فيه ثلاثة، وذلك نحو: جعفر1، ففيه الفاء, والراء، وقعضب2: فيه الباء، وسهلب3: فيه اللام والباء، وسفرجل4: فيه الفاء والراء واللام، وفرزدق5: فيه الفاء والراء، وهمرجل6: فيه الميم والراء واللام، وقرطعب7: فيه الراء والباء، فهكذا عامة هذا الباب. فمتى وجدت كلمة رباعية وخماسية معراة من بعض هذه الحروف الستة، فاقض بأنه دخيل في كلام العرب، وليس منه، ولذلك سميت الحروف غير هذه الستة مصمتة، أي صمت عنها، أن تتبنى منها كلمة رباعية أو خماسية معراة من حروف الذلافة، وربما جاء بعض ذوات الأربعة معرى من بعض هذه الستة، وهو قليل جدا.   1 الجعفر: النهر الصغير، والناقة الغزيرة اللبن، "ج" جعافر. اللسان "1/ 636". 2 القعضب: الضخم الشديد الجريء. اللسان "5/ 3694". مادة "ق ع ض ب". 3 السلهب: الطويل من الناس والخيل "ج" سلاهب، وسلاهبة. اللسان "3/ 3085". 4 السفرجل: ثمر قابض مقو مدر مسكن للعطش، والجمع "سفارج". اللسان "3/ 3026". 5 الفرزدق: قطع العجين واحدته فرزدقة، ولقب الشاعر الأموي المعروف واسمه همام، "ج" فرازق، وفرازد. اللسان "5/ 3378". 6 همرجل: الجواد السريع، والناقة السريعة. اللسان "6/ 4698". مادة "همرج". 7 قرطعب: ما عليه قرطعبة أي قطعة خرقة، وما له شيء. اللسان "5/ 3593". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 منه العسجد1، والعطوس2، والدهدقة3، الزهرقة4، على أن العين والقاف قد حسنتا الحال، لنصاعة العين، ولذاذة مستمعها، وقوة القاف، وصحة جرسها ولا سيما وهناك الدال، والسين، وذلك أن الدال لانت عن صلابة الطاء، وارتفعت عن خفوت التاء. والسين أيضا لانت عن استعلاء الصاد، ورقت عن جهر الزاي، فعذبت وانسلت. واعلم أن هذه الحروف كلما تباعدت في التأليف كانت أحسن، وإذا تقارب الحرفان في مخرجيهما قبح اجتماعهما، ولا سيما حروف الحلق، ألا ترى أن قلتها بحيث يكثر غيرها، وذلك نحو: الضغيغة5 والمهه6 والفهه7. وليس هذا ونحوه في كثرة حديد وجديد، وسديد وشديد، وصديد وعديد، وفديد8 وقديد9، كديد10 ولديد11، ومديد ونديد12. ولا في كثرة الألل13 والبلل والثلل14، والجلل والحلل15 والخلل،   1 العسجد: الذهب. اللسان "4/ 2937". مادة "ع س ج د". 2 العسطوس: بفتح العين والسين وضم الطاء، وفيه لغة بتشديد السين الأولى: هو الخيزران، وقيل: شجر لين الأغصان، ولا شوك له، ينبت بالجزيرة. اللسان "4/ 2942". 3 الدهدقة: مصدر دهدق الشيء: إذا كسره، واللحم إذا قطعه وكسر عظامه. القاموس "3/ 266". 4 الزهزقة: شدة الضحك، وترقيص الأم للصبي. اللسان "3/ 1878". مادة "زهزق". 5 الضغيغة: الروضة الناضرة، والعجين الرقيق، والجماعة المختلطة من الناس، وخبز الأرز المرقق، والناعم من العيش. اللسان "4/ 296". مادة "ض غ غ". 6 المهه: مصدر مهه، بمعنى لان، وله معان أخرى، اللسان "6/ 4290". مادة "م هـ هـ". 7 الفهه: العي، فعله كفرح. اللسان "5/ 3481". مادة "فهه". 8 الفديد: الصوت وقيل: شدته. اللسان "5/ 3362". مادة "فد". 9 القديد: اللحم المقدد وهو المملوح في الشمس. اللسان "5/ 3543". مادة "قدد". 10 الكديد: ما غلظ من الأرض. اللسان "5/ 3843". مادة "كدد". 11 اللديد: جانب من كل شيء. اللسان "5/ 4019". مادة "لد". 12 النديد: النظير. اللسان "6/ 4381". مادة "ند". 13 الألل: تغير رائحة السقاء. اللسان "1/ 112". مادة "ألل". 14 الثلل: الهلاك. اللسان "1/ 501". مادة "ثلل". 15 الحلل: حال بالمكان يحل حلولا، وذلك نزول القوم بمحلة. اللسان "2/ 972". مادة "حل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والزلل والشلل والطلل، والعلل1 والغلل2 والملل واليلل3. ولهذا ونحوه ما كانت الهاء التي في آخر هناه، من قول امرئ القيس4. وقد رابني قولها يا هنا ... هـ ويحك ألحقت شرا بشر5 بدلا من الواو في هنوات وهنوك، لأن الهاء إذا قلت في باب سددت وقصصت، فهي في باب سلس وقلق أجدر بالقلة6، فانضاف هذا إلى قولهم من معناه هنوك وهنوات، فقضينا بأنها بدل من واو. واستقصاء أحكام حسن تركب هذه الحروف وقبحه مما يطول الكتاب بذكره، على أنا سنفرد لذلك في آخر الكتاب فصلا يشتمل على جمل القول عليها بإذن الله7.   1 العلل: الشرب الثاني بعد الشرب الأول. اللسان "4/ 3078". مادة "عل". 2 الغلل: شدة العطش. اللسان "5/ 3285". مادة "غل". 3 اليلل: قصر الأسنان والتزاقها. اللسان "6/ 4965". مادة "يلل" 4 امرؤ القيس: هو الملك أبو الحارث حندج بن حجر الكندي شاعر اليمانية وآباؤه من أشراف كندة وملوكها، وكانت بنو أسد المضرية خاضعة لملوك كندة وآخر ملك عليهم هو حجر أبو امرئ القيس، وأمه مهلل وكليب -نشأ امرؤ القيس بأرض نجد بين رعية أبيه من أسد وسلك مسلك المترفين من أولاد الملوك يلهو ويلعب ويعاقر الخمر ويغازل الحسان فمقته أبوه وطرده ثم ثارت بنو أسد على أبيه فقتلوه فجمع امرؤ القيس القبائل على بني أسد وقتل منهم عددا كبيرا، واشتدت به الجروح من حروبه فمات بأنقرة قبل الإسلام بقرابة قرن من الزمان. الأغاني "9/ 77". 5 يا هناه: يا فلان. لسان العرب "6/ 713". شرح البيت: يا فلان رحمة لك لقد كنا متهمين فحققت الأمر. والشاهد في قوله "يا هناه" فالهاء هي بدل من الواو في هنوك وهنوات، وهو رأي ابن جني في هذا الموضع. 6 إنما كان التكرار لحرف الحلق "الهاء" في باب سلس وقلق أجدر بالقلة، منه في باب سددت وقصصت، لأن المثلين في باب سلس لا سبيل إلى إدغامهما لما بينهما من فاصل، فهما محققان دائما، بخلاف باب سددت، فإنهما قد يدغمان في مثل قص وسد، فيخفان بكونهما في صورة حرف واحد. 7 يشير المؤلف إلى فصل عقده في آخر الكتاب عنوانه "هذا فصل نذكر فيه مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض، وما يجوز من ذلك وما يمتنع، وما يحسن منه وما يقبح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 قد أتى القول على آخر الوطأة1 والمقدمة التي احتجنا إليها من قبل ذكر الحروف مفصلة، وهذا أوان الابتداء بذكرها، ومهما تركناه من بعض أحكام هذه الحروف فلأنا قد قدمنا القول عليه، فلذلك لم نعده. ونحن نوردها على ترتيب ألف، با، تا، ثا، إن شاء الله. وإنما اختار -أدام الله له حسن النظر والتسديد، وأمده الله بالتوفيق والتأييد- هذا الترتيب، لأنه أسهل مأخذا وأقرب متناولا، لأن أكثر الناس لا يقف على ترتيب الحروف من مخارجها الأصلية إلا بعد التوقيف، فيبدأ بالهمزة، ثم يتبعها الحروف. فيقول، وبالله التوفيق:   1 الوطاءة: التمهيد والتسهيل، يقال: وطؤ الموضع، بالضم، يوطؤ وطاءة، إذا صار وطيئا أي سهلا، والمراد بها هنا المقدمة، اللسان "6/ 4864". مادة "وطؤ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 باب الهمزة : صفات الهمزة : اعلم أن الهمزة حرف مهجور، وهو في الكلام على ثلاثة أضرب: أصل، وبدل، وزوائد. ومعنى قولنا أصل: أن يكون الحرف فاء الفعل، أو عينه، أو لامه. ومعنى قولنا زائد: أن يكون الحرف لا فاء الفعل، ولا عينه، ولا لامه. والبدل: أن يقام حرف مقام حرف. إما ضرورة، وإما استحسانا وصنعة. فإذا كانت أصلا وقعت فاء، أو عينا، أو لاما، فالفاء نحو: أنف وأذن وإبرة، وأخذ وأمر، والعين نحو: فأس ورأس وحؤبة1 وذئب وسأل وجأر2. واللام نحو: قرء3 وخطء4 ونبأ، وقرأ، وهد، واستبرأ واستدفأ. وليس في الكلام كلمة فاؤها وعينها همزتان ولا عينها ولامها أيضا همزتان، بل قد جاءت أسماء محصورة، وقعت الههزة فيها فاء ولاما، وهي أاء ة5، وأجأ6. وأخبرني أبو علي7 أن محمد بن حبيب حكى في اسم علم مخصوص أتأة8.   1 الجؤبة: لم أعثر عليها. 2 جأر: جأرا، وجؤارا: رفع صوته، يقال: جأر البقر، وجأر إلى الله، تضرع واستغاث، وفي التنزيل العزيز: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُون} ، وفي الحديث: "كأني أنظر إلى موسى منهبطًا وله جؤار إلى ربه بالتلبية"، والنبت جأرا: طال. مادة "جأر". اللسان "1/ 528". 3 القرء: الحيض، والطهر منه، والقافية، "ج" أقراء وقروء، وأقرؤ. وفي التنزيل العزيز: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} وأقراء الشعر قوافيه وطرقه وبحوره. مادة "قرء". اللسان "5/ 3564". 4 الخطء: الذنب أو ما تعمد منه، وفي التنزيل {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} ، "ج" أخطاء. 5 أاء ة: واحدة الاء، ثمر شجر يدبغ به الأديم. 6 أجأ: جبل لطيئ، يذكر ويؤنث. اللسان "1/ 30". مادة "أجأ". 7 أبو علي الفارسي أستاذ ابن جني. 8 أتأة: يوزن حمزة، امرأة من بكر بن وائل، وهي أم قيس بن ضرار. قاتل المقدام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وذهب سيبويه في قولهم ألاءة1 وأشاءة2 إلى أنهما فعالة، مما لامه همزة، فأما أباءة3 فذهب أبو بكر محمد بن السري4 فيما حدثني به أبو علي عنه، إلى أنها من ذوات الياء من أبيت، فأصلها عنده أباية ثم عمل فيها ما عمل في عباية وصلاية5 وعظاية6، حتى صرن عباءة وصلاءة، وعظاءة، في قول من همز، ومن لم يهمز أخرجهن على أصولهن، وهو القياس القوي، وإنما حمل أبا بكر على هذا الاعتقاد في أباءة أنها من الياء، وأن أصلها أباية. والمعنى الذي وجده في أباءة، من أبيت، وذلك أن الأباءة هي الأجمة7، وقيل القصبة، والجمع بينها وبين أبيت: أن الأجمة ممتنعة بما ينبت فيها من القصب وغيره، من السلوك8 والتصرف، وخالفت بذلك حكم البراح والبراز9، النقي من الأرض، فكأنها أبت، وامتنعت على سالكها. فمن هنا حملها عندي على معنى أبيت قال الشاعر10. من سره ضرب يرعبل بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق11   1 الألاءة: واحدة الآلاء، بوزن سحاب، ويقصر، وهو شجر مر يدبغ به وهو رملي حسن المنظر دائم الخضرة، يؤكل ما دام رطبا. اللسان "1/ 105". مادة "أل أ". 2 الأشاءة: واحدة الآشاء، وهو صغار النحل. اللسان "1/ 86". مادة "أشى". 3 الأباءة: بوزن عباءة: القصبة، وجمعها أباء. مادة "أب ي". اللسان "1/ 15". 4 أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج، من أئمة البصريين، كان تلميذ المبرد، وقرأ عليه كتاب سيبويه، وأخذ عنه أبو القاسم الزجاجي والسيرافي وأبو علي الفارسي والرماني، توفي شابا سنة 316هـ. 5 الصلاية: مدق الطيب، مادة "ص ل ا" اللسان "4/ 2492". 6 العظاية: دويبة كسام أبرص جمعها عظاء، ويرى سيبويه أن الياء في هذه الكلمة وما سبقها مبدلة وإن لم تكن متطرفة وعلل ذلك بقوله: لأنهم جاءوا بالواحد على قولهم في الجمع عظاء. 7 الأجمة: الشجر الكثيف الملتف، "ج" أجم، وإجام، وآجام. اللسان "1/ 34". 8 السلوك: التصرف. مادة "سلك". اللسان "3/ 2073". 9 البراز، الفضاء الوساع الخالي من الشجر. مادة "برز". اللسان "1/ 255". 10 الشاعر هو ابن أبي الحقيق كما ذكر صاحب اللسان في شرحه لمادة "رعبل". 11 يرعبل: يقال: رعبلت الجلد إذا مزقته، ورعبلت اللحم: إذا قطعته. مادة "رعبل". المعمعة: صوت لهب النار إذا شبت بالضرام. مادة "م ع ع". اللسان "6/ 4233". يقول: من الذي سرته الحرب بصوتها وجرسها الذي يشبه صوت الحريق في الأباء. والشاهد في قوله: "الأباء". إعرابه الأباء: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وأما ما ذهب إليه سيبويه، من أن ألاءة وأشاءة مما لامه همزة، فالقول فيه عندي، أنه إنما عدل بهما عن أن تكونا من الياء، كعباءة وصلاءة وعظاءة، لأنه وجدهم يقولون: عباء وعباية، وصلاءة وصلاية، وعظاءة وعظاية، فحمل الهمزة فيهن على أنها بدل من الياء، التي ظهرت فيهن لاما، ولما لم يسمعهم يقولون أشاية، ولا ألاية، ورفضوا فيهما الياء البتة، دله ذلك على أن الهمزة فيهما لام أصلية، غير منقلبة عن ياء ولا واو، ولو كانت الهمزة فيهما بدلا لكانوا خلقاء1 أن يظهروا ما هي بدل منه، ليستدلوا به عليها، كما فعلوا ذلك في عباءة وأختيها، وليس في ألاءة وأشاءة من الاشتقاق من الياء ما في أباءة، من كونها من معنى أبيت، فلهذا جاز لأبي بكر2 أن يزعم أن همزتها من الياء، وإن لم ينطقوا فيها بالياء. وإنما لم تجتمع الفاء والعين، ولا العين واللام همزتين، لثقل الهمزة الواحدة، لأنها حرف سفل في الحلق، وبعد عن الحروف3، وحصل طرفا، فكان النطق به تكلفا، فذا كرهت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين ورفضهما -لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين، فاء وعينا، أو عينا ولاما- أحرى4، فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان البتة. فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم دريئة5 ودرائئ وخطيئة فشاذ لا يقاس عليه، لا سيما وليست الهمزتان أصلين بل الأولى منهما زائدة. وكذلك قراءة أهل الكوفة: "أئمة" شاذة عندنا، والهمزة الأولى6 أيضا زائدة.   1 خلقاء: جديرين، والمفرد خليق، مادة "خلق". اللسان "2/ 1247". 2 هو أبو بكر محمد بن السري. 3 يريد أن مخرج الهمزة أبعد مخارج الحروف. 4 أحرى: خبر المبتدأ السابق، وهو قوله: فهم باستكراه ... إلخ. 5 الدريئة: ما يستتر به الصائد ليختل الصيد، والجمع درايا. مادة "درأ". 6 اجتماع الهمزتين في أول الكلمة مختلف فيه، فأجازه الكوفيون وبعض البصريين كأبي إسحاق الزجاج، ومنعه ابن جني كما يتضح من كلامه هنا، ولهذا قال: إن قراءة أهل الكوفة أئمة "أي بتحقيق الهمزتين" شاذة عندنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وإنما شرطنا1 أنهما لا يلتقيان أصلين. فهذا حكم الهمزة الأصلية. وأما البدل: فقد أبدلت الهمزة من خمسة أحرف، وهي الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين. فأما إبدالها من الألف فنحو ما حكي عن أيوب السختياني2 أنه قرأ: {وَلا الضَّالِّين} فهمز الألف، وذلك أنه كره اجتماع الساكنين: الألف واللام الأولى، فحرك الألف لالتقائهما، فانقلبت همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج، لا يتحمل الحركة كما قدمنا من وصفه، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف منه، وهو الهمزة، وعلى ذلك ما حكاه أبو زيد فيما قرأته على أبي علي في كتاب الهمز عنه، من قولهم: شأبة ومأدة3، وأنشدت الكافة4: يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها زأمها أن تذهبا5 ريد: زامها.   1 قول المؤلف: "وإنما شرطنا أنهما لا تلتقيان أصلين" بعد قوله: "لا سيما وليست الهمزتان" يدل على أنه يبرر نطق العرب بالهمزتين متحققتين إذا تجاورتا في مثل درائئ وخطائئ وأئمة بكون إحداهما زائدة، وإن كان ذلك عنده شاذا لا يقاس عليه. 2 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، بفتح السين وكسرها، البصري، الحافظ من أعلام المحدثين والزهاد، كان من الموالي، ولد سنة ست وستين، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. 3 مأدة: يقال امرأة مأدة: أصلها مادة بوزن فاعلة، وتطلق على المرأة الناعمة. مادة "مأد" اللسان "6/ 4119". 4 لم أعرف قائلها، وقد ذكر البغدادي هذه الأبيات في شرح شواهد الشافية وذكرها اللسان في مادة" زم" وزاد عليها بيتا وهو: "فقلت أردفني فقال مرحبا". لسان العرب "3/ 1203". 5 حمار قبان: دويبة صغيرة، لازقة بالأرض، ذات قوائم كثرة تشبه الخنفساء، وهي أصغر منها إذا لمسها احد اجتمعت كالشيء المطوي. مادة "حمر". اللسان "2/ 993". خاطمها: اسم فاعل من خطمه إذا جعل له خطاما. مادة "خ ط م". اللسان "2/ 1203". وزأمها: أصله زامها، أي جعل لها زماما. مادة "زمم". والشاهد في البيت قوله "زأمها" فقد اضطر الراجز إلى تحريك الألف فانقلبت همزة، والأصل "زامها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وحكى أبو العباس عن أبي عثمان، عن أبي زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد1 يقرأ: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن"2، فظننته قد لحن3 حتى سمعت العرب تقول: شأبة ودأبة. قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس ذلك؟ قال: لا، ولا أقبله. وقال آخر4: وبعد انتهاض الشيب من كل جانب ... على لمتي حتى اشعأل بهيمها5 يريد اشعال من قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فهذا لا همز فيه. وقال دكين6: راكدة مخلاته ومحلبه ... وجله حتي ابيأض ملببه7 يريد ابيأض، فهمز.   1 عمرو بن عبيد، هو أبو عثمان البصرية وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وقد روى الحروف عن الحسن البصري، وسمع منه، ثم روى عنه الحروف بشار بن أيوب الناقد، مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائة. انظر/ غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري "ص602". 2 أي يوم القيامة لا يسأل عن ذنب المجرم أحد غيره، والآية شاهد على تحريك الألف فانقلبت همزة في قوله جل شأنه "جأن". 3 لحن: أخطأ. مادة "لحن" اللسان "5/ 4013". 4 البيت ذكره اللسان في مادة "شعل" ولم ينسبه، ولم أعثر على قائلة فيما بيدي من المراجع. انظر/ لسان العرب "4/ 2281". مادة "شعل". 5 اللمة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن، "ج" "لمم" مادة "ل م م". اللسان "5/ 4078" يقول الشاعر: لقد امتلأ شعري بالشيب وكثر فيه الشعر الأبيض. والشاهد في قوله: "اشعأل" فحرك الألف لالتقاء ساكنين فانقلبت همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج، لا يحتمل الحركة. إعراب الشاهد: اشعأل: فعل ماضي مبني على الفتح. 6 هو دكين بن رجاء من بني فقيم، عاش في الدولة المروانية، ومدح عمر بن عبد العزيز فأعطاه ألف درهم من ماله، ولم يكن عمر يعطي الشعراء شيئا. 7 راكدة: ساكنة ثابتة. مادة "ركد". اللسان "3/ 1716". الملبب: موضع اللبة، وهو وسط الصدر، وقد فكه الشاعر على الأصل والقياس الإدغام. مادة "لبب". اللسان "5/ 398". أراد الشاعر: ابياض فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت الألف همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج، لا يتحمل الحركة فإذا اضطروا إلى تحريكه حركوه بأقرب الحروف إليه وهو الهمزة. إعراب الشاهد: ابيأض: فعل ماضي مبني على الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وقرأت على أبي الفرج علي بن الحسين عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، عن محمد بن حبيب لكثير1. والأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فادهأمت2 يريد: ادهامت، وقد كان يتسع ها عنهم، وحكى سيبويه في الوقف عنهم: هذه حبلأ، يريد حبلى، ورأيت رجلأ، يريد رجلا، فالهمزة في رجلأ إنما هي بدل من الألف، التي هي عوض من التنوين في الوقف، ولا ينبغي أن تحمل على أنها بدل من النون، لقرب ما بين الهمزة والألف، وبعد ما بينها وبين النون، ولأن "حبلى" لا تنوين فيها، وإنما الهمزة بدل من الألف البتة، فكذلك ألف رأيت رجلا. وحكى أيضا هو يضربهأ، وهذا كله في الوقف، فإذا وصلت قلت: هو يضربها يا هذا، ورأيت حبلى أمس. فأما قول الراجز3:   1 كثير: هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر، عشق ابنة عم له تسمى عزة، ونسب إليها فكان يقال: كثير عزة، ومات سنة 105هـ، في ولاية يزيد بن عبد الملك. 2 ادهأمت: أي اسودت. مادة "دهم". اللسان "2/ 1443". يقول: لقد تغير حال الأرض فما كان منها أبيض فقد اسود، وما كان منها أسود فقد ابيض والشاهد في قوله: ادهأمت فهو يريد ادهامت أي أسودت، حرك الألف فقلبها همزة. أعراب الشاهد: ادهأمت، فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء للتأنيث. 3 بحثنا عن وجه مناسبة قول الراجز الذي أورده المؤلف هنا للموضوع الذي سبقه، وهو إبدال الألف همزة عند الوقف فلم نهتد. ثم وجدنا بهامش الأصل"ص" تعليقة نرجح أنها لابن هشام الأنصاري صاحب المغني إذ خطها يشبه خط الحاشية التي كتبت بهامش ظهر الورقة "85" من الأصل نفسه مبتدئا بقوله: "قال عبد الله بن هشام" والظاهر أنها من خطه، وهناك نص هذه التعليقة: = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر1 فذهبوا فيه إلى أنه أراد النون الخفيفة2 ثم حذفها ضرورة، فبقيت الراء مفتوحة، كأنه أراد يقدرن، وأنكر بعض أصحابنا3 هذا، وقال: هذه النون لا تحذف إلا لسكون ما بعدها، ولا سكون ها هنا بعدها4. والذي أراه أنا في هذا -وما علمت أحدا من أصحابنا ولا غيرهم ذكره، ويشبه أن يكونوا لم يذكروه للطفه5- هو أن أصله "أيوم لم يقدر أم يوم قدر"، بسكون الراء للجزم، ثم إنها جاورت الهمزة المفتوحة، والراء الساكنة وقد أجرت العرب الحرف الساكن، إذا جاور الحرف المتحرك، مجرى المتحرك، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه: المراة والكماة، يريدون: المرأة، والكمأة6.   = قوله: "فأما قول الراجز": فإنه أورد هذا الفصل إيرادا سيئا، لأنك تستمر فيه إلى أواخر الفصل، ولا تدري ما الذي أوجب ذكره هنا، ولا وجه ملاءمته، وكان الصواب أن يقال: ومما ينسلك عندنا في هذا السلك، أعني باب إبدال الهمزة والألف، قول الراجز ... إلخ، وذلك لأن مقتضى الظاهر أن هذه الراء لا تتحرك، فأجاب أصحابنا عنه بكذا وكذا، ويستمر إلى آخر كلامهم، ثم يقول: "وعندنا فيه وجه لطيف ... إلخ". ومن كلام ابن هشام يتضح أن المؤلف كان عليه أن يبين أن هذا الشاهد دال في باب إبدال الهمزة والألف، وإذا قد تقدم في كلامه إبدال الألف همزة، فيكون هذا من باب إبدال الهمزة ألفا، وهو عكس الأول، وبهذه تظهر المناسبة. 1 أورد البيت صاحب الخزانة "4/ 589" والشاهد فيه عند البصريين -غير ابن جني- فتح الراء بسبب نون التوكيد الخفيفة المحذوفة ضرورة. قال أبو زيد في النوادر "ص13": فتح راء يقدر، يريد النون الخفيفة، فحذفها وبقي ما قبلها مفتوحا، أنشدناه أبو عبيدة والأصمعي. إعراب الشاهد: يقدر: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المحذوفة تخفيفا. 2 النون الخفيفة: يقصد نون التوكيد الخفيفة ونون التوكيد نوعين ثقيلة وخفيفة. 3 أصحابنا: يقصد بهم البصريين. 4 الظاهر أن أصحاب هذا الرأي يرون أن النون في مثل هذا حذفت تخفيفا لا ضرورة. 5 للطفه: يريد لدقته وعدم ظهوره. مادة "لطف". اللسان "5/ 403". 6 الكمأة: جمع الكمء وهو فطر من الفصيلة الكمئية، وهي أرضية تنتفخ حاملا أبواغها، فتجنى وتؤكل مطبوخة ويختلف حجمها بحسب الأنواع، مادة "كمأ". اللسان "5/ 3926". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ولكن الميم والراء لما كانتا ساكنتين، والهمزتان بعدهما مفتوحتان، صارت الفتحتان اللتان في الهمزتين كأنهما في الراء والميم، وصارت الراء والميم كأنهما مفتوحتان، وصارت الهمزتان لما قدرت حركتاهما في غيرهما، كأنهما ساكنتان، فصار التقدير فيهما: مرأة وكمأة، ثم خففتا، فأبدلت الهمزتان ألفين لسكونهما وانفتاح ما قبلهما، فقالوا: مراة وكماة، كما قالوا في فأس ورأس لما خففتا: فاس، وراس. وعلى هذا حمل أبو علي قول عبد يغوث1. وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا2 قال: جاء به على أن تقديره محققا: "كأن لم ترأ"، ثم إن الراء لما جاورت وهي ساكنة، الهمزة متحركة، صارت الحركة كأنها في التقدير قبل الهمزة، واللفظ بها كأن لم ترأ، ثم أبدل الهمزة ألفا، لسكونها وانفتاح ما قبلها، فصارت ترا، فالألف على هذا التقدير بدل من الهمزة التي هي عين الفعل، واللام محذوفة للجزم، على مذهب التحقيق وقول من قال: رأى يرأى، قال سراقة البارقي: أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات3   1 عبد يغوث: شاعر يمني أسره أعداؤه فأرادوا قتله فطلب منهم أن يكرموه قبل موته فأطعموه، حتى ثمل ثم قطعوا وريده فمات. 2 عبشمية: نسبة إلى عبد شمس. يقول: ضحكت مني عجوز من بني عبد شمس وكأنها لم ترا أسيرا قبلي. والشاهد في قوله: "ترا" فأصلها كما يرى المؤلف" ترأ" فالراء ساكنة وجاورت الهمزة المتحركة فتحركت الراء بالفتح فقلبت لذلك الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها. إعراب الشاهد: "ترا": فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة. 3 الترهات: الأباطيل والواحد ترهة، مادة "ت ر هـ" اللسان "1/ 431". والبيت من قصيدة قالها الشاعر للمختار بن أبي عبيد الثقفي، حينما وقع في أسر أعوانه فزعم له لما أمر بقتله أنه رأى الملائكة على خيل بلق يقاتلون في صفوفه وأنهم الذين أسروه، وهي حيلة تخلص بها من القتل. والشاهد في قوله: "ترأياه" فقد حقق الشاعر الهمزة في كلامه. إعراب الشاهد: "ترأياه" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة. والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وقد رواه أبو الحسن: ما لم ترياه1 على التخفيف الشائع عنهم في هذا الحرف. وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد. ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتمل العيش يرأ ويسمع2 كذا قرأت عليه "تر" مخففا3 ورواه غيره: "ترأ ما لاقيت" وقرأت عليه أيضا فيه: ثم استمر بها شيحان مبتجح ... بالبين عنك بما يرأك شنأنا4 بوزن يرعاك. ووزن يرأ: يرع، كما أن وزن ترأياه: ترعياه. وهذا كله على التحقيق المرفوض في هذه الكلمة في غالب الأمر، وشائع الاستعمال. وعلى هذا ما أنشدوه من قول الآخر5:   1 وروى أبو زيد في النوادر "ص185" عن أبي حاتم عن أبي عبيدة: ما لم تبصراه. 2 الأعصر: جمع عصر، وهو الفترة من الزمن. مادة "عصر". اللسان "4/ 2968". 3 قال ابن هشام: يريد أن رواية البيت: "ألم ترأ" بتحقيق الهمزة هي المناسبة لتحقيق الهمزة في عجزه: "يرأ ويسمع"، وإنما حركت العين بالضم هنا مع أن الكلمة مجزومة لأن القافية مضمومة بدليل قوله بعده: بأن عزيزا ظل يرمي بجوزه ... إلي وراء الحاجزين ويفرع. ووضع الشاهد في البيت: "تر" فقد جاءت مخففة على القياس. إعراب الشاهد: "تر" مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة الجزم حذف حرف العلة. 4 روى أبو زيد هذا البيت في النوادر"ص184". شيحان: الجاد في امره أو الغيور السيئ الخلق. والأنثي: شيحى. لذا فهو غير منصرف. مادة "شيح". اللسان "4/ 2372". والمبتجح: الفرح. مادة "بجح". اللسان "1/ 210". والشاهد في قوله: "يرأك" فقد أورد الشاعر الهمزة مخففة على الأصل والأقيس "يراك". إعراب الشاهد: يرأك: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضم المقدر. 5 قائل هذا البيت عامر بن كثير المحاربي، شاعر مجيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 إذا اجتمعوا علي وأشقذوني ... فصرت كأنني فرأ متار1 أراد متأر، فنقل الفتحة إلى التاء، وأبدل الهمزة ألفا، لسكونها وانفتاح ما قبلها، كما ترى، فصارت متار. فهذا أحد وجهي ما حمل أبو علي2 قول عبد يغوث "كأن لم ترا" عليه قبل. والوجه الآخر أنه على التخفيف الشائع، إلا أنه أثبت الألف في موضع الجزم، تشبيهًا بالياء في قول الآخر3. ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد4 ورواه بعض أصحابنا "ألم يأتك" على ظاهر الجزم.   1 أشقذوني: طردوني. مادة "شقذ". اللسان "4/ 2297". المتار: هو الذي يرمى تارة بعد تارة، والمراد المفزع، يقال: أترته: أي أفزعته وطردته، فهو متار. قال ابن بري: أصله أتأرته، فنقلت الحركة إلى ما قبلها، وحذفت الهمزة. وقال ابن حمزة: هذا تصحيف، وإنما هو منار بالنون يقال أنرته: أي أفزعته. ومنه النوار وهي النفور، وكأن ابن حمزة يريد ألا يحمل اللفظ على أنه مهموز في الأصل، فذهب إلى التصحيف. مادة "م ت ر" اللسان "6/ 4126". شرح البيت: يقول: إذا طردني القوم واجتمعوا على طردي أشعر بالفزع والخوف. والشاهد في قوله: "متار" فأصلها "متأر": نقل الفتحة إلى التاء الساكنة لتحرك ما بعدها فأبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها. إعراب الشاهد: متار: خبر ثان لكأن مرفوع وعلامة الرفع الضمة. 2 أبو علي: هو حسن الفارسي، أستاذ ابن جني، كان نحويا بصريا تعلم على يد المبرد. 3 البيت لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد قومه. 4 اللبون: الناقة ينزل فيها اللبن فترضع صغارها. مادة "ل ب ن" اللسان "5/ 3989". الشرح: ألم تسمع أو يصل إليك نبأ لبون بني زياد وما جرى لهن. الشاهد: إبقاء الياء مع الجزم في "يأتيك" وقد خرجه الأخفش على أنه قدر الضمة قبل الجزم ثم حذفها للجزم كقولك في "يكرمك" ألم يكرمك. وذلك للضرورة. ودلل على ذلك بإنشاد أهل العربية لجرير. فيوما يجارين الهوى غير ماضي ... ويوما ترى منهن غول تغول وقال سيبويه: إنه ضرورة، وزعم الزجاجي والأعلم أنها لغة وخالفهما ابن السيد في شرح أبيات الجمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وأنشده أبو العباس، عن أبي عثمان، عن الأصمعي: ألا هل اتاء والأنباء تنمي وأنشدنا أبو علي قال أيضا: أنشد أبو زيد: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق1 فثبت الألف أيضا في موضع الجزم، تشبيها بالياء، في يأتيك، على أن بعضهم قد رواه على الوجه الأعرف: "ولا ترضها ولا تملق". وقد قدر سيبويه هذا الذي ذهبنا إليه من أن الحركة المجاورة للحرف الساكن كأنها فيه، في قولهم مصباح ومقلات2، فأجاز فيها الإمالة3 والفتح جميعا. أما الفتح فإن الصاد والقاف قد جاورتا الفتحة التي بعدهما وهما ساكنتان، فكانتا كأنهما مفتوحتان، فصارا كانهما صباح وقلات، وهذا مما لا تجوز إمالته. وأما الإمالة فلأنهما قد جاورتا الميم، وهي مكسورة، فصارتا كأنهما صباح وقلات، فجازت إمالتهما كما جازت إمالة صفاف4 وقفاف5. وعلى هذا ما أنشدناه أبو علي:   1 التملق: التودد والتلطف. مادة "ملق". اللسان "6/ 4265". يقول الشاعر: إذا غضبت منك زوجك وهي عجوز فطلقها ولا تترضاها ولا تتودد إليها. الشاهد: "لا تترضاها" فأثبت الألف في موضع الجزم، تشبيها بالياء كما يرى المؤلف. واعترض عليه البغدادي في خزانة الأدب "3/ 135" فقال: إن "ترضاها" مقطوع عن العطف أي "وأنت لا تترضاها" فيكون قوله: "ولا تملق" هو المعطوف على قوله "فطلق"، وجملة "ولا ترضاها" حالية. 2 المقلات: من قلت: وهي الناقة التي تضع واحدا ثم لا تحمل أو المرأة التي لا يعيش لها ولد، والمقلاة بالتاء المربوطة: وعاء يقلى فيه السمك ونحوه. مادة "ق ل ت" اللسان "5/ 3716". 3 الإمالة: نطق الألف قريبا من الياء أو الفتحة قريبا من الكسرة. مادة "ميل". اللسان "6/ 4311". 4 صفاف: جمع صفة بضم الصاد وتشديد الفاء، وهو مكان مظلل في مسجد المدينة كان يأوي إليه فقراء المهاجرين، ويرعاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم أهل "الصفة". اللسان "4/ 2464". 5 القفاف: جمع قفة بوزن صفة، وهي المقطف الكبير، مادة "ق ف ف" اللسان "5/ 3704". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 أحب المؤقدين إلى مؤسي1 بهمز الواو في الموقدين ومؤسي. وروى قنبل عن ابن كثير بالسؤق، مهموز الواو، ووجه ذلك أن الواو وإن كانت ساكنة، فإنها قد جاورت ضمة الميم، فصارت الضمةكأنها فيها، فمن حيث همزت الواو في نحو أقتت وأجوه وأعده لانضمامها، كذلك جاز همز الواو في الموقدين وموسي، على ما قدمناه من أن الساكن إذا جاور المتحرك صارت حركته كأنها فيه2. ويزيد ذلك عندك وضوحا، أن من العرب من يقول في الوقف هذا عمر وبكر، ومررت بعمر وبكر، فينقل حركة الراء إلى ما قبلها، وإنما جاز ذلك لأنه إذا حرك ما قبل الراء، فكأن الراء متحركة. وقال حسان3:   1 هذا شطر بيت وتمامه: "وجعدة لو أضاءهما الوقود". وقائله جرير، وهو أبو حزرة جرير بن عطية الخطفي التميمي اليربوعي، أحد فحول الشعراء الإسلاميين وبلغاء المداحين الهجائين. وقال هذا البيت في قصيدة يمدح بها الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. والشاهد في قوله: "المؤقدين، مؤسي" بهمز الواو فيهما. إعراب الشاهد: المؤقدين: مفعول به منصوب بالمفعولية، وعلامة النصب الياء عوضا عن الفتح لأنه مثنى. مؤسي: اسم مجرور بإلى وعلامة الجر الكسرة المقدرة، ومنع من ظهورها التعذر. 2 في هامش "ص" تعليقة نرجح أنها لابن هشام يقول فيها: "اعلم أن في هذا الموضع تحقيقا لم يذكره، وهو أن الساكن إذا جاور المتحرك فتارة يبقيان ويجري حكم المجاور لمجاوره، وتارة يجعل السكون على المتحرك، والحركة على الساكن، مثال الأول: مؤسي، ومثال الثاني: المراة والكماة، وقد يقال: أجريت الهمزة مجرى الساكن، فأبدلت، فالتقى ساكنان فحركت الراء بالفتح. 3 حسان: هو أبو الوليد حسان بن ثابت الأنصاري، شاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأشعر شعراء المخضرمين، وهو من بني النجار أهل المدينة، وعاش بعد الرسول محببا إلى خلفائه، وعمر حتى بلغ قريبا من 120 سنة، انظر/ ديوانه "ص167". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فارسي خيل إذا ما أمسكت ... ربة الخدر بأطراف الستر1 يريد الستر، وقال الأعشى2: أذاقتهم الحرب أنفاسها ... وقد تكره الحرب بعد السلم3 فهذا كله يشهد بأن الحركة إذا جاورت الساكن صارت كأنها قد حلته، وإذا كان ذلك كذلك فغير منكر أيضا أن يعتقد في فتحة الهمزة من قوله "أيوم لم يقدر أم يوم قدر" كأنها في الراء الساكنة قبلها للجزم، لأنها قد جاورتها، فيصير التقدير كأنه "أيوم لم يقدر أم"، فتسكن الهمزة، وقبلها الراء مفتوحة، فتقلب الهمزة ألفا للتخفيف، فيصير التقدير: "يقدر ام"، فتأتي الألف ساكنة، وبعدها الميم ساكنة فيلتقي ساكنان، فتحرك الألف لالتقائهما فتنقلب همزة، على ما ذكرنا، وتفتحها لالتقائهما، وكان الفتح هنا حسنا إتباعا لفتحة الراء، كما تقول عض ومص يا فتى، فتفتح الحرف الآخر، لسكونه وسكون الأول، ويحسن الفتح فيها إتباعا لفتحة ما قبله، وكما فتحوا "الآن" إتباعا للألف التي قبله.   1 الخدر: كل ما واراك من بيت ونحوه، وستر تمده المرأة في ناحية البيت لتستتر به، والجمع خدور وأخدار. مادة "خدر". اللسان "2/ 1109". الشرح: إذا ما اشتدت الحرب وأمسكت الحرائر بأطراف الخدور من الجزع برز هذان الرجلان كفارسي خيل لا مثيل لهما. والشاهد في قوله: "الستر" فتحركت التاء لتحرك ما قبلها، والأصل "الستر". إعراب الشاهد: الستر: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. 2 الأعشي: هو أبو بصير ميمون الأعشى بن قيس بن جندل، يعد رابع فحول الشعراء الجاهلين كما ذكر ذلك صاحب الطبقات، وقد عمر حتى انبلج فجر الإسلام وأعد قصيدة يمدح بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاعترض طريقه كفار قريش وأغروه بالمال فتراجع عن مدح الرسول وعاد إلى بلده وقبل دخوله سقط من فوق بعيره فدقت عنقه فمات. انظر/ جواهر الأدب "2/ 79". 3 السلم: ضد الحرب. ويقصد بها الصلح ويفتح ويكسر ويذكر ويؤنث. اللسان "3/ 2079". الشرح: يقول إن الحرب تكون أحيانا مكروهة بعد السلم. والشاهد في قوله "السلم" فقد تحركت اللام الساكنة لمجاورتها للحركة. إعراب الشاهد: السلم مضاف إليه مجرور بالإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وعلى هذا حملوا قول الآخر: ويها فداء لك يا فضاله ... أجره الرمح ولا تهاله1 قالوا فتح اللام لسكونها وسكون الألف قبلها. واختار الفتحة لأنها من جنس الألف التي قبلها، فلما تحركت اللام لم يلتق ساكنان، فتحذف الألف لالتقائهما، على أن أبا علي قد ذهب في "تهاله" إلى شيء غير هذا الذي ذهب إليه أبو العباس، وفيه طول وفضل شرح، فنتركه، لأن فيما أوردناه مقنعا بإذن الله. فإن قيل: فلم سلبت الهمزة من أم فتحها2، هلا تركتها همزة، ثم حركتها لالتقاء الساكنين؟ وما الذي دعاك إلى قلبها بعد تسكينها ألفا، حتى احتجت إلى أن تقلب الألف همزة. فالجواب أن العرب لم تسلب هذه الهمزة حركتها إلا للتخفيف، ألا تراهم قالوا مراة، وكماة، ولم يقولوا: مرأة وكمأة. فعلى هذا ينبغي أن يحمل عندي قوله: "أيوم لم يقدر أم يوم قدر" ويكون ارتكابك هذا الذي قد شاعت مثاله عندهم وإن كان فيه بعض اللطف والغموض، أسهل وأسوغ3 من حذفك نون التوكيد، لأمرين:   1 البيت لم أعرف قائله وقد أورده اللسان في مادة، "فدى"، وفي "هول" ولم يعين قائله، كذا أورده أبو زيد الأنصاري في النوادر ولم يعين قائله. ويها: كلمة إغراء وحث وتحريض "تكون للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث"، فإذا أغريت رجلا قلت له: ويها يا فلان. وهو تحريض كما تقول: دونك يا فلان. وقد ورد في النوادر "ص13" تعليقا على البيت ما نصه: "أجره" كسر الراء للالتقاء الساكنين، ولو فتح كان أجود، وأثر التخلص بالكسر، كما يقول ابن جني، لمجاورة الراء للجيم المكسورة، وكلمة "فداء" رويت مكسورة الهمزة وبفتحها منونة، أما الكسر فلأن من العرب من يكسر الهمزة إذا جاورت لام الجر خاصة، وأما فتح الهمزة فبتقدير عامل محذوف. أما فتح اللام في تهاله، فقد وجهه ابن جني بعد البيت، ولا داعي لإعادته. 2 يريد فتح همزة أم في قول الشاعر فيما سبق: "أيوم لم يقدر أم يوم قدر". 3 أسوغ: أسهل وألين، وعطف أسوغ على أسهل ترادف يفيد التوكيد، ويسمى أسلوب الإطناب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أحدهما: أن ذلك لم يأت عنهم في بيت غير هذا، فيحمل هذا عليه، فأما ما أنشدوه من قول الآخر. اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسوط قونس الفرس1 فمدفوع مصنوع عند عامة أصحابنا، ولا رواية تثبت به. والآخر: ضعفه وسقوطه في القياس، وذلك أن التوكيد من مواضع الإطناب2 والإسهاب، ولا يليق به الحذف والاختصار، فإذا كان السماع والقياس جميعا يدفعان هذا التأويل، وجب إلغاؤه وإطراحه، والعدول عنه إلى غيره، مما قد كثر استعماله، ووضح قياسه. فهذه أيضا همزة قلبت عن ألف، أعني همزة أم، وهي بدل من ألف هي بدل من همزة، فهذا وإن لطف وطالت صنعته، أولى من أن تحمل الكلمة على حذف نون التوكيد، لما فيه من قلة النظير، وضعف القياس. وأنشدنا أبو علي: بالخير خيرات وإن شرا فأ ا ... ولا أريد الشر إلا أن تأ ا3 والقول في ذلك عندي أنه يريد فأ وتأ، ثم زاد على الألف أخرى توكيدا، كما تشبع الفتحة فتصير ألفا كما تقدم، فلما التقت ألفان، حرك الأولى، فانقلبت همزة.   1 البيت ورد بالحاشية "ص85" رقم "1"، وقد انتحله البعض ونسبوه لطرفة بن العبد، أورد ذلك أبو حاتم عن الأخفش. 2 الإطناب: في علم المعاني: أن يزيد اللفظ على المعنى لفائدة وهو يقابل الإيجاز. 3 البيت لقيم بن أوس من بني أبي ربيعة بن مالك. انظر/ النوادر لأبي زيد "ص126". وقد خرجه ابن عصفور في "الضرائر" على خلاف تخريج ابن جني، مما لا يدعو إلى تكلف قال: أراد فأصابك الشر فاكتفى بالفاء والهمزة، وحذف ما بعدهما وأطلق الهمزة بالألف وأراد بقوله "تأ" تأبى الخير فاكتفى بالتاء والهمزة وحذف ما بعدهما، وحرك الهمزة بالفتح، وأطلقها بالألف، وقد علق البغدادي على تخريج ابن عصفور، انظر/ شرح شواهد الشافية "ص269" وعلى هذا يكون معنى البيت: تثاب بخيرك خيرات كثيرة وإن فعلت شرا أصابك الشر ولا أريد لك الشر إلا أن تريده لنفسك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وقد أنشدنا أيضا: "فا" و"تا" بألف واحدة، إلا أن الغرض في الرواية الأخرى1. وقد اطرد عنهم قلب ألف التأنيث همزة، وذلك نحو حمراء وصفراء وصحراء وأربعاء وعشراء2 ورخضاء3 وقاصعاء4، وما أشبه ذلك. والقول في ذلك: أن الهمزة في صحراء وبابه إنما هي بدل من ألف التأنيث كالتي في نحو: حبلى وسكرى وجمادى وحبارى5 وقرقرى6 وخيزلى7، إلا أنها في حمراء وصحراء وصلفاء8 وخبراء9 وقعت الإلف10 بعد ألف قبلها زائدة، فالتقى هناك ألفان زائدتان، الأولى منهما الألف الزائدة، والثانية هي ألف التأنيث، فلم تخل من حذف إحداهما أو حركتها، فلم يجز في واحدة منهما الحذف، أما الأولى فلو حذفتها لانفردت الآخرة، وهم قد بنوا الكلمة على اجتماع ألفين فيها، وأما الآخرة فلو حذفتها لزالت علامة التأنيث التي وسمت الكلمة بها، وهذا أفحش من الأول11، فقد بطل حذف شيء.   1 الأخرى: أي المقابلة لهذه الرواية، وهي التي تقدمت أولا. 2 العشراء من النوق: التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، مادة "عشر" والجمع "عشار" وفي التنزيل: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} . اللسان "4/ 2954". 3 والرحضاء: العرق في أثر الحمى، مادة "رحض". اللسان "3/ 1608". 4 والقصعاء: جحر يحفره اليربوع، فإذا فرغ ودخل فيه سد فمه لئلا يدخل عليه حية أو دابة. وقيل: هي باب جحره، والجمع "قواصع". اللسان "5/ 3653". مادة "قصع". 5 الحبارى: طائر على شكل الأوزة برأسه وبطنه غبرة، وهو لا يشرب الماء، ويبيض في الرمال النائية. 6 قرقرى: أرض باليمامة فيها زروع ونخيل كثيرة، معجم البلدان "4/ 371". 7 الخيزلى: مشية للمرأة: يقال هي تمشي الخيزلى: إذا مشت بتكسر وانثناء. مادة "خوزل". 8 الصلفاء: المكان الصلب من الأرض فيه حجارة، والجمع "صلاف". اللسان "4/ 2484". 9 الخبراء: قاع مستدير يجتمع فيه الماء. مادة "خبر"، والجمع الخبارى. اللسان "2/ 1091". 10 الإلف: تحريف، والأصل أن تكون الألف بفتح الهمزة. 11 وهذا أفحش من الأول: أشار بهذا إلى حذف ألف التأنيث، والأول: هو حذف الألف الزائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وأما الحركة فقال سيبويه: إنه لما انجزم1 الحرفان حركت الثانية منهما، فانقلبت همزة2، فصارت حمراء وصفراء وصحراء وصلفاء، كما ترى. فإن قيل: ولم زعمت أن الهمزة منقلبة، وهلا زعمت أنها زيدت للتأنيث همزة في أول أحوالها. فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنها لم نرهم في غير هذا الموضع أنثوا بالهمزة، إنما يؤنثون بالتاء أو الألف، نحو حمدة وقائمة وقاعدة وحبلى وسكرى، فكان حمل همزة التأنيث في نحو صحراء وبابها على أنها بدلت من ألف تأنيث، لما ذكرناه. أحرى. والوجه الآخر: أنا قد رأيناهم لما جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث، أبدلوها في الجمع، ولم يحققوها البتة، وذلك قولهم في جمع صحراء وصلفاء وخبراء: صحاري، وصلافي، وخباري، ولم نسمعهم أظهروا الهمزة في شيء من ذلك، فقالوا: صحارئ، خبارئ، وصلافئ، ولو كانت الهمزة فيهن غير منقلبة لجاءت في الجمع، ألا تراهم قالوا: كوكب درئ، وكواكب درارئ، وقراء وقرارئ، ووضاء ووضاضئ، فجاءوا بالهمزة في الجمع لما كانت غير منقلبة، بل موجودة في قرأت ودرأت، ووضؤت، فهذه دلالة قاطعة. فإن قيل: فما الذي دعاهم إلى قلبها في الجمع ياء؟ وهلا تركوها في الجمع ملفوظا بها، كما كانت في الواحد، فقالوا: صحارئ، وصلافئ؟ فالجواب: أنها إنما كانت انقلبت في الواحد همزة وأصلها الألف، لاجتماع الألفين، وهذه صورتها: "صحراا" و"صلفاا" و"خبراا"، فلما التقت ألفان اضطروا إلى تحريك إحداهما، فجعلوها الثانية، لأنها حرف الإعراب، فصارت صحراء وصلفاء كما ترى.   1 انجزم: يريد سكن، فالجزم عند النحاة، تسكين الحرف أو حذفه إن كان حرف علة أو نونا في الأفعال الخمسة، مادة "جزم". اللسان "1/ 619". 2 في هامش "ص" ولعله من تعليق ابن هشام: "هذا الذي قاله سيبويه لم يرد به التعليل، بل الإخبار بما فعلوه واعتزموه، وذلك لأن هذا نفس الدعوى المحتاجة لعلة التخصيص، لا أن هذا تعليل، والمخطئ من أورده تعليلا، لا سيبويه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وحال الجمع ما أذكره، وذلك أنك إذا صرت إلى الجمع، لزمك أن تقلب الأولى ياء لانكسار الراء في صحاري قبلها، كما تنقلب ألف قرطاس1 وحملاق2 ياء لانكسار ما قبلها، إذا قلت: قراطيس وحماليق، فكذلك تنقلب ألف صحراء الأولى ياء، وهذه صورتها فتصير في التقدير، صحارى ا، وصلافى ا، وحبارى ا، فتقع الياء الساكنة قبل الألف الآخرة الراجعة عن الهمزة، لزوال الألف من قبلها، فتنقلب الألف ياء، لوقوع الياء ساكنة قبلها، وتدغم الأولى المنقلبة عن الألف الزائدة في الياء الآخرة، المنقلبة عن ألف التأنيث، فتصير صحاري. أنشد أبو العباس للوليد بن يزيد: لقد أغدو على أشقر يغتال الصحاريا3   1 القرطاس: الصحيفة يكتب فيها، وفي التنزيل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} . [وتثلث قافه بهذا المعنى] ، وكل ما ينصب للنضال، وهو الغرض يقال: رمى فقرطس: أصاب الغرض، ومن الجواري: البيضاء المديدة القامة، ومن الدواب: الأبيض الذي لا يخالط بياضه نمنمة، وورقة تلف على هيئة القمع ليوضع فيها الحب ونحوه "محدثة"، "ج" قراطيس. مادة "قرطس". اللسان"5/ 3592". 2 الحملاق: حملاق العين، وحملقها، وحملوقها: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها، والجمع "حماليق". مادة "حملق". اللسان "2/ 1006". 3 أغدو: مضارع غدا غدوا إذا ذهب في الصباح الباكر، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. الأشقر: من الخيل ما كانت خمرته صافية، والشقرة في الإنسان حمرة يعلوها بياض. مادة "شقر". اللسان "4/ 2297". ويغتال: يهلكها غيلة، أي على غرة، وهو هنا على الاستعارة. اللسان "5/ 3329". فكأن المعنى: إنني أصبح راكبا فرسا أشقر سريع العدو يقطع الأرض بسرعة شديدة بحيث لا أشعر بها. ومحل الشاهد في البيت: كلمة صحارى: بتشديد الياء، وهذا هو الأصل في مثل هذ الجمع ولكنه متروك لا يقع إلا في الشرع، والمستعمل التخفيف بحذف الياء الأولى، وقد يفتح ما قبل الياء فتنقلب ألفا فيقال: صحارى، بفتح الراء. إعراب الشاهد: ال صحاريا: مفعول به منصوب بالمفعولية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وقال آخر1: إذا جاشت حواليه ترامت ... ومدته البطاحي الرغاب2 جمع بطحاء، وكذلك ما حكاه الأصمعي من قولههم صلافي وخباري، فبهذا استدللنا على أن الهمزة في صحراء وبابه بدل من ألف التأنيث، فإذا كان ذلك كذلك فقد علمت أن الهمزة في صنعاء وهيجاء ودهناء، فيمن مد، هي الألف المفردة في صنعا، وهيجا، ودهنا3، فيمن قصر، قلبت همزة لوقوعها بعد الألف التي زيدت للمد. فأما حبلى وسكرى فإنما صحت فيهما وفيما يجري مجراهما الألف، لأنهما مفردة، فلم يلتق ساكنان، فتجب الحركة ويلزم الهمز، فأما قول الآخر: أسقى الإله دارها فروى ... نجم الثريا بد نجو العوى4 فالعوى5: أحد منازل القمر، وهو اسم مقصور، والألف في آخره للتأنيث، بمنزلة ألف حبلى وبشرى، وعينها ولامها واوان في اللفظ، كما ترى، إلا أن الواو الآخرة، التي هي لام بدل من ياء، وأصلها "عويا"، وهي فعلى من عويت. وقال لي أبو علي: إنما قيل لها العوى، لأنها كواكب ملتوية، قال: وهي من عويت يده، أي لويتها.   1 البيت لم أعثر على قائله. 2 البطاحي: جمع بطحاء، وهي الأبطح وهو المكان المتسع يمر به السيل فيترك فيه الرمل والحصى الصغار، ومنه أبطح مكة، مادة "بطح". اللسان "1/ 299". الرغاب: جمع رغيبة: أي واسعة، مادة "رغب". اللسان "3/ 1697". والشاهد في قوله "البطاحي" بتشديد الياء وهو الأصل والمستعمل التخفيف. انظر/ شرح ذلك في نفس الهامش في شرح البيت السابق في كلمة "صحاريا". إعراب الشاهد: البطاحي: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة الرفع الضمة المقدرة. 3 الدهناء: الفلاة: مادة "دهن". اللسان "2/ 1447". 4 الثريا: مجموعة من النجوم في صورة "الثور"، "ج" ثريات. اللسان "1/ 480". الشرح: يدعو الشاعر لمحبوبته بأن يسقي الله جل اسمه ديارها أعظم السقاء. والشاهد: في قوله: "العوى" وشرحه كما ذكره المؤلف في المتن. 5 العوى: مقصور كما ذكر المؤلف هنا، سيذكر بعد ذلك أنه ممدود أيضا. وقال في شرح القاموس: العواء بالمد والقصر: منزل القمر، والقصر أكثر، وألفها للتأنيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فإن قيل: فإذا كان أصلها "عويا"، فقد اجتمعت الواو والياء، وسبقت الأولى بالسكون، وهذه حال توجب قلب الواو ياء، وليست تقتضي قلب الياء واوا. ألا تراهم قالوا: طويت طيا، وشويت شيا، وأصلهما طويا وشويا، فقلبت الواو ياء، فهلا إذ كان كذلك قلبوها كما في نحو: طويت طيا، وشويت شيا، فقالوا عيا. فالجواب: أنهم إنما قلبوا ياء "عويا" واوا، لعلة مشروحة عند أصحاب التصريف، وذلك أن فعلى إذا كانت اسما لا وصفا، وكانت لامها ياء قلبت ياؤها واوا، وذلك نحو التقوى، أصلها وقيا، لأنها فعلى من وقيت، والثنوى1، وهي فعلى من ثنيت، والبقوى2 وهي فعلى من بقيت، والرعوى، وهي فعلى من رعيت، فكذلك أيضا العويا، فعلى من عويت، وهي مع ذلك اسم لا صفة، بمنزلة التقوى والبقوى والفتوى، فقلبت الياء التي هي لام واوا، وقبلها العين التي هي واو، فالتقت واوان، الأولى ساكنة، فأدغمت3 في الآخرة فصارت "عوى" كما ترى. ولو كانت فعلى صفة لما قلبت ياؤها واوا، ولبقيت بحالها، نحو الخزيا4 والصديا5، ولو كانت قبل هذه الياء واوا لقلبت الواو ياء، كما يجب في الواو والياء إذا التقتا وسكن الأول منهما، وذلك نحو قولهم امرأة طيا وريا6، وأصلها طويا ورويا، لأنهما من طويت ورويت، قلبت الواو منهما ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فصارت طيا وريا، ولو كانت ريا اسما، لوجب أن يقال فيها روى، وحالها كحال العوى. فإن قيل: فلم قلبت لاعرب لام فعلي، إذا كانت أسما، وكان لامها ياء، واوا، حتي قالوا: العوي والتقوى والبقوى؟   1 الثنوى: اسم بمعنى الاستثناء من الشيء. 2 البقوى: اسم بمعنى الإبقاء من الشيء. 3 الإدغام: إدخال حرف في حرف آخر. مادة "دغم". اللسان "2/ 1391". 4 الخزيا: مؤنث خزيان، وهو المستحي. مادة "خ ز ا". اللسان "2/ 1155". 5 الصديا: مؤنث صديان، وهو العطشان. مادة "صدى". اللسان "4/ 2421". 6 الريا: الريح الطيبة. مادة "روى". اللسان "3/ 1787". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك في فعلى، لأنهم قد قلبوا لام "الفعلى" إذا كانت اسما وكانت لامها واوا، ياء، طلبا للخفة، وذلك نحو الدنيا والعليا والقصيا، وهي من دنوت، وعلوت وقصوت1، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره، مما يطول تعداده، عوضوا الواو من غلب الياء عليها في أكثر المواضع، بأن قلبوها في نحو البقوى والثنوى واوا، ليكون ذلك ضربا من التعويض والتكافؤ بينهما، فاعرفه، فإن أصحابنا2 استظرفوا هذا الفصل من التصريف، وعجبوا منه، ثم إنه قد حكي عنهم "العواء" بالمد، في هذا المنزل. والقول عندي في ذلك: أنه زاد للمد ألفا قبل ألف التأنيث، التي في العوى، فصار التقدير" العوا ا" بألفين، كما ترى ساكنتين، فقلبت الآخرة التي هي علم التأنيث همزة، لما تحركت لالتقاء الساكنين، والقول فيها: القول في حمراء وصحراء وصلفاء وخبراء. فإن قيل: فلما نقلت من فعلى إلى فعلاء، فزال القصر عنها، هلا ردت إلى القياس، فقلبت الواو ياء، لزوال وزن فعلى المقصورة كما يقال: رجل ألوى وامرأة لياء3؟ فهلا قالوا على هذا العياء؟ فالجواب أنهم لم يبنوا الكلمة على أنها ممدودة البتة، ولو أرادوا ذلك لقالوا العياء، وأصلها العوياء، كما قالوا امرأة لياء، وأصلها لوياء، ولكنهم إنما أرادوا القصر الذي في العوى، ثم إنهم اضطروا إلى المد في بعض المواضع ضرورة، فبقوا الكلمة بحال الأولى، من قبل الياء التي هي لام واوا، وكان تركهم القلب بحاله أدل شيء على أنهم لم يعتزموا المد البتة، وأنهم إنما اضطروا إليه، فركبوه وهم بالقصر معنيون، وله ناوون. فهذه جملة من القول على همزة التأنيث، وصحة الدلالة على كونها منقلبة عن الألف، فاعرفه، فقلما أفصح أصحابنا هذا الإفصاح عنه.   1 قصوت: بعدت. مادة "ق ص ا". اللسان "5/ 3657". 2 أصحابنا: يقصد البصريين. 3 اللياء: معوجة الظهر. مادة "لوي". اللسان "5/ 4109". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وأما قول العجاج1: يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي ثم قال: فخندف هامة هذا العألم2 فقد روي أن العجاج كان يهمز العألم والخأتم، وقد روي عنه في هذا البيت: العألم، فهمزة العألم والخأتم مما قدمناه من قلب الألف همزة. وحكى اللحياني عنهم"نأر" بالهمز، وهذا أيضا من ذلك الباب. وحكى بعضهم: قوقأت الدجاجة. وحلأت3 السويق4، ورثأت المرأة زوجها5، ولبأ الرجل بالحج6، وهذا كله شاذ غير مطرد في القياس. ونحوه قول ابن كثوة7:   1 العجاج: هو أحد الرجاز عده صاحب الطبقات في الطبقة التاسعة من الإسلاميين. 2 استشهد ابن جني على أن الألف تقلب همزة، وأن بعض العرب كان يهمز الألف كما يهمز العجاج. في قوله "العألم". والهامة: الرأس. مادة "هـ. و. م". اللسان "6/ 4723". يقول: إن خندف -الشخص الممدوح- هو رأس العالم وسيده، والتعبير مبني على التشبيه لإفادة المدح. إعراب الشاهد: الأعلم: بدل مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة. واعترض ابن عصفور في كتابه "الضرائر" على ابن جني وجعل همزة العالم من ضرورات الشعر، إذ قال في تخريج هذا البيت: "أبدل الألف همزة فتكون القافية غير مؤسسة كأخواتها، إذ لو لم يهمز للزم السناد، وهو من عيوب القافية". انظر الشاهد رقم "206" من شرح شواهد الشافية لعبد القادر البغدادي. 3 حلا الشيء وحلاه تحلية: جعله حلوا، وقد ورد بالهمز. اللسان "2/ 955". 4 السويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير "ج" أسوقة مادة "سوق". اللسان "3/ 215". 5 ورثأت المرأة زوجها: لغة في رثته أي مدحته بعد موته. مادة "ر ث أ". اللسان "3/ 1580". 6 ولبأ الرجل بالحج: لبى. أي أجاب. مادة "ل ب ب". اللسان "5/ 3980". 7 البيت لأبي كثوة زيد بن كثوة، يقال إن كثوة أمه، وقيل: أبوه. وأصل الكثوة: التراب المجتمع. مادة "ك ث ا". اللسان "5/ 3830". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ولي نعام بني صفوان زوزأة ... لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا1 أراد "زوزاة" غير مهموز. وحكي عنهم: تأبلت2 القدر بالهمز، فهذا أيضا من قلب الألف همزة. وأنشد الفراء: يا دار مي بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيجت شوق المشتئق3 فالقول فيه عندي: أنه اضطر إلى حركة الألف التي قبل القاف من "المشتاق"، لأنها تقابل لام" مستفعلن". فلما حركها انقلبت همزة كما قدمنا، إلا أنه حركها بالكسر، لأنه أراد الكسرة التي كانت في الواو المنقلبة الألف عنها. وذلك لأنه "مفتعل" من الشوق، وأصله مشتوق، ثم قلبت الواو ألف، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما احتاج إلى حركة الألف، حركها بمثل الكسرة التي كانت في الواو، التي هي أصل الألف.   1 الزوزأة: أصله الزوزاة، وهو مصدر زوزى يزوزي، وهو أن ينصب ظهره، ويسرع الخطو. وثب: قفز. مادة "وثبت". اللسان "6/ 4762". الشرح: يقول أن نعام بني صفوان ولى هاربا مسرعا خطوه حين ظهر له أسد في الغاب. والشاهد في قوله: "زوزأة" فقد حرك الألف فانقلبت همزة، والأصل "زوزاة". إعراب الشاهد: زوزأة: نائب عن المصدر المنصوب. 2 تأبلت القدر: وضع فيه التابل وهو أبزار الطعام، وأصله تابلت بدون همز. مادة "تبل". اللسان "1/ 419". 3 مي: اسم امرأة. ودكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتبلد في الأرض ولم يرتفع، وهو شبيه بالتل. مادة "د ك ك". اللسان "2/ 1404". والبرق: جمع برقة بضم الباء، وهو غلظ في حجارة ورمل. اللسان "1/ 262". وصبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره صبري صبرا، أو مفعول به لفعل محذوف مقدر. والشاهد في قوله: "المشتئق" فهي اسم فاعل من اشتاق وأصله المشتاق، فقلبت الألف همزة، وحركت بالكسر لأن الألف بدل من واو مكسورة. إعراب الشاهد: المشتئق: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ونحو هذا ما حكاه الفراء أيضا عنهم، من قولهم: رجل مئل، إذا كان كثير المال، وأصلها مول، بوزن فرق وحذر، ويقال، مال الرجل يمال، إذا كثر ماله، وأصلها: مول يمول، مثل خاف يخاف من الواو، وقالوا: رجل خاف، كقولهم: رجل مال، وأصلها خوف ومول، ثم انقلبت والواو ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت خاف ومال، ثم إنهم أتوا بالكسرة التي كانت في واو مول، فحركوا بها الألف في مال، فانقلبت همزة، فقالوا مئل. فهذه جملة من القول على انقلاب الألف همزة، وقد تقصيت جميع ما جاء منه مطردا وشاذا، وقلما تجد شيئا يخرج عن هذا من الشواذ. وأما إبدال الهمزة عن الياء والواو، فعلى ضربين، تبدل الهمزة منهما وهما أصلان، وتبدل منهما وهما زائدتان. الأولى: نحو قولك في وجوه: أجوه، وفي وعد: أعد، وفي وقتت أقتت. وكذلك كل واو انضمت ضما لازما، فهمزها جائز، وقالوا: قطع الله أده: يريدون يده، فردوا اللام، وأبدلوا الفاء همزة. وأبدلوا أيضا الواو المكسورة، فقالوا إسادة في وسادة، وإعاء في وعاء. وأبدلوا المفتوحة أيضا فقالوا: أناة، في وناة، وأحد في وحد، وأجم في وجم1، وأسماء في وسماء2، وقالوا: قائم وبائع، فأبدلوها من الواو والياء، وقالوا: في أسنانه ألل: يريدون يلل3، فأبدلوا الياء همزة4، وقالوا: رئبال5، فأبدلوها من الياء، وهمز بعضهم الشئمة، وهي الخليقة. وقالوا أيضا: قضاء وسقاء وشفاء ونكساء وشقاء وعلاء. وكذلك كل ما وقت لامه ياء أو واوا طرفا بعد ألف زائدة.   1 يقال: وجم الشيء: إذا كرهه، أجم الطعام وغيره: كرهه. اللسان "6/ 4774". 2 وسماء: حسنة جميلة. وأصلها أسماء وهو اسم امرأة مشتق من الوسامة وهمزته مبلة من واو مادة "وسم". اللسان "6/ 4839". 3 الألل واليلل: قصر الأسنان العليا، وانعطافها إلى داخل الفم. اللسان "6/ 4965". 4 هكذا يرى ابن جني أن الياء هي الأصل، وغيره يرى أن الهمزة هي الأصل وقد تخفف. 5 الرئبال: من رأبل: أي مشى متمايلا في جانبه كأنه يقصد شيئا. اللسان "3/ 1532". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وأصل هذا كله قضاي، وسقاي، وشفاي، وكساو، وشقاو وعلاو، لأنها من قضيت، وسقيت، وشفيت، وكسوت، والشقوة، وعلوت. فلما وقعت الياء والواو طرفين، بعد ألف زائدة، ضعفتا لتطرفهما، ووقعوهما بعد الألف الزائدة المشبهة للفتحة في زيادتها. فكما قلبت الواو والياء ألفا لتحركهما ووقوعهما بعد الفتحة في نحو: عصا رحى1، كذلك قلبتا ألفا أيضا، لتطرفهما وضعفهما، وكون الألف زائدة قبلهما في نحو كساء ورداء، فصار التقدير: قضا ا، وسقا ا، وشفا ا، وكسا ا، وشقا ا، وعلا ا، فلما التقى ساكنان كرهوا حذف أحدهما، فيعود الممدود مقصورا، فحركوا الألف الآخرة لالتقائهما، فانقلبت ههمزة، فصارت قضاء وسقاء وكساء وعلاء، فالهمزة في الحقيقة إنما هي بدل من الألف، والألف التي أبدلت الهمزة عنها بدل من الياء والواو، إلا أن النحويين إنما اعتادوا هنا أن يقولوا: إن الهمزة منقلبة من ياء أو واو، ولم يقولوا من ألف، لأنهم تجوزوا في ذلك، ولأن تلك الألف التي انقلبت عنها الهمزة، هي بدل من الياء أو الواو، فلما كانت بدلا منها، جاز أن يقال إن الهمزة منقلبة عنها، فأما الحقيقة فإن الهمزة بدل من الألف المبدلة عن الياء والواو، وهذا مذهب أهل النظر الصحيح في هذه الصناعة2، وعليه حذاق3 أصحابنا، فاعرفه. فأما قولهم عباءة وصلاءة وعظاءة4، فقد كان ينبغي لما لحقت الهاء آخرا، وجرى الإعراب عليها، وقويت الياء، بعدها عن الطرف، ألا يهمز، وألا يجوز فيه الأمران، كما اقتصر في نهاية، وغباوة، وشقاوة، وسعاية، ورماية على التصحيح دون الإعلال، إلا أن الخليل5 رحمه الله قد علل ذلك، فقال: إنهم إنما بنوا   1 الرحى: أداة لطحن القمح والشعير والحبوب. مادة "ر ح ا". اللسان "3/ 1614". 2 الصناعة: يقصد بها صناعة النحو. 3 حذاق: جمع حاذق وهو الماهر بالشيء. مادة "ح ذ ق". اللسان "2/ 811". 4 العباءة والصلاءة والعظاءة: سبق شرحهم. 5 الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، رأس زمانه في النحو، مخترع علم العروض امتاز بقوة الملاحظة والورع ونقل عنه سيبويه وقطرب وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الواحد على الجمع، فلما كانوا في الجمع يقولون: عظاء وعباء وصلاء، فيلزمهم إعلال الياء، لوقوعها طرفا، أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة، فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها. فإن قيل: أولست تعلم أن الواحد أقدم في الرتبة من الجمع، وأن الجمع فرع على الواحد، فكيف جاز للأصل -وهو عظاءة- أن يبني على الفرع هو عظاء؟ وهل هذا إلا كما عابه أصحابك1 على الفراء، من قوله أن الفعل الماضي إنما بني على الفتح لأنه حمل على ألف التثنية، فقيل ضرب، لقولهم ضربا؟ فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية؟ فالجواب: أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين: أحدهما: أن بين الواحد والجمع من المضارعة2 ما ليس بين الواحد والتثنية، ألا تراك تقول قصر وقصور، وقصرا وقصورا، وقصر وقصور، فتعرب الجمع إعراب الواحد، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد، ولست تجد في التثنية شيئا من ذلك، إنما هو قصران أو قصرين، فهذا مذهب غير مذهب قصر وقصور، أولا ترى أن الواحد تختلف معانيه كاختلاف معاني الجمع، لكنه قد يكون جمع أكثر من جمع، كما يكون الواحد مخالفا للواحد في أشياء كثيرة، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت، إنما تنتظم التثنية ما في الواحد التبة، وهي لضرب واحد من العدد البتة، لا يكون اثنان أكثر من اثنين، كما تكون جماعة أكثر من جماعة، ها هو الأمر الغالب، وإن كانت التثنية قد يراد بها في بعض المواضع أكثر من الاثنين، فإن ذلك قليل لا يبلغ اختلاف أحوال الجمع في الكثرة والقلة، بل لا يقاربه، فلما كانت بين الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة، جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولما بعد الواحد عن التثنية في معانيه ومواقعه، لم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية، كما حمل الخليل الواحد على الجماعة.   1 أصحابك: يريد البصريين. 2 المضارعة: المشابهة. مادة "ض رع". اللسان "4/ 2581". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 يزيد في وضوح ذلك لك، أنهم قالوا: هذا، فبنوه، ثم قالوا: هاذان، فأعربوا، ثم لما صاروا إلى الجمع عادوا إلى البناء، فقالوا: هؤلاء. فهذا وغيره مما يشهد بمضارعة الواحد للجماعة، وبعده عن التثنية، فهذا وجه. والوجه الآخر الذي جوز للخليل حمل الواحد على الجماعة، هو أنه وإن كان قد حمل الواحد على الجمع في نحو عظاءة1 وعظاء، فقد عدل هذا الأمر الذي في ظاهره بعض التناقض، بأنه حمل لفظ العظاءة، وهي مؤنثة، على لفظ العظاء وهو مذكر، فهذا يعادل به حمل الواحد على الجماعة، ثم ينضاف إليه ما ذكرناه من مضارعة الواحد للجماعة. وليس للفراء في قوله: إن ضرب بني على ضربا، واحد من هذين الأمرين اللذين سوغنا بهما مذهب الخليل، فلهذا صح قول الخليل، وسقط قول الفراء. وبعد، فليس العظاء في الحقيقة جمعا، وإنما هو واحد وقع على الجمع، بمنزلة تمر وبسر2 ودجاج وحمام، وهذا واضح. وقد استقصيت هذا وغيره من لطائف التصريف في كتابي المصنف لتفسير تصريف أبي عثمان رحمه الله، وأتيت بالقول هناك على أسرار هذا العلم ودفائنه. فإن قيل: فإذا كانت الألف في شفاء وشقاء بمنزلة الفتحة، في إيجابها قلب ما بعدها ألفا، فهلا لم يجز إلا القلب، وأن تقول: عباءة وعظاءة وصلاءة البتة بالهمز، ولا تجيز نهاية ولا غباوة، كما لم تجز إلا إعلال نحو: قناة وقطاة وحصاة، وإن كانت بعدها الهاء. فما بالك اعتبرت الهاء في نحو: عباية، وعظاية، وصلاية، وشقاوة، ونهاية، حتى صححت لها الواو والياء، ولم تعتبر الهاء في نحو: قناة وقطاة وحصاة وفتاة؟ وهلا قلت: قنوة وقطوة، وحصية، وفتية، فصححت الواو والياء للهاء، كما صححتها في نحو الشقاوة والنهاية لأجل الهاء.   1 العظاءة: دويبة من الزواحف ذوات الأربع، تعرف في مصر بالسحلية، وقد سبق شرحها. 2 بسر: ثمر النخل قبل أن ينضج، والغض الطري من كل شيء، والجمع "أبسار". مادة "ب س ر". لسان العرب "1/ 279". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فالجواب: إنهم إنما أجروا الألف في نحو كساء ورداء مجرى الفتح، في أن قلبوا لها ما بعدها من الياء والواو، كما قلبوا للفتحة نحو: عصا ورحى ما دامت الياء والواو طرفين ضعيفين، وإلا فقد كان ينبغي أن يصح الياء والواو بعد الألف، لأنهما إذا وقعتا بعد الحرف الساكن صحتا، وذلك نحو: ظبي ودلو، ولكنهم لما رأوهما بعد ألف زائدة كزيادة الفتحة، وكانت الفتحة بعض الألف، جوزوا إعلالها وقلبهما ما دامتا طرفين ضعيفين، فإذا تحصنتا وقويتا بوقوع الهاء بهدهما، لم تبلغ الألف من إيجاب قلبهما مبلغ الفتحة الصريحة. فأما قناة وفتاة فإن واوهما وياءهما وقعتا بعد الفتحة المحضة الموجبة للقلب، فلم تبلغ من قوة الهاء معهما أن تحصن الواو والياء من إعلال الفتحة المحضة لهما. وهذا ما خرج لي بعد التفتيش والمباحثة عن أبي علي وقت قرأت كتاب أبي عثمان عليه فاعرفه، فإنه موضع يلطف جدا، وقل من يضبطه. وقد أبدلت الواو همزة بدلا مطردا إذا انضمت ضما لازما، وذلك نحو أقتت وأجوه وأدؤر وأثؤب. وقد أبدلها قوم من المكسورة، وذلك نحو وسادة وإسادة، ووفادة1 وإفادة. وإذا التقت واوان في أول الكلمة لم يكن من همزة الأولى بد، وذلك أن الأولى أصلها وؤلى. وسنستقصي هذا كله في حرف الواو. وقال: ما كنت أخشى أن يبينوا أشك ذا2 أي وشك ذا، ومن الوشيك.   1 الوفادة: القدوم. مادة "وفد". واللسان "6/ 4881". 2 هذا الشطر أنشده صاحب اللسان في مادة "وشك" ولم ينسبه أيضا إلى أحد. ولم نعثر على قائله فيما بأيدينا من كتب اللغة. انظر/ لسان العرب "6/ 4844". يبينوا: يفارقوا. مادة "بين". اللسان "1/ 403". الشرح: أن الشاعر ينفي خوفه من فراق من فارقوه. والشاهد في قوله: "أشك" أي وشك من الوشيك. فقد أبدل الهمزة عن الواو وهي أصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فهذا إبدال الهمزة عن الياء والواو وهما أصلان. وأما إبدالها منهما وهما زائدتان فنحو قولهم: علباء وحرباء1. وجاء عنهم: رجل عزهاء2، وأصل هذا كله علباي وحرباي وعزهاي، ثم وقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة، فقلبت ألفا، ثم قلبت الألف همزة، كما تقدم من قولنا في: كساء ورداء. فإن قيل: ما الدليل على أن الأصل حرباي وعلباي بالياء، دون أن يكون علباو وحرباو بالواو؟ فالجواب: أن العرب لما أنثت هذا الضرب بالهاء، فأظهرت الحرف المنقلب لم تظهره إلا ياء، وذلك نحو درحاية ودعكاية3، فظهور الياء في المؤنث بالهاء دلالة على أن الهمزة إنما قلبت في حرباء وعلباء عن ياء لا محالة. وأما الواو الزائدة التي قلبت عنها همزة فلم تأت مسموعة عنهم إلا أن النحويين قاسوا ذلك على الياء، لأنها أختها، وذلك أنك لو نسبت إلى مثل صحراء وخنفساء لقلت: صحراوي وخنفساوي، فإن سميت بهما رجلا، ثم رخمته4 على قولهم: يا حر، وجب بعد حذف ياء النسب أن تقلب الواو ألفا، لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، فتصير صحرا اوخنفسا ا، ثم تبدلت الألف الآخرة همزة، لأنك حركتها   1 الحرباء: دوبية على شكل سام أبرص ذت قوائم أربع دقيقة الرأس، مخططة الظهر، تستقبل الشمس نهارها وتدور معها كيف دارت، وتتلون ألوانا، ويضرب بها المثل في التلون، والجمع "حرابي". 2 رجل عزهاء: عازف عن اللهو والنساء. مادة "ع ز هـ" اللسان "4/ 2933". 3 يقال: درحاية: كثير اللحم، قصير، سمين، ضخم البطن، لئيم الخلقة. اللسان "2/ 1354". قال الراجز: إما تريني رجلا دعكايَهْ ... عكوكا إذا مشى درحايَهْ تحسبني لا أحسن الحدايَهْ ... أيايَهٍ أيايَهٍ إيايَهْ وقيل الدعكاية: القصير: القصير الكثير اللحم، طال أو قصر. وقال ابن بري: الدعكاية: القصير مادة "د ع ك". اللسان "2/ 1383". وقول الراجز أيايه، هو لفظ تزجر به الإبل. 4 رخمته: من الترخيم، وهو حذف آخر المنادى تسهيلا للنطق به، وقد يرخم غير منادى، كما في قوله: "ليس حي على المنون بخال" أي بخالد. مادة "رخم". اللسان "3/ 1617". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 لالتقاء الساكنين، كما فعلت ذلك في كساء، فتقول على هذا: يا صحراء ويا خنفساء أقبل، وقياس هذا إذا سميت به بعد الترخيم أن تصرفه في النكرة، بلا خلاف، وفي المعرفة على الخلاف، فتقول جاءني صحراء ومررت بخنفساء، لأن هذه الهمزة التي فيهما الآن ليست للتأنيث، وإنما هي بدل من ألف بدل من واو بدل من همزة التأنيث المنقلبة عن الألف المقدرة بعد الألف الأولى، على ما بيناه في حمراء وصفراء. فهذا إبدال الهمزة عن الياء والواو أصلين وزائدتين. وأما إبدال الهمزة عن الهاء فقولهم: ماء، وأصله: موه لقولهم أمواه، لقلبت الواو ألفا، وقلبت الهاء همزة، فصار ماء، كما ترى، وقد قالوا أيضا في الجمع: أمواء، فهذه الهمزة أيضا بدل من ها أمواه. أنشدني أبو علي: وبلدة قالصة أمواؤها ... ماصحة رأد الضحا أفياؤها1   1 استشهد بهذا البيت على أن الهمزة قد تجيء في جمع ماء كما جاءت في المفرد، وعلى هذا يجوز أن يكون قد جمع المفرد وأبقى همزته على حالها، فتكون همزة الجمع همزة المفرد، ويجوز أن تكون بدلا من الهاء التي في أمواه، فكأنه لفظ بالهاء في الجمع، ثم أبدل منها الهمزة، كما فعل في المفرد. القالصة: من قلص الماء في البئر: إذا ارتفع. مادة "قلص". اللسان "5/ 37121". الماصحة: مادة "مصح" من مصح الظل، أي ذهب. اللسان "6/ 4214". رأد الضحى: ارتفاعه، أي وسطه. وقيل انبساط الشمس وارتفاع النهار. اللسان "3/ 1532". أفياؤها: ظلالها، والمفرد "الفيء". مادة "فيأ". اللسان "5/ 3495". شرح البيت: هذه البلدة كثيرة الفيء لكثرة ظلال أشجارها إلى أن يذهب ارتفاع الضحى. إعراب البيت: الواو: واو رب. بلدة: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة. قالصة: نعت مجرور بالتبعية، وعلامة جره الكسرة. أمواؤها: فافل لـ"قالصة" مرفوع وعلامة رفعه الضمة. والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. ماصحة: نعت ثان مجرور بالتبعية وعلامة جره الكسرة. رأد: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ومن ذلك قولهم أال، كقولنا، أال الله، وأ ال رسوله، إنما أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير أأ ل. فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا، كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر1. فإن قيل: ولم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة، ثم قلبوها ألفا فيما بعد، وما أنكرت من أن يكونوا قلبوا الهاء ألفا في أول الحال؟ فالجواب: أن الهاء لم تقلب ألفا في غير هذا الموضع، فيقاس هذا هنا عليه، وإنما تقلب الهاء همزة في ماء وشاء، على الخلاف فيما سنذكره في موضعه، فعلى هذا أبدلت الهاء همزة، ثم أبدلت الهمزة ألفا. وأيضا فإن الألف لو كانت منقلبة عن الهاء في أول أحوالها، كما زعم الملزم. دون أن تكون منقلبة عن الهمزة المنقلبة عن الهاء، على ما قدمناه، لجاز أن يستعمل آل في كل موضع يستعمل فيه أهل، ألا تراهم يقولون صرفت وجوه القوم، وأجوه القوم، فيبدلون الهمزة من الواو، ويوقعونها بعد البدل في جميع مواقعها قبل البدل. وقالوا أيضا: وسادة2 وإسادة، ووفاة وإفادة. ومن أبيات الكتاب3. إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء والنعم4   = الضحا: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة للتعذر. أفياؤها: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة، والهاء ضمير مبني في محل جر مضاف إليه وقد أورد صاحب اللسان الأبيات هكذا. وبلدة قالصة أمواهها ... تستن في رأد الضحى أفياؤها كأنما قد رفعت سماؤها تستن: أي تجري في السنن وهو وجه الطريق والأرض. مادة "س ن ن" اللسان "3/ 2125". 1 آزر: ساند وساعد أو ساوى أو حازى الشيء بالشيء. مادة "أزر". اللسان "1/ 72". 2 الوسادة: المخدة والمتكأ وكل ما يوضع تحت الرأس من تراب أو حجارة أو غيره. "ج" وسائد مادة "وسد". اللسان "6/ 4830". 3 الكتاب: هو مؤلف سيبويه في النحو. 4 البيت لتميم بن أبي مقبل، وهو من شواهد سيبويه "2/ 355". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وقالوا أيضا: وشاح1 وإشاح، ووعاء وإعاء، قرأ سعيد بن جبير: "ثم استخرجها من إعاء أخيه" [يوسف: 76] ، وكل واحدة من هذه ومن غيرها مما يجري في البدل مجراها، تستعمل مكان صاحبتها، ولو كانت ألف آل بدلا من هاء أهل لقيل انصرف إلى آلك كما يقال: انصرف إلى أهلك، ولقيل آلك والليل، كما يقال أهلك والليل، وغير ذلك مما يطول ذكره ... فلما كانوا يختصون بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم، حتى لا يقال إلا في نحو قولهم: القراء آل الله، واللهم صل على محمد وعلى آل محمد، و {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَه} [غافر: 18] ، وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق2. نجوت ولم يمنن عليك طلاقة ... سوى ربذ التقريب من آل أعوجا3 لأن أعوج فيهم فرس مشهور عند العرب، فلذلك قال: آل أعوج، ولا يقال آل الخياط، كما يقال أهل الخياط، ولا آل الإسكاف4، كما يقال أهل الإسكاف.   = الإفادة: الوفادة، وهي الوفود على السلطان ونحوه، وقد سبق شرحها. الجبابير: جمع جبار، والمراد الملك، مادة "ج ب ر". اللسان "1/ 537". الشرح: إننا نفد على السلطان، فأحيانا ننال من إنعامه، وأحيانا نجرع مبتئسين خائبين من عنده. الشاهد: إبدال واو الوفاة همزة، لاستثقال الابتداء بها مكسورة وهذا الإبدال جائز باطراد في مثل هذه الحالة. إعراب الشاهد: الإفادة: مقطوع على الاستثناء منصوب جوازا. 1 الوشاح: نسيج عريض يرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقها وكشحيها. مادة "وشح". 2 الفرزدق: هو أبو فراس همام بن غالب التميمي الدارمي، أفخر ثلاثة الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء. 3 الربذ: السريع، التقريب: نوع من السير يقارب فيه الخطو. اللسان "3/ 1556". الشرح: لقد نجوت ولم يمنحني أحد الحرية والفضل في ذلك يرجع إلى الفرس العتيق الذي ينتمي إلى أعوج وينتسب له، وهو أنجب فرس عرفته العرب. الشاهد: "آل أعوج" حيث أضاف آل إلى أعوج، وهو فرس مشهور بالعتق عند العرب. إعراب الشاهد: آل: اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة. وأعوج: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الفتحة. 4 الإسكاف: صانع الأحذية ومصلحها. "ج" أساكفة" اللسان "3/ 2050". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 دل ذلك على أن الألف فيه ليست بدلا من الأصل، وإنما هي بدل من بدل من الأصل، فجرى ذلك مجرى التاء في القسم، لأنها بدل من الواو فيه، والواو فيه بدل من الباء، فلما كانت التاء بدلا من بدل، وكانت فرع الفرع، اختصت بأشرف الأسماء وأشهرها، وهو اسم الله، فلذلك لم يقل تزيد ولا تالبيت، كما لم يقل آل الإسكاف ولا آل الخياط. فإن قلت: فقد قال بشر1: لعمرك ما يطلبن من آل نعمة ... ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا2 فقد أضافه إلى نعمة، وهي نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة، فإن هذا بيت شاذ، والذي عليه العمل ما قدمناه، وهو رأي أبي الحسن3، فاعرفه. فإن قيل: ألست تزعم أن الواو في والله بدل من الباء في بالله، وأنت لو أضمرت لم تقل: وه لأفعلن كما تقول: به لأفعلن. وقد تجد أيضا بعض البدل لا يقع موضع المبدل منه في كل موضع، فما تنكر أيضا أن تكون الألف في آل بدلاً من الهاء، وإن كان لا يقع جميع مواقع أهل؟ فالجواب أن الفرق بينهما أن الواو لم تمتنع من وقوعها في جميع مواقع الباء، من حيث امتنع وقوع "آل" في جميع مواقع "أهل" وذلك أن الإضمار يرد بالأشياء إلى أصولها في كثير من المواضع، ألا ترى أن من قال: أعطيتك درهما، فحذف الواو التي كانت بعد الميم، وأسكن الميم، إذا أضمر الدرهم قال: أعطيتكموه، فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر.   1 البيت لبشر بن أبي حازم، وهو شاعر جاهلي، ولم نجد البيت فيما عرفناه من شعره. 2 لعمر: أسلوب قسم. أل: أهل. الشرح: يقسم الشاعر بعمر من يحدثه بأن القوم لا يطلبون شيئا من آل نعمة وإنما بغيتهم عند قيس ويشكر. والشاهد فيه قوله: "آل نعمة" فقد أضاف "آل" التي هي للتشريف إلى نعمة مع أنها نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة، وقد حكم المؤلف على ذلك بالشذوذ. إعراب الشاهد: آل: اسم مجرور. نعمة: مضاف إليه. 3 أبو الحسن الأخفش نحوي بصري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فأما ما حكاه يونس من أن بعضهم قال: أعطيتكمه، فشاذ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا1، فلذلك جاز أن تقول: به لأقعدن، وبك لأنطلقن، ولم يجز أن تقول: "وك" ولا "وه"، بل كان هذا في الواو أحرى، لأنها حرف واحد منفرد فضعفت عن القوة وتصرف الباء التي هي الأصل. أنشدنا أبو علي قال: أنشدنا أبو زيد2: رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما3   1 أصحابنا: يريد البصريين. 2 أبو زيد: صاحب النوادر، وقد أورده في كتابه "ص146"، ونسبه إلى عمرو بن يربوع بن حنظلة، وقد قاله وبيت آخر قبله يخاطب امرأته لما رحلت إلى أهلها في غيبته، وقد زعم الرواة أن عمرا هذا تزوج السعلاة فقال له أهلها: إنك تجدها خير امراة ما لم تر برقا، فستر بيتك ما خفت ذلك، فمكثت عنده حتى ولدت له بنين، فأبصرت برقا ذات يوم فقالت له: الزم بنيك عمرو إني آبق ... برق على أرض السعالي آلق فقال عمرو: ألا لله ضيفك يا أماما ... .................. رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسأل ولا أغاما والشطر الثاني من البيت الأول سقط من أيدي الرواة، قال أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل قال: لم أسمع بقافيته: فسمى الناس بني عمرو، بني السعلاة، حتى قال الشاعر: يا قاتل الله بني السعلات عمرو بن يربوع شرار النات غير أعفاء ولا أكيات بإبدال السين في الناس وأكياس: تاء. 3 أوضع: أسرع في السير. اللسان "6/ 4859" مادة "وضع". والبكر: الفتي من الإبل. اللسان "1/ 334"، وجملة ما أسأل ولا أغاما، جواب القسم. والضيف بكسر الضاد: الناحية والمحلة، وبفتحها النازل عند آخر، والظهر أنه يريد نفسه. الشرح: يدعو لمحلة أهلها بأن تسلم من أذى البرق والسيل ويقسم بحياتها إنه لن يكون مع هذا البرق غيم ولا سيل يتأذى به أهلها. والشاهد على البيت: أنه أدخل باء القسم على الضمير، فقال: "بك" بخلاف باقي حروف القسم لأن الباء هي الأصل كما ذكر المؤلف. إعراب الشاهد: الباء: حرف جر يفيد القسم، والكاف: ضمير مبني في محل جر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وأنشدنا أيضا عنه1: ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي2 وأنت ممتنع من استعمال آل في غير الأشهر الأخص، وسواء في ذلك أضفته إلى مظهر أم أضفته إلى مضمر. فإن قيل ألست تزعم أن التاء في تولج بدل من واو، وأن أصله وولج، لأنه فوعل من الولوج3، ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء، فقالوا دولج، وأنت مع ذلك تقول: دولج في جميع المواضع التي تقول فيها تولج، وإن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء، التي هي بدل من الواو؟ فالجواب عن ذلك: إن هذا مغالطة من السائل، وذلك أنه كان يطرد هذا له لو كانوا يقولون وولج ودولج، فيستعملون "دولج" في جميع أماكن وولج، فهذا لعمري لو كان كذا لكان له به تعلق، وكانت تحتسب زيادة، فأما وهم لم يقولوا وولج البتة كراهة اجتماع الواوين في أول الكلمة، وإنما قالوا تولج، ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو، فقالوا دولج، فإنما استعملوا الدال مكان التاء، التي هي في المرتبة قبلها تليها، ولم يستعملوا الدال موضع الواو التي هي الأصل، فصار إبدال الدال من التاء في هذا الموضع، كإبدال الهمزة من الواو في نحو أقتت وأجوه، فكما تستعمل أجوه في موضع وجوه، لقربها منها، وأنه لا منزلة بينهما واسطة، كذلك جاز استعمال دولج مكان تولج، لأنه لا منزلة واسطة بينهما. وكذلك لو عارض معارض بهنيهة، تصغير هنة4 فقال: ألست تزعم أن أصلا هنيوة، ثم صارت هينة، ثم صارت هنيهة، وأنت قد تقول هنيهة في كل موضع تقول في هنية، كان الجواب واحدا كالذي قبله، ألا ترى أن هنيوة الذي هو الأصل، لا ينطق به، ولا يستعمل التبة، فجرى ذا مجرى وولج، في رفضه وترك استعماله.   1 البيت لنفس الشاعر عمرو بن يربوع الذي سبق التعريف به. 2 أمامة: اسم امرأة، والاحتمال: يقصد الرحيل. الشرح: "بك" فقد دخلت الباء التي هي للقسم على الضمير كما في بيته السابق. 3 الولوج: الدخول. مادة "ولج". اللسان "6/ 4913". 4 هنة: وتصغيرها "هنيهة وهنية" قليلا من الزمان. مادة "هنة". اللسان "6/ 4713". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فهذا كله يؤكد عندك أن امتناعهم من استعمال آل في جميع مواقع أهل، إنما هو لأن الألف فيه كانت بدلا من بدل، كما كانت التاء في القسم بدلا من بدل، فاعرفه، فإن أصحابنا لم يشبعوا القول فيه، على ما أوردته الآن، وإن كنا بحمد الله بهم نقتدي، وعلى أمثلتهم نحتذي. والذي يدل على أن أصل آل أهل، قولهم في التحقير أهيل، ولو كان من الواو لقيل أويل، كما يقال في الآل الذي هو الشخص أويل، ولو كان أيضا من الياء لقيل أبيل. فأما قولهم رجل تدرأ1، وتدره للدافع عن قومه، فليس أحد الحرفين فيهما بدلا من صاحبه، بل هما أصلان، يقال درأ ودره، قال كثير: درهت على فراطها فدهمتهم ... بأخطار موت يلتهمن سجالها2 فهذا كقولك أقدمت واندفعت، وقال بعضهم في قول الشاعر3: فقال فريق أاإذا نحوتهم ... وقال فريق لا يمن الله ما ندري4 قالوا: أراد أهذا، فقلب الهاء همزة، ثم فصل بين الهمزتين بالألف.   1 تدرأ: يقال رجل تدرأ أي مدافع عن قومه. مادة "درأ". اللسان "2/ 1347". 2 دره على القوم ودرأ: إذا هجم عليهم على حين غفلة. اللسان "2/ 1369". والفراط: جمع فارط، وهو السابق إلى الماء بإبله ليوردها. اللسان "5/ 3390". وأخطار الموت: كناية عن الإبل القوية العطاش، تهجم على الحوض، فتحطم ما يصادفها من حيوان وغيره. والسجال: جمع سجل، وهو الدلو الضخمة المملوءة ماء. اللسان "3/ 1945". والشاهد في قوله: "درهت" فقد جاء الفعل بالهاء وهي فيه أصل كالهمزة تماما في "درأ". 3 قائل البيت هو نصيب أحد الشعراء الإسلاميين، اشتهر بحب امرأة تدعى زينب وبها نسب، وأكثر من الغزل فيها. 4 الشاهد في قوله: "أاأذا" أراد "أهذا" فقلب الهاء همزة ثم فصل بين الهمزتين بالألف كما ذكر المؤلف. إعراب الشاهد: الهمزة: حرف استفهام. هذا: اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وروينا عن قطرب1، عن أبي عبيدة أنهم يقولون: أل فعلت؟ ومعناه: هل فعلت؟ فأما ما أنشده الأصمعي من قول الراجز2: أباب بحر ضاحك هزوق3 فليست الهمزة فيه بدلا من عين عباب4، وإن كان بمعناه، وإنما هو فعال من أب: إذا تهيأ، قال الأعشى5: أخ قد طوى كشحا وأب ليذهبا6 وذلك أن البحر يتهيأ لما يزخر7 به. فلهذا كانت الهمزة أصلا غير بدل من العين، وإن قلت إنها بدل منها فهو وجه، وليس بالقوي.   1 قطرب: أحد تلاميذ الخليل، امتاز بالنشاط فلقبه بقطرب. 2 لم نعثر على قائل البيت فيما بأيدينا من كتب اللغة. 3 هزوق: هزق في الضحك هزقا، وأهزق فلان في الضحك أكثر منه. اللسان "6/ 4663". 4 العباب: كثير الماء والسيل، وارتفاع الموج واصطخابه. مادة "عب". اللسان "4/ 2774". 5 الأعشى: سبق التعريف به. 6 طوى كشحا: يقال طوى كشحه إذا أضمر الشر لإنسان. مادة "كشح". اللسان "5/ 3881". أب: عزم على المسير، وتهيأ له، يقال: أبيت أؤب أبا، من باب نصر. والشاهد في قوله: "أب" فالهمزة فيه أصلية كما يرى المؤلف. هذا رأي ابن جني في أن الهمزة أصل، مع أن إبدال الهمزة من العين كثير، مثل: السأف من السعف، ومثل ما رواه الفراء لبعض بني نبهان من طيئ: دأني في دعني، وثؤاله في ثعالة، ومثل ما روى من قول أهل مكة: يا أبد الله في يا عبد الله، ويقول البغدادي في شرح شواهد شرح الشافية "ص435": ولو استحضر ابن جني عدة الكلمات لم يقل ما قاله، ولا ذهب ابن الحاجب إلى ما ذهب، ولعل الذي حدا بابن جني إلى ما قاله، هو أنه وجد أصلا آخر للأبواب يمكن التخريج عليه، كما ذكر هو. 7 يزهر: يمتلأ. مادة "زخر". اللسان "3/ 1820". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 زيادة ال همزة 1: اعلم أن موضع زيادة الهمزة أن تقع في أول بنات الثلاثة، فمتى رأيت ثلاثة أحرف أصولا، وفي أولها همزة، فاقض بزيادة الهمزة، عرفت الاشتقاق في تلك اللفظة أو جهلته، حتى تقوم الدلالة على كون الهمزة أصلا، وذلك نحو أحمر، وأصفر، وأخضر، وإجفيل2، وإخريط3، وأترجة4، وأزملة5. فإن حصلت معك أربعة أحرف أصول والهمزة في أولها، فاقض بأن الهمزة أصل، واجعل اللفظة بها من بنات الخمسة، وذلك نحو: إصطبل6 وإبريسم7 وإبراهيم وإسماعيل. فإن رأيت الهمزة وسطا أو آخرا فاقض بأنها أصل، حتى تقوم الدلالة على كونها زائدة، فالأصل نحو قولك بلأز الرجل8، وبرائل9 الديك، والسأسم10 واطمأن، وازبأر11، وتكرفأ السحاب 12، فالهمزة في هذا ونحوه أصل أبدا، وما زيدت فيه الهمزة غير أول أحرف محفوظة، وهي شمأل13، وشأمل، ووزنهما   1 هذا عنوان وضعه المؤلف، ولم تجر عادته بتجزئة عناوين الباب إلا قليلا. 2 يقال: رجل إجفيل: إذا كان نفورا جبانا. مادة "ج ف ل". اللسان "1/ 643". 3 الإخريط: نبات من الحمض يخرط الإبل، وقيل هو كراث المائدة. اللسان "2/ 1136". 4 الأترجة: واحدة الأترج، وهو ضرب من الفاكهة، ويعرف بالترنج. اللسان "1/ 425". 5 الأزملة: رنين القوس. اللسان "3/ 1863". مادة "زمل". 6 إصطبل: إسطبل "بالسين" حظيرة الخيل. القاموس المحيط "3/ 318". 7 إبريسم: الحرير. القاموس المحيط "4/ 78". 8 بلأز: يقال بلأز الرجل إذا فر. القاموس المحيط "4/ 165". 9 البرائل: ما اشتد من ريش الطائر حول عنقه، وبرأل الطائر: إذا نفش هذا الريش عند القتال. 10 السأسم: شجرة يقال لها الشييز. قال أبو حاتم: هو الساسم غير مهموز. 11 ازبأر الرجل: اقشعر. اللسان "3/ 1806". مادة "زبر". 12 تكرفأ السحاب: تراكم. اللسان "5/ 3859" مادة "كرفأ". 13 شمأل: يقال شمألت الريح: إذا هبت من الشمال. مادة "شمل". اللسان "4/ 2330". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فعأل وفأعل، لقولهم شمل الريح، بلا همز، وقدائم، أي قديم، وجرائض1، لقولهم جرواض، وامرأة ضهيأة2، وزنها فعلأة، لقولهم في معناها ضهياء. وأجاز أبو إسحاق في هذه الهمزة أن تكون همزة أصلا، وتكون الياء هي الزائدة، على أن تكون الكلمة فعلية، وذهب في ذلك مذهبا من الاشتقاق حسنا، لولا شيء اعترضه، وذلك أنه قال: يقال ضاهيت زيدا، وضاهأت زيدا، بالياء والهمزة. قال: والضهيأة: قيل إنها التي لا تحيض، وقيل، إنها التي لا ثدي لها. قال: وفي هذين معنى المضاهاة3، لأنها قد ضاهت الرجال بأنها لا تحيض، كما ضاهتهم بأنها لا ثدي لها. قال: فيكون ضهيأة فعلية من ضاهأت بالهمز. وهذا الذي ذهب إليه من الاشتقاق معنى حسن، وليس يعترض قوله شيء إلا أنه ليس في الكلام فعيل، بفتح الفاء، إنما هو فعيل بكسرها، نحو حذيم 4 وطريم5 وغرين6، ولم يأت الفتح في هذا الفن7 ثبتا، إنما حكاه قوم شاذا. وذهب أبو إسحاق أيضا إلى أن غرقئ8 البيض همزته زائدة، ولم أره علل ذلك باشتقاق ولا غيره. وحكى أحمد بن يحيى قال: الضهيأ9: الأرض التي لا تنبت، والضهياء: التي لا ثدي لها.   1 جرائض: يقال: جمل جرائض وجرواض: أكول، وقيل عظيم. اللسان "1/ 600". 2 يقال: امرأة ضهيأة وضهياء: لا يظهر لها ثدي، أو التي لا تحيض. اللسان "4/ 2617". 3 المضاهاة: المشابهة. مادة "ضهى". اللسان "4/ 2617". 4 الحذيم: الحاذق. مادة "حذم". اللسان "2/ 813". 5 الطريم: العسل والسحاب الكثيف. مادة "طرم". اللسان "4/ 2667". 6 الغرين: الطين يحمله السيل، فيبقى على وجه الأرض، رطبا أو يابسا. اللسان "5/ 3248". 7 الفن: الضرب من الكلمات يكون على هذا الوزن. 8 الغرقئ: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. مادة "غرقأ". اللسان "5/ 3246". 9 قال ابن منظور: الضهيأ مقصود الأرض التي لا تنبت. اللسان "4/ 2618". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ورأيت مبرمان1 أيضا قد تابعه على ذلك، وإذا استمر هذا على أبي إسحاق2 مع فحصه واستنباطه، كان على مبرمان -لأنه لعله لم يستنبط حرفا- أجوز وأحرى. ولست أرى للقضاء بزيادة هذه الهمزة وجها من طرق القياس، وذلك أنها ليست بأول، فيقضى بزيادتها، ولا تجد فيها معنى غرق، اللهم إلا أن تقول: إن الغرقئ يشتمل على جميع ما تحته من البيض ويغترفه. وهذا عندي فيه بعد، ولو جاز اعتقاد مثله على ضعفه، لجاز لك أن تعتقد في همزة كرفئة3 أنها زائدة، وتذهب إلى أنها من معنى كرف الحمار إذا رفع رأسه لشم البول، لأن السحاب أبدا، كما تراه، مرتفع، وهذا مذهب ضعيف، على أن أبا زيد قد حكى عنهم: غرقات4 البيضة. وهذا قاطع. وقرأت بخط أبي العباس محمد بن يزيد رحمه الله قال: يقال امرأة ضهياء: إذا لم يكن لها ثديان، مثل الجداء5 والضهواء: للتي لا تحيض ولا ثدي لها. وقد زيدت الهمزة أيضا في حطائط6، لأنه الشيء الصغير المحطوط. أنشد قطرب فيما رويناه عنه7: إن حري حطائط بطائط ... كأثر الضبي بجنب الغائط8   1 مبرمان: هو محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر العسكري، أخذ عن المبرد، وأكثر بعده عن الزجاج، وأخذ عنه أبو علي الفارسي والسيرافي، توفي سنة 345هـ. 2 أبو إسحاق الزجاج: هو إبراهيم بن السري، من أئمة نحاة البصرة، أخذ عن ثعلب ثم عن المبرد ولزمه. مات 311هـ. 3 كرفئة: واحدة الكرفئ وهو سحاب متراكم. اللسان "5/ 3859". مادة "كرفأ". 4 غرقأت الدجاجة: باضت بيضة عليها الغرقئ، وقد سبق توضيحه. اللسان "5/ 3246". 5 الجداء: الغناء والنفع. مادة "جدى". اللسان"1/ 527". 6 يقال رجل حطائط: إذا كان قصيرا. اللسان "2/ 914". مادة "حطط". 7 البيت أنشده قطرب لأعرابية. ذكر ذلك صاحب اللسان في شرح مادة "حطط". 8 الحطائط: الصغير. والحري: الفرج. والبطائط: المشقوق. والظبي: الغزال الشرح: تقول الشاعرة: إن فرجي قصير مشقوق كأثر الظبي بجوار الغائط. الشاهد في قوله: "بطائط" فقد أتبعها لـ"حطائط" فزادت الهمزة. وهذا البيت أنشده ابن جني في الإقواء ولو سكن فقال: بطائط وتنكب الإقواء، لكان أحسن. إعراب الشاهد: بطائط: خبر ثان لإن مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وقال: بطائط: إتباع. وقالو: احبنطأت، فالهمزة زائدة. وزادوها أيضا في النئدلان، وهو النيدلان، حدثني بذلك أبو علي، والنيدلان: هو الكابوس. وأنشدوا: تفرجة القلب قليل النيل ... يلقى عليه النيدلان بالليل1 وقالوا أيضا: الرئبال، بالهمز، وإنما هو الريبال، بغير همز. فأما قولهم بأز، وتأبلت القدر، وتأ بل، والعألم، والخأتم، فلم تبتدأ فيه الهمزة زائدة، وإنما أبدلت الألفات فيهن همزة بعد أن ثبتن زوائد. وكذلك قولهم: قوقأت2 الدجاجة. وقد يجوز على هذا أن تكون همزة رئبال بدلا من ياء ريبال، وعلى كل حال فهذه الهمزات زوائد، لأنها بدل من حروف زوائد. فهذه جملة زيادة الهمزة غير أول، وهو غريب. منه ما هو في أيدي أكثر الناس، ومنه ما أخرجه لي البحث عنه، وطول المطالبة له.   1 جاء في اللسان أن هذا الرجز من إنشاد "ثعلب". اللسان "6/ 4385". التفرجة: الضعيف الجبان ورويت النفرجة وهي هي. اللسان "5/ 3371". مادة "فرج". النيدلان: الكابوس. اللسان "6/ 4385". مادة "ندي". الشرح: يقول جبان القلب لا يحصل على شيء فنهاره محروم وليله في كوابيس مرعبة. والشاهد: فيه تجيء "النيدلان" بدون همز بمعنى الكابوس وذلك على الأصل. إعراب الشاهد: النيدلان: نائب فاعل مرفوع. 2 قوقأت: وقاقت: إذا صوتت الدجاجة. اللسان "5/ 3777". مادة "قوق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وأما همزة الوصل فموضع زيادتها الفعل، وقد زيدت في أسماء معلومة، وحرف واحد. فأما الفعل فيقع منه في موضعين، أحدهما الماضي إذا تجاوزت عدته أربعة أحرف وأولها الهمزة، فهي همزة وصل، وذلك نحو اقتدر، وانطلق، واستخرج، واحمر واصفار. والموضع الآخر: مثال الأمر من كل فعل انفتح فيه حرف المضارعة1، وسكن ما بعده وذلك نحو: يضرب ويقتل وينطلق ويقتدر. فإذا أمرت قلت: اضرب، انطلق، اقتدر. فإن قلت: فقد نراهم يقولون: يأخذ ويأكل ويأمر، فيفتح حرف المضارعة، ويسكن ما بعده، وإذا أمروا قالوا: خذ وكل ومر، بلا همزة وصل. فالقول في هذا: أن أصله "أوخذ" و"أوكل" و"أومر"، فلما اجتمعت همزتان، وكثر استعمال الكلمة، حذفت الهمزة الأصلية، فزال الساكن، فاستغني عن الهمزة الزائدة، وقد أخرجن عن الأصل: "أوخذ"، و"أوكل"، و"أومر". واعلم أن هذه الهمزة إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن بعدها، لما لم يمكن الابتداء به، وكان حكمها أن تكون ساكنة، لأنها حرف جاء لمعنى، ولا حظ له في الإعراب، وهي في أول الحرف كالهاء التي لبيان الحركة نحو الألف في آخر الحرف، في وازيداه وواعمراه وواأمير المؤمنيناه، فكما أن تلك ساكنة فكذلك كان ينبغي في الألف2 أن تكون ساكنة. وكذلك أيضا نون التثنية، ونون الجمع، والتنوين هؤلاء كلهن سواكن، فلما اجتمع ساكنان، هي والحرف الساكن بعدها كسرت لالتقائهما، فقلت: اضرب، اذهب، ولم يجز أن يتحرك ما بعدها لأجلها، من قبل أنك لو فعلت ذلك لبقيت هي أيضا في أول الكلمة ساكنة، فكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها محرك، يقع الابتداء به، فلذلك حركت هي دون ما بعدها.   1 حروف المضارعة أربعة تجمعها كلمة "أنيت". 2 المراد بالألف هنا هو همزة الوصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 فإن قال قائل: ولم اختيرت الهمزة ليقع الابتداء بها، دون غيرها من سائر الحروف، نحو الجيم والطاء وغيرهما. فالجواب أنهم إنما أرادوا حرفا يتبلغ به في الابتداء، ويحذف في الوصل، للاستغناء عنه بما قبله، فلما اعتزموا على حرف يمكن حذفه واطراحه1 مع الغنى عنه، جعلوه الهمزة، لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف، وهي مع ذلك أصل، فكيف بها إذا كانت زائدة، ألا تراهم حذفوها أصلا في نحو: خذ وكل ومر وويلمه2 وناس3 والله4 في أحد قولي سيبويه. وقالوا: ذن لا أفعلن، فحذفوا همزة إذن. وقال الآخر5: وكان حاملكم منا وافدكم ... وحامل المين بعد المين والألف6 أراد المئين، فحذف الهمزة، وأراد الألف، فحرك اللام ضرورة، وقالوا: جا يجي، وسا يسو، بلا همز، وله نظائر ولو، أنهم زادوا في مكانها غيرها، لما أمكن حذفه، لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي، فكانت الهمزة بالزيادة في الابتداء أحرى من سار الحروف.   1 اطراحه: يقصد حذفه. اللسان "4/ 2651". مادة "طرح". 2 ويلمه: أصلها: ويل أمه، فأسقطت الهمزة، وجعلت الكلمتان كأنها كلمة واحدة، وسيرد ذلك في المتن بعد ذلك. 3 ناس أصلها: أناس. 4 أصل "الله" عنده: الإله. 5 لم نعثر على قائل البيت. 6 وقد بين المؤلف المراد بالمين والألف، فالمين أريد بها المئين، بحذف الهمزة، وأراد بالألف، بوزن سبب، الألف، فحرك اللام ضرورة، ولكن صاحب اللسان قال: أراد الآلاف، فحذف للضرورة. وبين القولين فرق: فإنه في نظر المؤلف مفرد، والضرورة دعت إلى تحريك اللام، وفي كلام صاحب اللسان هو جمع، والضرورة دعت إلى حذف الألفين، الألف التي بعد الهمزة، والألف التي بعد اللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وإن شئت فقل: إنما زادوا الهمزة هنا لكثرة زيادة الهمزة أولا، نحو: أفكل1 وأيدع2 وأبلم3 وإصبع وأترجة4 وإزفنة5، ولم يكثر زيادة غير الهمزة ولا كزيادتها هي أولا، فلما احتاجوا إلى زيادة حرف في أول الكلمة، وشرطوا على أنفسهم حذفه عند الغنى عنه، وذلك في أكثر أحواله، لأن الوصل أكثر من الابتداء والقطع، لم يجدوا حرفا يطرد6 فيه الحذف اطراده في الهمزة، فأتوا بها دون غيرها من سائر حروف المعجم7، ولا سيما، وهي كما قدمنا أكثر الحروف زيادة في أوائل الكلم، فلذلك زادوا همزة الوصل دون غيرها مما عداها، فاعرفه. وأما زيادتها في الأسماء فعلى ضربين: أحدهما: أسماء هي مصادر، والآخر: أسماء غير مصادر. فأما المصادر فكل مصدر كانت في أول فعله الماضي همزة وصل ووقعت في أوله هو أيضا همزة، فهي همزة وصل، وذلك نحو: اقتدر اقتدارا، واشتغل اشتغالا، واستخرج استخراجا، فهذه: المصادر، ومنها اطير اطير، واثاقل اثاقلا، واداركوا8 فيها اداركا. وأما الأسماء التي فيها همزة وصل، فهي عشرة أسماء معدودة، وهي: ابن، وابنة، وامرؤ، وامرأة، واثنان، واثنتان، واسم، واست9، وابنم، بمعنى ابن، وايمن في القسم.   1 الأفكل: الرعدة، يقال: أخذه أفكل: ابرتعد من برد أو خوف، اللسان "5/ 3452". 2 أيدع: الأيدع: دم الأخوين، وهو عصارة صمغية بحمرة الدم، تستعمل في صناعة ورنيش ثمين، وكانت تستعمل في الطب وهي تستخرج من جذع شجرة تسمى بهذا الاسم من الفصيلة الزنبقية. مادة "يدع". اللسان "6/ 4950". 3 الأبلم: بقلة لها قرون كالباقلاء. اللسان "1/ 352". مادة "بلم". 4 الأترجة: واحدة الأترج وهو ثمر حلو الطعم. اللسان "1/ 425". مادة "ترج". 5 الإزفنة: الحركة يقال رجل فيه إزفنة، وقد تقع صفة فيقال رجل إزفنة. اللسان "3/ 843". 6 يطرد: يتتابع ويتسلسل. اللسان "4/ 2652" مادة "طرد". 7 المعجم: كتاب يشرح ألفاظ اللغة. 8 اداركوا: تلاحقوا. مادة "درك". اللسان "2/ 1363". 9 است: الاست: الدبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قال1: فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريق لايمن الله ما ندري2 وقال الآخر3: وهل لي أم غيرها تعرفونها ... أبى الله إلا أن كون لها ابنما4 أي ابنا. وأما الحرف الذي زيدت فيه همزة الوصل، فلام التعريف، وذلك نحو الغلام والجارية، والقائم والقاعد، وإنما جيء بها أيضا لسكون لام التعريف، وسنذكر العلة التي سكنت لها هذه اللام في حرف اللام، بإذن الله. واعلم أن هذه الهمزة أبدا في الأسماء والأفعال المكسورة، إلا أنها قد ضمت من الأفعال في كل موضع كان ثالثها مضموما ضما لازما، وذلك نحو اقتل، اخرج، انطلق بمزيد، استخرج المال. وحكى قطرب على طريق الشذوذ: اقتل، جاء على الأصل، وإنما ضموا الهمزة في هذه المواضع كراهية الخروج من كسر إلى ضم، بناء لازما، ولم يعتدوا الساكن بينهما حاجزا، له غير حصين. فإن قلت: فما بالهم قالوا للمرأة اغزي اغدي5 فضموا الهمزة والثالث مكسور   1 قائل هذا البيت هو نصيب، وقد سبق تعريفه. 2 ينشد: يسأل، يقال: نشدته الضالة، إن سألتهم عنها. الشرح: يصف نصيب تعرضه لزيارة من يحب، وتظاهر بأنه ينشد جماعة من الإبل ضلت له، مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه. والشاهد في قوله: "لايمن الله" فجاءت كلمة "أيمن" بألف وصل. 3 هذا البيت من قصيدة للمتلمس يفخر بأمه. 4 أبى: رفض. ابنما: أي ابنا. الشرح يقول: ليس لي أم سواها، فالله قد كتب أن أكون ابنا لها. الشاهد: في قوله "ابنما" فجاءت كلمة ابنما بمعنى ابن. إعراب الشاهد: ابنما: خبر أكون منصوب. 5 اغدي: من الغدو، وهو الذهاب في الصباح الباكر ما بين الفجر وطلوع الشمس. مادة "غدو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فالجواب: أنه إنما ضم هذا، لأجل أن الأصل اغزوي واغدوي، ثم اعتلت الواو، فحذفت، ووليت الياء الزاي والدال، فانكسرتا من أجلها، فإنما الضمة في الهمزة مراعاة للأصل، كما تقول في الصحيح: اقتلي، ادخلي، اخرجي. فإن قلت: فلم كسرت الهمزة في نحو: ارموا اقضوا، اشروا1، والثالث مضموم. فالجواب هنا كالذي قبله، وذلك أن أصل هذا: ارميوا، اقضيوا، ثم حذفت الياء وانضم ما قبلها، فبقيت الهمزة هنا مكسورة، كما بقيت فيما قبل مضمومة. فأما لام التعريف فالهمزة معها مفتوحة، وذلك لأن اللام حرف، فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة، لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال. فأما ايمن في القسم، ففتحت الهمزة فيها، وهي اسم، من قبل أن هذا اسم غير متمكن، ولا يستعمل إلا في القسم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيها بالهمزة اللاحقة لحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم، لمضارعته الحرف، وأيضا فقد حكى يونس: ايم الله بالكسر، فقد جاء فيه الكسر أيضا كما ترى. ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعته الحرف، أنهم قد تلاعبوا به وأضعفوه، فقالوا مرة ايمن الله، ومرة ايم الله، ومرة ايم الله، ومرة م الله، ومرة م الله2، وقالوا: من ربي، ومن ربي، فلما حذفوا هذا الحذف المفرط، وأصاروه من كونه على حرف واحد إلى لفظ الحروف، قوي شبه الحرف عليه، ففتحوا همزته، تشبيها بهمزة لام التعريف. فأما العلة التي لها سكنت أوائل الأسماء والأفعال، حتى احتيج لذلك إلى همزة الوصل، فقد ذكرتها في كتابي في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله. وقد زيدت الهمزة في الخطاب نحو قولك للرجل هاء، وللمرأة هاء, سيأتيك هذا في باب الكاف مفصلا إن شاء الله.   1 اشروا: من شرو، أي باع. مادة "شرو". اللسان "4/ 2252". 2 زاد اللسان فيما نقله عن المؤلف: "م الله" بفتح الميم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وزيدت أيضا للاستفهام نحو: أزيد عندك؟ وفي التسوية، نحو: ما أبالي أقام أم قعد. وفي النداء، نحو أزيد أقبل، إلا أنها ليست مصوغة1 مع الكلمة، إنما هي حرف جاء لمعنى. وقد حذفت الهمزة فاء نحو: ويلمه2، وناس، والله، في أحد قولي سيبويه، ولاما في جا يجي، وسا يسو، وحذفت عينا في أريت وتصرفه. فقد أتينا على أحكام الهمزة: أصلها، وبدلها، وزائدها، وقطعها، ووصلها، وحذفها. فأما أحكام الهمزة من التحقيق3 والتخفيف4 والبدل5، فإن لهذا بابا يطول، وليست بهذا الكتاب حاجة إليه، فلذلك تركناه، واعتمدنا فيه على ما كنا قديما أمللناه6.   1 مصوغة: مشتقة، من صاغ الكلمة: إذا اشتقها. 2 ويلمه: أصلها "ويل أمه" وحذفت الهمزة وأدغمت الكلمتان. 3 التحقيق: أي النطق بالهمز. 4 التخفيف: أي تسهيل الهمزة. 5 بمراجعة كلام المؤلف في باب الهمزة، وجدنا أنه لم يرد استقصاء مواضع هذا الإبدال في الهمزة، اكتفاء بما ذكر من ذلك. 6 أمللنا: لغة في أمليناه، وفي القرآن: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَق} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 باب الباء : الباء: حرف مجهور1، يكون فاء، وعينا، ولاما. فالفاء نحو: بئر، وبعث، والعين نحو: صبر، وشبع، واللام نحو: ضرب وقرب. ولا يستعمل زائدا. وأخبرنا أبو علي بإسناده إلى الأصمعي قال: كان أبو سوار الغنوي2 يقول: باسمك؟ يريد: ما اسمك؟ فهذه الباء بدل من الميم. وقالوا: بعكوكة3، وأصلها: معكوكة، فالباء بدل من الميم، لأنها من الشدة، وهي من المعك4. فأما قول النحويين الباء والكاف واللام الزوائد، يعنون نحو بزيد وكزيد ولزيد، فإنما قالوا فيهن5 إنهن زوائد، لما أذكره لك. وذلك أنهن لما كن على حرف واحد، وقللن غاية القلة، واختلطن بما بعدهن، خشي عليهن لقلتهن وامتزاجهن بما يدخلن عليه، أن يظن بهن أنهن بعضه، وأحد أجزائه، فوسموهن6 بالزيادة لذلك، ليعلموا من حالهن أنهن لسن من أنفس ما وصلن به، ولا من الزوائد التي تبنى في الكلم بناء بعض أجزائهن منهن، نحو: الواو في كوثر7، والميم والسين في   1 المجهور: صوت يتردد معه الوتران الصوتيان ترددا منتظما في الحنجرة كالذال والدال مثلا. 2 أبو سوار الغنوي: كان أعرابيا فصيحا أخذ عنه أبو عبيدة فمن دونه. 3 البعكوكة: جماعة الناس أو الإبل في ازدحام وجلبة، وآثار القوم حيث نزلوا، ومن الدار ونحوها: وسطها، وبعكوكة الصيف أو الشتاء: اشتداد الحر أو البرد. اللسان "1/ 314". تنبيه: ورد في المتن أن البعكوكة هي المعكوكة بمعنى الشدة والذي وجدناه في مادة "معك" بمعنى الشدة كلمة "المعكوكاء" يقال: وقعوا في معكوكاء: أي في غبار وجلبة وشر. 4 المعك: شدة الدلك، ورجل معك: شديد الخصومة. مادة "معك". اللسان "6/ 4235". 5 فيهن: أي في الباء والكاف واللام، ونلاحظ أنه عوض عنهن بنون النسوة دلالة على تأنيثه للحرف والحرف يذكر ويؤنث كما في القاموس. 6 وسموهن: وصفوهن. 7 الكوثر: العدد الكثير، وفي التنزيل العزيز {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} ، والخير العظيم، الرجل السخي. مادة "كثرة". اللسان "5/ 3828". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مستخرج1، والتاء في تنضب، ألا ترى أن أهل التصريف قالوا: لا تزاد اللام إلا في أحرف يسيرة2، نحو: لك وأولك وهنالك وعبدل وزيدل، ولم يذكروا مع ذلك قولنا: المال لزيد ولعمرو، لأن هذه اللام ليست مبنية في الكلمة3، إنما هي أداة عاملة فيها الجر، بمنزلة من وفي وعن، ولو كانت مبنية في الكلمة لما كانت عاملة فيها، ولا جاز فصلها منها، كما أن التاء في تنضب وترتب 4 والياء في يرمع5 ويعملة6، لا يجوز فصلها منها. ويزيد ذلك وضوحا لك، أنهم قالوا الكاف الزائدة، يعنون كزيد وكعمرو، لم يقل أحد من النحويين إن الكاف من حروف الزيادة، ألا ترى أن "اليوم تنساه"7 لا كاف فيه، وإنما وسموا الكاف بالزيادة لقلتها، مخافة أن يظن ظان أنها من جملة ما تدخل عليه فتجره. فإن قلت: فهلا وسموا الواو والتاء في القسم بالزيادة وهما على ما ترى حرف واحد؟ فالجواب أن الواو في القسم إنما هي بدل من الباء فيه، والتاء بدل من الواو، فالأصل فيهما إنما هو الباء، فلما كانت الباء قد تقدم كرهان وكانتا إنما هما بدل منها، استغني عن ذكرهما بالزيادة.   1 نلحظ أنه ذكر الميم والسين فقط كأحرف زائدة في كلمة "مستخرج" ولم يذكر التاء مع أنها أيضا من حروف الزيادة فأصل الكلمة "خرج". 2 أحرف يسيرة: يقصد كلمات قليلة فكلمة حرف تأتي بمعنى الكلمة، كما تأتي بمعنى اللغة واللهجة أيضا، وذلك كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "نزل القرآن على سبعة أحرف" يقصد سبع لهجات. 3 ليست مبنية في الكلمة: أي لم تدخل في بناء الكلمة بحيث تصبح كحرف من حروفها الأصلية ولا يمكن فصله أو حذفه عنها. 4 الترتب: قال أبو عبيد: هو الأمر الثابت. اللسان "1/ 425". مادة "ترتب". 5 اليرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس، الواحدة يرمعة. اللسان "3/ 1731". 6 اليعملة: من الإبل النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل. اللسان "4/ 3109". 7 "اليوم تنساه" هاتان الكلمتان تجمعان حروف الزيادة، وهناك ترتيب آخر لها تجمعها فيه كلمة "سألتمونيها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فإن قلت: فهلا وسموا لام الجزم بالزيادة، لأنها حرف واحد، وليست بدلا من الباء ولا من غيرها؟ فالجواب أن أمثلة الأفعال محصورة ضيقة، يحيط بها الوصف والتحجر1 عن قرب، فقد علم أن اللام لا يظن بها أنها من جملة المثال2. الذي دخلت عليه، والأسماء ليست كذلك لأنها كثيرة الأمثلة، منتشرة الموازين يمكن أن يظن بحروف الجر المفردة أنها مبنية مع بعضها، فلذلك احتاجوا إلى سمتها بالزيادة، ليؤمن فيها الإشكال3. ألا ترى أن قولك بعمرو، ولعمرو بوزن سبطر4 ودمثر، وأنت لو قلت، ليقم وليقعد لم تجد هنا مثالا من الأفعال يلتبس به هذان الفعلان. فهذا كله يسشهد بعلة تسميتهم هذه الحروف زوائد، ويحتج عمن عبر عنهم بهذه العبارة، فأما حذاق أصحابنا فلا يسمونها بذلك، بل يقولون في الباء واللام إنهما حرفا الإضافة، وفي الكاف حرف جر، وحرف تشبيه. ويدلك أيضا على أنهم لا يريدون في هذه الأحرف بالزيادة ما يريدونه في حقيقة التصريف، أنهم يقولون في قولنا: "ليس زيد بقائم" إن الباء زائدة في خبر ليس، لأن معناه ليس زيد قائما، وإذا قالوا مررت بزيد لم يقولوا في هذه الباء إنها زائدة، لأنه ليس من عادتهم أن يقولوا مررت زيدا، وإن كنا نعلم أنها زائدة في الموضعين جميعا، فقد علمت بهذا أنهم لا يريديون بالزيادة هنا حقيقة التصريف، وهذا أمر واضح مفهوم. ومن طريف ما يحكى من أمر الباء أن أحمد بن يحيى قال في قول العجاج5: يمد زأرا وهدير زغدبا6   1 التحجر: التضييق، مادة "حجر". اللسان "2/ 782". 2 من جملة المثال: يقصد من عداد حروف الفعل. 3 الإشكال: اللبس. مادة "شكل". اللسان "4/ 2311". 4 السبطر: كهربر الماضي الشهم، مادة "سبطر". القاموس المحيط "2/ 43". 5 العجاج: هو عبد الله بن رؤبة، أحد بني سعد بن مالك بن زيد مناة بن تميم. 6 الزغدب، والزغادب: الهدير الشديد. اللسان "3/ 1838" مادة "زغدب". الشاهد فيه كلمة "زغادبا" فقد حكى المؤلف أن أحمد بن يحيى اعتبر الباء فيها زائدة وهذا ما اعترض عليه ابن جني. انظر، لسان العرب "3/ 1838". إعراب الشاهد: زغدبا: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 إن الباء فيه زائدة، وذلك أنه لما رآهم يقولون هدير زغد، وزغدب، واعتقد زيادة الباء في زغدب، وهذا تعجرف منه، وسوء اعتقاد، ويلزم من هذا أن تكون الراء في سبطر ودمثر زائدة، لقولهم: سبط1 ودمث2، وسبيل ما كانت هذه حاله ألا يحفل به، ولا يتشاغل بإفساده. واعلم أنهم قد سموا هذا الباء في نحو قوله: مررت بزيد، وظفرت ببكر، وغير ذلك، مما تصل فيه الأسماء بالأفعال، مرة حرف إلصاق، ومرة حرف استعانة، ومرة حرف إضافة وكل هذا صحيح من قولهم. فأما الإلصاق فنحو قولك أمسكت زيدا، يمكن أن تكون باشرته نفسه، وقد يمكن أن تكون منعته من التصرف من غير مباشرة له، فإذا قلت: أمسكت بزيد، فقد أعلمت أنك باشرته وألصقت محل قدرك3، أو ما اتصل بمحل قدرك به أو بما اتصل به، فقد صح إذن معنى الإلصاق. وأما الاستعانة فقولك: ضربت بالسيف، وكتبت بالقلم، وبريت بالمدية4، أي استعنت بهذه الأدوات على هذه الأفعال. وأما بالإضافة فقولك مررت بزيد، أضفت مرورك إلى زيد بالباء، وكذلك عجبت من بكر، أضفت عجبك من بكر إليه بمن. فأما ما يحكيه أصحاب الشافعي5 رحمه الله عنه، من أن الباء للتبعيض، فشيء لا يعرفه أصحابنا، ولا ورد به ثبت.   1 سبط: استرسل. مادة "سبط". اللسان "3/ 1922". 2 دمث: لان وسهل. مادة "دمث". اللسان "2/ 1418". 3 محل قدرك: يزيد المكان الذي قدرت به على الالتصاق بزيد ومباشرته. 4 المدية: السكين. 5 الشافعي: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، عالم قريش وفخرها، وإمام الشريعة وحبرها، وهو من ولد المطلب بن عبد مناف، ولد بمدينة غزة سنة 150هـ، وتوفي سنة 204هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وهذا موضع لا بد فيه من ذكر العلة التي لها صارت حروف الإضافة هذه جارة، لأن الباء واحدة منها، وإذا ذكرنا فالقول فيها هو القول في سائر حروف الجر. اعلم أن هذه الحروف، أعني الباء، واللام، والكاف، ومن، وعن، وفي، وغير ذلك، إنما جرت الأسماء، من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعفت عن وصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها، وتناولها إياها كما يتناول غيرها من الأفعال القوية الواصلة إلى المفعولين ما يقتضيه منهم، بلا وساطة حرف إضافة، ألا تراك تقول: ضرب زيد عمرا فيفضي الفعل بعد الفاعل إلى المفعول، فينصبه، لأن في الفعل قوة أفضت به إلى مباشرة الاسم. ومن الأفعال أفعال ضعفت عن تجاوز الفاعل إلى المفعول، فاحتاجت إلى أشياء تستعين بها على تناولها، والوصول إليها، وذلك نحو: عجبت ومررت وذهبت، لو قلت: عجبت زيدا، ومررت جعفرا، وذهبت محمدا، ولم يجز ذلك، لضعف هذه الأفعال في العرف والاستعمال عن إفضائها إلى هذه الأسماء. على أن ابن الأعرابي قد حكي عنه: مررت زيدا، وهذا شاذ، فلما قصرت هذه الأفعال عن الوصول إلى هذه الأسماء، رفدت1 بحروف الإضافة، فجعلت موصلة لها إليها، فقالوا: عجبت من زيد، ونظرت إلى عمرو، وخص كل قبيل من هذه الأفعال بقبيل من هذه الحروف، وقد تتداخل، فيشارك بعضها بعضا في هذه الحروف الموصلة، فلما احتاجت هذه الأفعال إلى هذه الحروف، لتوصلها إلى بعض الأسماء، جعلت تلك الحروف جارة، وأعملت هي في الأسماء، ولم يفض إلى الأسماء النصب الذي يأتي من الأفعال، لأنهم أرادوا أن يجعلوا بين الفعل الواصل بنفسه، وبين الفعل الواصل بغيره فرقا، ليميزوا السبب الأقوى من السبب الأضعف، وجعلت هذه الحروف جارة، ليخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الفعل القوي. ولما هجروا لفظ النصب لما ذكرنا، لم يبق إلا الرفع والجر، فأما الرفع فقد استولى عليه الفاعل، فلم يبق إذن غير الجر، فعدلوا إليه2 ضرورة. ولشيء آخر، وهو أن   1 رفد: اتبعت. مادة "رفد". اللسان "3/ 1687". 2 عدلوا إليه: رجعوا إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والياء أقرب إلى الألف من الواو، فلما منعت الأسماء بعد هذه الحروف النصب، كان الجر أقرب إليها من الرفع. هذا هو العلة في كون هذه الحروف جارة. فإن قلت: فقد تقول: المال لك، وإنما أنا بك، وأنا منك، ونحو ذلك، ما لا تصل هذه الحروف فيه الأفعال بالأسماء. فالجواب: أنه ليس في الكلام حرف جر غير زائد، وأعني بالزائد ما دخوله كخروجه، نحو: لست بزيد، وما في الدار من أحد، إلا هو متعلق بالفعل في اللفظ أو المعني، أما في اللفظ فقولك: انصرفت عن زيد، وذهبت إلى بكر، وأما في المعنى فقولك: المال لزيد، تقديره: المال حاصل أو كائن لزيد، وكذلك زيد في الدار، إنما تقديره: زيد مستقر في الدار، ومحمد من الكرام: أي محمد حاصل من الكرام أو كائن من الكرام، فإذا كان الأمر كذلك فقد صح ووضح ما قدمناه. فإن قلت: فإذا كانت هذه الحروف التي أوصلت الأفعال إلى الأسماء إنما جرت الأسماء، لأنهم أرادوا أن يخالفوا بلفظ ما بعدها لفظ ما بعد الفعل القوي، فما بالهم قالوا: قمت وزيدا، واستوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة1، وما صنع وأباك؟ ولو تركت الناقة وفصيلها2 لرضعها. ومن أبيات الكتاب3: فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال4   1 الطيالسة: الواحد "الطيلسان" وهو ضرب من الأكسية. اللسان "4/ 2689". مادة "طلس". 2 الفصيل: ولد الناقة بعد فطامه "ج" فصلان. مادة "فصل". اللسان "5/ 3423". 3 أورد سيبويه البيت في باب المفعول به "1/ 150" ولم ينسبه واستشهد الزمخشري وغيره من النحاة، ولم ينسبوه إلى قائلة. 4 الكليتين: تثنية كلية بضم الكاف. الطحال: بكسر الطاء. بني أبيكم: الإخوة وأولاد العم. الشرح: يطلب الشاعر ممن يخاطبهم التماسك مع أبناء عمومتهم. الشاهد في قوله: "بني أبيكم" فقد جاءت منصوبة بعد الواو التي هي للمعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فأوصلوا هذه الأفعال إلى ما بعد هذه الواو، وبتوسط الواو، وإيصالها للفعل إلى ما بعدها من الأسماء. وقالوا أيضا: قام القوم إلا زيدا، ومررت بالقوم إلا بكرا، فأوصلوا الفعل إلى ما بعد ألا بتوسط إلا بين الفعل وبين ما بعدها من الأسماء، وذلك لضعف الأفعال قبل الواو وإلا عن وصولها إلى ما بعدهما، كما ضعفت الأفعال قبل حروف الجر عن مباشرتها الأسماء، ونصبها إياها، فلم لم يجر هذان الحرفان، أعني الواو وإلا، مجرى حروف الجر، في أن جر بهما ما بعدهما، كما جر بحروف الجر ما بعدها؟ وهلا لما أوصلوا الأفعال قبل هذين الحرفين إلى الأسماء التي بعدهما، ولم يجروا بهما، بل أفضى نصب الفعل بهما إلى ما بعدهما، أوصلوا الأفعال التي قبل حروف الجر إلى الأسماء التي بعدها، وأظهروا نصب الفعل الأسماء التي بعد حروف الجر، فقالوا: مررت بزيدا، ونظرت إلى بكرا، كما قالوا: قمت وزيدا، وقام القوم إلا بكرا؟ وما الفرق بين الموضعين؟ فالجواب: أن الواو وإلا يفارقان حروف الجر في ذلك. أما الواو مع المفعول معه في نحو: قمت وزيدا، فجارية هنا مجرى حروف العطف، الدلالة على ذلك أن العرب لم تستعملها قط1 بمعنى مع، إلا في الموضع الذي لو استعملت فيه عاطفة لصلحت. ألا ترى أنك إذا قلت: قمت وزيدا أي مع زيد، قد كان يجوز لك فيه أن تقول: قمت وزيد، فتعطف زيدا على ضمير الفاعل، وكذلك قولهم: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، قد كان يجوز لك أن تعطف فتقول: وفصيلها، وكذلك قولهم: جاء البرد والطيالسة، قد كان يجوز أن تقول: والطيالسة، فترفع على العطف. فلما كانت الواو في المفعول معه جارية مجرى حروف العطف، وحروف العطف غير عاملة جرا ولا غيره، لم يجز أن يجر بها إذا أوصلت الفعل إلى المفعول معه، كما يجر بحروف الجر، لأنها قد أوصلت الأفعال.   1 قط: يقال ما فعلت هذا قط: أي فيما مضى. مادة "قط". اللسان "5/ 3672". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ويؤكد عندك أيضا أن الواو التي بمعنى مع جارية مجرى حرف العطف، وأنها لا توقع إلا في الأماكن التي لو عطف بها فيها لصلح ذلك، امتناع العرب والنحويين من إجازتهم: انتظرتك وطلوع الشمس، أي مع طلوع الشمس. قالوا: وإنما لم يجز ذلك: لأنك لو رمت هنا أن تجعلها عاطفة، فتقول: انتظرتك وطلوع الشمس فترفع الطلوع عطفا على التاء، لم يجز، لأن طلوع الشمس لا يجوز منه انتظار أحد، كما يجوز أن تقول: قمت وزيد، فتعطف زيدا على التاء، لأنه قد يجوز من زيد القيام. فهذا مذهب من الوضوح على ما تراه1. وعلى أن أبا الحسن2 قد كان يذهب في المفعول معه إلى أن انتصابه انتصاب الظرف. قال: وذلك أن الواو في قولك: قمت وزيدا، إنما هي واقعة موقع مع، فكأنك قلت: قمت مع زيد، فلما حذفت "مع" وقد كانت منتصبة على الظرف، ثم أقمت الواو مقامها، انتصب زيد بعدها على معنى انتصاب مع الواقعة الواو موقعها، وإذا كان ذلك كذلك، وقد كانت مع منصوبة بنفس قمت بلا وساطة فكذلك يكون انتصاب زيد بعد الواو المقامة مقامها جاريا مجرى انتصاب الظروف، والظروف مما يتناولها قمت بلا وساطة حرف، فكأن الواو الآن على مذهب أبي الحسن، ليست موصلة لقمت إلى زيد، كما يقول كافة أصحابنا3، وإنما هي مصلحة لزيد أن ينتصب بتوسطها انتصاب الظرف، وليست موصلة للفعل إلى ما بعده إيصال حروف الجر الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها، فلذلك لم يجر بالواو في المفعول معه. فهذا حال الواو.   1 هذا الذي يراه المؤلف من أن واو المعية تجري مجرى حروف العطف، وأن حروف العطف تصلح أن تقع مكانها مخالف لرأي جمهور النحاة والذي يمثله ابن هشام في تعريف المفعول معه فيقول: "المفعول معه" وكل اسم فضل وقع بعد واو بمعنى مع وتقدمه فعل أو شبهه، ولم يصح عطفه على ما قبله". انظر/ ابن عقيل. والجملة الأخيرة في التعريف مخالفة تماما لما ذهب إليه ابن جني. 2 أبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي "الأخفش الأوسط". 3 كافة أصحابنا: يقصد النحاة البصريين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وأما إلا في قولك: قاموا إلا زيدا، فإنها وإن كانت قد أوصلت قام إلى زيد، حتى انتصب بها، فإنها لم تجر من قبل أنها لم تخلص للأسماء دون الأفعال والحروف، ألا تراك تقول: ما جاءني زيد قط إلا يقرأ، ولا مررت بمحمد قط إلا يصلي، ولا نظرت إلى بكر إلا في المسجد، ولا رأيت أخاك إلا على الفرس، فلما لم يخلصها العرب للأسماء، بل باشرت بها الأفعال والحروف، كما باشرت بها الأسماء، لم يجز لها أن تعمل جرا ولا غيره، وذلك لأن الحروف التي تباشر الأسماء والأفعال جميعا، لا يجوز أن تكون عاملة، وذلك نحو: هل زيد أخوك؟ وهل قام زيد؟ وما زيد أخوك، وما قام زيد، في لغة بني تميم1، ولا يكون العامل في أحد القبيلين إلا مختصا بما يعمل فيه، بل إذا وجدنا حروفا تختص بأحد القبيلين2، ثم لا تعمل فيما اختصت به شيئا، وذلك مثل لام التعريف في اختصاصها بالأسماء، وقد وسوف في اختصاصهما بالأفعال، فما يشيع فيهما ولا يختص بأحدهما، أحرى3 ألا يكون له عمل في شيء منهما. فلذلك لم يجر "إلا" في قولك: قام القوم إلا محمد، وإن كانت قد أوصلت الفعل قبلها إلى الاسم بعدها4. على أن أبا العباس قد ذهب في انتصاب ما بعد إلا في الاستثناء، إلى أنه بناصب يدل عليه معقود الكلام، فكأنه عنده إذا قلت: قاموا إلا بكرا تقديره: أستثني بكرا، أو لا أعني بكرا، فدلت إلا على "أستثني"، "لا أعني".   1 هذه العبارة متعلقة بقوله: "أن تكون عاملة". وبنو تميم لا يعملون "ما" على الإطلاق فيرفعون بعدها المبتدأ والخبر فيقولون في قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [سورة يوسف] ، "ما هذا بشر". وهذه قراءة ابن مسعود وهي شاذة. وهذا خلاف ما ذهب إليها الحجازيون فهم يعملون "ما" عمل ليس فترفع الاسم وتنصب الخبر، وذلك بشروط خاصة. 2 القبيلين: يقصد الفعل، والاسم. 3 أحرى: أجدر. مادة "حرى". اللسان "2/ 852". 4 تلخيص رأي المؤلف في عدم جواز جر ما بعد واو المعية وإلا، أن الواو شبهت حروف العطف وإلا- لم يجر ما بعدها، لأنها لم تختص بالأسماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وهذا وإن كان مذهبا مدخولا عندنا، وهو بضد الصواب الذي هو مذهب سيبويه، فقد قال به رجل يعد جبلا في العلم1، وإليه أفضت مقالات أصحابنا، وهو الذي نقلها وقررها، وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها، وعلى أن الكوفيين أيضا قد خالفوا سيبويه وأصحابه2، وأبا العباس ومن رأى رأيه، في انتصاب المستثنى، فهذا كله يوجدك العلة التي لها فارقت "إلا" حروف الجر. واعلم أن الفعل إذا أوصله حرف الجر إلى الاسم الذي بعده، وجره الحرف، فإن الجار والمجرور جميعا في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما، وذلك قولك: مررت بزيد، فزيد مجرور، وبزيد جميعا في موضع نصب، والدلالة على صحة هذه الدعوى3 مطردة من وجهين: أحدهما أن عبرة هذا الفعل الذي يصل بحرف الجر قد تجدها فيما يصل بنفسه. ألا ترى أن قولك: مررت بزيد، في معنى جزت زيادا، وكذلك نظرت إلى عمرو في معنى: أبصرت عمرا، وانصرفت عن محمد: أي جاوزت محمدا، فهذا من طريق المعنى، وأما من طريق اللفظ، فإن العرب قد نصبت ما عطفته على الجار والمجرور جميعا، منصوبا، لأنهما جميعا منصوبا الموضع، وذلك قولهم: مررت بزيد وعمرا، ونظرت إلى محمد وخالدا.   1 يعد جبلا في العلم: تشبيه يفيد رسوخ أبي العباس في العلم. 2 مذهب سيبويه أن الناصب للمستثنى هو ما قبل إلا من الكلام. انظر الكتاب "1/ 369" طبعة بولاق، وهو ما أشار إليه المؤلف في هذا المقام. ومذهب الفراء من الكوفيين أن المستثنى منصوب بإلا، على تقدير أن إلا مركبة من "إن" بالتشديد، و"لا" ثم خففت إن، وأدغمت في لا، فنصبوا بها في الإيجاب، اعتبار بأن، وعطفوا بها في النفي، اعتبارا بلا. وحكي عن الكسائي من الكوفيين أنه قال: إنما نصب المستثنى، إذ تأويله في: قام القوم إلا زيدا: قام القوم إلا أن زيدا لم يقم، كما حكي عنه أنه مشبه بالمفعول. "انظر/ ص118-122" من كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، طبعة ليدن سنة 1933. 3 الدعوى: ما يدعى، ويقال: دعوى فلان كذا، والجمع دعاوي، ودعاو. وفي القضاء: قول يطلب به الإنسان إثبات حق على غيره، مادة "دعا". اللسان "2/ 1388". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وعلى هذا ما أنشده سيبويه من قول لبيد1: فإن لم تجد من دون عدنان والدا ... ودون معد فلتزعك العواذل2 فعطف "دون" على موضع "من دون". وأنشد أيضا لعقيبة الأسدي3: معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا4 عطف الحديد على موضع "بالجبال".   1 لبيد: هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامري أحد أشراف الشعراء المجيدين وهو من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام، وقد أسلم لبيد وحسن إسلامه ومات بالكوفة سنة إحدى وأربعين من الهجرة عن عمر يناهز المائة وثلاثين عاما. 2 العواذل: زواجر الأيام من حوادثها وخطوبها. تزعك: تكفك. شرح البيت على هذا: أن زواجر الأيام تكفه وتمنعه عم يشين. الشاهد في قوله: "دون" فقد نصبها، عطفا على محل من دون، كما ذكر المؤلف. 3 عقيبة بن هبيرة، شاعر من قبيلة "أسد" وهو من المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام ويخاطب في بيته معاوية بن أبي سفيان. 4 معاوي: هو معاوية بن أبي سفيان، وحذفت التاء على ترخيم المنادى. أسجح: ارفق وسهل. الشرح: يشكو الشاعر إلى معاوية ظلم العمال ويطلب منه الرفق والتسهيل. والشاهد في قوله "الحديدا" فقد نصبها عطفا على محل "بالجبال". وقد ذكر التأويل سيبويه واعترض عليه المبرد وتبعه جماعة منهم العسكري وصاحب التصحيف. فقالوا: إن رواية سيبويه بالنصب، مع أن البيت ورد في قصيدة مجرورة وبعده ما يدل على ذلك، وهو قوله. فهبنا أمة ذهبت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد. أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد ترجون الخلود إذا هلكنا ... فلا لكم ولا لي من خلود ومعنى جردتموها: أي استأصلتم ما عليها. انظر، الكتاب "1/ 34". وقد دافع الأعلم عن سيبويه وقال: ليس سيبويه بمتهم فيما نقله فقد ذكر بيتا آخر منصوبا بعده وهو: أديرها بني حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا فلعلها قصيدة أخرى، وقيل البيت لعبد الله بن الزبير، وليس ببعيد أن يكون للشاعرين أخذه أحدهما من صاحبه وهذا كثير في الشعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ولهذا قال سيبويه: إنك إذا قلت: مررت بزيد، فكأنك قلت: مررت زيدا، تريد بذلك أنه لولا الباء الجارة لانتصب زيد، وعلى ذلك أجازوا مررت بزيد الظريف، بنصب الظريف1 على موضع بزيد، ومن هنا أيضا قضى النحويون على موضع الجار والمجرور إذا أسند الفعل إليهما، بأنهما في موضع رفع، وذلك نحو: ما جاءني من رجل، وما قام من أحد، وكذلك ما لم يسم فاعله، نحو: سير بزيد، وعجب من جعفر، ونظر إلى محمد، وانصرف عن زيد، وانقطع بالرجل. وإنما قضوا في هذه الأشياء في هذه المواضع برفع معانيها، من قبل أنها قد كانت مع الفعل المسند إلى فاعله منصوبة المواضع، نحو: سرت بزيد، وعجبت من خالد، ونحو ذلك، فلما لم يسم الفاعل، وأسند الفعل الذي كان منصوبا مع الفعل، قضي برفعه، لقيامه مقام الفاعل، فإذا جاز لهم أن يقضوا على موضع الفعل والفاعل في بعض المواضع بأنهما في موضع رفع، وإن كان الفعل مستقلا بفاعله، وذلك قولهم: حبذا2 زيد، وحبذا هند، فأن يقضوا على موضع الجار والمجرور، اللذين لا يستغني أحدهما عن صاحبه، ولا يجوز الفصل بينه وبينه بظرف ولا غيره، أجدر بالجواز. ويدلك على شدة امتزاج3 حرف الجار بما جره، وأن العرب قد أجرتهما جميعا مجرى الجزء الواحد، قولهم: مررت بي، والمال لي، فتسكينهم الياء في بي ولي، وكونهما4 على حرف واحد يدلك على اعتمادهما على الباء واللام قبلهما، وأنهما غير مقدري الانفصال منهما5، لقلتهما في العدد، وضعفهما بالسكون. ولأجل ما ذكرناه من شدة اتصال الجار بالمجرور، ما قبح عندهم حذف الجار وتبقية جره بحاله، إلا فيما شذ عنهم، من ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في القسم مع الخبر لا الاستفهام، وذلك قولهم: الله لأقومن.   1 هذا ما يعرف بالإتباع على المحل. 2 حبذا: الأمر -أسلوب للمدح- ويقال: حبذا الرجل والرجلان والرجال والمرأة، والمرأتان والنساء. 3 امتزاج: يقصد الترابط الشديد الذي يجعلهما ككلمة واحدة، وسيأتي ذلك في المتن. 4 يريد كون الياء في اللفظين: بي، لي. 5 منهما: أي من الياءين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وحكى أبو العباس أن رؤبة قيل له: كيف أصبحت؟ فقال: خير، عافاك الله! أي بخير، فحذف الباء، وأنشدوا قول الشاعر1: رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الغداة من جلله2 أي رب رسم دار. فأما قولهم "لاها لله ذا" فإنها صارت عندهم عوضا من الواو، ألا تراها لا تجتمع معها، كما صارت همزة الاستفهام في الله إنك لقائم عوضا من الواو، وهذا كأنه أسهل من الأول، وكلاهما لا يجوز القياس عليه. واعلم أن هذه الباء قد زيدت في أماكن. ومعنى قولي زيدت أنها إنما جيء بها توكيدا للكلام. ولم تحدث معنى، كما أن "ما" من قوله عز اسمه: {فَبِمَا نَقْضِهِم} [النساء: 155] ، و {عَمَّا قَلِيل} ، و {مِمَّا خَطِيئَاتِهِم} ، إنما تقديره: فبنقضهم، وعن قليل، ومن خطيئاتهم، ونحو ذلك قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه} [الزمر: 36] 3 تقديره: كافيا عبده، وقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أي ألست ربكم؟، {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 4 [يوسف: 17] أي مؤمنا لنا، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 114] ، أي طارد المؤمنين.   1 الشاعر هو جميل بن معمر العذري اشتهر بالعشق لجارية تسمى بثينة، وإليها نسب فكان يقال: "جميل بثينة". 2 الطلل: ما بقي شاخصا من آثار الديار ونحوها "ج" أطلال، طلول. مادة "طلل". الغداة: ما بين الفجر وطلوع الشمس. من جلله: أي من أجله. الشرح: لقد كدت أموت حين وقفت في أطلال ديار الحبيب من أجلها. والشاهد: جر كلمة "رسم" بحرف جر محذوف هو "رب". 3 {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه} : كاف: أي حافظه من شر أعدائه. مادة "كفى". عبده: الرسول صلى الله عليه وسلم. والشاهد فيها زيادة الباء في قوله جل شأنه "بكاف". 4 {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَ ا} : أي وما أنت بمصدق لنا، وردت على لسان إخوة يوسف حين تعللوا لأبيهم عن فقدهم ليوسف. والشاهد فيها زيادة الباء في قوله تعالى: {بِمُؤْمِنٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 فأما قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْن} [المؤمنين: 20] فذهب كثير من الناس إلى أن الباء فيه زائدة، وأن تقديره: "تنبت الدهن". وكذلك قول عنترة1: شربت بماء الدحرضين فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الديلم2 قالوا: أراد: شربت ماء الدحرضين. وهذا عند حذاق أصحابنا على غير وجه الزيادة، وإنما تأويله عندهم -والله أعلم- تنبت ما تنبته والدهن فيها، كما تقول: خرج زيد بثيابه، أي وثيابه عليه، وركب الأمير بسيفه، أي وسيفه معه. وكما أنشد الأصمعي: ومستنة كاستنان الخرو ... ف قد قطع الحبل بالمرود3 أي قطع الحبل ومروده فيه.   1 عنترة: هو عنترة بن شداد بن قراد العبسي أحد فرسان العرب وشعرائها، أحب ابنة عمه عبلة وقال فيها الشعر متغزلا بجمالها، وقد طال عمره حتى ضعف جسمه وعجز عن شن الغارات ومات قبيل البعثة. 2 البيت من قصيدة لعنترة طويلة مطلعها: هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم والبيت هو رقم "29" منها. والدحرضان: اسم مورد من موارد الماء. زوراء: عوجاء مائلة من النشاط. اللسان "3/ 1887". مادة "زور". الديلم: اسم عدوة وهو الديلم بن باسل بن ضبة. الشرح: لقد ارتوت من حياض الدحرضين فلما رأت حياض الديلم تجافت عنها لخوفها منها. والشاهد في قوله "بماء" فقد وردت الباء وهي حرف جر زائد، والتقدير "شربت ماء". 3 البيت لرجل من بني الحارث، كما حكاه الأصمعي في كتاب الفرس، وبعده: دفوع الأصابع ضرح الشمو ... س نجلاء مؤيسة العود مستنة: يريد طعنة، والاستنان: المر على وجهه، أي أن دمها مر على وجهه. الخروف: ولد الحمل وقيل: هو الجذع من الضأن خاصة. اللسان "2/ 1140". المرود: حديدة توتد في الأرض، يشد فيها حبل الدابة. اللسان "3/ 1774". والشاهد في قوله "بالمرود" أي قطع الحبل بمروده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ونحن هذا قول أبي ذؤيب1: يعثرن في حد الظبات كأنما ... كسيت برود بني تزيد الأذرع2 يصف الحمير: أي يعثرن وهن مع ذلك قد نشبن3 في حد الظبات. وكذلك قوله: "شربت بماء الدحرضين" إنما الباء في معنى في، كما تقول: شربت بالبصرة وبالكوفة، أي في البصرة والكوفة، أي شربت وهي بماء الدحرضين، كما تقول: وردنا صداء4، ووافينا شجا5، ونزلنا بواقصة6.   1 أبو ذؤيب: الهذلي هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل. وكان شاعرا فحلا لا غميزة فيه ولا وهن، قال عنه حسان بن ثابت، أبو ذؤيب أشعر هذيل، وهذيل أشعر الناس. "طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي". 2 هذا البيت من قصيدة أبي ذؤيب المشهورة التي مطلعها: أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع وهو في وصف حمير الوحش. الظبات: جمع الظبة، وهي حد السيف والسنان والخنجر. اللسان "4/ 2744". مادة "ظبا". الشرح: حيث تعثرت في حد السنان دميت أذرعها وصار الدم عليها كخطوط حمراء كأنها خطوط البرود اليزيدية. ويزيد تاجر كان يبيع العصب في مكة. وفي الرواية التي أوردها المؤلف: تزيد بالتاء، وهو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، تنسب إليه البرودة التزيدية. الشاهد مشروح في المتن. إعراب الشاهد: يعثرن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون ضمير مبني في محل رفع فاعل. في حد: جار ومجرور. الظبات: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. 3 نشبن: من نشب في الشيء إذا علق به. مادة "نشب". اللسان "6/ 4420". 4 صداء: بفتح الصاد، ثم التشديد والمد، ويروى صدءاء، بهمزتين بينهم ألف: ركية ليس عندهم ماء أعذب منها، وفي المثل: ماء ولا كصداء. 5 شجا: كذا في معجم البلدان لياقوت: واد بين مصر والمدينة. 6 واقصة: اسم لعدة مواضع، منها واقصة: منزل بطريق مكة بين الفرعاء ومكة، لبني شهاب من طيء، ومنها واقصة: اسم ماء لبني كعب، ومنها واقصة أيضا: موضع باليمامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فأما قول أبي ذؤيب: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج1 يعني السحاب، فالباء فيه زائدة، إنما معناه: شربن ماء البحر، هذا هو الظاهر من الحال، والعدول عنه تعسف2. وقال بعضهم: معناه: شربن من ماء البحر، فأوقع الباء موقع من. وأخبرنا محمد بن الحسن3، عن أحمد بن يحيى4 قال: قال أبو عثمان، يعني المازني، في قول الشاعر5: فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حب النبي محمد إيانا6 إنما تدخل الباء على الفاعل، وهذا شاذ يريد أن معناه: كفانا.   1 متى لجج: من لجج في لغة هذيل. واللجج: مجتمع الماء الكثير. والنئيج: صوت الماء يمر مرورا سريعا. الشرح: هؤلاء الفتيات شربن من ماء البحر الجاري ذو الخرير الجميل. والشاهد فيه قوله "بماء" فالباء زائدة، وقيل هي بمعنى "من" أي شربن من ماء البحر. 2 التعسف: التكلف. مادة "عسف". القاموس المحيط "3/ 170". 3 محمد بن الحسن: هو أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب أحد القراء بمدينة السلام، كان عالما باللغة والشعر، وسمع من ثعلب، توفي سنة 362 "الفهرست لابن النديم ص49". 4 أحمد بن يحيى: هو أبو العباس ثعلب إمام من أئمة الكوفيين. 5 البيت لكعب بن مالك الأنصاري، من بني سلمة، وهم بطن من بطون الخزرج. قال عنه صاحب الطبقات: إنه شاعر مجيد، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترى أن الله نسي قولك: زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب وسخينة: لقب لقبت به قريش لحبهم أكل السخينة. 1 كفى: حسب. فضلا: عظمة. الشرح: حسبنا من الفضل حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لنا. الشاهد: زيادة الباء على المفعول به في قوله "بنا" وهذا شاذ، لأنها تدخل قياسا على الفاعل لا على المفعول. إعراب الشاهد: "بنا" الباء حرف جر زائد. نا: ضمير مبني في محل جر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وقرأت عليه أيضا عنه1: إذا لاقيت قوما فاسأليهم ... كفى قوما بصاحبهم خبيرا وهذا من المقلوب. معناه: كفى بقوم خبيرا صاحبهم، فجعل الباء في الصاحب، وموضعها أن تكون في "قوم"، إذ هم الفاعلون في المعنى. وكذلك قوله تبارك اسمه: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} 2 [البقرة: 195] ، تقديره والله أعلم: ولا تلقوا بأيديكم، وهذا واسع عنهم جدا. وأما قول الآخر3: فأصبحن لا يسألنه عن بما به ... أصعد في علو الهوى أو تصوبا4 فإنه زاد الباء، وفصل بها بين "عن" وما جرته، وهذا من غريب مواضعها. فأما قولهم: سميته زيدا وبزيد، وكنيته أبا عبد الله وبأبي عبد الله، فليست الباء فيه زائدة، وإنما أوصلوا بها الفعل تارة إلى المفعول، وأوصلوه تارة أخرى بنفسه، كما قالوا: جئته وجئت إليه، وخشنت صدره5، وخشنت بصدره. فأما قولهم: فرقته وفرقت منه، وجزعته6 وجزعت منه، فأصلهما أن يتعديا بحرف الجر، وإنما يحذف تخفيفا، يدل على ذلك أن فرقت وجزعت أفعال غير واصلة، بمنزلة بطرت7 وأشرت وعرصت وهبصت8.   1 الضمير فيها راجع إلى أحمد بن يحيى ثعلب. 2 أي إلى الهلاك، واستشهد ابن جني بها على زيادة الباء في "بأيديكم". 3 البيت للأسود بن يعفر "كما في المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية. للعيني" بهامش خزانة الأدب للبغدادي "4/ 103". 4 صعد: طلع. العلو: الارتفاع. الهوى: السقوط. الشرح: لم تعد هؤلاء النسوة تسأله عما يحدث له أو عما يفعله. والمؤلف قد شرح الشواهد في المتن وهو زيادة الباء بين حرف الجر والاسم المجرور. 5 خشن صدر فلان: أغضبه وهيجه. القاموس المحيط "4/ 215". 6 جزعته: خفت منه. مادة "جزع". اللسان "1/ 616". 7 بطرت: غلا في المرح، والنعمة: استخفها فكفرها، والحق: أنكره. القاموس "1/ 371". 8 عرصت وهبصت: نشطت. القاموس المحيط "2/ 305". مادة "عرص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فهذه كلها أفعال النفس التي تحدث لها ولا تتجاوزها، وإنما هي بمنزلة كرمت وحسنت وظرفت وشرفت. فهذه أحوال الباء في زيادتها مع الفضلة، أعني بالفضلة المفعول، وفيه معظم زيادة الباء. وقد زيدت الباء أيضا مع أحد جزأي الجملة التي لا تنعقد مستقلة إلا به، وذلك على ثلاثة أضرب: أحدها المبتدأ، والآخر الخبر، والآخر الفاعل. فأما المبتدأ فقوله: بحسبك أن تفعل كذا، إنما هو حسبك أن تفعل كذا، والباء زائدة. وأنشدنا أبو علي1 قال: أنشد أبو زيد2: بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر3 أي حسبك ذلك، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} [الأنفال: 64] 4، ولا أعلم الآن مبتدأ زيدت فيه الباء غير هذه اللفظة. وقولهم: "أثى5 به الدهر بما أتى به".   1 أبو علي: الحسن الفارسي شيخ ابن جني. 2 أبو زيد: صاحب كتاب النوادر. 3 البيت للأشعر الرقبان الأسدي الجاهلي. "نوادر أبي زيد/ ص73". المضر: معناه الذي له ضر من مال، أي له قطعة منه. وقال بعضهم: مضر: أي صاحب ضرائر. والأول أحسن، وهو أشبه بالمعنى. الشرح: يقول: أنت موسر، وأنت مع ذلك بخيل. والشاهد في قوله: "بحسبك" فقد زيدت الباء مع المبتدأ. إعرابه: الباء حرف جر زائد، حسب: مبتدأ مجرور لفظا مرفوع محلا، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. 4 {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} : حسبك: كفاك. الشاهد: ورود حسبك بدون حرف جر زائد. 5 في لسان العرب في "أثا" أثوت الرجل وأثيته، وأثوت به وأثيت به وعليه أثوا وأثيا وإثاوة وإثاية، وشيت به، وعلى هذا يكون معنى العبارة: "ما أتى به الرجل نم به الدهر". الباء في "بما" زائدة، و"ما" مبتدأ. والجملة قبلها خبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وأما زيادتها في خبر المتبدأ فقوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27] ، ذهب أبو الحسن1 إلى أن الباء زائدة، وتقديره عنده: جزاء سيئة مثلها. وإنما استدل على هذا بقوله تبارك اسمه في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وهذا مذهب حسن، واستدلال صحيح، إلا أن الآية قد تحتمل، مع صحة هذا القول، تأويلين آخرين. أحدهما: أن تكون الباء مع ما بعدها هو الخبر، فكأنه قال: جزاء سيئة كائن بمثلها، كما تقول: إنما أنا بك، أي إني كائن موجود بك، إذا صغرت نفسك له، وكقولك: توكلي عليك، وإصغائي2 إليك، وتوجهي نحوك، فتخبر عن المبتدأ بالظرف الذي فعل ذلك المصدر يتناوله، نحو قولك: توكلت عليك، وأصغيت إليك، وتوجهت نحوك. ويدل على أن هذه الظروف في هذا ونحوه إخبار عن المصادر قبلها، تقدمها عليها، ولو كانت المصادر قبلها واصلة إليها، ومتناولة لها، لكانت من صلاتها، ومعلوم استحالة تقدم الصلاة أو شيء منها على الموصول، وتقدمها نحو قولك: عليك اعتمادي، وإليك توجهي، وبك استعاذتي. قال الله تعالى: {وَإِلَيْهِ مَآبِ} ، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . وقال الكميت3: فيا رب هل إلا بك النصر يبتغى ... عليهم وهل إلا عليك المعول4   1 أبو الحسن: هو سعيد بن مسعد، المجاشعي الملقب بالأخفش الأوسط. 2 إصغائي: إنصاتي واستماعي في اهتمام وحضور ذهن. مادة "صغى". 3 الكميت: هو الشاعر الخطيب أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي الكوفي، ولد سنة60هـ، ونشأ بالكوفة، وقد نحى بشعره منحى سياسيا، من كبار شعراء الشيعة وتوفي سنة 126هـ. 4 يبتغى: يطلب. المعول: من عول عليه إذا ارتكن إليه واعتمد عليه. الشرح: يا رب نصرنا على الأعداء لا يرتجى إلا منك ولا يعول إلا عليك. الشاهد في قوله "عليك المعول" فهذا دليل على أن عليك ليست صلة لـ"المعول" ولو كانت كذلك لما تقدمت عليها. إعراب الشاهد: عليك: جارومجرور خبر مقدم. المعول: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وسألت أبا علي عن قول كثير1: وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت2 فقلت له: ما موضع تهيامي من الإعراب؟ فأفتى بأنه مرفوع بالابتداء، وخبره: بعزة. على نحو ما قدمنا آنفا، وجعل الجملة التي هي تهيامي بعزة -اعتراضا بين اسم إن وخبرها، لأن فيها ضربا من التشديد للكلام، كما تقول: إنك -فاعلم- رجل سوء، وإنه -والحق أقول- جميل المذهب. وهذا الفصل والاعتراض الجاري مجرى التوكيد كثير في الكلام، وإذا جاز الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو ما أنشدنا أبو علي، من قوله: وقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل3 كان الاعتراض بين اسم إن وخبرها أسوغ، وقد يحتمل بيت كثير أيضا تأويلا آخر غير ما ذهب إليه أبو علي، وهو أن يكون تهيامي في موضع جر على أنه قسم به، كقولك: إني -وحبك- لضنين4 بك، وعرضت على أبي علي هذا الجواب فقبله، وأجاز ما أجاز، فالباء على هذا في "بعزة" متعلقة بنفس المصدر، الذي هو التهيام، وهي فيما ذهب إليه أبو علي متعلقة بمحذوف هو الخبر عن تهيامي في الحقيقة.   1 كثير: هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي وكنيته أبو صخر عشق جارية تدعى عزة وإليها نسب فقيل "كثيرة عزة". 2 التهيام: كثرة الهيام وهو ذهاب العقل من شدة الحب. عزة: اسم محبوبته. الشرح: يقول: إني على ما كان من التهيام بعزة تخليت عما بي وتخلت هي أيضا. الشاهد في قوله "وتهيامي بعزة". وقد أورد المؤلف وجهين منوجوه الإعراب له في المتن. 3 جمة: كثيرة. أسنة: رماح. الشرح: لقد اعترضتني مع كثرة صروف الدهر حرب أقوام شداد أقوياء. الشاهد: فيه الفصل بين الفعل والفاعل بالجملة الاعتراضية "الحوادث جمة". إعراب الشاهد: قد: حرف تحقيق وتأكيد. أدركتني: فعل ماضي مبني، والتاء حرف تأنيث والنون للوقاية، والياء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والحوادث جمة: مبتدأ وخبر جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. أسنة: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. 4 ضنين: بخيل. مادة "ضن". القاموس المحيط "4/ 239". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فهذا استيفاء الكلام في أحد الوجهين اللذين يحتملهما قوله عز اسمه: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} بعد ما أجازه أبو الحسن فيها، مما قدمت ذكره. والوجه الآخر: أن تكون الباء في بمثلها متعلقة بنفس الجزاء، ويكون الجزاء مرتفعا بالابتداء، وخبره محذوف، كأنه قال: جزاء سيئة بمثلها كائن، أو واقع وإذا كان هذا جائزا، وكان حذف الخبر فيه حسنا متجها، كما حذف في عدة مواضع غيره، مما يطول القول بذكره، كان تهيامي من بيت كثير أيضا مرتفعا بالابتداء، والباء متعلقة فيه بنفس المصدر، الذي هو التهيام، والخبر أيضا محذوف، كأنه قال: وتهيامي بعزة كائن، أو واقع، على ما يقدر في هذا ونحوه، فهذا ما تحتمله الآية من غير ما ذهب إليه أبو الحسن، أعني قوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} . وأما زيادتها في الفاعل فنحو قولهم: كفى بالله، وقوله عز اسمه: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} 1 [الأنبياء: 47] ، إنما هو كفى الله، وكفينا. كقول سحيم2: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا3 فالباء وما عملت فيه في موضع مرفوع بفعله، كقولك: ما قام من أحد، فالجار والمجرور في موضع مرفوع بفعله، ونحوه قولهم في التعجب: أحسن بزيد، وأجمل ببكر، فالباء وما بعدها في موضع مرفوع بفعله، ولا ضمير في الفعل، وهذا مشروح في باب التعجب.   1 {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} : أي عادين على الناس أعمالهم. والآية شاهد على زيادة الباء مع ألف الفاعل فالأصل: كفى الله. 2 سحيم: هو عبد لبني الحسحاس وكان حبشيا أعجمي اللسان، يرتضخ لكنة حبشية وكان يتغزل في سيدته عميرة بنت جندل. 3 صدر البيت "عميرة ودع إن تجهزت غاديا". الشيب: الشعر الأبيض في الرأس. والمرء: الشخص. يقول: ودع عميرة حين تنوي الرحيل وتتجهز له وأجمل في الوداع، وليكن زاجرك الشيب والإسلام. والشاهد: مجيء الفاعل "الشيب" بلا حرف الجر الزائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقد زيدت أيضا في خبر لكن، لشبهه بالفاعل. قال1: ولكن أجرا لو فعلت بهين ... وهل ينكر المعروف في الناس والأجر2 أراد: ولكن أجرا لو فعلته هين، وقد يجوز فيه أن يكون معناه: ولكن أجرا لو فعلته بشيء هين، أي أنت تصلين إلى الأجر بشيء هين، كقولك: وجوب الشكر بالبر3، فتكون الباء على هذا غير زائدة. وأجاز أبو بكر محمد بن السري، أن يكون قولهم: كفى بالله، تقديره: كفى اكتفاؤك بالله، أي اكتفاؤك بالله يكفيك، وهذا يضعف عندي، لأن الباء على هذا متعلقة بمصدر محذوف، هو الاكتفاء، ومحال حذف الموصول وتبقية صلته، وإنما حسنه عندي قليلا أنك قد ذكرت كفى، فدل على الاكتفاء، لأنه من لفظه، كما تقول: من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له، فأضمرته، لدلالة الفعل عليه، فها هنا أضمر اسما كاملا، وهو الكذب، وثم أضمر اسما وبقي صلته، التي هي بعضه، فكان بعض الاسم مضمرا، وبعضه مظهرا فلذلك ضعف عندي، والقول في هذا قول سيبويه إنه يريد كفى الله، كقوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} 4. ويشهد بصحة هذا المذهب ما حكي عنهم من قولهم: مررت بأبيات جاد بهن أبياتا، وجدن أبياتا، فبهن: في موضع رفع، والباء: زائدة كما ترى، أخبرني بذلك محمد بن الحسن5 قراءة عليه، عن أحمد بن يحيى، أن الكسائي حكى ذلك عنهم.   1 قال البغدادي في الخزانة في شرح البيت: ولم أقف على قائله، وكذلك قال العيني. 2 هين: بسيط. المعروف: الخير. وقد شرحه المؤلف في المتن: وكذلك أورد الشاهد وعلق عليه. 3 البر: الإحسان والفضل. 4 {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} : أي أن الله جل ذكره قد دافع عن المؤمنين وكفاهم شرور القتال في غزوة الخندق. 5 هو أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب أحد القراء بمدينة الكوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ووجدت مثله للأخطل1، وهو قوله: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل2 فيها: في موضع رفع بحب. وقد حذفت الباء في رب، وأصلها رب. وإنما جاز عندي زيادة الباء في خبر المبتدأ، لمضارعته للفاعل، فاحتياج المبتدأ إليه كاحتياج الفعل إلى فاعله. واعلم أن الباء قد تبدل منها في القسم الواو في قولك والله، أصله بالله. والدلالة على أن الباء هي الأصل أمران: أحدهما: أنها موصلة للقسم إلى المقسم به في قولك: أحلف بالله، كما توصل الباء المرور إلى المرور به في قولك: مررت بزيد، فالباء من حروف الجر بمنزلة من وعن. والآخر: أن الباء تدخل على المضمر3 كما تدخل على المظهر4، تقول: بالله لأقومن، وبه لأقعدن، والواو لا تدخل على المضمر البتة، تقول: والله لأضربنك، فإن أضمرت قلت به لأضربنك، ولا تقول: وه لأضربنك، فرجوعك مع الإضمار إلى الباء يدل على أنها هي الأصل. وأنشدنا أبو علي، قال: أنشد أبو زيد: رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما   1 الأخطل: هو أبو مالك غياث الأخطل بن غوث التغلبي النصراني، شاعر أموي مجيد، امتاز بالمدح ووصف الخمر، قال الشعر وهو صبي، ومات في خلافة الوليد سنة 125هـ، وقد نيف على السبعين. 2 يأمر الشاعر من يخاطبهم بقتل من يحبها فما أحبها إليه وهي مقتولة، والمقتولة هنا هي الخمر التي صب عليها بعض الماء، ليكسر حدتها. والشاهد في قوله: "بها" فقد وقعت موقع رفع حيث هي في الإعراب نائب فاعل. 3 المضمر: الضمير. 4 المظهر: الاسم الظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قال: وأنشد أبو زيد: ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي1 وإنما أبدلت الواو من الباء لأمرين: أحدهما: مضارعتها إياها لفظا. والآخر: مضارعتها إياها معنى. أما اللفظ فلأن الباء من الشفة، كما أن الواو كذلك، وأما المعنى فلأن الباء للإلصاق، والواو للاجتماع، والشيء إذا لاصق الشيء فقد اجتمع معه. وأما إبدال التاء من الواو في القسم فسنذكره في موضعه بإذن الله من التاء. واعلم أن جميع الحروف المفردة التي تقع في أوائل الكلم2، حكمها الفتح أبدا، نحو: واو العطف وفائه، وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء. فأما الباء في بزيد فإنما كسرت لمضارعتها3 اللام الجارة في قولك: المال لزيد، وسنذكر العلة في كسر اللام في موضعها، ووجه المضارعة بينهما اجتماعهما في الجر وفي الذلاقة، ولزوم كل واحد منهما الحرفية، وليست كذلك كاف التشبيه، لأنها قد تكون اسما في بعض المواضع، وسنذكر ذلك في موضعه. انقضى حرف الباء.   1 تقدم الكلام على هذا البيت. 2 الكلم: الكلام ويقصد بها المفردات والألفاظ. 3 لمضارعتها: لمشابهتها. مادة "ضرع". القاموس المحيط "3/ 54". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 باب التاء : الحديث عن التاء : التاء حرف مهموس1، يستعمل في الكلام على ثلاثة أضرب: أصلا، وبدلا، وزائدا. فإذا كان أصلا وقعت فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: تمر وتنأ2. والعين نحو: فتر3 وقتل، واللام نحو: فخت4 ونحت. وإما إبدالها فقد أبدلت من ستة أحرف، هن: الواو والياء، والسين، والصاد، والطاء، والدال. قد أبدلت التاء من الواو فاء إبدالا صالحا5، وذلك نحو: تجاه، وهو فعال من الوجه، وتراث: فعال من ورث، وتقية: فعيلة من وقيت، ومثله التقوى، وهو فعلى منه، وكذلك تقاة: فعلة منها. وتوراة عندنا فوعلة6 من وري الزند7، وأصلها وورية، فأبدلت الواو الأولى تاء: وذلك أنهم لو لم يبدلوها تاء، لوجب أن يبدلوها همزة، لاجتماع الواوين في أول الكلمة، ومثلها: تولج، وهو فوعل من ولج8 يلج، كذا هو القياس في هذين الحرفين، وأصله على قولنا: وولج، وتوراة. وتولج عند البغدادين9 تفعل، وحملهما على فوعل أوجه، لكثرة فوعل.   1 المهموس: غير المجهور هو ما يضعف الاعتماد على مخرجه وقت النطق به وعلامته أن يبقي النفس جاريا عند النطق به. والحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك "حثه شخص فسكت". 2 تنأ: بالمكان: أقام به. القاموس المحيط "1/ 9". مادة "تنأ". 3 فتر: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة. القاموس المحيط "2/ 105". مادة "فتر". 4 الفخت ضوء القمر. القاموس المحيط "1/ 153". 5 إبدالا صالحا: أي صحيحا يسير على قواعد القياس. 6 ومن الخطأ وزن الكلمة لأنها عبرية. 7 الزند: العود الأعلى الذي تقدح به النار والأسفل الزندة. مادة "زند". القاموس "1/ 295". 8 ولج: دخل. مادة "ولج". القاموس المحيط "1/ 210". 9 البغداديين: أصحاب مدرسة بغداد في النحو من النحاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 في الكلام، وقلة تفعل، ومن ذلك تخمة، وأصلها وخمة1، لأنها فعلة من الوخامة، وتكأة، لأنها فعلة من توكأت، وتكلان: فعلان من توكلت، وتيقور: فيعول من الوقار. ومن أبيات الكتاب. فإن يكن أمسى البلى تيقوري2 أي أمسى وقاري للبلى، ومن أجل البلى، أصله: ويقور. وقالوا: رجل تكلة، أي وكلة، وهو فعلة من وكل يكل، وقالوا: أتلجه، أي أولجه، وضربه حتى أتكأه، أي أوكأه، وعلى هذا أبدلوا التاء من الواو في القسم، وخصوا بها اسم الله تعالى، لأنها فرع فرع، فخص بها الأشهر، وقد مضى ذلك في آل وأهل. وقالوا: التليد3 والتلاد من ولد، وتترى4: فعلى من المواترة، وأصلها وترى، ومن العرب من ينونها، يجعل ألفها للإلحاق، بمنزلة ألف أرطى5 ومغزى، ومنهم من لا يصرفه، يجعل ألفها للتأنيث، بمنزلة ألف سكرى وغضبى.   1 وخمة: من وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرأ. القاموس المحيط "4/ 182". مادة "وخم". 2 البيت من أرجوزة للعجاج ذكرها صاحب أشعار العرب "2/ 26-31" أولها: جاري لا يستنكر عذيري وقد أنشد سيبويه في الكتاب "2/ 356" وقال: وقد دخلت "التاء" على المفتوحة "أي الواو المفتوحة"، كما دخلت الهمزة عليها "يريد أبدلت منها"، وذلك قولهم: تيقور. وزعم الخليل أنها من الوقار، كأنه حيث قال العجاج: فإن يكن أمسي البلى تيقوري أراد: فإن يكن أمسي اببلي وقاري، وهو فيعول. وقال الأعلم في شرح الشاهد: وهو فيعول من الوقار، وأصله: ويقور، فأبدلت التاء من الواو استثقالا لها، وكراهية للابتداء بها، لأنها من أثقل الحروف، ولا يطرد بدلها في هذه الحال، وصف كبره وضعفه عن التصرف فجعل ذلك كالوقار، وإن لم يقصده، والبلى: تقادم العهد. 3 القاموس المحيط "1/ 277". 4 تترى: متواترة متتابعة. 5 أرطى: واحدها الأرطأة، وهو شجر من شجر الدمل. مادة "رطا". اللسان "3/ 1666". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وهذه الألفاظ التي جمعتها وإن كانت كثيرة، فإنه لا يجوز القياس عليها، لقلتها بالإضافة إلى ما لم تقلب واوه تاء، فلا تقول قياسا على تقية في وقية: تزير في وزير، ولا تقول في وجيهة تجيهة، ولا في أوعد أتعد، قياسا على أتلج، ولا في ولهى1 تلهى، قياسا على تترى. فأما ما تقيس عليه لكثرته فافتعل وما تصرف منه، إذا كانت فاؤه واوا، فإن واوه تقلب تاء، وتدغم في تاء افتعل التي بعدها، وذلك نحو: اتزن، أصله: اوتزن، فقلبت الواو تاء، وأدغمت في تاء افتعل، فصار اتزن، ومثله اتعد واتلج واتصف من الوصف. قال الأعشى2: فإن تتعدني أتعدك بمثلها ... وسوف أزيد الباقيات القوارصا3 وقال طرفة4: فإن القوافي يتلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولجها الإبر5   1 ولهى: الوالهة وهي من اشتد حزنها حتى ذهب عقلها أو من حنت إلى طفلها. 2 الأعشى: هو أبو بصير ميمون الأعشى بن قيس بن جندل من أصحاب المعلقات. 3 تتعدني: تتوعدني وتتهددني. القاموس المحيط "1/ 343". القوارص: واحدها: القارصة وهي الكلمة التي تنغص وتؤلم. القاموس المحيط "2/ 310". الشرح: يقول الشاعر: إن هددتني هددتك وأزيد على ذلك هجائي لك. والشاهد: "تتعدني" فقد أبدلت الواو تاء. إعراب الشاهد: تتعدني: فعل مضارع مجزوم بـ"إن" وعلامة الجزم السكون، والنون: للوقاية، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، والياء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. 4 طرفه: هو عمرو بن العبد البكري: أقصر فحول الشعراء عمرا، ومال إلى الشعر والوقوع به في أعراض الناس، حتى هجا عمرو بن هند ملك العرب على الحيرة فتخلص منه عمرو بن هند وقتل طرفة عن عمر يناهز 26 عاما. 5 يتلجن: يدخلن. موالجا: مداخلا. يقول: إن القوافي والأشعار تتلمس اللطيف من المعاني والغائر حتى لو كانت تلك المعاني طرفا ومداخلا لما دخلتها الإبر من لطفها وضيقها. الشاهد: "يتلجن" حيث أبدلت الواو تاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وقال سحيم1: وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرا واتصافا2 أراد ميسان، فزاد نونا. والعلة في قلب هذه الواو في هذا الموضع تاء، أنهم لو لم يقلبوها تاء، لوجب أن يقلبوها إذا انكسر ما قبلها ياء، فيقولوا: ايزن، ايتعد، ايتلج، فإذا انضم ما قبلها ردت إلى الواو فقالوا: موتعد، وموتزن، وموتلج، وإذا انفتح ما قبلها قلبت ألفا، فقالوا: ياتعد، وياتزن، وياتلج، فلما كانوا لو لم يقلبوها تاء صائرين من قلبها مرة ياء، ومرة ألفا، ومرة واوا، إلى ما أريناه، أرادوا أن يقلبوها حرفا جلدا3، تتغير أحوال ما قبلها وهو باق بحاله، وكانت التاء قريبة المخرج من الواو، لأنها من أصول الثنايا4، والواو من الشفة، فأبدلوها تاء، وأدغموها في لفظ ما بعدها، وهو التاء، فقالوا: اتعد واتزن5، وقد فعلوا هذا أيضا في الياء، وأجروها.   1 سحيم: عبد بني الحسحاس، وهو حلو الشعر رقيق الحواشي، وكان عبدا أسود، أعجمي ذو لكنة. روي نه أنشد أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا قال له: لو قلت شعرك مثل هذا لعطيتك عليه. 2 ميسنان: هي ميسان اسم كورة واسعة كثيرة القرى تقع بين البصرة وواسط وزاد فيها سحيم نونا للضرورة. والشاهد في قوله "اتصافا" فقد قلبت الواو تاء. إعراب الشاهد: اتصافا: معطوف منصوب بالتبعية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. 3 حرفا جلدا: أي يحتمل الحركة. 4 الثنايا: أربعة أسنان في مقدمة الفم، اثنتان في الفك الأعلى واثنتان في الفك الأسفل، والواحدة "ثنية". مادة "ثنى". اللسان "1/ 516" 5 في هامش أحد النسخ الخطية، ولعله من كلام ابن هشام: "قال بعضهم التحقيق في "اتعد" أن الواو قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما في ميزان: ثم قلبت الياء تاء كما في اتسر، ثم أدغم، قلت: وعلى هذا يتجه أن يقال: فهلا اختص ببعض ما يتصرف فيه ذو الواو، كما في استنوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مجرى الواو، فقالوا في افتعل من اليبس واليسر: اتبس واتسر، وذلك لأنههم كرهوا انقلابها واوا متى انضم ما قبلها في نحو موتبس، وألفا في ياتبس، فأجروها مجرى الواو قالوا: اتبس واتسر، ومن العرب من لا يبدلهما تاء. ويجري عليهما من القلب ما تنكبه1 الآخرون، فيقول: ايتعد، وايتزن، وايتبس، ويوتعد، وياتعد، ويوتزن، وياتزن، وياتبس، وموتعد، وموتبس. وسمع الكسائي2: الطريق ياتسق وياتسع، أي يتسق ويتسع. واللغة الأولى أكثر وأقيس، وهي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن. فهذا إبدال التاء من الواو والياء فاءين. وقد أبدلت منهما لامين. قالوا: أخت، وبنت، وهنت، وكلتا، أصل هذا كله أخوة، وبنوة، وهنوة، وكلوا، فنقلوا أخوة وبنوة ووزنوهما فعل، إلى فعل وفعل، وألحقوهما بالتاء المبدلة من لامها، بوزن قفل وحلس3، فقالوا: أخت وبنت، وليست التاء فيهما بعلامة تأنيث، كما يظن من لا خبرة له بهذا الشأن، لسكون ما قبلها.   = ويجاب عنه بما أجيب عن دولج وهنية، فإن "اوتعد" لم تستعمل البتة، وأبو الفتح جعل الواو قلبت تاء، من أول الأمر، لما ذكر من خوف تنقلها، لكن في كلامه نظر، فإنه إذا انفتح ما قبلها في نحو يوتعد، فإنه لا وجه لقلبها ألفا. فقوله: إن ذلك يقتضي قلبها ألفا، مشكل. وكذا في يبتسر، لا مقتضى لقلب الياء ألفا، ألا ترى أن الذي يكره نقل حرف العلة، قال: يوتعد ويوتزن. فإن قلت: وقال أيضا: ياتعد وياتزن، كما حكى أبو الفتح الأمرين معا. قلت: ذاك قلب خارج عن القياس، قصد به التخفيف، وهو في مقام بيان أن هذا البدل كان يلزم عدم الإبدال تاء وليس كذلك. 1 تنكبه: عدلوا عنه. مادة "نكب". اللسان "6/ 4534". 2 الكسائي: نحوي ولغوي عربي كوفي من أرباب الكوفيين، سمع عن العرب الفصحاء وروى عنهم. 3 الحلس: كل ما ولي ظهر الدابة والقتب والسرج، وما يبسط في البيت من حصير ونحوه تحت كريم المتاع، ويقال: هو حلس بيته أي لا يبرحه، وهو من أحلاس الخيل، ملازم لظهورها، وأم حلس: كنية الأتان، "ج" أحلاس وحلوس. مادة "حلس". اللسان "2/ 961". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هكذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح، وقد نص عليه في باب ما لا ينصرف، فقال: لو سميت بهما رجلا لصرفتهما معرفة، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم. على أن سيبويه قد تسمح في بعض ألفاظه في الكتاب، فقال: هما علامتا تأنيث1، وإنما ذلك تجوز منه في اللفظ، لأنه أرسله غفلا2، وقد قيده وعلله في باب مالا ينصرف3. والأخذ بقوله المعلل أولى من الأخذ بقوله الغفل المرسل. ووجه تجوزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيهما إلا مع المؤنث، صارتا كأنهما علامتا تأنيث. فإن قيل: فما علامة التأنيث في أخت وبنت؟ فالجواب أن الصيغة فيهما علم تأنيثهما، وأعني بالصيغة فيهما بناءهما على فعل وفعل، وأصلهما فعل، وإبدال الواو فيهما لاما4، لأن هذا عمل اختص به المؤنث. يدل أيضا على ذلك إقامتهم إياه مقام العلامة الصريحة، وتعاقبهما على الكلمة الواحدة وذلك نحو: ابنة وبنت، فالصيغة في بنت قامت مقام الهاء في ابنة، فكما أن الهاء علم تأنيث لا محالة، فكذلك صيغة بنت علم تأنيثها، وليس بنت من ابنة كصعبة من صعب، إنما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن.   1 قال سيبويه في باب النسب من الكتاب "2/ 82": "وأما بنت فإنك تقول: ينوي، من قبل أن هذه التاء التي للتأنيث لا تثبت في الإضافة، كما لا تثبت في الجمع بالتاء"، وهذا ما يشير إليه المؤلف. 2 أرسله غفلا: قاله سهوا دون نظر وتمحيص بل جاء في أثناء الكلام. 3 قال سيبويه في الكتاب "2/ 13": "وإن سميت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء، وألحقتها ببناء الثلاثة، كما ألحقوا سنبتة بالأربعة، ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها، فإنما هذه التاء فيها كتاء عفريت، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة وليست كالهاء لما ذكرت لك، وإنما هذه زيادة في الاسم، بني عليها، وانصرف في المعرفة. 4 لاما: حال، وليست مفعول للمصدر "إبدال"، والمعنى أنهم أبدلوا واو أخت وبنت إذ أصلهما أخوة وبنوة تاء في حين أنها في موقع اللام في الوزن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ويدل على أن أخا وابنا فعل، مفتوحة العين، جمعهم إياهما على أفعال، نحو: أبناء وآخاء، حكى سيبويه آخاء عن يونس1. وأنشدنا أبو علي: وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم ... وأي بني الآخاء تنبو مناسبه2 ويدل على أن اللام منهما واو قولهم في الجمع: أخوات. فأما البنوة وكذا الأخوة فلا دلالة فيها عندنا، لقولهم: الفتوة، وهي من قولهم فتيان، ولكن قولهم بنت وإبدال التاء من حرف العلة، ويدل على أنها من الواو، لأن إبدال التاء من الواو أضعاف إبدالها من الياء، وعلى الأكثر ينبغي أن يكون القياس3.   1 قال سيبويه في الكتاب "2/ 101": "وكذلك أخ، تقول فيه: أخون، لا تغير البناء إلا أن تحدث العرب شيئا، كما بنوه على غير بناء الحرفين. قال الشاعر: فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا أنشدناه من نثق به، وزعم أنه جاهلي، وإن شئت كسرت فقلت: "آباء وآخاء". وظاهر هذا النص أن سيبويه لم يعز الكلام إلى يونس كما حكى ابن جني عنه، ولعله قد عزاه في موضع آخر من الكتاب. 2 ذكر هذا البيت صاحب اللسان والتاج في "أ. خ. و" ولم ينسباه لقائل، وذكره ابن جني في الخصائص "1/ 208"، ونسبه إلى بشر بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. الآخاء: جمع أخ. تنبو: لم تستوفي مكانه المناسب له. مادة "نبو". الشرح: يفخر الشاعر على بعض قومه بأن أبناءهم لا يلحقون ببنيه في الشرف. الشاهد في قوله "الآخاء" فهو دلالة على مجيء جمع "أخ" بهذه الصورة المذكورة. إعراب الشاهد: الآخاء: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. 3 في هامش أحد النسخ الخطية ولعله بخط ابن هشام الأنصاري، كزيادة في الاستدلال على أن بنت وأخت أصل لامهما واو ما نصه. "وأيضا فبنت فعلوا فيها من تحويل الصيغة، وإبدال اللام، ما فعلوا في أخت وهنت، فتلكن لامها واوا مثلهما، حملا للنظير على النظير. فإن قلت: فهلا حكمت بذلك في كيت وذيت بهذا الدليل؟ قلت: لظهور العارض الآتي ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وأما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو، قولهم في الجمع: هنوات، قال1: أرى ابن نزار قد جفاني ورابني ... على هنوات شأنها متتابع2 وأما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى، بمنزلة الذكرى والحفرى3، وأصلها كلوا، فأبدلت الواو تاء، كما أبدلت في أخت وبنت. والذي يدل على أن لام كلتا معتلة، قولهم في مذكرها: كلا، وكلا: فعل، ولامه معتلة، بمنزلة لام حجا ورضا، وهما من الواو، لقولهم: حجا يحجو4 والرضوان، ولذلك مثلها سيبويه بما اعتلت لامه منقلبة، فقال: هي بمنزلة شروى. وأما أبو عمر الجرمي فذهب إلى أنها فعتل، وأن التاء فيها علم تأنيثها، وخالف سيبويه. ويشهد بفساد هذا القول أن تاء التأنيث لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة نحو طلحة وحمزة، وقائمة وقاعدة، أو تكون قبلها ألف، نحو: سعلاة5 وعزهاة6، واللام في كلتا ساكنة كما ترى، فهذا وجه. ووجه آخر أن علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا، إنما تكون آخرا لا محالة.   1 البيت لم نعثر على قائله، وقد ذكره سيبويه في الكتاب "2/ 81" ولم ينسبه. 2 جفاني: هجرني. رابني: رأيت منه ما يريبني ويخوفني. هنوات: جمع هنة وهي القليل من الأشياء أو الصغير الحقير. الشرح: لقد رأيت ما يخيفني من ابن نزار على فترات متقاربة. الشاهد: ورود كلمة "هنوات" فقد جاءت جمعا لـ"هنت". 3 الحفري: شجر ينبت في الرمل، لا يزال أخضر، وهو من نبات الربيع. وقال أبو حنيفة: الحفري: ذات ورق وشوك صغير، لا تكون إلا في الأرض الغليظة ولها زهرة بيضاء، الواحدة حفراء. مادة "حفر". اللسان "2/ 925". 4 حجا: يحجو حجوا: ورد بعدة معان، منها ظن، وقام، وحفظ الشيء. 5 السعلاة: الغول، والجمع سعالي. مادة "س، ع، ل". القاموس المحيط "3/ 2018". 6 في القاموس: العزهاة: العازف عن اللهو والنساء، أو اللئيم، أو الذي لا يكتم بغض صاحبه والعزهاة أيضا: المرأة أسنت ونفسها تنازعها إلى الصبا. القاموس المحيط "4/ 283". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وكلتا: اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع من البصريين، فلا يجوز أن تكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن، وأيضا فإن فعتل مثال لا يوجد في الكلام أصلا، فيحمل هذا عليه، فإن سميت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه، معرفة ولا نكره، لأن ألفها للتأنيث بمنزلة ألف ذكرى، وتصرفه نكرة في قول أبي عمر، لأن أقصى أحواله عنده أن يكون كقائمة وقاعدة وعزة وحمزة. وأما إبدالهم التاء من الياء لاما، فقولهم: ثنتان، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت، لن الاثنين قد ثني أحدهما على صاحبه، وأصله: ثني، يدل على ذلك جمعهم إياه على أثناء، بمنزلة أبناء وآخاء، فنقلوه من فعل إلى فعل، كما فعلوا ذلك في بنت، فأما التاء في اثنتان فتاء التأنيث، بمنزلتها في ابنتان تثنية ابنة، وإنما ثنتان بمنزلة بنتان، واثنتان بمنزلة ابنتان. وأبدلوا التاء أيضا من الياء لاما في قولهم: كيت وكيت، وذيت وذيت1، وأصلهما كية وكية، وذية وذية، ثم إنهم حذفوا الهاء، وأبدلوا من الياء التي هي لام تاء، كما فعلوا ذلك في ثنتان، فقالوا: كيت وذيت، فكما أن الهاء في كية وذية علم تأنيث، فكذلك الصيغة في كيت وذيت علم تأنيث، وكذلك التاء أيضا في اثنتان علامة تأنيث، والصيغة في ثنتان أيضا علامة تأنيث. وهذه قصة ابنة وبنت أيضا. وفي كيت وذيت ثلاث لغات: منهم من يبنيهما على الفتحة، فيقول: كيت وذيت، ومنهم من يبنيهما على الكسرة، فيقول: كيت وذيت، ومنهم من يبنيهما على الضمة، فيقول: كيت وذيت. فأما كية وذية فليس فيهما مع الهاء إلا البناء على الفتح. فإن قيل: ما تنكر أن تكون التاء في كيت وذيت منقلبة عن واو، بمنزلة تاء أخت وبنت، ويكون على هذا أصل ذية وكية: ذيوة وكيوة، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الياء بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء كما قالوا: سيد وميت، وأصلهما سيود وميوت.   1 كيت وكيت، وتكسر التاء، يقال: كأن في الأمر كيت وكيت كذا وكذا وهي كناية عن القصة والأحدوثة ولا تستعملان إلا مكررتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فالجواب أن كية وذية لا يجوز أن يكون أصلهما كيوة وذيوة، من قبل أنك لو قضيت بذلك لأجزت ما لم يأت مثله في كلام العرب، لأنه ليس في كلامهم لفظة عين فعلها ياء، ولام فعلها واو. ألا ترى أن سيبويه قال: ليس في الكلام مثل: حيوت، فأما ما أجازه أبو عثمان في الحيوان من أن يكون واوه غير منقلبة عن الياء، وخالف فيه الخليل، وأن يكون الواو فيه أصلا غير منقلبة، فمردود عليه عند أصحابنا لادعائه ما لا دليل عليه، ولا نظير له، وما هو مخالف لمذهب الجمهور، وكذلك قولهم في اسم رجل: رجاء بن حيوة1، إنما الواو فيه بدل من ياء، وحسن البدل فيه وصحة الواو أيضا بعد ياء ساكنة، كونه علما، والأعلام قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها، وذلك من وجهين: أحدهما: الصيغة، والآخر: الإعراب. أما الصيغة فنحو قولهم: موظب ومورق وتهلل ومحبب ومكوزة ومزيد وموألة2، فيمن أخذه من وألت، ومعديكرب كان ينبغي أن يكون معدي، لأن مفعل مما لامه معتلة لا يوجد إلا في حرف واحد، وهو مأوي الإبل، حكاها الفراء. وأما الإعراب فنحو قولهم في الحكاية لمن قال: مررت بزيد: من زيد؟ ولمن قال: ضربت أبا بكر: من أبا بكر، لأن الكنى تجرى مجرى الأعلام، وكذلك أيضا صحت حيوة بعد قلب لامها واوا، وأصلها حية، كما أن أصل حيوان، حييان، فهذا إبدال التاء من الواو والياء لامين، ولم أعلمها أبدلت منها عينين.   1 رجاء بن حيوة بن جرول الكلبي، عالم جليل ذو دين ورأي كان يجالس عمر بن عبد العزيز ويسديه نصائحه وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز، توفي سنة 112. 2 موظب وما بعدها أعلام بعضها أعلام أشخاص وهي "مورق، محبب، مكوزة، مزيد، موألة" وبعضها اسم موضع "موظب"، وبعضها علم جنس"تهلل: علم للباطل"، وقياسها أن تكون مورق وموظب وموئلة بكسر ثالثها تبعا لمضارعها المكسور، وتهل ومحب، بالإدغام، ومكازة ومزاد، بقلب الواو والياء ألفا، كما هو معلوم في التصريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وقد أبدلت التاء من السين لاما، وذلك في قولهم في العدد ست، وأصلها: سدس، لأنها من التسديس، كما أن خمسة من التخميس، ولذلك قالوا في تحقيرها: سديسة، ولكنهم قلبوا السين الآخرة تاء، لتقرب من الدال التي قبلها، وهي مع ذلك حرف مهموس، كما أن السين مهموسة، فصار التقدير: سدت، فلما اجتمعت الدال والتاء وتقاربتا في المخرج، أبدلوا الدال تاء، لتوافقها في الهمس، ثم أدغمت التاء في التاء فصارت: ست، كما ترى. وقد أبدلوا التاء أيضا من السين في موضع آخر، قرأت على محمد بن الحسن1 عن أبي العباس أحمد بن يحيى: يا قاتل الله بني السعلات عمرو بن يربوع شرار النات غير أعفاء ولا أكيات2 يريد الناس، وأكياس، فأبدلت السين تاء لموافقتها إياها في الهمس والزيادة وتجاور المخارج. وقالوا في طس3: طست. وأنشدنا أبو علي قال: أنشدنا أبو عثمان:   1 محمد بن الحسن: هو ابن مقسم. 2 الأبيات من مشطور الرجز ونسبها اللسان لعلباء بن أرقم اليشكري. وفيها يهجو الشاعر بني عمر بن يربوع، ويقال لهم بنو السعلاة، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع نكح سعلاة وهي "الغول" فأولدها أولادا. والنات: الناس: أبدل التاء من السين لأن السين فيها صفير، فاستثقله ومثلها أكيات فهي: أكياس جمع كيس وهو الفطن اللبيب. والشاهد في قوله "النات - أكيات" سبق شرحه. إعراب الشاهد: النات مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. أكيات: معطوف مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة. 3 الطس: الطست، وهو إناء كبير مستدير من النحاس. القاموس المحيط "2/ 224". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لو عرضت لأيبلي قس أشعث في هيكله مندس حن إليها كحنين الطس1 وقالوا: ختيت في معنى خسيس، فأبدلوا السين تاء. وأبدلت من الصاد أيضا، قالوا في لص: لصت، وأثبتوها أيضا في الجمع، قال الشاعر: فتركن نهدا عيلا أبناؤها ... وبني كنانة كاللصوت المرد2   1 هذه ثلاثة أبيات من مشطور الرجز، رواها اللسان في مادتي "طس، وقس" بهذا النص في الموضعين، وقال قبلهما في مادة طس: قال المازني: أنشدني أعرابي فصيح، وذكر الأبيات. والأيبلي: الراهب. مادة "أب ل" اللسان "1/ 11". والقس: رئيس للنصارى في العلم والدين. مادة "ق س س" اللسان "5/ 3625". والأشعث: وصف من شعث بوزن فرح: إذا تلبد شعره واغبر. اللسان "4/ 4581". ومندس: مدفون. وحن: صات من الشوق والطرب. والطس: لغة في الطست والتاء فيه مبدلة من السين وقيل: هي لغة طيء. مادة "ط س س". اللسان "4/ 2670-2671". والمعنى: لو رأى هذه الحسناء عابد عاكف على عبادته في معبده، منصرف عن الدنيا وزينتها، لما ملك نفسه ولصاح إعجابا بها، كما يصيت الطست. والشاهد في قوله "الطست" فقد جاء على الأصل بين أصلية والعرب تقلب السين الثانية تاء فتقول فيه الطست. إعراب الشاهد: الطس: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. 2 نهدا: اسم قبيلة من قبائل اليمن. عيلا: يتامى فقراء. بني كنانة: قبيلة أخرى. والمراد: أي المتمرن المتدرب. الشرح: لقد قتلنا رجال بني نهد وكنانة حتى تركنا صغارهم فقراء يتامى فصاروا كاللصوص الخبثاء أو الذين مرنوا على اللصوصية. الشاهد فيه إبدال الصاد تاء، في "اللصوت" فالأصل "اللصوص". إعراب الشاهد: اللصوت: اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فأما قول الأعرابي من بني عوف بن سعد: صفقة ذي ذعالت سمول بيع امرئ ليس بمستقيل1 وهو يريد الذعالب، فينبغي أن يكونا لغتين، وغير بعيد أن تبدل أيضا التاء من الباء، إذ قد أبدلت من الواو، وهي شريكة الباء في الشفة، والوجه أن تكون التاء بدلا من الباء، لأن الباء أكثر استعمالا، ولما ذكرناه أيضا من إبدالهم التاء من الواو. وأما قولهم فسطاس2: فستاط، فالتاء فيه بدل من الطاء، لقولهم في الجمع فساطيط، ولم يقولوا فساتيط، فالطاء إذن أعم تصرفا. وقالوا: أستاع يستيع، أي أطاع يطيع، فالتاء بدل من الطاء، لا محالة وقالوا: ناقة تربوت3، وأصلها دربوت، وهي فعلوت من الدربة، أي هي مذللة، فالتاء بدل من الدال.   1 ورد هذا البيت في اللسان وفي التاج في مادة "ذعلت" منسوبا إلى من ذكره المؤلف. الذعالت: الذعالب، جمع ذعلبة بكسرتين بينهما سكون، وهو طرف الثوب، أو ما تقطع منه. السمول: جمع سمل وهو الثوب البالي. مادة "س م ل". اللسان "3/ 2100". المستقيل: طالب فسخ البيع. مادة "ق ي ل". اللسان "5/ 3798". الشرح: هذه بيعة رجل يبيع ثياب بالية، فهو لا يطلب فسخ العقد. وصفقة قد تنصب على أنها مفعول مطلق وهو الوجه الذي نقله البغدادي عن ضبط ابن جني. ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف. الشاهد في قوله: "ذعالت" فقد أبدل الشاعر الباء تاء فالأصل ذعالب، وقد أورد ابن جني في المتن أنها لغة أخرى وأجاز الإبدال. إعراب الشاهد: صفقة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه. ذي: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء. ذعالت: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. سمول: نعت مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة. 2 الفسطاط: بيت يتخذ من الشعر. مادة "ف س ط" اللسان "5/ 3413". 3 تربوت: يقال ناقة تربوت أي تذللت، وقيل إذا انتفخت من عدو أو فزع. اللسان "3/ 1573". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 زيادة التاء : وأما الزيادة فقد زيدت التاء أولا في نحو: تالب1 وتجفاف2 وتعضوض3 وترتب4 وتنضب5. ومثل تجفاف تمثال وتبيان وتلقاء وناقة تضراب6، وزيدت ثانية في نحو: افتقار وافتقر واقتطاع واقتطع. وزيدت أيضا رابعة في سنبتة7، وهي القطعة من الزمان. قال الراجز8: رب غلام قد صرى في فقرته ماء الشباب عنقوان سنبته9 في معنى سنبتة. فهذه دلالة على زيادة التاء في سنبتة.   1 التالب: الشديد الغليظ المكتنز من حمر الوحش، من مادة "ت ل ب" اللسان "1/ 438". 2 التجفاف: ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح في الحرب. اللسان "1/ 642". 3 التعضوض: ضرب من التمر أسود موطنه هجر، شديد الحلاوة، واحدته تعضوضة. 4 الترتب: الأمر الثابت. مادة "ترب" اللسان "1/ 424". 5 التنضب: شجر له شوك قصار، وليس من شجر الشواهق، تألفه الحرابي. وينبت بالحجاز، وله شوك مثل شوك العوسج. مادة "ن ض ب". اللسان "6/ 4449". 6 ناقة تضراب: هي التي ضربها الفحل، وقيل: التي ضربت فلم يدر ألاقح هي أم لا. 7 السنبتة: السنبة وهي الحقبة من الدهر، يقال: مضى من الدهر سنبة. 8 الراجز: هو الأغلب العجلي، وكان مقدما أول من رجز وورد في الطبقات أنه كان له سرحة يصعد عليها ثم يرتجز. 9 رب: حرف جر يفيد التقليل. الغلام: الشاب. صرى الرجل ماءه يصريه صريا: حبسه في ظهره زمانا بامتناعه عن الوقاع. اللسان "4/ 2441". وقيل: صرى: اجتمع، لازم متعد. الفقرة: إحدى فقار الظهر، وهو يريد الفقار كلها على سبيل المجاز. والمعنى: رب غلام امتنع عن غشيان النساء وهو في عنفوان الشباب -حقبة من الدهر-. الشاهد في قوله: "سنبته" فقد زيدت فيها التاء والأصل "سنبة". إعراب الشاهد: سنبتة: مضاف إليه مجرور بالإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وزيدت أيضا خامسة في نحو: ملكوت وجبروت ورغبوت ورهبوت ورحموت وطاغوت. وسادسة في نحو: عنكبوت وترنموت1 وهو صوت ترنم القوس عند الإنباض2، قال الراجز3: تجاوب القوس بترنموتها4 أي بترنمها. وقد زيدت في أوائل الأفعال الماضية للمطاوعة، كقولك: كسرته فتكسر، وقطعته فتقطع، ودحرجته فتدحرج. ومن زيادتها في أوائل الأفعال الماضية، قولهم: تغافل وتعاقل وتجاهل. وتزاد في أوائل المضارعة لخطاب المذكر، نحو: أنت تقوم وتقعد، ولخطاب المؤنث، نحو: أنت تقومين وتقعدين، وللمؤنثة الغائبة، نحو: هي تقوم وتقعد،   1 ترنموت: الترنم وهو ترجيع الصوت. مادة "رنم". اللسان "3/ 1746". 2 الإنباض: تحريك القوس لترن. مادة "نبض". اللسان "6/ 4325". 3 البيت للغنوي وهو من الأعراب الفصحاء نقل عنه الأصمعي وغيره. 4 هذا البيت من مشطور الرجز وقد أورده اللسان في الأبيات الآتية في مادة "رنم" "3/ 1746". شريانة ترزم من عنتوتها ... تجاوب القوس بترنموتها تستخرج الحبة من تابوتها الشريانة: واحدة الشريان، وهو شجر صلب تتخذ منه القسي الجيدة. اللسان "4/ 2254". وترزم: لا تفتح فاها. مادة "رزم" اللسان "3/ 1673". العنتوت: الحز في القوس. والحبة: القلب. والتابوت: الأضلاع وما تحويه كالقلب والكبد وغيرهما. مادة "ت ب ت" اللسان "1/ 416". تجاوب: بصيغة المضارع من جاوبه مجاوبة. الترنموت: الترنم. يصف قومه فيقول: إنها بقوسها ووترها تطرب تطريبا من شأنه أن يخرج القلب من موضعه عند الرمي، وهذا كما يقال: طار قلبه من الطرب أو الفرح. الشاهد في قوله "ترنموت" وهي شاهد على مجيء التاء زائدة سادسة. إعراب الشاهد: ترنموتها: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة، والهاء: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وقد أنث بها لفظ الفعل الماضي، نحو قامت وقعدت، وتؤنث بها جماعة المؤنث نحو: قائمات وقاعدات. وأما قولهم في الواحدة قائمة وقاعدة وظريفة، فإنما الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل، والتاء هي الأصل، فإن قيل: وما الدليل على أن التاء هي الأصل، وأن الهاء بدل منها؟ فالجواب أن الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها، والوقف من مواضع التغيير، ألا ترى أن من قال من العرب في الوقف: هذا بكر، ومررت ببكر، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف، فإنه إذا وصل أجرى الأمر على حقيقته، فقال: هذا بكر، ومررت ببكر، وكذلك من قال في الوقف: هذا خالد، وهو يجعل، فإنه إذا وصل خفف الدال واللام، فقال: هذا خالد، وهو يجعل، على أن من العرب من يجري الوقف مجرى الوصل، فيقول في الوقف هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي: بل جوز تيهاء كظهر الحجفت1   1 هذا بيت من مشطور الرجز لسؤر الذئب، كما جاء في اللسان والإنصاف لابن الأنباري، وهو من أرجوزة عدتها أربعة عشرة بيتا رواها اللسان في مادة "حجف". جوز: قطع الطريق. أو اجتازه. مادة "ج وز" اللسان"1/ 724". التيهاء: المفازة يتيه فيها السالك ولا يهتدي "ج" أتياه. مادة "ت ي هـ" اللسان "1/ 463". الحجفة: الترس. مادة "ح ج ف". اللسان "2/ 782". وورد بعد هذا البيت بيت يوضح معناه يقول فيه: قطعتها إذا المها تجوفت المها: اسم جنس جمعي واحدته المهاة وهي البقرة الوحشية، وسميت بذلك لبياضها. تجوفت: دخلت جوف مخبئها. الشرح: يصف الشاعر نفسه بالقوة والجلادة فهو يستطيع أن يقطع المفازة التي يضل فيها السالكون في الوقت الذي تفر فيه أبقار الوحش إلى مخابئها. الشاهد: إبدال الهاء تاء في كلمة "الجحفت" عند الوقف. إعراب الشاهد: بل: بمعنى رب الجارة. جوز: اسم مجرور بـ"بل" أو برب المحذوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وأخبرنا بعض أصحابنا، يرفعه بإسناده إلى قطرب1 أنه أنشده2: الله نجاك بكفي مسلمت من بعدما وبعدما وبعدمت صارت نفوس القوم عند الغلصمت وكادت الحرة أن تدعى أمت3 وقد قلبوا هذا الأمر، فأجروا الشيء في الوصل على حد مجراه في الوقف، ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد ثلاثة ربعة، وعلى هذا قالوا في الوصل سبسبا4 وكلكلا5.   = تهياء: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الفتحة لأنه ممنوع من الصرف. والكاف: حرف جر. ظهر: اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة. والجار والمجرور في محل جر نعت لـ"تيهاء". الحجف: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. وهناك توجيه لـ"كظهر": فالكاف: اسم بمعنى مثل وتكون في هذه الحالة هي النعت لتيهاء. وظهر: تعرب مضاف إليه. وهو رأي سيذكره المؤلف في باب "الكاف". 1 قطرب: لقب أحد تلاميذ الخليل، ويدعى محمد بن المستنير النحوي، وقد لقبوه به لتعوده الذهاب إليه مبكرا والـ"قطرب" ذبابة لا تفتر عن الحركة لكثرة نشاطها. اللسان "5/ 3671". 2 الأبيات لأبي النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة بن عبد الله بن عبد الله بن الحرث العجلي من رجاز الإسلام الفحول المقدمين وفي الطبقة الأولى منهم. 3 الغلصمة: رأس الحلقوم. أمة: أسيرة. يقول: الله نجاك من الأعداء بكفي مسلمة بعدما كدت لا تفلت، واشتد الضيق بالناس وكادت النساء الحرائر يصرن إماء بالسبي. الشاهد فيه: قلب الألف هاء ثم قلب الهاء تاء لتناسب القافية في كلمة "بعدمت"، والذي سوغ لشاعر ذلك قرب الهاء المقدرة من هاء التأنيث في طلحة وحمزة، ولما كان يراهم قد يقولون في الوقف طلحت وحمزت، قال هو أيضا: "بعدمت". 4 السبسب: المفازة والأرض المستوية. مادة "س ب س ب" اللسان "3/ 1921". 5 الكلكل: صدر البعير. وقيل الصدر من كل شيء. مادة "ك ل ل" اللسان "5/ 3921". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قرأت على محمد بن الحسن1، عن أحمد بن يحيى2: من لي من هجران ليلي من لي ... والحبل من حبالها المنحل تعرضت لي بمكان حل ... تعرض المهرة في الطول3 يريد الطول. وأنشدني أبو علي أيضا هذه الأبيات، وفيها مما قرأته على محمد4 أيضا، ولم أروه عن أبي علي: ترى مراد نسعه المدخل ... بين رحى الحيزوم والمرحل مثل الزحاليف بنعف التل يريد المدخل والمرحل، وفيها أيضا ما قرأته على محمد، وأنشدناه أبو علي: نسل وجد الهائم المغتل ... ببازل وجناء أو عيهل كأن مهواها على الكلكل ... موقع كفي راهب يصلي5 يريد العيهل6 والكلكل7.   1 هو ابن مقسم. 2 أحمد بن يحيى: أبو العباس ثعلب نحوي كوفي ورأس من رءوس الكوفيين. 3 الطول: بوزن عنب، وتشدد اللام في الشعر: حبل تشد فيه الدابة من طرف، ويمسك طرفه الآخر بوتد أو نحوه، وتترك ترعى. مادة "ط ول" اللسان "4/ 2727". الشاهد في الأبيات هو تشديد اللام في الوقف، وإجراؤه في الوصل مجراه في الوقف، وذلك في أواخر بعض الأبيات وهي: الأول، وأدغل، والطول، والمدخل والمرحل، والعيهل والكلكل. 4 هو محمد بن الحسن بن مقسم. 5 هذه أرجوزة من مشطور الرجز، لمنظور بن مرثد الأسدي، ويقال فيها أحيانا منظور بن حبة الأسدي، وحبة أمه، فهو ينسب مرة إلى أبيه، ومرة إلى أمه، وعدة ما وجدنا من أبياتها ثمانية عشر بيتا، مفرقة في بطون الكتب، وقد وردت مجتمعة في شرح عبد القادر البغدادي لشواهد شرح الرضي على الشافية "ص248-250". 6 العيهل: الناقة الطويلة السريعة. مادة "ع هـ ل" اللسان "4/ 3152". 7 الكلكل: صدر الناقة. وسبق شرحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ومن أبيات الكتاب1: ضخما يحب الخلق الأضخما2 يريد الأضخم. ويروى: "الإضخما" و"الضخما"، ولا حجة فيهما3. فلما كان الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها في غالب الأمر، ومطرد اللغة، وكان الوقف مما يغير فيه الأشياء عن أصولها، ورأينا علم التأنيث في الوصل تاء نحو قائمتان بدل من التاء في الوصل.   1 كتاب سيبويه والذي سجل فيه كل ما حفظه عن الخليل بن أحمد إستاذه. 2 هذا البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وهو أحد الرجال المشهورين في العصر الإسلامي وعده ابن سلام في الطبقة التاسعة من الإسلاميين مع غيره من الرجاز كأبي النجم والعجاج. قال الأعلم في شرحه لشواهد الكتاب: أراد الأضخم، فشدد في الوصل ضرورة، تشبيها بما يشدد في الوقف، إذ قبل هذا أكبر وأعظم، ولو قال الأضخم فوقف على الميم لم تكن فيه ضرورة ولكنه لما وصل القافية بالألف خرجت الميم عن حكم الوقف، لأن الوقف على الألف لا عليها. إعراب الشاهد: ضخما: نعت لـ"حية" منصوب على حسب رواية ابن جني. وعلى رواية سيبويه بالرفع: يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره "هو". يحب: فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبق بناصب ولا جازم، والفاعل مستتر تقديره هو. الخلق: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة. الأضخما: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة. وجملة "يحب الخلق" في محل نصب صفة ثانية لـ"حية" على رأي من نصب ضخما. أو في محل رفع صفة لـ"ضخم" على رأي من رفع ضخما. 3 أي في الأضخم بكسر الهمزة، والضخم، بكسر الضاد، مع تشديد الميم فيهما لأن هذين الوزنين قد وردا كثيرا في كلام العرب مثل: إردب، وإرزب، ومثل خدب وهجف، فتشديد آخرهما غير طارئ للوقف، هذا بخلاف أضخم بفتح الهمزة وتشديد الميم فإن تشديد آخره طارئ للوقف، إذ ليس في الأوزان العربية وزن "أفعل" بفتح الهمزة وتشديد اللام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فأما قول الآخر1: العاطفونه حين ما من عاطف ... والمسبغون يدا إذا ما أنعموا2 ففيه قولان: أحدهما: أنه أراد أن يجريه في الوصل على حد ما يكون عليه في الوقف، وذلك أنه يقال في الوقف: هؤلاء مسلمونه، وضاربونه، فلتحق الهاء لبيان حركة النون، كما أنشدوا3: أهكذا يا طيب تفعلونه أعللا ونحن منهلونه4 فصار التقدير: العاطفونه.   1 البيت من قصيدة لأبي وجزة السعدي يمدح آل الزبير بن العوام. 2 العاطفون: المشفقون على الضعفاء. المسبغون: المكملون المتمون. مادة "سبغ". اللسان "3/ 1927". الشرح: يمدح الشاعر آل الزبير فيقول "إن آل الزبير أفضل كنف نحتمي به من النائبات، إنهم يعطفون على الفقراء ويكرمونهم بأشهى الأطعمة، إنهم يمنعون الظلم والقهر ويتحملون الديات عن أصحاب المغارم. الشاهد في قوله: "العاطفونه" حيث وصل التاء مفتوحة بالعاطفون، وقد بين المؤلف الوجهين في أصل هذه التاء، كما سيتضح بعد. إعراب الشاهد: العاطفونه: خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هم" والخبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم. 3 لم نعثر على قائل البيتان. 4 العلل: العل وهو الشربة الثانية، والشرب بعد الشرب تباعا. اللسان "4/ 3078". النهل: أول الشرب، تقول: أنهلت الإبل ونهلت الإبل وهو أول سقيها. اللسان "6/ 4562". والشاهد في قوله: "تفعلونه - منهلونه" فقد لحقتهما هاء السكت لبيان حركة النون. إعراب الشاهدين: تفعلون: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون، وواو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون المطلق في محل رفع فاعل. منهلونه: خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو لأنه جمع مذكر سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ثم إنه شبه هاء الوقف بهاء التأنيث، فلما احتاج لإقامة الوزن إلى حركة الهاء قلبها تاء، كما تقول في الوقف: هذا طلحة، فإذا وصلت صارت الهاء تاء، فقلت: هذا طلحتنا، فعلى هذا قال: العاطفونة. ويؤنس بصحة هذا القول قليلا ما أنشدناه آنفا من قول الراجز1: من بعدما وبعدما وبعدمت صارت نفوس القوم عند الغلصمت2 أراد: وبعدما، فأبدل الألف في التقدير هاء، فصار: وبعدمه، كما أبدلها الآخر من الألف، فقال -فيما أخبرنا به بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قطرب أيضا-: قد وردت من أمكنه من ها هنا ومن هنه إن لم أروها فمه3 يريد: من هنا، فأبدل في الوقف هاء، فقال: "من هنه". فأما قوله: "فمه؟ " فالهاء فيه تحتمل تأويلين:   1 الراجز: هو من ينشد الرجز وهو بحر من بحور الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ويأتي منه المشطور والمنهول. مادة "ر ج ز" اللسان "3/ 1588". 2 سبق شرح هذه الأبيات والتعليق عليها وإعراب الشاهد فيها. 3 هذه الأبيات لم نعثر على قائلها فيما بأيدينا من كتب اللغة. ووردت: أي وصلت إلى الماء. الشرح: لقد وصلت الإبل إلى الماء من أمكنة مختلفة من هنا ومن هنا ومن هناك وإن لم أستطع إرواء إبلي فاكفف عني لسانك، أو أن لم أستطع إرواء إبلي فماذا أصنع؟ الشاهد: في قلب الألف في "هنا" وفي "ما" هاء. إعراب الشاهد: هنا: اسم إشارة للمكان القريب مبني على السكون المطلق في محل جر. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره "أصنع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أحدهما: أنه أراد: "فما" أي إن لم أرو هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا فما؟ أي فما أصنع؟ منكرا على نفسه ألا يرويها، فحذف الفعل الناصب لما التي للاستفهام. والوجه الآخر: أن يكون أراد: إن لم أروها1 فمه، أي فاكفف2 عني، فلست بشيء ينتفع به، وكأن التفسير الأول أقوى في نفسي، فصار التقدير على هذا: من بعدما، وبعدما، وبعدمه" ثم إنه أبدل الهاء تاء، لتوافق بقية القوافي التي تليها ولا تختلف، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة في بعدمه، بهاء التأنيث في طلحة وحمزة. ولما كان يراهم قد يقولون في بعض المواضع في الوقف: هذا طلحت وهذا حمزت، قال هو أيضا "وبعدمت"، فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيها لفظيا، كما قال الآخر3: يحدو ثماني مولعا بلقاحها ... حتى هممت بزيغة الإرتاج4 فلم يصرف ثماني لشبهها بجواري: لفظا لا معنى.   1 أروها: أسقها. مادة "روى". 2 اكفف عني: امتنع عن لومي ومعاتبتي. مادة "كفف". 3 البيت لابن ميادة كما ورد في اللسان "1/ 508"، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه "2/ 17". 4 يحدو: يسوق. مادة "حدا". اللسان "2/ 807". مولعا: محبا أشد الحب من ولع بالشيء ولعا إذا تلعق به بشدة. اللسان "6/ 4916". اللقاح: من لقحت الناقة إذا نزى عليها الفحل فأحبلها. مادة "لقح". اللسان "5/ 4057". الزيغة: إزلاق وإنزال. مادة "ز ي غ". اللسان "3/ 1900". الإرتاج: قيل: ارتجت الناقة إذا امتلأ بطنها. مادة "ر. ت. ج". اللسان "3/ 1576". الشرح: يصف الشاعر إبلا أولع راعيها بلقاحها حتي لقحت، ثم حداها أشد الحداء، ثم همت بإزلاق ما ارتجت عليه أرحامها من الأجنة والزيغ بها، وهو إزلاقها وإسقاطها. الشاهد فيه: ترك صرف "ثماني" تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل، كأنه توهم واحدتها، ثمنية كحذرية ثم جمع فقال: ثمان، كما يقال: حذار في جمع حذرية، والمعروف في كلام العرب صرفها، على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب، نحو يمان ورباع، فإذا أنث قيل: ثمانية، كما قيل: يمانية، وفرس رباعية. إعراب الشاهد: ثماني: مفعول به منصوب بالمفعولية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أولا ترى أن أبا عثمان قال في قول الآخر1: ولاعب بالعشي بني بنيه ... كفعل الهر يحترش العظايا فأبعده الإله ولا يؤبى ... ولا يسقى من المرض الشفايا2 "وأخذه على أبو علي وقت قرائتي تصريف أبي عثمان عليه فقال: ولا يشفى"3 إنه شبه ألف النصب في العظايا4 والشفايا بهاء التأنيث في نحو: عظاية وصلاية5. يريد أبو عثمان أنه صحح الياء وإن كان طرفا، لكنه شبه الألف التي تحدث عن فتحة النصب بهاء التأنيث في نحو: عظاية وعباية، فكما أن الهاء فيهما صححت الياء قبلها، فكذلك صححت ألف النصب في العظايا والشفايا الياء التي قبلها، وهذا ونحوه مما قال سيبويه فيه: "وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها. وإذا جاز أن تشبه هاء "وبعدمه" بتاء التأنيث، حتى يقال فيها: "وبعدمت" جاز أن تشبه هاء العاطفونه اللاحقة لبيان حركة النون، بهاء التأنيث، فيقال: العاطفونة، وفتحت التاء كما فتحت في آخر ربت وثمت6 وكيت وذيت، فهذا أحد القولين في العاطفونه.   1 هذان البيتان لأعصر بن سعد بن قيس عيلان، واسمه منبه بن سعد، وهو أبو غني وباهلة والطفاوة. 2 يحترش: يتعرض لها ليهيجها فتخرج. والعظايا: السحلية. الشرح: حين يكبر المرء في العمر يكرهه من يحيطون به ويتمنون لو سقوه سما كي يتخلصوا منه. الشاهد في الأبيات: أنه شبه ألف الإطلاق، بهاء التأنيث في أنها جعلت الياء في "عظاي" و"شفاي" ليست ظرفا فلم تقلب همزة وثبتنت على أصلها. إعراب الشاهد: العظايا: مفعول به منصوب بالمفعولية. الشفايا: نائب فاعل مرفوع. 3 العبارة التي بين القوسين: جملة معترضة بين قول أبي عثمان المازني ومقولة ذكرها ابن جني ليبين ما أخذه عليه أبو علي في روايته، "ولا يسقي" بالسين المهملة والقاف المعجمة باثنتين، وصححها أبو علي بالشين المعجمة، والفاء. 4 العظايا: اسم جنس جمعي، واحدة العظاءة، وهي دويبة على خالقة سام أبرص، أكبر منه قليلا. مادة "ع ظ ي" اللسان "4/ 3006". 5 صلاية: مدق الطيب، ويقال: صلاءة. مادة "ص ل أ". اللسان "4/ 2492". 6 ثمت: أصلها "ثم" حرف عطف يفيد التراخي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وقال قوم آخرون: إنما هم العاطفون، مثل القائمون والقاعدون، ثم إنه زاد التاء في "تحين"، كما زادها الآخر في قوله1: نولي قبل نأي دار جمانا ... وصليه كما زعمت تلانا2 أراد الآن، وهذا الوجه اشد انكشافا من الأول. وقال أبو زيد: سمعت من يقول: "حسبك تلان3" يريد الآن، فيزيد التاء، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر4: إذا اغتزلت من بقام الفرير ... فيا حسن شملتها شملتا5 فقال فيه: إنه شبه هاء التأنيث في شملة بالتاء الأصلية في نحو: بيت وصوت، فألحقها في الوقف عليها ألفا، كما تقول: رأيت بيتا، فشملتا على هذا منصوبة على التمييز، كما تقول: يا حسن وجهك وجها، أي من وجه.   1 البيت لعمرو ابن أحمر الباهلي، ورواه ابن الأنباري في الإنصاف "1/ 110" المسألة الرابعة عشر. 2 نولي: من النوال، وأصله العطاء، والمراد هنا ما يزود المحب. اللسان "6/ 4594". جمانا: منادى مرخم جمانة وهو اسم امرأة. اللسان "1/ 689". مادة "ج م ن". والنأي: البعد والفراق. مادة "نأى". اللسان "6/ 4850". الشرح: يطلب الشاعر من محبوبته أن تصله قبل الفراق. الشاهد في قوله: "تلانا" فقد أراد الآن. 3 ومنه ما وقع في حديث لابن عمر حين ذكر لرجل مناقب عثمان. قال صاحب اللسان في "أين": سأل رجل ابن عمر عن عثمان "قال: أنشدك الله، هل تعلم أنه فر يوم أحد، وغاب عن بدر، وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر: أما فراره يوم أحد فإن الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} ، وأما غيبته عن بدر، فإنه كانت عنده بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت مريضة، وذكر عذره في ذلك، ثم قال: "اذهب بهذه تلآن معك". 4 لم نعثر على قائل هذا البيت، وقد رواه ثعلب في مجالسه "2/ 442". 5 البقام: جمع بقامة وهي الصوف يغزل لبها، ويبقى سائرها، مادة "ب ق م". اللسان "1/ 329". الفرير: الحمل إذا فطم وأخصب وسمن. مادة "فرر" اللسان "5/ 3376" وأصلها "الفرار". والشملة: كساء دون القطيفة يشتمل به، والجمع شمال. اللسان "4/ 2331". الشاهد في "شملتا" على الوجه الذي بينه المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 واعلم أن للتاء ميزانا وقانونا يعرف به من طريق القياس كونها أصلا أو زائدة فإذا عدمت الاشتقاق في كلمة فيها تاء أو نون، فإن حالها فيما أذكره لك سواء: فانظر إلى التاء أو النون، فإن كان المثال الذي هما فيه أو إحداهما، على زنة الأصول، فاقض بأنهما زائدتان، مثال ذلك قولنا: عنتر1، فالنون والتاء جميعا أصلان، لأنهما بإزاء العين والفاء من جعفر2، ألا ترى أن في الأصول مثال فعلل؟ وكذلك النون في نحو: حنزقر3 أصل، لأنها بإزاء الراء من جردحل4 وقرطعب5، وكذلك التاء في فرتاج6 هي أصل لأنها الدال من سرداح 7، والطاء من قرطاس، وكذلك التاء من صعتر أصل، لأنها بإزاء الفاء من جعفر، والضاد من قعضب8. فأما التاء في ترتب9 فزائدة، لأنه ليس في الأصول جعفر، وكذلك تدرأ10 أيضا لا فرق بينهما. هذا من طريق القياس، وقد شهد به أيضا الاشتقاق، لأن ترتب من الشيء الراتب، وتدرأ من درأت، أي دفعت. وكذلك نون نرجس11 زائدة، لأنه ليس في الأصول مثل جعفر، بكسر الفاء.   1 عنتر: الذباب الأزرق، واحدته "عنترة". مادة "ع. ن. ت. ر". اللسان "4/ 3122". 2 جعفر: الجعفر: النهر والناقة الغزيرة اللبن "ج"جعافر. مادة "ج. ع. ف. ر". 3 الحنزقر والحنزقرة: القصير الدميم من الناس. مادة "حنزقر" اللسان "2/ 1022". 4 الجردحل من الإبل: الضخم. مادة "جردحل". اللسان "1/ 590". 5 القرطعب: اسم جنسي جمعي، واحدته قرطعبة، وهي القطعة من الخرقة. اللسان "5/ 3593". 6 الفرتاج: سمة من سمات الإبل، حكاه أبو عبيد، ولم يصفها، واسم موضع أيضا. 7 السرداح، والسرداحة: الناقة الطويلة، وقيل: كثرة اللحم، ويطلق أيضا على جماعة الطلح. واحدته سرداحة. مادة "س ر د ح". اللسان "3/ 1988". 8 القعضب: الضخم الشديد الجريء. مادة "ق ع ض ب". اللسان "5/ 3694". 9 الترتب: الشيء المقيم الثابت. وسبق شرحها. 10 التدرأ: العدة والقوة، يقال: سلطان ذو تدرأ، أي ذو عدة وقوة على دفع أعدائه. 11 نرجس: نبت من الرياحين، وهو من الفصيلة النرجسية، ومنه أنواع تزرع لجمال زهرها وطيب رائحتها وزهرته تشبه بها الأعين، واحدته "نرجسة". اللسان"6/ 4392". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فأما تولب1 فتاؤه أصل، والواو زائدة، لأن فوعلا في الكلام أكثر من تفعل. وأما نون نهشل2 وتاء ترخم3 فأصلان، لأنهما بإزاء سين سلهب4. وأما تألب فتاؤه زائدة، يدل على ذلك الاشتقاق، لأنهم يقولون: ألب الحمار آتنه5 يألبها. وأما تاء سنبتة فلولا الاشتقاق أيضا لقضينا بأنها أصل، لأنها بإزاء جيم عرفجة6 ولكنهم لما قالوا في معناها سنبة7، دل ذلك على زيادتها. وأما نون قنفخر8 فلولا الاشتقاق أيضا لقضينا بأنها أصل، ولكنهم ردوه إلى لفظ امرأة قفاخرية، والقنفخر: كل شيء فاق في حسنه، والقفاخرية: النبيلة العظيمة النفيسة من النساء، وكذلك تاء تجفاف9 لولا الاشتقاق لوجب القضاء بأصليتها، لأنها بإزاء قاف قرطاس، ولكنهم ذهبوا فيه إلى أنه من معنى الصلابة والجفاف. وأما نون نبراس10 فقد ذهب إلى زيادتها، واشتق له من معنى البرس، وهو القطن، لأن النبراس: المصباح، والفتيلة أبدا في غالب الأمر في قطن. وأما تاء تلنة11 فأصل، لقولهم في معناه تلونة، وتلونة: فعولة بلا كلام، وهي الحاجة.   1 التولب: ولد الأتان من الحمار الوحشي إذا استكمل الحول، والجحش. "ج" "توالب". 2 نهشل: النهشل: الذئب، والقر. مادة "نهشل". اللسان "6/ 4559". 3 ترخم: يقال: ما أدري أي ترخم هو: أي: أي الناس هو. اللسان "3/ 1618". وفيه لغات: ضم التاء مع الخاء وفتحها، وفتح التاء مع ضم الخاء. مادة "رخم". 4 السلهب: الطويل من الناس والخيل "ج" سلاهب، وسلاهبة. مادة "س. ل. هـ. ب". 5 ألب الحمار آتنه: أي طردها طردا شديدا، وآتنه: أنثاه. مادة "أل ب" اللسان "1/ 106". 6 العرفجة: واحدة العرفج وهو نبت طيب الريح، أغبر إلى الخضرة، وله زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك. مادة "عرفج" اللسان "4/ 2902". 7 السنبة: الحقبة من الدهر، يقال: عشنا بذلك سنبة وسنبتة. سبق تخريجها. والتاء في سنبتة ملحقة على قول سيبويه. قال: يدل على زيادة التاء أنك تقول: سنبة، وهذه التاء في التصغير تثبت، تقول: سنيبتة، لقولهم في الجمع سنابت. 8 القنفخر: الفأر الناعم الضخم الجثة والفائق في نوعه، على ما ذكر السيرافي. اللسان "2/ 119". 9 التجفاف: ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراح. 10 النبراس: المصباح. 11 التلنة: الحاجة. مادة "تلن" اللسان "1/ 443". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وإذا رأيت النون في كلمة خماسية ثالثة ساكنة، فاقض بزيادتها، نحو قرنفل1 وسلنطح2 وبلندح3 وجرنبذ4 وجرنفس5. وإنما ذكرت بعض أحكام النون في حرف التاء، لاشتراكهما في هذه القضية. وإذا وصلنا إلى حرف النون بإذن الله أحلنا في هذا الفن على هذا الفصل. واعلم أن التاء تكون اسما مضمرا نحو تاء قمت وقمت وقمت، وتكون حرف للخطاب نحو تاء أنت وأنت، وسترى هذا مفصلا إن شاء الله تعالى. وقد 6 حذفت التاء عينا في سه، وأصلها سته، قال: رقاب كالمواجن خاظيات ... وأستاه على الأكوار كوم7   1 القرنفل: جنس أزهار مشهورة تسمى: المشترى، وهي من الفصيلة القرنفلية، تزرع في البلاد الحارة لاستعمال براعم أزهارها المجففة تابلا. مادة "قرنفل" اللسان "5/ 3615". 2 السلنطح: قال الفيروز أبادي، المسلنطح الفضاء الواسع. القاموس"1/ 288". 3 البلندح: الرجل القصير السمين. القاموس "1/ 215". 4 الجرنبذ: كغضنفر الغليظ، وبهاء الذي لأمه زوج. القاموس "1/ 348". 5 الجرنفس: الضخم الشديد من الرجال. اللسان "1/ 608". 6 من هنا إلى آخر باب حرف التاء غير موجود في النسخ كلها في باب التاء ولكن المؤلف ألحقه بآخر حرف الجيم، وقال: وينبغي أن يكون في حرف التاء فنقله إلى هذا الموضع على حسب إشارة المؤلف. 7 نسب أبو زيد البيت إلى علي بن طفيل السعدي ونسبه صاحب اللسان والتاج إلي عامر بن الطفيل السعدي. المواجن: جمع ميجنة وهي مدقة القصار. الخاظيات: كثيرات اللحم. والأستاه: جمع الستة وهي الاست والاست العجز وقد يراد به حلقة الدبر وفيها لغات: السه، والست، ويقال لأراذل الناس: أستاه، وابن استها: ابن الأمة وولد الزنا. اللسان "3/ 1936". الأكوار: الرحال بأدواتها واحدها كور. مادة "ك ور" اللسان "5/ 3952". الكوم: جمع كوماء، وهي عظيمة العجز. مادة "ك وم" اللسان "5/ 3958". الشرح: يصف الشاعر بعض النساء وصفا حسيا فهن لهن راقب سمينة بضة وأعجازهن ممتلئات. الشاهد: وورد التاء محققة في كلمة أستاه جمع سته. إعراب الشاهد: أستاه: مبتدأ مرفوع بالضمة، وخبره محذوف تقديره "لهن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 باب الثاء : الثاء: حرف مهموس، وهو أحد حروف النفث1، ومحله من الذال محل التاء من الدال2، ولا تكون إلا أصلا، فاء أو عينا أو لاما، فالفاء نحو ثمر وثبت، والعين نحو جثل3 وخثر4، واللام نحو فحث5 وبعث. واعلم أن الثاء إذا وقعت فاء في افتعل وما تصرف منه قلبت تاء، وأدغمت في تاء افتعل بعده، وذلك قولهم في افتعل من الثريد6 اترد، وهو مترد، وإنما قلبت تاء، لأن الثاء أخت التاء في الهمس، فلما تجاورتا في المخارج أرادوا أن يكون العلم من وجه واحد، فقلبوها تاء، وأدغموها في التاء بعدها، ليكون الصوت نوعا واحدا، كما أنهم لما أسكنوا تاء وتد تخفيفا أبدلوها إلى لفظ الدال بعدها، فقالوا: ود، ومثل ذلك قولهم في افتعل من الثأر: اتأر, وفي افتعل من ثنى: اتنى. قال7: والنيب إن تعرمني رمة خلقا ... بعد الممات فإني كنت أتئر8   1 النفث: إخراج الهواء من بين الثنايا وأسلة اللسان. مادة "ن ف ث" اللسان "6/ 4491". 2 يقصد بالجملة "محله من الذال محل التاء من الدال": توحدهما في المخرج. 3 الجثل من الشجر والشعر: الكثير الملتف أو ما غلظ وقصر منه أو ما كثف واسود. 4 يقال دثر الشجر: إذا أورق، والرسم إذا قدم، والثوب إذا اتسخ، والسيف إذا صدئ. 5 فحث: من فحث عن الخبر: أي بحث عنه. مادة "فحث" اللسان "5/ 3354". 6 الثريد: مدقوق الخبز مع قطع اللحم ويكون الخبز مبللا بالمرق. مادة "ثرد" اللسان "1/ 476". 7 البيبت للبيد وهو من فحول الشعراء في الجاهلية وله شعر جيد. 8 النيب: جمع ناب وهي الناقة المسنة. مادة "ن ي ب" اللسان "6/ 4591". تعرمني: فيها عدة تأويلات: فجيوز أن تكون من "عري" بكسر الراء: بمعنى التخلص من الشيء، والمعنى: أن تخلص مني ومن إتعابي بعد مماتي، فإني كنت في حياتي أثأر منها. ويجوز أن تكون "تعر" بضم الراء من الإعراء: أي الإعطاء، يقال: أعريته النخلة: إذا أعطيته ثمرتها، ويكون المعنى: إنها إن أعطيت عظامي لتقضمها فإني كنت أثأر منها في حياتي. ويروى "تعرمني" بفتح التاء وضم الراء وفتح الميم، من عرمت العظم إذا عرقت ما عليه من اللحم والمعنى: أنها إن كانت تأكل رمتي بعد مماتي، فإني كنت أثأر منها في حياتي بنحرها للضيقان. والشاهد في قوله "أتئر" فقد قلبت الثاء تاء لقربها منها في المخرج. إعراب الشاهد: أتئر: فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنا. والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر كنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وقال1: بدا بأبي ثم اتنى ببني أبي ... وثلث بالأدنين ثقف المخالب2 هذا هو المشهور في الاستعمال، وهو أيضا القوي في القياس، ومنهم من يقلب تاء افتعل ثاء، فيجعلها من لفظ الفاء قبلها، فيقول: اثرد واثأر، وأثنى، كما قال بعضهم في ادكر: اذكر. وفي اصطلحوا اصلحوا. وقرأت على أبي علي عن أبي بكر3، عن أبي العباس4، عن أبي عثمان5 أن بعضهم قرأ: "أن يصلحا"6، وعلى هذا قالوا: اصبر في اصطبر، وازان في ازدان. وقرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب، قال: يقال: هي فروغ الدلو7 وثروغها، فالثاء إذن بدل من الفاء، لأنه من التفريغ.   1 ذكره في اللسان دون أن ينسبه"1/ 513" مادة "ثنى". 2 بدا: بدأ. اتنى: انثنى. الأدنين: الأقربين. ثقف: حاد أو مسنون. المخالب: ظفر كل سبع من الماشي والطائر، والواحد مخلب. ثقف المخالب كناية عن الموت. الشرح: لقد بدأ الموت بأبي ثم إخوتي ثم انثنى على الأقربين حتى لم يعد لي قريب. الشاهد في قوله "اتنى" فأصلها "اثنى" ثم أبدلت الثاء تاء لقربها منها في المخرج. 3 أبو بكر: هو ابن السراج أستاذ أبي علي الفارسي. 4 أبو العباس: هو المبرد. 5 أبو عثمان: هو المازني. 6 هذه قرءة الجحدري وأبي عثمان البتي، والمعنى: أن يصطلحاه فأبدل ثم أدغم. انظر/ تفسير القرطبي عند قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] 7 فروغ الدلو: جمع فرغ، وهو مخرج الماء منها من بين العرافي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 فأما قولهم في أثاف1 أثاث، بالثاء فمن كانت عنده أثفية أفعولة، وأخذها من ثفاه يثفوه، فالثاء الثانية في أثاث بدل من الفاء في يثفوه، ومن كانت عنده "فعلية" فجائز أن تكون الثاء بدلا من الفاء. لقول النابغة2: وإن تأثفك الأعداء بالرفد3 وجائز أن تكون من أث يئث: إذا ثبت واطمأن. لأنهم يصفون الأثافي بالخلود والركود. والوجه أن تكون الثاء بدلا من الفاء أيضا، لأنا لم نسمعهم قالوا أثية.   1 أثاف: جمع أثفية وهي إحدى ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر. مادة "أث ف" اللسان "1/ 27". 2 النابغة: أبو أمامة زياد بن معاوية الذبياني، لقب بالنابغة لنبوغه في الشعر كبيرا، مدح النعمان بن المنذر وغيره، وهو أحد فحول الشعراء المقدمين، عده ابن سلام في الطبقة الأولى مع زهير وامرئ القيس والأعشى. 3 هذا شطر بيت وأوله: لا تقذفني بركن لا كفاء له الكفاء: النظير والمثل. مادة "ك ف أ" اللسان "5/ 3892". تأنفك الأعداء: صاروا حولك كالأثافي، وهي الجماعات من الناس. الشرح: لا ترميني بما لا أحتمل. الشاهد: شرحه المؤلف في المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 باب الجيم : الجيم: حرف مجهور، يكون في الكلام على ضربين: أصلا وبدلا. فإذا كان أصلا وقع فاء، وعينا، ولاما، فالفاء نحو: جعل1، وجعل، والعين نحو: جحر وحجر، واللام نحو: خرج وخرج. وإذا كانت بدلا فمن الياء لا غير، قرأت على أبي علي2، عن أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب بن السكيت، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: حدثني خلف3 قال: أنشدني رجل من أهل البادية، وقرأتها عليه4 في الكتاب5: عمي عويف وأبو علج المطعمان اللحم بالعشج وبالغداة كسر البرنج تقلع بالود وبالصيصج6 يريد: أبو علي، وبالعشي، وبالصيصية، وهي قرن البقرة.   1 الجعل: الجعالة وهي ما يجعل على العمل من أجر. مادة "ج. ع. ل". اللسان "1/ 637". 2 هو أبو علي الفارسي أستاذ ابن جني. 3 خلف: هو خلف الأحمر أحد رواة الشعر وكان ينتحل الشعر وينسبه للأعراب. 4 الضمير في عليه لأبي على الفارسي. 5 الكتاب: كتاب سيبويه. 6 الأبيات لرجل من بني سعد، وكانوا يبدلون الياء المشددة أو المخففة جيما في الوقف، أو في الوصف إذا أجروه مجرى الوقف كما في أبياتنا، وقد رويت بعدة روايات منها خالي بدلا من عمي، وروي فلق وكتل وقطع مكان كسر. الفلق والكتل: القطع من الشيء. مادة "ف ل ق". اللسان "5/ 3462". والبرني: هو نوع من أجود التمر ملتصق بعضه ببعض. مادة "ب ر ن". اللسان "1/ 270". الود: لغة في الوتد، وهي لغة تميمية تنسب لبني تميم. مادة "ود د" اللسان "6/ 4794". الصيص: جمع صيصة وهي قرن البقر. مادة "ص ي ص". اللسان "4/ 2537". ويرى المؤلف أنه ألحقهما ياء النسبة وإن لم يكن منسوبا في المعنى. الشاهد في قوله: "أبو علج - العشج - البرنج - الصيصيج" فقد أراد "أبو علي، العشي، البرني، الصيصي". وقد شرح المؤلف ذلك في المتن. إعراب الشاهد: أبو: معطوف على عويف مرفوع وعلامة الرفع الواو. علي: مضاف إليه مجرور. العشي: اسم مجرور. البرني: مضاف إليه مجرور. الصيصي: اسم مجرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ فقال: فقيمج. قال: قلت: من أيهم؟ قال: مرج، يريد: فقيمي، ومري. وأنشد لهيمان بن قحافة السعدي: يطير عنها الوبر الصهابجا1 يريد الصهابي، من الصهبة. وقال يعقوب: بعض العرب إذا شدد الياء جعلها جيما. وأنشد عن ابن الأعرابي: كأن في أذنابهن الشوال من عبس الصيف قرون الإجل2 يريد: الأبل.   1 هذا بيت من مشطور الرجز، نسبه اللسان "4/ 2514" لـ"هيمان بن قحافة السعدي" وهو أحد بني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقيل أحد بني عامر بن عبيد بن الحارث، راجز إسلامي محسن. الوبر: ما يغطي الإبل من شعر. الصهابي من الوبر والشعر: الذي فيه شقرة. الشاهد في قوله "الصهابجا" فأصله الصهابي، أبدل الياء جيما. إعراب الشاهد: يطير: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والفاعل مستتر تقديره هو. عنها: جار ومجرور. الوبر: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الصهابجا: نعت منصوب بالتبعية. 2 البيتان لأبي النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة بن عبيد الله العجلي أحد رجاز الإسلام وعده ابن سلام رأس الرجاز الإسلاميين. الأذناب: جمع ذنب وهو الذيل. مادة "ذ ن ب". اللسان "3/ 1519". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 قال: وأنشد الفراء1: لاهم أن كنت قبل حجتج فلا يزال شاحج يأتيك بج أقمر نهات ينزي وفرتج2 ويروى: شامخ، يعني بعيرا مستكبرا. انقضت الحكاية عن أبي علي.   = الشوال: جمع شائل بلا هاء وهي الناقة التي تشول بذنبها أي ترفعه، والشات أيضا: الذنب، يقال شال الذنب: إذا ارتفع. العبس: ما يبس على هلب الذنب من البول والبعر، وإنما أضاف العبس إلى الصيف هنا لأنه يكون أقوى وأصلب، فشبهه بقرون الإبل، لأنها أصلب من قرون غيرها. الإجل: الذكر من الأوعال. مادة "أجل" اللسان "1/ 33". الشرح: يصف الشاعر ما جف على أذناب الإبل من روث وبعر ويشبهه في يبوسته بقرون الوعل. الشاهد: قلب الياء المشددة جيما مع أنها ليست طرفا في كلمة الإجل. إعراب الشاهد: الإجل: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة الجر الكسرة الظاهرة على آخره. 1 الفراء: أحد النحاة الكوفيين. 2 الأبيات من مشطور الرجز ونسبها أبو زيد في نوادره "ص164" لرجل من اليمن. لاهم: يريد اللهم. الحجة: المرة من الحج. والشاجح: الصائت ويراد به هنا البغل أو الحمار. وروي الشامخ بدل الشاحج. ونهات: نهاق. وينزي: يحرك. الوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن. الشرح: اللهم إن تقبل حجتي هذه فسوف أستمر في الحج على حماري أو بغتلي. الشاهد في قوله: إبدال الياء جيما في "حجتج، بج، وفرتج"، وأصلها "حجتي، وبي، وفرتي". إعراب الشاهد: حجتي: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة، منع من ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. بي: جار ومجرور. وفرتي: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقال1: حتى إذا ما أمسجت وأمسجا2 يريد: أمست وأمسى. وهذا أحد ما يدل على ما ندعيه من أن أصل رمت: رميت، وغزت: غزوت، وأعطت: أعطيت، واستقصت: استقصيت، وأمست: أمسيت. ألا ترى أنه لما أبدل الياء من أمسيت جيما، والجيم حرف صحيح يحتمل الحركات، ولا يلحقه الانقلاب الذي يلحق الياء والواو، صححها كما يجب في الجيم، فدل أمسجت على أن أصل أمست: أمسيت، وكذلك قال أيضا: أمسجا، فدل ذلك على أن أصل أمسى: أمسي، وأن أصل رمى: رمي، وأصل غزا: غزو، وأصل دعا: دعو، ودل ذلك أيضا على أن أصل عصا: عصو، وأصل قطا وقنا وحصى وفتى: قطو3، وقنو4، وحصي، وفتي، فبهذا ونحوه ما استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} على أن أصل استقام: استقوم. وأصل استباع استبيع. ولولا ما ظهر من هذا ونحوه لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، ولما جاز ادعاؤهم إياها.   1 قائل هذا البيت هو العجاج: أحد الرجاز الإسلاميين، عده ابن سلام في الطبقة التاسعة. 2 وهذا بيت من مشطور الرجز رواه اللسان في مادة "مسى" "6/ 4206". الشاهد فيه: إبدال الياء جيما في أمسجت وأمسجا، فأصلها كما ذكر المؤلف أمست وأمسى. 3 قطوا: من قطا قطوا: إذا ثقل مشيه. مادة "ق ط ا" اللسان "5/ 3684". 4 قنو: قنا اللون قنوا: احمر. مادة "ق ن ا" اللسان "5/ 3759". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 باب الحاء : الحاء حرف مهموس، يكون أصلا لا غير. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: حرم وحبس، والعين نحو: سحر1 وضحك، واللام نحو: صبح، وصلح. ولا تكون الحاء بدلا ولا زائدا أبدا إلا فيما شذ عنهم. وأنشد ابن الأعرابي: ينفحن منه لهبا منفوحا لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا2 قال: أراد: منفوخا: فأبدل الخاء حاء   1 سحر: السحر عمل من أعمال الشيطان. مادة "سحر". اللسان "3/ 1951". 2 البيتين لابن الأعرابي. انظر/ اللسان "3/ 1509". اللهب: ما يتصاعد من الوقود بلا دخان، أو لسان النار. مادة "ل هـ ب" اللسان "5/ 4082". اللمع: البريق والإضاءة. مادة "لمع" اللسان "5/ 4074". الذاكي: المشتعل الشديد الاشتعال. وقدح النار: إشعالها: مادة "ق د ح". اللسان "5/ 3541". الشرح: إنهن ينفخن لسان النار الذي يبدو منه ضوء خافت غير مشتعل بشدة لضعف من ينفخ. الشاهد في قوله: ينفحن ومنفوحا" فقد أراد "ينفخن ومنفوخا" بالخاء المعجمة فأبدلها حاء مهملة ليوافق روي هذا الرجز كله. وهذا شاذ للضرورة كما حكم المؤلف. إعراب الشاهد: ينفحن: مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. منه: جار ومجرور. لهبا: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة النصب الفتحة. منفوحا: نعت منصوب بالتبعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 قال: ومثله قول رؤبة1: غمر الأجاري كريم السنح أبلج لم يولد بنجم الشح2 قال: يريد: السنخ. فأما قول من قال في قول تأبط شرا3: كأنما حثحثوا حصا قوادمه ... أو أم خشف بذي شث وطباق4   1 رؤبة: هو رؤبة بن العجاج أحد الرجاز المشهورين في الإسلام، عده ابن سلام في الطبقة التاسعة من الإسلاميين. 2 هذان بيتان من مشطور الرجز، من ستة أبيات في ديوان رؤبة بن العجاج "2/ 171" من مجموع أشعار العرب. الأجاري: جمع إجريا بكسر الهمز والراء، وهو ضرب من الجري. السنح: يريد السنخ، وهو الأصل. الأبلج: المشرق الوضيء. الشح: البخل مع حرص: ونجم الشح "زحل" كما يزعمون. اللسان "4/ 2205". الشرح: تدعو المرأة له بكثرة العطاء من الخلفاء والعظماء كريمي الأصل المشهورين بالجود والكرم. الشاهد: إبدال الحاء من الخاء في كلمة "السنخ" وهو شاذ كما ذكر المؤلف. إعراب الشاهد: السنخ: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. 3 تأبط شرا: من شعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ولقب بذلك لأنه خرج يعلو وجهه الغضب ويضمر الشر لأقوام، وجاء سائل يسأل أمه عنه فقالت: تأبط شرا فأطلقت عليه. 4 وهذا البيت من قصديته المشهورة التي قالها يصف فيها هروبه من بجيلة هو والشنفرى وعمرو بن براق، ونجاتهم منهم بحيلة بارعة. حثحثوا: الحث الاستعجال والحض، وهنا بمعنى حركوا. مادة "ح ث ث" اللسان "2/ 773". القوادم: أربع ريشات في طرف جناح الطائر، وقيل عشر. اللسان "5/ 3553". الحص: جمع أحص، وهو الذي تناثر ريشه وتكسر، يريد به الظليم. اللسان "2/ 898". الخشف: ولد الظبية، وهو الظبي بعد أن يكون جداية. مادة "خ ش ف" اللسان "2/ 1166". والشث والطباق: نبتان طيبا المرعي، يضمران راعيهما، ويشدان لحمه فيقوى على العدو، وهذان النبتان ينبتان بجبال السراة. مادة "ش ث ث" اللسان "4/ 2194". الشرح: كنت في جريي كالظليم المطارد المكسر القوادم، أو كالظبية المضمرة في سرعة عدوهما. والشاهد: مجيء "حثحثوا" وهي أصل كما يري المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 إنه أراد: حثثوا، فأبدل من الثاء الوسطى حاء فمردود عندنا، وإنما ذهب إلى هذا البغداديون، وأبو بكر أيضا معهم. وسألت أبا علي عن فساده فقال: العلة في فساده أن أصل القلب في الحروف، إنما هو فيما تقارب منها وذلك الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تدانت مخارجه. فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها. قال: وإنما حثحث أصل رباعي، وحثث أصل ثلاثي، وليس واحد منهما من لفظ صاحبه، إلا أن حثحث من مضاعف الأربعة، وحثث من مضاعف الثلاثة، فلما تضارعا بالتضعيف الذي فيهما، اشتبه على بعض الناس أمرهما، وهذا هو حقيقة مذهبنا، ألا ترى أن أبا العباس1 قال في قول عنترة2: جادت عليه كل بكر ثرة فتركن كل قرارة كالدرهم3 ليس ثرة عند النحويين من لفظ ثرثارة4، وإن كانت من معناها. هذا هو الصواب، وهو قول كافة أصحابنا. على أن أبا بكر محمد بن السري قد كان تابع الكوفيين، وقال في هذا بقولهم، وإنما هذه أصول تقاربت ألفاظها، وتوافقت معانيها، وهي مع ذلك مضعفة.   1 أبو العباس: هو المبرد. 2 عنترة: هو عنترة بن شداد بن قراد العبسي فارس بني عبس وشاعرهم أحب ابنة عمه عبلة، وقال فيها الشعر وعمر طويلا ومات قبيل البعثة. 3 جادت: منت ومنحت. مادة "ج ود" اللسان "1/ 720". البكر: التي لم تتزوج مادة "ب ك ر" اللسان "1/ 334". والثرة: كثيرة الكلام. الشرح: ظلت الفتيات عليه حتى أنس إلى ذلك. الشاهد: مجيء كلمة "ثرة" وهي بمعنى ثرثارة. إعراب الشاهد: ثرة: نعت مجرور بالتبعية وعلامة جره الكسرة. 4 ثرثارة: الذي يكثر الكلام في تكلف وخروج عن الحد، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغضكم إلي، الثرثارون المتفيهقون ". مادة "ث ر ر" اللسان "1/ 477". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ونظيرها من غير التضعيف قولهم دمث ودمثر1، وسبط2 وسبطر3، ولؤلؤ ولأل4، وحية وحواء5، ودلاص6 ودلامص، في قول أبي عثمان. وزغب الفرخ وازلغب7، وله نظائر كثيرة، وإذا قامت الدلالة على أن حثحث ليس من لفظ حثث، فالقول في هذا وفي جميع ما جاء منه واحد، وذلك نحو: تململ وتملل، ورقرق ورقق، وصرصر وصرر، وقد حذفت الحاء لاما في حر. وأصله حرح، لقولهم أحراح، قال: إني أقود جملا ممراحا ذا قبة مملوء أحراحا8   1 الدمث والدمثر: اللين السهل من دمث يدمث دمثا. 2 السبط: الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء. مادة "س ب ط" اللسان "3/ 1922". 3 السبطر: السبط. مادة "س ب ط ر" اللسان "3/ 1924". 4 اللآل: بائع اللؤلؤ. 5 الحواء: الرجل الذي يجمع الحيات. 6 الدلاص: الدرع البراقة اللينة، والدلامص مثله. مادة "د ل ص" اللسان "2/ 1409". 7 زغب الفرخ وازلغب: بمعنى: نبت له زغب، وهو الريش الخفيف أول ما ينبت. 8 أحراح: جمع حرح وهو فرج المرأة. مادة "ح ر ح" اللسان "2/ 824". الشرح: إني أمتطي صهوة امرأة ممتعة بضة مملوءة أحراحا. وذلك على الكناية. الشاهد: ورود كلمة "أحراح" بإثبات الحاء لاما للكلمة لأن المفرد تحذف منه الحاء فيصير "حر". إعراب الشاهد: أحراحا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 باب الخاء : الخاء حرف مهموس، يكون أصلا لا غير، فيكون فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: خرج، وخرج، والعين نحو: صخر وصخب1، واللام نحو: مرخ ومرخ2. فأما ما قرأته على أبي علي عن أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب، عن يعقوب من أن أبا مزيد قال: خمص الجرح يخمص خموصا3، وحمص يحمص حموصا، وانخمص انخماصا. قال أبو علي: وانحمص انحماصا، ذ كره أبو زيد في مصادره4: إذا ذهب ورمه -فلا يكون الحاء فيه بدلا من الخاء، ولا الخاء بدلا من الحاء، ألا ترى أن كل واحد من المثالين يتصرف في الكلام تصرف صاحبه، فليست لأحدهما مزية من التصرف والعموم في الاستقبال يكون بها أصلا، ليست لصاحبه. ومع هذا فإنك تجد لكل واحد منهما وجها يحقق له حرفه، وذلك أن خمص بالخاء، من الشيء الخميص الضامر، وهذا واضح، لأن الجرح إذا ذهب ورمه، فهو فيه كخمص البطن، وأما انحمص بالحاء فهو من الحمص، ألا ترى أن الحمصة صغيرة ضامرة، فهذا يشهد بأن الحرفين أصلان، وأنه ليس أحدهما أصلا لصاحبه، ولا بدلا منه.   1 الصخب: الجلبة. مادة "ص. خ. ب". اللسان "4/ 2407". 2 مرخة بالدهن: يمرخه مرخا: دهنة، والمرخ: شجر شديد الاتقاد سريعة. اللسان "6/ 4171". 3 الخموص: الضمور، يقال: خمصت بطنه. إذا ضمرت ونحفت. اللسان "2/ 1266". 4 لم نجده في النوادر، ولعله في غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 باب الدال : الدال حرف مجهور، يكون في الكلام على ضربيين: أصلا وبدلا. فإذا كانت أصلا وقعت فاء وعينا ولاما. فالفاء نحو: درج ودرج1، والعين نحو: خدل وخدل، واللام نحو: جعد وجعد2. وأما البدل فإن فاء افتعل، إذا كانت زايا قلبت التاء دالا، وذلك نحو: ازدجر، وازدهى3، وازدار4، وازدان5، وازدلف6، وازدهف7، ونحو ذلك، وأصل هذا كله ازتجر، وازتهى، وازتار، وازتان، وازتلف، وازتهف، لأنه افتعل من الزجر، والزهو، والزور، والزين، والزلف، والزهف، ولكن الزاي لما كانت مجهورة، وكانت التاء مهموسة، وكانت الدال أخت التاء في المخرج وأخت الزاي في الجهر، قربوا بعض الصوت من بعض، فأبدلوا التاء أشبه الحروف من موضعها بالزاي، وهي الدال، فقالوا: ازدجر، وازدار. قال: إلا كعهدكم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر المزدار8 ومن كلام ذي الرمة في بعض أخباره: "هل عندك من ناقة تزدار عليها ميا؟ ".   1 درج: مشى مشية الصاعد في الدرج. مادة "درج". 2 الجعد: الغليظ المجتمع. مادة "ج. ع. د". اللسان "1/ 931". 3 ازدهى: أخذته خفة من الزهو. مادة "زهو". اللسان "3/ 1883". 4 ازدار: زاره: مادة "زور". اللسان "3/ 1883". 5 ازدان: تزين وجمل. مادة "زين". اللسان "3/ 1902". 6 ازدلف: دنا وقرب. مادة "زلف". اللسان "3/ 1853". 7 ازدهف: خف للشيء وعجل. مادة "زهف". اللسان "3/ 1879". 8 البيت ذكره ياقوت في معجم البلدان في رسم "ذو بقر" وروايته: إلا كداركم بذي بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار والشاهد: ورود كلمة "المزدار" فقد أبدلت فيها التاء دالا لأن مخرجهما واحدا. إعراب الشاهد: المزدار: اسم مجرور بـ"من" وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ومن أبيات الكتاب لرؤبة: فيها ازدهاف أيما ازدهاف1 ونحو من هذا التقريب في الصوت قولهم في سبقت: صبقت، وفي سقت: صقت، وفي سملق: صملق، وفي سويق2: صويق، وذلك أن القاف حرف مستعل، والسين غير مستعل، إلا أنها أخت الصاد المستعلية، فقربوا السين من القاف، بأن قلبوها إلى أقرب الحروف إلى القاف من مخرج السين، وهو الصاد. وقد قلبت تاء افتعل دالا مع الجيم في بعض اللغات، قالوا: اجدمعوا في اجتمعوا، واجدز في اجتز. وأنشدوا3: فقلت لصاحبي: لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدز شيحا4 ولا يقاس ذلك إلا أن يسمع، لا تقول في اجترأ: اجدرأ، ولا في اجترح: اجدرح.   1 البيت من مشطور الرجز لرؤبة، وقد سبق التعريف به. وقد أنشد رؤبة هذه الأبيات يعاتب فيها أباه. وملخص قول الأعلم الشنتمري في شرح هذا البيت: أنه نصب أيما وإن كان من نعت المصدر قبله، وكان حقه أن يجري عليه، ولكنه حمل على المعنى، وصف أباه بالخف وقول الباطل، فجعل أقواله تزدهف العقول، أي تستخفها. انظر/ الكتاب "1/ 182". إعراب الشاهد: ازدهاف: مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والخبر فيها مقدم عليه. 2 السويق: خبز الشعير والقمح وسبق تخريجها. 3 هذا البيت ليزيد بن الطئرية، هو يزيد بن الصمة أحد بني سلمة الخير بن قشير، وذكر البصريون أنه ولد الأعور بن قشير. 4 هذا البيت من الوافر، أورده اللسان في "جز" وقال: ذكر الجوهري أن البيت ليزيد بن الطئرية، وذكره ابن سيده ولم ينسبه لأحد بل قال: وأنشد ثعلب قال ابن بري: ليس هو ليزيد وإنما هو لمضرس بن ربعي الأسدي. انظر/ لسان العرب "1/ 615". وقوله "لا تحبسانا" هو خطاب لصاحب يحتطب له، وخاطبه بلفظ خطاب المثنى على عادة العرب كما قال سويد بن كراع: فإن تزجراني يابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا حمنعا وأجدز: جز أي قطع، والشاهد في قوله "اجدز" فقد قلبت تاء افتعل دالا مع الجيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وقد أبدلوا الدال من تاء تولج1، فقالوا: دولج، وقد قلبوا تاء افتعل أيضا مع الذال لغير إدغام دالا، حكى أبو عمرو عنهم: اذدكر، وهو مذدكر. وقال أبو حكاك: تنحي على الشوك جرازا مقضبا ... والهرم تذريه اذدراء عجبا2 فأما ادكر واذكر فإبدال إدغام، وليس ذلك من غرض هذا الكتاب، وكذلك قولهم في وتد: ود، وهو أيضا لإبدال إدغام، من جنس ادكر. وأنشدنا أبو علي لابن مقبل: يا ليت لي سلوة يشفى الفؤاد بها ... من بعض ما يعتري قلبي من الدكر3 بالدال: يريد الذكر، جمع ذكرة، وليس هنا ما يوجب البدل، إلا أنه لما رآهم يقلبونها في ادكر ويدكر ومدكر وادكار ونحو ذلك، ألف فيها القلب، فقال أيضا الدكر، ولهذا نظائر في كلامهم.   1 التولج: كناس الوحش "وأصله وولج" مادة "ولج". 2 البيت رواه صاحب اللسان في "ذكر" مع إبدال كلمتي الهم مكان الهرم وازدكار في مكان اذدراء. انظر/ اللسان "15073". والضمير في تنحي: يعود على الناقة. وتنحي: تعرض وتميل، يقال: نحى على حلقة السكين، عرضها عليه. والجراز من السيوف: الماضي النافذ. والمقضب: القطاع. اللسان "5/ 3659"، ويريد بالجراز والمقضب أسنانها على الاستعارة. الهرم: ضرب من نبات الحمض، وهو أذله وأشده انبساطا على الأرض واستبطاحا. تذريه: تطيره. اذدراء: مصدر اذدرى الشيء بمعنى أذراه. وغرض الشاعر في هذا البيت: فهو يصف الناقة بأنها كما تقطع الشوك بأسنانها وأنيابهها الحادة، تقطع الهرم، فتطاير بقاياه في فمها فكأنها تذريه اذراء شديدا. ومحل الشاهد: كلمة "اذدراء" إذا قلبت فيها تاء الافتعال دالا مع الذال، من غير إدغام. إعراب الشاهد: اذدراء: مفعول مطلق منصوب. 3 السلوة: النسيان. يعتري: يصيب. يتمنى الشاعر أن ينسى قليلا فؤاده حتى يشفى مما به من آلام ذكر المحبوب. الشاهد في قوله "الدكر" فقد أبدلت الذال دالا. إعراب الشاهد: الدكر: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 باب الذال : الذال حرف مجهور، يكون أصلا: لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا كان فاء وعينا ولاما. فالفاء نحو: ذكر وذكر، والعين نحو: جذوة1 وحذر، واللام نحو: فخذ وأخذ. فأما إبدالههم الذال دالا في ادكر ونحوه فإبدال إدغام. وأما قولهم: جذوت وجثوت2 إذا قمت على أطراف أصابعك، وقرأت على أبي علي: إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو على كل منسم3 فليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه، بل هما لغتان. وكذلك قولهم أيضا: قرأ فما تلعثم4، وما تلعذم.   1 الجذوة: قطعة النار، وفي التنزيل: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} . اللسان "1/ 581". 2 الجثو: القيام على أطراف الأصابع. مادة "ج ث ا" اللسان "1/ 546". 3 البيت للنعمان بن نضلة العدوي، ورواه اللسان في المواد: جذا، ودهق. وكان عمر قد استعمل على ميسان، وهي كورة كبيرة تقع في شمال شبه الجزيرة العربية وتتكون من قرى كثيرة، وهي بين البصرة وواسط، فلما سمع أمير المؤمنين بذلك قال: إي والله يسوءني وأعزلك. الدهاقين: الواحد منهم دهقان، وهو رئيس القرية أو التاجر. اللسان "1442". الصناجة: المرأة التي تلعب بالصنج وهو فلقتان تتخذان من صفرة تضرب إحداهما بالأخرى. مادة "ص ن ج" اللسان "4/ 2506". المنسم: يريد به طرف الإصبع، على الاستعارة بمنسم خف البعير. ويرى الأصمعي والفراء وابن جني أن يجذو ويحثو بمعنى واحد، وهو القيام على أطراف الأصابع، وذهب ثعلب وابن الأعرابي إلى أن الجثو: على الركب، والجذو: على أطراف الأصابع. وجعل ابن جني هنا يجثو ويجذو لغتين، فليست الذال بدلا من الثاء. وعده أبو عبيدة من باب الدال. 4 تلعثم: تعثر في الكلام. مادة "لعثم" اللسان "5/ 4041". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وكذلك قولهم: قرب حذحاذ، وحثحاث: إذا كان سريعا، وهو طلب الماء، ليس أحدهما بدلا من صاحبه، لأن حثحاثا من قول تأبط شرا: كأنما حثحثوا حصا قوادمه ... أو أم خشف بذي شث وطباق1 أي أسرعوا به، وحذحاذ: من معنى الشيء الأحذ، ويقال: صريمة2 حذاء: إذا كانت ماضية، وحذحاذ وإن لم تكن من لفظ أحذ، فإنها قريبة منه، ولا تجد هذين اللفظين إلا بمعنى واحد، وذلك نحو: ململت ومللت، ورقرقت ورققت، ألا ترى أن اتفاق معنيهما قد حمل البغداديين على أن قالوا إن الأصل في حثحثت: حثثت، وفي رقرقت: رققت. وقرأت على أبي على عن أبي بكر عن العباس للفرزدق3: تفيهق بالعراق أبو المثنى ... وعلم أهله أكل الخبيص أأطعمت العراق ورافديه ... فزاريا أحذ يد القميص4 يصفه بالغلول وسرعة اليد، ومن هنا سمى الخليل "فعلن" في الكامل5: أحذ، لأن أصله "متفاعلن"، فلما حذف الوتد من آخره، وبقي "متفا"، فنقل إلى "فعلن". فلما قطع آخر الجزء، قل وأسرع انقضاؤه وفناؤه، فسماه أحذ لذلك.   1 سبق شرح هذا البيت. 2 الصريمة: العزيمة. مادة "ص ر م" اللسان "4/ 2438". 3 الفرزدق: أبو فراس همام بن غالب التميمي الدرامي، ولد سنة 19هـ وتوفي سنة 114هـ ونشأ بين البصرة والبادية، ومدح الخلفاء وكان مقربا منهم. 5 في البيتين يعاتب الفرزدق يزيد بن عبد الملك في تقديم أبي المثنى عمر بن هبيرة الفزاري على العراق ويهجو ابن هبيرة. تفيهق: توسع وتفتح بالبزخ. مادة "ف ق هـ" اللسان "5/ 3450". الخبيص: نوع من الحلواء، مخبوص أي مخلوط. والرافدان: دجلة والفرات. ورجل أحذ: سريع اليد خفيفها، كناية عن الغلول والخيانة في المغانم. وقيل الأحذ: المقطوع، كناية عن قصر اليد عن نيل المعالي، ولا يحسن بمن هذه صفته أن يتولى إمارة العراق. الشاهد: شرحه ابن جني في المتن. 5 الكامل: بحر من بحور الشعر وزنه - متفاعلن ست مرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 باب الراء : الراء حرف مجهور مكرر، يكون أصلا، لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: رشد ورشد، والعين نحو: جرح وجرح، واللام نحو: بدر وبدر. فأما قولهم: امرأة جربانة1 وجلبانة إذا كانت صخابة، فليس أحد الحرفين فيه بدلا من صاحبه. قرأت على أبي علي لحميد بن ثور: جلبانة ورهاء تخصي حمارها ... بفي من بغى خيرا إليها الجلامد2   1 جربانة: أي كثيرة الجلبة والصخب. مادة "جرب" اللسان "1/ 583". 2 امرأة جلبانة: أي صخابة مصوتة كثيرة الجلبة سيئة الخلق. ورهاء: حمقاء. مادة "ور هـ" اللسان "6/ 4820". تخصي حمارها: أي تسل خصيته وهو كناية عن قلة الحياء. مادة "خ ص ا" اللسان "2/ 1178". الجلامد: جمع جلمد وهو الحجر الصلد. مادة "ج ل م" اللسان "1/ 667". الشرح: يصف الشاعر تلك المرأة بقلة الحياء والحمق كما أنها كثيرة الصخب سيئة الخلق لا يفعل فيها أحد معروفا وإلا وتقابله بالشر. الشاهد في "جلبانة" فهي أصل في معناها كـ"جربانة" بمعنى صخابة. إعراب البيت: جلبانة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي. ورهاء خبر ثان. تخصي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هي. حمارها: مفعول به، والهاء مضاف إليه. و"تخصي حمارها" خبر ثالث. بفي: جار ومجرور خبر مقدم. من: اسم موصول مبني في محل جر مضاف إليه. بغى: فعل ماضي مبني، والفاعل مستتر يعود على الموصول قبله. وخيرا مفعول به. إليها: جار ومجرور متعلق بـ"بغى". وجملة "بغى خيرا" صلة موصول لا محل لها من الإعراب. الجلامد: مبتدأ مؤخر مرفوع والخبر تقدم عليه وهو قوله "بغى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قال أبو علي: هذا البيت يقع فيه تصحيف من الناس. يقول قوم مكان تخصي حمارها، تخطي حمارها، وهو مشتبه مشكل: يظنونه من قولهم: العوان1 لا تعلم الخمرة. قال: وقد قال ابن الأعرابي: يقال: جاءك خاصي العير: إذا وصف بقلة الحياء. فعلى هذا لا يجوز في البيت غير "تخصي حمارها"، ويدل على أن "جلبانة" و"جريانة" أصلان، غير مبدل أحدهما من صاحبه وجودك لكل واحد منهما أصلا متصرفا، واشتقاقا صحيحا، فأما جلبانة فمن الجلبة والصياح، لأنها الصخابة، وأما جربانة فمن جرب الأمور وتصرف فيها. ألا تراه قال: "تخصي حمارها"، وإذا بلغت المرأة من البذلة2 والحنكة3 إلى خصاء حمارها، فناهيك بها في التجريب والدربة، وهذا وفق الصخب، لأنه ضد الحياء والخفر4. وأما قولهم في الدرع: نثرة ونثلة5، فينبغي أن يكون الراء بدلا من اللام، لقولهم: نثل على درعه، ولم يقولوا ثرها، فاللام أعم تصرفا، فهي الأصل. وأما قول الأسدي: وخافت من جبال السغد نفسي ... وخافت من جبال خواررزم6   1 العوان: المتوسطة في العمر. مادة "عون". اللسان "4/ 3179". 2 البذلة: الابتذال. مادة "ب ذ ل" اللسان "1/ 238". 3 الحنكة: الخبرة والدربة. مادة "حنك". اللسان "2/ 1028". 4 الخفر: الحياء. مادة "خفر". اللسان "2/ 1209". 5 نثلة: النثلة: النقرة بين الشاربين، والدرع الواسعة. مادة "نثل". اللسان "6/ 4341". 6 هذا رابع ستة أبيات رواها ياقوت في معجم البلدان في "خوارزم"، ونسبها للأسدي كما هنا. خوارزم: اسما لناحية في جرجان الآن. الشاهد في قوله "خوارزم" فقد كرر الراء لاستقامة الوزن. الإعراب: خوارزم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فإنه أراد خوارزم، فزاد راء لإقامة الوزن، كذا قيل فيه، وقد قيل إن "خوار" اسم مضاف إلى "رزم". واعلم أن الراء لما فيها من التكرير لا يجوز إدغامها فيما يليها من الحروف، لأن إدغامها في غيرها يسلبها ما فيها من الوفور بالتكرير. فأما قراءة أبي عمرو "يغفر لكم" بإدغام الراء في اللام، فمدفوع عندنا، وغير معروف عند أصحابنا، إنما هو شيء رواه القراء، ولا قوة له في القياس1.   1 هذا غلو من ابن جني في الأخذ بالقياس مع وجود السماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 باب الزاي : الزاي حرف مجهور، يكون أصلا وبدلا، لا زائدا، فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: زمر1 وزمر، والعين نحو: بزر وحزر2، واللام نحو: جرز3 وجرز. وقال بعضهم: يقال: شزب وشسب وشسف بمعنى. أي ضمر. وفصل الأصمعي فقال: الشازب: الذي فيه ضمور وإن لم يكن مهزولا، والشاسب والشاسف الذي قد يبس. قال: وسمعت أعرابيا يقول: ما قال الحطيئة4 "أينقا شزبا" إنما قال: "أعنزا شسبا"5، وليست الزاي ولا السين بدلا إحداهما من الأخرى، لتصرف الفعلين جميعا. وقرأت على أبي علي لذي الرمة6:   1 زمر: جماعة. مادة "زمر" اللسان "3/ 1861". 2 حزر: اللبن: حمضي. مادة "حزر". اللسان "2/ 855". 3 الجرز: هو الأرض الجدبة، أو صدر الإنسان، مادة "جرز". اللسان "1/ 597". 4 الحطيئة: هو أبو مليكة جرول الحطيئة، منشؤه معلول النسب. وكان جشعا سؤولا ملحفا دنيء النفس، كثير الشر قليل الخير. 5 هاتان الكلمتان من بيت للحطيئة، هو: ما كان ذنب بغيضا لا أبا لكم ... في بائس جاء يحدو أبنقا شسبا كذا روى البيت في ديوانه بشرح السكري، والبيت من القصيدة الأولى فيه، ومطلعها: طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبا وبيت الشاهد هو الرابع والعشرون من ثمانية وعشرين. 6 ذو الرمة: اسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي بن عبد مناة بن أذ ويقال إن ذا الرمة راوية راعي الإبل ولم يكن له حظ في الهجاء وكان مغلبا، قال عنه أبو عمرو بن العلاء يقول إنما شعره نقظ عروس يضمحل عن قليل وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح البعر، ويقال كان ذو الرمة يميل إلى الفرزدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 خدب حنى من صلبه وهو شوقب على قصب منضم الثميلة شازب1 وكلب تقلب السين مع القاف خاصة زايا، فيقولون في سقر2: زقر، وفي مس سقر: مس زقر، وشاة زقعاء في صقعاء3. ومثله من الصاد: ازدقي في اصدقي، وزدق في صدق. قال4:   1 هذا البيت السابع والثلاثون من قصيدة في ديوانه ومطلعها: خليلي عوجا بارك الله فيكما ... على دار مي من صدور الركائب ورواية بيت الشاهد في الديوان: خدب حنا من ظهره بعد بدنه ... على قصب منضم الثميلة شازب الخدب: الضخم من النعام، وقيل من كل شيء. مادة "خ د ب" اللسان "2/ 1107". بعد بدنه: بعد ما كان بدنه. ويروى "بعد سلوه" أي بعد رخاء من العيش. القصب: المعي الذي يكون فيه الطعام والشراب. الثميلة: ما بقي في جوفه من العلف والماء. مادة "ث م ل" اللسان "1/ 505". الشازب: الضامر اليابس من الناس وغيرهم. مادة "ش ز ب" اللسان "4/ 2255". الشوقب: الطويل من الرجال والنعام والإبل. مادة "ش ق ب" اللسان "4/ 2296". الشرح: يصف الشاعر فحلا بأنه كان ضخم، فأضمره الهياج، فترك العلف، ولصق ظهره ببطنه من الهزال. الشاهد: مجيء كلمة "شزبا" بالزاي المعجمة وهي أصل فيها كما ذكر ابن جني في المتن. إعراب الشاهد: شازب: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة. 2 سقر: علم لجهنم. مادة "سقر" اللسان "3/ 2037". قال تعالى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَر} ، وقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرْ} . 3 الصقعاء: من الخيل والشاء والطير: التي في وسط رأسها بياض. اللسان "4/ 2472". وتمثيل المؤلف هنا بزقعاء في صقعاء، كان يقتضي أن يقول: وكلب تقلب السين والصادر مع القاف ... إلخ، ولكنه لم يذكر الصاد مع أن هذه لغة قبيلة "كلب". 4 البيت لم أعثر على قائله، وقد ذكره صاحب اللسان في مادة "صدر" "4/ 2413". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ودع ذا الهوى قبل القلى ترك ذي الهوى متين القوى خير من الصرم مزدرا1 يريد: مصدرا. وقال الآخر2: يزيد زاد الله في خيراته حامي نزار عند مزدوقاته3 أي مصدوقاته.   1 القلى: بكسر القاف: البغض. مادة "ق ل ا" اللسان "5/ 3731". الصرم: بفتح الصاد وضمها: القطيعة والهجر. مادة "ص ر م" اللسان "4/ 2437". الشرح: اترك الحبيب قبل أن يبغضك فتركك له على حال حبه أفضل من تركك له على حال بغضه. الشاهد: في قوله "مزدرا" إذ قلب الصاد زايا. إعراب الشاهد: مصدرا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. 2 البيت لم أعثر على قائله، وقد أورده اللسان في مادة "صدق". 3 ورد البيت في اللسان كما قدمنا وفيه "في حياته" بدل "في خيراته". حامي: الحامي المدافع. مادة "ح م ا" اللسان "5/ 10". نزار: اسم قبيلة. تنسب إلى نزار بن معد بن عدنان. مادة "ن ز ر" اللسان "6/ 4394". الشرح: يدعو الشاعر للممدوح بطول الحياة والخير فهو حامي الحمى والمدافع عن القبيلة. الشاهد في قوله: "مزدوقاته" فقد أراد مصدوقاته قلب الصاد زايا. إعراب الشاهد: مصدوقاته: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، والهاء ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 باب السين : السين حرف مهموس، يكون أصلا وزائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: سلم وسلم، والعين نحو: حسن وحسن، واللام نحو: جرس وجرس. وإذا كانت زائدة ففي استفعل وما تصرف منه، نحو: استخرج ومستخرج. واستقصى ويستقصي، وهو مستقص. واعلم أن العرب تقول: استخذ فلان أرضا. وفي هذا عندنا قولان: أحدهما: أنه يجوز أن يكون أصله اتخذ، وزنه افتعل، من قوله عز اسمه: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 1. ثم إنهم أبدلوا من التاء الأولى التي هي فاء افتعل سينا، كما أبدلوا التاء من السين في ست، لأن أصلها سدس، فلما كانت التاء والسين مهموستين، جاز إبدال كل واحدة منهما من أختها. والقول الآخر: أنه يجوز أن يكون أراد استتخذ، أي استفعل، فحذفت التاء الثانية، التي هي فاء الفعل، كما حذفت التاء الأولى من قولهم: تقى يتقي، وأصله: اتقى يتقي، فحذفت التاء الأولى التي هي فاء الفعل. وأنشدنا أبو علي لخداش بن زهير2: تقوه أيها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا3 أراد: اتقوه.   1 الآية من سورة الكهف. والمعنى: لو أردت أن تأخذ على ذلك العمل -وهو بناء الجدار- أجرا. والشاهد في الآية مجيء "اتخذ" على وزن افتعل. 2 خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة بن عامر، من هوازن شاعر جاهلي مشهور. وبيت الشاهد رواه أبو زيد في نوادره، ولم ينسبه، ورواه ابن السكيت في "إصلاح المنطق" "ص28" ونسبه لخداش. 3 تقوه: اتقوه أي خافوا منه. الجدود: الأجداد وتروى الجنود. الشرح: اتقوا الله أيها الشباب، فالله قد أهلك من كان قبلكم. الشاهد: في "تقوه" فقد حذفت التاء الأولى من الفعل وأراد "اتقوه". إعراب الشاهد: اتقوه: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وقال الآخر1: زايدتنا نعمان لا تنسينها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو2 أي اتق الله. وأنشدنا أيضا، قال: أنشد أبو زيد3: قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدته ذراعي4 أراد: اتجهنا. قال: وقصرت: حبست. والقبيلة: اسم فرسه. وأما قولهم السده في معنى الشدة، ورجل مسدوه في معنى مشدوه، فينبغي أن يكون السين فيه بدلا من الشين، لأن الشين أعم تصرفا.   1 قائل البيت هو: عبد الله بن همّام السلولي، يخاطب النعمان بن بشير الأنصاري أمير الكوفة. 2 الزيادة: هي زيادة قررها معاوية لأهل الكوفة قدرها عشرة دنانير. الشرح: يطلب الشاعر من الوالي -نعمان- أن يعطيهم الزيادة المقررة لهم ويستحثه على ذلك بتقوى الإله وقد ذكره بالقرآن الكريم الذي يتلوه. الشاهد: حذف فاء الفعل من اتقى، ثم حذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها حينئذ. إعراب الشاهد: تق: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة. 3 البيت نسبه أبو يزيد في نوادره لـ"مرداس بن حصين" وهو شاعر جاهلي من بني عبد الله بن كلاب. 4 قصرت: حبست. القبيلة: اسم فرس. الشرح: يقول لقد حبست فرسي عليه ولم أضق بتصرفه. الشاهد: في قوله: "تجهنا" على أنه مخفف من "اتجهنا". قال في النوادر: الأصمعي يقول: "تجهنا" بفتح الجيم، وأبو زيد يقول: "تجهنا" يقال تجه يتجه تجها، على وزن فزع يفزع فزعا، وعلى قول أبي زيد، لا يكون من "اتجهنا"، وإنما يكون أصلا مستقلا، بدليل كسر الجيم. إعراب الشاهد، تجهنا: فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بنا الفاعلين، و"نا" ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وأما قولهم: أسطاع يسطيع، فذهب سيبويه فيه إلى أن أصله: أطاع يطيع، وأن السين فيه زيدت عوضا من1 سكون عين الفعل، وذلك أن أطاع أصله كأطوع، فنقلت فتحة الواو إلى الطاء، فصار التقدير: أطوع، فانقلبت الواو ألفا، لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن. وتعقب أبو العباس رحمه الله هذا القول فقال: إنما يعوض من الشيء إذا فقد وذهب، فأما إذا كان موجودا في اللفظ، فلا وجه للتعويض منه، وفتحة العين التي كانت في الواو قد نقلت إلى الطاء التي هي الفاء، ولم تعدم، وإنما نقلت، فلا وجه للعوض من شيء موجود غير مفقود. وقد ذهب عن أبي العباس ما في قول سيبويه هذا من الصحة، فإما غالط وهي من عادته معه، وإما وهم في رأيه هذا. والذي يدل على صحة قول سيبويه في هذا، وأن السين عوض من حركة عين الفعل، أن الحركة التي هي الفتحة وإن كانت كما قال أبو العباس موجودة منقولة إلى الفاء لما فقدتها العين، فسكنت بعد ما كانت متحركة، توهنت1 لسكونها، ولما دخلها من التهيؤ للحذف عند سكون اللام، وذلك قولك لم يطع، وأطع، ولا تطع ففي كل هذا قد حذفت العين لالتقاء الساكنين، ولو كانت العين بحالها متحركة لما حذفت، لأنه لم يكن هناك التقاء ساكنين، ألا ترى أنك لو قلت: أطوع يطوع ولم يطوع وأطوع زيدا، لصحت العين ولم تحذف، فلما نقلت عنها الحركة وسكنت سقطت، لاجتماع الساكنين، فكان هذا توهينا وضعفا لحق العين، فجعلت السين عوضا عن سكون العين الموهن لها، المسبب لقلبها وحذفها، وحركة الفاء بعد سكونها لا تدفع عن العين ما لحقها من الضعف بالسكون والتهيؤ للحذف عند سكون اللام. وقال الفراء في هذا: شبهوا أسطعت بأفعلت. فهذا يدل من كلامه على أن أصلها استطعت، فلما حذفت التاء بقي على وزن أفعلت، ففتحت همزته وقطعت.   1 الأظهر أن تكون "من" تعليلية، أي بسبب سكون عين الفعل لذهاب حركتها، لأن السين في الحقيقة زيدت للتعويض عن حركة العين التي نقلت إلى الطاء. كما صرح المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وهذا غير مرضي عندنا من قوله، وذلك أنه قد اطرد عنهم اسطعت بكسر الهمزة، وكونها همزة وصل، فهذا يدل على أنهم إذا أرادوا استفعلت، وحذفوا التاء وهم يريدونها، بقوة الهمزة موصولة مكسورة بحالها قبل حذف التاء. ويؤكد ما قاله سيبويه من أن السين عوض من ذهاب حركة العين، أنهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السين، وهو الهاء في قول من قال: أهرقت1، فسكن الهاء، وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين، لأن الأصل: أروقت أو أريقت، بل الصواب أريقت، والواو عندي أقيس لأمرين: أحدهما: أن كون عين الفعل واو أكثر من كونها ياء فيما اعتلت عينه. والآخر: أن الماء إذا أهريق ظهر جوهره وصفاؤه، فراق رائيه يروقه، فهذا أيضا يقوي كون العين منه واوا. وعلى أنه قد حكى الكسائي: راق الماء يريق: إذا انصب، وهذا قاطع بكون العين ياء، ثم إنهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء، كما فعلوا ذلك في أسطاع، فكما لا يكون أصل أهرقت استفعلت، فكذلك ينبغي ألا يكون أصل أسطعت أستفعلت. قرأت على أبي الفرج علي بن الحسين، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، لعبد العزيز بن وهب مولى خزاعة، يقول لكثير2: فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لضاحي سراب بالملا يترقرق3 وقالوا في مصدره: إهراقه، كما قالوا: إسطاعة.   1 أهرقت: أريقت. مادة "هـ ر ق" اللسان "6/ 4654". 2 كثير: هوكثير بن عبد الرحمن الخزاعي وهو ابن أبي جعة وكنيته أبو صخر وهو عند أهل الحجاز، أشعر من كل من قدمنا عليه. 3 ضاحي السراب: باديه وظاهره، والسراب عبارة عن انعكاس أشعة الشمس على الرمال فيخيل للعين من بعيد أنها ماء. مادة "س ر ب" اللسان "3/ 1982". يترقرق: يتحرك ويضطرب، أو يجري جريا سهلا ويتسلسل، ويقال: ترقرق الدمع في العين: دار في باطنها. مادة "رقق". اللسان "3/ 1708". الشرح: فأصبحت كالماء المراق الذي يبدو كالسراب اللامع. الشواهد: قوله "كالمهريق" فقد حقق المؤلف فيه الهاء وجعلها أصلية غير مبدلة. إعراب الشاهد: كالمهريق: جار ومجرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قال ذو الرمة1: فلما دنت إهراقة الماء أنصتت ... لأعزله عنها وفي النفس أن أثني2 وقالوا أيضا: أستاع يستيع، فأبدلوا الطاء تاء، لتوافق السين في الهمس. قرأت على أبي الفرج3، عن أبي عبد الله اليزيدي للجران: وفيك إذا لاقيتنا عجرفية ... مرارا فما نستيع من يتعجرف4   1 ذو الرمة: اسمه غيلان بن عقبة أحد بني عدي بن عبد مناة بن أد. 2 البيت لذي الرمة ثالث أبيات ثلاثة في ديوان "ص645"، يصف بكرة البئر. وهي: وجارية ليست من الإنس تستحي ... ولا الجن قد لاعبتها ومعي دهني فأدخلت فيها قيد شبر مؤفر ... فصاحت ولا والله ما وجدت تزني فلما دنت إهراقة الماء أنصتت ... لأعزله عنها وفي النفس أن أثني قوله: جارية يريد بكرة البئر التي تجري حول محور. وقيد شبر: يعني المحور الذي يدخل في ثقب البكرة. والدهن: الشحم الذي يوضع على المحور، لتيسير دورانه. الشاهد: كما أوضحه المؤلف في كلمة "إهراقة" فالهاء عنده عوض عن ذهاب فتحة العين لأن الأصل "أورقت" و"أريقت" كما يرى. إعراب الشاهد: في الأبيات: إهراقة: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. 3 أبي الفرج: هو علي بن الحسين نحوي بصري. 4 هذا البيت لجران العود النميري. العجرفيه: الجفاء والاعتراض. مادة "ع ج ر" اللسان "4/ 2814". الشرح: إنك إنسان متعجرف، ونحن لا نطيع المتعجرفين. الشاهد: قلب الطاء تاء في "نستطيع" لكي تناسب السين فكلاهما "السين والتاء" صوتان مهموسان. إعراب الشاهد: نسطيع: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 ومن العرب من يزيد على كاف المؤنث في الوقف سينا، ليبين كسرة الكاف، فيؤكد التأنيث فيقول: مررت بكس، ونزلت عليكس، فإذا وصلوا حذفوا لبيان الكسرة. وأما ما يحكى عن سحيم1 من قوله: فلو كنت وردا لونه لعسقتني ... ولكن ربي سانني بسواديا2 فإنما قلب الشين سينا لسواده، وضعف عبارته عن الشين، وليس ذلك بلغة، وإنما هو كاللثغ.   1 سحيم: هو عبد بني الحسحاس كان أسود شديد السواد، وأحب وتغزل ببنت سيده، وتدعى عميرة. 2 عسقتني: عشقتني من العشق، وهو شدة التعلق والحب، مادة "ع ش ق" اللسان "4/ 2958". وسانني: يريد شانني أي عابني. مادة "ش ي ن" اللسان "4/ 2382". الشرح: يقول لو كنت جميلا مثلك لعشقتني، ولكن الله شانني بالسواد. الشاهد: قلب الشين سينا في "عسقتني، سانني" وهو كما يرى المؤلف لثغ به وليس لغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 باب الشين : الشين حرف مهموس، يكون أصلا لا غير. فيكون فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: شجر وشجر، والعين نحو: قشر وقشر، واللام نحو: نعش1 ونعش. وقرأت على أبي علي2، عن أبي بكر3، عن بعض أصحاب يعقوب، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: يقال: جعشوش وجعسوس4، وكل ذلك إلى قماء وصغر وقلة. ويقال: هم من جعاسيس الناس، ولا يقال بالشين في هذا. فهذا يدل من قول الأصمعي على أن الشين من جعشوش بدل من السين في جعسوس، ألا ترى أن الشين أعم تصرفا من الشين، لوجودك إياها في الواحد والجمع جميعا. وقال الراجز5: إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش6 أي مدمج، فالشين بدل من الجيم.   1 نعش: أنهض وأقام. مادة "نعش". اللسان "6/ 4473". 2 أبو علي: الفارسي، أستاذ ابن جني. 3 أبو بكر: ابن السراج. 4 الجعسوس: القصير الدميم، واللئيم الخلق. مادة "ج ع س" اللسان "1/ 634". 5 هذا بيت من مشطور الرجز، أورده العيني في شرح شواهد شروح الألفية "فرائد القلائد" في باب الإبدال، ولم ينسبه إلى قائله. 6 المفردات: أدمج الحبل: أجاز قتله وأحكمه. مادة "د م ج" اللسان "2/ 1419". الشرح: حين ذاك حين يكون حبل الوصال بيني وبين من أحب متين. وواضح أن المعنى متعلق بغيره من الأبيات. الشاهد: قوله "مدمش" فقد أبدلت الجيم شينا. والأصل "مدمج" كما يرى المؤلف. وقال ابن عصفور: فيها أبدل الجيم شينا لتتفق القوافي. إعراب موضع الشاهد: مدمج: خبر لمبتدأ هو "حبل" مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فأما قولهم: تنسمت منه علما وتنشمت، فليس واحد من الحرفين بدلا من صاحبه، لأن لكل واحد منهما وجها قائما. ما تنسمت فكأنه من النسيم، كقولك: استروحت منه خبرا، فمعناه أنه تلطف في التماس العلم منه شيئا فشيئا، كهبوب النسيم. وأما قولهم تنشمت فمن قولهم نشمت في الأمر، أي ابتدأته ولم أوغل1 فيه، وكذلك تنشمت منه، أي ابتدأت بطرف من العلم من عنده ولم أتمكن فيه. ومن العرب من يبدل كاف المؤنث في الوقف شينا2، حرصا على البيان لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفي في الوقف، فاحتاطوا للبيان بن أبدلوها شينا، فقالوا: عليش ومنش، ومررت بش. ومنهم من يجري الوصل مجرى الوقف، فيبدل فيه أيضا. وأنشدوا للمجنون3: فعيناش عيناها وجيدش جيدها ... سوى أن عظم الساق منش دقيق4   1 أوغل: أتعمق فيه. مادة "وغل". اللسان "6/ 4880". 2 ما ذكره ابن جني يعرف بظاهرة الكشكشة. 3 المجنون، هو قيس بن الملوح مجنون بني عامر. 4 البيت أحد أربعة أبيات وردت في ديوانه "ص13" طبع بولاق، اختيار أبي بكر الوالبي الأندلسي، وهو في الديوان بالكاف لا بالشين. الجيد: العنق، ومقدمه، وموضع القلادة، والجمع أجياد. مادة "جيد" اللسان "1/ 737". الشرح: يصور الشاعر محبوبته في صورة ظبية جميلة، إلا أن محبوبته تفوق الظبية في دقة عظام الساق. الشاهد في البيت: "عيناش، جيدش، منش" فقد قلب الكاف شينا، والأصل "عيناك، جيدك، منك". إعراب الشواهد: عيناك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الألف، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. وجيدك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والكاف ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. منك: جار ومجرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وقرأت على أبي بكر محمد بن الحسن، عن أبي عباس أحمد بن يحيى لبعضهم. علي فيما أبتغي أبغيش بيضاء ترضيني ولا ترضيش وتطبي ود بني أبيش إذا دنوت جعلت تنئيش وإن نأيت جعلت تدنيش وإن تكلمت حثت في فيش حتى تنقي كنقيق الديش1 فشبه كاف الديك لكسرتها بكاف ضمير المؤنث. ومن كلامهم: "إذا أعياش جاراتش، فأقبلي على ذي بيتش". وربما زادوا على الكاف في الوقف شينا، حرصا على البيان أيضا، فقالوا: مررت بكش، وأعطيتكش، فإذا وصلوا حذفوا الجميع.   1 هذه سبعة أبيات من مشطور الرجز، رواها ثعلب عن أبي الأعرابي، وأوردها في مجالسه. انظر "1/ 141"، ورواها صاحب الخزانة عن ثعلب "1/ 594"، قال ثعلب بعد الأبيات: يجعلون مكان الكاف الشين، وربما جعلوا بعد الكاف الشين والسين يقولون: إنكش، وإنكس قال: وهاء الكشكشة والكسكسة المشهورتان، وهي الكاف المكسورة لا غير، يفعلون هذا توكيدا لكسر الكاف بالشين والسين. والشاهد في البيت الأخير إذ أبدل الكاف المكسورة شينا وليست لخطاب المؤنثة. المفردات: دنوت: قربت. مادة "د ن ا" اللسان "2/ 1435". ونأيت: بعدت. مادة "ن أى" اللسان "6/ 4314". حثثت: ألقت في فيك حثوة من التراب، وهو مقدار راحة اليد. ويقال: حثا عليه التراب حثوا هاله. مادة "ح ث ا" اللسان "2/ 776". إعراب الشاهد: الديك: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 باب الصاد : الصاد حرف مهموس، يكون أصلا وبدلا، لا زائدا. فيكون فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: صبح وصبر، والعين نحو: قصر وبصر، واللام نحو: حفص1 وفحص. والصاد أحد الحروف المستعلية التي تمنع الإمالة2. والحروف التي تمنع الإمالة سبعة، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والخاء، والغين، والقاف. فمن قال في عابد: عابد، لم يقل في صالح صالح، ولا في ضامن ضامن. وكذلك البقية. فما قول طفيل الغنوي3: تنيف إذا اقورت من القود وانطوت ... بهاد رفيع يقهر الخيل صلهب4 فيجوز أن يكون الصاد فيه لغة، ويجوز أن تكون بدلا من سين سلهب، لأنه أكثر تصرفا من صلهب.   1 حفص: الحفص الجمع من حفص الشيء حفصا إذا جمعه. مادة "حفص". 2 الإمالة: نطق الألف بين الألف والياء، ونطق الفتحة بين الفتحة والكسرة. 3 الغنوي: شاعر جاهلي أخذ عنه كثير من الشعراء كزهير والنابغة. 4 تنيف: تشرف. اللسان "6/ 4579". اقورت: ضمرت. اللسان "5/ 3771". القود: قيادها إلى العدو. هاديها: عنقها. اللسان "6/ 4640". ويقهر: يسبق. اللسان "5/ 3764". السلهب: الطويل. اللسان "4/ 2489". يصف الشاعر ناقته وهي تعدو فهي تسبق الخيول السريعة الجري. الشاهد فيه: قلب السين "صادا" في كلمة صلهب فالأصل سلهب، وقد أجاز ابن جني أن تكون صلهب لغة وبذلك تصبح غير منقلبة بل أصل كالسين. إعراب الشاهد: صلهب: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وأما ما قرأته على أبي على من قول الشاعر1: وحال دوني من الأبناء زمزمة ... كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا2 ويروى: صمصمة، وهما الجماعة، فليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه، لأن الأصمعي قد أثبتهما معا، ولم يجعل لأحدهما مزية على صاحبه، وإذا ورد في بعض حروف الكلمة لفظان مستعملان، فالوجه وصحيح القضاء أن نحكم بأنهما كليهما أصلان منفردان، ليس واحد منهما أولى بالأصلية من صاحبه، فلا تزال على هذا معتقدا له حتى تقوم الدلالة على إبدال أحد الحرفين من صاحبه. وهذا عيار في جميع ما يرد عليك من هذا، فاعرفه وقسه تصب إن شاء الله. ألا تراهم قالوا: أنى له أن يفعل كذا، وآن له أن يفعله، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه} 3 فهذا من أنى. وقال الشاعر4: ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا5   1 البيت لسهم بن حنظلة الغنوي. 2 حال: منع. اللسان "2/ 10736". الزمزمة: الجماعة. اللسان "3/ 1866". كانوا الأنوف: كناية عن الشرف والرفعة. يقول: لقد منعني عصبة من أبنائي كرماء ذوي رفعة. الشاهد في قوله: "زمزمة" كما شرحه المؤلف بالمتن. إعراب الشاهد: زمزمة: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. 3 يأن: يحين. اللسان "1/ 192". تخشع: تلين. اللسان "2/ 1165". والشاهد في الآية كما أورده المؤلف. إعراب الشاهد: يأن: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة. 4 لم أعثر على اسمه فيما بيدي من الكتب الأدبية، وقد أورد اللسان البيت في مادة "أين"، ولم ينسبه. اللسان "1/ 192". 5 يئن: يحن. تجلى: تذهب وتزول. أقصر: أعرض. الشرح: لقد حان لي أن أتناسى حب ليلى. الشاهد شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: يئن: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 فجمع بين اللغتين، وذهب الأصمعي إلى أن آن مقلوب عن أني، وأن أني هو الأصل، واستدل على ذلك بوجوده مصدر أني في الكلام، لقوله تعالى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاه} 1 أي بلوغه وإدراكه، ولم يجد لآن مصدرا، فلما وجد لأني أصلا وهو المصدر، وجده بذلك أعم تصرفا، ولم يجد لآن مصدرا، فقل بذلك تصرفه، قضى لأني بأنه أصل لآن، وأما أبو زيد فقال: هما أصلان، وأثبت لآن مصدرا، وقال: يقال: أن الشيء أينا، فكل واحد منهما اتبع ما سمع، وقضى لنفسه بما صح عنده. وتبع ابن السكيت أبا زيد فقال: آن أينا. وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى2 عن ابن الأعرابي قال: يقال: إني وإنى، وحسي وحسى، ومعي ومعى. قال: وحكى أبو الحسن: إنو في إني. قال أبو علي: وهذا كقولهم جبيت الخراج جباوة، أبدلت الواو من الياء، ومثله الحيوان في قول الخليل3، لأن أصله عنده الحييان، وكأنهم إنما استجازوا قلب الياء واوا لغير علة، وإن كانت الواو أثقل من الياء، ليكون ذلك عوضا للواو من كثرة دخول الياء وغلبتها عليها، وليختلف الحرفان فيخفا. وإذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء، جاز قلبها صادا، وذلك قوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُون} ويصاقون، و {مَسَّ سَقَر} وصقر، {وَسَخَّر} وصخر، {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه} وأصبغ، "وسراط" وصراط. وقالوا في سقت صقت، وفي سويق صويق.   1 إناه: أي بلوغه وإدراكه. مادة "أن ي" اللسان "1/ 161". الآية: استشهد بها الأصمعي إلى أن الفعل "أنى" هو الأصل لـ"آن" لأن "أنى" ورد مصدرها أما "آن" فلم يرد لها مصدر. 2 أحمد بن يحيى: ثعلب رأس المدرسة الكوفية في النحو. 3 الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي راس المدرسة البصرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 باب الضاد : الضاد حرف مجهور، وهو أحد الحروف المستعلية، وقد تقدم آنفا ذكرها1، ويكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: ضعف وضبر2، والعين نحو: حضن وحضر، واللام نحو: خفض وربض3. فأما قولهم: نضنض لسانه ونصنصه إذا حركه، فأصلان، وليست الصاد أخت الضاد، فتبدل منها. وأخبرني أبو علي يرفعه إلى الأصمعي، قال: حدثنا عيسى بن عمر، قال سألت ذا الرمة عن النضناض، فأخرج لسانه فحركه، وأنشد: تبيت الحية النضناض منه ... مكان الحب يستمع السرارا4 وقرأت عليه بإسناده قال: قال اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوك5 في خرئه. قال: وسمعت الأصمعي يقول: تصوك. وهذان أيضا أصلان، حتى تقوم الدلالة على قلب أحدهما على صاحبه، وقد تقدم ذكر قانون6 هذا، وكيف ينبغي أن يكون العمل فيه.   1 ورد ذكر الحروف المستعلية فيما سبق وهي: "الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والخاء، والغين، والقاف". 2 ضبر: الشيء ضبرا: جمعه وشده. مادة "ض. ب. ر". اللسان "4/ 2547". 3 ربض: ربضت الغنم وغيرها من الدواب، ربضا وربوضا: طوت قوائمها ولصقت بالأرض وأقامت. والأسد فريسته: وقع عليها وتمكن منها. مادة "ربض". اللسان "3/ 1558". 4 الحية: أنثى الثعبان. النضناض: التي تحرك لسانها. الحب: الحبيب. الشرح: تبيت إلى جواره حية رقطاء وكأنها محبوبته تتسمع منه الأخبار. الشاهد في كلمة "النضناض" كما شرحه المؤلف. إعراب الشاهد: النضناض: نعت مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة. 5 تضوك في خرئه: التطخ به، والخرء يريد به حلقة الدبر. اللسان "2/ 1121". 6 القانون الذي يشير إليه: هو أن الحروف يسهل إبدالها إذا توحدت في المخرج كالثاء والذال، والدال والتاء مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وأما قول الشاعر: إن شكلي وإن شكلك شتى ... فالزمي الخص واخفضي تبيضضي1 فإنه أراد: تبيض، فزاد ضادا ضرورة، لإقامة الوزن. واعلم أن الضاد واحدة من خمسة أحرف يدغم فيهن ما قاربهن، ولا يدغمن هن فيما قاربهن، وهي الراء والشين والضاد والفاء والميم. ويجمعها في اللفظ: ضم شفر، ومنهم من يخرج الضاد من هذه الخمسة، ويقول: قد أدغموا الضاد في الطاء في بعض اللغات، فقالوا في اضطجع: اطجع، وهذه لغة شاذة، ويجمع الأربعة الأحرف الباقية، فيقول هي: مشفر، والقول الأول هو الذي عليه العمل. واعلم أن الضاد للعرب خاصة2، ولا يوجد من كلام العجم إلا في القليل. فأما قول المتنبي3: وهم فخر كل من نطق الضاد ... وعوذ الجاني وغوث الطريد4   1 شتى: يقصد مختلفين. مادة "ش ت ت" اللسان "4/ 2192". الخص: بيت من شجر أو ورق أو قصب. مادة "خ ص ص" اللسان "2/ 1174". اخفضي: أي أقيمي بمكانك من خفض يخفض كضرب، وأما خفض العيش إذا لان واتسع فمن باب كرم، يقال: هم في خفض من العيش أي لين وسعة. اللسان "2/ 1211". الشرح: نحن مختلفين في الشكل ولكن عليك الالتزام بحسن العشرة. الشاهد: شرحه المؤلف في المتن. 2 مثله الظاء، قال في القاموس المحيط: الظاء: حرف خاص بالعرب. 3 المتنبي: هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي الشاعر الحكيم صاحب الأمثال السائرة، وخاتم الثلاثة الشعراء، وآخر من بلغ شعره غاية الارتقاء، ولد بالكوفة سنة 303 هـ، وقتل سنة 354هـ. 4 هذا البيت من قصيدة للمتنبي قالها في صباه مطلعها: كم قتيل كما قتلت شهيدا ... لبياض الطلي وورد الخدود والعوذ في الشاهد: الالتجاء، والمراد به هنا: الملجأ. الغوث: في الأصل النصرة ويراد به هنا الناصر. والضمير في هم: يرجع إلى أجداده الذين ذكرهم في البيت الذي قبله. لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي والشاهد: شرحه المؤلف في المتن. إعراب محل الشاهد: الضاد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فذهب فيه إلى أنها للعرب خاصة، ولا يعترض مثله1 على أصحابنا2، وقد ذكرت هذا في كتابي في تفسير شعره. وأما قول الشاعر3: إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خصال كلها لي غائض4 فقالوا: أراد غائظ، فأبدل الظاء ضادا. ويجوز عندي أن يكون غائض غير بدل، ولكنه من غاضه، أي نقصه، فيكون معناه أنه ينقصني ويتهضمني.   1 مثله: الضمير فيه يعود على المتنبي. 2 أصحابنا: يريد النحاة البصريين. 3 لم نعرف اسمه ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة. 4 الخليل: الصديق أوده: من الود وهو الحب. غائض: من غاضه إذا نقصه. وهذا رأي ابن سيده، بينما يرى ابن جني أنها غائظ على البدل حيث أبدل الظاء ضادا، وأورد صاحب اللسان البيت في مادة "غ ي ض" "5/ 3327". يقول: أشكو إلى الله من حبيبي الذي أوده، وفيه ثلاث خصال كلها غائظ لي. والشاهد: شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: غائض: خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 باب الطاء : اعلم أن الطاء حرف مجهور مستعل، يكون أصلا وبدلا، ولا يكون زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: طبل وطحن، والعين نحو: فطر وخطب، واللام نحو: قرط وقرط1. وأما البدل فإن تاء "افتعل" إذا كانت فاؤه صادا أو ضادا أو طاء أو ظاء، يقلب طاء البتة، لابد من ذلك، كما لا بد من إعلال نحو: قال وباع البتة، وذلك قولك من الصبر اصطبر، ومن الضرب اضطرب، ومن الطرد اطرد، ومن الظهر اظطهر بحاجتي. وأما اطرد فليس الإبدال فيه من قبل الإدماغ، وإنما هو لأن قبلها حرفا مطبقا، ألا ترى إلى اصطبر واضطرب واضطهر مبدلا ولا إدغام فيه. وأصل هذا كله اصتبر واضترب واطترد واظتهر، ولكنهم لما رأوا التاء بعد هذه الأحرف، والتاء مهموسة، وهذه الأحرف مطبقة2، والتاء مخفتة، قربوها من لفظ الصاد والضاد والطاء، بأن قلبوها إلى أقرب الحروف منهن، وهو الطاء، لأن الطاء أخت التاء في المخرج، وأخت هؤلاء الأحرف في الإطباق والاستعلاء، وقلبوها مع الطاء طاء أيضا، لتوافقها في الجهر والاستعلاء، وليكون الصوت متفقا، ومنهم من يقلب التاء إلى لفظ ما قبلها، فيقول اصضبر ومصبر، واضرب ومضرب، واظهر ومظهر، وقرأ بعضهم "أن يصلحا"، يريد يصطلحا. ومنهم من إذا كانت الفاء ظاء أبدل التاء طاء، ثم أبدل الظاء طاء، وأدغم الطاء في الطاء، فيقول اطهر بحاجتي، وظلمته فاطلم، وذلك لما بين الظاء والطاء من المقاربة في الإطباق والاستعلاء، ومن أجاز هذ القول فقال اطلم لم يجزه مع الصاد ولا مع الضاد، لا تقول في اصطبر: اطبر، ولا في اضطرب: اطرب. وذلك لأن   1 قرط: قرط الصبية ألبسها القرط, وعلى فلان: أعطاه قليلا قليلا. مادة "قرط". 2 الإطباق: أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا فيفخم نطق الحرف، وحروف الإطباق هي: "ص، ض، ط، ظ". مادة "طبق". اللسان "4/ 2637". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 في الصاد طولا وصفيرا، فلا تدغم هي ولا أختاها السين والزاي في الطاء، ولا في أختيها الدال والتاء، ولا في الظاء ولا أختيها الذال والثاء، وهذا مشروح في فصل الإدغام. وأما الضاد فلأن فيها طولا وتفشيا، فلو أدغمت في الطاء لذهب ما فيها من التفشي، فلم يجز ذلك، كما لم يجز إدغام حروف الصفير1 في الطاء ولا في أختيها، ولا في الظاء ولا في أختيها، لئلا يسلبهن الإدغام ما فيهن من الصفير. على أن سيبويه قد حكى عن بعضهم عن طريق الشذوذ: اطجع في اضطجع، وهذا شاذ لا يؤخذ به، وينشد بيت زهير2 على أربع أوجه. هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم3 ويروى: فيطلم، ويروى: فيظلم، وقد تقدم تفسير هذه الثلاثة، والرابع: فينظلم، وهذه ينفعل، وليست من الضرب الأول، ولا يلحق مثلها تغيير. فأما ما قرأته على أبي علي عن أبي بكر، عن أبي العباس، عن أبي عثمان، من قوله4: وفي كل حي قد خبط بنعمة ... فحق لشأش من نداك ذنوب5   1 الصفير: صوت على درجة كبيرة من الرخاوة، كالسين والزاي والصاد. اللسان "4/ 2460". 2 زهير: هو زهير بن أبي سلمى واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور من هزمة بن لام بن عثمان بن مزينة، لزم هرم بن سنان وكان يمدحه وكان هرم يجزل له العطاء حتى أقسم أن يعطيه كلما رآه. 3 الجواد: الكريم السخي. النائل: ما ينال ويدرك. مادة "نيل". يصف الشاعر ممدوحه -هرم بن سنان- بأنه شخص جواد عفو يعطي بلا حساب وقد كان. والشاهد: شرحه المؤلف في المتن ووجهه. 4 علقمة بن عبدة التميمي الملقب بالفحل، واسمه علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم ولقب بالفحل لأنه خلف امرأ القيس على زوجه. 5 خبطت بنعمة: أي أنعمت بنعمة وتفضلت بها. مادة "خ ب ط" اللسان "2/ 1094". الذنوب: الدلو، والمراد هنا النصيب من النعمة. مادة "ذ ن ب" اللسان "3/ 1520". وشأس: أخوه. مادة "ش أس" اللسان "4/ 2176". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فإنه أراد خبطت، ولو قال خبطت لكان أقيس اللغتين، وذلك أن هذه التاء ليست متصلة بما قبلها اتصال تاء افتعل بمثالها الذي هي فيه، ولكنه شبه تاء خبطت بتاء افتعل من حيث أذكره لك، فقلبها طاء، لوقوع الطاء قبلها، كقولك اطلع واطرد، وعلى هذا قالوا: فحصط برجلي، كما قالوا اصطبر. ووجه شبه تاء فعلت بتاء افتعل أنها ضمير الفاعل، وضمير الفاعل قد أجري في كثير من أحكامه من الفعل مجرى بعض أجزاء الكلمة من الكلمة، وذلك لشدة اتصال الفعل بالفاعل، واستدل أبو علي على شدة اتصال الفعل بالفاعل بأربعة أدلة، واستدللت أنا أيضا بخمسة أدلة أخر غير ما استدل به هو، وأنا أورد ما قال في ذلك، وأتليه ما رأيته، والله الموفق. فما استدل به على شدة اتصال الفعل بالفاعل تسكينهم لام الفعل إذا اتصلت به علامة ضمير الفاعل، وذلك نحو ضربت ودخلت وخرجت، وإنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يقولوا: ضربت ودخلت وخرجت، لتوالي أربعة متحركات، فلولا أنهم قد نزلوا التاء من ضربت منزلة راء جعفر منه، لما امتنعوا من أن يقولوا ضربت، ولكنه لما لم يوجد في كلامهم كلمة اجتمعت فيها أربعة متحركات، ونزلت التاء من فعلت منزلة جزء من الفعل، أسكنوا اللام، كراهية اجتماع المتحركات، ألا ترى أنهم لا يكرهون هذا التوالي إذا اتصل الفعل بضمير المفعول، وذلك نحو: ضربك وضربه، وذلك أنه ليس لضمير المفعول من الاتصال بالفعل ما لضمير الفاعل، لأن الفعل لا بد له من فاعل التبة، وقد يستغنى عن المفعول في كثير من أحكامه.   = الشرح: شبه إصابة الناس بالنعم بخبط الراعي ورق الشجر، ليطعم ماشيته. ويشير بقوله "في كل حي قد خبطت بنعمة" إلى إطلاق الحارث بن أبي شمر أسارى بني أسد لما شفع إليه فيهم النابغة فجاء علقمة بعد هذا يشفع في أسارى بني تميم وفيهم أخوه شأس، وللقصيدة قصة مفصلة في كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة في ترجمة علقمة، وفي تاريخ ابن الأثير "1/ 401". الشاهد: شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: خبطت: فعل ماضي مبني على السكون والتاء: ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ودليل له آخر، وهو امتناعهم من العطف على ضمير الفاعل نحو: قمت وزيد، وقعدت وبكر، فاستقباحهم لذلك حتى يؤكدوه فيقووه ويلحقوه بالأسماء في نحو: قمت أنا وزيد، وقعدت أنا وجعفر -دلالة على أنههم قد نزلوا التاء منزلة بعض الفعل، فكما لا يحسن أن تعطف الاسم على بعض الفعل، كذلك لم يستحسنوا عطفه على التاء من قمت، لضعف التاء، وامتزاجها بالفعل، وكونها كجزء منه. ودليل له ثالث، وهو امتناعهم من جواز تقدم الفاعل على الفعل، وإن كانوا يجيزون تقدم خبر المتبدأ عليه، فكما لا يقدمون الدال على الزاي من زيد، كذلك امتنعوا من تقديم الفاعل على الفعل. ودليل له رابع، وهو من أغربها وألطفها، وهو قولهم في التثنية: يقومان، فالنون علامة الرفع بمنزلة ضمة الميم من يقوم في الواحد، وعلامة الرفع ينبغي أن تلحق المرفوع مع انقضاء أجزائه بلا فرق ولا تراخ، فمجيء النون في يقومان بعد الألف التي هي ضمير الفاعلين، يدل من مذهبهم على أنهم قد أحلوا ضمير الفاعل محل حرف الإعراب من الفعل، لأنهم أولوا ضميره علامة الرفع، وهي النون في يقومان ويقعدان، كما أولوا حرف الإعراب في الواحد، وهو الميم من يقوم، علم الرفع، وهو الضمة في يقوم ويقعد وباشروه به، ففي هذا أقوى دليل على شدة امتزاج الفعل بالفاعل، وكونه معه كبعض أجزائه منه. وكذلك يقومون وتقومين. وأما الخمسة الأدلة التي رأيتها أنا في شدة اتصال الفعل بالفاعل، فأولها أني رأيتهم قد أجروا الفعل والفاعل في قولهم حبذا مجرى الجزء الواحد من ثلاث جهات: إحداها أن الفعل الذي هو "حب" والفاعل الذي هو"ذا" قد قرن أحدهما بصاحبه، ومع ذلك فلم يستقلا، ولم يفيدا شيئا حتى تربط بهما اسما بعدهما، فتقول حبذا زيد وحبذا محمد، فلولا أنهما قد تنزلا منزلة الجزء الواحد، لاستقلا بأنفسهما، كما يجب في الفعل والفاعل، نحو قام زيد وقعد محمد، فكما أنك لو قلت: زيد، وسكت، أو قلت قعد، وسكت، ولم تذكر بعد ذلك اسما، لم يتم الكلام، ولم يستقل. فكذلك أيضا جرى حبذا، وإن كان فعلا وفاعلا في حاجته إلى ما بعده حاجة الجزء المفرد إلى ما بعده، مجرى الجزء الواحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 والجهة الأخرى إجازة النحويين أن يقولوا في قولهم: حبذا زيد، أن حبذا في موضع مرفوع بالابتداء، وزيد في موضع خبر حبذا، فلولا أنه قد تنزل عندهم أن حب وذا جميعا قد جريا مجرى زيد وحده، لما وسموه بأنه في موضع رفع بالابتداء، وأن ما بعده خبر عنه. والجهة الثالثة أن حبذا قد أجري على الواحد والاثنين والثلاثة، والمذكر والمؤنث مجرى واحدا، في قولك: حبذا زيد، وحبذا هند، وحبذا الزيدان، وحبذا الهندان، وحبذا الزيدون، وحبذا الهندات، فلولا أن حب قد خلط بذا، حتى صارا معا كالجزء الواحد، وخرجا عما عليه الفعل والفاعل في فرش هذه اللغة، لقالوا: حبذه هند، وحبذان الزيادان، وحبتان الهندان، وحب هؤلاء الزيدون والهندات. فامتناعهم من هذه الفصول والفروق المطردة مع غير حبذا دلالة على امتزاجهما عندهم، وجريهما مجرى الكلمة الواحدة مما حدث لهما من الانضمام وقوة التركيب، فاعرف ذلك. ويقوي ذلك أيضا قول العرب: لا تحبذه بما لا ينفعه، أي لا تقل له حبذا، فاشتقاقهم الفعل منهما أقوى دلالة على شدة امتزاجها. فهذا أحد الأدلة. ودليل ثان، وهو أنهم قد قالوا: قامت هند، وقعدت جمل، فألحقوا التاء الفعل، وهي في الحقيقة علامة تأنيث الفاعل، فلولا أن الفعل والفاعل جميعا كالجزء الواحد، لما جاز أن يريدوا بالتأنيث شيئا ويجعلوه في غيره، حتى يكونا معا كالشيء الواحد. ويدل على أن المقصود بالتأنيث إنما هو هند في الحقيقة لا الفعل الذي باشرته، وصيغت معه التاء، أن الفعل لا يصح فيه معنى التأنيث، وذلك أنه دال على الجنس، والجنس إلى الإشاعة والعموم أبدا، فهو أيضا إلى التذكير، ألا ترى أن أعم الأشياء وأشيعها "شيء"، وشيء مذكر كما ترى، فهذا يؤكد عندك أن الشيء كلما شاع وعم، فالتذكير أولى به من التأنيث، ولذلك قال سيبويه لو سميت امرأة بنعم وبئس لم تصرفهما، لأن الأفعال كلها مذكرة. فقد صح بما أوردته أن التاء في قامت هند إنما المقصود بتأنيثها هو الفاعل الذي يصح تأنيثه، لا الفعل الذي يصح تأنيثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وأيضا فلو كان المراد تأنيث الفعل دون فاعله لجاز قامت زيد ونحو ذلك. ودليل ثالث، وهو أن أبا زيد1 أنشد2: إذا ما كنت ملتمسا لغوث ... فلا تصرخ بكنتي كبير3 وأنشد أحمد بن يحيى4: فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا ... وشر خصال المرء كنت وعاجن5 فقوله "كنتيا" معناه أنه يقول: كنت في شبابي أفعل كذ ا، وكنت في حداثتي أصنع كذا، وكنت: فعل، وفاعله التاء، ومن الأصول المستمرة أنك لو سميت رجلا بجملة مركبة من فعل وفاعل، ثم أضفت إليه، أي نسبت، لأوقعت الإضافة على الصدر، وحذفت الفاعل، وعلى ذلك قالوا في النسب إلى تأبط شرا: تأبطي، وفي قمت: قومي، حذفوا التاء، وحركت الميم بالكسرة التي تجتلبها ياء الإضافة، فلما تحركت رجعت الواو التي كانت سقطت لسكونها وسكون الميم، وتلك الواو عين الفعل من قام، فقلت: قومي، وكذا كان القياس أن تقول في كنت: كوني، تحذف التاء، لأنها الفاعل، وتحرك النون، فترد الواو التي هي عين الفعل من كنت، فقولهم: كنتي، وإقرارهم التاء التي هي ضمير الفاعل مع ياء الإضافة، يدل على أنهم قد   1 أبو زيد: صاحب النوادر، واستشهد ابن جني وأبو علي الفارسي بشواهده. 2 البيت لم أعرف قائله وأنشده اللسان في مادة "كون". اللسان "5/ 3962". 3 ملتمسا: طالبا. اللسان "5/ 4073". الغوث: النجدة. اللسان "5/ 3312". الكنتي: الشيخ الكبير. نسب إلى كنت في شبابي. مادة "ك ون" اللسان "5/ 3962". يقول إذا استنجدت فلا تستنجد بعجوز عاجز. الشاهد شرحه المؤلف في المتن، وهو في كلمة "كنتي". 4 أحمد بن يحيى: ثعلب رأس النحاة الكوفيين. 5 البيت لم أعثر على قائله، وأورده اللسان في مادة "كون". العاجن: من الرجال الذي يعتمد على الأرض بجمعه، إذا أراد النهوض من كبر أو بدانة. الخصال: جمع خصلة وهي الخلق في الإنسان، فضيلة كانت أو رذيلة. اللسان "2/ 1175". يقول: لقد كبر سني حتى لم يعد لي إلا ذكريات الماضي والعجز. الشاهد: شرحه ابن جني في المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 أجروا الضمير الفاعل مع الفعل مجرى دال زيد من زايه ويائه، وكأنهم نبهوا بهذا ونحوه مما يجري مجراه على اعتقادهم قوة اتصال الفعل بالفاعل، وأنهما قد حلا جميعا محل الجزء الواحد. ودليل رابع: وهو أن أبا عثمان ذهب في قوله عز اسمه: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم} 1 إلى أنه أراد: ألق ألق. قال. فثنى ضمير الفاعل، فناب ذلك عن تكرير الفعل فهذا أيضا يشهد بشدة اشتراكهما، ألا ترى أنه لما ثنى أحدهما وهو ضمير الفاعل، ناب عن تكرير الفعل، وإنما ناب عنه لقوة امتزاجهما، فكأن أحدهما إذا حضر فقد حضرا جميعا. ودليل خامس: وهو قولهم: زيد ظننت قائم، فيمن ألغى، فلولا أن الفعل مع الفاعل كالجزء الواحد، لما جاز إلغاء الفاعل في ظننت. فهذا كله يشهد بقوة اختلاط الفعل بالفاعل، وإذا كان ذلك كذلك، فمن هنا جاز تشبيه تاء "فعلت" بتاء "افتعل" حتى جاز لبعضهم أن يقول: فحصط برجلي، وخبط بنعمة، قياسا على اصطبر واطلع. فاعرف ذلك، فإنه من سر هذه الصناعة.   1 الآية في سورة "ق". ألقيا: اقذفا، وارميا. مادة "ل ق ا" اللسان "5/ 4066". وجهنم: علم على النار. وسميت بذلك لبعد قعرها. اللسان "1/ 715". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 باب الظاء : الظاء حرف مجهور، يكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: ظلم وظفر، والعين نحو: عظم وحظر، واللام نحو: حفظ ووعظ. واعلم أن الظاء لا توجد في كلام النبط1، وإذا وقعت فيه قلبوها طاء، ولهذا قالوا: البرطلة2، وإنما هو ابن الظل، وقالوا ناطور، وإنما هو ناظور، فاعول من نظر ينظر. كذا قول أصحابنا، فأما أحمد بن يحيى فإنه قال: ناطور ونواطير، مثل حاصود وحواصيد، والنواطر مثل الحواصد، وقد نطر ينطر، فصحح أمر الطاء كما ترى، وأنشد: تغذينا إذا هبت علينا ... وتملأ وجه ناطركم غبارا 3 ومن هذا قولهم مستنظر، وإنما هو مستنظر مستفعل من نظرت أنظر بالظاء معجمة.   1 النبط: الأنباط: وهم شعب سامي كانت له دولة في شمالي شبه الجزيرة العربية، وعاصمتهم "سلع" وتعرف اليوم بـ"البتراء". مادة "ن. ب. ط". اللسان "6/ 4326". 2 البرطلة: كلام نبطي، ليس من كلام العرب، قال أبو حاتم: قال الأصمعي: بر: ابن، النبط: يجعلون الظاء طاء، فكأنهم أرادوا: "ابن الظل"، والبرطلة: المظلة الصيفية. وعلى هذا تكون عبارة ابن الظل تفسيرا للبرطلة، والبرطلة بفتح الباء وضمها. 3 يقول الشاعر لمن يحدثه: إن الريح أفضل جيراننا فهي تأتينا بالغذاء إن هبت علينا أما إن هبت على الآخرين فإنها تغبر وجوههم فقط. الشاهد في قوله "ناطركم" بالطاء المهملة فأصلها الظاء. إعراب الشاهد: تملأ: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل مستتر تقديره هي. وجه: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ناظركم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة. غبارا: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وقد ذكرت هذا الحرف من هذا الوجه1 في كتاب في تفسير شعر المتنبي، عند قوله: نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... فقد بشمن وما تفنى العناقيد2 وأنشد ابن الأعرابي: وشف فؤادي أن للعذب ناظرا ... حمَاه وأني لا أعيج بمالح3 فجاء بالظاء معجمة كما ترى.   1 الوجه: يقصد الجهة. مادة "وج هـ" اللسان "6/ 4775". 2 نواطير مصر: ساداتها. مادة "ن ط ر" اللسان "6/ 4460". وثعالبها: كناية عن الخدم والعبيد، وثعلب الرجل جبن وراغ على التشبيه بعدو الثعلب. مادة "ثعلب" اللسان "1/ 485". بشمن: شبعن. العناقيد: خيرات مصر. مادة "ع ن ق د". اللسان "4/ 3137". يقول المتنبي في بيته: غفل السادات عن العبيد، فأكثروا من العبث في أموال الناس حتى أكلوا فوق الشبع. الشاهد في قوله "نواطير" بالطاء المهملة. إعراب الشاهد: نامت: فعل ماضي مبني على الفتح. نواطير: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. مصر: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة. عن ثعالبها: جار ومجرور. 3 شف فؤاده الحزن: إذا لذعه. مادة "ش ف ف" اللسان "4/ 2290". لا أعيج: لا أميل عليه طالبا الري لملوحته الشديدة. مادة "ع ج ا" اللسان "4/ 2831". شرح البيت: يريد أن يتألم لعدم قدرته على شرب الماء العذب لوجود حارسه، بينما هو لا يستطيع أيضا شرب الماء المالح. الشاهد في قوله: "ناظر" بالظاء المعجمة وهي بمعنى "الناظر" بالطاء المهملة أي الحارس. إعراب الشاهد: أن: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. للعذب: جار ومجرور في محل رفع خبر أن. ناظرا: اسم أن منصوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقرأت على أبي علي، عن أبي بكر1، عن بعض أصحاب يعقوب، عنه، قال: يقال: تركته وقيذا2 ووقيظا. والوجه عندي3 والقياس أن تكون الظاء بدلا من الذال لقوله عز اسمه: {وَالْمَوْقُوذَةُ} بالذال. ولقولهم: وقذه يقذه، ولم أسمع وقظه، ولا موقوظه، فالذال إذن أعم تصرفا، فلذلك قضينا بأنها هي الأصل.   1 يريد أبا بكر بن مقسم، وهو أحد شيوخ أبي علي الفارسي. 2 الوقيذ: الموقوذة: وهي الشاة تضرب بخشبة حتى تموت فتؤكل، وقد نهى الله عن أكلها. 3 ظاهر الكلام أن هذا الرأي لابن جني، ولكن صاحب اللسان نقل ما يفيد أنه كلام أبي علي الفارسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 باب العين : العين حرف مجهور، يكون أصلا وبدلا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: عرق1 وعرق، والعين نحو: شعر وشعر، واللام نحو: صنع وصنع. وأما البدل فقد أبدلت من الهمزة، أنشدوا لذي الرمة: أعن توسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم2 يريد: أن. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن قراءة عليه، عن أبي العباس أحمد بن يحيى، أحسبه أنا عن الأصمعي، قال: ارتفعت قريش في الفصاحة3 عن عنعنة4 تميم، وتلتلة5 بهراء، وكشكشة6 ربيعة، وكسكسة7 هوازن، وتضجع 8 قيس، وعجرفية ضبة.   1 العرق: أصل كل شيء. "ج" أعراق. مادة "ع. ر. ق". اللسان "4/ 2904". 2 البيت مطلع قصيدة لذي الرمة، عدد أبياتها أربعة وثمانون بيتا، وهي القصيدة الخامسة والسبعون من ديوانه المطبوع في كيمبردج سنة 1919م. ترسمت: نظرت رسومها. وخرقاء: اسم امرأة كان يشبب بها. ومنزلة: موضع النزول. الصبابة: رقة الشوق. ومسجوم: مصبوب. الشاهد في قوله: "أعن" إذ قلب همزة "أن" "عينا". إعراب الشاهد: "أعن" الهمزة للاستفهام. "عن: أن" حرف مصدري. توسمت: فعل ماضي مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. من خرقاء: جار ومجررور. منزلة: مفعول به منصوب. 3 الفصاحة: سلامة الألفاظ من الإبهام وسوء التأليف. مادة "ف. ص. ح". 4 العنعنة: قلب الهمزة عينا. وهي لغة تميم وقيس وأسد ومن جاورهم. اللسان "1/ 3143". 5 التلتلة: كسر تاء تفعلون، يقولون: تعلمون تشهدون، ونحوه. اللسان "1/ 442". 6 الكشكشة: إلحاق شين مكسورة بعد كاف الخطاب في ضمير المؤنث خاصة وذلك عند الوقف. 7 الكسكسة: إلحاق شين مكسورة بعد كاف الخطاب في ضمير المؤنث عند الوقف. 8 التضجع: الميل وضعف الرأي. مادة "ض. ج. ع". اللسان "4/ 2553". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فأما عنعنة تميم، فإن تميما في موضع "أن": "عن"، وتقول: ظننت عن عبد الله قائم. قال: وسمعت1 ابن هرمة ينشد هارون: أعن تغنت على ساق مطوقة ... ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد2 وأما تلتلة بهراء، فإنها تقول: تعلمون وتفعلون وتصنعون بكسر أوائل الحروف. انقضت الحكاية. ومعنى قوله "كشكشة ربيعة"، فإنما يريد قولها مع كاف ضمير المؤنث إنكش ورأيتكش، وأعطيتكش. تفعل هذا في الوقف، فإذا وصلت أسقطت الشين. وأما "كسكسة هوازن" فقولهم أيضا: أعطيتكس، ومنكس، وعنكس. وهذا أيضا في الوقف دون الوصل، وقد مضى ذكر هاتين اللغتين في حرف السين والشين.   1 عبارة المؤلف هنا تشعر بأن قائل هذا الخبر هو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب "200-291"، فيكون من المشكل، لأنه لم يعاصر ابن هرمة ولا هارون الرشيد، ويدفع بأن ابن جني قال قريبا: "أحسبه أنا عن الأصمعي" وبهذا يكون راوي الخبر هو الأصمعي، لا أحمد بن يحيى ... والأصمعي قد عاصر الرشيد وابن هرمة، ويؤيد هذا ما جاء في الجزء الأول من إحدى نسخ الخصائص، وهي النسخة المخطوطة برقم "110" "نحو" بدار الكتب المصرية، إذا جاء فيها، في "باب اختلاف اللغات وكلها حجة" قال الأصمعي: سمعت ابن هرمة ينشد هارون: "أعن تغنت.. إلخ" ويكون ما ذكره ابن جني في الخصائص تحقيقا لما شك في سر الصناعة، لأنه قد ألفه قبل الخصائص، كما صرح بما يدل على ذلك مرارا في الخصائص. 2 المطوقة: حمامة ذات طوق، وهو صنف من الحمام. مادة "ط وق" اللسان "4/ 2724". الورقاء: صفة من الورقة، وهي ما كان لونها لون الرماد. اللسان "6/ 4816". والهديل: ذكر الحمام مطلقا، وقيل: فرخها، وقيل: صوتها. مادة "هدل". شرح البيت: أأن أنشدت حمامة تدعو زوجها. أشجاك ذلك وذكرك بالحبيب. الشاهد في قوله: "أعن" فقد قلب همزة "أن" عينا. إعراب الشاهد: أعن: الهمزة للاستفهام، وعن مصدرية، تغنت: فعل ماضي مبني. على ساق: جار ومجرور، مطوقة: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وأنشدني أبو علي: من لي من هجران ليلى من لي والحبل من حبالها المنحل تعرضت لي بمكان حل تعرض المهرة1 في الطول تعرضا لم تأل2 عن قتلا لي3 هكذا أنشدنيه: "عن قتلا"، وحمله تأولين: أحدهما أنه قال: يجوز أن يكون أراد الحكاية، كأنه حكى النصب الذي كان معتادا من قولها في بابه، أي كانت تقول: قتلا قتلا، أي أنا أقتله قتلا، ثم حكى ما كانت تلفظ به، كما تقول: بدأت بالحمد الله، وقرأت على خاتمة: الله ربنا. وكقول الآخر4: وجدنا في كتاب بني تميم ... أحق الخيل بالركض المعار5 أي وجدنا هذا مكتوبا عندهم، والمعار ها هنا: السمين، هكذا قال أبو حاتم. وليس المعار هنا من باب العارية6 كما يظن قوم.   1 المهرة: هي الأنثى من ولد الفرس. "ج" مهر. مادة "م. هـ. ر". اللسان "6/ 4287". 2 تأل: تدخر. 3 معنى هذا الشاهد والكلام عليه سبق. 4 البيت أنشده اللسان في "عير" ونسبه إلى الطرماح بن حكيم، ثم نقل عن ابن بري نسبته إلى بشر بن أبي خازم. 5 المعار: أعار الفرس: سمنه، أو ضمره بترديده، من عار يعير: أذا ذهب وجاء، وأعاره صاحبه، فهو معار. مادة "ع ي ر" اللسان "4/ 3186". إعراب الشاهد: أحق: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة. الخيل: مضاف إليه. بالركض: جار ومجرور. المعار: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. 6 العارية: ما تعطيه غيرك على أن يرده لك، يقال في المثل: "كل عارية مستردة"، "ج" عوار مادة "ع. و. ر". اللسان "4/ 3168". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ونحو من هذه الحكاية ما أجازه أبو علي في قول الشاعر: تنادوا بالرحيل غدا ... وفي ترحالهم نفسي1 أجاز في الرحيل ثلاثة أوجه: الجر بالباء، والرفع، والنصب على الحكاية. فكأنهم قالوا: الرحيل غدا، أو نرحل الرحيل غدا، أو نجعل الرحيل، أو أجمعوا الرحيل غدا، فحكي المرفوع والمنصوب. وأنشد أبو العباس لذي الرمة: سمعت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا2 أي سمعت من يقول: الناس ينتجعون غيثا، وحكى سيبويه أن بعضهم قيل له ألست قرشيا؟ فقال: لست بقرشيا. والحكاية كثيرة يطول الكتاب بذكرها وشرح أحكامها، وخلاف العرب والعلماء فيها.   1 لم نعثر على قائل هذا البيت، وقد ذكره الرضي في شواهد الكافية في باب الحكاية ولم ينسبه، وقال البغدادي في الخزانة في شرح البيت، نقله القاسم بن علي الحريري في درة الغواص عن ابن جنب ولم يزد شيئا. شرح البيت: نادى الأحباء بالرحيل وإن رحلوا فسترحل نفسي معهم. إعراب الشاهد: تنادوا: فعل ماضي مبني، والواو فاعل. الرحيل: مبتدأ مرفوع. 2 ينتجعون: يذهبون لطلب الكلأ. مادة "ن. ج. ع" اللسان "6/ 4353". الغيث: المطر. اللسان "5/ 3323". صيدح: اسم ناقة ذي الرمة. اللسان "4/ 2409". بلال: هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. شرح البيت: سمعت أن الناس تذهب إلى أماكن الغيث طلبا للكلأ، أما أنا فمنتجعي وغيثي هو بلال بن أبي بردة. إعراب الشاهد: سمعت: فعل ماضي، والتاء: ضمير فاعل. الناس: مبتدأ مرفوع على الحكاية. ينتجعون: مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: فاعل، غيثا: مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 والوجه الآخر الذي أجازه أبو علي1 في قوله "عن قتلا لي": أنه قال: يجوز أن يكون أراد "أن قتلا لي" أي أن قتلتني قتلا، فأبدل الهمزة عينا. فهذا أيضا من عنعنة تميم. وقولهم "عنعنة" مشتق من قولهم "عن، عن، عن" في كثير من المواضع، ومجيء النون في العنعنة يدل على أن إبدالهم إياها إنما هو في همزة "أن" دون غيرها. وقد اشتقت العرب أفعالا ومصادر من الحروف. أخبرني أبو علي أن بعضهم قال: سألتك حاجة فلاليت لي، وسألتك حاجة فلوليت لي، أي قلت لي في الأول: لا، وفي الثاني: لولا. وقد اشتقوهما أيضا من الأصوات، قالوا: بأبأ الصبي أبوه: إذا قال له: بأبي، وبأبأه الصبي إذا قال له: بابا. وقال الفراء: بأبأت بالصبي بئباء: إذا قلت له: بئبا2. وقالوا: صهصهت بالرجل: إذا قلت له: صه3 صه. وقد قالوا أيضا: صهصيت، فأبدلوا الياء من الهاء، كما قالوا: دهديت الحجر، وأصله دهدهته4 والدلالة على أنه من الهاء قولهم دهدوهة الجعل لدحروجته. وقال أبو النجم: كأن صوت جرعها المستجل ... جندلة دهديتها في جندل5   1 أبو علي هو أبو علي الفارسي، عالم نحوي عربي. 2 في لسان العرب مادة "بأبأ" "1/ 198": وقال الفراء: بأبأت بالصبي بئباء، إذا قلت له: بأبي، وفيه أيضا إذا قلت: بأبي أنت، فالباء في أول الاسم حرف جر بمنزلة اللام في قولك: لله أنت، فإذا اشتققت منه فعلا اشتقاقا صوتيا، استحال ذلك التقدير فقلت: بأبأت به بئباء، وقد أكثرت من البأبأ، فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كان قد علم أنها فيما اشتقت منه زائدة للجر، وعلى هذا منها "البأب" فصار فعلا من باب سلس وخلق، قال: يا بأبي أنت ويا فوق البئب فالبئب الآن بمنزلة الضلع والعنب. 3 صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت. 4 دهدهته: أي دحرجته. مادة "د. هـ. د". اللسان "2/ 1437". 5 الضمير في جرعها: لعله عائد إلى الناقة. والجندل: الحجارة، الواحدة: جندلة. مادة "ج ن د ل" اللسان "1/ 699". يقول: إن لجرعها الماء قعقعة تشبه صوت وقوع بعض الحجارة على بعض. الشاهد: "جندلة دهديتها في جندل". إعراب الشاهد: جندلة: خبر كأن مرفوع. دهديتها: فعل وفاعل ومفعول. في جندل: جار ومجرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ومن ذلك قولهم في زجر1 الإبل وغيرها: حاحيت، وعاعيت، وهاهيت: إذا صحت بها: حاء، وعاء، وهاء. ومن هذا قولهم هلل الرجل إذا قال: لا إله إلا الله، وحولق: إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وبسمل إذا قال: باسم الله، وسبحل إذا قال: سبحان الله، ولبى إذا قال: لبيك، فالألف في لبى عند بعضهم هي ياء التثنية في لبيك، لأنه اشتق من الاسم المثنى مع حرف التثنية فعلا، ومن هذا قولهم: دعدع إذا قال للغنم: داع داع. قال الكميت: ولو ولي الهوج الثوائج بالذي ... ولينا به ما دعدع المترخل2 وأخبرني أبو علي قال: قال الأصمعي: إذا قيل لك: هلم3 فقل لا أهلم، وقال: هلممت بالرجل إذا قلت له: هلم، فاشتقوا منها، وأصلها: هالم.   1 زجر: منع وانتهر. مادة "زجر". اللسان "3/ 1813". 2 ولي: رعى. مادة "ول ي" اللسان "6/ 4923". الهوج: الحمق المتسرعون، جمع أهوج وهوجاء. اللسان "6/ 4717". والثوائج: الضأن الصائحة، ويروى النوائح، والسوائح، وهما بمعنى الصوائح. دعدع بالغنم: قال لها داع داع. زجرا لها أو دعاء لها. اللسان "2/ 1382". والمترخل: ذو الرخال، جمع رخل ورخل، وهي الأنثى من أولاد الضأن، والذكر حمل. شرح البيت: لو رعيت الغنم بمثل ما نساس به ونحكم، لهلكت جميعا، ولم يجد صاحبها ما يزجره أو يدعوه منها. إعراب الشاهد: وهو "ما دعدع المترخل": ما: نافية. دعدع: ماضي مبني للمجهول مبني على الفتح. المترخل: نائب فاعل. 3 هلم: اسم فعل أمر بمعنى تعال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وأخبرني أيضا قال: قال الأصمعي أو أبو زيد "أشك أنا"1: رجل ويلمة: للداهية، فهذا أيضا من قولهم: ويل ام سعد سعدا2   1 التحقيق أن العبارة لأبي زيد لا للأصمعي، فقد جاء في النوادر له "ص244": "ويقال: وهو رجل ويلمة والويلمة من الرجال الداهية، الذي لا يطاق". وقال الرياشي "النوادر ص244": رجل ويلمة والويلمة من الرجال الداهية. وقد عقب أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير، تلميذ المبرد عليهما فقال: "من كلام العرب السائر أن يقولوا للرجل الداهية: أنه لويل أمه صمحمحا، والصمحمح الشديد، هذا المعروف، والذي حكاه أبو زيد غير ممتنع، جعله اسما واحدا فأعربه، فأما حكاية الرياشي في إدخال الألف واللام على اسم مضاف، فلا أعلم له وجها. ويدلك على ما قلناه ما أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد وغيره للحطيئة: ويلمة مسعر حرب إذا ... غودر فيها وعليه الشليل تشقى به الناب إذا ما شتا ... والفحل والمصعبة الخنشليل والخنشليل هنا: الناقة المسنة. وقال في اللسان مادة "ويل" "6/ 4939": ورجل ويلمة "بكسر اللام" وويلمه "بضم اللام" كقولهم في المستجاد: ويلمه، يريدون: ويل أمه، كما يقولون: لاب لك، يريدون: لا أب لك، فركبوه، وجعلوه كالشيء الواحد. ثم قال: وفي الحديث في قوله لأبي بصير: ويلمه مسعر حرب، تعجبا من شجاعته وجرأته. وقيل: وي: كلمة مفردة، ولأمه: مفردة. وهي كلمة تفجع وتعجب، وحذفت الهمزة من أمه تخفيفا، وألقيت حركتها على اللام، وينصب ما بعدها على التمييز. والله أعلم. 2 هذا بيت من المنسرح، وعروضه مكسوفة منهوكة، وقد استشهد به على ذلك صاحب متن الكافي: الشهاب أبو العباس أحمد بن عباد بن شعيب القناني "806-858"، وقال الشيخ محمد الدمنهوري شيخ الأزهر في التعليق عليه في حاشيته الكبرى "ص77" ما نصه: "من كلام أم سعد بن معاذ رضي الله عنه لما مات ابنها سعد من جراحة أصابته في غزوة الخندق. والويل: العذاب والهلك. أي عذاب لأم سعد، فحذف تنوين ويل، واللام من أم للإضافة، والهمزة منها للضرورة، ومن غير الإضافة يقال: ويل لأم سعد كما علمت، كما يقال: ويل لزيد. وقوله سعدا: منصوب بنزع الخافض، أي من سعد. واعلم أنه يجوز في ويل في نحو: ويل لزيد للرفع على الابتداء، والجار والمجرور: خبره، والمسوغ لوقوعه مبتدأ الدعاء، والنصب، فيقال: ويلا لزيد، بفعل محذوف وجوبا ليس من لفظه، وحينئذ قيل إنه مفعول به، وقيل: إنه مفعول مطلق. والتقدير على الأول: ألزمه الله الويل، وعلى الثاني: أهلكه. كما ذكروا ذلك عند قول ابن مالك: والحذف حتم مع آت بدلا ... من فعله كندلا اللذ كاندلا فإن قلت: هل يجوز في ويل، في نحو هذا البيت الرفع، أو يتعين فيه النصب؟ قلت: يتعين فيه النصب، ولا يجوز فيه الرفع، وإن قاله بعضهم، فقد قال صاحب مختار الصحاح: تقول: ويل لزيد وويلا لزيد، فالرفع على الابتداء، والنصب: على إضمار الفعل، هذا إذا لم تضفه: فإن أضفته فليس فيه إلا النصب، لأنك لو رفعته لم يكن له خبر. انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ومن قول امرئ القيس: ويلمها في هواء الجو طالبة ... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب1 وللاشتقاق من الأصوات باب يطول استقصاؤه2. وقد أبدلو الهمزة عينا في غير "عن". وأخبرني أبو علي قراءة عليه، يرفعه إلى الأصمعي، قال: سمعت أبا ثعلب ينشد بيت طفيل: فنحن منعنا يوم حرس نساءكم ... غداة دعانا عامر غير معتلي3 قال: يريد: غير مؤتلي.   1 يتعجب الشاعر من سرعة عقاب يتتبع ذئبا ليصيده كما يتعجب أيضا من سرعة الذئب وشدة هروبه. والشاهد في قوله: ويلمها في هواء الجو طالبة. إعراب الشاهد: ويلمها: سبق وجوه إعرابها. في هواء: جار ومجرور. الجو: مضاف إليه. طالبة: حال منصوب. 2 الاستقصاء: التتبع للحصر. مادة "ق ص ا". اللسان "5/ 3658". 3 يوم حرس: يوم من أيام العرب في الجاهلية. شرح البيت: يقول الشاعر: نحن حمينا نساءكم من السبي يوم حرس فقد دافعنا عنكم وعنهن بغير بطء ولا توان. الشاهد: غير معتلي: فالعين مبدلة عن الهمزة والأصل غير مؤتلي: أي غير مبطئ. إعراب الشاهد: معتلي أو مؤتلي على الأصل: مضاف إليه مجرور بالإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 قال: وسمع أبا الصقر ينشد: أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترى، أو بخيلا مخلدا1 قال: يريد: لعلني، وقالوا: رجل إنزهوا2، أخبرنا بذلك ابن مقسم، عن ثعلب، عن اللحياني، وقالوا أيضا: عنزهو، فجائز أن تكون العين بدلا من الهمزة، وجائز أن تكونا أصلين. وقرأت على أبي علي، عن أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب، عنه، قال: قال الأصمعي: يقال: آديته3، وأعديته على كذا وكذا، أي قويته وأعنته. وذكر يعقوب هذه اللفظة في باب الإبدال. وأنشد ليزيد بن خذاق4:   1 هزلا: ضعيفا نحيفا. مادة "هـ. ز. ل" اللسان "6/ 4663". مخلدا: دائما باقيا. مادة "خ. ل. د" اللسان "2/ 1225". الشرح: يقول: أريني سخيا أماته الضر منا أو من غيرنا، أو أريني بخيلا خلده ماله لعلني أرى رأيك وأهتدي بهديك. موضع الشاهد: -لأنني- فقد أبدلت العين نونا والأصل لعلني. إعراب الشاهد: أريني: فعل أمر مبني، والنون للوقاية، والفاعل مستتر تقديره أنت، والياء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به أول. جوادا: مفعول به ثاني. مات: فعل ماضي مبني، والفاعل مستتر تقديره هو. هزلا: حال منصوب. لعلني: لعل من أخوات إن، والنون للوقاية، والياء: ضمير مبني في محل نصب اسم لعل. 2 الإنزهو: وصف للمتكبر: يقال رجل إنزهو، وامرأة إنزهو، وقوم أنزهوون: ذوو زهو أي كبر، والألف والنون فيه زائدتان. والعنزهو: الإنزهو. وفي اللسان في "عزه" "4/ 2933" قال ابن جني: ويجوز أن تكون همزة إنزهو بدلا من عين، فيكون الأصل عنزهو: فنعلو من العزهاة، وهو الذي لا يقرب النساء، والتقاؤهما أن فيه انقباضا وإعراضا، وذلك طرف من أطراف الزهو. 3 آديته: أصلها أديته، وبهذا يظهر أن المبدل عينا هو الهمزة الثانية المنقلبة ألفا. 4 يزيد: ابن خذاق العبدي، شاعر جاهلي من عبد القيس كان في زمن عمرو بن هند. وهذا البيت من قصيدة له في المفضليات عددها أحد عشر بيتا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ولقد أضاء لك الطرق وأنهجت ... سبل المسالك والهدى تعدي1 يقول: إبصارك الهدى يقويك على طريقك. ومعنى تعدى: أي تقوى. وأقول أنا: إن تودي وتعدي ليس أحدهما مقلوبا عن صاحبه، بل كل واحد منهما أصل يقوم برأسه. ما تعدي فمن الأعداء، وأعديته أي أعنته، ولذلك تقول العامة2 لسلطانها: أعدني على فلان، أي أعني عليه، ومنه العدو والعداوة، لأنها لا تكون إلا مع القوة والشدة، وأما آديته على فلان، أي قويته، فيحتمل عندي تأويلين: أحدهما: أنه أفعلته من الأداة، لأن الأداة يتقوى بها الصانع وغيره على عمله، وتكون لام آديته من هذا واوا، لقولهم في جمع أداة أدوات، فظهور اللام واوا في أدوات، يدل على أن لام آديت واو في الأصل، بمنزلة لام أعطيت وأغزيت، لأنهما من غزوت وعطوت، أي تناولت. أنشد3 أبو الحسن: تحت بقرنيها برير أراكة ... وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها4   1 أنهجت: وضحت. الشاهد في "تعدي" إذ أصله تؤدي، فأبدل الهمزة عينا. إعراب الشاهد: تعدي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي، والفعل والفاعل في محل رفع خبر. 2 العامة: من الناس خلاف الخاصة، والجمع عوام. مادة "ع م م". اللسان "4/ 3112". 3 لم نعثر على قائل هذا البيت. 4 البرير: ثمر الأراك عامة، أو أول ما يظهر من ثمره، وهو حلو، والأراك شجر تصنع من أعواده المساويك. وتعطو: تتناول: الظلف: ظفر كل حيوان مجتر كالبقر والشاء. وطالها: فاقها في الطول. يصف الشاعر بقرة قد حاولت تناول غذائها فأخذت تقطع ثمار الأراك بقرنيها وتكسر أغصانها بأظلافها. الشاهد في قوله: "تعطو". إعراب الشاهد: تعطو: مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. بظلفيها: جار ومجرور. إذا: ظرف لما يستقبل مبني يفيد معنى الشرط. الغصن: مبتدأ مرفوع. طالها: فعل ماض مبني، والفاعل مستتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وقال امرؤ القيس: وتعطو برخص غير شثن كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل1 ومن هذا قيل لما يستصحب فيه الماء في الأسفار2 إداوة، إنما هي فعالة من الأداة، لأنها تعين بما تتضمنه من الماء على السفر، وتقوى عليه، فهذا أحد وجهي آديته، وهو الأظهر الأعرف. وفيه وجه آخر غامض، وهو أن أبا علي3 أخبرني أن يعقوب حكى عنهم أنهم يقولون: قطع الله أديه، يريد يده4، قال: قال أبو علي: فالهمزة في أديه ليست بدلا من الياء، إنما هي لغة في الكلمة، بمنزلة يسروع وأسروع، ويلملم وألملم. ونحو قول طرفة: أرق العين خيال لم يقر ... طاف والركب بصحراء أسر5 ويروى: يسر.   1 الرخص: اللين. والششن: الغليظ الجافي. الأساريع: جمع أسروع وهو دود أحمر، وقيل: أبيض يكون في وادي ظبي، وهو واد بتهامة. والإسحل: شجر تتخذ منه المساويك لين مثل الأراك. ينبت بالحجاز بأعالي نجد، وقال أبو حنيفة: الإسحل يشبه الأثل ويغلظ حتى تتخذ منه الرحال. اللسان "3/ 1959". الشرح: يصف الشاعر محبوبته وهي تتناول أشياءها فيصف أصابعها بالليونة والنعومة وكأنها من الأساريع أو مثل مساويك إسحل. الشاهد: "تعطو برخص غير شثن". إعراب الشاهد: تعطو: مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. برخص: جار ومجرور. غير: نعت مجرور. شثن: مضاف إليه. 2 الأسفار: الرحلات. مادة "سفر". اللسان "3/ 2024". 3 هو أبو علي الفارسي، نحوي مشهور. 4 جاء في لسان العرب قال: وقالوا: قطع الله أديه: يريدون يديه. مادة "أد ا" "1/ 49". 5 لم يقر: من القرار، أي الثبات، أو الوقار، وهو الرزانة. أسر: موضع بالحزن قاله الأعلم. وقال ابن السكيت: موضع قريب من اليمامة. محل الشاهد: أن "أسر" بالهمز، لغة في "يسر" بالياء، وبها روى الليث في بعض النسخ إعراب الشاهد: أسر: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فهذه كلها لغات، وليس بعضها بدلا من بعض، وقولهم: أديه وزنه: فعله، رد اللام، وهي ياء لقولهم يديت إليه يدا، فصارت أدى كما ترى بوزن فعل. وكذلك قرأت هذه اللفظة على أبي علي في كتاب القلب والإبدال، عن يعقوب، ورأيت هذا الكتاب بخط أبي العباس محمد بن يزيد، فالتمست فيه هذه اللفظة في باب الهمزة والياء، فلم أر لها هناك أثرا. وقرأت هذا الفصل من كتاب إصلاح المنطق عن يعقوب على غير أبي علي، فقال: إنما هو: قطع الله أديه. مثنى، في معنى يديه، وكذلك رأيتها في عدة نسخ. وكيف تصرف الأمر فقد ثبت أنهم قد نطقوا بالفاء من هذه اللفظة همزة، مثناة كانت أو مفردة، وإذا كان ذلك كذلك، فقد يجوز أن يكون قولهم آديته على كذا أفعلته من الأدي في قول أبي علي، أو الأدين في قول غيره، أي كنت له يدا عليه، وظهيرا معه، فيكون كقول النبي عليه السلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى ب ذمتهم 1 أدناهم، وهم يد 2 على من سواهم" أي كلمتهم واحدة، فبعضهم يقوي بعضا. إلا أنني أنا أرى في هذه اللفظة خلاف ما رآه أبو علي، لأنه ذهب إلى أن الهمزة في أديه ليست بدلا من الياء، وإنما هي أصل برأسه، ولو كان الأمر على ما ذهب إليه، لتصرف الهمزة في هذه اللفظة تصرف الياء، وليس الأمر كذلك، لأنا نجدهم يقولون: يديت إليه يدا، وأيديت أيضا، ويديت الصيد: إذا أصبت يده، وكسروها فقالوا: يدي وأيد وأياد. وقال الشاعر:   1 الذمة: العهد والأمان والكفالة، والحق والحرمة. وعند الفقهاء: معنى يصير به الإنسان أهلا لوجوب الحق له وعليه. والجمع ذمم. و"أهل الذمة" المعاهدون من أهل الكتاب أو من جرى مجراهم. مادة "ذ م م". 2 "هم يد" هي موضع الشاهد في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-. إعرابها: هم: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. يد: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فلن أذكر النعمان إلا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعما1 فجاء بالجمع على فعيل، وهذا اسم للجميع عندنا، وليس مكسرا كأيد وأياد، وإنما هو بمنزلة عبيد وكليب، لجماعة عبد وكلب، ولم نر الهمزة في أدى موجودة في غير هذه اللفظة، وفي أحد وجهي آديته، الذي جوزناه آنفا2. على أنا نعتقد فيه أنه إنما بنى أفعلته من لفظ الأدى بعد أن قلبت همزته عن يدي، وإلا فالياء هي الأصل، وليس كذلك ما أشبهه به من نحو: يسروع وأسروع، ويلملم وألملم، وأسر ويسر، لاطراد كل واحد من هذه الحروف في مكان صاحبه، وقلة استعمالهم الأدي في معنى اليد، فاعرف ذلك. فهذان الوجهان اللذان احتملهما عندي قولهم آديت زيدا أي قويته، وفيه وجه آخر غامض أيضا، وهو أن يكون أراد أعديته، فأبدل العين همزة، فصارت أأديته، ثم أبدل الهمزة ألفا، لسكونها وانفتاح ما قبلها، واجتماعها مع الهمزة التي قبلها، فصارت آديته. على أن في هذا الوجه عندي بعض الضعف وإن كان أبو علي قد أجازه، لأنا لم نرهم في غير هذا أبدلوا الهمزة من العين، وإنما رأيناهم لعمري أبدلوا العين من الهمزة، فنحن نتبعهم في الإبدال ولا نقيسه إلا أن يضطر أمر إلى الدخول تحت القياس والقول به.   1 نسب صاحب اللسان البيت إلى "الأعشى" وذكر في لفظ يدي روايتين: فتح الياء الأولى، كما أثبتنا، وهي رواية أبي عبيد، وضمها. مادة "يدي" اللسان "6/ 4952". وذكر عن ابن بري أن البيت لضمرة بن ضمرة النهشلي، وبعده: تركت بني ماء السماء وفعلهم ... وأشبهت تيسا بالحجاز مزنما وفي شعر النابغة ثلاثة أبيات من وزن البيت وقافيته، وليس البيت فيها. واليد: النعمة والإحسان. مادة "يدي" اللسان "6/ 4952". موضع الشاهد: "فإن له عندي يديا وأنعما". إعراب الشاهد: إن: حرف توكيد ونصب. له: جار ومجرور خبر مقدم. عندي: مفعول فيه، منصوب بالمفعولية، والياء مضاف إليه. يديا: اسم إن مؤخر. أنعما: معطوف على يديا منصوب بالتبعية. 2 آنفا: سابقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وقد أبدلت العين من الحاء في بعض المواضع: قرأ بعضهم: "عتى حين" يريد: {حَتَّى حِين} [المؤمنون: 54] ، ولولا بحة1 في الحاء لكانت عينا، كما أنه لولا إطباق2 في الصاد لكانت سينا، ولولا إطباق في الطاء لكانت دالا، ولولا الإطباق في الظاء لكانت ذالا، ولأجل البحة التي في الحاء، ما يكررها الشارق3 في تنحنحه. وحكي أن رجلا من العرب بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فشرب بعضه، فلما كظه4 الأمر قال: كبش أملح، فقيل له: ما هذا؟ تنحنت. فقال: من تنحنح، فلا أفلح، وكرر الحاء مستروحا إليها، لما فيها من البحة التي يجري معها النفس، وليست كالعين التي تحصر النفس، وذلك لأن الحاء مهموسة ومضارعة بالحلقية والهمس للهاء الخفية، وليست فيها نصاعة العين ولا جهرها. وحكى ابن الأعرابي عن أبي فقعس في صفة الكلأ: خضع مضع5، ضاف رتع. قال: أراد أن الإبل تخضع6 فيه وتمضغه. فأبدل الغين عينا.   1 البحة: غلظ الصوت وخشونته من داء، أو كثرة الصياح، أو تضع في غناء وقد يكون خلقة. مادة "بح". اللسان "1/ 215". 2 الإطباق: أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا له فيفخم نطق الحرف. وحروف الإطباق هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. مادة "طبق". 3 الشارق: الذي يغص بالماء. مادة "شرق". اللسان "4/ 2247". 4 كظه: ملأه: مادة "كظ". اللسان "5/ 3885". 5 عبارة اللسان: خضع مضع، ضاف رتع. كذا حكاه ابن جني بالعين المهملة. قال: أراد: مضغ، فأبدل العين مكان الغين للسجع، ألا ترى أن قبله خضع، وبعده رتع. 6 يفهم من عبارة المؤلف أن الخضوع صفة للإبل مع أن الكلام في صفة الكلأ. قال في اللسان: ونبات خضع: منثن من النعمة كأنه منحن. اللسان "2/ 1188". قال ابن سيده: وهو عندي على النسب، لأنه لا فعل يصلح أن يكون خضع محمولا عليه. والكلأ المضغ: هو الذي بلغ أن تمضغه الراغية. والضافي: الكثير الطويل. مادة "ض ف ا" اللسان "4/ 2598". والرتع: الذي ترتع فيه الماشية، أي ذو رتع، وهو على النسب. اللسان "3/ 5177". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 باب الغين : الغين حرف مجهور مستعل1، يكون أصلا، لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: غرم وغرب. والعين نحو: مغر وفغر2، واللام نحو: مرغ3 وفرغ. وقالوا: خطر بيده يخطر، وغطر يغطر، فالغين كأنها بدل من الخاء، لكثرة الخاء، وقلة الغين، وقد يجوز أن يكونا أصلين، إلا أن أحدهما أقل استعمالا من صاحبه. فأما قولهم في لعل: لعني ولغني ورغني، فينبغي أن يكون الغين فيه بدلا من العين، لسعة العين في الكلام، وكثرتها في هذا المعنى، وقلة الغين، وأما ارمعل وارمغل فلغتان، قال4: بكى جزعا من أن يموت وأجهشت ... إليه الجرشي وارمعل خنينها5 وارمغل أيضا.   1 مستعل: أي من أعلى الحنك. مادة "ع ل ا". اللسان "4/ 3088". 2 فغر: فتح. مادة "فغر". اللسان "5/ 3440". 3 المرغ: المخاط، وقيل: اللعاب، والروضة. وغير ذلك. اللسان "6/ 4184". 4 البيت لمدرك بن حصن الفقعسي، كما في اللسان مادة "ضن" ومادة "رمعل". وأنشد قبله قوله: ولما رآني صاحبي رابط الحشا ... موطن نفس قد أراها يقينها وفي معجم الشعراء للمرزباني: مدرك أو مغلس بن حصن الفقعسي: إسلامي، وذكره التبريزي في شرحه للحماسة "4/ 46". 5 أجهش بالبكاء: تهيأ له. الجرشي: النفس. ارمعل خنينها: تتابع بكاؤها. الشرح: بكى هذا الرجل خوفا من الموت وأخذت أنفاسه تتابع من البكاء ويعلو خنينه. الشاهد: في قوله "وارمعل خنينها". إعراب الشاهد: ارمعل: فعل ماض مبني على الفتح. خنينها: فاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وكذلك قولهم: علث الطعام وغلثه1، والنشوع والنشوغ: لغات كلها، لاستوائها في الاطراد والاستعمال. وأما بيت زهير، وهو قوله: حتى إذا ما هوت كف الغلام لها ... طارت وفي كفه من ريشها بتك2 فيروى: الغلام بالغين معجمة، والعلام، بالعين غير معجمة. فأما الغلام فمعروف، وأما العلام، بالعين غير معجمة، فأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن3، عن أبي الحسين أحمد بن سليمان المعبدي4، عن ابن أخت.   1 علث الطعام وغلثه: أكله. وتطلق على كل شيئين خلطا. اللسان "4/ 3065". 2 البيت من قصيدة له مطلعها: بان الخليط ولم يأووا لمنت ركوا ... ودودوك اشتياقا أية سلكوا وزعم الأصمعي أنه ليس للعرب قصيدة كافية أجود من هذه، والبيت في وصف قطاة يطاردها صقر فهوت على الأرض، فوقعت عليها كف الغلام الصائد، فطارت خوفا منه، وفي يده قطع من ريشها. البتك: جمع بتكة وهي القطعة، ويروى العلام بالعين المهملة كما قال المؤلف وهو الصقر، وهذه الرواية هي التي تلائم سياق القصيدة، لأن ما قبل البيت وما بعده في وصف الصقر الذي يطارد القطاة. مادة "ب ت ك" اللسان "1/ 206". موضع الشاهد في: هوت كف الغلام. إعراب الشاهد: هوت: فعل ماض مبني. كف: فاعل مرفوع. الغلام أو -العلام بمعنى الصقر-: مضاف إليه مجرور بالإضافة. 3 هو أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب أحد القراء بمدينة السلام وأحد شيوخ أبي علي. 4 قال ياقوت في معجم الأدباء: "أحمد بن سليمان الميدي "صوابه المعبدي" أبو الحسن، ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: روى عن علي بن ثابت عن أبي عبيد وعن ابن أخت أبو الوزير عن ابن الأعرابي، وروى عنه أبو بكر محمد بن الحسين بن المقسم -وخطه يرغب فيه وهو أحد العلماء المشاهير الثقات .... مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين. وقال ياقوت أيضا في المعبدي: "أحمد بن محمد بن عبد الله المعبدي من ولد معبد بن العباس ابن عبد المطلب أحد من اشتهر بالنحو والعربية من الكوفيين. ووجه من وجوه أصحاب ثعلب الكبار. مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين"، وقد ذكره أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي في نحاة الكوفيين، وقال: كان بارعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 أبي الوزير1، عن ابن الأعرابي قال: العلام هنا: الصقر. وهذا من طريف2 الرواية. وغريب اللغة. وقد قال في قول الراجز3: قبحت من سالفة4 ومن صدغ كأنها كشية ضب في صقغ5 إنه أراد صقع بالعين، فأبدلها غينا.   1 لم نعثر في كتب التراجم على ترجمة لابن أخت أبي الوزير. 2 الطريف: الجديد. مادة "طرف". اللسان "4/ 2657". 3 الراجز: من ينشد الرجز، وهو بحر من بحور الشعر. أصل وزنه. مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مادة "رجز". سبق تخريجها. 4 السالفة: صفحة العنق والصدغ بضم الدال، وهو ما بين لحاظ العين والأذن. 5 كشية الضب: أصل ذنبه، وهو المراد هنا: وقيل: هي شحمة على موضع الكليتين. والصقع بالعين والغين: الناحية، وقد روى البيت صاحب اللسان في "صقع" بالعين، وقال: إنما معناه في ناحية، وجمع بين العين والغين لتقارب مخرجيهما. اللسان "4/ 2472". الشرح: يقبح الشاعر منظر وجه رآه فيرى صدغه وصفحة العنق فيه وكأنهما ذيل ضب وهو حيوان كاليربوع. الشاهد: كأنها كشية ضب في صقغ. إعراب الشاهد: كأن: حرف تشبيه ونصب، والهاء اسمها. كشية: خبر كأن مرفوع. ضب: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. في صقغ: جار ومجرور في محل جر صفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 باب الفاء : الفاء: حرف مهموس، يكون أصلا وبدلا. ولا يكون زائدا مصوغا في الكلمة، إنما يزاد في أولها للعطف ونحو ذلك. فإذا كانت أصلا وقعت فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: فحم وفخر، والعين نحو: قفل وسفر، واللام نحو: حلف وشرف. واعلم أن العين واللام قد يكرر كل واحد منهما في الأصول: متصلين ومنفصلين، وذلك نحو: عشب واعشوشب، وخدب1 وجلبب. وفاء الفعل لم تكرر في شيء من الكلام إلا في حرف واحد، وهو مرمريس، ووزنها فعفعيل. وهي الداهية2، وأنشدنا أبو علي لرؤبة: يعدل عني الجدل الشخيسا3 كد العدا أخلق مرمريسا4 وقد قالوا أيضا: مرمريت. وأما البدل فأخبرني أبو علي قراءة عليه بإسناده إلى يعقوب، أن العرب تقول في العطف: قام زيد فم عمرو، أي ثم عمرو، وكذلك قولهم جدث5 وجدف.   1 الخدب: العظيم الجافي، والضخم في كل شيء. يقال: رجل خدب، وسنام خدب، وجمل خدب: شديد صلب ضخم قوي. مادة "خدب". اللسان "2/ 1107". 2 في لسان العرب: داهية مرمريس: أي شديدة. 3 يعدل: ينصرف. الجدل: الشديد الجدال والخصام. الشخيس: المخالف لما يؤمر به. 4 المرميس: الداهية. يقول: ينصرف عني الشخص شديد الجدال والخصام الذي لا يستمع لرأي الذي يتعب أعداءه لشدة دهائه. موضع الشاهد في كلمة "مرمريس". إعراب الشاهد: مفعول به منصوب. 5 الجدث: القبر. "ج" أجداث، وفي القرآن الكريم: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} . مادة "ج د ث" اللسان "1/ 599". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والوجه أن تكون الفاء بدلا من الثاء، لأنهم قد أجمعوا على أجداث، ولم يقولوا أجداف. وأما قولهم فناء الدار وثناؤها1 فأصلان، أما فناؤها فمن فني يفنى، لأنها هناك تفنى، لأنك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت. وأما ثناؤها فمن ثنى يثني، لأنها هناك أيضا ثنثنى عن الانبساط، لمجيء آخرها، وانقضاء حدودها. فإن قلت: هلا جعلت إجماعهم على أفنية بالفاء دلالة على أن الثاء في ثناء بدل من الفاء في فناء، كما زعمت أن فاء جدف بدل من ثاء جدث، لإجماعهم على أجداث بالثاء، فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء، ألا ترى أن الفعل يتصرف منهما جميعا، ولسنا نعلم لجدف بالفاء تصرف جدث، فلذلك قضينا بأن الفاء بدل من الثاء. وأما قول العجاج: وبلدة مرهوبة العافور2 فذهب فيه يعقوب إلى أنه من عثر يعثر، أي وقع في الشر، وذهب إلى أن الفاء من عافور بدل من الثاء، بما اشتق له. والذي ذهب إليه وجه، إلا أنا إذا وجدنا للفاء وجها نحملها فيه على أنها أصل لم يجز الحكم بكونها بدلا إلا على قبح وضعف تجويز. وذلك أنه قد يجوز أن يكون قولهم: وقعوا في عافور، فاعولا من العفر3، لأن العفر من الشدة أيضا، ولذلك قالوا: عفريت لشدته، ومثاله: فعليت منه، ويشهد لهذا قولهم: وقعنا في عفرة، أي اختلاط وشدة، وأما أفرة ففعلة، من أفر   1 ثناء الدار: طرفيها. مادة "ث ن ى" اللسان "1/ 517". 2 هذا بيت من مشطور الرجز من أرجوزة للعجاج عدد أبياتها 172 بيتا، وبيت الشاهد هو الأربعون -فيها- وروايته: بل بلد ... إلخ. العافور: الشدة. مادة "ع ف ر" اللسان "4/ 3011". موضع الشاهد في كلمة "العافور" كما شرح ذلك المؤلف. إعرابها: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. 3 العفر: يقال أسد عفر وعفرية وعفارية وعفريت وعفرتي: شديد قوي. مادة "ع. ف. ر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 يأفر إذا وثب، وهذا أيضا معنى يليق بالشدة، لأن الوثوب والنزاء1 كثيرا ما يصحبان الشدة والبلاء2، وإذا كان ذلك كذلك فليس ينبغي أن تحمل واحدة من الهمزة والعين في أفره وعفره على أنها بدل من أختها، وغير منكر أيضا أن تكون الهمزة بدلا من العين، والعين بدلا من الهمزة، إلا أن الاختيار ما قدمته. وأما قولهم لما نفاه الرشاء3 من الماء عند الاستقاء نفي ونثي فأصلان أيضا، لأنا نجد لكل واحد منهما أصلا نرده إليه، واشتقاقا نحمله عليه. أما النفي ففعيل من نفيت، لأن الرشاء ينفيه، ولامه ياء بمنزلة رمي وعصي. وأما النثي ففعيل من نثا الشيء ينثوه إذا أذاعه وفرقه، لأن الرشاء يفرقه وينشره، ولام الفعل واو، لأنها لام نثوت، وهو بمنزلة سري وقصي. وقد يجوز أن يكون الثاء بدلا من الفاء، قال الشاعر: كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي4 بضم الصاد وكسرها.   1 النزاء: الاندفاع: مادة "نزو". اللسان "6/ 4402". 2 وقد صرح اللغويون بأن معنى الأفرة: الشدة. جاء في اللسان: وقع في أفرة. أي بلية وشدة، ويقال: أفرت القدر تأفرا: اشتد غليانها، حتى كأنها تنز. مادة "أ. ف. ر". اللسان "1/ 95". 3 الرشاء: الحبل يربط في الدلو "ج" "أرشية" مادة. "رشو". اللسان "3/ 1653". 4 رواه ابن دريد في الجمهرة "3/ 161" غير منسوب هكذا: كأن متني من النفي من طول إشرافي على الطوي مواقع الطير على الصفي النفي: ما نفاه الرشاء من الماء والطين. مادة "ن ف ي" اللسان "6/ 4512". الطوي: البئر المبنية بالحجارة. مادة "ط وى" اللسان "4/ 2729". الصفي: جمع صفا، والصفا جمع صفاة: وهي الحجر الصلد. اللسان "4/ 2469". يريد أن رشاش الرشاء من الماء والطين يشبه ذرق الطير على الحجر الأملس. الشاهد في قوله: "كأن متنيه من النفي". إعرابه: كأن: حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل من الإعراب. متنيه: اسم كأن منصوب وعلامة نصبه الياء عوضا عن الفتحة لأنه مثنى، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. من النفي: جار ومجرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ويؤنسك بجواز كون الثاء بدلا من الفاء إجماعهم في بيت امرئ القيس: ومر على القنان من نفيانه ... فأنزل منه العصم من كل منزل1 على الفاء، ولم نسمعهم قالوا: نثوانه. وذهب بعض أهل التفسير في قوله عز اسمه: "وفومها" إلى أنه أراد الثوم، فالفاء على هذا بدل عنده من الثاء. والصواب عندنا: أن الفوم الحنطة2 وما يختبز من الحبوب، يقال: فومت الخبز، أي خبزته، وليست الفاء على هذا بدلا من الثاء. واعلم أن الفاء إذا وقعت في أوائل الكلم غير مبنية من أصلها، فإنها في الكلام على ثلاثة أضرب: ضرب تكون فيه للعطف والإتباع جميعا، وضرب تكون فيه للإتباع مجردا من العطف، وضرب تكون فيه زائدة، دخولها كخروجها، إلا أن المعنى الذي تختص به وتنسب إليه، هو معنى الاتباع3، وما سوى ذلك فعارض فيها غير ملازم لها.   1 البيت من معلقته، ورواية الأعلم الشنتمري للشطر الأول منه هكذا. وألقى بسيان من الليل بركة وفي رواية الزوزني والتبريزي كرواية المؤلف. بسيان: جبل في ديار بني سعد. الفنان جبل لبني أسد، وقيل جبل بأعلى نجد. مادة "ق ن ن" اللسان "5/ 3759". نفيان السحاب: ما نفاه من مائه فأساله، أو هو الرش والبرد في أول المطر. العصم: جمع أعصم، وهو الوعل الذي في وظيفي يديه عصمة. أي بياض. يريد أن المطرق لزم هذا الجبل حتى أنزله منهم العصم المستقرة فيه. موضع الشاهد فيه: "ومر على القنان من نفيانه". إعراب الشاهد: مر: فعل ماضي مبني على الفتح. على القنان: جار ومجرور. من نفيانه: جار ومجرور، والهاء: في محل جر مضاف إليه. 2 الحنطة: القمح "ج" حنط. مادة "ح ن ط" اللسان "2/ 1023". 3 الظاهر من تمثيل المؤلف للأضربة الثلاثة. أنه يريد بالإتباع معنى التعقيب والربط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الأول: نحو قولك قام زيد فعمرو، وضربت زيدا فأوجعته: أردت أن تخبر أن قيام عمرو وقع عقيب1 قيام زيد بلا مهلة، وأن إيجاد زيد كان عقيب ضربك إياه، وعلى هذا تقول: مطرنا ما بين زبالة فالثعلبية، إذا أردت أن المطر انتظم الأماكن التي ما بين هاتين القريتين، يقروها2 شيئا فشيئا بلا فرجة. وإذا قلت مطرنا ما بين زبالة والثعلبية، فإنما أفدت بهذا القول أن المطر وقع بينهما، ولم ترد أنه اتصل في هذه الأماكن، من أولها إلى آخرها، ولما ذكرناه من حال هذه الفاء، من أن ما بعدها يقع عقيب ما قبلها، ما جاز أن يقع ما قبلها علة3 وسببا لما بعدها، وذلك أن العلة سبب كون المعلول وموجبته وذلك قولك: الذي أكرمني فشكرته زيد، فإنما اخترت الفاء هنا من بين حروف العطف، لأن الإكرام علة لوقوع الشكر، فعطف بالفاء، لأن المعلول ينبغي أن يقع ثاني العلة بلا مهلة. وكذلك الذي ضربته فغضب زيد، لأن الضرب علة الغضب. ولو قلت: الذي أكرمني وشكرته زيد، لم يفد هذا الكلام أن الإكرام علة للشكر، كما يفيده العطف بالفاء، وإنما كان يكون معناه أنه وقع الإكرام منه، والشكر منك، غير مسبب أحدهما عن صاحبه كان، أو مسببا عنه، بل وقعا منكما معا، فهذا يكشف لك حال الفاء. الثاني: وهو الذي يكون فيه الفاء للإتباع دون العطف، إلا أن الثاني ليس مدخلا في إعراب الأول، ولا مشاركا له في الموضع، وذلك في كل مكان يكون فيه الأول علة للآخر، ويكون فيه الآخر مسببا عن الأول، فمن ذلك جواب الشرط في نحو قولك: إن تحسن إلي فالله مجازيك، فهذه هنا للإتباع مجردة من معنى العطف، ألا ترى أن الذي قبل الفاء من الفعل مجزوم، وليس بعد الفاء شيء يجوز أن يدخله الجزم، وإنما بعدها جملة مركبة من اسمين مبتدأ وخبر، وكذلك قولك: إن تقم فأنا قائم معك، وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى الفاء.   1 عقيب: أي بعده. مادة "عقب". اللسان "4/ 3023". 2 يقروها: يتتبعها، يقال: قروت البلاد قروا وقريتها قريا: إذا تتبعتها تخرج من أرض إلى أرض. مادة "ق ر ا" اللسان "5/ 3616". 3 العلة: السبب. مادة "ع ل ل" اللسان "4/ 3080". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى الفاء في جواب الشرط؟ فالجواب أنه إنما دخلت الفاء في جواب الشرط توصلا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر، أو الكلام الذي قد يجوز أن يبتدأ به، فالجملة في نحو قولك: إن تحسن إلي فالله يكافئك، لولا الفاء لم يرتبط أول الكلام بآخره، وذلك أن الشرط والجزاء1 لا يصحان إلا بالأفعال، لأنه إنما يعقد وقوع فعل بوقوع فعل غيره، وهذا معنى لا يوجد في الأسماء ولا في الحروف، بل هو من الحروف أبعد، فلما لم يرتبط أول الكلام بآخره، لأن أوله فعل، وآخره اسمان، والأسماء لا يعادل بها الأفعال، أدخلوا هناك حرفا يدل على أن ما بعده مسبب عما قبله، لا معنى للعطف فيه، فلم يجدوا هذا المعنى إلا في الفاء وحدها، فلذلك اختصوها من بين حروف العطف، فلم يقولوا: إن تحسن إلي والله يكافئك، ولا: ثم الله يكافئك. ومن ذلك قولك: إن يقم فاضربه، فالجملة التي هي اضربه: جملة أمرية، وكذلك أن يقعد فلا تضربه، فقولك: لا تضربه جملة نهيية، وكل واحدة منهما يجوز أن يبتدأ بها فتقول: اضرب زيدا، ولا تضرب عمرا، فلما كان الابتداء بهما مما يصح وقوعه في الكلام، احتاجوا إلى الفاء، ليدلوا على أن مثالي الأمر والنهي بعدها ليس على ما يعهد في الكلام من وجودهما مبتدأين غير معقودين بما قبلهما، ومن هنا أيضا احتاجوا إلى الفاء في جواب الشرط مع الابتداء والخبر، لأن الابتداء مما يجوز أن يقع أولا غير مرتبط بما قبله. هذا مع ما قدمناه من أن الأفعال لا يعادل بها الأسماء. ويزيد ما ذكرته لك وضوحا من أن جواب الشرط سبيله2 ألا يجوز الابتداء به، أنك لو قلت مبتدئا: فالله يكافئك، لم يجز، كما لا يجوز أن تبتدئ فتقول: فزيد جالس، وكذلك لا يجوز أن تبتدئ أيضا فتقول: فاضرب زيدا، ولا فلا تضرب محمدا، لأن الفاء حكمها أن تأتي رابطة ما بعدها بما قبلها، فإذا استؤنفت مبتدأة فقد انتقض3 شرطها. وهذا كله غير جائز أن يبتدأ به، كما أن الفعل المجزوم لا يجوز   1 الجزاء: يقصد به هنا جواب الشرط. 2 سبيله: طريقة في العمل. 3 انتقض: يقصد: انتفى شرط عملها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الابتداء من غير تقدم حرف الجزم عليه. ألا تراك لا تقول مبتدئا: أقم، على حد قولك: إن تقم أقم، فهذا كله يؤكد لك أن جواب الشرط سبيله أن يكون كلاما لا يحسن الابتداء به. ولهذا أيضا ما جاز أن يجازي بإذا التي للمفاجأة، نحو قوله عز اسمه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] 1، فقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} في موضع قنطوا، وإنما جاز لإذا هذه أن يجاب بها الشرط لما فيها من المعنى المطابق للجواب، وذلك أن معناها المفاجأة، ولا بد هناك من عملين، كما لا بد للشرط وجوابه من فعلين، حتى إذا صادفه ووافقه كانت المفاجأة مسببة بينهما، حادثة عنهما، وذلك قولك: خرجت فإذا زيد، فتقدير إعرابه: خرجت فبالحضرة زيد، فإذا التي هي ظرف في معنى قولنا بالحضرة، وزيد: مرفوع بالابتداء، والظرف قبله خبر عنه. فهذا تقدير الإعراب. وأما تفسير المعنى فهو: خرجت ففاجأت زيدا، وإن شئت خرجت ففاجأني زيد، لأن فعلت في أكثر أحوالها إنما تكون من اثنين، نحو ضاربت وقاتلت، فلما ذكرت لك من حال "إذ" هذه، وأن معناها المفاجأة والموافقة ووقوع الأمر مسببا عن غيره، ما جاز أن يجازى بها. ويزيد حالها في ذلك وضوحا لك ما أنشدنا أبو علي عن أبي بكر، عن أبي العباس، عن أبي عثمان، عن الأصمعي، عن أبي عمرو: أن شيخا من أهل نجد أنشده: استقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير2   1 يقنطون: ييأسون من رحمته، يقول الله حاكيا عن هؤلاء الكفار أنه سبحانه لو أصابهم بمكروه نتيجة أعمالهم ليأسوا من رحمته بدلا من أن يدعوه ليرفع ذلك عنهم وذلك لكفرهم به. موضع الشاهد في الآية {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} . إعراب الشاهد: إذا: فجائية. هم: ضمير منفصل مبني على السكون المقيد في محل رفع مبتدأ. يقنطون: فعل مضارع مرفوع، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل رفع خبر. 2 البيتان لحريث بن جبلة العذري، وقيل لعش بن لبيد العذري. = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فهذا كقولك: بينما المرء في الأحياء مغتبط عفته الأعاصير، فوقوع الفعل في موضع إذا يؤكد عندك جواز وقوعها جوابا للشرط، لأن أصل الجواب أن يكون بالفعل، ليعادل به الفعل الذي قبله، إذا كان مسببا عنه، والعلل بيننا والأسباب لا تتعلق بالجواهر1، إنما تتعلق بالأعراض2 والأفعال، فكما كانت عبرة3 "إذا" في هذا البيت الذي أنشدنا وفي غيره مما يطول الكتاب بذكره عبرة الفعل، فكذلك قوله {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ، يكون أيضا عبرته "قنطوا" فافهم ذلك.   = والأول من شواهد الكتاب لسيبويه "2/ 158" غير منسوب لقائله، ورواه اللسان في "قدر" وروى البيت الثاني في "عسر". استقدر الله خيرا: سله أن يقدر لك الخير. والمياسير: جمع ميسور، وهو ضد العسر. ومغتبط: حسن الحال. مادة "غ ب ط" اللسان "5/ 3208". والرمس: القبر. وتعفوه: تمحوه. مادة "ع ف ا" اللسان "4/ 3018". والأعاصير: جمع إعصار، وهي الريح التي تهب كالعمود إلى السماء. مادة "ع ص ر" اللسان "4/ 2970". محل الشاهد: أن ما بعد إذا الفجائية يكون مسببا عما قبلها، فهو في المعنى مشبه لجواب الشرط ولذلك جاز أن تقع في جواب الشرط. إعراب الشاهد: إذا: فجائية. هو: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. الرمس: خبر مرفوع. تعفوه: تعفو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. الأعاصير: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وجملة تعفوه الأعاصير في محل نصب حال. 1 الجواهر: جمع جوهرة، وهو حقيقة الشيء وذاته. مادة "ج هـ ر" اللسان "1/ 712". 2 الأعراض: جمع "العرض" وهو ما يطرأ ويزول أو ما قام بغيره وهو ضد الجوهر. مادة "ع ر ض" اللسان "4/ 2886". 3 يريد بالعبرة هنا: التأويل أو التقدير، يعني أنها مع ما بعدها في تقدير فعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 واعلم أن "إذا" هذه التي ذكرناها ولا يجوز وقوع الفعل بعدها: وذلك أن ما بعدها مرفوع بالابتداء، وهي خبر عنه، فكما أن المبتدأ لا يكون إلا اسما، فكذلك "إذا" هذه لا يكون ما بعدها إلا اسما، ومن ذلك قولهم: حسبته شتمني فأثب عليه، ليست الفاء هنا عاطفة على الفعل الذي قبلها، ولكن معناها الإتباع ألا ترى أن معنى الكلام: إن شتمني وثبت عليه. ومن ذلك قول الرجل لصاحبه: دعوتك أمس فلم تجبني، فيقول له صاحبه، فقد أجبتك اليوم، فدخول الفاء هنا يدل على أنه قد أجابه عن كلامه. ولو قال له: قد أجبتك اليوم، لكان آخذا في كلام منه على غير وجه الجواب وتعليق الثاني بالأول. ومن ذلك قوله، وهو من أبيات الكتاب1: فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور2 فجعل الإسلام مسببا عن براءة صدورهم من الإحن، وهي العدوات، إلا أنه قدم في اللفظ المسبب على السبب، لأن معناه: قد برئت من الإحن الصدور، فأسلموا من اجل ذلك، إلا أن الفاء عقدت الأول بالآخر، وجرى هذا الكلام مجرى: اشكرني فقد أحسنت إليك، فالإحسان وإن كان مؤخرا في اللفظ، فهو مقدم في المعنى، لأنه هو سبب الشكر، فينبغي أن يتقدمه في الرتبة، فكأنه قال: قد أحسنت إليك فاشكرني.   1 الكتاب: يقصد كتاب سيبويه في النحو. 2 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي. أسلموا: ادخلوا في السلم. والإحن: جمع إحنة وهي الحقد والعداوة. مادة "أح ن" اللسان "1/ 35". شرح البيت: يقول ادخلوا في السلم فنحن إخوانكم وقد برئت صدورنا من الأحقاد. الشاهد في قوله: قد برئت من الإحن الصدور -فالفاء هنا للإتباع. إعراب الشاهد: الفاء: للإتباع. قد: حرف تحقيق وتأكيد مبني. برئت: فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء للتأنيث. من الإحن: جار ومجرور. الصدور: فاعل مرفوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ومن ذلك قول امرئ القيس: وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عن رسم دارس من معول1 ففي قوله "معول" مذهبان: أحدهما: أنه مصدر عولت، بمعنى أعولت، أي بكيت، أي فهل عند رسم دارس من إعوال وبكاء؟ والآخر: أنه مصدر عولت على كذا: أي اعتمدت عليه، كقولهم: "إنما عليك معولي"، أي اتكالي. وعلى أي الأمرين حملت المعول، فدخول الفاء على "فهل عند رسم" حسن جميل. وأما إذا دخلت المعول بمعنى العويل2 والإعوال، أي البكاء، فكأنه قال: إن شفائي أن أسفح3 عبرتي، ثم خاطب نفسه أو صاحبيه فقال: إذا كان الأمر على ما قدمته من أن في البكاء شفاء وجدي4، فهل بي من بكاء أشفي به غليلي5. فهذا ظاهره استفهام لنفسه، ومعناه التحضيض6 لها على البكاء، كما تقول: قد أحسنت إلي فهل أشكرك؟ أي فلأشكرنك، وقد زرتني، فهل أكافئنك، أي فلأكافئنك، وإذا خاطب صاحبيه فكأنه قال: قد عرفتكما سبب شفائي، وهو البكاء والعويل، فهل تعولان وتبكيان معي، لأشفي وجدي ببكائكما.   1 العبرة: الدمعة. اللسان "4/ 2783". مهراقة: مصبوبة. اللسان "6/ 4654". الرسم: الأثر. الدارس: البالي. معول: بكاء ونحيب. الشرح: يقول إن شفاء صدري أن أقف على آثار الديار وأنزف الدموع حتى تطفئ أحزاني. الشاهد في قوله: فهل عند رسم دارس من معول؟ إعراب الشاهد: الفاء للتعقيب. هل: حرف استفهام. عند: ظرف منصوب في محل رفع خبر مقدم. رسم: مضاف إليه مجرور. دارس: نعت مجرور. من: حرف جر زائد. معولك اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على الابتداء. 2 العويل: البكاء. مادة "عول". اللسان "4/ 3175". 3 أسفح: أصب، مادة "سفح". اللسان "2/ 2023". 4 وجدي: حزني. مادة "وجد" اللسان "6/ 4770". 5 الغليل: الحزن. مادة "غلل". اللسان "5/ 3285". 6 التحضيض: الحث. مادة "حضض". اللسان "2/ 910". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فهذا التفسير على قول من قال: إن معولي بمنزلة إعوالي، والفاء عقدت آخر الكلام بأوله، لأنه كأنه قال: إذ كنتما قد عرفتما ما أوثره من البكاء، فابكيا وأعولا معي، كما أنه إذا استفهم نفسه، فكأنه قال: إذا كنت قد علمت أن في الإعوال راحة لي فلا عذر لي في ترك البكاء. وأما من جعل معولي بمعنى تعويلي على كذا، أي اعتمادي واتكالي عليه، فوجه دخول الفاء على فهل في قوله، أنه لما قال إن شفائي عبرة مهراقة، فكأنه قال: إنما راحتي في البكاء، فما معنى اتكالي في شفاء غليلي على رسم دارس لا غناء عنده عني، فسبيلي أن أقبل على بكائي، ولا أعول في برد غليلي على ما لا غناء عنده، وهذا أيضا معنى يحتاج معه إلى الفاء، لتربط آخر الكلام بأوله، فكأنه قال: إذا كان شفائي إنما هو في فيض دمعي، فسبيلي ألا أعول على رسم دارس في دفع حزني، وينبغي أن أجد في البكاء الذي هو سبب الشفا. واعلم أن المعارف الموصولة، والنكرات الموصوفة، إذا تضمنت صلاتها وصفاتها معنى الشرط، دخلت الفاء في أخبارها، وذلك نحو قولك: الذي يكرمني فله درهم، فلما كان الإكرام سبب وجوب الدرهم دخلت الفاء في الكلام، ولو قلت: الذي يكرمني له درهم، لم يدل هذا القول على أن الدرهم إنما يستحق للإكرام، بل هو حاصل للمكرم على كل حال، وتقول في النكرة: كل رجل يزورني فله دينار، فالفاء هي التي أوجبت استحقاق الدينار بالزيارة. ولو قلت: كل رجل يزورني له دينار، لما دل ذلك على أن الدينار مستحق عن الزيارة، بل يدل على أنه في ملك الزائر على كل حال. فلأجل معنى الشرك في الصلة والصفة ما دخلت الفاء في آخر الكلام، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] 1، فالفاء قد دلت على أن الأجر إنما استحق عن الإنفاق.   1 الشاهد في قوله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} . إعراب الشاهد: الفاء: للتعقيب والإتباع. لهم: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. أجرهم: أجر: مبتدأ مؤخر مرفوع. وهم: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 فإذا تضمنت الصلة والصفة جواب الشرط لم تدخل الفاء في آخر الكلام، وذلك قولك: الذي إن يزرني أزره له درهم، ولو قلت هنا فله درهم لم يجز، لأن الشرط لا يجاب دفعتين. وكذلك: كل رجل إن يزرني أكرمه له درهم، ولا يجوز فله درهم، لأن الصفة قد تضمنت الجواب، فلم يحتج إلى إعادته، ولو قلت الذي أبوه أبوك فزيد، لم يجز لأنه لم يتقدم في الصلة ما يصح به الشرط. وكذلك لو قلت: كل إنسان فله درهم، لم يجز، لأنه لم يتقدم صفة يستفاد منها معنى الشرط، فجرى هذان في الامتناع مجرى قولك: زيد فقائم، وعمرو فمنطلق، فاعرفه. فهذا أيضا حال الفاء إذا خلصت للإتباع، وتجردت من العطف، وهي في الكلام كثيرة جدا، وقد بينت لك رسومها1، وأوضحت وجوهها، لتتناول الأمر من قرب. فإن قيل: إذا صح بما قدمته حال الفاء في كونها عاطفة ومتبعة، فهل دلالتها على الأمرين سواء؟ أم هل لها اختصاص بأحدهما؟ فالجواب: أن أخص هذين المعنيين بالفاء إنما هو الإتباع دون العطف. وذلك أنها إذا كانت عاطفة فمعنى الإتباع موجود فيها، نحو ضربته فبكي، وأحسنت إليه فشكر، وقد تتجرد من معنى العطف فيما قدمنا ذكره من الجزاء، وهذه الأماكن التي أحدها ببيت أمرئ القيس: فهل عند رسم دارس من معول2 فلما كان الإتباع لا يفارقها، والعطف قد يفارقها، كان أخص معنييها بها الإتباع، لملازمته لها. وأما وجه زيادتها فقد جاء مجيئا صالحا. أخبرنا أبو علي3 أن أبا الحسن4 حكى عنهم: أخوك فوجد، يريد أخوك وجد.   1 رسومها: جمع رسم، ويقصد بها حدودها. مادة "رسم". اللسان "3/ 1646". 2 تقدم شرح البيت والتعليق عليه وإعراب الشاهد فيه. 3 أبو علي هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أستاذ ابن جني. 4 وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ومن ذلك قولهم: زيدا فاضرب، وعمرا فاشكر، وبمحمد فامرر، إنما تقديره: زيدا اضرب، وعمرا اشكر، وبمحمد امرر. وعلى هذا قوله جل ثناؤه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر: 4] ، أي: وثيابك طهر، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 1 [المدثر: 5] أي والرجز اهجر، {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 7] ، أي لربك اصبر. وهذه مسألة اعترضت هذا الباب، ونحن نشرحه بإذن الله: تقول العرب: خرجت فإذا زيد. واختلفت العلماء في هذه الفاء: فذهب أبو عثمان2 إلى أنها زائدة، وذهب أبو إسحاق الزيادي3 إلى أنها دخلت على حد دخولها في جواب الشرط، وذهب مبرمان4 إلى أنها عاطفة. وأصح هذه الأقوال قول أبي عثمان. وذلك أن إذا هذه التي للمفاجأة قد تقدم من قولنا فيها أنها للإتباع، بدلالة قوله عز اسمه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ، فوقوعها جوابا للشرط يدل على أن فيها معنى الإتباع، كما أن الفاء في قولك: إن تحسن إلي فأنا أشكرك، إنما أجاز الجواب بها لما فيها من معنى الإتباع، وإذا كانت إذا هذه التي للمفاجأة بما قدمناه للإتباع، فالفاء في قولنا خرجت فإذا زيد، زائدة، لأنك قد استغنيت بما في إذا من معنى الإتباع، عن الفاء التي تفيد معنى الإتباع. كما استغني عنها في قوله جل اسمه: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .   1 الرجز: الإثم والشرك، ورجز الشيطان، وسوسته "ج" أرجاز. مادة "رجز". الشاهد في الآية في قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . إعراب الشاهد: الرجز: مفعول به لفعل محذوف يفسره الفعل "اهجر". والفاء: زائدة. اهجر: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنت. وجملة "اهجر" جملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب. 2 أبو عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني. توفي سنة 249هـ. 3 أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن أبي بكر بن زياد. عده الزبيدي في الطبقة السابعة من البصريين. 4 محمد بن علي بن إسماعيل العسكري، عده الزبيدي من الطبقة التاسعة من البصريين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 فإن قال قائل: إذا كانت الفاء في قولنا: "خرجت فإذا زيد" زائدة، فأجز: خرجت إذا زيد، لأن الزائد حكمه أن يمكن طرحه1 ولا يختل الكلام بذلك، ألا ترى إلى قوله عز اسمه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] 2 لما كانت ما زائدة، جاز أن تقول في الكلام لا في القرآن، فبرحمة من الله لنت لهم. وكذلك {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] 3 يجوز في الكلام أن تقول: عن قليل. فالجواب: أن الفاء وإن كانت ها هنا زائدة، فإنها زيادة لازمة لا يجوز حذفها. وذلك أن من الزوائد ما يلزم البتة، وذلك قولهم "افعله آثرا ما" أي أول شيء4، فما زيادة لا يجوز حذفها، لأن معناه: افعله آثرا مختارا له، معنيا به، من قولهم: آثرت أن أفعل كذا وكذا. ومن ذلك قوله عز اسمه: {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71] ، فالألف واللام في الآن زائدتان عندنا، لأن هذا الاسم معرفة بغيرهما، وإنما هو معرفة بلام أخرى مقدرة، غير هذه الظاهرة، وقد دللنا على ذلك في غير هذا الموضع5، وكذلك قولك مهما تفعل أفعل، ما زيادة لازمة. وكذلك الألف واللام في الذي والتي، وتثنيتهما وجمعهما، والألى في معنى الذين زائدة أيضا، وإنما هن متعرفات بصلاتهن، والألف واللام فيهن زائدتان، لا يمكن   1 طرحه: المقصود منها الاستغناء عنه. 2 لنت: رفقت. يقول الله تعالى: لولا رحمة الله التي ألقاها في صدرك فلنت لهم بها لما لنت لهم. الشاهد في قوله "فبما رحمة" وهو شاهد على زيادة "ما". إعراب الشاهد: الباء: حرف جر. ما: زائدة. رحمة: اسم مجرور بالباء وعلامة الجر الكسرة. 3 الشاهد في قوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ} وهو شاهد على زيادة "ما". إعراب الشاهد: عن: حرف جر، ما: زائدة. قليل: اسم مجرور بعن وعلامة الجر الكسرة. 4 معنى العبارة: يقال: قد أثر أن يفعل ذلك الأمر، أي فرغ له وعزم عليه. 5 سيأتي الكلام على آل في الآن، في باب اللام عند الكلام على لام التعريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 حذفهما، فرب زائدة ما يلزم، فلا يجوز حذفه، وكذلك أيضا قولنا خرجت فإذا زيد، الفاء فيه زائدة أيضا. وأما مذهب الزيادي1 في أن الفاء في قولهم: خرجت فإذا زيد، إنما دخلت الكلام لما فيه من معنى الشرط، ففاسد، وذلك أن قولك خرجت فإذا زيد، لا تجد فيه معنى شرط ولا جزاء، وإنما هو إخبار عن حال ماضية، منقضية، والشرط لا يصح إلا مع الاستقبال، ألا ترى أنك لا تجيز: إن قمت أمس قمت أول من أمس، هذا ونحوه من الكلام الخطأ، ليس يرتكبه أحد، فهذا وجه نراه، صحيح. وشيء آخر يدل على فساد قول الزيادي، وهو أنه لو كان في الكلام معنى شرط لاستغني بما في إذا من معنى الإتباع عن الفاء، كما استغني عنها في قوله عز اسمه: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ألا ترى أنهم يقولون: لن نفعل، وهي نفي، وسنفعل، ولم يقولوا لن سنفعل، وإن كانت لن نفيا لها، لأنهم استغنوا بما في لن من معنى الاستقبال، عن إعادة السين التي للاستقبال فكذلك كان ينبغي لو كان في الكلام معنى شرط، أن يستغنوا بما في إذا من معنى الإتباع، عن الفاء الموضوعة للإتباع. وأما مذهب مبرمان في أنها للعطف، فسقوطه أظهر2. وذلك أن الجملة التي هي "خرجت" جملة مركبة من فعل وفاعل. وقولك "فإذا زيد" جملة مركبة من مبتدأ وخبر، فالمبتدأ زيد، وخبره إذا، وحكم المعطوف أن يكون وفق المعطوف عليه، لأن العطف نظير3 التثنية، وليست الجملة المركبة من المبتدأ والخبر، وفق المركبة من الفعل والفاعل، فتعطف عليها. فإن قيل: ألست تجيز: قام زيد وأخوك محمد، فتعطف إحدى الجملتين على الأخرى وإن اختلفتا بالتركيب، فهلا أجزت أيضا مثل هذا في: خرجت فإذا زيد؟   1 الزيادي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن زياد. عده الزبيدي في الطبقة السابعة من البصريين. 2 أظهر: أي أوضح وأبين. مادة "ظ هـ ر" اللسان "4/ 2767". 3 نظير: مثيل. مادة "نظر". اللسان "6/ 4468". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فالجواب أنه قد يجوز مع الواو، لقوتها وتصرفها، ما لا يجوز مع الفاء من الاتساع، ألا ترى أنك لو قلت: قام محمد فعمرو جالس، وأنت تعطف على حد ما تعطف بالواو، لم يكن للفاء هنا مدخل، لأن الثاني ليس متعلقا بالأول، وحكم الفاء إذا كانت عاطفة، ألا تتجرد من معنى الإتباع والتعليق بالأول، كما تقدم من قولنا وهذا جواب أبو علي، وهو الصواب. ومن طريف زيادة الفاء قول سيبويه: "زيدا إن يأتك فاضرب". وقد أجمع البصريون على أن ما انتصب بفعل الشرط، أو بفعل جواب الشرط. لم يجز تقديمه على إن، وأنت قد تجد "زيدا" في هذه المسألة منصوبا، فلا يجوز إذا جعلت "فاضرب" جوابا أن تنصب به زيدا، لما قدمناه. قال أبو علي: الفاء هنا: زائدة، واضرب: واقع غير موقعه. وجواب الشرط: محذوف دل عليه فاضرب. فكان تقديره: زيدا اضرب إن يأتك، ثم زاد الفاء، واكتفى بقوله: فاضرب، من جواب الجزاء، فكأنه قال: زيدا فاضرب، إن يأتك فاضرب، فزيد منصوب باضرب الأولى، والفاء فيها زائدة، وهي التي كانت مؤخرة فقدمت، وقوله "فاضرب" الثانية، هي جواب الشرط في الحقيقة. ومن زيادتها بيت أنشده أبو الحسن: أراني إذا ما بت بت على هوى ... فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا1 كأنه قال: ثم أذا أصبحت أصبحت غاديا.   1 البيت لزهير من قصيدة مطلعها: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا ومعنى البيت: أنني أصبح مريدا لشيء طالبا له، وإذا أمسيت تركته وعدلت عنه. وذكره البغدادي في "3/ 588" واستشهد به المؤلف وابن هشام في المغني وابن عصفور في كتاب الضرائر على أن الفاء زائدة. غاديا: يروى بالعين المهملة. والشاهد في قوله: "فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا"، فهي شاهد على زيادة الفاء. إعراب الشاهد: الفاء: زائدة. ثم: حرف عطف. إذا أداة شرط غير جازمة. أصبحت: أصبح فعل ماضي تام، والتاء: فاعل. أصبحت: فعل ماضي ناقص ناسخ، والتاء اسمها. غاديا: خبرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وكما زيدت الفاء فيما ذكرناه وفي غيره مما يطول ذكره، كذلك حذفت أيضا اختصارا وهي مرادة1، وذلك نحو ما أنشده سيبويه: من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عن الله مثلان2 أراد: فالله يشكرها، وحذف الفاء تخفيفا. هكذا أنشده سيبويه، ورواه غيره من أصحابنا: من يفعلِ الخير فالرحمن يشكره3 وقد خالف جماعة من أصحابنا سيبويه في أشياء كثيرة مما استشهده، هذا واحدا منها.   1 مرادة: مطلوبة. مادة "رود". اللسان "3/ 1771". 2 البيت من شواهد سيبويه كما قال المؤلف وقد أورده في "1/ 435". والقافية فيه "سيان" في مكان "مثلان" واختلف في قائل هذا البيت، فنسب في الكتاب لسيبويه "1/ 435" إلى حسان بن ثابت، وفي الخزانة للبغدادي "3/ 644": والبيت نسبه سيبويه لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، ورواه جماعة لكعب بن مالك الأنصاري. محل الشاهد في البيت: أن الفاء الرابطة محذوفة من جواب الشرط ضرورة، والتقدير: فالله يشكرها. وقد روي عن أبي الحسن الأخفش أنه جائز في الكلام إذا علم ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشوري: 30] وقرئ: "بما كسبت" فدل على أن الفاء محذوفة، وجوزه ابن مالك مستشهدا بقوله -صلى الله عليه وسلم- في اللقطة: "إن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" خزانة الأدب "3/ 644". إعراب الشاهد: في قول سيبويه: "ومن يفعل الحسنات الله يشكرها": من: اسم شرط مبني في محل رفع مبتدأ. يفعل: فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون. الله: مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمة. يشكرها: يشكر فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هو، والهاء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به، والجملة في محل رفع خبر، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر. 3 قيل: إن هذه الرواية هي الصحيحة، أما الرواية السابقة فقد قال الأصمعي: إن النحويين قد غيروها. وموضع الشاهد: "فالرحمن يشكره" فقد وردت الفاء مذكورة في البيت. وقد سبق إعراب الشاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ومن ذلك أيضا: فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرا في عراض المواكب1 أراد: فلا قتال لديكم. ومنه أيضا: فأما الصدور لا صدور لجعفر ... ولكن أعجازا شديدا ضريرها2 أراد: فلا صدور لجعفر.   1 البيت من شواهد الرضي على الكافية. قال في الخزانة "1/ 217"، وقيل هذا البيت بيته وهو: فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ... قمدون سودان عظام المناكب والبيتان للحارث بن خالد المخزومي يهجو بهما بني أسد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. عراض المواكب: أي في ناحيتها، والمواكب: جمع موكب، وهو الجماعة من الناس سواء أكانوا ركبانا أو مشاة، وقيل: ركاب الإبل للزينة. القمد: بضم القاف والميم وتشديد الدال: الطويل، وقيل: الطويل العنق الضخمة. السودان: أراد به الأشراف، جمع سود وهو جمع أسود، أفعل تفضيل من السيادة. محل الشاهد: حذف الفاء الداخلة على خبر المبتدأ الواقع بعد أما للضرورة. إعراب الشاهد: أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد لا محل له من الإعراب. القتال: مبتدأ مرفوع. لا: نافية للجنس. قتال: اسم لا منصوب. لديكم: لدى ظرف مكان بمعنى عند. وكم: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. والظرف في محل رفع خبر لا. 2 الصدور: جمع صدر وهو ما فوق البطن وهي هنا كناية عن الرؤساء. اللسان "4/ 2411". الإعجاز: جمع عجز، وهو المؤخرة. وهي كناية عن النساء. اللسان "4/ 2818". الضريرة: شدة الضرر وهو الصبر. ويقال إنه لذو ضرير أي صبر. اللسان "4/ 2574". شرح البيت: يقول: إن بني جعفر لا رجال فيهم يدافعون عنها ولكنم نساء شديدات الضرر فهن كالرجال في المقاومة والمدافعة وإيصال الضرر. الشاهد في قوله: "أما الصدور لا صدور لجعفر". فحذف الفاء من خبر المبتدأ، والأصل: أما الصدور فلا صدور لجعفر. إعراب الشاهد: أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد لا محل له من الإعراب. الصدور: مبتدأ مرفوع. لا: نافية للجنس. صدور: اسم لا منصوب وعلامة النصب الفتحة. لجعفر: جار ومجرور في محل رفع خبر لا النافية للجنس. ولا، وما: دخلت عليه في محل رفع خبر للمبتدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فإن قال قائل: فلم دخلت الفاء في جواب إما؟ فالجواب أنها إنما دخلت في الجواب لما في أما من معنى الشرط، وذلك أنك إذا قلت: أما زيد فمنطلق، فمعناه: مهما يقع من شيء، فزيد منطلق. فإن قيل: فإذا كان تقدير الكلام: مهما يقع من شيء فزيد منطلق، فنحن نرى الفاء قبل الجملة التي هي زيد منطلق. ونحن إذا قلنا: أما زيد فمنطلق، فقد نرى زيدا قد تقدم على الفاء، وصار بعد الفاء اسم واحد، وهو منطلق، فما بال أحد الاسمين تقدم على الفاء مع ما، وتراهما جميعا متأخرين عن الفاء مع مهما؟ فالجواب: أن العرب كما تعنى بالمعاني فتحققها1، فكذلك أيضا تعنى بالألفاظ فتصلحها. وذلك أن هذه الفاء وإن كانت هنا متبعة2 غير عاطفة، فإنها قد تستعمل في العطف في كثير من المواضع، نحو قام زيد فعمرو، ورأيت محمدا فصالحا، فمن عادتها -عاطفة كانت أو متبعة- ألا تقع مبتدأة في أول الكلام، وأنه لا بد من أن يقع قبلها اسم أو فعل، فلو أنهم قالوا: أما فزيد منطلق، على تقدير مهما يقع من شيء فزيد منطلق، وأوجبوا على أنفسهم تقدم الفاء على الاسمين مع أما، كما يقدمونها عليهما مع مهما لوقعت الفاء مبتداة ليس قبلها في اللفظ اسم ولا فعل، إنما قبلها حرف، وهو أما، فقدموا أحد الاسمين قبل الفاء مع أما، لما حاولوه من إصلاح اللفظ، ليقع قبلها اسم في اللفظ، ويكون الاسم الثاني الذي بعده، وهو خبر المبتدأ، وإن لم يكن معطوفا الآن على المبتدأ، تابعا في اللفظ لاسم قبله، وهو زيد، فيكون الفاء هنا على صورة العاطفة وإن لم تكن عاطفة، كل ذلك لإصلاح اللفظ، فاعرفه، فإنه لطيف، وهو رأي أبي علي ومذهبه، وعنه علقت ما كتبته هنا، فإن اختلفت الألفاظ فإن المعاني متفقة.   1 التحقيق: الإحكام. مادة "حقق". اللسان "2/ 944". 2 متبعة: أي رابطة بين المسبب والسبب. مادة "ت ب ع" اللسان "1/ 416". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فأما قوله عز اسمه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} 1 [الجمعة: 8] فليست الفاء في "فإنه" زائدة، ولكنها دخلت لما في الكلام من معنى الشرط، فكأنه والله أعلم، إن فررتم منه لاقاكم. فإن قال قائل: إن الموت ملاقيهم على كل حال، فروا منه أو لم يفروا، فما معنى الشرط والجواب هنا؟ وهل يصح الجواب بما هو واقع لا محالة؟ فالجواب أن هذا على جهة الرد عليهم أن يظنوا أن الفرار ينجيهم، وقد صرح بهذا المعنى وأفصح عنه بالشرط الحقيقي زهير في قوله: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رام أن يلقى السماء بسلم2 أي إن اعتقد أن التحرز ينجيه من الموت، كان ذلك أدعى لوقوع الموت به على جهة الرد عليهم، وإبطال ظنهم.   1 تفرون: تهربون. مادة "ف ر ر" اللسان "5/ 3375". ملاقيكم: مقابلكم. الشرح: إن الموت الذي تهربون منه سيقابلكم لا محالة في ذلك. موضع الشاهد: "فإنه ملاقيكم" شاهد على أن الفاء في الآية غير زائدة في مثل هذه الآية لما فيها من معنى الشرط. إعراب الشاهد: الفاء واقعة في جواب الشرط. إن: حرف توكيد ونصب، والهاء: اسمها. ملاقيكم: خبر إن مرفوع بضمة مقدرة، والكاف: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. 2 المنايا: جمع المنية وهي الموت. ينلنه: يأخذنه. رام: طلب. الشرح: من خاف أسباب الموت نالته لا محالة. الشاهد في: "من هاب أسباب المنايا ينلنه" فقد جاء الشرط وجوابه لما هو واجب الوقوع وهو الموت. إعراب الشاهد: الواو: على حسب ما قبلها. من: اسم شرط مبني في محل رفع مبتدأ. هاب: فعل ماضي مبني في محل جزم فعل الشرط، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على من. أسباب: مفعول به منصوب. المنايا: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة المقدرة. ينلنه: فعل مضارع مبني لاتصاله بنون النسوة في محل جزم جواب الشرط، والنون: مبنية في محل رفع فاعل، والهاء مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فأما قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد: 13] 1، فذهب أبو الحسن2 في إلى أن الفاء زائدة. وذهب أيضا في قوله جل اسمه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} [البقرة: 87] ، وفي قول الناس: "أفالله لتصنعن كذا وكذا"، وقولنا للرجل: "أفلا تقوم" إلى أن الفاء زائدة، وجوز أيضا أن تكون حرف عطف، والوجه أن تكون هنا غير زائدة، وأن تكون للإتباع، لتعلق3 ما قبلها بما بعدها. وعلى هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: -وقد قيل له لما رئي قد جهد نفسه بالعبادة: يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ - "أفلا أكون عبدا شكورا؟ ". فالوجه أن تكون الفاء هنا متبعة غير زائدة. ومن زيادة الفاء أيضا قوله جل ثناؤه: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188] الفاء زائدة، وتحسب الثانية بدل من تحسب الأولى. إلى هذا ذهب أبو الحسن، وهو قياس مذهبه في كثرة زيادة الفاء. وقال حاتم: أخبرنا به علي بن محمد، يرفعه بإسناده إلى قطرب: وحتى تركت العائدات يعدنه ... يقلن فلا تبعد وقلت له ابعد4   1 أي ضرب بين المؤمنين والمنافقين سور يحجبهم عن بعضهم. الشاهد في "فضرب" فقد جاءت الفاء زائدة. إعراب الشاهد: الفاء: زائدة. ضرب: فعل ماضي مبني للمجهول. 2 أبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي الأخفش الأوسط. 3 التعلق: الارتباط. مادة "ع ل ق" اللسان "4/ 3071". 4 العائدات: اللاتي يعدن المريض في مرضه. لا تبعد: لا تهلك. يريد أنه طعنه طعنة تركته بين الموت والحياة، فالتف حوله النساء يطلبن له الشفاء، وهو يطلب له الموت. الشاهد فيه: زايدة الفاء في قوله "فلا تبعد". إعراب الشاهد: الفاء: زائدة لا محل لها من الإعراب. لا: أداة نهي جازمة. تبعد فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة الجزم السكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وبهذا الإسناد أيضا: لما اتقى بيد عظيم جرمها ... فتركت ضاحي كفه يتذبذب1 فالفاء في هذين البيتين زائدة. وهذا فصل اعترض الكلام، فلنحكمه، لنعرف مذهب العرب فيه، ثم نعود إلى بقية ما في الفاء. اعلم أن الحروف لا يليق بها الزيادة ولا الحذف، وأن أعدل2 أحوالها أن تستعمل غير مزيدة ولا محذوفة. فأما وجه القياس في امتناع حذفها من قبل أن الغرض من الحروف إنما هو الاختصار، ألا ترى أنك إذا قلت: ما قام زيد، فقد نابت "ما" عن "أنفي" وإذا قلت: هل قام زيد؟ فقد نابت هل عن "أستفهم"، فوقوع الحرف مقام الفعل وفاعله غاية الاختصار، فلو ذهبت تحذف الحرف تخفيفا لأفرطت3 في الإيجاز4، لأن اختصار المختصر إجحاف5 به. فهذا وجه، وأما وجه ضعف زيادتها فمن قبل أن الغرض في الحروف الاختصار، كما قدمناه، فلو ذهبت تزيدها، لنقضت الغرض الذي قصدته، لأنك كنت تصير من الزيادة إلى ضد ما قصدته من الاختصار، فاعرف هذا.   1 الجرم: الحجم. الضاحي: الظاهر. يتذبذب: يتردد. يقول: لم تجنب ضربتي له بيده الكبية الحجم، ضربته على كفه حتى تركتها تتأرجح في جلدتها. الشاهد فيه: زيادة الفاء في قوله: "فتركت ضاحي كفه يتذبذب". إعراب الشاهد: الفاء: زائدة. تركت: فعل وفاعل. ضاحي: مفعول به. كفه: مضاف إليه مجرور بالإضافة والهاء ضمير متصل في محل جر. يتذبذب: فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره هو. وجملة يتذبذب في محل نصب صفة. 2 أعدل: أوسط. مادة "عدل" اللسان "4/ 2840". 3 أفرط: زاد عن الحد. مادة "فرط". اللسان "5/ 3391". 4 الإيجاز: التعبير عن المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة. مادة "وجز". اللسان "6/ 4771". 5 الأجحاف: الظلم. مادة "جحف". اللسان "1/ 551". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فإن أبا علي حكاه على الشيخ أبي بكر1 رضي الله عنه، وهو نهاية في معناه، ولولا أن في الحرف إذا زيد ضربا من التوكيد، لما جازت زيادته البتة. كما أنه لولا قوة العلم بمكانه، لما جاز حذفه البتة، فإنما جاز فيه الحذف والزيادة من حيث أريتك على ما به من ضعف القياس. وإذا كان الأمر كذلك، فقد علمنا من هذا أننا متى رأيناهم قد زادوا الحرف فقد أرادوا غاية التوكيد، كما أنا إذا رأيناهم حذفوا حرفا، فقد أرادوا غاية الاختصار ولولا ذلك الذي أجمعوا عليه واعتزموه، لما استجازوا زيادة ما الغرض فيه الإيجاز، ولا حذف ما وضعه على نهاية الاختصار، فقد استغني عن حذفه بقوة اختصاره. واعلم أن الفاء قد يجاب بها سبعة أشياء2: وهي الأمر، والنهي، والاستفهام، والنفي، والدعاء، والتمني، والعرض. فالأمر نحو قولك: قم فأقوم. قال الشاعر: يا ناق سير عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا3 والنهي نحو قولك: لا تشتمه فيشتمك، قال الله عز وجل: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] 4.   1 الشيخ الفاضل أبي بكر: وهو أبو بكر محمد بن السري السراج، أصغر تلاميذ المبرد. وكان أبو علي الفارسي يأخذ عنه، توفي سنة ثلاثمائة وست عشرة. 2 الأصح أنهم ثمانية وفوق السبعة المذكورين "الترجي" ذكر ذلك ابن مالك والرضي وأبو حيان. 3 الناق: الناقة بحذف تاء التأنيث للضرورة. عنقا: ضرب من السير منبسط. وسليمان هو: سليمان بن عبد الملك. وقائل هذه الأبيات هو أبو النجم الراجز في مدح سليمان بن عبد الملك. الشاهد في قوله: "فنستريحا". إعراب الشاهد: الفاء للجواب. نستريح: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا. 4 يسحتكم: يستأصلكم. مادة "س ح ت" اللسان "3/ 1949". موضع الشاهد: "فيسحتكم". إعراب الشاهد: الفاء للجواب. يسحت: مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا، والفاعل مستتر وجوبا تقديره هو يعود على لفظ الجلالة. كم: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 والاستفهام نحو قولك: أين بيتك فأزورك. قال: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج1 والنفي نحو قولك: ما أنت بصاحبي فأكرمك، قال زياد بن منقذ: وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلا يزيدهم حبا إلي هم2 والدعاء نحو قولك: اللهم ارزقني بعيرا فأحج عليه. والتمني نحو: ليت لي مالا فأنفقه. والعرض نحو: ألا تنزل فنتحدث. واعلم أن الفعل بعد هذه الفاء إذا كانت جوابا، منتصب بأن مضمرة3، وإنما أضمرت أن ههنا، ونصب بها الفعل، من قبل أنهم تخيلوا في أول الكلام معنى المصدر فإذا قال: زرني فأزورك، فكأنه قد قال: لتكن منك زيارة، فزيارة مني.   1 البيت لامرأة هويت نصر بن حجاج السلمي من أهل المدينة، وكان أحسن أهل زمانه صورة، فضنيت من أجله ودنفت من الوجد به، ثم لهجت بذكره. قيل هي: الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف الثقفي، وتلقب المتمنية لذلك. وقيل: امرأة أخرى من أهل المدينة، تعرف بالذلفاء. وقيل: إن البيت مصنوع. موضع الشاهد قوله: "فأشربها". إعراب الشاهد: الفاء للجواب. أشرب: فعل مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. 2 البيت من القصيدة التي مطلعها، وروايته كما في الحماسة "3/ 182". لم ألق بعدهم حيا فأخبرهم ... إلا يزيدهم حبا إلي هم يروى قوله فأخبرهم بالرفع، على أنه منقطع عما قبله، والتقدير: فأنا أخبرهم. ويروى بالنصب على تقدير "أن" وجعل الفاء سببية في جواب النفي كما شرحه المؤلف. ورواية المؤلف فأذكرهم في مكان فأخبرهم، ويجوز فيها الوجهان الرفع والنصب على ما تقدم. الشاهد في قوله "فأذكرهم". إعرابه: الفاء للجواب. أذكر: مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، وهم: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. 3 مضمرة: غائبة من أضمرت الشيء إذا غيبته. مادة "ضمر". اللسان "4/ 2607". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فلما كان الأول في تقدير المصدر، والمصدر اسم، لم يسغ1 عطف الفعل بعده عليه، لأن الفعل لا يعطف على الاسم، فإذا أضمرت أن قبل الفعل، صارا معا في تقدير المصدر، والمصدر اسم، فلذلك جاز عطف اسم على اسم. فإن قيل: ولم قدر في أول الكلام مصدر، حتي اضطروا إلى إضمار "أن"، ثم عطفوا المصدر المنعقد للمعنى بأن والفعل جميعا، على المصدر الذي قبله؟ فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك لمخالفة الفعل الثاني للفعل الأول في المعنى، وذلك أنك إذا قلت: ما تزورني فتحدثني، فلم ترد أن تنفيهما جميعا، ولو أردت ذلك، لرفعت الفعلين جميعا، ولكنك تريد: ما تزورني محدثا، أي قد تزورني ولكنك إذا زرتني لم تحدثني، فأنت الآن قد أثبت الزيارة، ونفيت الحديث، فلما اختلف الفعلان، ولم يجز العطف على ظاهر الفعل الأول، وأضمروا مصدره، وكان ذلك مستقيما سائغا، لدلالة الفعل الأول على مصدره، فلما تخيلوا في الفعل الأول معنى المصدر، عطفوا الثاني عليه، فاضطروا إلى إضمار "أن" لما ذكرت لك. ويجوز لك أيضا إذا قلت: ما تزورني فتحدثني، فنصبت الثاني، أن يكون المعنى غير المعنى: ما تزورني إلا لم تحدثني. وذلك أنه يجوز أن يكون المعنى: ما تزورني، فكيف تحدثني؟ فهذا أيضا معنى ما تزورني محدثا، لأن معناه: لو زرتني لحدثتني، فأنت الآن ناف للزيارة، ومعلم أن الزيارة لو كانت لكان الحديث عنها. فهذا أيضا معنى غير معنى رفع "فتحدثني". فهذا مجيء الفعل بعد الفعل. وأما مجيئه بعد غير الفعل فهو أسهل في اعتقاد المصدر في أول الكلام، لأنه ليس هناك فعل يجوز عطف هذا الفعل المتأخر عليه، وذلك قولك: أين بيتك فأزورك؟ ألا ترى أن أين بيتك، ليس بفعل، فيعطف عليه أزورك، فهذا أظهر أمرا، فحمل هذا أيضا على المعنى، لأن معناه: ليكن تعريف منك، فزيارة مني، لأن معنى أين بيتك؟ عرفني بيتك، فجاز تقدير التعريف لذلك.   1 يسغ: يجز. تقول: ساغ له ما فعل أي جاز له ذلك. اللسان "3/ 2152". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ويدلك على أن الفعل إذا تقدمه اسم ولم يسغ عطفه عليه، اضطر معه إلى إضمار "أن" ليفيدا معا معنى المصدر، فيعطف المصدر الذي هو اسم، على الاسم الذي قبله، قول ميسون بنت بجدل الكلبية: للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف1 فكأنها قالت: لأن ألبس عباءة، وأن تقر عيني، أحب إلي من كذا. ونظير2 ذلك قول الآخر، وهو من أبيات الكتاب أيضا: فلولا رجال من رزام أعزة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما3 أراد: وأن أسوءك. فكأنه قال في البيت الأول: للبس عباءة وقرة عيني: أحب من كذا. وفي الآخر: ولولا رجال وآل سبيع أو مساءتي إياك، لكان كذا، فالقرة: اسم بمنزلة اللبس، والمساءة: اسم بمنزلة آل سبيع.   1 البيت ينسب لميسون بنت بجدل الكلبية زوج مع معاوية بن أبي سفيان وأم يزيد ابنه وهي بدوية من كلب التي تسكن بادية الشام، ضاقت نفسا لما تسرى عليها معاوية، فعذلها على ذلك، وقال لها: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره، وكنت قبل اليوم في العباءة، فقالت أبياتا منها هذا البيت، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه "1/ 426". الشاهد فيه: نصب "تقر" بإضمار أن ليعطف على اللبس، لأنه اسم، وتقر: فعل، فلم يمكن عطفه عليه، فحمل على إضمار أن، لأن أن وما بعدها اسم، فعطف اسما على اسم، وجعل الخبر عنهما واحدا، وهو أحب. 2 نظير: مثيل. مادة "نظر". 3 رزام: ابن مالك بن حنظلة بن مالك بن عمرو: أبو حي من تميم. سبيع: هو ابن عمرو بن فتية. علقما: مرخم علقمة. يقول: لولا هؤلاء الرجال المذكورين لفعلت به كذا وكذا. الشاهد في قوله: أو أسوءك علقما". إعراب الشاهد: أو: عاطفة. أسوء: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد أو، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، والكاف: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 واعلم أنك إذا أجبت هذه السبعة الأشياء1 بالفاء، فإن الكلام الذي هو مجاب، والكلام الذي هو جواب جميعا ينعقدان انعقاد الجملة الواحدة، وليستا بجملتين، وذلك أنك إذا قلت: ما أنت بصاحبي فأكرمك، فكأنك قلت، ليست بيننا صحبة مقتضية إكراما، فمقتضية جزء متصل بالجملة، على حد اتصال الصفة بالموصوف من الجملة المقدمة، وكذلك قوله. يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا2 في معنى: سيري سيرا مؤديا إلى الاستراحة، فمؤد متصل بما قبله، وليس منفصلا منه. وكذلك قولك: لا تشتمه فيشتمك، معناه: لا يكن منك شتيمة له داعية إلى شتمه إياك. وعلى هذا جميع هذه المسائل. وأنت لو قلت: ما تزورني فتحدثني، فرفعت تحدثني، لم يكن الكلام كله جملة واحدة، بل هو جملتان، أي: ما تزورني، فهذه واحدة، وما تحدثني، فهذه أخرى، فاعرف حال هذا الفاء وما بعدها. وقول البغداديين: إننا ننصب الجواب على الصرف، كلام فيه إجمال، بعضه صحيح، وبعضه فاسد. أما الصحيح فقولهم: الصرف: أي ينصرف بالفعل الثاني عن معنى الأول، وهذا هو معنى قولنا: إن الثاني يخالف الأول. فأما انتصابه بالصرف فخطأ، ولا بد له من ناصب مقتض له، لأن المعاني لا تنصب الأفعال، وإنما ترفعها المعاني، والمعنى الذي يرفع الفعل هو وقوع الفعل موقع الاسم، وجاز في الأفعال أن يرفعها المعنى، كما جاز في الأسماء أن يرفعا المعنى، أعني الابتداء، لمضارعة الاسم للفعل، فكما أن المضارعة في الفعل بمنزلة التمكن في الاسم، في إيجابها جنس الإعراب لهما، فكذلك وقوع الفعل موقع الاسم يوجب له الرفع، كما أن ابتداء الاسم يوجب له الرفع، وكما أن الأسماء لا تنتصب إلا بناصب لفظي، فكذلك الأفعال لا تنتصب إلا بناصب لفظي.   1 هذه الأشياء هي: "الأمر، والنهي، والتمني، والاستفهام، والنفي، والدعاء، والعرض" مضاف إليها الأمر الثامن وهو "الترجي". 2 سبق شرح هذا البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فأما من ادعى انتصاب شيء من الكلام بالمعنى دون اللفظ، فقد وجب عليه من إقامة الدلالة على ذلك مثل الذي وجب علينا فأقمناه، من الدلالة على ارتفاع1 الاسم المبتدأ والفعل المضارع، بالمعنى. فإن قيل: فإذا كان تقدير قولنا: ما أنت بصاحبي فأكرمك عندك: ما أنت بصاحبي فأن أكرمك، فهل يجوز أن تظهر "أن" هذه المقدرة عندك إلى اللفظ، فتقول: ما أنت بصاحبي فأن أكرمك؟ فالجواب أن هذا أصل وإن قامت الدلالة عليه فإنه مرفوض، كما أن أصل قام: قوم، ولكنه لا ينطق به على أصله. وهاهنا أشياء كثيرة ترفض أصولها، ويقتصر في الاستعمال على فروعها، وقد حذفت الفاء. قالوا: أف، خفيفة الفاء، وأصلها أف، مشددة.   1 ارتفاع: أي رفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 باب القاف : القاف: حرف مجهور، يكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء، وعينا، ولاما. فالفء نحو: قرن وقعد، والعين نحو: سقف وثقل، واللام نحو: خرق وعلق. وأخبرني أبو علي: قراءة عليه، عن أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب، عنه، قال: قال الفراء: قريش تقول: كشطت1، وقيس وتميم تقول: قشطت، بالقاف. وليست القاف في هذا بدلا من الكاف، لأنهما لغتان لأقوام مختلفين. فأما ما حكاه الأصمعي من قولهم: امتك الفصيل ما في ضرع أمه وامتق، وتمقق وتمكك، إذا شرب كله. فالأظهر فيه أن تكون القاف بدلا من الكاف، لما ذهب إليه أبو علي، لأنه قال: من هذا أخذ اسم مكة، لأنها كالمجرى للماء، فهو ينجذب إليها. قال: فأما موضع الطواف، فهو بكة، بالباء، لأنه من الازدحام. وقرأت عليه، عن أبي الحسن علي بن سليمان، عن أبي العباس، عن أبي الفضل الرياشي، في نوادر أبي زيد. تبك الحوض علاها ونهلى ... ودون زيادها عطن منيم2 فقول الجميع مكة ولم يقولوا: مقة، يقوي أن الكاف هو الأصل. فأما قولهم: مققت الشيء: إذا فتحته، فليس من امتق في شيء، فيحكم بأنه من معناه، وكذلك قولهم للرجل الطويل: أمق، لا نسبة بينه وبين امتق في المعنى.   1 كشطت: يقال كشطت الشيء عن الشيء أي أزالة عنه، وكشطت أي ذهب ما تغطيه وتواريه. 2 البيت ذكره صاحب اللسان ونسبه إلى عاهان بن كعب بن عمرو بن سعد، ويقال له أيضا: غامان في الأصل. تبك: أي تزدحم. علاها: عل علا، عللا: أي شرب ثانية أو تباعا. نهلى: أي ورودي لكي أشرب الشربة الأولى، أو الشراب الأول. عطن: العطن واسع الصبر والحيلة عند الشدائد. مادة "ع ط ن" اللسان "4/ 3000". الشاهد في قوله: تبك. إعرابها: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 باب الكاف : الكاف حرف مهموس، يكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: كعب وكعم1، والعين نحو: شكر وشكر، واللام نحو: محك2 وضحك. وأخبرني أبو علي قرءة عليه، عن أبي بكر، عن بعض أصحاب يعقوب عنه، قال: قال أبو عمرو: يقال أعرابي كح وأعرابية كحة، تريد قح وقحة. قال: وقال الأصمعي القح3: الخالص من اللؤم والكرم. فينبغي أن تكون الكاف في كح بدلا من قاف قح، لأن أبا زيد حكى في جمعه أقحاح، ولم نسمعهم قالوا أكحاح، فيجري هذا مجرى ما قلناه في جدث4 وجدف. وأما قولهم: كشطت وقشطت، فقد تقدم من القول فيه ما يدل على أنها لغتان. وأخبرني أبو علي عن أبي بكر عن أبي جعفر بن رستم الطبري قال: مر رجل برجلين وقد نحرا ناقة وهما يكشطانها، فسأل رجلا من ناحية، فقال: ما جلاء الكاشطين؟ أي ما اسماهما؟ فقال: خابئة مصادع5، ورأس بلا شعر، فأتاهما فقال: يا كنانة ويا صليع أطعماني. وقال أبو علي: اعرفه "خابية المصابع، وهصار الأقران6"، فقال: يا كنانة ويا أسد أطعماني.   1 كعم: أي وضع في فمه الكعامة، وهي ما يجعل على فم الحيوان لئلا يعض أو يأكل. 2 محك: محك محكا: أي لج في المنازعة أو المساومة. مادة "م ح ك" اللسان "6/ 4147". 3 القح: ما خلا من الشوائب الغريبة فهو قح، وكذا الخالص في اللؤم أو الكرم، يقال رجل قح للجافي كأنه خالص فيه وعربي قح أي محض خالص. مادة "ق ح ح" اللسان "5/ 3535". 4 جدث: الجدث بفتحتين القبر "ج" أجدث، أجداث. مادة "ج د ث" اللسان "1/ 559". 5 خابية المصادع: الخابية: الوعاء الذي يحفظ فيه الماء ونحوه "ج" خوابي. اللسان "2/ 1098". المصادع: "م" المصدع: وهو المشقص من السهام. مادة "ص د ع" اللسان "4/ 2415". وجملة خابية المصادع كناية عن الجعبة الصغيرة من الجلد والتي تصنع للسهام والنبال. 6 هصار الأقران: هصار: هصر: اي أخذ برأسه فأماله إليه، أو كسره. اللسان "6/ 4669". والجملة "هصار الأقران" كناية عن شدته وقوته في ميدان القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وقد تقدم من قولنا في الحروف التي تبدل في بعض المواضع وهي غير مذكورة في حروف البدل الأحد عشر، وإنما لم تحتسب هناك من حيث كان البدل فيها قليلا غير مطرد، ما فيه مقنع إن شاء الله. وأنشدنا أبو علي: يابن الزبير طالما عصيكا وطالما عنيتنا إليكا لنضربن بسيفنا قفيكا1 أبدل الكاف من التاء، لأنها أختها في الهمس، وكان سحيم إذا أنشد شعرا جيدا قال: أحسنك والله، يريد: أحسنت. وأما قول كثير2: ومقربة دهم وكمت كنها ... طماطم يوفون الوفار هنادك3 فقال محمد بن حبيب: أراد بالهنادك: رجال الهند، وظاهر هذا القول منه يقتضي أن تكون الكاف زائدة. قال: ويقال: رجل هندي وهندكي. ولو قيل إن الكاف أصل، وإن هندي وهندكي أصلان، بمنزلة سبط وسبطر، لكان قولا قويا، وهو الصواب.   1 الأبيات ذكره صاحب اللسان منسوبة إلى امرئ القيس. 2 كثير: هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الخزاعي، من قبيلة خزاعة وهي حي من الأزد، وكنيته أبو صخر، وقد هام بعزة حبا حتى نسب إليها ونسبت إليه فيقال: كثير عزة، ويقال عزة كثير. 3 البيت في ديوان كثير "2/ 168"، والبيت نسبه صاحب اللسان إلى كثير عزة. الشاهد فيه قوله هنادك: حيث إن الكاف زائدة ويبدو أنه يقصد بالهنادك رجال بالهند. إعراب الشاهد: ك: حرف متصل مبني زائد في محل جر بالإضافة. مقربة: كناية عن الخيل، والخيل المقربة هي الخيل المكرمة. دهم: "م" أدهم. ودهم دهمة أي اسود فهي دهماء وهو أدهم. مادة "د هـ م". كمت: "م" الكميت، وهو الخيل الذي لونه بين الأسود والأحمر، والكمت: أي الحمر. الوفار: "م" الوفرة، وهي الكثرة، أو الشعر المجتمع على الرأس، أو ما جاوز شحمة الأذن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 واعلم أن الكاف المفردة تستعمل في الكلام على ضربين: جارة وغير جارة، والجارة أيضا على ضربين: أحدهما حرف، والآخر اسم. فأما الحرف فما لم يقع مواقع الأسماء وذلك نحو قولك: مررت بالذي كزيد، والكاف هنا حرف لا محالة، لأنك لو قلت مررت بالذي مثل زيد، أو مررت بالذي مثل جعفر، لكان خلفا1 وقبيحا من الكلام، حتى تظهر الضمير المبتدأ المحذوف، فتقول: مررت بالذي هو مثل زيد، ومررت بالذي هو مثل جعفر، فإجماعهم على استحسان مررت بالذي كزيد، دلالة على أن الكاف حرف جر، وأنه بمنزلة قولك: مررت بالذي في الدار، وضربت الذي من الكرام، وجاءني الغلام الذي لمحمد. وهذا استدلال سيبويه، وهو الصواب الذي لا معدل عنه. وأما الكاف التي في تأويل الاسم، فالتي تقع مواقع الأسماء. وذلك نحو قول الشاعر: وصاليات ككما يؤثفين2 فالأولى حرف، والثانية اسم، لدخول حرف الجر عليها. فأما قول الآخر: فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للما بهم أبدا دواء3 فليست اللام الثانية باسم، وإن كانت قد دخلت عليها اللام الأولى، لأنه لم يثبت في موضع غير هذا أن اللام اسم، كما ثبت أن الكاف اسم، وإذا كان ذلك كذلك، فإحدى اللامين زائدة مؤكدة، وينبغي أن تكون الزائدة هي الثانية دون الأولى، لأن حكم الزائد ألا يبتدأ به.   1 خلفا: الخلف بإسكان اللام الرديء من القول. مادة "خ ل ف". اللسان "2/ 1236". 2 يؤثفين: أي جعل لها أثافي. والأثافي "م" أثفية، والأثفية هي أحد أحجار ثلاثة يوضع عليها القدر. سبق تخريجها. 3 ذكر البيت صاحب خزانة الأدب ونسبه لمسلم بن معبد "1/ 364-366". الشاهد فيه معاملة اللام الثانية معاملة الحرف مثل اللام الأولى. يلفى: لفى -ألفاه أي وجده وصادفه. مادة "ل ف ا" اللسان "5/ 4056". دواء: ما يتداوى به ويعالج "ج" أدوية. مادة "د وا" اللسان "2/ 1465". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وكذلك قول الأعشى: هل تنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل1 فالكاف هنا موضع اسم مرفوع، فكأنه قال: ولن ينهى ذوي شطط مثل الطعن، فيرفعه بفعله. فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون الكاف في هذا البيت حرف جر، وتكون صفة قامت مقام الموصوف، وتقدير الموصوف على قولنا: ولن ينهى ذوي شطط شيء كالطعن، فيكون الفاعل شيء المحذوف، وتكون الكاف حرف جر صفة لشيء الفاعل، لأن شيئا نكرة، والنكرات قد توصف بحروف الجر، نحو قولك: جاءني رجل من أهل البصرة، وكلمت غلاما لمحمد، ويكون حذف الموصوف هنا جائزا، كما جاز في قول من تأول الآية على إقامة الصفة مقام الموصوف، وهي قوله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} [الإنسان: 14] قالوا: أراد: وجزاهم بما صبرو جنة وحريرا، وجنة دانية عليهم ظلالها، فحذف جنة، وأقام دانية مقامها.   1 ينسب البيت إلى الأعشى أبو بصير، وهو ميمون بن قيس بن جندل، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات وكان يغني بشعره فسمي صناجة العرب. البيت من قصيدة يتغزل فيها بمحبوبته هريرة، ومطلعها: ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل تنتهون: تنتهون عن الشيء أي تكفون عنه. مادة "ن هـ ى". اللسان "6/ 4564". شطط: شط - شططا: أي أمعن وجاوز الحد، واشتط في الحكم أي جار. اللسان "4/ 2263". الطعن: طعن طعنا: وخذه برمح ونحوه. مادة "ط ع ن" اللسان "4/ 2676". الفتل: "م" فتلة، وهي قطعة من خيط القطن أو الحرير ونحوهما. اللسان "5/ 3344". يقول الأعشى: إن الإنسان الذي يظلم لا ينتهي عن الظلم إلا إذا طعن طعنا تذهب فيه الفتل. الشاهد في قوله "كالطعن" حيث أن حرف التشبيه الكاف يعامل معاملة اسم التشبيه "مثل" ذلك أن أداة التشبيه تكون اسم أو فعل أو حرف، فالاسم مثل "مثل" والحرف مثل الكاف، والفعل مثل يشابه أو يشبه ونحوهما. إعراب الشاهد: كالطعن: الكاف: اسم مبني في محل رفع فاعل وهو مضاف. الطعن: مضاف إليه مجرور بالإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وكقول الآخر: كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن1 أي جمل من جمال بني أقيش، وغير ذلك مما يطول ذكره. فالجواب أن حذف الموصول وإقامة الصفة مقامة على كل حال قبيح، وهو في بعض الأماكن أقبح منه في بعض، فأما قوله عز وجل: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} فالوجه فيها أن تكون منصوبة على الحال، معطوفة على قوله: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} فهذا هو القول الذي لا ضرورة فيه. وأما قوله: "كأنك من جمال بني أقيش" فإنما جاز ذلك في ضرورة الشعر، ولو جاز لنا أن نجد "من" في بعض المواضع قد جعلت اسما، لجعلناها ها هنا اسما، ولم نحمل الكلام هنا على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه.   1 البيت نسبه صاحب اللسان إلى النابغة "3/ 1655". والنابغة الذبياني هو زياد بن معاوية ويعد من فحول الشعراء في الجاهلية ونبغ في قول الشعر في مرحلة متقدمة من عمره ويكنى بأبي أمامة. والبيت من قصيدة قالها يدافع بها عن بني أسد، ومطلعها: غشيت منازلا بعريتنات ... بأعلى الجزع في الحي المبن وقوله: كأنك: أسلوب تشبيه يقوم على إضافة أداة التشبيه إلى المشبه، وهو تشبيه استعاري غرضه التصوير والتوضيح. بني أقيش: قوم من العرب. يقعقع: يحدث صوتا عند التحريك. ويقال: لا يقعقع له بالشنان أي لا يخدع ولا يروع. بشن: الشن: القربة الخلق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيره "ج" شنان. يقول النابغة: كأنك أحد جمال بني أقيش التي يضرب بها المثل في النفور والوحشية، وكانوا يعلقون خلفها قربة صغيرة إذا تحركت الناقة اصطدمت تلك القربة بقدميها فتسرع في المشي. الشاهد في قوله: "من جمال بني أقيش" حيث أنها صفة سدت مسد الموصوف المحذوف المقدر وتقديره كأنك جمل من جمال بني أقيش. إعراب الشاهد: كأنك: كأن: أداة تشبيه ونصب تدخل على الجملة الاسمية فتنصب المبتدأ وترفع الخبر. الكاف: ضمير متصل مبني في محل نصب اسم كأن، وخبره محذوف تقديره جمل. من جمال: جار ومجرور في محل رفع نعت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فأما قوله: "ولن ينهى ذوي شطط كالطعن" فلو حملته على إقامة الصفة مقام الموصوف، لكان أقبح من تأول1 قوله عز اسمه {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} على حذف الموصوف، لأن الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى، و"دانية" في هذا القول إنما هي مفعول به، والمفعول قد يكون غير اسم صريح، نحو: ظننت زيدا يقوم، وحسبت محمدا يفعل، والفاعل لا يكون إلا اسما صريحا محضا، وهم على إمحاضه اسما أشد محافظة من جميع الأسماء، ألا ترى أن المبتدأ قد يقع غير اسم محض، وهو قولهم "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، فتسمع، كما ترى فعل، وتقديره: أن تسمع، فحذفهم "أن" ورفعهم تسمع، يدل على أن المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسم صريح. وإذا جاز هذا في المبتدأ على قوة شبهه بالفاعل، فهو في المفعول الذي يبعد عنهما أجوز، فمن أجل ذلك ارتفع الفعل في قول طرفة2: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى3   1 تأول: تأول الكلام أي فسره. مادة "أول" اللسان "1/ 172". 2 طرفة: هو طرفة بن العبد، أحد أصحاب المعلقات، وأحد فحول الشعراء الجاهليين. 3 شطر البيت لطرفة بن العبد ساقه في معلقته الشهيرة والتي تبدأ بقوله: لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد البيت تكملته كالآتي: ألا يهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي حيث جاء اللائمي مكان الزاجري. اللائمي: لام -يلوم- لوما أي عذله، فهو لائم ولوام. مادة "ل وم" اللسان "5/ 1004". الزاجري: زجر -يزجر. أي كفه، وزجر فلانا: أي منعه ونهاه. الوغى: أصله صوت الأبطال في الحرب ثم جعل اسما للحرب لما فيها من الصوت والجلبة. اللذات: "م" لذة وهي إحدى الظواهر الوجدانية الأساسية. تتتميز بالإحساس بالراحة، وتقابل الألم وهي ضربان: حسية ومعنوية. مخلدي: الخلود: البقاء. خلد: خلدا وخلودا أي دام وبقي. اللسان "2/ 1225". يقول طرفة: ألا أيها الإنسان الذي يلومني على حضوري الحرب وحضور اللذت هل تخلدني إن كففت عنها، والاستفهام غرضه التوبيخ. الشاهد فيه: نصب أحضر بأن، وهذا أكده الكوفيون، اما البصريون فأنكروا أن تعمل أن المحذوفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عند كثير من الناس، لأنه أراد: أن أحضر، وأجاز سيبويه في قوله "مره يحفرها" أن يكون الرفع على قوله "مره أن يحفرها"، فلما حذفت أن ارتفع الفعل بعدها، وقد حملهم كثرة حذف "أن" مع غير الفاعل، على أن استجازوا ذلك مع اسم ما لم يسم فاعله، وإن كان جاريا مجرى الفاعل، وقائما مقامه. وذلك قول جميل: جزعت حذار البيت يوم تحملوا ... وحق لمثلي يا بثينة يجزع1 أراد: أن يجزع، على أن هذا قليل. فإن قلت: ألست تعلم أن خبر كان يجري مجرى الفاعل، وقد قالوا: كأنك من جمال بني أقيش وأرادوا: جمل من جمال بني أقيش، فحذف الموصوف وهو خبر كأن، فهلا أجزت حذف الفاعل وإقامة الصفة مقامه في قول الأعشى: "ولن ينهى ذوي شطط كالطعن"، وقلت إنه أراد: شيء كالطعن، حملا على بيت النابغة؟ فالجواب أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن خبر كان وإن شبه بالفاعل في ارتفاعه، فليس في الحقيقة فاعلا، ولا في مذهب الفاعل، أولا تراك تقول: كأن زيدا يصلي، وكن أخاك يقفوا أثرك، فجعلهم خبرها، فعلا يدلك على أنه لا تبلغ قوة الفاعل في الاسمية، لأن الفاعل لا يكون إلا اسما محضا.   1 البيت لجميل بن معمر من قبيلة عذرة وهي قبيلة اشتهرت بالحب العذري، وكنيته أبو عمر، وقد وقع في هوى بثينة وارتبط اسمه بها حتى قيل جميل بثينة وقال فيها من الشعر الكثير. جزعت: جزع جزعا: أي لم يصبر على ما نزل به، فهو جازع وجزوع وجزع. البين: الفرقة، والكلمة من الأضداد فتكون أحيانا بمعنى الوصل. اللسان "1/ 403". بثينة: تصغير بثنة وهي الأرض السهلة اللينة، والمرأة الجميلة البضة. اللسان "1/ 209". ويقول جميل: إنني يا بثينة فقدت الصبر والتحمل على فراقك ومثلي لما به من حب وجوى حق له ألا يصبر على ألم الفراق، والأسلوب خبري تقريري. الشاهد فيه أن الفعل "يجزع" يقرأ بالنصب عند الكوفيين وناصبه أن المحذوفة والتقدير "أن يجزع"، وعلى ذلك يكون إعراب الشاهد: يجزع: فعل مضارع منصوب بأن المحذوفة وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره لأنه مضارع صحيح الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 والآخر: أن بيت النابغة: "كأنك من جمال بني أقيش" اضطررنا فيه إلى إقامة الصفة مقام الموصوف، وبيت الأعشى لم نضطر فيه إلى ذلك، لأنه قد قامت الدلالة المبنية عندنا على استعمالهم الكاف اسما في نحو قول الآخر: وزعت بكالهراوة أعوجي ... إذا ونت الركاب جرى وثابا1 فدخول حرف الجر عليها يؤكد كونها اسما، وكذلك قول الآخر: قليل غرار النوم حتى تقلصوا ... على كالقطا الجوني أفزعه الزجر2   1 البيت ذكر في اللسان بغير نسبة "3/ 1965"، ولم نعثر على قائله فيما بين أيدينا من كتب. وزعت: وزع: وزعا: أي كفه ومنعه وزجره ونهاه. مادة "وز ع" اللسان "6/ 4825". الهراوة: العصا الضخمة "ج" هراوي. مادة "هـ ر ا" اللسان "6/ 4658". أعوجي: الأعوج: فرس سابق ركب صغيرا فاعوجت قوائمه. اللسان "4/ 3155". وقال عنه العرب: أن أعوج من أفضل أنواع الخيل كان في كندة ثم أخذته بنو سليم ثم بنو هلال. ونت: وني: ونيا: وناء: أي فتر وضعف. مادة "ن وى" اللسان "6/ 4928". الركاب: الإبل المركوبة أو التي يراد الحمل عليها "ج" ركب وركائب. اللسان "3/ 1713". وثابا: وثب، يثب وثبا، أي قفز. مادة "وث ب" اللسان "6/ 4762". الشاعر يقول: أنه رد الأعداء وزاد عن قومه عندما فترت وضعفت باقي الخيل بفرس أصيل قوي ضامر ضخم كالهراوة قادر على الكر والفر والنزال والقتال. الشاهد فيه قول "بكالهراوة" حيث أن الكاف اسم وليست حرف وهي بمعنى مثل. إعراب الشاهد: "بالكالهراوة": الباء حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر. الكاف: اسم مجرور بحرف الجر الباء وعلامة الجر الكسرة، وهو: مضاف. الهراوة: مضاف إليه مجرور بالإضافة. 2 نسب المخصص البيت للأخطل "14: 49". غرار النوم: القليل من النوم وغيره، ويقال: ما ذقت النوم إلا غرارا. اللسان "5/ 3235". تقلصوا: تقلص الشيء إذا تدانى وانضم، والمقصود أنهم شمروا ثيابهم واستعدوا. القطا: "م" القطاة وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء ويتخذ أفحوصة في الأرض ويطير جماعات ويقطع مسافات شاسعة ويبيضه مرقط. مادة "ق ط ا" اللسان "5/ 3684". الجوني: جان: جونا وجونة أي اسود، والجون الأسود "ج" جون. اللسان "1/ 732". أفزعه: أي أخافه وروعه. مادة "ف ز ع" اللسان "5/ 3409". الزجر: الكف والنهر، ويقال زجر فلانا أي كفه ومنعه ونهاه وانتهزه. يقول الأخطل: إن نومي قليل ولذا فأنا أنتبه لأعدائي كذلك النوع من القطا والذي يسمى بالجوني لاسوداد لونه - عندما يفزعه الزجر مع أقل حركة. الشاهد قوله: كالقطا، حيث إن الكاف اسم وليست حرف وهي هنا بمعنى مثل أي "مثل القطا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وقال ذو الرمة: أبيت على مي كئيبا وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح1 وكذلك قول الآخر: على كالخنيف السحق يدعو به الصدى ... له قلب عفى الحياض أجون2   1 قائل البيت ذو الرمة وهو غيلان بن عقبة وكنيته أبو الحارث ولم يكن له من الوسامة نصيب، وكان كثير الغزل يتشبه بالنساء ومنهن خرقاء رومية، وقد نسب له البيت في خزانة الأدب وهو في ديوانه كالآتي: أبيت على مثل الأشافي وبعلها ... يبيت على مثل النقا يتبطح مي: اسم محبوبته. كئيبا: كئب كآبة: أي تغيرت نفسه وانكسرت من شدة الهم والحزن فهو كئيب. بعلها: البعل: السيد أو الزوج "ج" بعلا وبعول وبعولة. اللسان "1/ 316". النقا: الكثيب من الرمل "ج" أنقاء. اللسان "6/ 4533". يتبطح: أي انبطح. يقول ذو الرمة: إنني أبيت حزينا مهموما على محبوبتي مي التي تزوجت غيري. الشاهد فيه قوله: كالنقا "حيث إن الكاف: هنا بمعنى مثل وهي اسم وليست حرفا. 2 ذكر هذا البيت صاحب اللسان في مادة "خ ن ف". الخنيف: من الثياب بوزن العنيف أبيض غليظ يتخذ من كتان، وفي الحديث "تخرقت عنا الخنف"، "ج" خنف. مادة "خ ن ف". اللسان "2/ 1280". السحق: البالي، ويقال ثوب سحق: أي ثوب بالي. مادة "س ح ق". اللسان "3/ 1956". الصدى: رجع الصوت يرده الجبل ونحوه "ج" أصداء. اللسان "4/ 2421". قلب: "م" قليب، وهو البئر قبل أن تطوى، أو قبل أن تبنى بالحجارة ونحوها وهو يذكر ويؤنث فتقول هذه قليب وهذا قليب. ويقال: هي البئر العادية القديمة. مادة "ق ل ب". عفى: "م" عاف أي دارس وبالي، أو ذهب أثره فمحى ودرس. وجمعه بهذه الصيغة جمع يندر التعامل به. مادة "ع ف ا" اللسان "4/ 3018". الحياض: "م" الحوض وقد يجمع على أحواض وحياض وحيضان، والحوض مجتمع الماء. أجون: "م" الآجن وهو الماء المتغير اللون والطعم، وأجن الماء من باب ضرب. والشاهد فيه قوله: "كالخنيف" فإن الكاف اسم بمعنى مثل وليست حرفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 فهذا ونحوه يشهد بكون الكاف اسما، وبيت الأعشى أيضا يشهد بما قلنا، فلسنا ننزل عن الظاهر، ونخالف الشائع المطرد، إلى ضرورة واستقباح، إلا بأمر يدعو إلى ذلك، ولا ضرورة هنا، فنحن على ما يجب من لزوم الظاهر، ومخالفنا معتقد لما لا قياس يعضده، ولا سماع يؤيده. ووجه ثالث: وهو أن خبر كأن هو خبر المبتدأ في الأصل، وخبر المبتدأ لا يلزم إمحاضه اسما. فإن قال قائل: فما بال الفاعل خالف المبتدأ في وجوب كونه اسما محضا، وجواز كون المبتدأ غير اسم محض، وكلاهما محدث عنه، ومسند إليه؟ فالجواب: أن الفرق بينهما ظاهر لمتأمله، وذلك أن الجمل إنما تتركب من جزأين جزأين: إما اسم اسم، وهو نحو المبتدأ وخبره، وإما فعل واسم، نحو الفعل والفاعل، وما أقيم من المفعولين مقام الفاعل، ولا بد في كل واحدة من هاتين الجملتين إذا عقدت من اسم يسند إليه غيره، فأنت إذا أزلت عن المبتدأ أن يكون اسما محضا، فقد بقيت الجزء الذي هو اسم، وذلك نحو قولهم "تسمع بالمعيدي خير"1 فالمبتدأ الذي هو في اللفظ تسمع، قد أخبرت عنه باسم، وذلك الاسم خبر، فقد بقيت على كل حال في الجملة اسما، ولو ذهبت تحذف الفعل، وتقيم مقامه غير اسم، لبقيت الجملة معقودة بلا اسم، وهذا لفظ يناقض2 ما عقدت عليه الجمل في أول تركيبها، ولذلك رفض ذلك: فلم يوجد في الكلام. فأما بيت جمل: "وحق لمثلي يا بثينة يجزع" فقليل شاد، على أن حذف "أن" في الكلام قد كثر، حتي صار كلا حذف، ألا ترى أن أصحابنا استقبحوا3   1 تسمع بالمعيدي خير: هو مثل يضرب وتمامه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. ذكره صاحب اللسان "3/ 2038". 2 يناقض: يخالف ويعارض. مادة "ن ق ض" اللسان "6/ 2524". 3 استقبحوا: عدوه قبيحا، والقبح ضد الحسن ويكون في القول والفعل والصورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 نصب "غير" من قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] 1، بأعبد. قالوا: لأن التقدير والمعنى: قل أفغير الله تأمروني أن أعبد، فكأن "أن" هناك، وما بعد "أن" لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، لامتناع تقديم الصلة أو شيء منها على الموصول، أولا تراهم كيف تخيلوا أن التقدير: قل أتأمروني أن أعبد غير الله. ولولا أنهم قد أنسوا بحذف "أن" من الكلام، وإرادتها، لما استقبحوا انتصاب "غير" بأعبد، فهذا شرح الفاعل والمبتدأ وما لم يسم فاعله. فأما خبر المبتدأ، فلا يلزم أن يكون اسما محضا، لأن الجمل تقع هناك وقوعا حسنا مطردا، وهذا في خبر "كان" أحسن منه في خبر "إن" لأنك قد استوفيت بكان واسمها لفظ الفعل والفاعل، ولم تستوف بإن واسمها إلا لفظ الفعل والمفعول، لأن اسم كان مشبه بالفاعل، واسم إن مشبه بالمفعول، إلا أنه جاز في خبر "إن" أن يكون جملة، وغير اسم محض، من حيث كان خبر المبتدأ في المعنى، فكما جاز أن يكون خبر المبتدأ غير اسم محض وجملة، جاز أيضا في خبر إن، إلا أنه في خبر إن ليس في حسن خبر المبتدأ، لأن المبتدأ اسم مرفوع، فقد حصل معك شب الفاعل، واسم إن وأخواتها منصوب، فإذا جعلت الخبر غير اسم محض، فقد أخليت العقدة من اسم مرفوع. فأما اسم كان فجعلك إياه غير اسم محض، أقبح من فعلك ذلك بخبر إن، وذلك أن اسم كان مشبه بالفاعل من خبر إن، ألا ترى أنه يباشر كان مباشرة الفاعل لفعله، ويضمر في الفعل كإضمار الفاعل، وذلك نحو: كنت أخاك، كقولهم: ضربت أخاك، وخبر إن لا يباشر إن ولا يضمر فيها، فلم يقو في شبه الفاعل قوة اسم كان في ذلك.   1 أخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال: قال المشركون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أتضلل آباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل الله تعالى الآية: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي ... } إلى قوله تعالى: {مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، والاستفهام غرضه التوبيخ والتحقير من شأن ما يدعونه إلى عبادته من دون الله. الشاهد فيه: نصب "أعبد" بأن المحذوفة والتقدير "أن أعبد". إعراب الشاهد: أعبد: فعل مضارع منصوب بأن المحذوفة وعلامة نصبه الفتحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فقد صح بما قدمنا أن كاف الجر قد تكون مرة اسما ومرة حرفا، فإذا رأيتها في موضع تصلح فيه لأن تكون اسما ولأن تكون حرفا، فجوز فيها الأمرين، وذلك نحو قولك زيد كعمرو، فقد تصلح أن تكون الكاف هنا اسما، كقولك زيد مثل عمرو، ويجوز أن تكون حرفا، كقولك زيد من الكرام، فكما أن من حرف جر وقع خبرا عن المبتدأ، فكذلك الكاف تصلح أن تكون حرف جر، فإذا قلت: أنت كزيد، وجعلت الكاف اسما، فلا ضمير فيها، كما أنك إذا قلت: أنت مثل زيد، فلا ضمير في مثل، كما لا ضمير في الأخ ولا الابن إذا قلت: أنت أخو زيد، وأنت ابن زيد. هذا قول أصحابنا، وإن كان قد أجاز بعض البغداديين أن يكون في هذا النحو الذي هو غير مشتق من الفعل ضمير، كما يكون في المشتق، فإذا جعلت الكاف في قول: أنت كزيد حرفا، ففيها ضمير، كما تتضمن حروف الجر الضمير إذا نابت عن الأفعال في قولك: زيد من الكرام، ومحمد على الفرس. واعلم أنه كما جاز أن تجعل هذه الكاف فاعلة في بيت الأعشى وغيره، فكذلك يجوز أن تجعل مبتدأة، فتقول على هذا: كزيد جاءني، وأنت تريد: مثل زيد جاءني، وكبكر غلام لمحمد، فإن أدخلت "إن" على هذا قلت: إن كبكر غلام لمحمد، فرفعت الغلام، لأنه خبر إن، والكاف في موضع نصب، لأنها اسم إن، وتقول إذا جعلت الكاف حرفا وخبرا مقدما: إن كبكر أخاك. وتريد: إن أخاك كبكر، كما تقول: إن من الكرام زيدا. واعلم أن أقيس الوجهين إذا قلت: أنت كزيد، أن تكون الكاف حرفا جارا، بمنزلة الباء واللام، لأنها مبنية مثلهما، ولأنها أيضا على حرف واحد، ولا أصل لها في الثلاثة، فهي بالحرف أشبه، ولأن استعمالها حرفا أكثر من استعمالها اسما. واعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جار، كما كانت غير زائدة فيم قدمنا ذكره فقد تكون زائدة مؤكدة، بمنزلة الباء في خبر ليس، وما، ومن، وغير ذلك من حروف الجر، وذلك نحو قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] 1.   1 أي أن الله عز وجل لا يشبب شيء من خلقه، فهو متفرد بذته وصفاته وأفعاله. الشاهد فيه قوله عز وجل: {كَمِثْلِهِ} حيث إن الكاف الجارة زائدة للتوكيد. إعراب الشاهد: ك: حرف جر مبني زائد لا محل له من الإعراب يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر. مثله: مثل اسم مجرور بحرف الجر لفظا منصوب محلا لوقوعه خبر ليس وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 تقديره والله أعلم: ليس مثله شيء، فلا بد من زيادة الكاف، ليصح المعنى، لأنك إن لم تعتقد ذلك أثبت له "عز اسمه" مثلا، فزعمت أنه ليس كالذي هو مثله شيء، فيفسد هذا من وجهين: أحدهما ما فيه من إثبات المثل له عز اسمه وعلا علوا عظيما، والآخر أن الشيء إذا أثبت له مثلا فهو مثل مثله، لأن الشيء إذا ماثله شيء، فهو أيضا مماثل لما ماثله، ولو كان ذلك كذلك -على فساد اعتقاد معتقده- لما جاز أن يقال: ليس كمثله شيء، لأنه تعالى مثل مثله، وهو شيء، لأنه تعالى قد سمى نفسه شيئا بقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} 1 [الأنعام: 19] وذلك أن "أيا" إذا كانت استفهاما، فلا يجوز أن يكون جوابها إلا من جنس ما أضيفت إليه، ألا ترى أنك لو قال لك قائل: أي الطعام أحب إليك؟ لم يجز أن تقول له: الركوب، ولا المشي، ولا نحو ذلك، مما ليس من جنس الطعام. فهذا كله يؤكد عندك أن الكاف في كمثله لا بد أن تكون زائدة. ومن ذلك أيضا قول رؤبة: لواحق الأقراب فيا كالمقق2   1 يقول عز وجل أنه لا يوجد أعظم شهادة من الله. الشاهد فيها: استخدام الشيئية كوصف لله عز وجل. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: جاء النمام بن زيد وقروم بن كعب وبحري بن عمرو. فقالوا: يا محمد ما نعلم مع الله إلها غيره. فقال: لا إله إلا الله بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو، فنزل قوله تعالى: {أَيُّ شَيْءٍ} تفسير وبيان أسباب النزول للسيوطي "ص207". الشاهد فيها قوله: {شَيْءٍ} وجاءت نكرة لتدل على العموم والشمول لتشمل وتعم كل ما يعلمون من أولئك الذين يصلحون للشهادة فالله أكبر وأعدل وأقوم شهادة. إعراب الشاهد: شيء: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة. 2 يقول الشاعر إن في لواحق الأقراب طول. لواحق: "م" اللحق، وهو ما يجيء بعد شيء يسبقه، وتجمع على لواحق وإلحاق. الشاهد في قوله: "كالمقق" حيث أن الكاف حرف جر زائد. إعراب الشاهد: الكاف: حرف جر زائد مبني لا محل له من الإعراب. المقق: اسم مجرور لفظا بحرف الجر الزائد، مرفوع محلا على الابتداء، والجار والمجرور قبله شبه جملة في محل رفع خبر مقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 والمقق: الطول. ولا يقال في الشيء كالطول، وإنما يقال: فيه طويل، فكأنه قال: فيها مقق، أي طول. وهذه مسألة من الكتاب. قال سيبويه1: تقول: ما زيد كعمرو ولا شبيها به، وما عمرو كخالد ولا مفلحا النصب في هذا جيد، لأنك إنما تريد ما هو مثل فلان، ولا مفلحا، هذا معنى الكلام، فإن أردت أن تقول: ولا بمنزلة من يشبهه، جررت، وذلك نحو قولك: ما أنت كزيد ولا خالد، فإنما أردت ولا كخالد، فإذا قلت: ما أنت بزيد ولا قريبا منه، فليس هاهنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجيء بها، وأنت إذا ذكرت الكاف تمثل بها. انقضى كلام سيبويه. واعلم أن هذا الكلام يحتاج إلى شرح، لتتلخص معانيه، فإن في ظاهره إشكالا2. أما قوله: ما أنت كعمرو ولا شبيها به، فلا يخلو الكاف في كعمرو أن يكون اسما كمثل، أو حرفا فيه معنى مثل، على ما صدرناه3 من قولنا، فإن كانت الكاف في كعمرو اسما، فشبيه معطوف عليها، كما كان يعطف على مثل لو كانت هناك، فقلت: ما أنت مثل عمرو ولا شبيها به، كقولك: ما أنت غلام عمرو ولا جارا له، وهذا أمر ظاهر. وإن كانت الكاف في كعمرو حرفا كالتي في قولنا مررت بالذي كزيد، فشبيه المنصوب معطوف على كعمرو جميعا، لأن الجار والمجرور في موضع نصب، لأن هذه لغة حجازية، لأن نصب "شبيه" يدل على أن الأول في   1 ذكر سيبويه ذلك في الكتاب "1/ 35". 2 إشكالا: الإشكال: الالتباس والخلط. مادة "ش ك ل". اللسان "4/ 2310". 3 صدرناه: صدر به أي بدأ به. مادة "ص د ر". اللسان "4/ 2412". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 موضع نصب، إلا أن هذا الموضع متى عطفت على لفظه أفدت معنى، فإن عطفت على معناه دون لفظه، أفدت معنى آخر، ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد كعمرو ولا شبيه به، فجررت الشبيه، فإنما أردت ولا كشبيه به، فقد أثبت له شبيها، ونفيت أن يكون زيدا كالذي يشبه عمرا، وأنت إذا قلت: ما زيد كعمرو ولا شبيها، فإنما نفيت عن زيد أن يكون شبيها لعمرو، ولم تثبت لعمرو شبيها، وليس كذلك قولنا: ما أنت بعمرو ولا خالدا، لأنك إن نصبت خالدا على المعنى أو جررته على اللفظ، فإنما معناه في الموضعين واحد، أي ما أنت هذا ولا هذا. فقول سيبويه "لأنك تريد ما هو مثل هذا ولا مفلحا، هذا معنى الكلام"، يحتمل أمرين: أحدهما: أن معنى الكاف معنى مثل، وهي حرف. والآخر: أن معنى الكاف معنى مثل، وهي اسم، كما أن مثلا اسم، فإن كانت الكاف اسما، فالعطف عليه ظاهر، وإن كانت حرفا، كان العطف عليها وعلى ما جره، لأنهما في موضع نصب، على ما تقدم من بياننا. وقوله: فإن أراد أن يقول: ولا بمنزلة من يشبهه، جره" يقول: إذا جررت شبيها به، فقد أثبت لعمرو شبيها، لأنك أردت: ولا كمن يشبهه. ومثل ذلك فقال: وذلك نحو قولك: ما أنت كزيد ولا خالد، فهذا يبين لك أنك إذا جررت، فعطفت على عمرو وحده، فقد أثبت هناك شبيها لعمرو، وهو غيره، كما أنك إذا قلت: ما أنت كزيد ولا خالد، فقد أثبت غير زيد وهو خالد. وقوله "فإذا قلت: ما أنت بزيد ولا قريبا منه، فليس هاهنا معنى بالباء لم يكن قبل أن تجيء بها": يريد أن قولك: ما أنت بزيد، وما أنت زيدا، معناهما واحد، وإنما جئت بالباء زائدة مؤكدة، على ما تقدم في صدر كتابنا هذا من قول عقيبة: ................ ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا1   1 نسب الزمخشري البيت لعبد الله الأسدي، والبيت بتمامه: معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا ويقصد الشاعر معاوية بن أبي سفيان بن حرب، وأمه: هند بنت عتبة، ملك المسلمين بعد قتال دار بينه وبين علي كرم الله وجهه، ويطلب الشاعر من معاوية أن يترفق بهم فهم ليسوا جبالا ولا حديدا حتى يتحملوا. الشاهد في قوله "بالجبال" حيث إن الياء حرف جر زائد يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر. إعراب الشاهد: الجبال: اسم مجرور لفظا منصوب محلا باعتباره خبر ليس، ورويت الحديد بالنصب على التبعية للجبال، ورويت بالكسر بالتبعية على الظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وغيره. وأنت إذا قلت: ما أنت زيدا، فله معنى غير معنى: ما أنت كزيد، لأنك إذا قلت: ما أنت زيدا، فإنما نفيت أن يكون هو هو، وإذا قلت: ما أنت كزيد فإنما نفيت أن يكون مشبها له، ألا ترى أن من قال: أنا زيد، فمعناه غير معنى من قال: أنا كزيد، فكما كان الإيجابان مختلفين، كذلك يكون النفيان مختلفين، وهذا واضح. فقول سيبويه: "فإن أردت أن تقول ولا بمنزلة من يشبهه جررت" يؤكد عندك أيضا زيادة الكاف في قوله عز اسمه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] ، لأنه نفى أن يكون كمثله شيء، والكاف غير زائدة، فقد أثبت له مثلا، كما أثبت سيبويه في مسألته إذا جررت، أن لزيد من يشبهه. وقال أبو الحسن1 في قوله: ما أنت كزيد ولا شبيها به: إذا جررت الشبيه فقد أثبت لزيد شبيها، وإذا نصبت لم تثبت له شبيها. وهذا هو تلخيص قول سيبويه، لم يزد فيه شيئا، وهذا الكلام فيهما على أن الكاف في كزيد غير زائدة، وليست كالذي في بيت رؤبة: لواحق الأقراب فيها كالمقق". وأجاز لنا أبو علي2 فيها الجر، وألا يكون مع الجر له شبيه. قال: وذلك على اعتقاده زيادة الكاف، فكأنه قال: ما أنت زيدا ولا شبيها به، ثم زاد الكاف، فقال: ما أنت كزيد ولا شبيه به، فلما جر زيدا بالكاف مع اعتقاده زيادته، عطف الشبيه على زيد، وهذا الذي ذهب إليه أبو علي وجه صحيح، وهو رأي أبي الحسن، ونظيره "ليس كمثله شيء"، و"فيها كالمقق".   1 أبو الحسن: هو أبو الحسن الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشعي. 2 أبو علي: هو أبو الحسن أحمد بن عبد الغفار الفارسي أستاذ ابن جني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ومثله أيضا قوله عز اسمه: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} [البقرة: 259] 1 ذهب أبو الحسن إلى أن الكاف زائدة، وعطف "الذي" على" الذي" من قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258] 2 وأجاز أبو علي أن يكون الكلام معطوفا على المعنى، وذلك أن معنى قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} : أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية، فلا تكون الكاف على هذا زائدة. وهذا وجه حسن. فأما قول الآخر: فصيروا مثل كعصف مأكول3 فلا بد فيه من زيادة الكاف. فكأنه قال: فصيروا مثل عصف مأكول. فأكد الشبه بزيادة الكاف، كما أكد الشبه بزيادة الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إلا أنه في الآية أدخل الحرف على الاسم، وهذا شائع، وفي البيت أدخل الاسم، وهو مثل، على الحرف، وهو الكاف، فشبه شيئا بشيء. فإن قال قائل: بماذا جر عصف؟ أبالكاف التي تجاوره؟ أم بإضافة مثل إليه، على أنه فصل بالكاف بين المضاف والمضاف إليه؟   1 هو عزير أحد أنبياء بني إسرائيل. الشاهد فيها: أن الكاف في قوله "كالذي" زائدة للتوكيد. 2 حاج: أي جادل. والذي حاج إبراهيم هو النمرود بن كنعان. اللسان "2/ 779". الشاهد فيه: أن يكون الكلام معطوفا على المعنى. والتقدير: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية. 3 ذكر صاحب اللسان البيت في مادة "ع ص ف" دون أن ينسبه إلى قائله. العصف: دقائق التبن. مادة "ع ص ف" اللسان "4/ 2972". الشاهد فيه قوله: "كعصف" حيث إن الكاف زائدة جارة، ووظيفتها التوكيد. والتقدير بعد الحذف "مثل عصف مأكول". إعراب الشاهد: الكاف: حرف جر زائد مبني لا محل له من الإعراب. عصف: اسم مجرور بحرف الجر الزائد وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فالجواب: أن "العصف" في البيت "لا يجوز أن يكون مجرورا إلا بالكاف، وإن كانت زائدة، يدلك على ذلك أن الكاف في كل موضع تقع فيه زائدة، لا تكون إلا جارة، كما أن من وجميع حروف الجر في أي موضع وقعن زوائد، فلا بد من أن يجررن ما بعدهن كقولك: ما جاءني من أحد، ولست بقائم، فكذلك الكاف في مثل "كعصف" هي الجارة للعصف، وإن كانت زائدة على ما تقدم. فإن قيل: فإذا جررت العصف بالكاف، فإلام أضفت مثلا؟ وما الذي جررت به؟ فالجواب أن "مثلا" وإن لم تكن مضافة في اللفظ، فإنها مضافة في المعنى، وجارة لما هي مضافة إليه في التقدير، وذلك أن التقدير: فصيروا مثل عصف مأكول. فلما جاءت الكاف تولت هي جر العصف، وبقيت مثل غير جارة ولا مضافة في اللفظ، وكان احتمال هذه الحال في الاسم المضاف أسوغ1 منه في الحرف الجار، وذلك لأنا لا نجد حرفا جارا معلقا غير عامل في اللفظ، وقد نجد بعض الاسماء معلقا عن الإضافة، جارا في المعنى غير جار في اللفظ، وذلك نحو قولهم: جئت قبل وبعد. وقام زيد ليس غير، وقد قالوا أيضا: يا من رأى عارضا أسر به ... بين ذارعي وجبهة الأسد2 أي بين ذراعي الأسد وجبهته، وجئت قبل كذا وبعد كذا، وقام زيد ليس غيره.   1 أسوغ: أكثر قبولا: مادة "س وغ". اللسان "3/ 2125". 2 البيت ينسب للفرزدق وهو أبو فراس همام بن غالب التميمي الدرامي، من أفخر الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء، ولد سنة 19هـ، ونشأ بالبصرة والبادية، ومات سنة 114هـ. العارض: السحاب المعترض في جو السماء، وفي القرآن {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} . أسر به: أي أفرح به. مادة "س ر ر" اللسان "3/ 1992". ذراعي وجبهة الأسد: من منزل الكواكب، حيث أن الذراعين أربعة كواكب كل اثنين منها يكونان ذراع، والجبهة أيضا أربعة كواكب. الشاهد فيه: حذف المضاف إليه مع وجود ما يدل على المضاف إليه، والتقدير بين ذراعي الأسد وجبهته. إعراب الشاهد: بين: مفعول فيه منصوب بالمفعولية. ذراعي: مضاف إليه مجرور. و: حرف عطف مبني لا محل له من الإعراب يفيد الاشتراك في الحكم. جبهة: معطوف مجرور بالتبعية. الأسد: مضاف إليه مجرور بالإضافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ومن أبيات الكتاب قول الأعشى: إلا بداهة أو علا ... له سابح نهد الجزارة1 أي إلا بداهة سابح أو علالة سابح. وحكى الفراء عن بعض العرب أنه قال: "برئت إليك من خمس وعشري النخاسين، أي من خمس النخاسين" وعشري النخاسين. وحكى هو أيضا: قطع الله الغداة2 يد ورجل من قاله. أي يد من قاله ورجل من قاله. وهذا كثير، وإنما أردت أن أوجدك أن الأسماء قد تعلق عن الإضافة في ظاهر اللفظ، وأن الحروف لا يمكن أن تعلق عن الجر في اللفظ البتة، ومعنى قولي في اللفظ: أن يوجد بعدها لفظ مجرور جرا مظهرا أو مقدرا.   1 نسب صاحب اللسان البيت للأعشى. والأعشى هو: أبو بصير ميمون الأعشى بن قيس بن جندل القيسي نشأ في بدء أمره راوية لخاله -المسيب بن علس- وقد عمي الأعشى، وطال عمره حتى انبلج فجر الإسلام وعظم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعد له قصيدة يمدحه بها فقابله كفار قريش وصدوه عن وجهته على أن يأخذ منهم مائة ناقة حمراء ويرجع إلى بلده، لتخوفهم من أثر شعره، ففعل، ولما قرب من اليمامة سقط عن ناقته فدقت عنقه فمات، ودفن ببلدته "منفوحة" اليمامة. البداهة: اوكل شيء. ويقصد به أول جري الفرس. مادة "ب د هـ" اللسان "1/ 234". علالة: الجري مرة بعد أخرى، سابح: يقصد الفرس. مادة "ع ل ل" اللسان "4/ 3079". نهد: القوي الضخم. مادة "ن هـ د" اللسان "6/ 4555". الجزارة: أطراف البعير "اليدين، الرجلين، الرأس" ويقال: فرس ضخم الجزارة: أي غليظ اليدين والرجلين كثير عصبهما. مادة "ج ز ر". اللسان "1/ 614". الشاهد فيه قوله "بداهة وعلالة سابح" فقد حذف المضاف إليه، والأصل: إلا بداهة سابح أو علالته. 2 الغداة: الفترة من الفجر إلى طلوع الشمس. مادة "غ د و". اللسان "5/ 322". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فالمظهر نحو: مررت بزيد، والمقدر نحو: مررت بهذا، وذلك وغيرهما من المبني، فعلى ما قدمناه ينبغي أن يكون "عصف" من قوله "مثل كعصف" مجرورا بالكاف، دون أن يكون مجرورا بإضافة مثل إليه. فأما قول الشاعر: جياد بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب1 فإنه إنما جاز الفصل بين حرف الجر وما جره بكان، من قبل أنها زائدة مؤكدة، فجرى مجرى "ما" المؤكدة في نحو قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 2 [النساء: 155] ، و {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] ، و {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} [نوح: 25] ، فلذلك جاز لعلى، وإن كانت حرفا جارا، أن تتخطى إلى ما بعد كان فتجره، ولا يجوز في قوله: "ككما يؤثفين" أن تكون "ما" مجرورة بالكاف الأولى، لأن الكاف الثانية عاملة للجر، وليست "كان" جارة، فتجري مجرى الكاف في ككما. فإن قيل: فمن أي جاز تعليق الأسماء عن الإضافة في اللفظ، ولم يجز في حروف الجر ألا تتصل بالمجرور في نحو ما قدمته.   1 جياد: "م" الجواد، وهو النجيب من الخيل. مادة "ج ود" اللسان "1/ 720". تسامى: تسامى القوم أي تفاخروا. مادة "س م ا" اللسان "3/ 2107". المسومة: المعلمة بعلامة، ويقال وسم الشيء: كواه فأثر فيه بعلامة. اللسان "6/ 4838". العراب: يقال خيل عراب، وإبل عراب: أي خالصة العروبة "م" عربي: اللسان "4/ 2866". يقول الشاعر أن سادات بني بكر يفتخرون بجيادهم المميزة والموسومة، والتي تفضل جميع أنواع الخيل الأخرى. الشاهد فيه قوله "كان" فهي زائدة بين الجار والمجرور. إعراب الشاهد: كان: زائدة. المسومة: اسم مجرور بحرف الجر على. العراب: نعت مجرور بالتبعية. 2 الآية دليل على زيادة "ما" بين الجار والمجرور في {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} . إعراب الشاهد: الباء: حرف جر. ما: زائدة مبنية لا محل لها من الإعراب. نقض: اسم مجرور. هم: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فالجواب أن ذلك جائز في الأسماء من وجهين: أحدهما: أن الأسماء أقوى وأعم تصرفا من الحروف، وهي الأول الأصول. فغير منكر أن يتجوز فيه ما لا يتجوز في الحروف، ألا ترى أن التاء في ربت وثمت علامة تأنيث، كما أن التاء في مسلمة وعاقلة علامة تأنيث؟ وقد أبدلوا تاء التأنيث في الاسم هاء في الوقف، فقالوا مسلمه، وعاقله، ولم يبلدوا التاء في ربت وثمت ولات ولعلت في وقف ولا وصل، لأنه ليس للحرف قوة الاسم وتصرفه، والفعل أيضا في هذا جار مجرى الحرف. ألا ترى أن التاء في قامت وقعدت ثابتة غير مبدلة في وصل ولا وقف؟ فهذا أحد الوجهين. والوجه الآخر: أن الأسماء ليست في أول وضعها مبنية على أن تضاف ويجر بها، وإنما الإضافة فيها ثان لا أول، فجاز فيها أن تعرى1 في اللفظ من الإضافة، وإن كانت الإضافة فيها منوية2، وأما حروف الجر فوضعت على أنها للجر البتة، وعلى أنها لا تفارق المجرور لضعفها وقلة استغنائها عن المجرور، فلم يمكن تعليقها عن الجر والإضافة، لئلا يبطل الغرض الذي جيء بها من أجله، فهذا أمر ظاهر واضح. فإن قال قائل: فمن أين جاز للاسم أن يدخل على الحرف في قوله "مثل كعصف". فالجواب أنه إنما جاز ذلك، لما بين الكاف ومثل من المضارعة في المعنى، فلما جاز لهم أن يدخلوا الكاف على الكاف في قوله: وصاليات ككما يؤثفين3 لمشابهته لمثل، حتى كأنه قال: كمثل ما يؤثفين، كذلك أدخلوا أيضا مثلا على الكاف في قوله: "مثل كعصف"، وجعلوا ذلك تنبيها على قوة الشبه بين الكاف ومثل.   1 تعرى: يقصد تخلو. مادة "ع ر ى". اللسان "4/ 2920". 2 منوية: مقصودة. مادة "ن وى". اللسان "6/ 4589". 3 تم الحديث عن هذا الشاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون الكاف في قوله "مثل كعصف" مجرورة بإضافة مثل إليها، ويكون "العصف" مجرورا بالكاف، فتكون على هذا قد أضفت كل واحد من مثل ومن الكاف، فيزول عنك الاعتذار لتركهم مثلا غير مضافة، على ما قدمت، ويكون جر الكاف بإضافة مثل إليها، كجرها بدخول الكاف على الكاف في قوله "ككما يؤثفين"، فكما أن الكاف الثانية هنا مجرورة بالأولى، كما انجرت بعلى في قول الآخر: على كالقطا الجوني أفزعه الزجر1 فكذلك هلا قلت: إن الكاف في مثل "كعصف" مجرورة بإضافة مثل إليها؟ فالجواب: أن قوله "مثل كعصف" قد ثبت أن مثلا أو الكاف فيه زائدة، كما أن إحداهما زائدة في قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 2، وإذا ثبت ذلك، فلا يجوز أن تكون مثل هي الزائدة، لأنها اسم، والأسماء لا تزاد، وإنما تزاد الحروف، فإذا لم يجز أن تكون مثل هذه الزائدة، ولم يكن بد من زائد، ثبت أن الكاف هي الزائدة. وإذا كانت هي الزائدة، فلا بد من أن تكون كما قدمنا حرفا، وإذا كانت حرفا، بطل أن تكون مجرورة، من حيث كانت الحروف لا إعراب في شيء منها، وإذا لم تكن مجرورة بطل أن تكون "مثل" مضافة إليها كما سامنا السائل. على أن أبا علي قد كان أجاز أن تكون "مثل" مضافة إلى الكاف، وتكون الكاف هنا اسما. وفيه عندي ضعف، لما ذكرته. فأما قول الآخر "ككما يؤثفين" فقد استدللنا بدخول الكاف الأولى على الثانية، أن الثانية اسم، وأن الأولى حرف قد جر الثانية، وهو مع ذلك زائد، ولا ينكر، وإن كان زائدا، أن يكون جارا، لما قدمناه من قولهم: ما جاءني من أحد، ولست بقائم.   1 سبق الحديث عن هذا الشاهد. 2 مر الكلام على الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ومن زيادة الكاف قول الشاعر: من كان أسرع في تفرق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدت إلا كناشرة الذي ضيعتم ... كالغصن في غلوائه المتنبت1 إنما تقديره: إلا ناشرة، والكاف زائدة. ونحوه أيضا قول الآخر: لولا ابن حارثة الأمير لقد ... أغضيت من شتمي على رغم إلا كمعرض المحسر بكره ... عمدا يسببني على ظلم2 الكاف زائدة، وتقديره إلا معرضا.   1 ذكر صاحب اللسان البيت الأول ولم يذكر الثاني وتركه دون أن ينسبه إلى أحد. مادة "ف ل ج" بينما نسبهما صاحب الكتاب لعنزة المازني "1/ 368". فالج: يقال هو فالج بن مازن بن مالك من بني تميم، وأساء إليه بعض رهطه من بني مازن فرحل عنهم. لبونه: أي النوق التي تدر اللبن. مادة "ل ب ن" اللسان "5/ 3989". أعدت: أي أصابتها الغدة وهي مرض يصيب الحيوان أو الإنسان. اللسان "5/ 3215". ناشرة: يقال هو ناشرة بن مالك قاتل همام بن مرة، ذكر صاحب اللسان ذلك "3/ 2074". وناشرة هذا حاربه قومه أيضا حتى رحل عنهم مثل فالج. غلوائه: ارتفاع السعر، وأيضا حدة الشباب، ولكنه يقصد بها النماء والخصب. المتنبت: أي الذي خرج نباته. مادة "ن ب ت" اللسان "6/ 4318". يقول الشاعر: إن بني مازن أجبروا فالجا وناشرة على الخروج حيث طردوهما ولذا فهو يدعو عليهم بأن "جربت" أي تجرب إبلهم فيصيبها الجرب والغدة. والشاهد فيه: زيادة الكاف قبل ناشرة في قوله "كناشرة"، والتقدير "إلا ناشرة" وتم نصب ناشرة على الاستثناء. 2 نسب سيبويه البيتين في كتابه للنابغة الجعدي "1/ 368". أغضيت: سكت وصبرت على الأذى. مادة "غ ض ا" اللسان "5/ 3268". شتمي: سبي، وشتمه شتما أي سبه. مادة "ش ت م" اللسان "4/ 2194". رغم: رغم فلانا رغما ومرغما: أي قسره وأذله. مادة "ر غ م" اللسان "3/ 1682". المحسر: الحزين المتعب. مادة "ح س ر" اللسان "2/ 869". = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وكذلك قول الآخر: إلا كخارجة المكلف نفسه ... وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا1 الكاف زائدة، وتقديره إلا خارجة، وهذا كله من الاستثناء المنقطع عن الأول، معناه: لكن. ومن زيادة الكاف أيضا قولنا: لي عليه كذا وكذا، فالكاف هنا زائدا، لأنه لا معنى للتشبيه في هذا الكلام، إنما معناه: لي عليه عدد ما، فلا معنى للتشبيه هنا، وإذا لم يكن هنا تشبيه، فالكاف زائدة، إلا أنها زائدة لازمة، بمنزلة "آثرا ما"2 ونحوه مما تقدم ذكره، وذا مجرور بها. واستدل أصحابنا على أن ذا مجرور بالكاف بقوله عز اسمه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الحج: 48] ، فالكاف في كأي هي الكاف في كذا وكذا، وإذا كانت الكاف زائدة، فليست متعلقة بفعل، كما أن الباء في لست بقائم لما كانت زائدة لم تكن متعلقة بفعل، ولا معنى فعل، ويدلك على أن الكاف في كذا وكذا زائدة، وأنها قد خلطت بذا، وصارت معه كالجزء الواحد، أنك لا تضيف ذا، ولا تؤكدها، ولا تؤنثها، لا تقول: له كذه وكذه ملحفة، فجريا مجرى حبذا.   = بكره: البكر: الفتي من الإبل "ج" أبكر. مادة "ب ك ر" اللسان "1/ 334". ظلم: مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه. يقول الشاعر إنني تغاضيت عن هذا الذي شتمني وسبني لأن له من الأمير منزلة ولهذا فهو لن يسبه ولن يشتمه، ولكن ذلك الذي يدعى معرض أباح سبه وشتمه لأنه شتمه وسبه ولذا فسبه مباح عن الأول الذي له قرابة وصلة بالأمير. الشاهد فيه قوله "إلا كمعرض" والتقدير "إلا معرض"، حيث إن الكاف زائدة مبنية لا محل لها من الإعراب. ومعرض: منصوب على الاستثناء. 1 "أغيب ويشهدا" بينهما طباق يبرز المعنى بالتضاد. الشاهد فيه قوله "إلا كخارجة" والتقدير "إلا خارجة" حيث إن الكاف زائدة مبنية لا محل لها من الإعراب. خارجة: منصوب على الاستثناء. 2 آثرا ما: أي أفعل هذا وإلا فلا تفعله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وعلى هذا قالوا: إن كذا وكذا درهما مالك، فرفعوا المال، لأن الغرض في كذا وكذا إنما هو التوكيد والتكثير، وإذا كانت الكاف غير زائدة تعلقت بالفعل، لأنها حينئذ بمنزلة غيرها من سار حروف الجر، فكما أن تلك كلها متى لم تزد فهي متعلقة بأفعال، فكذلك ينبغي أن تكون الكاف غير الزائدة، وذلك نحو قولك: أنت كزيد، فالتقدير: أنت "كائن" كزيد، كما أنك إذا قلت: أنت لزيد، فكأنك قلت: أنت كائن لزيد. وفي هذا الفصل مسألتان تحتاجان إلى شرح وبيان: أما إحداهما فقولنا: كأن زيدا عمرو. إن سأل سائل فقال: ما وجه دخول الكاف هنا، وكيف أصل وضعها وترتيبها؟ فالجواب: أن أصل قولنا: كأن زيدا عمرو، إنما هو أن زيدا كعمرو، فالكاف هنا تشبيه صريح، وهي متعلقة بمحذوف، فكأنك قلت: إن زيدا كائن كعمرو، ثم إنهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي هو عليه عقدوا الجملة، فأزالوا الكاف من وسطها، وقدموها إلى أولها، لإفراط1 عنايتهم بالتشبيه، فلما أدخلوها على إن من قبلها، وجب فتح إن، لأن المكسورة لا يتقدمها حروف الجر، ولا تقع إلا أولا أبدا، وبقي معنى التشبيه، الذي كان فيها وهي متوسطة بحاله فيها وهي متقدمه، وذلك قولهم: كأن زيدا عمرو، إلا أن الكاف الآن لما تقدمت، بطل أن تكون متعلقة بفعل، ولا معنى فعل، لأنها فارقت الموضع الذي يمكن أن تتعلق فيه بمحذوف، وتقدمت إلى أول الجملة، وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلقة بخبر إن المحذوف، فزال ما كان لها من التعلق بمعاني الأفعال، وليست هاهنا زائدة، لأن معنى التشبيه موجود فيها، وإن كانت قد تقدمت، وأزيلت عن مكانها، وإذا كانت غير زائدة فقد بقي النظر في "أن" التي دخلت عليها، هل هي مجرورة بها أو غير مجرورة، فأقوى الأمرين عليها عندي أن تكون "أن" في قولك كأنك زيد، مجرورة بالكاف. فإن قلت: إن الكاف الآن ليست متعلقة بفعل، فلم يجر به؟   1 إفراط: أفرط إفراطا: أي جاوز الحد والقدر في قول أو فعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قيل له: الكاف وإن لم تكن متعلقة بفعل، فليس ذلك بمانع من الجر بها، ألا ترى أن الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هي غير متعلقة بفعل، وهي مع ذلك جارة؟ ويؤكد عندك أيضا أنها هنا جارة، فتحهم الهمزة بعدها، كما يفتحونها بعد العوامل الجارة وغيرها، وذلك نحو قولك: عجبت من أنك قائم، وأعطيتك لأنك شاكر، وأظن أنك منطلق، وبلغني أنك كريم، فكما فتحت "أن" لوقوعها بعد العوامل قبلها موقع الأسماء، كذلك فتحت أيضا في كأنك قائم، لأن قبلها عاملا قد جرها، فاعرف ذلك. ونظير هذا الكلام في أنه قد خلط بعضه ببعض، وصارت فيه كأن حرفا واحدا، مذهب الخليل في "لن"، وذلك أن أصلها عنده "لا أن"، وكثر استعمالها، فحذفت الهمزة تخفيفا، فالتقت ألف "لا" ونون "أن" وهما ساكنتان، فحذفت الألف من "لا" لسكونها وسكون النون بعدها، فصارت "لن" فخلطت اللام بالنون، وصار لهما بالامتزاج والتركيب الذي وقع بينهما حكم آخر. يدلك على ذلك قول العرب: زيدا لن أضرب، فلو كان حكم أن المحذوفة مبقي بعد حذفها وتركيب النون مع لام "لا" قبلها، كما كان قبل الحذف والتركيب، لما جاز لزيد أن يتقدم على "لن" لأنه كان يكون في التقدير من صلة أن المحذوفة الهمزة، ولو كان من صلتها لما جاز تقدمه عليها على وجه. فهذا يدلك أن الشيئين إذا خلطا حدث لهما حكم ومعنى لم يكن لهما قبل أن يمتزجا، ألا ترى أن لولا مركبة من "لو" و"لا" ومعنى "لو" امتناع الشيء لامتناع غيره، ومعنى "لا" النفي أو النهي. فلما ركبا معا حدث معنى آخر، وهو امتناع الشيء لوقوع غيره. فهذا في "لن" بمنزلة قولنا كأن، ومصحح له، ومؤنس به، وراد على سيبويه ما ألزمه الخليل: من أنه لو كان الأصل "لا أن" لما جاز: زيدا لن أضرب، لامتناع جواز تقديم الصلة على الموصول، وحجاج الخليل في هذا ما قدمنا ذكره، لأن الحرفين حدث لهما بالتركيب ما لم يكن لهما مع الأفراد. مضت المسألة الأولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 المسألة الثانية: قول عمرو بن شأس، وهو من أبيات الكتاب: وكاء رددنا عنكم من مدجج ... يجيء أمام الألف يردي مقنعا1 وقال الآخر2: وكاء ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم إن سأل سائل فقال: ما تقول في كاء هذه، وكيف حالها؟ وهل هي مركبة أو بسيطة؟   1 وكاء: أي وكم. رددنا: رد الشيء أي منعه وصرفه وأرجعه. مدجج: دجج فلان: أي لبس سلاحه. مادة "د ج ج" اللسان "2/ 1328". يردي: أي يمشي مشية الرديان وهو نوع من المشي فيه زهو وفخار وتبختر، ويقال: فيها رجم للأرض بحوافر الفرس في سيره وعدوه. مادة "ر د ى". اللسان "3/ 1631". مقنعا: أي لابسا درعه وبيضته وخلافها من الأسلحة التي يتقنع بها عند خوض الحرب ويقال المقنع الذي ستر وجهه ووضع على رأسه بيضة الحديد. يقول الشاعر: كم من معركة كثيرة هي تلك المعارك التي دافعنا عنكم ورددنا الأعداء عن أهلنا فيها ونحن نتقنع ونلبس الدروع ونمشي مشية الرديان. والبيت خبري تقريري غرضه الفخر. الشاهد فيه قوله "كاء" بمعنى كم، وهي كم الخبرية التي تدل على الكثرة. 2 البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى، من مزينة، وكان مشهورا برزانته وحبه للسلام، وقد نظم معلقته التي منها هذا البيت على أثر الحرب التي دارت رحاها بين عبس وفزارة بسبب سباق داحي فرس قيس بن زهير سيد بني عبس، والغبراء حجرة حمل بن بدر سيد بني فزارة من غطفان، ذلك أن زهيرا وحملا تراهنا على مائة بعير يدفعها من يخسر السباق إلى من يربحه، وحدث أن سبقت الغبراء، فبعث حمل ابنه مالكا إلى قيس يطلب منه حق السبق فأبى قيس وقتل مالكا ولد حمل فقامت الحرب بين الطرفين إلى أن أصلح بينهما هرم بن سنان والحارث بن عوف ودفعا ديات القتال فنظم زهير معلقته هذه يمدحهما ويرحب بالسلام. يقول زهير في هذا البيت أنه كم صامت يعجبك صمته فتستحسنه، وإنما تظهر زيادته على غيره ونقصانه عن غيره عند تكلمه. الشاهد فيه قوله "وكاء" وهي بمعنى كم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فالجواب أنها مركبة، والذي علقته عن أبي علي عن أصحابنا، أن أصلها كأي، كقوله عز اسمه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} ثم أن العرب تصرفت في هذه اللفظة، لكثرة استعمالها إياها، فقدمت الياء المشددة، وأخرت الهمزة، كما فعلت ذلك في عدة مواضع، نحو قسي وأشياء في قول الخليل، وشاك ولاث ونحوهما في قول الجماعة، وجاء وبابه في قول الخليل أيضا، وغير ذلك، فصار التقدير فيما بعد: كيأ، ثم إنهم حذفوا الياء الثانية تخفيفا، كما حذفوها في نحو: ميت وهين ولين، فقالوا: ميت، وهين، ولين، فصار التقدير كيء، ثم إنهم قلبوا الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، كما قلبوها في طائي وحاري وآية في قول غير الخليل، فصارت كاء. وأخبرنا أبو علي: قال: قرأت على أبي بكر في بعض كتب أبي زيد: سمعت أبا عمر الهذلي يقول في تصغير دابة: دوابة. قال أبو علي: أراد دويبة، فقلبت الياء ألفا. فهذا أيضا كما قلنا في كاء. وفيها لغات أخرى غير هذه. يقال: كأي وكاء، وكأي بوزن كعين، وكأ بوزن كعن. حكى ذلك أحمد بن يحيى، فمن قال كأي فهي "أي" دخلت عليها الكاف، ومن قال كاء فقد شرحنا أمره، ومن قال كأي بوزن كعين، فأشبه ما فيه أنه لما أصاره التعبير على ما ذكرنا إلى كيء، قدم الهمزة، وأخر الياء، ولم يقلب الياء ألفا، وحسن له ذلك ضعف هذه الكلمة، وما اعتورها1 من الحذف والتغيير. ومن قال: "كأ" بوزن كعن، فإنه حذف الياء من كيئ تخفيفا أيضا. فإن قلت: إن في هذا إجحافا بالكلمة، لأنه حذف بعد حذف، قلت: ليس ذاك بأكثر من مصيرهم من أيمن الله إلى م الله وم الله. وإذا كثر استعمال الحرف حسن فيه ما لا يحسن في غيره: من التغيير والحذف، فاعرف ذلك إن شاء الله. فهذه حال الكاف الجارة في مواقعها، وانقسامها، وتشعبها. وأما الكاف غير الجارة فهي على ضربين: أحدهما اسم، والآخر: حرف.   1 اعتورها: أي أصابها من شين وقبح. مادة "ع ور" اللسان "4/ 3166". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فأما الاسم فكاف المذكر والمؤنث المخاطبين. فكاف المذكر مفتوحة، وكاف المؤنث مكسورة، نحو: ضربتك يا رجل، وضربتك يا امرأة، فهذه اسم بدلالة دخول حرف الجر عليها، نحو مررت بك وبك، وعجبت منك ومنك. وأما الكاف التي هي حرف، فالتي تأتي للخطاب، مجردة من الاسمية، وذلك نحو كاف ذلك، وذاك، وتيك، وتلك، وأولئك. ومن العرب من يقول: ليسك زيدا، أي ليس زيدا، والكاف لتوكيد الخطاب. ومن ذلك: كاف ذانك وتانك، وأبصرك زيدا أي: أبصر زيدا. وكاف النجاءك، إذا أردت: انج، وكاف قوله عز اسمه: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 1 [الإسراء: 62] فهذه الكاف في هذه المواضع كلها حرف يفيد الخطاب، وليست باسم، والدلالة على ذلك، أن الكاف لو كانت في ذلك ونحوه من أسماء الإشارة، نحو: تلك وأولئك اسما، لم تخل من أن تكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة، فلا يجوز أن تكون مرفوعة، لأن الكاف ليست من ضمير المرفوع، ولا يجوز أيضا أن تكون منصوبة، لأنك إذا قلت: ذلك زيد، فلا ناصب هنا للكاف، ولا يجوز أيضا أن تكون مجرورة، لأن الجر إنما هو في كلامهم من أحد وجهين: إما بحرف جر، وإما بإضافة اسم، ولا حرف جر هنا، ولا يجوز أيضا أن يضاف اسم الإشارة، من قبل أن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف، وأسماء الإشارة معارف كلها، فقد استغنت بتعريفها عن إضافتها، وإذا كان من شروط الإضافة أنه لا يضاف الاسم إلا وهو نكرة، فما لا يجوز أن ينكر البتة لا يجوز أيضا أن يضاف البتة، وأسماء الإشارة مما لا يجوز تنكيره، فلا يجوز أيضا إضافته، ولأجل ما ذكرناه أيضا لم تجز إضافة الأسماء المضمرة، لأنها لا تكون إلا معارف. فإن قلت: فإذا كانت أسماء الإشارة لا تنكر البتة، فما تصنع بما حكاه أبو زيد من قولهم: هؤلاء قوم، ورأيت هؤلاء. قال: فنونوا وكسروا. قال: وهي لغة بني عقيل، والتنوين عندك في هذه المبنيات إنما يجيء علما للتنكير، نحو سيبويه وعمرويه وغاق غاق، وصه، وأيهات، وإيه، وحيهلا، وما أشبه ذلك، فكيف يكون هؤلاء نكرة، وهو اسم إشارة؟ وقد تقدم من قولك ما يمنع تنكير اسم الإشارة.   1 أرأيتك: أي أخبرني. والشاهد فيها زيادة كاف الخطاب للتوكيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فالجواب من وجهين: أحدهما شذوذ هذه الحكاية، وأنه لا نظير لها. والآخر: ما كان يقوله أبو علي، وهو أنه إنما جاز أن ينكر هذا الاسم وإن كان اسم إشارة، من قبل أنه قد يجوز أن ينظر إلى قوم من بعيد، فيتشكك في الأشباح1: ناس هم أم غيرهم، فإنما نون هؤلاء من هذا الوجه، إلا أنك لا تقيسه لضعفه. ويؤكد عندك أيضا أن هذه الكاف حرف، وليست باسم، ثبوت النون في: تانك وذانك، ولو كانت اسما لوجب حذف النون قبلها، وجرها هي بالإضافة، كما تقول: قام غلاماك وصاحباك وجاريتاك. ويدل على ذلك أيضا قولهم: النجاءك، أي انج. ولو كانت الكاف اسما لما جازت إضافة ما فيه الألف واللام إليها، وكذلك قولههم أبصرك زيدا، لا يجوز أن يكون الكاف اسما، لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور به. ألا تراك لا تقول: اضربك ولا أقتلك: إذا أمرته بضرب نفسه وقتله إياها، وكذلك أيضا قولهم: عندهم رجل ليسك زيدا، لا يجوز أن تكون الكاف اسما، لأنك قد نصبت زيدا، لأنه خبر ليس، ولو كانت الكاف منصوبة لما نصبت اسما آخر. فإن قلت: فاجعل الكاف خبر ليس، واجعل زيدا بدلا من الكاف. فذلك خطأ، من قبل أن ضمير المخاطب لا يبدل منه بدل الكل، لأنه في غاية الوضوح والبيان، فلا حاجة به إلى الإبدال منه. ألا ترى أنك لا تقول: أنك زيدا قائم، ولا ضربتك محمدا، على أن تجعل زيدا ومحمدا بدلا من الكاف. وأما قولهم: "أرأيتك زيدا ما صنع؟ "، فإنما الكاف هنا أيضا للخطاب بمنزلة ما تقدم، ولا يجوز أن تكون اسما، لأن "زيدا" هو المفعول الأول، و"ما صنع" في موضع المفعول الثاني، فالكاف إذا لا موضع لها من الإعراب. فإن قلت: فهلا جعلت الكاف هي المفعول الأول، وزيدا هو المفعول الثاني؟   1 الأشباح: شبح الشيء: أي بدا غير جلي، أو ما بدا لك شخصه غير جلي من بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فذلك غلط، من قبل أن السؤال إنما هو عن زيد في صنيعه، ولست تسأل عن المخاطب ما صنع؟ وأيضا فلو كانت الكاف هي المفعول الأول، وزيد هو المفعول الثاني، لجاز أن يقتصر على زيد، فتقول: أرأيتك زيدا، كما تقول: ظننتك زيدا، فحاجة زيد إلى ما بعده، يدل على أنه هو المفعول الأول، وأن ما بعده في موضع المفعول الثاني، وأيضا فإنا نجد معنى: أرأيتك زيدا ما صنع، وأرأيت زيدا ما صنع واحدا، فدل هذا على أن الكاف للخطاب، وليست مغيرة شيئا من الإعراب. وأيضا فلو كانت الكاف هي المفعول الأول، وزيدا هو المفعول الثاني، لوجب أن تقول للمؤنث: أرأيتك زيدا، فتكسر التاء، كما تقول: ظننتك قائمة، ولوجب أن تقول للاثنين: أرأيتما كما الزيدين، كما تقول: ظننتماكما قائمين. وكذلك في الجماعة المذكرة والمؤنثة، فترك العرب هذا كله، وإقرارهم التاء مفتوحة على كل حال، يدل على أن لها وللكاف في هذا النحو مذهبا ليس لهما في غير هذا الموضع. وإنما فتحت التاء في كل حال، واقتصر في علامة المخاطبين وعددهم على ما بعد التاء في قولك للرجل: أرأيتك زيدا ما صنع؟ وللمرأة: أرأيتك زيدا ما فعل؟ وأرأيتكما وأرأيتكم وأرأيتكن، بفتح التاء البتة، لأنها أخلصت اسما، وجعلت علامة الخطاب والعدد فيما بعد، فاعرف ذلك. وهذه مسألة لطيفة عنت1 لنا في أثناء هذا الفصل، نحن نشرحها، ونذكر خلاف العلماء فيها، ونخبر بالصواب عندنا في أمرها، وهي قوله عز اسمه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] وما كان مثله. أخبرني أبو علي عن أبي بكر محمد بن السري عن أبي العباس محمد بن زيد: أن الخليل يذهب إلى أن إيا اسم مضمر مضاف إلى الكاف. وحكي عن المازني مثل هذا القول المحكي عن الخليل، في أنه مضمر مضاف. قال: وحكى أبو بكر عن أبي العباس عن أبي الحسن الأخفش، وأبو إسحاق عن أبي العباس غير منسوب إلى الأخفش: أنه اسم مفرد مضمر، يتغير آخره، كما تغير أواخر المضمرات، لاختلاف أعداد المضمرين، وأن الكاف في إياك كالتي في   1 عنت: بدت وظهرت. مادة "ع ن ن" اللسان "4/ 3139". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ذلك، في أنه دلالة على الخطاب فقط، مجردة من كونها علامة للضمير، ولا يجيز أبو الحسن فيما حكي عنه إياك وإيا زيد، وإياي وإيا الباطل. انتهت الحكاية عن أبي علي. وقال سيبويه: حدثني من لا أتهم عن الخليل: أنه سمع أعرابيا يقول: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. وحكى سيبويه أيضا عن الخليل أنه قال: لو أن قائلا قال: إياك نفسك لم أعنفه1. وحكى ابن كيسان قال: قال بعض النحويين: "إياك" بكمالها: اسم. قال: وقال بعضهم: الياء والكاف والهاء هي الأسماء، وإيا عماد لا، لأنها لا تقوم بأنفسها. قال: وقال بعضهم: إيا: اسم مبهم، يكنى به عن المنصوب، وجعلت الهاء والياء والكاف بيانا عن المقصود، ليعلم المخاطب من الغائب، ولا موضع لها من الإعراب، كالكاف في ذلك وأرأيتك. وهذا هو قول أبي الحسن الأخفش. قال: وقال بعضهم: الهاء والكاف والياء في موضع خفض. قال: والدليل على هذا قول العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشراب. وهذا قول الخليل، واحتج ابن كيسان في هذا الفصل بحجاج لا غرض لنا في ذكره، وإنما أورده ما حكاه، لنتبعه من القول فيه ما تراه. وقال أبو إسحاق الزجاج: الكاف في إياك في موضع جر بإضافة إيا إليها، إلا أنه ظاهر يضاف إلى سائر المضمرات، ولو قلت: إيا زيد حدثت كان قبيحا، لأنه خص به المضمر، وحكى ما رواه الخليل من إيا الشواب. وتأملنا هذه الأقوال على اختلافها، والاعتلال لكل قول منها، فلم نجد فيها ما صيح مع الفحص والتنقير2، غير قول أبي الحسن الأخفش.   1 أعنفه: أعنف به وعليه أي أخذه بشدة وقسوة. مادة "ع ن ف" اللسان "4/ 3132". 2 التنقير: نقر عن الأمر تنقيرا ونقرا: أي بحثه وبحث عنه. اللسان "6/ 4520". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أما قول الخليل إن إيا اسم مضمر مضاف، فظاهر الفساد، وذلك أنه إذا ثبت أنه مضمر، فلا سبيل إلى إضافته على وجه من الوجوه، لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص، والمضمر على نهاية الاختصاص، فلا حاجة به إلى الإضافة. فإن قلت: فقد قالوا ربه رجلا، وربها امرأة، فأدخلوا رب على المضمر، وهو عندك على نهاية الاختصاص، فما وجه ذلك؟ فالجواب: أنه إنما جاز دخول رب في هذا الموضوع على المعرفة لمضارعتها1 النكرة، بأنها أضمرت على غير تقدم ذكر، ومن أجل ذلك احتاجت إلى التفسير بالنكرة المنصوبة، نحو رجلا وامرأة، ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لما احتاج إلى تفسير، وليس كذلك إياك وإياه وإياي، لأن هذه مختصة معروفة بمنزلة أنا وأنت وهو، فكما أن هذه مضمرات مختصة، فكذلك إيا، هي مضمرة مختصة، فهذا يفسد قول الخليل والمازني جميعا. فأما ما حكاه سيبويه عنه من قولهم: فإياه وإيا الشواب، فليس سبيله مثله مع قلته أن يعترض على السماع والقياس جميعا، ألا ترى أنه لم يسمع منهم إياك وأيا الباطل ولا حكي عنهم تأكيد الهاء والكاف بعد إيا. فأما قول الخليل: لو أن قائلا قال: إياك نفسك لم أعنفه، فهذا ليس بتصريح قول ولا محض إجازة، وإنما قاسه على ما سمعه من قولهم، فإياه وإيا الشواب، ولو كان ذلك قويا في نفسه، وسائغا في رأيه، لما قال: لم أعنفه، كما لا يقال في قول من قال: قام زيد، فرفع زيدا بفعله: إنك في هذا عندي غير معنف، وإنما يقال له أصبت ووافقت صحيح كلام العرب الذي لا معدل عنه. أو كلام هذا نحوه. فأما قول من قال: إن إياك بكماله الاسم، فليس بقوي، وذلك إن إياك في أن فتحة الكاف تفيد الخطاب المذكر، وكسرة الكاف تفيد الخطاب المؤنث، بمنزلة أنت، في أن الاسم هو الهمزة والنون، والتاء المفتوحة تفيد خطاب المذكر، والتاء المكسورة تفيد خطاب المؤنث، فكما أن ما قبل التاء في أنت هو الاسم، والتاء حرف خطاب.   1 مضارعتها: مشابهتها. وضارع الشيء: شابهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فكذلك "إيا" هو الاسم، والكاف بعدها حرف خطاب، أوَلا تراك تقول: إياك وإياكما وإياكم، كما تقول: أنت وأنتما وأنتم. وأما من قال: إن الكاف والهاء والياء في إياك وإياي هي الأسماء، وأن "إيا" إنما عمدت بها هذه الأسماء لقلتها، فغير مرضي أيضا، وذلك أن إيا في أنه ضمير منفصل، بمنزلة أنا وأنت ونحن، وهو وهي، في أن هذه مضمرات منفصلة، فكما أن أنا وأنت ونحوها مخالف للفظ المرفوع المتصل، نحو التاء في قمت والنون والألف في قمنا، والألف في قاما، والواو في قاموا، بل هي ألفاظ أخر غير ألفاظ الضمير المتصل، وليس شيء منها معمودا به شيء من الضمير المتصل، بل هو قائم بنفسه، فكذلك "إيا" اسم مضمر منفصل، ليس معمودا به غيره، وكما أن التاء في "أنت" وإن كانت بلفظ التاء في: قمت، فليست اسما مثلها، بل الاسم قبلها هو "أن"، وهي بعده للخطاب، وليست "أن" عمادا للتاء، فكذلك "إيا" هي الاسم، وما بعدها يفيد الخطاب تارة، والغيبة تارة، والتكلم أخرى، وهو حرف، كما أن التاء في أنت حرف، وغير معمودة بالهمزة والنون من قبلها، بل ما قبلها هو الاسم، وهي حرف خطاب، فكذلك ما قبل الكاف في إياك اسم، وهي حرف خطاب، فهذا هو محض القياس1. وأما قول أبي إسحاق إن "إيا" اسم مظهر خص بالإضافة إلى المضمر، ففاسد أيضا، وليس "إيا" بمظهر كما زعم، والدليل على أن إيا ليس باسم مظهر اقتصارهم به على ضرب2 واحد من الإعراب، وهو النصب، كما اقتصروا بأنا وأنا ونحوهما على ضرب واحد من الإعراب، وهو الرفع. فكما أن أنا وأنت وهو ونحن وما أشبه ذلك أسماء مضمرة، فكذلك "إيا" اسم مضمر، لاقتصارهم به على ضرب واحد من الإعراب، وهو النصب، ولم نعلم اسما مظهرا اقتصر به على النصب البتة، إلا ما اقتصر به من الأسماء على الظرفية، وذلك نحو: ذات مرة، وبعيدات بين، وذا صباح، وما جرى مجراهن.   1 محض القياس: أي القياس لا يخالطه شائبة. 2 ضرب: نوع وصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وشيئا من المصادر نحو: سبحان الله1، ومعاذ الله، ولبيك2، وليس إيا ظرفا ولا مصدرا فيلحق بهذه الأسماء. فقد صح إذن بما أوردناه سقوط هذه الأقوال، ولم يبق هنا قول يجب اعتقاده3، ويلزم الدخول تحته، غير قول أبي الحسن إن "إيا" اسم مضمر، وإن الكاف بعده ليست باسم، وإنما هي للخطاب بمنزلة كاف ذلك، وأرأيتك، وأبصرك زيدا، وليسك عمرا، والنجاءك. فإن قال قائل: فإذا كانت الكاف ليس اسما في إياك، فكيف يصنع أبو الحسن بقولهم إياه وإياي، ولا كاف هناك، وإنما هناك هاء وياء، ولم نرهم جردوا الهاء ولا الياء في نحو هذا من مذهب الاسمية، وأخلصوهما حرفين، كما فعلوا ذلك بكاف ذلك وهنالك. فالجواب أنه لا يمتنع أن يكون الهاء والياء في إياه وإياي وتثنيتهما وجمعهما حروفا، كما كانت الكاف في إياك حرفا، أن يكون ما بعد "إيا" إنما اختلف لاختلاف أعداد المضمرين وأحوالهم، من الحضور والمغيب، ولسنا نجد حالا سوغت هذا المعنى للكاف، وانكفت عن الهاء والياء، ويؤكد أيضا صحة هذا المذهب عندك، أنا قد وجدنا غير الكاف لحقه من سلب الاسمية عنه، وإخلاصه للحرفية، ما لحق الكاف، وهو التاء في أنت، والألف في قول من قال: قاما أخواك، والواو في قول من قال: قاموا إخوتك، والنون في قول من قال: قمن الهندات، ألا ترى أن من قال أخواك قاما، فالألف عنده علامة الضمير والتثنية، وإذا قال: قاما أخواك، فالألف في قاما إنما هي مخلصة لمعنى التثنية، مجردة من مذهب الاسمية، لامتناع تقدم المضمر، وخلو الفعل من علم الضمير، بارتفاع الاسم الظاهر بعده.   1 سبحان الله: كلمة تنزيه والمقصود نزهه وقدسه. إعرابها: سبحان: مفعول مطلق منصوب، وهو من المصادر المضافة. الله: لفظ الجلالة: مضاف إليه وهو بدل من اللفظ بالفعل. 2 لبيك: أي إجابة لك ولزوما لطاعتك، وهي قولة الحاج إذا لبى. 3 اعتقاد: اعتقد اعتقادا: أي صدق وعقد على الأمر قلبه وضميره. اللسان "4/ 3030". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وكذلك من قال: إخوتك قاموا، فالواو في قاموا علم الضمير والجمع، وإذا قيل قاموا إخوتك، فالواو علم الجمع مجردة من معنى الاسمية البتة، وكذلك القول في نون الجمع، نحو قولك الهندات قمن وقمن الهندات، فكما جاز لجميع هذه الأشياء أن تكون في بعض المواضع دالة على معنى الاسمية والحرفية، ثم تخلع عنها دلال الاسمية في بعض المواضع، فكذلك لا ينكر أن تكون الهاء والياء في نحو ضربه وضربني يدلان على معنى الاسمية والحرفية. فإذا قلت "إياه، وإياي" تجردتا من معنى الاسمية، وخلصتا لدلالة الحرفية. فاعرف هذا، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل، وبه كان أبو علي رحمه الله ينتصر لمذهب أبي الحسن ويذب1 عنه، ولا غاية في جودة الحجاج بعده. ونحو من الكاف في ذلك وهنالك وإياك، الكاف في قولك للرجل: هاك، وللمرأة هاك، فالكاف هنا حرف لمعنى الخطاب. ويدلك على ذلك أن معنى هاك زيدا، أي خذ زيدا، فزيد هو منصوب هذا الفعل، ولا يتعدى إلى مفعولين، وقد كنا قدمنا أن زيدا في نحو هذا لا يجوز أن يكون بدلا من الكاف لو كانت اسما، وهو أن ضمير المخاطب لا يبدل منه، فيقال: ضربتك زيدا، على أن زيدا بدل من الكاف. ويدلك على أن الكاف في هاك وهاك حرف لا اسم، إيقاعهم موقعها ما لا يكون اسما على وجه، وذلك قولك: هاء وهاء، وعلى هذا قوله عز وجل: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] 2 وعلى هذا قالوا للاثنين: هاؤما، وللنساء هاؤن، كما يقال: هاك، وهاك، وهاكما، وهاكم، وهاكن. وفيها لغة ثالثة، وهي أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال، وتلحقها كافا مفتوحة للمذكر، ومكسورة للمؤنث، فتقول: هاءك، وهاءكما، وهاءكم، وهاءك، وهاءكما، وهاءكن.   1 يذب: ينحي ويطرد ويدفع ويمنع. مادة "ذ ب ب" اللسان "3/ 1483". 2 هاؤم: خذوا، والأسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه الفخر. الشاهد في قوله عز وجل: {هاؤم} وهي دليل على أن الكاف في: هاك، وهاك، حرف لا اسم، ولذا يقول الرجل: هاء، هاء، هاؤما، هاؤم، هاؤن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وفيها لغة رابعة، وهي قولك للرجل: هأ، بوزن هع، وللمرأة هائي، بوزن هاعي، وللاثنين وللاثنتين هاءا، بوزن هاعا، وللمذكرين هاءوا، بوزن هاعوا، وللنساء هأن، بوزن هعن. فهذه اللغة تتصرف تصرف خف، وخافي، وخافا، وخافوا، وخفن، وهي لغة مع ما ذكرناه قليلة. فأما ما أنشدنيه أبو علي من قول الشاعر: أفاطم هاء السيف غير مذمم1 فالوجه في أن تكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث، لأن القرآن بهذه اللغة نزل، ولغته أفصح اللغات. وقد يجوز أن يكون على قول من قال للمرأة: هائي، بوزن خافي، إلا أنه حذف الياء من اللفظ، لسكونها وسكون السين الأولى من السيف، كما تقول في اللفظ: خافي السيف. وفيه لغة خامسة، وهي أن تقول للواحد، والواحدة، والتثنية، والجمع "ها" على صورة واحدة، والذي ينبغي أن يحمل هذا عليه، أن تجعله بمنزلة صه2، ومه3، ورويدا4، وإيه5، وما أشبه ذلك مما يصلح للواحد والواحدة فما فوقهما. واعلم أن من كلام العرب إذا قيل لأحدهم كيف أصبحت؟ أن يقول: كخير، والمعنى على خير.   1 هذا صدر بيت ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب، وقد أنشده ابن دريد في جمهرته "1/ 193"، كما أنشده المؤلف هنا، وعجزه: ......... ... فلست برعديد ولا بلئم 2 صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت. 3 مه: اكفف. 4 رويدا: أي تمهل، وهو مصغر تصغير الترخيم من إرواد. مصدر أرود، يرود. 5 وإيه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو عمل معهود فإذا نونت كانت للاستمرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 قال أبو الحسن: فالكاف في معنى على، وقد يجوز عندي أن تكون في معنى الباء، أي بخير. قال أبو الحسن: ونحو منه قولهم: كن كما أنت، أي كن على الفعل الذي هو أنت عليه. انتهى الجزء الأول بحمد الله تعالى ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى وأوله: "حرف اللام" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الفهرس ... الموضوع الصفحة المقدمة 3 ترجمة المؤلف 7 النسخ الخطية 10 مقدمة المؤلف 15 التمهيد 19 باب أسماء الحروف 55 ذكر الحروف على مراتبها 59 باب الهمزة 83 زيادة الهمزة 121 باب الباء 131 باب التاء 155 زيادة التاء 169 باب الثاء 183 باب الجيم 187 باب الحاء 191 باب الخاء 195 باب الدال 197 باب الذال 201 باب الراء 203 باب الزاي 207 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الموضوع الصفحة باب السين 211 باب الشين 217 باب الصاد 221 باب الضاد 225 باب الطاء 229 باب الظاء 237 باب العين 241 باب الغين 255 باب الفاء 259 باب القاف 287 باب الكاف 289 الفهارس 327 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 المجلد الثاني باب اللام الحديث عن اللام ... بسم الله الرحمن الرحيم باب اللام: الحديث عن اللام: اللام حرف مجهور يكون أصلًا وبدلًا، وزائدًا. فإذا كان أصلًا؛ وقع فاءً وعينًا ولامًا؛ فالفاء: نحو لعب ولزم، والعين: نحو قلب وسلم، واللام: نحو شعل وجعل. فاما قول الراجز1: لما رأى أن لا دعة ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع2 فإنه يريد: فاضطجع؛ فأبدل الضاد لامًا، وهو شاذ. وقد روي: فاضطجع. ويروى أيضًا: فاطجع، ويروى أيضًا: فاضجع. وأبدلوا اللام من النون فى أصيلان فقالوا: أصيلال. وإذا كانت اللام زائدة فهي على ضريبن: أحدهما: أن تزداد فى الكلمة مبنية معها غير مفارقة لها. والآخر: أن تزداد فيها لمعنى، ولا تكون صيغة الكلمة.   1 الراجز: يقال هو منظور بن مرثد الأسدي، جاء ذلك فى العيني. 2 دعة: لين العيش أو العيش السهل الطيب. شبع: الشبع: الامتلاء من الطعام، ويقال: شبع من الأمر إذا سئمه. اللسان "8/ 171" أرطاة: واحدة الأرطي وهو نبات شجيري ينبت فى الرمل ويخرج كالعصي. ورقه رقيق وثمره كالعناب. لسان العرب"14/ 325" مادة/ رطى. حقف: حقف الشيء حقوفًا أي: استطال فى اعوجاج. القاموس المحيط "3/ 129" مادة حقف. فالطجع: أي وضع جنبه على الأرض ونحوها. القاموس "3/ 129" مادة/ ضجع. ويقول الشاعر فى وصف الذئب أنه قد مال إلى جذع شجر الأرطي وما أعوج من الرمال ثم وضع جنبه واضطجع. وهو فى هذه الحالة مابين الدعة والشبع. وأسلوب البيت خبري تقريري يفيد الوصف. الشاهد فيه: إبدال "الضاد" لامًا فى قوله "فالطجع" حيث يريد فاضطجع. إعراب الشاهد: الْطجع: فعل ماضى مبني لا محل له من الإعراب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 الأول من هذين؛ وذلك قولهم: أذلك، وأولالك، وهنالك, وعبدل، وزيدل، وفيشلة؛ فالذي بدل على زيادة اللام فى ذلك قولهم فى معناه: ذاك. ومعنى أولالك: أولئك. قال1: أولالك قومي لم يكونوا أُشَابة ... وهل يعظ الضِّلِّيل إلا أولالكا2 وقولهم هنالك يدل على زيادة اللام فى هنالك. ومعنى عبدل كمعنى عبد. ومعنى زيدل معنى زيد. ومعنى فيشلة معنى فيشة. قال الراجز3: وفيشة ليست كهذي الفيش ... قد ملئت من خرق وطيش إذ بدت قلت أمير الجيش4 ويقال: إن امرأة من العرب قالت5: وفيشة قد اشفتر حوقها   1 قال: جاء فى الخزانة أنه ابن الكلحبة. وهو ابن كلحبة اليربوعي، واسمه هبيرة بن عبد مناف، وكلحبة أمه. 2 أشابة: الذين لايعرف لهم أصل فى نسبهم حيث اختلط نسبهم. يعظ: ينصح ويذكر بالعواقب ويأمر بطاعة الله. مادة "وع ظ" القاموس المحيط "2/ 400" الضليل: من ينحرف عن الطريق القويم والدين الحنيف، والضليل: الكثير الضلال المبالغ فيه، ويقال: الملك الضليل لامرئ القيس الشاعر لأنه كان صاحب غوايات وبطالات. ويقول الشاعر مفتخرًا بقومه إنهم يعظون الضليل ولا يوجد غيرهم من يعظه لأنهم غير أخلاط، وأصحاب أخلاق وعقلية راجحة؛ فمن الذي ينصح ويعظ إن لم ينصحوا. والشاهد فيه قوله "أولالك" حيث جاءت بمعنى أولئك. إعراب الشاهد: اسم إشارة مبني فى محل رفع مبتدأ. 3 ذكرها ابن منظور فى مادة "فيش" دون أن ينسبها إلى قائلها. لسان العرب "6/ 333". 4 خرق: الحمق والدهشة والتحير. مادة "خ ر ق". القاموس المحيط "3/ 226". طيش: طاش طيشًا: اضطرب وانحرف، القاموس المحيط "2/ 227" مادة/ طيش. 5 قالت: قيل هي امرأة من العرب لم نقف عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 فسمعتها ابنتها، فقالت1: دونكها يا أم لا أطيقها2 وقد يمكن أن تكون فيشة من غير لفظ فيشلة؛ فتكون الياء فى فيشة عينًا، وتكون فى فيشلة زائدة، ويكون وزنها فيعلة، لأن زيادة الياء ثانية أكثر من زيادة اللام، فيكون اللفظان مقتربين، والأصلان مختلفين. ونظير هذا قولهم: رجل ضياط3 وضيطار، فالياء فى ضياط عين الفعل، وهي في ضيطار زائدة. قال الشاعر4: ونركب خيلًا لا هوادة بينها ... وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر5 وقال الآخر6: قد علقت أحمر ضياطيًا7 وقالوا أيضًا: هيق، وهيقل8، والقول فيهما القول فى فيشة، وفيشلة.   1 فقالت: أي قالت الصبية ردًا على قول أمها. 2 دونكها يا أم لا أطيقها: ذكر صاحب شذور الذهب هذا المثال دون أن ينسبه إلى قائله. شرح شذور الذهب شاهد 211 ص401. 3 ضياط: الرجل الذي حين يمشي يحرك جسده ومنكبه من كثرة اللحم. اللسان"7/ 345". 4 الشاعر: قيل هو خداش بن زهير، ذكر ذلك صاحب الجمهرة، ونسبه ابن منظور إليه أيضًا فى مادة "ض ط ر". لسان العرب "4/ 489". 5 يقول الشاعر: إن هذه الرماح تشقيهم فهم لايحسنون الحرب بها ولا استخدامها فى ميدان القتال، وإذا حملت معنى التسبيه المقلوب فيكون لديهم مهارة فائقة فى استخدامها حتى تشقى الرماح من كثرة القتل والطعن. الشاهد فيه: زيادة الياء فى كلمة "ضياطرة". إعراب الشاهد: اسم مجرور بحرف الجر الباء. 6 الآخر: لم يذكره صاحب اللسان. 7 الأسلوب الإنشائي فى صورة توكيد، وغرضه التأكيد على الفكرة. الشاهد فيه زيادة الياء فى "ضياطيا". 8 هيقل: هو الفتي من النعام. القاموس المحيط "4/ 69" مادة/ هقل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وقالوا للأفحج: فحجل1، فاللام في هذا زائدة لا محالة. قالوا: ومن هذا أيضًا قولهم: عدد طيس وطيسل للكثير. وأنشدنا أبو علي: حتى لحقنا بعديد من الطيس ... قد ذهب القوم الكرام ليسي2 والقول فى هذا هو القول فى فيشة وفيشلة. وقال محمد بن حبيب: ومنه قالوا للعنس: عنسل3؛ فذهب إلى اللام من عنسل زائدة، وأن وزن الكلمة فعلل، واللام الأخيرة زائدة، حتى لو بنيت مثلها على هذا القول من ضرب لقلت: ضربل، ومن خرج: خرجل، ومن صعد: صعدل. وقد ترك محمد فى هذا القول مذهب سيبويه4 الذي عليه ينبغي أن يكون العمل، وذلك أن "عنسل" عنده فنعل، وهي من العسلان، وهو عدو الذئب.   1 الفحجل: الذي اعوجت ساقاه. 2 نسبه صاحب اللسان فى مادة "طيس": "6/ 128" إلى رؤبة بن العجاج. مع ملاحظة أن البيت لا يوجد في ديوانه، ولكن موجود فى زيادته. كعديد: العديد كالعدد فى المعنى يقال: هم عديد الثرى: أي عددهم مثل عدده. الطيس: العدد الكثير وكل ما في وجه الأرض من التراب والقمام. القاموس"2/ 227". وقال صاحب اللسان: إنهم اختلفوا فى تفسير الطيس، فقال بعضهم: كل من على ظهر الأرض من الأنام فهو من الطيس، وقال بعضهم: هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب ... إلخ، وقيل يعنى الكثير من الرمل. لسان العرب "6/ 128" مادة/ طوس. يقول الشاعر: إنني أفتخر بقومي وأتحسر على ذهابهم؛ فقد ذهبوا جميعهم رغم كثرتهم التي تشبه كثرة الرمل إلا إياي، فإنني بقيت بعدهم خلفًا عنهم. الشاهد فيه: أن الياء فى "ليسي" ليست زائدة وإنما هي ياء المتكلم، وحذفت نون الوقاية منها. إعرابه: ليس: فعل ماضي ناقص مبني لا محل له من الإعراب دال على الاستثناء، اسمه: ضمير مستتر وجوبًا تقديره "هو" يعود على البعض المفهوم من القوم. الياء: خبر ليس مبنى فى محل نصب. 3 عنسل: الناقة القوية السريعة. القاموس المحيط "4/ 16". 4 سيبويه: الكتاب "2/ 326". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 قال: عسلان الذئب أمسى قاربًا ... برد الليل عليه فنسل1 والذي ذهب إليه سيبويه هو القول، لأن الزيادة ثانية أكثر من زيادة اللام، ألا ترى إلى كثرة باب قنبر، وعنصل2، وقنفخر، وقنعاس، وقلة باب ذلك وأولالك. ويلزم على ذلك أن تكون اللام فى فلندع زائدة، ويجعل وزنه فلنلل؛ لأنه الملتوي الرجل، فهو من معنى الفدع، وهذا بعيد فاسد. ونظيره ازلغب الفرخ أي رغب، لاينبغي أن يقال: إن مثال ازلغب: افلعل. فهذه أحكام اللام المصوغة فى أمثلة الكلم وهي زائدة. وأما اللام التي زيدت لمعنى وهي غير مصوغة فى الأمثلة؛ فلحقت في ثلاثة مواضع: الاسم، والفعل، والحرف. لحاقها للأسماء وذلك أيضًا على ضربين: أحدهما أن تكون عاملة، والآخر أن تكون غير عاملة. فأما العاملة فلام الجر، وذلك فى قولك: المال لزيد، والغلام لعمرو، وموضعها في الكلام الإضافة، ولها في الإضافة معنيان: أحدهما الملك نحو: المال لزيد، أي: هو في ملكه. والآخر الاستحقاق والملابسة، نحو: هذا الجل3 للدابة، أي قد استحقته، ولا بسته، وكذلك: هذا الباب للدار.   1 نسبه صاحب اللسان فى مادة "عسل" إلى لبيد، وهو أبو عقيل لبيد بن ربيعة أحد شعراء الفرسان في الجاهلية، وأدرك الإسلام ولم يقل فيه إلا بيتًا واحدًا: وما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح اللسان "11/ 446". الشاهد فيه: أن اللام أصلية فى كلمة "عسلان" وليست زائدة وهو ما ذهب إليه سيبويه. 2 عنصل: البصل البري. القاموس المحيط "4/ 17". 3 الجل: ما تغطى به الدابة لتصان، "ج" جلال أو أجلال. القاموس "3/ 350" مادة/ جلل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 واعلم أن هذه اللام الجارة مكسورة مع المظهر، نحو: الغلام لمحمد، ومفتوحة مع المضمر1، نحو: الغلام له. وأصلها وأصل كل حرف مفرد وقع في أول الكلمة أن يكون متحركًا بالفتح، نحو واو العطف، وفائه، وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء. فأما لام التعريف فسنذكر لم أسكنت إذا انتهينا من القول إلى ذكرها بإذن الله. فقد كان ينبغي للام الجر أن تكون مفتوحة مع المظهر كما أنها مفتوحة مع المضمر2؛ إلا أنها كسرت للفرق بينها وبين لام الابتداء، وذلك نحو قولك في الملك: إن زيدًا لِهَذا، أي هو في ملكه، وإن زيدًا لَهَذا، أي هو هذا؛ فلو فتحت فى الموضعين لالتبس معنى الملك بمعنى الابتداء. فإن قلت: فإني أقول أيضًا: إن زيدًا لِأَمير، وإن زيدًا لَأَمير؛ فهلا فتحت في الموضعين، واعتمد فى البيان على الإعراب؟ ففي هذا شيئان: أحدهما أن الوقف يزيل الإعراب؛ فيعود اللبس. والآخر أنه لما كان كثير من الأسماء لا يبين فيه إعراب نحو هذا وهذه، والذي والتي، والمقصور كله، وما أشبه ذلك؛ كرهوا أن يقع اللبس في ما لا يظهر إعرابه، فاحتاطوا، وأخذوا بالحزم، فكسروا اللام في ما يظهر إعرابه، وفي ما لا يظهر إعرابه، ليكون ذلك أنفى للشك وأحسم للشبهة؛ فهذا وجه كسرها مع المظهر. وأما المضمر؛ فإنما تركت مفتوحة معه لأمرين: قال بعضهم3: إنما فتحت لام الجر مع المضمر لزوال اللبس؛ وذلك أن ضمير المجرور فى اللفظ غير ضمير المرفوع، وذلك قولك، إن هذا لك، أي في ملكك، وإن هذا لأنت، أي: أنت هو؛ فلما اختلفت علامتا الضمير؛ زال الشك، فلزمت اللام أصلها، وهو الفتح. ويلزم من قال هذا القول عندي أن يكسرها في الموضع الذي يشبه فيه ضمير المرفوع ضمير المجرور، وذلك قولك: الزيدون أن هؤلاء الغلمان لهم، أي: في   1 يسثتنى منها ياء المتكلم لأنها مكسورة. 2 المضمر: الخفي. مادة "ض م ر". القاموس المحيط "2/ 76". 3 هو المبرد كما في المقتضب "1/ 245". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 ملكهم، وكذلك إذا أردت لام الابتداء؛ فإنك تقول: الزيدون إن هؤلاء الغلمان لهم، أي: هم هم. وكذلك قولك: الهندات إن هؤلاء الجواري لهن، أي: في ملكهن، وكذلك إذا أردت لام الابتداء، فقلت: الهندات إن هؤلاء الجواري لهن، أي: هؤلاء الجواري هن الهندات؛ فإذا كان الأمر كذلك فقد شابه المضمر فى هذا الفصل المظهر؛ فمن حيث وجب كسرها مع المظهر، فمن حيث وجب كسرها مع المظهر إذا جرت، وتركها مفتوحة إذا ابتدئ بها؛ فكذلك كان يلزم أن تقول: الزيدون إن هؤلاء الغلمان لهم، أي: في ملكهم، وكذلك إذا أردت لام الابتداء؛ فإنك تقول: الزيدون إن هؤلاء الغلمان لهم أي: هم هم. هذا هو الظاهر فى الإلزام، إلا أن الذي ينبغي أن يعتد به في هذا الموضع أن يقال: لما كان أكثر الضمير يتبين فيه المرفوع من المجرور نحو: لك، ولأنت، ولي، ولأنا، وله، ولهو، ولنا، ولنحن، ولكما، ولأنتما؛ فلما كان الفرق في أكثره ماضيًا مستمرًا وثابتًا مستقرًا؛ حملت البقية التي قد يعرض فيها في بعض المواضع؛ لبس على ما لا يعترضه لبس. فهذا أحد الاحتجاجين فى فتح اللام الجارة مع المضمر. والقول الآخر: أن الإضمار يرد الأشياء في أكثر أحوالها إلى أصولها وقد تقدم ذكر ذلك في صدر هذا الكتاب. وأصل هذه اللام الفتح على ما قدمناه آنفًا، لأنها حرف وقع أولًا؛ فلزمت حركته، وكانت الفتحة أحق به؛ فلما كان أصل حركى هذه اللام الفتح، وكان الإضمار مما ترجع الأشياء فيه إلى أصولها تركت هذه اللام الجارة مع المضمر مفتوحة. وهنا زيادة ما علمتها لأحد من أصحابنا، وهى أن يقال: إذا كان الفرق بين اللام الجارة ولام الابتداء واجبًا لما ذكرته من الفرق بين المعنيين، فَلِمَ كسرت الجارة وتركت لام الابتداء بحالتها مفتوحة؟ فالجواب عن هذا أن يقال: إن أول أحوال الاسم هو الابتداء؛ وإنما يدخل الرافع أو الناصب سوى الابتداء والجار على المبتدأ؛ فلما كان الابتداء متقدمًا في المرتبة، وكان فتح هذه اللام هو الأول المتقدم من حاليها؛ جعل الفتح الذي هو أول مع الابتداء الذي هو أول، ولما كان الكسر فيها إنما هو ثان غير أول؛ جعل مع الجر الذي هو تبع للابتداء، هذا هو القياس؛ فاعرفه إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 واعلم أن هذه اللام الجارة قد تفتح مع المظهر فى بعض اللغات، فيقال: المال لَزيد، بفتح اللام، نقلت من خط أبى بكر محمد بن السري، وقرأته بعد ذلك على أبى علي عن أبي العباس، قال: كان سعيد بن جبير يقرأ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ" [إبراهيم: 46] 1 فيفتح اللام، ويردها إلى أصلها، وذلك أن أصل اللام الجارة الفتح، انتهت الحكاية. وحكي أن الكسائي سمع من أبي حزام العُكْلي: ما كنت لآتيك، ففتح لام كي. وأما لام المستغاث به نحو: يا لَبكر، ويا لَلَّهِ؛ فلام جر، وإنما فتحت لأن المستغاث به منادى، والمنادى واقع موضع المضمر؛ فلذلك فتحت اللام كما تفتح مع المضمر. وقد قيل: إنها إنما فتحت للفرق بينها وبين لام التعجب، نحو قوله2: يا لَلرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النهى طربا وحدثني أبو علي قال: حكى أبو الحسن عن أبي عبيدة، والأحمر، ويونس أنهم سمعوا العرب تفتح اللام الجارة مع المظهر، قال: وقال أبو الحسن: وقد سمعته أنا منهم أيضًا.   1 روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن رئاب أن عليًا -رضي الله عنه- قال في هذه الآية: أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما حتى استغلظا واستفحلا، فأوثق رجل كل منهما بوتد إلى تابوت وجوعهما وقعد هو ورجل آخر فى التابوت ورفع فى التابوت عصًا على رأسه اللحم فطارا. وجعل يقول لصاحبه: انظر ما ترى، قال: أرى كذا وكذا حتى قال: أرى الدنيا كلها كأنها ذباب؛ فصوب العصا إلى أسفل؛ فهبطا جميعًا. وروى عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمرود ملك كنعان، حيث إنه رم أسباب السماء بهذه الحيلة ... وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر. وكل القصص تؤكد أن هذا المكر الذي مكروه تزول منه الجبال. انظر/ تفسير ابن كثير"2/ 542". الشاهد فيه قوله "لَتزول" بفتح اللام حيث نقل عن ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها بفتح اللام كقراءة سعيد بن جبير أيضًا. 2 هو عبد الله بن مسلم الهذلي، كما في شرح أشعار الهذليين "ص910". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وقال أبو زيد: سمعت من يقول "وَمَا كَانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبَهُم"1 [الأنفال: 33] بفتح اللام. وهذا من الشذوذ بحيث لايقاس عليه. وأشد منه ما حكاه اللحياني عن بعضهم أنه كسر اللام الجارة مع المضمر2، فقال: المال له؛ وإنما كان هذا أشد من الأول من قبل أن أصل اللام الفتح؛ فإذا ردت في بعض المواضع على ضرب من التأول إليه؛ فله وجه من القياس. وأما الكسر ففرع، والحمل على الأصول أجوز من النزول إلى الفروع. ووجه جوازه أنه لما شبه المظهر بالمضمر فى فتح لام الجر معه نحو قراءة سعيد بن جبير وغيرها، كذلك شبه المضمر بالمظهر فى كسر لام الجر معه فى هذه الحكاية الشاذة. وكما شبهت الباء فى بزيد باللام فى لِزيد حتى كسرت مثلها؛ كذلك جاز أيضًا لبعضهم أن شبه الباء باللام؛ ففتحها مع المضمر كما يفتح اللام معه، وذلك أيضًا فى ما حكاه اللحياني من قول بعضهم: مررت به، بفتح الباء3، وهذه التشابيه إنما تقع شبيهًا بالغلط، على أن أصحابنا فى كثير مما يحكيه اللحياني كالمتوقفين. حكى أبو العباس عن إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت اللحياني ينشد: كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد جليت علي عشار4 فقلت له: ويحك! إنما هو: قد حلبت علي عشاري، فقال لي: وهذه أيضًا رواية.   1 جاءت هذه الآية ردًا على إدعاء الكفار بأن يعذبهم الله أو يمطر عليهم حجارة من السماء؛ فكانت هذه الآية رحمة من الله تمهلهم فلا تأخذهم بعنادهم؛ فهم يمهلون إكرامًا لوجود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم. انظر/ في ظلال القرآن الكريم للسيد قطب "3/ 1505". الشاهد فيها: قراءة اللام بالفتح. 2 المضمر: كسر اللام الجارة مع المضمر لغة خزاعة. 3 فتح الباء: مثل قوله: مررت بَه، لغة اشتهرت بها قبائل متعددة مثل قضاعة. 4 نسب صاحب اللسان البيت للفرزدق، مادة "ع ش ر". لسان العرب "4/ 573". فدعاء: هي التي تمشي على ظهر قدميها لوجود اعوجاج فى المفاصل كأنها فارقت مواضعها، وأكثر ما يكون فى رسغ القدم أو اليد. مادة "ف د ع". لسان العرب "8/ 246". عشار: "م" عشراء، والعشراء من النوق ما مضى على حملها عشرة أشهر. اللسان "4/ 572" ويبدو أن الفرزدق يهجو جرير ويسبه ويعيره ويقبحه ويخبره بأن له عمة وخالة تشبه كلاهما الناقة فى مشيتها المتعرجة المعوجة إذا ما مر على حملها عشرة أشهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 ومما صحفه أيضًا قولهم في المثل، "يا حامل اذكر حلًا" كذا رواه "يا حامل" وإنما هو "يا حابل اذكر حلا"1 أي: يا من يشد الحبل اذكر وقت حله. وذاكرت بنوادره شيخنا أبا علي؛ فرأيته غير راضٍ بها، وكان يكاد يصلي بنوادر أبي زيد إعظامًا لها، وقال لي وقت قراءتي إياها عليه: "ليس فيها حرف إلا ولأبي زيد تحته غرض ما" وهي كذلك، لأنها محشوة بالنكت والأسرار. واعلم أن اللام في نحو قولهم: جئت لأكرمك، وقوله تعالي: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 1] 2، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] 3، إنما هي حرف جر، وليست من خصائص الأفعال كلام الأمر، ولام القسم وغيرهما؛ وإنما الفعل بعدها منصوب ب "أن" مضمرة، والتقدير: جئت لأن أكرمك، فـ "أن" والفعل بعدها في تقدير المصدر، والمصدر اسم، فكأنه قال: جئت لإكرامك. وقد زيدت اللام الجارة مؤكدة للإضافة نحو قولهم "لا أبا لك"، و"لا يدي لك بالظلم" أي: لا أباك، و: لا يديك، ونحو قول النابغة: قالت بنو عامر: خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام4 أي: يا بؤس الجهل.   1 ذكر المثل ابن منظور "11/ 134" مادة/ حبل، وتروى أيضًا: "يا عاقد اذكر حلًا". 2 الشاهد فيها: فتح اللام في قوله تعالى: "لَيغفر". 3 سبق الحديث عنها. 4 البيت للنابغة الذبياني، وعثر عليه في ديوانه "ص/ 288". بنو عامر: قبيلة عامر. بني أسد: قبيلة أسد. خالوا: فعل أمر أي اتركوا وتخلوا، وهو أسلوب أمر يدل على التهديد والوعيد. يا بؤس: أسلوب إنشائي غرضة الذم. ضرارًا: صيغة مبالغة تدل على كثرة وتعدد الضرر الذي يحدث نتيجة للجهل، وما يسببه الجهل من ضرر لأقوام كثيرة. الشاهد فيه: قوله "للجهل"، والتقدير: يابؤس الجهل، حيث زادت اللام فأصبحت للجهل. إعراب الشاهد: للجهل: اللام حرف جر زائد مبني لا محل له من الإعراب، يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر، الجهل: اسم مجرور بحرف الجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وقد زادوها في أشد من هذا، قال: فلا والله لا يفلي لما بي ... ولا للما بهم أبدًا دواء1 أي: لما بهم؛ فزاد لامًا أخرى مؤكدًا للإضافة بها. فهذه أحوال اللام العاملة فى الأسماء. وأما اللام التي تلحق الأسماء وهي غير عاملة فيها؛ فعلى ضربين: أحدهما لام التعريف، والأخرى لام الابتداء. فأما لام التعريف؛ فهى نحو قولك: الغلام، والجارية؛ فاللام هي حرف التعريف، وإنما دخلت الهمزة عليها لأنها ساكنة، فتوصلت إلى الابتداء بها بالهمزة قبلها، وقد ذكرنا فى باب الهمزة2 لم فتحت هذه الهمزة، ولم تكسر. وذهب الخليل3 إلى أن "أل" حرف التعريف بمنزلة "قد" في الأفعال، وأن الهمزة واللام جميعًا للتعريف، وحكي عنه4 أنه كان يسميها "أل" كقولنا "قد" وأنه لم يكن يقول الألف واللام، كما لا يقول في قد: القاف والدال. ويقوي هذا المذهب قطع "أل" في أنصاف الأبيات، نحو قول عبيد: يا خليلي اربعا واستخبرا الـ ... منزل الدارس عن أهل الحلال مثل سحق البرد عفَّى بعدك الـ ... قطر مغناه وتأويب الشمال5   1 البيت نسبه صاحب الخزانة إلى مسلم بن معبد. والله: أسلوب إنشائي في صورة قسم، الغرض منه التأكيد. لا يلفي: اسلوب إنشائي في صورة نفي غرضه التعجيز. لما بي: أي ما بي من كرب وبلاء. لما بهم: أي من حقد وحسد. الشاعر يؤكد أن ما به من بلاء وكرب وما بأعدائه من حقد وحسد كلاهما مرضان لا يوجد لهم دواء يتداوى به. الشاهد فيه: قوله "لِلِما" حيث زيدت اللام الأخرى للتوكيد، والتقدير: لما بهم. 2 باب الهمزة: يمكن الرجوع إلى باب الهمزة للحصول على المزيد في هذه المسألة. 3 ذكر صاحب الكتاب أن هذا مذهب الخليل. 4 حكي عنه: أي عن صاحب الكتاب. 5 البيتين لعبيد بن الأبرص في ديوانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وهذه قطعة لعبيد مشهورة عددها بضعة عشر بيتًا يطرد جميعها على هذا القطع الذي تراه إلا بيتًا واحدًا من جملتها؛ ولو كانت اللام وحدها حرف التعريف؛ لما جاز فصلها من الكلمة التي عرّفتها، لا سيما واللام ساكنة، والساكن لا ينوى به الانفصال. ويقوي ذلك أيضًا قول الآخر: عجل لنا هذا وألحقنا بذا الـ ... الشحم إنا قد مللناه بجل1 فإفراده "أل" وإعادته إياها في البيت الثاني يدل من مذهبهم على قوة اعتقادهم لقطعها؛ فصار قطعهم "أل" وهم يريدون الاسم بعدها كقطع النابغة "قد" وهو يريد الفعل بعدها، وذلك قوله2:   = يا خليلي: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه جذب الانتباه. اربعا: أي انتظرا، وهو أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه الالتماس. الدارس: الذي درس، وذهبت معالمه وآثاره. لسان العرب "6/ 79" مادة/ درس. الحِلال: "م" الحِلة: وحِلة: وهي منزل القوم أو جماعة البيوت أو مجتمع الناس، وتجمع على حلال وأحلة. لسان العرب "11/ 165" مادة/ حلل. يطلب الشاعر من صاحبيه أن ينتظرا ويتوقفا ويسألا أهل الحلة عن أخبار الأحبة. الشاهد فيه: قطع "أل" في نصف البيت حيث يقوي هذا رأي الخليل في كون "أل" جميعًا تكون للتعريف. سحق: القديم البالي، عفا: ذهبت معالمها وانمحت. تأويب الشمال: تردد هبوب الريح من جهة الشمال. البيت أسلوبه خبري تقريري يبرز ما يعانيه الشاعر من ألم الفراق وبعد الحبيب. الشاهد فيه أيضًا: قطع "أل" في نصف البيت. 1 نسب صاحب الكتاب البيت إلى الشاعر غيلان بن حريث. عجل: أي قدم بسرعة، وهو أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه الالتماس. ألحقنا: أسلوب أمر غرضه الالتماس أيضًا. الشحم: الشحم في جسم الحيوان الأبيض الدهني المسمن له، كسنام البعير، "ج" شحوم. مللناه: مل الشيء، سئمه، لسان العرب "11/ 629" مادة/ ملل. بجل: بجل بجالة وبجولة أي عظم قدره وسنه فهو بجيل. الشاهد فيه: قطع "أل" ثم وصلها مرة أخرى. 2 قوله: أي النابغة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد1 ألا ترى أن التقدير فيه: "وكأنْ قد زالت"؛ فقطع "قد" من الفعل كقطع "أل" من الاسم. وعلى هذا قالوا أيضًا فى التذكر: "قام اَلِي" إذا نويت بعده كلامًا، أي: الحارث أو العباس؛ فجرى قولك في التذكر: "قدي"، أي: قد انقطع، أو قد قام، أو قد استخرج ونحو ذلك. وإذا كان "اَلْ" عند الخليل حرفًا واحدًا؛ فقد كان ينبغي أن تكون همزته مقطوعة ثابتة كقاف "قد" وباء "بل"؛ إلا أنه لما كثر استعمالهم لهذا الحرف؛ عرف موضعه؛ فحذفت همزته، كما حذفوا "لم يَكُ"، و"لا أدرِ"، و"لم أبلْ". ويؤكد هذا القول عندك أيضًا أنهم أثبتوا هذه الهمزة بحيث تحذف همزات الوصل البتة؛ وذلك نحو قول الله عز وجل: {أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] 2،   1 البيت للنابغة الذبياني وقد عثرنا عليه في ديوانه "ص/ 93" بشرح الطاهر بن عاشور. الترحل: الرحيل. ركابنا: الركاب للسرج ما توضع فيه الرجل. والركاب: الإبل المركوبة أو الحاملة شيئًا. رحالنا: "م" رَحْل: وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب. يقول الشاعر: إن ميعاد الرحيل قد أزف وآن؛ رغم أن ركابنا لم تزلْ برحالنا. الشاهد فيه تقدير: "وكأن قد زالت"؛ فقطع "قد" من الفعل هنا كقطع "ال" من الاسم. إعراب الشاهد: قد: حرف توكيد مبني. 2 يروى فى هذه الآية أن أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة حدث عن أبيه قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا رث الهيئة فقال: هل لك مال؟ قلت: نعم، قال من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال: من الإبل والرقيق والخيل والغنم، فقال: "إذا آتاك الله مالًا؛ فليُرَ عليك"، وقال: "هل تنتج إبلك صحاحًا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع أذنها فتقول هذه بحر، وتشق جلودها وتقول هذه صرم، وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ "قال: نعم، قال: فإن ما آتاك الله لك حل"، وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله لمجرد الأهواء والآراء التي لا مستند لها ولا دليل عليها. تفسير ابن كثير "2/ 421". والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التهكم والسخرية من أولئك الذين يحرمون ما أحل الله أو العكس، وأيضًا إنكار ذلك عليهم؛ إذ لا حجة لتحريمهم ما حرموا أو حل ما أحلوا. والشاهد في الآية: حذف همزة الوصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 و {أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ} [الأنعام: 144] 1، ونحو قولهم في القسم: "أفألله"، و"لاها ألله ذا"، ولم نر همزة الوصل ثبتت في نحو هذا. فهذا كله يؤكد أن همزة "أل" ليست بهمزة وصل، وأنها مع اللام بمنزلة "قد" و"هل" ونحوهما. وأما ما يدل على أن اللام وحدها هي حرف التعريف، وأن الهمزة إنما دخلت عليها لسكونها؛ فهو إيصالهم جر الجار إلى ما بعد حرف التعريف، وذلك نحو قولهم: عجبت من الرجل، ومررت بالغلام، والغلام كالجارية؛ فنفوذ الجر بحرفه إلى ما بعد حرف التعريف؛ يدل على أن حرف التعريف غير فاصل عندهم بين الجار والمجرور؛ وإنما كان ذلك كذلك لأنه فى نهاية اللطافة والاتصال بما عرّفه. وإنما كان كذلك لأنه على حرف واحد ولا سيما ساكن، ولو كان حرف التعريف عندهم حرفين كـ "قد"، و"هل"؛ لما جاز الفصل له بين الجار والمجرور به؛ لأن "قد" و"هل" كلمتان بائنتان قائمتان بأنفسهما؛ ألا ترى أن أصحابنا2 أنكروا على الكسائي وغيره قراءته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} [الحج: 15] 3 بسكون اللام من "ليَقْطَعْ" وكذلك {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] 4؛ لأن "ثم" قائمة بنفسها؛ لأنها على أكثر من حرف واحد، وليست كواو العطف وفائه؛ لأن تينك ضعيفتان متصلتان بما بعدهما؛ فلطفتا عن نية فصلهما وقيامهما بأنفسهما.   1 أي لم تحلون بعضًا وتحرمون بعضًا، والله عز وجل لم يحرم شيئًا من ذلك؛ فكله حلال. انظر/ تفسير مختصر الطبري "ص123". الأسلوب الإنشائي في صورة استفهام غرضه التحقير والتوبيخ لفكرهم ومعتقداتهم. الشاهد في الآية حذف همزة الوصل أيضًا. 2 أصحابنا: يقصد منهم المبرد الذي اتهم مثل الكسائي وغيره بالتحريف واللحن في قراءتهم على هذه الشاكلة؛ حيث كانوا يقرأون {ثم لْيَقْطَعْ} بسكون اللام، وكذلك: {لْيَقْضُوا تفثهم} . 3 {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} قرأ هذه الآية كما ذكرنا سابقًا بسكون اللام كل من الكسائي وعاصم وغيرهما، وأنكر عليهم هذه القراءة ابن جني والمبرد وغيرهما أيضًا. وقوله تعالى: {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} أي ثم ليختنق. 4 {ثُمَّ لْيَقْضُوا} أي ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم من حلق وطواف ورمي جمرة وموقف وغيرها. انظر/ تفسير مختصر الطبري "ص293". الشاهد في هذا الجزء من الآية قراءة {لْيَقْضُوا} بسكون اللام كما وضحنا سابقًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وكذلك لو كان حرف التعريف في نية الانفصال؛ لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف. وهذا يدل على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرفه؛ وإنما كان كذلك لقلته وضعفه عن قيامه بنفسه، ولو كان حرفين؛ لما لحقته هذه القلة، ولا جاز تجاوز حرف الجر له إلى ما بعده. ودليل آخر يدل على شدة اتصال حرف التعريف لما دخل عليه، وهو أنه قد حدث بدخوله معنى في ما عرفه لم يكن قبل دخوله، وهو معنى التعريف؛ فصار المعرف كأنه غير ذلك المنكر وشيء سواه؛ ألا ترى إلى إجازتهم الجمع بين رجل والرجل، غلام والغلام قافيتين في شعر واحد من غير استكراه ولا اعتقاد إيطاء؛ فهذا يدلك على أن حرف التعريف كأنه مبني مع ما عرفه، كما أن ياء التحقير مبنية مع ما حقرته، وكما أن ألف التكسير مبنية مع ما كسرته؛ فكما جاز أن يجمع بين رجلكم ورجيلكم قافيتين، وبين درهمك ودراهمكم؛ كذلك جاز أيضًا أن يجمع بين رجل والرجل؛ لأن النكرة شيء سوى المعرفة، كما أن المكبر غير المصغر، وكما أن الواحد غير الجمع؛ فهذا أيضًا دليل قوي يدل على أن حرف التعريف مبني مع ما عرفه أو كالمبني معه. فأما ما يحتج به الخليل1 من انفصاله عنه بالوقوف عليه عند التذكر؛ فإن ذلك لا يدل على أنه في نية الانفصال منه؛ لأن لقائل أن يقول: إنه حرف واحد؛ ولكن الهمزة لما دخلت على اللام، فكثر اللفظ بها أشبهت اللام بدخول الهمزة عليها من جهة اللفظ لا المعنى ما كان من الحروف على حرفين نحو "هل"، و"لو"، و"من"، و"قد"؛ فجاز فصلها فى بعض المواضع. وهذا الشبه اللفظي موجود في كثير من كلامهم؛ ألا ترى أن أحمد وبابه مما ضارع الفعل لفظًا؛ إنما روعيت فيه مشابهة اللفظ فمنع ما يتختص بالأسماء، وهو التنوين، وجذب إلى حكم الفعل من ترك التنوين.   1 انظر الكتاب "2/ 64". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 ومن الشبة اللفظي ما حكاه سيبويه1 من صرفهم جَنَدِلًا وذَلَذِلًا؛ وذلك أنه لما فقد الألف التي فى جَنَادِل2 وذَلَاذِل3 من اللفظ أشبه الآحاد نحو، عُلَبِط4 وخُزَخِز5، فصرف كما صرفا؛ وإن كان الجميع من وراء الإحاصة بالعلم أنه لا يراد هنا إلا بالجمع؛ فغلب شبه اللفظ بالواحد وإن كانت الدلالة قد قامت من طريق المعنى على إرادة الجمع. ومن شبه اللفظ أيضًا أنك لو سميت رجلًا بـ "أَنْظُرُ"؛ لمنعته الصرف للتعريف ووزن الفعل، ولو سميته بـ "أَنْظُور" من قول الشاعر: وإنني حيث ما يُشري الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور6 لصرفته لزوال لفظ الفعل وإن كنا نعلم أن الواو إنما تولدت عن إشباع ضمة الظاء؛ وأن المراد عند الجميع "أنظر".   1 انظر الكتاب "2/ 16". 2 جَنَادِل: "م" جُنَادِل: الشديد العظيم. القاموس المحيط "3/ 352" مادة/ جندل. 3 ذلاذل: ما يلي الأرض من أسافل القميص، الواحد ذُلْذُل، وذِلْذِل. القاموس "3/ 3798". 4 رجل علبط: ضخم عظيم. القاموس المحيط "2/ 374" مادة/ علبط. 5 رجل خزخز: غليظ قوي كثير العضل. القاموس المحيط "2/ 174" مادة/ خزز. 6 يشري: استعارة مكنية حيث يشبه الهوى الذي انتشر وملأ بصره بالشري وهي بثور حمر كالدراهم. الهوى: العشق "ج" أهواء. القاموس المحيط "4/ 404". بصري: البصر العين أو قوة الإدراك "ج" أبصار. القاموس المحيط "3/ 373" مادة/ بصر. سلكوا: سلك سلوكًا: دخل ونفذ. القاموس المحيط "3/ 307" مادة/ سلك. أدنو: دنا، يدنو، دنوًا: أي قرب وأدنوا أي أقرب. القاموس المحيط "4/ 329" مادة/ دنا. أنظور: أي نظر إلى الشيء وأبصره وتأمله بعينه وتفكر وتدبر. القاموس المحيط "2/ 145". الشاهد فيه: أنه أشبع ضمة الظاء فأصبحت أنظور بدلًا من أنظر. والأسلوب إنشائي في صورة توكيد، لتقرير حقيقة تجول بصره وتفكره في الهوى وأموره، حيث أنه يجول ببصره فى مكان ينتشر فيه الهوى. ويقرأ يشري نسبة إلى الشري ويسري أي ينتشر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وأنشدنا أبو علي لعنترة: ينباع من ذفري غصوبٍ جسرة ... زيافة مثل الفنيق المكدم1 وقال: أراد "ينبع"، فأشبع فتحة الباء. فإن سأل سائل فقال: إذا كان "ينباع" إنما هو إشباع "ينبع"؛ فما تقول في "ينباع" هذه اللفظة إذا سميت بها رجلًا؟ أتصرفه معرفة أم لا؟ فالجواب: أن سبيله أن لا يصرف معرفة؛ وذلك أنه وإن كان أصله "ينبع"، فنقل إلى "ينباع"؛ فإنه بعد النقل قد أشبه مثالًا آخر من الفعل، وهو "ينفعل"، نحو "ينقاد"، و"ينحاز"؛ فكما أنك لو سميت رجلًا بـ "ينقاد" و"ينحاز"؛ لما صرفته معرفة؛ فكذلك ينباع وإن كان قد فقد لفظ ينبع، وهو يفعل؛ فقد صار إلى ينباع الذي هو بوزن ينحاز.   1 البيت ينسب إلى عنترة العبسي وهو فى ديوانه ومن معلقاته. وعنترة هو: أبو المغلس عنترة بن شداد العبسي، وأمه زبيبة وهى أمة حبشية، وقد استعبده أبوه على عادة العرب فى استعباد أبناء الأماء إلى أن فرض نفسه بقوته وبسالته وشجاعته على والده حتى اعترف بنسبه، وكان عنترة بطلًا شجاعًا كبير النفس رقيق القلب رحب الصدر عفيفًا، هاجت شاعريته وازدادت واتسع خياله، واشتهر شعره ولا سيما معلقته هذه التي منها هذا البيت وقد سميت معلقته بالذهبية. ينباغ: أصلها ينبع. اللسان "8/ 453". الذفري: ما خلف الأذن. القاموس "2/ 35". الجسرة: قال الفيروز أبادي: ناقة جسرة ومتجاسرة ماضية. القاموس "1/ 390" مادة/ جسر. زيافة: فعل زاف أي أسرع فى تبختر وخيلاء. القاموس "3/ 150" مادة/ زاف. الفنيق: الفحل المقدم لا يركب لكرامته على أهله. القاموس "3/ 277" مادة/ فنيق. المكدم: الفحل إذا كان قويًا نيب فيه. اللسان "12/ 510". ويقول عنترة: ينبع هذا العرق من خلف أذن ناقة غضوب موثقة الخلق، شديدة التبختر في سيرها مثل فحل من الإبل قد كدمته الفحول، وقد شبهها بالفحل فى تبخترها ووثاقة خلقها. الشاهد في البيت: إشباع فتحة ينبع فأصبحت ينباع، وقد أشبع الفتحة لإقامة الوزن فتولد عن إشباعها ألف. إعراب الشاهد: ينباع: فعل مضارع مرفوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 فإن قلت: إن ينباع: يفعال، وينحاز: ينفعل، وأصله يَنْحَوِز؛ فكيف يجوز أن تشبه ألف يفعال بعين ينفعل؟ فالجواب: أنا إنما شبهناه به شبهًا لفظيًا؛ فساغ1 لنا ذلك، ولم نشبهه شبهًا معنويًا؛ فيفسد ذلك علينا، على أن الأصمعي قد ذهب فى ينباع إلى أنه ينفعل، وقال: يقال: انباع الشجاع ينباع انبياعًا: إذا انخرط من الصف ماضيًا؛ فهذا ينفعل لا محالة لأجل ماضيه ومصدره، لأن انباع لا يكون إلا انفعل، والانبياع لا يكون إلا انفعالًا. وأنشد الأصمعي، وقراته على أبي سهل أحمد بن محمد عن أبي العباس محمد بن يزيد: يطرق حلمًا وأناة معًا ... ثمت ينباع انبياع الشجاع2 فإذا جاز أن يعتقد في "ينباع" أنه ينفعل؛ فهو بأن يقوى شبهه، وهو يراد به يفعل، بينفعل نحو ينحاز وينقاد؛ أجدر. وهذا الشبه اللفظي أكثر من أن أضبطه لك؛ فكذلك جاز أن تشبه اللام لما دخلت الهمزة عليها فكثرتها فى اللفظ بما جاء من الحروف على حرفين نحو: "هل"، و"قد"، و"لو"، وكما جاز الوقوف عليها مع التذكر لما ذكرناه من مشابهتها قد، وبل؛ كذلك جاز أيضًا قطعها فى المصراع الأول ومجيء ما تعرف بها في المصراع الثاني نحو ما أنشدناه لعبيد، وما جرى مجراه.   1 فساغ: أي طاب وهنؤ. 2 ذكر عجز البيت صاحب اللسان في مادة "ب وع" "8/ 23" دون أن ينسبه؛ بينما نسبه المفضل الضبي إلى السفاح بن بكير اليربوعي. يطرق: يدخل فيه ويستغرق من باب دخل فهو طارق. مادة "ط ر ق". لسان "10/ 217". حلمًا: حلم حلمًا أي تأنى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوة، والحلم العقل أيضًا. أناة: الحلم والوقار. القاموس المحيط "4/ 301" مادة/ أني. انبياع: ينباع، انبياع أي يتحرك ويتقدم الصف. لسان العرب "8/ 345" مادة/ نبع. الشجاع: الجريء المقدام "ج" شجعان. مادة "ش ج ع". القاموس المحيط "3/ 43". الشاهد في البيت إشباع فتحة الباء فتحول الإشباع بالفتح إلى ألف فأصبحت: ينباع، انبياع. إعراب الشاهد: ينباع: فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبقه ناصب أو جازم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وأما قوله سبحانه: {أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} [الأنعام: 144] ، وقوله: {أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] ؛ فإنما جاز احتمالهم لقطع همزة الوصل مخافة التباس الاستفهام بالخبر، وأيضًا فقد يقطعون في المصراع الأول بعض الكلمة وما هو منها أصل، ويأتون بالبقية في أول المصراع الثاني؛ فإذا جاز ذلك فى أنفس الكلم، ولم يدل على انفصال بعض الكلمة من بعض؛ فغير منكر أيضًا أن يفصل لام المعرفة في المصراع الأول. ولا يدل ذلك على أنها عندهم في نية الانفصال، كما لم يكن ذلك في ما هو من أصل الكلمة، قال: يا نفسِ أكلا واضطجا ... عًا نفسِ لست بخالدة1 وهو كثير. ومنه قول الأعشى: حل أهلي ما بين دُرْنِي فبادو ... لي، وحلت عُلْوِيَّةً بالسِّخَال2   1 يا نفس: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التحذير. اضطجاعًا: ضجع اضطجاعًا: إذا وضع الرجل جنبه بالأرض، وبابه قطع وخضع. خالدة: الخلد: دوام البقاء، وبابه دخل القاموس المحيط"1/ 291" مادة/ خلد. الشاهد فيه: جواز الانفصال فى أصل الكلمة وذلك في قولة "اضطجا/ عًا". 2 نسب البيت صاحب اللسان إلى الأعشى فى مادة "س خ ل" "11/ 332". الأعشى: هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل، من شعراء الطبقة الأولى فى الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات، وكان يغني بشعره فسمي صناجة العرب. حل: أي نزل. ويقال حل بالمكان أي نزل به. مادة "ح ل ل". القاموس "3/ 359". درني: اسم موضع بناحية اليمامة أيضًا ولكنه بطن فلج، وفلج هذه اسم نمر وقيل اسم موضع وقيل اسم واد. علوية: يقصد العالية، وهي ما فوق أرض نجد إلى تهامة. السخال: موضع بناحية اليمامة. الشاهد فيه: جواز الانفصال في أصل الكلمة أيضًا في مثل قوله "بادو/ لي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وإذا جاز قطع همزة الوصل التي لا اختلاف بينهم فيها نحو ما أنشده أبو الحسن: ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ... على حدثان الدهر مني ومن جمل1 ونحو قول الآخر: يا نفس صبرًا كل حي لاقِ ... وكل إثنين إلى افتراق2 وقول الآخر: إذا جاوز الإثنين سر فإنه ... بنشر وتكثير الحديث قمين3   1 لا أرى: أسلوب نفي غرضه التعظيم. شيمة: الشيمة الخلق "ج" شيم. حَدَثان: تطلق على الليل والنهار، وحدثان الدهر: أي نوائبه وحوادثه. الدهر: مدة العالم من بدء وجوده إلى انقضائه، والزمان الطويل "ج" أدهر ودهور. الشاهد فيه: جواز قطع همزة الوصل فى قوله "إثنين". إعرابه: إثنين: مفعول به منصوب بالمفعولية، وعلامة نصبه الياء عوضًا عن الفتحة لأنه مثنى. 2 يا نفس: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه النصح والإرشاد. لاق: أي لاقٍ ربه وهي كناية عن الموت. افتراق: أي مفارق بعضهم بعضًا، أي مفترقان. الشاعر يوجه النداء إلى نفسه ويأمرها بالصبر؛ فكل حي لا بد أن يلاقي ربه وكل اثنين لا بد أن يفترقا. الشاهد فيه: جواز قطع همزة الوصل فى قوله "إثنين". إعراب الشاهد: إثنين: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء. 3 البيت نسبه صاحب اللسان إلى قيس بن الخطيم. جاوز: أي تعدى وخلف. سر: السر ما يكتمه المرء في نفسه "ج" أسرار. قمين: أي جدير "ج" قمناء. القاموس المحيط "4/ 261". الشاعر يؤكد على ضرورة عدم مجاوزة السر لاثنين لأن هذا يؤدي إلى نشره وانتشاره وبثه وتكثيره، وهذا جدير أن يحدث عند مخالفة السر لأكثر من اثنين. الشاهد فيه: جواز قطع همزة الوصل أيضًا فى قوله "إثنين". إعراب الشاهد: الاثنين: مفعول به منصوب بالمفعولية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 فإنه يجوز قطع الهمزة التي هي مختلف في أمرها، وهي مفتوحة أيضًا، مشابهة لما لا يكون من الهمز إلا قطعًا، نحو همزة أحمر وأصفر ونحوهما، أولى وأجدر. فإن قال قائل: ما الفرق بينك وبين من قلب عليك هذه الطريق؟ فقال: ما تنكر أن يكون إفضاؤهم بجر الجار إلى ما بعد حرف التعريف في نحو: "مررت بالرجل"، و"نظرت إلى الغلام"؛ لم يجز من حيث اشتد امتزاج حرف التعريف بما عرفه على ما ذهبت إليه؛ بل إنما جاز تجاوز حرف الجر إلى ما بعد حرف التعريف وإن كان حرفه "ال" هذين الحرفين -أعني الهمزة واللام- من حيث اطرد الحذف في هذه الهمزة لكثرة استعمالها لها؛ فلما فقدت في الوصل من اللفظ، وثبتت اللام وحدها صارت كأنها هي حرف التعريف وحدها، وصارت الهمزة كأنها ليست من أصل حرف التعريف لحذفها في أكثر الأحوال. فالجواب عن هذه الزيادة: أن في جمعهم بين رجل والرجل، وغلام والغلام قافيتين في شعر واحد من غير استكراره ولا ضرورة إبطاء؛ ما دل على أن بين المعرفة فى هذا والنكرة فرقًا قد أبان أحدهما من صاحبه، وصيره كأنه كلمة أخرى، ولم يكن ذلك إلا لما دخل الكلمة من حرف التعريف الممازج لها المشابه لياء التحقير وألف التكسير في نحو رجيل ودراهم؛ فلما ضارعت لام التعريف ياء التحقير وألف التكسير وكانت تانيك مصوغتين في نفس المثال صوغ الأصول التي تتبارى في اللزوم؛ دل ذلك على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرفه، ولم يمازجه هذه الممازجه المؤكدة إلا بكونه على حرف واحد؛ ولا سيما ساكن، ولو كان حرفين بمنزله "هل"، و"بل"، و"قد"؛ لما اتصل بالاسم هذا لاتصال المفرط، لأنه كان يقدر فيه الانفكاك حينئذ والانفصال. فإن قال قائل: ألست تقول: مررت بهذا، فتجاوز عمل الباء إلى ذا؛ فتجره وبينهما "هاء" وهي على حرفين، فما تنكر أيضًا أن يكون حرف التعريف "آل" هذين الحرفين، أعني الهمزة واللام، ويكون تجاوز الجار لهما إلى ما بعدهما في نحو: مررت بالرجل كتجاوز الجار قبل "ها" إلى"ذا" في قولك: مررت بهذا؟ فالجواب: أن بين موضعين فرقًا، وذلك أن "ها" إنما معناها التنبيه، والتنبيه ضرب من التوكيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 ألا ترى أنك إذا قلت: "السلام عليكم"؛ فأنت مخبر غير مؤكد؛ فإذا قلت: "ها السلام عليكم"؛ كنت بالتنبيه مؤكدًا؛ فلما كانت هذه حال "ها" ضارعت عندهم "ما" المؤكدة نحو قوله عَزَّ اسْمُهُ: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [النساء: 155] 1، و: {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] 2 أي: فبنقضهم، وعن قليل. فكما جاز لـ "ما" هذه أن تعترض بين الجار والمجرور مؤكدة كما زيدت "ما" في قوله" {عَمَّا قَلِيلٍ} ونحوه، وليس كذلك حرف التعريف؛ لأنه ليس الغرض فيه التوكيد؛ وإنما الغرض نقل النكرة إلى معنى المعرفة؛ فهذان معنيان كما تراهما متباينان3، وأنت تجد معنى مررت بذا كذا معنى مررت بهذا، وليس بينهما أكثر من توكيد الكلام على المعنى الأول، ولا تجد بينهما الفرق الذي تجده بين مررت برجل، ومررت بالرجل؛ فدل هذا على أن اتصال حرف التعريف بما عرفه ليس كاتصال "ها" بما نبه عليه، قال تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ} [النساء: 109] 4. وقال الشاعر: وقفنا، فقلنا: ها السلام عليكم ... فأنكرها ضيق المجم غيور5   1 نقض: أي أفسد بعد إحكام. ميثاق: عهد "ج" مواثيق. الشاهد في الآية إضافة "ما" المؤكدة للتوكيد في قوله "فيما". 2 "عما قليل" أصله "عن قليل" واعترضت "ما" المؤكدة للتوكيد بين الجار والمجرور. 3 متباينان: مختلفان. 4 جادلتم: ناقشتم وخاصمتم. الشاهد في الآية اتصال "ها" التنبيه بالمعرفة "أنتم". إعراب الشاهد: ها: أداة تنبيه مبنية لا محل لها من الإعراب. 5 المجم: الصدر: ضيق المجمم: أي ضيق الصدر. لسان العرب "12/ 106". أنكر: جهل وقيل عاب ونهى. غيور: يقال غار الرجل على امرأته: أي ثارت نفسه لإبدائها زينتها ومحاسنها لغيره، وكذا المرأة؛ فهو غيور وهي غيورة "ج" غير. الشاهد في البيت اتصال "ها" التنبيه بالمعرفة "السلام". إعراب الشاهد: ها: أداة تنبيه مبنية لا محل لها من الإعراب. السلام: مبتدأ مرفوع. والبيت ذكره صاحب اللسان في مادة "ج م م" ونسبه لابن الأعرابي "12/ 106". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وقال الآخر: ها إنها إن تضق الصدور ... لا ينفع القُل ولا الكثير1 وبذلك على أن "ها" لم يتجاوزها حرف الجر إلى "ذا" من حيث كانت شديدة الاتصال به على ما يظنه هذا السائل بيت الكتاب، وهو قوله: ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت: لها هذا لها ها وذا ليا2 أي: وهذا ليا؛ فتقديم "ها" على حرف العطف بدل على أنه ليس متصلًا بـ "إذا". وإذا جاز أن يعترضوا بـ "ما" بين الجار والمجزوم وليس فيها غرض أكثر من التوكيد نحو قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ} [النساء: 78] 3، و {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] 4، و {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا}   1 يؤكد الشاعر على فكرة محدودة وهي أن الصدور إذا ضاقت لا ينفع معها القل ولا الكثير. وقوله: "إنها" أسلوب توكيد، قوله: "لا ينفع" أسلوب نفي، والنفي والتوكيد كلاهما يوضح الفكرة ويؤكد المعنى الذي يرمي إليه الشاعر. والمقابلة بين "القل والكثير" تبرر المعنة بالتضاد وتزيده وضوحًا. الشاهد في قوله "ها إنها" حيث اتصلت "ها" التنبيه بحرف التوكيد إن. ويبدو من الأمثلة السابقة أن أداة التنبيه "ها" قد تتصل بالضمير "ها أنتم" وقد تتصل بالاسم المعرف "ها السلام عليكم"، وقد تتصل بالمعرف "ها إنها". 2 يقول الشاعر: إننا اقتسمنا المال نصفين بيني وبينها فقلت لها: هذا لك وهذا لي. وأسلوب البيت خبري. الشاهد فيه قوله "ها وذا ليا". 3 يدرككم: أدرك: لحق وبلغ ونال. مادة "درك" القاموس المحيط "3/ 301". الشاهد فيه: اعتراض "ما" بين الجازم والمجزوم وهي للتوكيد ليس أكثر. 4 سبب نزول هذه الآية كما أخرجها ابن مدويه وغيره عن ابن عباس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة ذات يوم؛ فدعا فقال في دعائه: "يا الله يارحمن"، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين؛ فنزل قوله تعالى {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . انظر/ مختصر تفسير الطبري "ص358". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 [مريم: 26] 1، و {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء: 28] 2، مع أن الجازم أضعف من الجار؛ لأن عوامل الأفعال في الجملة أضعف من عوامل الأسماء؛ فالاعتراض بـ "ما" ومشابهتها "ها" بين الجار والمجرور؛ أولى بالجواز؛ فهذا عندي جواب هذه الزيادة والانفصال منها، وليس يجاب عنها بأبلغ ولا أحوط مما ذكرناه. فاعرفه إن شاء الله. فقد صح بما أوردناه ولخصناه واستقصيناه: أن حرف التعريف إنما هو اللام وحدها دون الهمزة، ويبقى ههنا بعد هذا كله أربعة سؤالات، وهي: أنه إذ صح أن اللام وحدها حرف التعريف؛ فما الذي دعاهم إلى أن جعلوا مفيد التعريف حرفًا واحدًا؟ فهذا سؤال واحد. والآخر: إذ جعلوه حرفًا واحدًا؛ فلم جعلوه ساكنًا؟ والثالث: إذ جعلوه حرفًا واحدًا ساكنًا؛ فلم جعلوه اللام دون سائر الحروف؟ الرابع: إذ جعلوه حرفًا واحدًا ساكنًا، وهو اللام؛ فلم جعلوه في أول الكلمة دون آخرها؟ واعلم أن الأجوبة عن هذه المسائل وإن اختلفت جهاتها؛ فإنها ترجع إلى تصحيح غرض واحد وتأكيده، وإذا كانت الأجوبة تنساق إلى وجه واحد؛ دل ذلك على صحتها في النفس وشهادة بعضها لبعض. فأما لِمَ جعل حرف التعريف حرفًا واحدًا؛ فقد تقدم من قولنا ما يكون جوابًا له، وهو أنهم لما أرادوا خلطه بما بعده ومزجه به لما أحدث فيه من انتقال المعنى؛ أشبعوا ما قصدوا له بأن جعلوه على حرف واحد ليضعف عن انفصاله مما بعده؛ فيعلم بذلك أنهم قد اعتزموا على خلطه به.   1 أي مهما رأيت من أحد، ويقال أن الكلام كله كلام عيسى لأمه، هكذا قال وهب، حيث قال عيسى لأمه أنا أكفيك الكلام فإما ترين من البشر .... إلخ. انظر تفسير ابن كثير "3/ 118". 2 يقول عز وجل: إن سألوك فلم يكن عندك ما تعطيهم فأعرضت عنهم بوجهك ابتغاء رزق تنتظره من الله عز وجل فقل لهم قولًا لينًا وجميلًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وأما لم سَكَّنُوه؛ فالجواب عنه أن تسكينه أشد وأبلغ في إضعافهم إياه وإعلامهم حاجته إلى ما اتصل به؛ لأن الساكن أضعف من المتحرك وأشد حاجة وافتقارًا إلى ما يتصل به. وأما لم اختاروا له اللام دون سائر حروف المعجم، فالجواب عنه أنهم إنما أرادوا إدغام حرف التعريف في ما بعده؛ لأن الحرف المدغم أضعف من الحرف الساكن غير المدغم، ليكون إدغامه دليلًا على شدة اتصاله وأقوى منه علية لو كان ساكنًا غير مدغم؛ فلما آثروا إدغامه1 في ما بعده لما ذكرناه اعتبروا حروف المعجم؛ فلم يجدوا فيها حرفًا أشد مشاركة لأكثر الحروف من اللام. وقد ذكرنا هذا وغيره من حال اللام عند ذكر مخارج الحروف ومدارجها في أول الكتاب؛ فعدلوا إلى اللام لأنها تجاور أكثر حروف الفم التي هي معظم الحروف، ليصلوا بذلك إلى الإدغام المترجم عما اعتزموه من شدة اتصال حرف التعريف بما عرفه؛ فيستدل بذلك على أنه قد نقله عن معنى التنكير إلى معنى التعريف كما نقلت ياء التحقير معنى التكبير، وأفادت التصغير، وكما أفادت ألف التكسير معنى الجمع بعد الإفراد، ولو جاءوا بغير اللام للتعريف؛ لما أمكنهم أن يكثر إدغامها كما أمكنهم ذلك مع اللام. وإدغامهم إياها مع ثلاثة عشر حرفًا، وهي: التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والنون، وذلك قولهم: التمر، الثريد، والدبس، والذرق2، والرطب، والزبد، والسفرجل3، والشعير، والصناب4، والضرو5، والطبخ6، والظبي، والنبق7.   1 آثروا إدغامه: أي اختاروا وفضلوا إدغامه؛ ذلك حتى يكون إدغامه دليلًا قويًا على شدة اتصاله. 2 الذرق: نبات كالفسفسة تسميه الحاضرة "الحندقوقي". لسان العرب "10/ 108". 3 السفرجل: ثمر قابض مقو مدر مشه مسكن للعطش. القاموس المحيط"/ 396". 4 الصناب: خليط ما بين الزبيب والخردل يتخذ منه الصباغ. القاموس المحيط "1/ 93". 5 الضرو: شجر طيب الريح يستاك به. لسان العرب "14/ 483". 6 الطبخ: طبخ طبخًا: أي أنضجه على النار بالماء. مادة "ط ب خ" القاموس "1/ 264". 7 النبق: ثمرة السدر. القاموس المحيط "3/ 284". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 ويدلك على إيثارهم الإدغام للام التعريف -لما قصدوا من الإبانة عن غرضهم- أنك لا تجد لام التعريف مع واحد من هذه الأحرف الثلاثة عشر إلا مدغمًا في جميع اللغات، ولا يجوز إظهارها ولا إخفاؤها معهن ما دامت للتعريف البتة، وأنك قد تجد اللام إذا كانت ساكنة وهي لغير التعريف مظهرة غير مدغمة مع أكثر هذه الحروف الثلاثة عشر؛ وذلك نحو "التفت"، و"هل ثم أحد"، و"هل دخل"، و"ألزم به"، و"هل رأى ذلك أحد"، و"ألسنة"، وأنشدوا: تقول إذا أنفق مالًا للذة ... فكيهة هشيء بكفيك لائق1 أي: هل شيء؛ فأدغم، وليس ذلك بواجب كوجوب إدغام الشم، والشراب، ولا جميعهم يدغم هل شيء، ولا جميعهم يقرأ "بَتُّوثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" [الأعلى: 16] قرأها الكسائي2. وكذلك: "هَثُّوِّبَ الْكُفَّارُ" [المطففين: 36] إنما قرأها بالإدغام الكسائي3 أيضًا. وكذلك قول مزاحم العقيلي: فذر ذا ولكن هتعين متيمًا ... على ضوء برق آخر الليل ناصب4 أي: هل تعين، وذلك غير واجب؛ وإنما هو جائز، فتحييرهم في هذه الأشياء بين الإدغام وتركه دائمًا، وإجماعهم مع لام التعريف على التزامه البتة؛ دليل قاطع على عنايتهم بإدغام حرف التعريف؛ وإنما ذلك لما ذكرت لك من تنبيههم على مزجه بما بعده.   1 البيت لطريف بن تميم العنبري كما في الكتاب "2/ 417". اللائق: المحتبس الباقي. لسان العرب "10/ 334". فكيهة: اسم امرأة. 2 هي قراءة الكسائي وحمزة وهشام: انظر/ إتحاف فضلاه البشر "ص437". 3 هذه قراءة الكسائي وأبي عمرو وحمزة. انظر/ السبعة "ص676". ونص سيبويه على أن أبا عمرو قرأها بالإدغام. انظر/ الكتاب "2/ 417". 4 نسب البيت إليه في الكتاب "2/ 417". الناصب: المنصب المتعب. جاء على النسب كتامر ولابن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وأما لِمَ جعلت لام التعريف في أول الاسم دون آخره؟ فالجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: هو اللطيف القوي -أنهم إنما خصوا لام التعريف بأول الاسم دون آخره من قبل أنهم صانوه، وشحوا عليه لحاجتهم إليه، فجعلوه في موضع لا يضاف فيه حرف صحيح البتة، واللام حرف صحيح وذلك الموضع هو أول الكلمة؛ ولما كان آخر الكلمة ضعيفًا قابلًا للتغيير في الوقف وغيره، وقد يحذف فيه أيضًا ما هو من أنفس الكلم نحو قولهم في الترخيم: "يا حار"، و"يا منص"1، وغير ذلك كرهوا أن يجعلوا اللام في آخر الاسم؛ فيتطرق عليها الحذف في بعض الأحوال مع قوة حاجتهم إليها وشدة عنايتهم بها؛ فحصنوها، واحتاطوا عليها بأن وضعوا في أول الاسم لتبعد عن الحذف والاعتلال؛ فهذا هو الجواب القوي الحسن اللطيف. والجواب الآخر: أنها حرف زائد لمعنى، وحرف المعاني في غالب الأمر إنما مواقعها في أوائل الكلم لا سيما وهي لام، فأجريت مجرى لام الابتداء، ولام الإضافة، ولام الأمر، وغير ذلك؛ فقدمت كما قدمن. والقول الأول هو الوجه، وهذا الثاني لا بأس به. قد أتينا على أحكام لام التعريف كيف حالها في نفسها، وأثبتنا من الحجاج في ذلك ما هو مقنع كاف، وبقي علينا أن نذكر مواقعها في الكلام، وعلى كم قسمٍ تتنوع فيه. اعلم أن لام التعريف تقع من الكلام فى أربعة مواضع، وهي: تعريف الواحد بعهد، وتعريف الوحد بغير عهد، وتعريف الجنس، وزائدة. الأول: نحو قولك لمن كنت معه في ذكر رجل: قد وافى الرجل، أي: الرجل الذي كنا في حديثه وذكره. الثاني: قولك لمن لم تره قط ولا ذكرته: يا أيها الرجل أقبل؛ فهذا تعريف لم يتقدمة ذكر ولا عهد.   1 هما ترخيم: حارث ومنصور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الثالث نحو قولك: الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، وأهلك الناس الدينار والدرهم1؛ فهذا التعريف لا يجوز أن يكون عن إحاطة بجميع الجنس ولا مشاهدة له؛ لأن ذلك متعذر غير ممكن؛ لأنه لا يمكن أحد أن يشاهد جميع الدراهم، ولا جميع الدنانير، ولا جميع العسل، ولا جميع الخل، وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة، أفضل من كل واحد من الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وكل جزء من الخل الذي لا تمكن مشاهدة جميعه حامضًا. الرابع: قوله عز وجل: {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71] ؛ فالألف واللام في "الآن" زائدة، وكذلك لام الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما، ولام اللات والعزى في قول أبي الحسن2، ولا أعرف لسيبويه فيه خلافًا. ولهذا نظائر3 سأذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى. فالذي يدل على أن اللام في "الآن" زائدة؛ أنها لا تخلو من أن تكون للتعريف كما يظن مخالفنا أو تكون زائدة لغير التعريف كما نقول نحن. فالذي يدل على أنها لغير التعريف أنا اعتبرنا جميع ما لامه للتعريف؛ فإذًا إسقاط لامه جائز فيه، وذلك نحو: الرجل ورجل، والغلام وغلام، ولم يقولوا: "افعله آن"، كما قالوا: "افعله الآن". فدل هذا على أن اللام فيه ليست للتعريف، بل هي زائدة كما يزاد غيرها من الحروف، وإذا ثبت أنها زائدة؛ فقد وجب النظر في ما تعرف به الآن؛ فلا يخلو من أحد وجوه التعريف الخمسة، إما لأنه من الأسماء المضمرة4، أو من   1 تشبيه استعاري حيث شبه الدينار والدرهم بشيء يهلك الناس ويوردهم موارد التهلكة. الشاهد فيه وقوع لام التعريف جنسية "أي خاصة بتعريف الجنس". 2 معاني القرآن للأخفش. 3 نظائر: "م" نظير، والنظير المثل المساوي، مادة "ن ظ ر". القاموس المحيط "2/ 145". 4 الأسماء المضمرة: هي تلك الأسماء التي يعين مسماها بقيد التكلم، كـ "أنا"، أو الخطاب كـ "أنت"، أو الغيبة ك "هو". شرح ابن عقيل "1/ 118". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 الأسماء الأعلام1، أو من الأسماء المبهمة2، أو من الأسماء المضافة3، أو من الأسماء المعرفة باللام4. فمحال أن يكون من الأسماء المضمرة لأنها معروفة محدودة، وليس "الآن" واحدًا منها. ومحال أيضًا أن يكون من الأسماء الأعلام نحو زيد وعمرو؛ لأن تلك تخص الواحد بعينه، والآن يقع على كل وقت حاضر لا يخص بعض ذلك دون بعض، ولم يقل أحد أن الآن من الأسماء الأعلام. ومحال أيضًا أن يكون من أسماء الإشارة؛ لأن جميع أسماء الإشارة لا تجد فيه لام التعريف، وذلك نحو: هذا، وهذه، وذلك، وتلك، وهؤلاء، وما أشبه ذلك. وذهب أبو إسحاق الزجاج إلى أن "الآن" إنما تعرفه بالإشارة، وأنه إنما بني لما كانت الألف واللام فيه لغير عهد متقدم؛ إنما تقول: "الآن كان كذا وكذا"، لمن لم يتقدم لك معه ذكر الوقت الحاضر. فأما فساد كونه من أسماء الإشارة؛ فقد تقدم. وأما ما اعتل به من أنه إنما بني لأن الألف واللام فيه لغير عهد متقدم؛ ففاسد أيضًا، لأنا قد نجد الألف واللام في كثير من الأسماء على غير تقدم عهد، وتلك الأسماء مع كون اللام فيها معربة؛ وذلك نحو قولك: يا أيها الرجل، ونظرت إلى هذا الغلام؛ فقد بطل بما ذكرنا أن يكون "الآن" من الأسماء المشار بها.   1 الأسماء الأعلام: هي تلك الأسماء التي يتم تعيين مسماها مطلقًا، أي بلا قيد التكلم أو الخطاب أو الغيبة. شرح ابن عقيل "1/ 118". 2 الأسماء المبهمة: هي الأسماء التي لا يتضح معناها إلا بما يضاف إليها. شذور الذهب "ص81". 3 الأسماء المضافة: هي تلك الأسماء التي تكسبها الإضافة تعريفًا وتخصيصًا، وهي المضاف لمعرفة وهي في درجة ما أضيف إليه. شذور الذهب "ص156". 4 الأسماء المعرفة: هي تلك الأسماء التي وضعت لتستعمل في شيء بعينه كالضمير والعلم. شرح ابن عقيل "1/ 88". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 ومحال أيضًا أن يكون من الأسماء المتعرفة بالإضافة؛ لأنا لا نشاهد بعده اسمًا هو مضاف إليه؛ فإذا بطلت، واستحالت الأربعة الأوجه1 المقد ذكرها؛ لم يبق إلا أن يكون معرفًا باللام نحو الرجل والغلام. وقد دلت الدلالة على أن "الآن" ليس معرفًا باللام الظاهرة التي فيه؛ لأنه لو كان معرفًا بها؛ لجاز سقوطها منه؛ فلزوم هذه اللام الآن؛ دلالة على أنها ليست للتعريف، وإذا كان معرفًا باللام لا محالة، واستحال أن تكون التي فيه هي التي عرفته؛ وجب أن يكون معرفًا بلام أخرى محذوفة غير هذه الظاهرة التي فيه، بمنزلة أمس في أنه تعرف بلام مرادة، والقول فيهما واحد؛ ولذلك بنيا لتضمنهما معنى حرف التعريف. وهذا رأي أبي علي، وعنه أخذته، وهو الصواب الذب لا بد من القول به. وأما الألف واللام في "الذي" و"التي" وبابهما من الأسماء الموصولة؛ فيدل على زيادتها وجودك أسماء موصولة مثلها معراة من الألف واللام وهي مع ذلك معرفة، وتلك: من، وما وأي في نحو قولك: "ضربت من عندك"، و"أكلت ما أطعمتني"، و"لأضربن أيهم يقوم"؛ فتعرف هذه الأسماء التي هي أخوات الذي والتي بغير لام، وحصول ذلك لها بما تبعها من صلاتها دون اللام؛ يدل على أن الذي إنما تعرفه بصلته دون اللام التي فيه، وأن اللام فيه زائدة؛ إلا أنها زيادة لازمة. فإن قال قائل: فما كانت الحاجة إلى زيادة اللام في الذي والتي ونحوهما حتى أنها لما زيدت لزمت؟ فالجواب: أن "الذي" إنما وقع في الكلام توصلًا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات، ألا تراها تجري أوصافًا على النكرات في نحو قولك: مررت برجل أبوه كريم، ونظرت إلى غلام قامت أخته؛ فلما أريد مثل هذا في المعرفة بم يمكن أن تقول: مررت بزيد أبوه كريم؛ على أن تكون الجملة وصفًا لزيد؛ لأنه قد ثبت أن الجملة نكرة، ومحال أن توصف المعرفة بالنكرة؛ فجرى هذا في الامتناع مجرى امتناعهم أن يقولوا: "مررت بزيد كريم" على الوصف؛ فإذا كان الوصف جملة نحو: مررت برجل أبوه كريم؛ لم يكن إذا أرادوا وصف المعرفة بنحو ذلك أن يدخلوا اللام   1 الأوجه: قام أبو الفتح باستخدام ذلك على لغة سمعت حكاية عن الكسائي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 على الجملة؛ لأن اللام من خواص الأسماء، فجاءوا بـ "الذي" متوصلين به إلى وصف المعارف بالجمل، وجعلوا الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة لـ "الذي" فقالوا: مررت بزيد أبوه منطلق، وبهند التي قام أخوها؛ فألزموا اللام هذا الموضع لما أرادوا التعريف للوصف ليعلموا أن الجملة الآن قد صارت وصفًا لمعرفة؛ فجاءوا بالحرف الذي وضع للتعريف، وهو اللام، فأولوه "الذي" ليتحصل لهم بذلك لفظ التعريف الذي قصدوه، ويطابق اللفظ المعنى الذي حاولوه. ونظير هذا أنهم لما أرادوا نداء ما فيه لام المعرفة، ولم يمكنهم أن يباشروه بـ "يا" لما فيها من التعريف والإشارة؛ توصلوا إلى ندائها بإدخال أي بينهما، فقالوا: يا أيها الرجل؛ فالمقصود بالنداء هو الرجل، و"أي" وصلة إليه كما أن القصد في قولك: "مررت بالرجل الذي قام أخوه" أن يوصف الرجل بقيام أخيه؛ فلما لم يمكنهم ذلك لما ذكرناه توصلوا إليه بـ "الذي". فإن قال قائل: إن الأسماء الموصولة كثيرة؛ فلم اقتصروا في وصف المعرفة على "الذي" دون "ما" و"من" و"أي"؟ وهلا قالوا: "مررت بزيد المن1 أخوه منطلق"، و"نظرت إلى محمد المن قام صاحبه"، كما تقول: "الذي أخوه منطلق" و"الذي قام صاحبه"؟ فالجواب: أنهم إنما قصدوا في هذا الموضع إصلاح لفظ الوصف على ما تقدم من قولنا، ولم يكن ينبغي مع الاحتياط لذلك أن يعدلوا إلى "من" و"ما" و"أي" دون "الذي"؛ وذلك أن "من" و"ما" كل منهما على حرفين، وليس في أوصاف شيء على حرفين؛ وإنما أقل ذلك ثلاثة نحو صعب، وخدل2، وبطل، ونجد، ومرس3؛ فلما قل لفظ "ما" و"من" عن عدد الأوصاف، وكان أصل "الذي" ثلاثة أحرف، وهو "لذي" كملت فيه العدة التي يكون عليها الوصف، وذلك نحو: "مَحِك" و"غَرِض" و"مَرِح"، فقالوا: "مررت بزيد الذي قام أخوه"، كما تقول: "مررت بزيد العمي، والمكان الندي".   1 المن: والمقصود "ال + من" أي: دخول لام التعريف على بعض الأسماء الموصولة مثل "ال + ذي"؛ فلماذا لا تدخل على من، ما، أي.. إلخ؟ 2 وخدل: العظيم الممتلئ. القاموس المحيط "3/ 366" مادة/ خدل. 3 مرس: الشديد المراس ذو الجلد والقوة، والذي تدرب على النوائب والخصومات ومارسها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فإن قلت: فـ "أي" أيضًا على ثلاثة أحرف؛ فهلا دخلت اللام عليها، فقيل: "مررت بزيد الأي أخوه منطلق"، كما تقول: "الذي أخوه منطلق"، ويكون "الأي" في الوصف بمنزلة "الرث"1 و"الصب"2 و"الخب"3، كما كان "الذي" منزلة "العمي" و"الجوي"4 و"الندي"؟ فالجواب: أن في "أي" سرًا يمنع من هذا الذي سُمْتَه فيها، وأن الحكمة في عدولهم عنها إلى "الذي"؛ وذلك أن "أيًا" في أي موضع وقعت من كلامهم من الخبر والاستفهام والشرط والتعجب؛ فليست منفكة من معنى الإضافة؛ لأنها أبدًا بعض من كل؛ فلا بد من اعتقاد إضافتها وإرادتها لفظًا أو معنى فيها؛ فلما شاع فيها معنى الإضافة بعدت عن الصفة، فلم توضع موضعًا يُقْتَصر بها لأجله على الصفة البتة كما فعل ذلك بـ "الذي"؛ وإنما منعت الإضافة من ذلك لأنها تنافر الصفة في اللفظ والمعنى، أما في اللفظ: فلأن كل صفة معرفة، فلا بد فيها من لام المعرفة على ما تقدم، ولام المعرفة لا تجامع الإضافة لأنهما يتعقبان الكلمة، فلا يجتمعان معًا، فأما قولهم: "الحسن الوجه"، و"الكريم الأب" وبابهما؛ فإن الإضافة فيهما غير محضة5، وتقدير الانفصال فيهما واجب، ألا ترى أن المعنى: "الحسن وجهه"، و"الكريم أبوه"؛ على أن هذا الاتساع في اللفظ بالجمع بين اللام والإضافة إنما جاء في الصفات المشتقة من الأفعال6 نحو: الحسن من حَسُنَ، والظريف من ظَرُفَ، و"أي" ليست بصفة ولا جارية على فعل؛ فبعدت من أحكام الصفات.   1 الرث: رديء المتاع. "ج" رثاث. القاموس المحيط "1/ 167" مادة/ رثث. 2 الصب: يقال: صب إليه أي رق واشتاق؛ فهو صب وهي صبة. القاموس المحيط "1/ 91". 3 الخب: فلان خب في الأمر أي أسرع، والخب: المخادع الغشاش لقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة خب ولا خائن". القاموس المحيط "1/ 59". 4 الجوى: مرض الصدر، وكذا إذا اشتد الوجد من عشق أو حزن. القاموس "4/ 314". 5 فإن الإضافة فيهما غير محضة: وهي أن يكون الجزء الأول بمنزلة الفعل المضارع في إفادته الحال أو الاستقبال: أي اسم الفاعل أو اسم المفعول أو صفة مشبهة، كقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . شرح ابن عقيل "2/ 44، شذور الذهب "326". 6 الصفات المشتقة من الأفعال: ويقصد بها أن تشتق الصفة من الفعل مثل الحسن من حسن، والظريف من ظرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وأما المعنى؛ فلأن الإضافة تكسب التعريف والتخصيص، والصفة مشابهة للفعل، والفعل لا يكون إلا للنكرة؛ فأما "الذي" فتعرفه بالصلة دون اللام على ما قدمنا. فإن قلت: فإذا كانت الصفة مشابهة للفعل، والفعل لا يكون معرفة أبدًا؛ فما بالك تقول: "مررت بزيد أخي عمرو"؛ فتصف "بأخي عمرو" وهو مضاف إضافة محضة إلى اسم علم؟ فالجواب: أن قولنا: "مررت بزيد أخي عمرو"، و"نظرت إلى هند بنت محمد"، ونحوه؛ ليست بصفات محضة؛ وإنما هي في الحقيقة عطف بيان، ولكن النحويين أطلقوا عليها الوصف لأنها تفيد ما تفيد الأوصاف، ألا ترى أن معنى "مررت بزيد أخي عمرو" كمعنى "مررت بزيد المعروف بِأُخُوَّة عمرو"، وكذلك "مررت بهند بنت محمد"؛ إنما معناه "مررت بهند المشهورة" ببنوة محمد؛ فلما كان المعنى معنى الصفات؛ جاز أن يطلق عليها أنها صفات اتساعًا لا حقيقة، وكيف يكون ذلك وقد أجمعوا أنه لا تكون الصفة معرفة إلا باللام. ونظير هذا الإطلاق في الوصف في هذا الموضع قولهم في مررت بهذا الرجل: إن الرجل صفة لهذا، وليس في الحقيقة بصفة؛ لأن الصفة لا بد من أن تكون مأخوذة من فعل أو راجعة إلى معنى الفعل، وليس الرجل ونحوه مما بينه وبين الفعل نسبة؛ ولكنه لما كان "هذا" و"الرجل" في هذا الموضع كالشيء الواحد، والثاني منهما يفيد الأول بيانيًا وإيضاحًا، أشبه ذلك حال الصفة الصريحة نحو مررت بزيد الكريم، ونظرت إلى محمد العاقل؛ فجاز لهم أن يسموا الرجل ونحوه وصفًا مجازًا لا حقيقة؛ فلأجل ما شرحناه فى حال أي ما عدلوا عنها لتضمنها معنى الإضافة إلى الذي لأنه ليس فيه معنى إضافة، ولا ما ينافي الصفة لفظًا ولا معنى. وكذلك "الاتي" و"اللائي"؛ لأنهما بوزن "القاضي" و"الداعي"، واللاء بوزن قولهم: "رجل مالٌ ونالٌ"، و"يوم راحٌ"1، و"كبش صاف"، و"الألى بوزن الحطم"2، و"اللبد"3،   1 يوم راح: أي يوم شديد الريح. القاموس المحيط "1/ 224". 2 الحطم: رجل حطم: أي عسوف عنيف. مادة"ح ط م". لسان العرب "12/ 139". 3 اللبد: الرجل الذي يقيم بالمكان ويلزم به. مادة "ل ب د"، وهو كناية عن تقاعسه عن طلب الرزق أو السعي. لسان العرب "3/ 385". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 و "اللواتي" بوزن "الجواري" و"الغواني" جمع غانية، فاعرف هذه النكت؛ فقد استودعتها ما لا يكاد كتاب ينطوي عليه للطفه. ولأجل ما ذكرناه من أن "الذي" إنما وقع في الكلام وصفًا لا محالة ما وجب عندهم أن يعود ضميره عليه أبدًا بلفظ الغيبة لا الحضور، وذلك قولك: "أنت الذي قام أخوه"، ولا تقول: "أخوك" إلا في ضرورة شعر، و"أنا الذي قام صاحبه"، ولا تقول "صاحبي" إلا للضرورة؛ وإنما ذلك لأن التقدير: "أنا الرجل الذي قام صاحبه"، و"أنت الرجل الذي قام أخوه"، كما قال طرفة1: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد2 ولم يقل: الذي تعرفونني. وعلى هذا كلام العرب الفصيح. وقد جاء أيضًا الحمل فى مثل هذا على المعنى دون اللفظ، قال3: وأنا الذي قتَّلْت بكرًا بالقنا ... وتركت تغلب غير ذات سنام4 فقال: قتلت، ولم يقل: قتل.   1 طرفة: هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، ويقال أن اسمه عمرو، وسمي طرفة ببيت قاله، وأمه وردة، وقتل وهو ابن عشرين سنة، ولذا يقال له ابن العشرين. 2 الضرب: السريع الحركة لقلة لحمه. القاموس المحيط "1/ 95". خشاش: ذكي ماضٍ في الأمور. القاموس "2/ 272". المتوقد: الماضي السريع التوقد في النشاط والمضار. لسان العرب "3/ 466". وقوله "كرأس الحية" كناية الذكاء والحركة والنشاط. الشاهد فيه قوله "الذي تعرفونه" ولم يقل "الذي تعرفونني". يقول مفتخرًا: أنا الضرب الذي عرفتموه، والعرب تتمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية إل الكسل والثقل، وهما يمنعان من الإسراع في دفع الملمات وكشف المهارات، ويقول أيضًا وأنا دخال في الأمور بخفة وسرعة تشبه سرعة حركة رأس الحية، ويفتخر بيقظته وشدة ذكائه. 3 البيت لمهلهل. انظر/ المقتضب "4/ 132"، وشرح المفصل "4/ 25". 4 القنا: "م" قناة وهو الرمح الأجوف. القاموس المحيط "4/ 380". سنام: كتل من الشحم محدبة على ظهر البعير والناقة، والسنام من كل شيء أعلاه "ج" أسنمة. القاموس المحيط "4/ 133". ويقول المهلهل: إنني قتلت بكرًا وتركت تغلب بعد أن قتلت أكبر وأهم الشخصيات فيها فتركتها بغير سنام، والبيت خبري تقريري. والبيت نسبه صاحب المقتضب إلى المهلهل وهو عدي بن ربيعة. انظر/ المقتضب "4/ 132". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وأنشدني أبو علي: يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا قد أحسن الله وقد أسأتا1 فقال: طلقت، ولم يقل طلق، وله نظائر. قال أبو عثمان في كتاب الألف واللام: ولولا أنا سمعناه من الثقة يرويه؛ لما أجزناه. فهذه أحوال اللام في الذي وبابه. وأما اللات والعزى؛ فذهب أبو الحسن2 إلى أن اللام فيها زائدة. والذي يدل على صحة مذهبه أن اللات والعزى علمان بمنزلة يغوث3، ويعوق4، ونسر5، ومناة6، وغير ذلك من أسماء الأصنام، فهذه كلها أعلام وغير محتاجة في تعريفها إلى اللام، وليست من باب الحارث والعباس من الأوصاف التي نقلت، فجعلت علمًا، وأقرت فيها لام التعريف على ضرب من توهم روائح الصفة فيها، فتحمل على ذلك؛ فوجب أن تكون اللام فيها زائدة، ويؤكد زيادتها فيها أيضًا لزومها إياها كلزوم لام "الآن" و"الذي" وبابه.   1 يقول الشاعر: إنك يا أبجر طلقت زوجتك عام جعت وهذا ليس بالغريب عليك فقد أحسن الله لك وأنت أسأت. وقوله "يا أبجر" أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التوبيخ والتحقير. وقوله "قد أحسن ... " أسلوب توكيد، ويؤكد على إحسان الله له رغم ما فيه من إساءة. الشاهد قوله: "طلقت" ولم يقل "طلق". الأبيات نسبها صاحب الخزانة إلى سالم بن دارة الغطفاني. 2 أبو الحسن: الأخفش، وقد ذكر ذلك فى كتابه معاني القرآن "ص11". 3 يغوث: صنم كان لمذحج، وقيل: لقوم نوح. 4 يعوق: اسم صنم كان لكنانة. 5 نسر: صنم كان لذي الكلاع، وهم قوم يقطنون أرض حمير. 6 مناة: صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فإن قلت: فقد حكى أبو زيد: "لقيته فينة والفينة"، وقالوا للشمس "إلاهة" و"الإلاهة"، وليست "فينة" ولا "إلاهة" بصفتين؛ فيجوز تعريفهما وفيهما اللام كالحارث والعباس. فالجواب: أن "فينة" و"الفينة"1 و"إلاهة" و"الإلاهة" مما اعتقب عليه تعريفان: أحدهما بالألف واللام، والآخر بالوضع والعلمية، ولم نسمعهم يقولون "لات" ولا "عزى" بغير لام؛ فدل لزوم اللام على زيادتها وأن ما هي فيه ليس مما اعتقب عليه تعريفان. وأنشدنا أبو علي2: أما ودماء لا تزال كأنها ... على قنة العزى وبالنسر عندما3 قال أبو علي: "واللام في النسر زائدة" وهو كما قال؛ لأن النسر بمنزلة "عمرو". واعلم أنك لا تجد في كلامهم اسمًا يغلب على واحد من أمته وفيه لام التعريف لازمة له إلا وهو مشتق أو مشتق منه صفة كان أو مصدرًا؛ فالصفة نحو الحارث والعباس والحسن والمظفر. ألا ترى أن أصل هذا أن تقول: "مررت برجل الحارث"، و"نظرت إلى آخر عباس"، و"جاءني الحارث". والمصدر نحو: "الفضل" و"العلاء"؛ وإنما دخلتهما اللام لأنك قدرتهما قبل على قول من قال: "مررت برجل فضل"، و"كلمني رجل علاء"، كما يقول:   1 فينة: الفينة الساعة والحين، ويقال الفينة بعد الفينة. القاموس "4/ 256". 2 أبو علي: أنشده في المسائل الحلبيات. والبيت لعمرو بن عبد الجن كما في اللسان "13/ 6". 3 دماء: نكرة للدلالة على الكثرة. لا تزال: أسلوب نفي غرضه التوكيد. كأنها: أسلوب تشبيه تمثيلي. قنة العزى: أعلاها. النسر: اسم صنم كان لذي الكلاع بأرض حمير. عندما: العندم: البقم وهو شجر يصبغ به. الشاهد فيه: زيادة اللام في نسر لأنه اسم علم والاسم العلم يندر أن تلازمه لام التعريف، ذلك أن نسرًا بمنزلة عمرو وغيره من الأسماء. والبيت ذكره ابن منظور في مادة "أبل" ضمن أبيات نسبها إلى ابن عبد الجن. اللسان "11/ 6". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 ماء غور1، ورجل عدل، ثم صار التقدير: مررت بالرجل الفضل والعلاء، ثم نقلته إلى العلم وفيه اللام، فأقررتها فيه على أنه الشيء بعينه، كما قال الخليل2 في الحارث والعباس. وقد يجوز في "العزى" أن تكون تأنيث الأعز بمنزلة الفضلى من الأفضل، والكبرى من الأكبر، والصغرى من الأصغر؛ فإذا كان ذلك كذلك فاللام في "العزى" ليست بزائدة، بل هي فيها على حد اللام في الحارث والعباس والخليل. والوجه هو القول الأول وأن تكون زائدة؛ لأنا لم نسمع في الصفات العزى كما سمعنا فيها الصغرى والكبرى. فإن قلت: فإنا لم نسمعهم أيضًا قالوا: "رجل علاء"، ولا: "مررت بالرجل العلاء"، وقد أجزت أنت أن تكون بمنزلة "رجل عدل" و"فطر" فإذا أجزت اعتقاد الصفة بالمصدر الذي ليس بصفة على الحقيقة، وإنما هو واقع موقع الصفة الصريحة؛ فأنت باعتقاد "العزى" أن تكون صفة محضة جارية على الموصوف؛ لأنها من أمثلة الصفات نحو الفضلى، والكوسى، والحسنى أجدر. فالجواب أن اعتقاد الوصف في المصادر -وإن لم تجر أوصافًا مستعملة في اللفظ- أجدر من اعتقاد مثال الصفة وصفًا إذا لم يجر به استعمال؛ وذلك أن المصدر ليس في الأصل مما سبيله أن يوصف به؛ وإنما جرى في بعض المواضع وصفًا على أحد أمرين: إما على اعتقاد حذف المضاف، وإما على جعل الموصوف الذي هو جوهر عرضًا للمبالغة، ولولا اعتقاد أحد هذين المعنيين؛ لما جاز وصف الجوهر بالمصدر الذي هو عرض؛ لأن حكم الوصف أن يكون وفق الموصوف، وإذا كان الأمر كذلك؛ فغير منكر أن يعتقد في ترك إجرائهما المصدر وصفًا أنه إنما فعل به ذلك لأنه ليس مما سبيله في الحقيقة أن يوصف به، ولذلك قل الوصف به إل اللفظ، واستنكر؛ فغير خطأ أن يعتقد وصفًا في المعنى وإن لم يخرج الوصف به إلى اللفظ, والصفات الصريحة ليست كذلك لأنها مما حكمه وسبيله أن يستعمل في اللفظ صفة كما يستعمل في المعنى؛ فترك إجرائهم الصفة الصريحة صفة في اللفظ على أنهم قد هجروها صفة في المعنى،   1 ماء غور: أي ماء غائر، والغور: كل منخفض من الأرض، والغور من كل شيء قعره وعمقه. 2 قال الخليل: حكي ذلك عن سيبويه في الكتاب "1/ 267". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 إذ لو كانت مقدرة في المعنى صفة للزوم خروجها على ذلك إلى اللفظ؛ إذ ليس إجراء الصفة في اللفظ صفة مستكرهًا. وأما المصدر فجريانه وصفًا في اللفظ فيه استكراه؛ فغير منكر أن يمتنع منه في اللفظ ويعتقد في المعنى؛ وإنما جاز اعتقاده في المعنى وأن لم يكن الوصف بالمصدر في قوة الوصف بصريح الصفة؛ لأنه وإن كان كذلك؛ فهو على كل حال جائز مستعمل في بعض المواضع، فاعرف ذلك إن شاء الله. ونظير هذا الذي أريتك قول سيبويه1 في عدة إذا سميت به رجلًا أن تقول: عدات، وعدون؛ فتجيز جمعه بالتاء، وبالواو وبالنون، ولا يمنع من ذلك فيه وإن كان قبل التسمية به؛ لم يجمع؛ وإنما جاز فيه الجمع بالتاء، وبالواو والنون بعد التسمية به وإن لم يكن ذلك جائزًا ولا مسموعًا فيه قبل التسمية من قبل أنه كان قبل التسمية مصدرًا، والمصادر يقل الجمع فيها؛ فلما سمي به خرج عن مذهب المصدر إلى الاسمية؛ فلحق بـ "سنة" و"عضة"؛ فجرى عليه ما يجري عليهما من جواز الجمع لأنهما ليسا مصدرين. أفلا ترى إلى سيبويه2 كيف احتج لترك جمعهم عدة وهي مصدر بأن المصادر يضعف جمعها؛ فيقبح في اللفظ، فكذلك أيضًا يضعف في القياس أن تجري المصادر أوصافًا إلا على ضرب من التأول؛ فلما ضعف ذلك فيها القياس؛ قل استعمالهم إياها في اللفظ أوصافًا، وحصل فيه بعض الاستكراه؛ فلذلك لم يسمع عنهم: مررت بالرجل العلاء لضعف جريان المصادر أوصافًا في القياس، فمن هنا جفا ذلك في اللفظ وإن كان قد يجوز تخيله على ضرب من التوسع في المعنى. فأما العزى فمن امثلة الأوصاف بمنزلة الصغرى والكبرى؛ فلو اعتقدوا الوصف بها لما منع من خروجها إلى اللفظ صفة مانع؛ فمن هنا ضعف أن تكون "العزى" صفة وتأنيث الأعز، وذا لم تكن صفة فاللام فيها زائدة كما قال أبو الحسن.   1 ذكر ذلك سيبويه في الكتاب "2/ 99". 2 قال في الكتاب "2/ 99": "وأما عدة فلا تجمعه إلا عدات؛ لأنه ليس شيء مثل "عدة" كصر للجمع؛ ولكنك إن شئت قلت: "عدون" إن صارت اسمًا كما قلت: "لدون". وقال: في "2/ 200" "واعلم أنه ليس كل جمع يجمع كما أنه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب، ألا ترى أنك لاتجمع الفكر والعلم والنظر". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فهذا ما اقتصاه الوارد إلى عنهم في باب "العزى" إذ كنت لم أسمعها وصفًا؛ فإن وجدتها قد استعملت وصفًا في شعر قديم، أو حكاها بعض الثقات في كتابه أنها صفة، وأنها تأنيث الأعز بمنزلة الفضلى من الأفضل، والكبرى من الأكبر، والصغرى من الأصغر؛ فاللام فيها بمنزلة اللام في "العباس" و"الخليل" ونحو ذلك، وليست بزائدة على ما ذكر أبو الحسن، على أنه رحمه الله كان من سعة الرواية بحيث لا ينستر1 عليه حال هذه اللفظة، ولو علم أنها قد استعملت صفة لما قطع بزيادة اللام، ولما ألحقتها بـ "اللات". فأما "اللات"؛ فلا إشكال2 مع ما قدمناه من كونها غير صفة أن اللام فيها زائدة، وكذلك اللام فيها أيضًا في قراءة من قرأ: "أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ" [النجم: 19] 3، بكسر التاء؛ لأنها أيضًا ليست بصفة. فأما اللام في الاثنين من قولك: "اليوم الاثنان"؛ فليست بزائدة وإن لم يكن الاثنان صفة. قال أبو العباس: وإنما جاز دخول اللام عليه لأن فيه تقدير الوصف، ألا ترى أن معناه "اليوم الثاني"، وكذلك أيضًا اللام في الأحد، والثلاثاء، والأربعاء ونحوها، لأن تقديرها: الواحد، والثالث، والرابع، والخامس، والجامع، والسابت. والسِّبْت: القطع. وقيل: إنه سمي بذلك لأن الله جل وعز خلق السموات والأرض في ستة أيان أولها الأحد، وآخرها الجمعة، فأصبحت يوم السبت منسبتة، أي: قد تمت وانقطع العمل فيها. وقيل: سمي بذلك لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن تصرفهم؛ ففي كلا القولين معنى الصفة موجود فيه.   1 لا ينستر: أسلوب نفي يدل على سعة علم أبي الحسن رحمه الله. 2 إشكال: الأمر يوجد التباسًا في الفهم. القاموس المحيط "3/ 389". 3 قال الأخفش في معاني القرآن "ص11": وسمعنا من العرب من يقول: "أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزَّى" ويقول: هي اللاتِ؛ فاعلم. قال ذلك فجعلها تاء في السكوت، و: "هي اللات فاعلم، جر في موضع الرفع والنصب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فأما ما أنشدناه أبو علي عن أبي عثمان1: حتى إذا كانا هما الذين ... مثل الجديلين المحملجين2 فإنه إنما يشبه الذي بـ "من" و"ما" فحذف صلتها، ووصفها كما يفعل ذلك بـ "من" و"ما" ويجيء هذا في قول البغداديين على أنه وصلها بـ "مثل" لأنهم يجرونها مجرى الظرف. ومن زيادة اللام ما أخبرني به أبو علي3 أن أبا الحسن حكى عنهم: الخمسة العشر درهمًا؛ فاللام في العشر لا تخلو من أن تكون للتعريف، أو زائدة؛ فلا يجوز أن تكون للتعريف لأن "خمسة عشر" اسمان في الأصل جعلا كالاسم الواحد، وقد تعرف الاسم من أوله باللام في الخمسة، ومحال أن يتعرف الاسم من جهتين وبلامين؛ فثبت أن اللام في العشر زيادة. إلا أنها ليست لازمة لزومها في "الآن" و"الذي" ونحو ذلك. ومن ذلك ما أخبرني به أبو علي4، قال: أخبرني أبو بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان، قال سألت الأصمعي عن قول الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلًا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر5 لِمَ أدخل اللام في الأوبر؟   1 البيت وجدناه في شرح المفصل دون أن ينسبه. انظر/ شرح المفصل "3/ 153". 2 الجديل: الزمام. لسان العرب "11/ 103". المحملج: المحكم الفتل. اللسان "2/ 240". يقول الشاعر حتى إذا كان مثل الزمام المحكم الفتل. والشاهد فيه: تشبيه "الذي" بـ "من" و"ما" في حذف صلتها. رغم أنه وصلها بمثل. 3 ذكر ذلك صاحب المقتضب "2/ 173". 4 ذكر ذلك أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان. 5 جنيتك: أي جنيت لك. أكمؤًا: جمع "كمء" بزنة "فلس"، وتجمع الكمء على كمأة أيضًا؛ فيكون المفرد خاليًا من التاء وهي في جمعه على عكس تمرة وتمر، وهذا من نوادر اللغة. عساقلًا: جمع عسقول بزنة عصفور وهو ضرب من الكمأة أبيض اللون "ج" عساقل، وعساقيل. بنات الأوبر: حيوان من ذوات الحوافر في حجم الأرنب، قصير الذنب، يحرك فكه السفلي كأنه يجتر، ويكثر فى لبنان. وقال أبو حنيفة الدينوري: بنات أوبر: كمأة صغيرة كأمثال الحصي وهي رديئة الطعم. انظر/ شرح ابن عقيل "1/ 181". الشاهد في البيت زيادة الألف واللام في العلم اضطرارًا، في قوله "بنات الأوبر" ذلك أن العلم لا تدخله "ال" فرارًا من اجتماع معرفين وهما العلمية و"ال". إعراب الشاهد: بنات: اسم مجرور بحرف الجر عن وهو مضاف. الأوبر: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 فقال: أدخله زيادة للضرورة كقول الآخر1: باعد أم العمرو من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها2 وجائز أيضًا أن يكون أوبر نكرة؛ فعرفه باللام كما حكى سيبويه أن "عرسًا" من "ابن عرس" قد نكره بعضهم؛ فقال هذا ابن عرس مقبل3، ولو قال مقبلًا ما صحت هذه المسألة. وأنشدنا أبو علي، عن أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي ... مكان من أنشى على الركائب4 يريد: أم عمرو وقال الآخر:   1 أي الذي قال البيت وقد نسبه صاحب شرح المفصل إلى أبي النجم العجلي. 2 البيت كما ذكرنا نسبه صاحب شرح المفصل إلى أبي النجم العجلي. الشاهد في البيت: دخول لام التعريف على عمرو وهي زيادة للضرورة. 3 ذكر ذلك سيبويه في الكتاب. 4 البيت ذكره صاحب المنصف دون أن ينسبه، وذكره صاحب اللسان في مادة "ربع" دون أن ينسبه أيضًا. لسان العرب "8/ 102". أنشى: أي أشم من انتشى الرائحة أو الريح أي شمها. الركاب: الإبل المركوبة أو الحاملة شيئًا، أو التي يراد الحمل عليها. الشاهد في البيت: إضافة لام التعريف إلى العلم، وهو من الضرورة في قوله "أم العمرو" ويقصد أم عمرو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 يقول المجتلون عروس تيم ... شوى أم الحبين ورأس فيل1 يريد: أم حبين، وهي معرفة، واللام فيها زائدة. فأما قولهم في المنية شعوب بغير لام، والشعوب بلام؛ فقد يمكن أن يكون صفة في الأصل؛ لأنه من أمثلة الصفات بمنزلة قتول وصبور وضروب، وإذا كان كذلك؛ فاللام فيها بمنزلتها في العباس والشمردل2 والحسن والحارث. ويؤكد هذا عندك أنهم قالوا في اشتقاقها: إنها سميت شعوب لأنها تشعب أي تفرق، وهذا المعنى يؤكد مذهب الوصفية فيها، وهذا أقوى في نفسي من أن تجعل اللام زائدة، ومن قال شعوب بلا لام؛ فقد خلصت عنده اسمًا صريحًا، وعراها في اللفظ من مذهب الصفة؛ فلذلك لم يلحقها اللام كما فعل ذلك من قال عباس وسعيد وحارث وحسن إلا أن روائح الصفة فيه على كل حال وإن لم تكن فيه لام. ألا ترى أن أبا علي حكى عن أبي زيد3 أنهم يسمون الخبر جابر بن جبة، وإنما سموه بذلك لأنه يجبر الجائع، فقد ترى معنى الصفة فيه وإن لم تدخله اللام. ومن ذلك أيضًا قولهم واسط، قال سيبويه4: "سموه واسطًا لأنه وسط ما بين العراق وبصرة"؛ فمعنى الصفة فيه قائم وإن لم يكن في لفظه لام. واعلم أن لام المعرفة قد أدخلت في بعض المواضع على الفعل المضارع لمضارعة اللام لـ "الذي". قرأت على أبي في نوادر أبي زيد5:   1 شوى: أطراف الجسم. لسان العرب "14/ 447". المجتلون: الذين يجلون العروس، اجتليت العروس: نظرت إليها مجلوة. أم حبين: دويبة عريضة الصدر عظيمة البطن، وقيل هي أنثى الحرباء. الشاهد فيه زيادة اللام في حبين فأصبحت أم حبين. والبيت ذكره صاحب اللسان في مادة "ح ب ن" ونسبه إلى جرير مع تغير "الشوى" إلى "السوى". 2 الشمردل: القوي السريع الفتى الحسن الخلق. 3 هو رأي أبي زيد ذكره في النوادر. انظر/ النوادر. انظر/ النوادر "ص602-603". 4 قال ذلك في الكتاب "2/ 23". 5 نسب البيت في نوادر جحا أبي زيد إلى ذي الخرق الطهوي "ص27". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فيستخرج اليربوع من نافقائه ... ومن بيته ذي الشيحة اليتقصع1 أي: الذي يتقصع فيه. يقول الخنا وأبغض العجم ناطقًا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع2 أي: الذي يجدع. وحكى الفراء أن رجلًا أقبل، فقال آخر: ها هو ذا، فقال السامع: نعم الها هو ذا، فأدخل اللام على الجملة المركبة من المبتدأ والخبر؛ تشبيهًا لها بالجملة المركبة من الفعل والفعال. فهذه أحكام لام التعريف، وما علمت أحدًا من أصحابنا رحمهم الله وصل من كشف أسرارها إلى هذه المواضع التي شرحتها وأوضحتها، نسأل الله عز وجل المعونة، ونستمده التوفيق. وأما لام الابتداء فمن خواص الأسماء3، وهي مفتوحة مع المظهر والمضمر، تقول: لزيد أفضل من عمرو، ولأنت أكرم من محمد، ورأيت بعض متأخري البغداديين وقد صنف كتابا اللامات، ثم قسمها فيها كذا وكذا قسمًا؛ فقال   1 البيت نسبه صاحب النوادر إلى ذي الخرق الطهوي. اليربوع: حيوان من الفصيلة اليربوعية صغير على هيئة الجرذ الصغير وله ذنب طويل ينتهي من الشعر. وهو قصير اليدين طويل. نافقائه: قال الأعرابي: قصعة اليربوع أن يحفر حفيرة ثم يسد بابها بترابها ويسمى ذلك التراب الداماء، ثم يحفر حفرًا آخر يقال له النافقاء والنفقة والنفق فلا ينفذها؛ ولكنه يحفرها حتى ترق فإذا أخذ عليه بقصعائه عدا إلى النافقاء؛ فضربها برأسه ومرق منها، وتراب النفقة يقال له: الراهطاء. لسان العرب "10/ 358/ 359". مادة/ نفق. الشيحة: نبات سهلي يتخذ من بعضه المكانس, وهو نبات من الفصيلة المركبة رائحته طيبة قوية "ج" شيحان. لسان العرب "2/ 502". الشاهد في البيت: دخول لام المعرفة على المضارع لمضارع اللام لـ "الذي" في قوله اليتقصع، وهي "ال + يتقصع"، فمنزلة لام التعريف في دخولها على الفعل بمنزلة "الذي". 2 الخنا: الفحش من الكلام. لسان العرب "14/ 244". العجم: جمع أعجم وعجماء، وهو الحيوان الذي لاينطق. لسان العرب "12/ 3980". وحمار مجدع: مقطوع الأذنين. لسان العرب "8/ 41". 3 أي مما يميزها وتختص به دون غيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 في بعض تلك الأقسام: ومنها لام التفضيل كقوله تعالى ذكره: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف: 8] 1، وقد كان هذا الرجل في غناء عن هذه السمة لهذه اللام؛ لأنها لام الابتداء كيف شاءت فلتقع من تفضيل أو نقص أو مدح أو ذم أو تقريب أو تبعيد أو تكبير أو تصغير ونحو ذلك من وجوه الكلام، وإذا كان هذا الرجل قد وسم لام قوله تعالى: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} 2 بلام التفضيل؛ فقد كان من الواجب عليه على ما عقده على نفسه أن يسمي اللام في قول قيس بن الخطيم3: ظأرناكم بالبيض حتى لأنتم ... أذل من السقبان بين الحلائب4 بلام النقص والتحقير لأنها موجودة في أول الجملة المستفاد من أحد جزأيها معنى النقص والتحقير كما وسمهما في آية يوسف عليه السلام بلام التفضيل. وأن يسمي اللام في قوله عَزَّ اسْمُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 243] 5 بلام التطول والإنعام، لأنها قد وجدت في جملة مستفاد من أحد جزأيها معنى الإنعام.   1 الشاهد فيه اللام في قولة تعالى: "ل + يوسف" فهي لام تفضيل، وهو ما يتعارض مع رأي ابن جني. 2 سبق شرح الشاهد فيها. 3 عثرنا على البيت في ديوانه "ص46". 4 ظأرناكم: ظأرني على الأمر: راودني. لسان العرب "4/ 516" مادة/ ظأر. البيض: "م" أبيض وهو النقي العرض من الدنس والعيوب. القاموس "2/ 325". السقبان: "م" سقب وهو ولد الناقة، وقيل الذكر من ولد الناقة. القاموس "1/ 82". الحلائب: "م" الحلوب وهي ذات اللبن. القاموس المحيط "1/ 57". البيت كما ذكرنا من ديوان قيس بن الخطيم. الشاهد في البيت: الاختلاف حول اللام في قوله "لأنتم" حيث يرى ابن جني أنه لو اتبع فيها تقسيم الزجاجي وهو أحد النحاة البغدادين في كتابه "اللامات" لأصبحت اللام هنا لام النقص والتحقير في قوله "لأنتم". 5 أسلوب إنشائي في صورة توكيد. الشاهد فيه العلة في عدم اعتبار اللام لام التطول والإنعام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وهذا أوسع من أن يحصى، ولم تكن به حاجة إلى هذا التشعب الذي يقوده إلى هذا الإلزام. وفي هذا الكتاب الذي ذكرته لهذا الرجل أشياء من هذا النحو تركت إيرادها لوضوح أمرها، ولأن كتابنا هذا ليس مشروطًا فيه إصلاح أغفال1 كتاب أحد؛ وإنما ربما اعترض الكلام شيء، فذكرناه لاتصاله بما يكون فيه. واعلم أن لام الابتداء موضعها من الكلام الاسم المبتدأ نحو: "لزيد كريم"، و"لمحمد عاقل"، و"لأنت أشجع من أسامة"، ولاتدخل هذه اللام في الخبر إلا على أحد وجهين كلاهما ضرورة؛ إلا أن إحدى الضرورتين مقيس عليها، والأخرى مرجوع إلى السماع فيها: الأولى: أن تدخل هذه اللام على الجملة التي في أولها إن المثقلة المحققة؛ فيلزم تأخير اللام إلى الخبر، وذلك قولك: "إن زيدًا لمنطلق، فأصل هذا: إن زيدًا منطلق، ثم جاءت اللام؛ فصار التقدير: "لإن زيدًا منطلق؛ فلما اجتمع حرفان لمعنى واحد، وهو التحقيق والتوكيد، كره اجتماعهما، فأخرت اللام إلى الخبر، فصار الكلام: "إن زيدًا لمنطلق". واعلم أن هذا الشرح قد اشتمل على ثلاثة أشياء ينبغي أن يسأل عنها، وهي: أن اللام في المرتبة قبل إن، وتقدير الكلام: "لإن زيدًا منطلق"، وأنه ليس المرتبة أن تكون اللام بعد إن نحو "إن لزيدًا منطلق". والثاني: لِمَ لما اجتمع حرفان للتوكيد؛ فصل بينهما، وهلا كان اجتماعهما أبلغ وأوكد؟ والثالث: لِمَ لما وجب الفصل بينهما أخرت اللام إلى الخبر دون إن؟ فالذي يدل على أن اللام في المرتبة قبل "إن" ثلاثة أشياء: الأول: أن العرب قد نطقت بهذا نطقًا، وذلك مع إبدال الهمزة هاء في نحو قولهم: "لهنك قائم"؛ إنما أصلها: "لإنك قائم"، ولكنهم أبدلوا الهمزة هاء كما أبدلت هاء في نحو: "هياك" و"هرقت الماء"؛ فلما زال لفظ الهمزة، وحلت مكانها الهاء؛ صارت ذلك مسهلًا للجمع بينهما إذ حلت الهاء محل الهمزة؛ فزال لفظ إن،   1 أي تركه وسها عنه. مادة "غ ف ل". لسان العرب "11/ 497". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 فصارت كأنها حرف آخر، قرأت على أبي بكر بن الحسن، أو قرئ عليه وأنا حاضر عن أحمد بن يحيى، وحدثنا به عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد محمد بن سلمة1: ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق علي كريم2 فهذا أقوى دليل على أن مرتبة اللام قبل "إن"، وبه رأيت شيخنا أبا علي يستدل3. والدليل الثاني: أن "إن" وما عملت فيه جميعًا في موضع اسم مرفوع بالابتداء بدلالة قوله عز وجل: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 2] 4، وعلى هذا قالوا5: ................ ... فإني وقيار بها لغريب6   1 ذكر ابن منظور البيت في مادة "لهن" دون أن ينسبه؛ بينما نسبه صاحب الخزانة إلى أحد غلمان بني كلاب. لسان العرب "13/ 393". 2 سنا: ضوء. القاموس "4/ 344". قلل: "ج" قلة وهي القمة. القاموس "4/ 40. وقوله: "يا سنا .... " أسلوب نداء غرضة المدح. والشاهد في البيت إبدال الهمزة هاء في قوله "لهنك"، والبيت سبق التعليق على قائله. 3 استدل على ذلك باستخدام المسائل العسكريات. 4 أسلوب توكيد يدل على براءة الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من المشتركين. الشاهد أن "إن" وما عملت فيه في موضع اسم مرفوع بالابتداء في قوله "إن الله..". 5 البيت نسبه صاحب الكتاب إلى ضابئ بن الحارث البرجمي. 6 نسب صاحب اللسان البيت إلى ضابئ البرجمي في مادة "قير". لسان العرب "5/ 125". وصدر البيت كما في اللسان: فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيارًا بها لغريب فإني: أي يقصد نفسه. قيار: اسم فرس أو جمل. الرحل: أي المنزل. ويقال أن الشاعر قال هذا البيت ضمن مجموعة أبيات في المدينة في زمن عثمان بن عفان، وكان قد حبس بالمدينة؛ لأنه تطاول على قوم من بني جدول بن نهشل وسبهم وهجاهم؛ فحبس لذلك؛ فأضحى غريبًا هو وفرسه في المدينة. والشاهد فيه أن "إن" وما عملت فيه محل اسم مرفوع بالابتداء في قوله "فإني وقيارًا..". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وإذا كانت "إن" وما نصبته في تقدير اسم مرفوع؛ وجب أن تكون اللام داخلة عليهما كليهما؛ لأنهما في موضع اسم مبتدأ كما تدخل على الاسم المبتدأ، وهذا أيضًا واضح. والدليل الثاني: أن "إن" عاملة للنصب، وهي تقتضي الأسماء لتنصبها؛ فلا يجوز أن تكون مرتبة اللام بعدها وأن يكون التقدير: "إن لزيدًا قائم"؛ لأن "إن" لا تلي الحروف؛ لا سيما إذا كان ذلك الحرف مما يحصن الاسم من العوامل ويصرفه إلى الابتداء. فإن قيل: فقد ثبت أن اللام كان سبيلها أن تكون فى أول الكلام، وصح بما قدمته؛ فهلا جمع بينها وبين "إن" فكان ذلك يكون أوكد، ولِمَ فصل بينهما؟ فالجواب أنه ليس في الكلام حرفان لمعنى واحد مجتمعان، والعلة في ذلك أن الغرض في هذه الحروف الدوال على المعاني؛ إنما هو التخفيف والاختصار، ألا ترى أن "هل" تنوب عن أستفهم و"ما" تنوب عن أنفي. وقد تقدم نحو هذا في أول هذا الكتاب؛ فإذا كان الغرض فيها إنما هو الاختصار والاستغناء بالقليل عن الكثير؛ فلا وجه للجمع بين حرفين لمعنى واحد، إذ في الواحد كفاية في الآخر وغناء عنه، ولو جمع معه لانتقض الغرض بتكريره والإكثار بإعادته؛ فإذا تباعد عنه؛ لم يجتمع في اللفظ معه استجيز اجتماعهما في الجملة الواحدة؛ كما جاز الجمع بين حرف النداء والإضافة لتباعدهما في نحو يا عبد الله وما أشبهه. فإن قيل: فإذا كان كذلك فلم أخرت اللام إلى الخبر، وأقرت إن في أول الكلام، وهلا عمس الأمر في ذلك؟ فالجواب: أنه إنما أخرت اللام إلى الخبر، وجعلت إن مع المبتدأ من قبل أن "إن" عاملة، والمبتدأ لا يكون إلا اسمًا؛ فقد يجوز أن يكون جمل وظرفًا؛ فلما لم يلزم أن يكون الخبر اسمًا مفردًا، وجاز أن يكون مبتدأ وخبرًا، وفعلًا وفاعلًا، وظرفًا؛ جعلت اللام التي هي غير عاملة في ما قد لا يكون مفردًا، وجعلت "إن" العاملة تلي الاسم الذي سبيله أن يكون مفردًا؛ فالضرورة التي أخرت لها اللام إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الخبر، وموضعها في الأصل المبتدأ، هو ما ذكرناه من دخول إن في الكلام وكراهيتهم اجتماعها مع اللام؛ فاعرف ذلك إن شاء الله. واعلم أنه إذا ثبت أن اللام داخلة على خبر "إن"، وكان خبر "إن" هو خبر المبتدأ في الأصل، وكان خبر المبتدأ على المعروف المتعالم من حالة اسمًا مفردًا، وجملة مركبة من مبتدأ وخبر، وجملة مركبة من فعل وفاعل، وظرفًا؛ فسبيل هذه اللام أن تدخل كل ضرب من هذه الأخبار، تقول: "إن زيدًا لقائم"، و"إن زيدًا لأبوه منطلق"، و"إن زيدًا ليقوم أخوه"، و"إن زيدًا لفي الدار"؛ فإن كان الخبر فعلًا ماضيًا؛ لم تدخل اللام عليه؛ لأنه ليس بمضارع للاسم كما ضارعه الفعل المضارع، فلا تقول إذًا: "إن زيدًا لقام"، ولا: "إن بكرًا لقعد"، ولاتدخل هذه اللام على فعل ولا على غيره من أمثلة الفعل المضارع للاسم. فأما قول امرئ القيس1: حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صالي2 فليست هذه اللام بلام الابتداء؛ وإنما هي اللام التي يتلقى بها القسم نحو: والله لقام زيد، أي: لقد قام زيد وسنذكرها في موضعها3 إن شاء. فإن كانت لخبر إن فضله تتعلق به فى ظرف أو مفعول أو مصدر أو حرف جر، فتقدمت تلك الفضلة في اللفظ على الخبر؛ جاز دخول اللام عليها قبل الخبر، ثم يأتي الخبر في ما بعد، وذلك قولك: "إن زيدًا لفى الدار لقائم"، و"إن بكرًا لطعامك آكل"، و"إن محمدًا لقيامًا حسنًا قائم"، و"إن أخاك لبك مأخوذ"، و"إن الأمير لعليك واجد".   1 البيت مثبت في ديوانه 2 الفاجر: أراد الذي يكذب. صالي: أي الذي يصطلي بالنار. القاموس المحيط "4/ 352-353". والأسلوب خبري تقريري. والبيت كما ذكرنا لامرئ القيس وثبت ذلك في ديوانه3. والشاهد فيه وقوله "لناموا" حيث أن اللام ليست لام الابتداء؛ وإنما اللام التي يتلقى بها القسم. 3 أي سيأتي ذكرها بعد ذلك في موضعها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 قال أبو زبيد1: إن امرءًا خصني عمدًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور2 أي: لغير مكفور عندي، وربما كررت اللام في الخبر إذا تقدمت فضلته عليه فقالوا: "إن زيدًا لبك لمأخوذ"، و"إن محمدًا لفيك راغب". وحكى قطرب عن يونس: إن زيدًا لبك واثق. فإن تأخرت الفضلة؛ دخل اللام في الخبر الذي قبلها، ولم تدخل فيها، وذلك قولك: "إن زيدًا لقائم عندك"، ولا يجوز: "إن زيدًا قائم لعندك". والفرق بين: إن زيدًا لعندك قائم، و"إن زيدا قائم لعندك" في جواز المسألة الأولى وفساد الثانية: أنك إذا تقدمت الفضلة على الخبر، وأدخلت اللام عليها؛ فإنما قصدك بها الخبر دون فضلته، وجاز دخول اللام على الفضلة التي قبل الخبر لأن موضع الخبر أن يكون قبل فضلته عقيب الاسم؛ فلما تقدمت الفضلة، فوقعت موقع الخبر دخلتها اللام كما تدخل الخبر؛ فأما إذا تأخرت الفضلة وتقدم الخبر؛ فقد وقع الخبر موقعه، فدخلت اللام عليه لأنه أحق بها. فإن قيل: ولِمَ دخلت اللام على خبر "إن" المكسورة دون سائر أخواتها؟ فالجواب: أنها إنما اختصت بخبر المكسورة من قبل "أن" كل واحدة من اللام ومن "إن" يجاب بها للقسم، وذلك قولك: "والله إن زيدًا قائم"، "والله لزيد قائم"؛ فلما اشتركنا في هذا الوجه، وكانت كل واحدة منهما حرف توكيد أدخلت اللام على خبر "إن" للمبالغة في التوكيد، وفرق بينهما لما ذكرنا من كراهتهم اجتماع حرفين لمعنى واحد، ولما لم يكن في أخوات إن شيء يجاب به القسم كما يجاب بها؛ لم تدخل اللام خبره كما دخلت خبرها.   1 البيت نسبه إليه صاحب الكتاب "1/ 281". 2 خصني: أي أعطاني شيئًا كثيرًا. عمدًا: أي قصدًا. مودته: محبته. التنائي: نأى: أي بعد والتنائي البعد. الأسلوب إنشائي في صورة توكيد. والشاهد فيه قوله "لعندي" حيث دخلت اللام على الفضلة المتعلقة بخبر "إن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 واعلم أن هذه اللام لا تدخل على اسم "إن" كما ذكرنا؛ إلا أن يفصل بينها وبينه فتباعد منه، وذلك نحو قوله عَزَّ اسْمُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [البقرة: 248] 1، و {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} [الأنعام: 99] 2، {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا} 3 [الأنبياء: 106] . فهذا دخول اللام على خبر "إن" وذكر الضرورة التي دعت إلى تأخرها، ولست أعني بهذه الضرورة أنها جارية مجرى ضرورة الشعر؛ كيف ذلك والقرآن وفصيح الكلام قد جاء بذلك، ولكن هذا يجري مجرى الضرورة التي دعت إلى إعلال فاء "يعد" و"يزن"، وعين "باع" و"قام"، ولام "غزا" و"رمى"، وغير ذلك من العلل التي تلحق فتؤثر، وهي مع ذلك مطردة في الاستعمال متقبلة في القياس. وإذا كانت "إن" مشددة فأنت في إدخال اللام في الخبر وتركها مخير، تقول: "إن زيدًا قائم"، و"إن زيدًا لقائم"؛ فإن خففت "إن"؛ لزمت اللام، وذلك قولك: "إنْ زيد لقائم"، و {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] 4 فعلوا ذلك لئلا تلتبس "إن" المؤكدة بـ "إن" النافية في قوله عز وجل: {إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] 5 فهذه بمعنى ما.   1 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أسلوب توكيد. آية: علامة، وأمارة وعبرة. والشاهد فيه دخول اللام على اسم "إن" بعد أن فصل بينها وبين اسمها بفاصل. 2 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} أسلوب إنشائي في صورة توكيد. الشاهد في الآية دخول اللام أيضًا على اسم "إن" بعد أن تباعد بينها وبين اسمها. 3 بلاغًا: ما يتوصل به إلى الغاية، والبلاغ: بيان يذاع في رسالة ونحوها. والأسلوب الإنشائي في صورة توكيد غرضه إعطاء الكلام قوة وتأثيرًا في النفس. والشاهد في الآية أيضًا دخول اللام على اسم إن بعد أن فصل بينها وبين اسمها. 4 قرأها ابن كثير وغيره "لَمَا" خفيفة، وقرأ عاصم وغيره "لَمَّا" مشددة. والشاهد فيها وجوب إدخال اللام على الخبر. 5 غرور: غفلة، والغرور كل ما غر الإنسان من مال أو جاه أو نحوه. والأسلوب إنشائي في صورة توكيد. الشاهد فيها أن "إن" جاءت نافية بمعنى ما؛ ولذلك لا يجوز إدخال اللام على خبرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وأما قول أبي حزام العكلي1: وأعلم أن تسليمًا وتركًا ... للا متشابهان ولا سواء2 فإنما أدخل اللام وهي للإيجاب على "لا" وهي للنفي من قبل أنه شبهها بغير، فكأنه قال: "لغير متشابهين"، كما شبه الآخر "ما" التي للنفي ب "ما" التي في معنى الذي، فقال3: لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... وكيف ومن عطائك جل مالي4 ولم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على "ما" النافية لولا ما ذكرت لك من الشبه اللفظي، كما قال الآخر: ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرًا لا يزال يزيد5 فزاد "إن" مع "ما"، وليست للنفي؛ فاعرفه إن شاء الله. وأما الضرورة التي تدخل لها اللام في خبر غير "إن"؛ فمن ضرورات الشعر، ولا يقاس عليها، قرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب6:   1 البيت نسبه إليه صاحب الخزانة. 2 الشاهد فيه أنه أدخل اللام التي للإيجاب على أداة النفي "لا"، والبيت كما ذكرنا نسبه صاحب الخزانة إلى أبي حزام العكلي. 3 يعني النابغة الذبياني، والبيت عثرنا عليه في ديوانه "ص205". 4 أغفلت: غفل عنها من قلة التيقظ والتحفظ. فاصطنعني: أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه الالتماس. وكيف: استفهام استنكاري. جل: الجل من كل شيء معظمه "ج" جلال وأجلال. القاموس المحيط "3/ 349". البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمتدح فيها النعمان بن المنذر. الشاهد دخول اللام الموجبة على "ما" النافية. 5 الشاهد فيه اقتران "ما" بـ "إن" وهي هنا ليست للنفي وإنما زائدة. والبيت نسبه صاحب الكتاب إلى المعلوط بدل الفريعي وذكره صاحب اللسان في مادة "أن" دون أن ينسبه إلى قائلة. لسان العرب "13/ 35". 6 ذكر العيني أن قائله رؤية، ونسبه الصغاني في العباب إلى عنترة بن عروس وهو الصحيح. العيني "1/ 535" والبيتان في ملحقات ديوان رؤبة "ص170". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من الشاة بعظم الرقبه1 والوجه أن يقال: "لأم الحليس عجوز شهربه"، كما تقول: "لزيد قائم"، ولا تقول: "زيد لقائم". وقال الآخر2: خالي لأنت، ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا3 فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون أراد: لخالي أنت؛ فأخر اللام إلى الخبر ضرورة. والآخر: أن يكون أراد: لأنت خالي، فقدم الخبر على المبتدأ وإن كانت فيه اللام ضرورة. وأخبرني أبو علي أن أبا الحسن حكى "إن زيدًا وجهه لحسن" فهذه أيضًا ضرورة.   1 ذكرنا أن البيت ذكره صاحب اللسان "1/ 510" دون أن ينسبه، وفيه جماعة ومنهم الضاغاني، إلى عنترة بن عروس مولى بني ثقيف، ونسبه آخرون إلى رؤبة بن العجاج، والأول أكثر وأشهر ورواه الجوهري. الحليس: تصغير حلس، وهو كساء رقيق يوضع تحت البرذعة. القاموس "2/ 207". وأم الحليس: كنية الأتان في الأصل. وأطلقها الراجز على امرأة تشبيهًا لها بالأتان. شهربه: الطاعنة في السن. القاموس المحيط "1/ 90". ترضى من اللحم: من هنا بمعنى بدل أي ترضى بدل اللحم، وإذا قدر مضافًا يجر بالباء؛ فنقول: ترضى من اللحم بلحم عظم الرقبة، وكانت "من" دالة على التبعيض. الشاهد في البيت قوله "العجوز" حيث زادت اللام في خبر المبتدأ وليس خبر "إن" أو اسمها. والزيادة هي أحد تخريجات هذا البيت. إعراب الشاهد: لعجوز: اللام: مبنية زائدة. وعجوز: خبر المبتدأ مرفوع. 2 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "شهرب". "1/ 510". 3 ينل: نال الشيء أي: أدركه وبلغه. العلاء: الرفعة والشرف. والبيت خبري تقريري غرضه المدح والتعظيم. الشاهد فيه: دخول اللام على المبتدأ المؤخر "لأنت" وهو أحد تخريجات هذا البيت، والبيت لم نقف على قائله، ولم ينسبه في شرح ابن عقيل "ص237". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وربما أخلوها في خبر "أن" المفتوحة، أخبرنا علي بن محمد يرفعه بإسناده إلى قطرب1: ألم تكن حلفت بالله العلي ... أن مطاياك لمن خير المطي2 والوجه الصحيح هنا كسر "إن" لتزول الضرورة، إلا أنا سمعناها مفتوحة الهمزة. وقد أدخلت في خبر أمسى، قرأت على أبى بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى، وأنشدناه أبو علي3: مروا عجالًا وقالوا: كيف صاحبكم؟ ... قال الذي سألوا: أمسى لمجهودا4 وروينا عن قطرب بإسناده أن بعضهم قال: "فإذا أني لبه"، قال: وسمعنا بعض العرب يقول: "أراك لشاتمي"، و"إنى رأيته لسمحًا"، قال: وقال يونس: زيد -والله- لواثق بك. وقال كثير: ومازلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكل سبيل5 وهذا كله شاذ.   1 قطرب: هو محمد بن المستنير بن أحمد، نحوي عالم باللغة والأدب. 2 مطاياك: المطا: الظهر "ج" أمطاء، والمطية من الدواب ما يمتطى، "ج" مطايا، ومطي. والبيت أسلوبه خبري غرضه التهكم والسخرية. الشاهد فيه دخول اللام على خبر "أن" المفتوحة، والأصح أن تكسر همزة "إن" لتزول الضرورة، والبيت نسبه إلى صاحب الخصائص إلى قطرب في استشهاده برأيه. 3 قال البغدادي في الخزانة: "وهذا البيت شائع في كتب النحو ذكره أبو علي في غالب كتبه، وابن جنى كذلك، وكلهم يرويه عن ثعلب، وثعلب أنشده غير معزو". 4 كيف صاحبكم: أسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التشويق والإثارة. والشاهد في البيت دخول اللام على خبر أمس. والبيت ذكر العيني أنه من شواهد الكتاب؛ ولكن لم نجده بين دفتي الكتاب، وذكره ثعلب في أماليه، وأنشده أيضًا أبو علي الفارسي ولكن معظمهم لم ينسبه إلى قائل بعينه حتى أن بعضهم لم ينسبه إلى أحد. 5 الهائم: يقال هام فلان أي خرج على وجهه في الأرض لا يدرى أين يتوجه "ج" هيام، هيم. المقصى: البعيد. القاموس "4/ 378". السبيل: الطريق "ج" أسبلة. وأسلوب البيت خبري غرضه الاسترحام. والبيت ينسب إلى كثير وعثرنا عليه في ديوانه "ص115". والشاهد فيه قوله "لكالهائم" حيث دخلت اللام على أداة التشبية "الكاف". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ومثله1: ............................ ... ولكنني من حبها لكميد2 وأخبرنا أبو علي أن أبا إسحاق ذهب في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] 3 إلى أن "إن" بمعنى نعم، وهذان مرفوع بالابتداء، وأن اللام في "لساحران" داخلة في موضعها على غير ضرورة، وأن تقديره: "نعم هذان لهما ساحران". وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: هذا الذي عندي فيه، والله أعلم، وكنت عرضته4 على عالمنا محمد بن يزيد، وعلى إسماعيل بن إسحاق؛ فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعاه. واعلم أن هذا الذي رواه أبو إسحاق في هذه المسألة مدخول غير صحيح، وأنا أذكره لتقف منه على ما في قوله. ووجه الخطأ فيه أن "هما" المحذوفة التي قدرها مرفوعة بالابتداء لم تحذف إلا بعد العلم بها والمعرفة بموضعها، وكذلك كل محذوف لا يحذف إلا مع العلم به، ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل بمكانه ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفًا؛ فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام؛ ألا ترى أنه يقبح أن تأتي بالمؤكد وتترك المؤكد فلا تأتي به.   1 ومثله: أي ومثل هذا ما ذكر في كتب النحاة واستشهدوا به. 2 صدر البيت ذكر في شرح ابن عقيل والبيت بتمامه كما جاء "ص363": "1/ شاهد99": يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ولكنني من حبها لعميد والبيت لا يعرف قائله. والشاهد فيه قوله "لكميد" أو "لعميد" برواية أخرى حيث دخلت لام الابتداء على خبر "لكن" وهذا مذهب الكوفيين، أما البصريون فيرون أنها اللام دخلت على خبر "إن" المكسورة الهمزة المشددة النون وأصل الكلام "ولكن إنني من حبها لكميد" وهذه بعض الأجوبة في الإعراب لدى البصريين. 3 قرأ هذه القراءة نافع وغيره. 4 العارض أبو إسحاق تلميذ المبرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 ألا ترى أن التوكيد من مواضع الإطناب والإسهاب، والحذف من مواضع الاكتفاء والاختصار؛ فهما إذن -كما ذكرت لك- ضدان لا يجوز أن يشتمل عليهما عقد كلام. ويزيد ذلك وضوحًا امتناع أصحابنا من تأكيد المضمر المحذوف العائد على المبتدأ في نحو "زيد ضربت" في من أجازه؛ فلا يجيزون "زيد ضربت نفسه" على أن تجعل النفس توكيدًا للهاء المرادة في ضربته، لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم، وإذا كان ذلك كذلك؛ فقد استغني عن تأكيده. ويؤكد عندك ما ذكرت لك أن أبا عثمان وغيره من النحويين حلموا قول الشاعر: أم الحليس لعجوز شهربه1 على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة، ولو كان ما ذهب إليه أبو إسحاق وجهًا جائزًا؛ لما عدل عنه النحويون ولا حملوا على الاضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا قويًا، وحذف المبتدأ وإن كان شائعًا في مواضع كثيرة من كلامهم؛ فإنه إذا نقل عن أول الكلام قبح حذفه؛ ألا ترى إلى ضعف قراءة من قرأ: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 2 قالوا: وقبحه أنه أراد: على الذي هو أحسن؛ فحذف المبتدأ في موضع الإيضاح والبيان، لأن الصلة لذلك وقعت في الكلام، وإذا كان ذلك موضع إكثار وإيضاح؛ فغير لائق به الحذف والاختصار. فإن قلت: فقد حكى سيبويه في الكتاب: "لحق أنه ذاهب؛ فيضيفون، كأنه قال: ليقين ذلك أمرك، وليست في كلام كل العرب"3 فأمرك هو خبر يقين؛ لأنه قد أضافه إلى ذلك، وإذا أضافه إليه؛ لم يجز أن يكون خبرًا عنه. قال سيبويه: "سمعنا فصحاء العرب يقولونه"4؛ فكيف جاز أن يحذف الخبر واللام في أول الكلام، وقد شرطت على نفسك أن الحذف لا يليق بالتوكيد؟   1 سبق التعليق عليه. 2 رفع "أحسن" قراءة الحسن وغيره. انظر/ الإتحاف "ص220". 3 الكتاب "1/ 477". 4 جاء ذلك في الكتاب "1/ 477". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 فالجواب أن هذه الكلمة ليس كل العرب يقولها كما قال سيبويه، وقال أيضًا أبو الحسن: "لم أسمع هذا من العرب؛ وإنما وجدته في الكتاب"1. ووجه جوازه على قلته طول الكلام بما أضيف هذا المبتدأ إليه، وإذا طال الكلام؛ جاز فيه من الحذف ما لا يجوز فيه إذا قصر، ألا ترى إلى ما حكاه الخليل عنهم من قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا"2 ولو قلت: "ما أنا بالذي قائم لقبح". فأما قول الشاعر3: لم أر مثل الفتيان في غير الـ ... أيام ينسون ما عواقبها4 فالوجه أن تكون "ما" استفهامًا و"عواقبها" الخبر، كقوله تعالى ذكره: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة: 5] 5 أي: ما أدراك أي شيء الحطمة؛ فكأنه قال: أي شيء عواقبها، على مذهب التعجب منها والاستعظام لها؛ فهذا أوجه من أن يحمل الكلام على أنه: ينسون الذي هو عواقبها، لقلة {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] 6. وقال أبو الحسن في هذا الفصل: "لو قلت: لعبد الله، وأضمرت الخبر لم يحسن"7؛ وإنما لم يحسن عنده لأن الكلام لم يطل ههنا كما طال في لحق أنه ذاهب. انقضى دخول اللام على الخبر.   1 نقل النص من حاشية الكتاب "3/ 157". 2 انظر/ الكتاب "ص270". 3 هو عدي بن زيد، والبيت نسبه إليه صاحب الأغاني "2/ 121". 4 عواقبها: العاقبة آخر كل شيء أو خاتمته، والعاقبة مصير كل شيء. ينسون: مضارع مرفوع عبر به الشاعر ليدل على استمرارية النسيان لعواقب الأيام. الشاهد فيه أن "ما" استفهامية وعواقبها خبر. 5 أسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التهديد والاستعظام. الحطمة: النار الشديدة. 5 {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} أي: على إحسانه في طاعة ربه. مختصر تفسير الطبرى "ص125"، وسبق تخريج القراءة. 7 "لو قلت: لعبد الله وأضمرت الخبر؛ لم يحسن": سبق تخريج هذه القراءة أيضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 واعلم أن لام الابتداء أحد الحرفين الموجبين اللذين يتلقى بهما القسم، وهما: اللام، وأن، وذلك قولك: والله لزيد عاقل، والله إن زيدًا عاقل؛ إلا أن هذه اللام قد تتعرى من معنى الجواب، وتخلص للابتداء؛ فهو لذلك أخص معنييها بها، وذلك قولك: لعمرك لأقومن، و: .............. ... ليمن الله ماندري1 فهذه اللام لام الابتداء معراة من معنى الجواب، وذلك أن قولك "لعمرك" قسم، ومحال أن يجاب القسم بالقسم؛ فلا يجوز إذن أن يكون التقدير: والله لعمرك لأقومن، كما يجوز إذا قلت: لزيد قائم، أن يكون تقديره: والله لزيد قائم، فاعرف ذلك إن شاء الله.   1 لعمرك لأقومن، و .... : تقدم تخريحه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 لحاق اللام الأفعال : وتلحقها على ضربين: عاملة، وغير عاملة: فالعاملة: لام الأمر، وهي مكسورة جازمة؛ وذلك قولك: ليقم زيد، وليقعد عمرو. وزعم الفراء أن من العرب من يفتح هذه اللام لفتحة الياء بعدها، وهذا كلام يستفاد منه أنه إن انكسر حرف المضارعة أو انضم أن لا تكون هذه اللام مفتوحة، نحو: "ليكرم زيد عمرًا"، و"لتعلم ذلك". ومتى اتصل بهذه اللام من قبلها واو العطف أو فاؤه فإسكانها للتخفيف جائز، وذلك قولك: وليقم زيد؛ فليقعد جعفر؛ وإنما جاز إسكانها لأن الواو والفاء كل واحد منهما حرف منفرد ضعيف لا يمكن الوقوف عليه دون اللام؛ فأشبهت اللام لاتصالها بما قبلها واحتياجه إليها الخاء من "فخذ"، واللام من "علم"، فكما تقول: فخذ، وعلم الله ذاك؛ كذلك جاز أن تقول: فليقم، وليقعد، وقد فعلوا هذا أيضًا في غير هذا الموضع، فقالوا: أراك منتفخًا، فأسكنوه الفاء لأن "تفخًا" من "منتفخ" ضارع بالوزن فخذًا وكبدًا. فأما قراءة الكسائي وغيره1 {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] 2 و {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} [الحج: 15] 3 فمردودة عند أصحابنا؛ وذلك أن "ثم" حرف على ثلاثة أحرف يمكن الوقوف عليه، وإذا أمكن الوقوف؛ لزمك الابتداء بالساكن، وهذا غير جائز بإجماعٍ، فمن هنا دفعه أصحابنا واستنكروه؛ فلم يجيزوه. وسألت أبا علي يومًا عن هذا، فقلت له: هلا جازت قراءة الكسائي هذه على تشبيه ثم بالواو والفاء إذ كانت حرف عطف كما كانا حرفي عطف؛ فهلا جاز حمل ثم على الواو والفاء كما حملوا بعض حروف المضارعة على بعض في نحو قولك: أعد،   1 وغيره: هذه القراءة قراءة نافع وعاصم وغيره. السبعة "ص435". 2 {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} : أي ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم من حلق وطواف ورمي جمرة وموقف غيرها. مختصر تفسير الطبري "ص293". 3 {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} : أي ثم ليختنق. مختصر تفسير الطبري "ص291". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 ونعد، وتعد؛ ألا ترى أن هذه الأحرف الثلاثة محمولة على الياء في قولك: "يعد"؛ لأن الواو من "يعد" حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة، وحملت الهمزة والنون والتاء في هذا على الياء؛ فحذفت الواو معهن كما حذفت مع الياء لئلا يختلف الباب، وكما حذفت الهمزة من مضارع أكرم إذا قلت: "أكرم"، وأصلة "أؤكرم"، لاجتماع الهمزتين، ثم حملت النون في "نكرم"، والتاء في "تكرم"، والياء في "يكرم" على الهمزة في "أكرم"؛ فحذفت الهمزة معهن كما حذفت معها ليتفق الباب ولا تختلف أحوال حروف المضارعة. فقال: الفرق بين الموضعين أن حروف المضارعة أشد اشتباه بعض ببعض من حروف العطف؛ وذلك أنها تجري مجرى الحرف الواحد؛ ألا ترى أن سيبويه قال: إنهم امتنعوا من إمالة فتحة تاء تحسب لكسرة سينها، من حيث كانت الياء في يحسب لا تجوز إمالتها استنكارًا للإمالة في الياء في "يحسب"؛ فدل ذلك على أن حروف المضارعة بعضها قوي الشبه ببعض أشد من قوة شبه حروف العطف بعضها ببعض. ويؤكد عندك قوة اشتباه حروف المضارعة أن كل واحد منها على حرف واحد، وحروف العطف تجدها مختلفة أعداد الحروف، منها ما هو على حرف واحد، وهو الواو والفاء. ومنها ما هو على حرفين، وهي: "أو، ولا، وأم، وبل". ومنها ما هو على ثلاثة أحرف، وهو "ثم". ومنها ما هو على أربعة أحرف، وهو "لكن، وإما، وحتى. وليس"؛ كذلك حروف المضارعة، بل جميعها على حرف حرف. وشيء آخر، وهو أنا نجد بعض حروف العطف يدخل على بعض، وذلك نحو: "ما قام زيد ولكن عمرو"، و"قام إما زيد وإما عمرو، ولأضربنه حتى يتقيني بحقي، وحتى لا يبقى لي عنده شيء منه". ونسخت من خط أبي بكر محمد بن السري، وقرأته على أبي علي، قال: قال أبو العباس: إذا اضطر الشاعر أدخل الواو من حرف العطف على سائر حروف العطف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وأنشد للأعشى1: وثمت لا تجزونني بعد ذاكم ... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا2 قال: واستعمله أبو نواس؛ فقال3: البدر أشبه ما رأيت بها ... حين استوى وبدا من الحجب4 وبل الرشا لم يخطها شبهًا ... في الجيد والعينين واللبب5 وأنشد أبو الحسن بيتًا فيه "فثم"6 فأدخل الفاء على ثم. فهذا كله يؤكد عندك اختلاف حروف العطف لجواز دخول بعضها على بعض إذ كان حرفان لمعنى واحد لا يتواليان، ولما كانت حروف المضارعة كلها كالحرف الواحد   1 جاء في ديوان الأعشى "ص167". 2 يقول الأعشى: إنكم لن تجزونني بعد ذلك الذي كان مني ويستدرك قائلًا: ولكن الله سيجزيني. وأسلوب البيت خبري تقريري. وقوله: لاتجزونني أسلوب نفي غرضه التحسر والتوجع. والشاهد فيه دخول حروف العطف على بعضها. 3 فقال: البيتان ذكرا في ديوان أبي نواس "ص71". 4 يقول أبو نواس أن البدر يشبهها، وهو هنا يستخدم التشبيه المعكوس أو المقلوب؛ فلم يقل أنها تشبه البدر؛ ولكنه قال: أن البدر يشبهها في جمالها حين يبدو من خلف الحجب. الشاهد فيه دخول حروف العطف على بعضها لاختلافها. 5 ويعقد أبو نواس أيضًا مقارنة بينها وبين الرشا في "الجيد- العينين- واللبب" ويرى أنها تتفوق على الرشا في كل ذلك لشدة جمالها. والشاهد أيضًا دخول حروف العطف على بعضها البعض لاختلافها. 6 فثم: ربما يقصد قول زهير: أراني إذا ما بت بت على هوى ... فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا كذا أنشده أبو الفتح في باب الفاء شاهدًا على زيادة الفاء، وفي رصف المباني "ص275"، "وثم" وجاء في الخزانة أن السيرافي قال: "الأجود: فثم بفتح الثاء المثلثة لكراهة دخول عاطف على عاطف". بت على هوى: لي حاجة لا تنقضي أبدًا. وفي مغني اللبيب "ص158" أن الأخفش والكوفيين ذهبوا إلى أن "ثم" زائدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 لم يجز أن يدخلوا بعضها على بعض، كما لا يجمعون بين حرفي استفهام ولا حرفي نفي؛ فلذلك جاز حمل بعض حروف المضارعة على بعض، ولم يجز حمل بعض حروف العطف على بعض، فاعرف ذلك إن شاء الله. واعلم أن هذه اللام الجازمة أيضًا حرف مفرد جاء لمعنى كواو العطف، وفائه، وهمزة الاستفهام، ولام الابتداء، وقد كان ينبغي أن تفتح كما فتحن؛ إلا أن العلة في كسرها أنها في الأفعال نظيرة حرف الجر في الأسماء، ألا ترى أن كل واحدة منهما مختصة من العمل بما يخص القبيل الذي هي فيه؛ فلا يتعداه إلى ما سواه، فمن حيث وجب كسر لام الجر في نحو: لزيد مال، ولجعفر، للفرق بينها وبين لام الابتداء، كذلك أيضًا وجب كسر هذه اللام، لأنها في الأفعال نظيرة تلك الأسماء. ولو قال قائل: إنما كسرت لام الأمر للفرق بينها وبين لام الابتداء التي تدخل على الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين؛ لكان قولًا قويًا، ألا ترى أنك تقول: "إن زيدًا ليضرب"، أي: لضارب، فكرهوا أن يقولوا في الأمر: "إن زيدًا ليضرب"، فيلتبس بقولك: "إن زيدًا لضارب". فإن قيل: فهل يجوز أن تقول: إن زيدًا ليضرب؛ فتجعل خبر "إن" أمرًا حتى تخاف التباسه بالخبر في قولك: "إن زيدًا ليضرب"؟ فالجواب: أن ذلك جائز، وقد جاء به الشاعر، فجعل خبر "إن"، وخبر المبتدأ، وخبر كان، ونحو ذلك أمرًا لا يحتمل الصدق والكذب. قال الجميح1: ولو أصابت لقالت وهي صادقة ... إن الرياضة لا تنصبك للشيب2 والنهي كالأمر في هذا.   1 الجميح: ذكر صاحب الخزانة أن البيت من قصيدة للجميح يذكر فيها عقوق زوجته له لأسباب مادية. انظر/ الخزانة "4/ 295". 2 يؤكد الجميح على أهمية الرياضة التي لا يمكن أن تهيئ للشيب، مستخدمًا في ذلك أسلوب التوكيد "إن ... " الذي لا يمكن أن يحتمل الصدق أو الكذب. الشاهد فيه أن يبني الاسم على الفعل في قوله "إن الرياضة لا تنصبك للشيب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وعلى هذا قال سيبويه "وقد يكون في الأمر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم؛ وذلك قولك: "عبد الله اضربه"، ابتدأت عبد الله؛ فعرفته بالابتداء، ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه، ثم بنيت الفعل عليه، كما فعلت ذلك في الخبر". فهذا نص من سيبويه يجواز كون خبر المبتدأ أمرًا ونهيًا، وعلى هذا يجوز: "زيد لا يقم أخوه". وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد، وسمعت أبا علي ينشده أيضًا غير مرة: ألا يا أم فارع لا تلومي ... على شيء رفعت به سماعي1 وكوني بالمكارم ذكريني ... ودلي دل ماجدة صناع2 أي: وكوني بالمكارم مذكرة. وغير منكر أن يقع لفظ الأمر موقع الخبر؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 25] 3 أي: فليمدن له. وعلى هذا قول الآخر4: بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... إما على قعو وإما اقعنسس5 أي: مقام يقال له فيه: أمرس أمرس.   1 يطلب الشاعر من أم فارع أو "فارع" ألا تلومه على شيء، وقوله يا أم فارع أسلوب نداء غرضه الالتماس، والبيت لم نعثر على قائله. كوني: أسلوب أمر غرضه التمني؛ فهو يتمنى أن تذكر له مكارمه. وكذا أسلوب الأمر "دلي"، والبيت أسلوبه إنشائي في جملته يحمل غرض النصح والإرشاد والفخر بمكارمه وأمجاده. والبيت كسابقه لم نقف على قائله. 3 الضلالة: الضلال، أو سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب. فليمدد له الرحمن مدًا: أي فليمل له فيها إملاء. مختصر تفسير الطبري "ص270". 4 الآخر: ذكر البيت صاحب اللسان في مادة "مرس" دون أن ينسبه "6/ 216". وانظر/ مجالس ثعلب "ص213". 5 اقعنسس: أي تأخر واجذب الدلو. القاموس المحيط "2/ 216". أمرس: أعد الخيل إلى موضعه من البكرة. والمرس: الحبل. القاموس "2/ 251". القعو: البكرة. القاموس المحيط "4/ 379". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن سليمان عن ابن أخت أبي الوزير عن ابن الأعرابي1: فإنما أنت أخ لا نعدمه أي: لا نعدمه؛ فنقل ضمة الهاء إلى الميم، كما قال الآخر2: عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزي سبني لم أضربه3 أي: لم أضربه، وهذا واسع عنهم كثير. وكما أن لام الجر قد تفتح مع المظهر في ما حكيناه من قراءة سعيد بن جبير: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ"4 وغير ذلك، فكذلك قد فتحت لام الأمر في ما حكيناه عن الفراء من قولهم: "ليقم زيد". والعلة في فتح هاتين اللامين في هذه المواضع القليلة أن أصل حركتهما الفتح، فربما خرجتا على أصلهما. واعلم أن هذه اللام الجازمة لا تضمر إلا في ضرورة الشعر، كما أن حرف الجر لا يحذف إلا في الضرورة. قرأت على أبي علي، قال: أنشد أبو زيد5: فتضحي صريعًا ما تجيب لدعوة ... ولا تسمع الداعي ويسمعك من دعا6 أي: وليسمعك.   1 ابن الأعرابي: البيت نسبه صاحب مجالس ثعلب إلى أبي محمد الحذلي "ص195". 2 قال الآخر: البيتان لزياد الأعجم كما في الكتاب "2/ 287". 3 يقول الشاعر: تعجبت والدهر فيه عجائب كثيرة من رجل عنزي -ينسب إلى عنزة بن أسد بن ربيعة- سبني وشتمنى وأنا لم أضربه أو أصبه بسوء. 4 مكر: خداع، وأن تصرف غيرك عن مقصده بحيلة. تزول: تتحول وتنتقل. 5 أبو زيد: ذكر أبو علي البيت ونسبه إلى عمران بن حطان. 6 صريعًا: مغوبًا. تجيب: أي ترد وتقضي الحاجة وتفيد عما تسأل. ويقول الشاعر: أنك أصبحت في عداد الصرعى فأصبحت صريعًا لا تستطيع أن تجيب أو ترد على أي دعوة توجه إليك؛ فأنت لا تسمع الداعي الذي يدعوك ويسمعك الذي دعا. وأسلوب البيت فى جملته خبري غرضه التحسر والتوجع. الشاهد فيه جزم الفعل "يسمعك" بلام أمر مضمرة للضرورة الشعرية وهذا يكون أغلبه في الشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وقال الآخر1: فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب2 أي: ليكن. وأنشد سيبويه3: على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى4 قال: أراد أو "ليبك". وحسن ذلك له قليلًا أن قبله أمرًا، وإن لم يكن مجزومًا؛ فإنه في معنى المجزوم، ألا ترى أن معنى "اخمشي": لتخمشى. ومن أبياته أيضًا5: محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا أراد: لتفد نفسك؛ فحذف اللام، وهذا أقبح من الأول، لأن قبل ذاك شيئًا فيه معنى اللام، وهو "اخمشي"، لأن معناه: "لتخمشي"، وهذا ليس قبله شيء معناه معنى اللام.   1 وقال الآخر: لم نقف على قائل البيت، وذكره صاحب مجالس ثعلب دون أن ينسبه. 2 لا تستطل: أسلوب إنشائي في صورة نهي غرضه النصح والإرشاد. الشاهد فيه: إضمار لام الأمر للضرورة الشعرية في قوله "ولكن يكن"، والتقدير: "ولكن ليكن". إعراب الشاهد: يكن: فعل مضارع مجزوم بأداة جزم مضمرة وعلامة الجزم السكون. 3 أنشد سيبويه: نسب صاحب الكتاب البيت لمتمم بن نويرة. 4 اخمشي: خمش خمشًا: أي جرح بشرته في أي موضع من جسده. القاموس "2/ 273". اخمشي: أسلوب أمر غرضه التحقير. لك الويل: أسلوب خبري غرضه التهديد والوعيد. الشاهد فيه جزم الفعل بـ "يبك" و"اخمشي" بلام الأمر المضمرة. 5 أيضًا: لم ينسبه صاحب الكتاب؛ بينما نسبه ابن هشان في شذور الذهب "ص211 شاهد 100" إلى أبي طالب، والبعض ينسبه إلى ولده علي -رضي الله عنه-. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 ومثل البيت الأول ما أنشدنيه أبو علي1: فقلت: ادعي وأدع فإن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان2 أي: ولأدع؛ لأن معنى ادعي: لتدعي. وأنشد البغداديون: من كان لا يزعم أني شاعر ... فيدن مني تنهه المزاجر3 و: "البصائر" أيضًا، أراد: فليدن. وكل هذا شاذ لا يحسن القياس عليه؛ فهذه اللام العاملة في الأفعال. وأما اللام غير العاملة فلام القسم، وتدخل من الأفعال في موضعين: أحدهما المضي، والآخر المستقبل. فأما الماضي فكقولك: والله لقد قمت، وقوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91] 4 وربما حذفت اللام، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10] 5 أي: لقد أفلح من زكاها، ولقد خاب من دساها. وربما حذفت قد.   1 أبو علي: نسب صاحب الكتاب البيت للأعشى؛ بينما نسبه صاحب اللسان في مادة "ندي" إلى دثار بن شيبان. 2 ادع: من دعا بالشيء دعوًا ودعوة ودعاء، أي طلب إحضاره أو نادى أو صاح. أندى: يقال ندى الصوت أي حسنه. والبيت في جملته أسلوب خبري غرضه التعظيم. الشاهد فيه وقوله "وأدع" أي: ولأدع. 3 يقول الشاعر أن من يزعم أنني لست بشاعر فليدن مني ولير هل تنهه المزاجر أن لا. وأسلوب البيت في جملته خبري غرضه التعظيم والفخر. وقوله "يدن ... " أسلوب أمر غرضه التهديد والوعيد. والبيت ذكره صاحب اللسان في مادة "زجر" دون أن ينسبه. والشاهد فيه قوله "فيدن" والتقدير "فليدن". 4 {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} : أسلوب إنشائي في صورة قسم غرضه التأكيد. 5 أفلح- خاب: بينهما تضاد يبرز المعنى ويقويه. والأسلوب إنشائي في صورة توكيد غرضه إعطاء الكلام قوة وتأثيرًا في النفس والحث على تزكية النفس وبعدها عن الرذائل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قال امرؤ القيس: حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا، فما إن من حديث ولا صالي1 أي: لقد ناموا. وكذلك قولهم: والله لو قمت لقمت، ولو قعدت لقعدت، قال: والله لو كنت لهذا خالصًا ... لكنت عبدًا آكل الأبارصا2 وأما قول الآخر3: فلو أن قومي لم يكونوا أعزة ... لبعد لقد لاقيت لا بد مصرعا4 فاللام الأولى في لبعد زائدة مؤكدة، والتي في لقد هي الجواب، ولا يبعد أن يكون هذا الكلام على معنى القسم، كأنه قال: "والله لو أن قومي". وقد تحذف هذه اللام من بعد "لو" إذا لم يكن القسم ظاهرًا. قال5: فلو أن قومى أنطقتني رماحهم ... نطقت، ولكن الرماح أجرت6 أي: لنطقت.   1 سبق تخريجه. 2 الأبارص: جمع سام أبرص، على إرادة النسب. أسلوب البيت إنشائي جاء في صورة قسم وغرضه التأكيد. وذكره صاحب اللسان في مادة "ب ر ص" دون أن ينسبه "7/ 5". 3 قول الآخر: البيت ذكره الفراء في معاني القرآن. 4 يقسم الشاعر ويؤكد قائلًا أن قومه لو لم يكونوا أعزة؛ للاقى مصرعه. والشاهد فيه زيادة اللام في قوله "لبعد" وهي زيادة للتأكيد، والكلام يمكن أن يحمل على معنى القسم، والبيت لم نعثر على قائله. 5 قال: القائل هو عمرو بن معدي كرب الزبيدي، والبيت من شعره "ص56". 6 أجرت: الإجرار: يشق لسان الفصيل حتى يرضع. ويقول الشاعر أن الرماح كأنما قطعت ألسنتها فهي لا تجيب ولا تنطق وذلك على مجرى التشبيه الاستعاري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 ومثل هذه اللام اللام التي في جواب لولا، نحو قوله عز وجل: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود: 91] 1، و {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين} [سبأ: 31] 2. وقال الشاعر3: فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه4 فهذه اللام التي في جواب لولا؛ إنما هي جواب القسم. وربما حذفت إذا لم يظهر القسم إلى اللفظ، قال يزيد بن الحكم: وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي5 أي: لطحت.   1 أي: لولا أنا نبقي قومك. رجمناك: أي سببناك. تفسير مختصر الطبري "ص899". 2 وهي مقولة الذين استضعفوا للذين استكبروا في الآخرة حيث يقولون لهم: لولا أنتم لآمنا وكنا في عداد المؤمنين. 3 الشاعر: نسب البيت إلى أم الحجاج بن يوسف، وقيل هو لامرأة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومناسبة البيت -كما في شرح أبيات المغني- أن عمر بن الخطاب خرج من الليل فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه فوالله لولا الله تخشى عواقبه ... لزعزع من هذا السرير جوانبه ولكنني أخشى رقيبًا موكلًا ... بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه مخافة ربي والحياء يصدني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه فقال عمر لابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس الجيش أكثر من هذا. 4 تقسم الشاعرة قائلة أنه: لولا الله تعالى وحده والجهاد في سبيله لما تحملت ألم الفراق ولتحركت بشدة وعنف من هذا السرير جوانبه. والبيت في جملته أسلوب إنشائى في صورة قسم غرضه التوكيد. 5 كم: خبرية تفيد الكثرة. طحت: طاح يطيح طيحًا: هلك. أجرام: "م" الجرم. وهو الجسد. قلة الشيء: أعلاه. القاموس "4/ 40". النيق: أرفع موضع في الجبل "ج" أنياق- نيق- نياق. القاموس المحيط "3/ 287". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ولا تدخل اللام في جواب "لو" و"لولا"؛ إلا على الماضي دون المستقبل، وكان أبو علي قد قال لي قديمًا: إن اللام في جواب "لولا" زائدة مؤكدة، واستدل على ذلك بجواز سقوطها. وكذلك مذهبه في "لو" على هذا القياس لجواز خلو جوابها من اللام. أنشد ابن الأعرابي1: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين2 أي: لجرى الدميان. وأما ما أنشدناه أبو علي من قول الشاعر3: لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... وكيف ومن عطائك جل مالي4 فإنما أدخل اللام -وهي موجبة- على ما -وهي نافية-، وهذان أمران ضدان من قبل أنه شبه ما في اللفظ بـ "ما" الموصولة التي في معنى الذي، وقد تقدم5 ذكرنا لهذا الشبه اللفظي. وأما اللام الداخلة على المستقبل فتلزمها النون للتوكيد ولإعلام السامع أن هذا فعل مستقبل وليس للحال كالذي في قول الله عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل: 124] 6 أي: لحاكم. فإن زال الشك بغير النون؛ استغنى عنها، قال الله تعالى: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 49] لأن سوف تخص الاستقبال، وذلك قولك: "والله لأقومن ولأقعدن". واعلم أن هذه اللام إذا وليت المستقبل فلحقته النون؛ لم تأت إلا على نية القسم.   1 البيت نسبه صاحب الخزانة لعلي بن بدال بن سليم "3/ 351". 2 يقول الشاعر: إننا لو ذبحنا على حجر لسالت الدماء وجرت بالخبر اليقين. والبيت أسلوبه خبري تقريري. 3 البيت للنابغة الذبياني. 4 تم التعليق على البيت. 5 تقدم في ما ذكرناه. 6 {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} : الأسلوب إنشائي في صورة توكيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 قال سيبويه: "سألت الخليل عن "ليفعلن" إذا جاءت مبتدأة؛ فقال: هي على نية القسم"1؛ فكانت إذا قلت على هذا: لأضربنك، وإذا قلت: لينطلقن زيد؛ فكأنك قلت: والله لينطلقن زيد، وكذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] 2 أي: والله لتعلمن. وإذا كان ذلك كذلك؛ فقوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] 3؛ ليست اللام في "لئن" بجواب القسم، إنما الجواب لنذهبن، وعليه وقع الحلف، واللام في "لئن"؛ إنما هي زائدة مؤكدة، يدلك على أن اللام الأولى زائدة وأن اللام الثانية هي التي تلقت القسم: جواز سقوط الأولى في نحو قول الشاعر: قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد لقيس بن جروة الطائي جاهلي: فأقسمت لا أحتل إلا بصهوة ... حرام علي رمله وشقائقه فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه4 ولم يقل: فلئن لم تغير؛ فهذا نظير قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [المائدة: 73] أي: والله إن لم ينتهوا ليمسن. وقد شبه بعضهم "إذ" بـ "إن" فأولاها اللام، فقال5: غضبت علي وقد شربت بجزة ... فلإذ غضبت لأشربن بخروف6   1 القسم: ذكر ذلك سيبويه في الكتاب. 2 {لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} : أي لتعلمن خبره وصدقه. 3 {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} : يقول عز وجل: لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا إليك فلا تعلمه. انظر/ تفسير مختصر الطبري "ص251". 4 البيتين ذكر الثاني صاحب اللسان في مادة "ع ر ق": "10/ 250" ونسبهما إلى عارق، ويقال هو عمرو بن ملقط الطائي. الشاهد في قوله "لأنتحين" والتقدير أن اللام لام القسم أي "والله لأنتحين". انظر/ خزانة الأدب "3/ 330"، والنوادر "ص266". 5 يقال: أن البيت لأعرابي كان يشرب الخمر ويشتريها بجزة صوف. 6 يقول الشاعر أنه شرب خمرًا بجزة، أي ما يجز من صوف الماعز والخراف فغضبت زوجته فأقسم إن غضبت ليشربن بخروف وليس بجزة منه. والشاهد اللام في قوله "لأشربن" حيث تعتبر لام القسم والتقدير "والله لأشربن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 ويدل أيضًا على أنك إذا قلت: والله لئن قمت لأقومن فاعتماد القسم على اللام في لأقومن، وأن اللام في "لئن قمت" منها بد قول كثير: لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذن لا أقيلها1 فرفع "أقيلها" يدل على أن اعتماد القسم عليه كقوله عَزَّ اسْمُهُ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر: 12] 2 أي: "والله لا يخرجون معهم إن أخرجوا"، ولو كانت اللام التي في "لئن عاد لي عبد العزيز" جواب القسم لا نجزم لا أقيلها، كما تقول: "إن تقم إذن لا أقم"، وأما قوله تعالى ذكره: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} فقال الخليل3: "معناها ليظلن" فأوقع الماضي موقع المستقبل. ومثله مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل قول الحطيئة4: شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر5 أي: يشهد. وأنشدنا أبو علي6: وإني لآتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستجاب ما كان في الغد7 أي: ما يكون. وأما قوله تعالى ذكره: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] 8؛ فاللام في "لقد علموا" لام قسم محذوف   1 أقيلها: أتجاوز عنها. ويقول كثير: أن عبد العزيز لو عاد إلى ما ارتكبه مرة أخرى فلن أقبل عثرته ولن أتجاوز عنها. 2 وأولئك الذين لا يخرجون معهم هم المنافقون، وقيل هم عبد الله بن أبي، ووديعة، ومالك ابنا نوفل، وسويد وداعس. مختصر تفسير الطبري "ص483". 3 انظر/ الكتاب "1/ 456". 4 عثرنا على البيت في ديوانه. 5 يقول الحطيئة أنه سيشهد حين يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر. والبيت خبري غرضه الاسترحام. 6 روى أبو علي ذلك عن الطرماح وهو الطرماح بن حكيم. انظر/ الخصائص "3/ 331". 7 "إنى .... " أسلوب إنشائي في صورة توكيد الذي يدل على قوة الإقناع بالحجة المصحوبة بالدليل. والبيت للطرماح بن حكيم. 8 خلاق: حظ ونصيب من الخير، والأسلوب إنشائي في صورة توكيد. القاموس "3/ 229". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 مقدر، ومعناه: والله لقد علموا، واللام في "لمن اشتراه" لام الابتداء، و"من" بمنزلة الذي، وتقديره -والله أعلم- والله لقد علموا للذي اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، و"الذي" في موضع رفع بالابتداء، وصلته اشتراه، وقوله عز وجل: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} خبر "الذي"، والجملة التي هي مبتدأ وخبر في موضع نصب بعلموا، كما تقول: "قد علمت لزيد أفضل منك"، و"لقد علمت أزيد عندك أم عمرو"، فلام الابتداء في هذا وهمزة الاستفهام في إقطاعهما الاسم من العامل الذي قبله، وحولهما بينه وبينه سواء. فهذا هو الوجه أن تجعل من بمنزلة "الذي"، واللام فيه لام الابتداء، وهو مذهب سيبويه1. وفيه وجه ثان ذهب إليه غيره، وهو أن تجعل "من" شرطًا، وتجعل اللام فيه كالتي تعترض زائدة بين القسم والمقسم عليه نحو قوله عز وجل: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} [الروم: 51] 2 فيصير التقدير "والله لقد علموا لئن أحد اشتراه ما له في الآخرة من خلاق"؛ فيجري هذا مجرى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمران: 81] 3 أي: "لئن آتيتكم شيئًا من كتاب وحكمة". على أن مذهب سيبويه والخليل4 أن "ما" ههنا بمنزلة "الذي"، واللام فيها لام الابتداء. وفى اعتقاد من جعل "من" في قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة: 102] شرطًا بعض الضعف؛ وذلك أن "علموا" تقتضي مفعوليها؛ فإذا أوقعت القسم بعدها حتى يصير كأنه قال: "ولقد علموا والله لئن اشتراه أحد ما له في الآخرة من خلاق"، وأصل "والله" -كما علمت- أحلف بالله؛ فقد صار التقدير -والله أعلم-: ولقد علموا -أحلف بالله- لئن اشتراه أحد ليكونن كذا وكذا، وإذا تأدى الأمر إلى هذا؛ قبح أن يلي "علمت" فعل القسم؛ لأن "علمت" وأخواتها إنما تدخل على المبتدأ وخبره لا على الفعل وفاعله.   1 الكتاب "1/ 120، 473". 2 وقد سبق ذكرها. 3 ميثاق: عهد "ج" مواثيق. القاموس "3/ 287". حكمة: بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرآن والإنجيل "ج" حكم. القاموس "4/ 98". والأسلوب خبري تقريري. 4 مذهبهما في الكتاب "1/ 455". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 فإن قلت: فعلام تجيز كون "من" شرطًا وقد قدمت قبح ذلك؟ فالجواب: أن جواز ذلك على أن تجعل "علموا" نفسها قسمًا، وقد استعملتها العرب بمعنى القسم، ومن أبيات الكتاب1: ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها2 فكأنه قال: والله لتأتين منيتي. فإن قلت: فإذا جعلت علموا جاريًا مجرى القسم بما ذكرته، وعندك أن اللام في "لقد" دالة على القسم المحذوف؛ فكأنه عندك: والله لقد علموا، وقوله: {قَدْ عَلِمُوا} جار مجرى القسم؛ فكيف يجوز على هذا دخول القسم على القسم، أولا ترى أن سيبويه والخليل3 ذهبا في قوله تعالى ذكره: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس: 1، 2] 4 أن جميع ما بعد الواو الأولى من الواوات إنما هو واو عطف، وليس بواو قسم لئلا يدخل قسم على قسم؛ فيبقى الأول منها غير مجاب؟ فالجواب: أن ذلك إنما جاز في "علموا" من حيث كان إنما هو في معنى القسم، وليس قسمًا صريحًا؛ وإنما هو بمنزلة "أشهد لقد كان كذا"، وماجرى مجرى هذا مما ليس بقسم محض؛ فلأجل هذا جاز أن تكون من في قوله سبحانه: {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} شرطًا، واللام في أولها مؤكدة للشرط، فاعرف ذلك إن شاء الله. وذهب أبو إسحاق في قوله جل ثناؤه: {يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: 13] 5 إلى أن التقدير: "يدعو من لضره أقرب من نفعه".   1 نسب البيت صاحب الكتاب إلى لبيد بن ربيعة العامري وهو مذكور في معلقته "1/ 456". 2 الشاهد فيه وشرحه. انظر/ شذور الذهب "ص365" شاهد 185. 3 الكتاب "2/ 146" والآية التي ذكرها سيبويه في هذه المسألة قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 1-3] . 4 الأسلوب إنشائي في صورة قسم غرضه التوكيد. والشاهد في الآية أن جميع الواو حرف عطف. 5 أي يدعو آلهة لضرها في الآخرة أقرب من نفعها. والشاهد فيه تقديم اللام عن موضعها، والتقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه. وهذا رأي البصريين والكوفيين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 قال: فقدمت اللام عن موضعها، وحكى هذا القول عن البصريين والكوفيين جميعًا، وهذا عندنا على إجماع الكافة عليه في ما حكاه أبو إسحاق غير جائز ولا مرضٍ، وقد أنكره أبو علي، وذهب في فساده إلى أن اللام على هذا التقدير من صلة من، ومحله أن تتقدم الصلة أو شيء منها على الموصول. فإن قلت: فما تقول في هذه اللام، وكيف موقع الكلام؟ فالجواب: أن فيه أربعة أوجة غير ما حكاه أبو إسحاق: أحدها: أن تجعل يدعو تكرارًا لـ "يدعو" الأولى1، وترك إعمالها؛ لأنها قد أعملت متقدمة؛ فاستغني فيها عن إعادة العمل، كما تقول: "ضربت زيدًا ضربت"، حكى ذلك سيبويه، أعني قولهم: ضربت زيدًا ضربت، وتكون اللام في "لمن" لام الابتداء و"من" مرفوعة بالابتداء، وقوله عز وجل: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} [الحج: 13] 2 خبر "من" كأنه قال: للذي ضره أقرب من نفعه لبئس المولى، واللام التي في "لبئس" هي اللام التي يتلقى بها القسم في نحو: ................................. ... لناموا فما إن من حديث ولا صالي3 وهي تدل على يمين محذوفة؛ فكأنه -والله أعلم- للذي ضره أقرب من نفعه والله لبئس المولى، كما تقول: زيد والله لقد قام؛ فهذا وجه. والثاني: أن تكون هناك هاء محذوفة منصوبة بـ "يدعو"، وتكون الجملة في موضع نصب على الحال من "ذلك" في قوله عز وجل: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18] 4 التقدير: "ذلك هو ضلال البعيد مدعوًا"، وغير منكر حذف   1 الأولى: أي قوله تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} . 2 {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} أسلوب ذم غرضه التحقير. والشاهد فيه اللام التي يتلقى بها القسم، والتي تدل على يمين محذوفة تقديرها: "والله لبئس المولى". 3 والشاهد فيها وجود اللام التي يتلقى بها القسم والتي تدل على يمين محذوفة. 4 الشاهد فيه أن "ذلك" نزلت منزلة اسم الموصول -الذي- وبالتالي فإن جملة "هو الضلال البعيد" هي صلة له، وتنصب "ذلك" على المفعولية للفعل "يدعو". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 الهاء من الحال لأنها تضارع الصفة، والصفة قد يجوز فيها حذف الهاء جوازًا حسنًا؛ وذلك نحو قولك: "الناس رجلان فرجل أكرمت ورجل أهنت، والقوم مختلفون فواحد ضربني وآخر ضربت"، قال: وهو من أبيات الكتاب1: أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شيء حميت بمستباح2 أي: حميته، فعلى هذا تقول: "نظرت إلى زيد تضرب هند"، أي: تضربه هند، فتحذف الهاء من الحال لمضارعتها الصفة. والوجة الثالث: أن تجعل "ذلك" بمنزلة "الذي" وتجعل الجملة التي هي قوله تعالى: {هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} صلة له، وتنصب "ذلك" الذي بمعنى "الذي "بيدعو"؛ فيصير التقدير: الذي هو الضلال البعيد يدعو، كما تقول: زيدًا يضرب، و"ذا" قد استعملت بمعنى الذي، نحو قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} [البقرة: 219] 3 في من رفع الجواب، فقال: "قُلِ الْعَفْوُ"4 أي: ما الذي ينفقون؟ فرفع "العفو" يدل على أن ما مرفوعة بالابتداء، وذا خبرها، وينفقون صلة ذا، وأنه ليس "ماذا" جميعًا كالشيء الواحد، هذا هو الوجه عند سيبويه، وإن كان قد أجاز الوجه الآخر مع الرفع.   1 نسب صاحب الكتاب البيت لجرير وعثرنا عليه في ديوانه "1/ 45". 2 أبحت: أباح الشيء أي أحله وأطلقه. حمى: الحمى: الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى. لسان العرب "14/ 199". مستباحًا: أي عده مباحًا وأحله وأطلقه. الشاهد فيه حذف الهاء منقوله حميت، والتقدير أي وما شيء حميته. 3 أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس: "أن نفرًا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها فى أموالنا فما ننفق منها؟ " وأخرج أيضًا عن يحيى أنه بلغه: "أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالا: يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين؛ فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل الله هذه الآية". تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطى "ص72-73". 4 هي قراءة أبى عمرو، أما بقية القراءات للقراء السبعة فقرأوها بالنصب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 والوجه الرابع: أن يكون "يدعو" بمنزلة يقول، أي: يقول لمن ضره أقرب من نفعه إله أو رب؛ فتكون من مرفوعة بالابتداء، وخبرها محذوف مقدر كما أريتك. ويدلك على أن "يدعو" بمنزلة يقول قول عنترة1: يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأهم2 أي: يقولون: يا عنتر؛ فدلت "يدعون" عليها. وقد ذهب أيضًا أبو إسحاق في هذه الآية إلى أن "يدعو" بمنزلة يقول، وهو صحيح. فإن قلت: فلم جعلت خبر "من" محذوفًا دون أن يكون قوله: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} كما أجزت أنت ذلك في ما تقدم من كلامك؟ فالجواب: أن الكفار ليسوا يقولون لمن يدعونه إلهًا: "لبئس المولى ولبئس العشير"؛ لأنهم لو قالوا ذلك؛ لكان سوء ثناء منهم عليه، والكافر لا يسيء الثناء على معبوده؛ لأنه لو ساء ثناؤه عليه لما عبده أصلًا، ونحن في أول الأمر لم نحك ذلك عنهم؛ وإنما أخبرنا أن من ضره أقرب من نفعه؛ فإنه بئس المولى، وكذلك هو عندنا، وليس هو كذلك، عند من يكفر بالله تبارك وتعالى. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فكيف جاز أن يقول: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إله، والكافر لا يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إله؛ لأن ذلك أيضًا سوء ثناء منه عليه، كما أن قوله: "لبئس المولى" سوء ثناء عليه، فما الفرق بين الموضعين؟ ولم جاز أحدهما دون الآخر؟ فالجواب: أن ذلك إنما جاز على حكاية قولنا نحن فيه، ونظير هذا قولك لمن تريد أن تردعه عن الشيء وتثنيه3 إلى غيره: انته عن كذا وكذا فإنه باطل، فيقول   1 البيت من معلقة عنترة وكذا في ديوانه. 2 أشطان: "م" شطن. والشطن فتحتي الحبل وقال الخليل هو الحبل الطويل. لبان: اللبان: الصدر أو وسطه أو وسطه أو ما بين الثديين. القاموس "4/ 265". الأدهم: دهم، دهمة: أسود فهو أدهم وهي دهماء "ج" دهم. والأدهم اسم يطلق على فرس عنترة. القاموس المحيط "4/ 115". والشاهد فيه معاملة يدعو بمنزلة يقول. 3 تثنيه: أي تجعله ينعطف ويرتد. لسان العرب "14/ 115" مادة/ ثني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 المزجور مجيبًا: ما هو إلا الحق؛ فتقول أنت منكرًا عليه ومتعجبًا منه: هذا يقول: الباطل حق، ويقول: الغي رشد، وهو لم يقل إنه باطل، والا إنه غي، بل هو يعتقد فيه ضد البطلان والغواية1؛ ولكن صار تقديره: هذا يقول: إن ما يفعله- وهو باطل عندي - حق عنده؛ فسميته باطلًا على طريق الحكاية لا على أنه على الحقيقة عنده باطل، وكيف يجوز أن يعتقد فيه أنه باطل، ثم يعتقد مع ذلك أنه حق، هذا ظاهر التناقض. فكذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: 13] 2 معناه: يقول: إن معبوده الذي ضره أقرب من نفعه عندي إله عنده، وقد جاءت هذه الحكاية عنهم مجيئًا متسعًا. أنشدني أبو علي لرجل يهجو جريرًا3: أبلغ كليبًا، أبلغ عنك شاعرها ... أني الأغر وأني زهرة اليمن4 فقال جرير مجيبًا: ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن5 فسماه زهرة اليمن على مذهب الحكاية لقوله، أي: يا من قال إني زهرة اليمن، ولست عندي كذلك.   1 الغواية: الإمعان في الضلال. القاموس المحيط "4/ 372". 2 سبق التعليق عليها. 3 جريرًا: يقال أن هذا الرجل الذي يهجو جريرًا هو زهرة اليمن. انظر/ الخصائص "2/ 461". 4 أبلغ: أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التعظيم. الأغر: الرجل الذي كرمت فعاله واتضحت؛ فهو أغر وهي غراء. "ج" غر. زهرة اليمن: كناية عن التلألأ والإشراق، والأزهر كل أبيض صاف مشرق مضيء، وزهرة اليمن أي بهجتها ومتاعها. 5 ألم تكن: أسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التحقير. يازهرة اليمن: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التهكم والسخرية. الشاهد فيه قوله "يازهرة اليمن" والتقدير أي يا من قال إني زهرة اليمن. وانظر/ ديوانه "ص746". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وكذلك قوله عز وجل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 46] 1 وإنما هو في الحقيقة عنده الذليل المهان؛ ولكن تقديره -والله أعلم-: إنك أنت الذي يقول له رهطه وعشيرته: أنت عزيز كريم. وكذلك قوله تعالى أيضًا: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الزخرف: 49] 2؛ وإنما قالوا هذا بعد إيمانهم به؛ ولكن تقديره -والله أعلم- يا أيها الساحر عند أولئك القوم الذين يدعونك ساحرًا؛ فأما نحن نعلم أنك لست ساحرًا. وعلى تأول أهل النظر قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] 3 قالوا: معناه وأرسلناه إلى جمع لو رأيتهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون. فهذا الشك إنما دخل الكلام على الحكاية لقول المخلوقين؛ لأن الخالق جل جلاله وتقدست أسماؤه لا يعترضه الشك في شيء من خبره. وهذا ألطف وأوضح معنى من قول قطرب: إن "أو" بمعنى الواو، ومن قول الفراء4: إن "أو" بمعنى "بل"؛ فهذا ما احتملته هذه الآية من القول. واعلم أن اللام قد لحقت من الحروف موضعين، جاءت في أحدهما للتوكيد، وفي الآخر للتوصل إلى النطق بالساكن. الأول نحو قولك: "لعل زيدًا قائم"؛ إنما هو "عل"، واللام زائدة مؤكدة.   1 أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التحقير. وقوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ} أسلوب توكيد. والشاهد فيه: أي أنك أنت الذي كان يقول له أهله وعشيرته أنت عزيز كريم. 2 أي قال فرعون وملؤه لموسى: "يا أيها الساحر" وعنوا بـ "الساحر" في هذا الموضع: العالم؛ إذ لم يكن السحر عندهم ذمًا مختصر تفسير الطبري "ص432". وقولهم: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التقرير، وقولهم: "ادع" أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التعجيز. 3 أي أننا أرسلنا ذا النون إلى قوم، لو رأيتموهم لقلتم أنهم مائة ألف أو يزيدون. والآية كناية عن الكثرة العددية. 4 ذكر ذلك الفراء في معاني القرآن "2/ 393". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 قال الشاعر1: يا أبتا علك أو عساكا2 أي: لعلك. وقال الآخر3: عل صروف الدهر أو دولاتها ... يدلننا اللمة من لماتها4 فتستريح النفس من زفراتها5 وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: علِّي في ما أبتغي أبغيش6 أي: لعلي. وحكى أبو زيد7 أن لغة عقيل "لعل زيد منطلق"، بكسر اللام الآخرة من "لعل" وجر "زيد".   1 نسب صاحب الكتب البيت لروبة "1/ 388". انظر/ شرح المفصل "3/ 120"، والخزانة "2/ 442". 2 الشاهد فيه حذف اللام في قوله "علك" والتقدير "لعلك" وذكر اللام للتوكيد ذلك أنها لو لحقت "علك" وهو حرف؛ لكانت للتوكيد ولا يمكن أن تكون معها للتوصل إلى النطق الساكن. والبيت نسبه صاحب الكتاب إلى رؤبة. 3 لم تنسب الأبيات إلى قائل معين، وهي في معاني القرآن للفراء"3/ 235". 4 صروف الدهر: "م" صرف الدهر أى نوائبه وحدثانه. لسان العرب "9/ 189" مادة/ صرف. دولاتها: دال الدهر دولًا ودولة أي انتقل من حال إلى حال. القاموس "3/ 377". يدلننا: أي ينزلننا من علو، وهو كناية عن تغير الحال من الأفضل إلى الأسوأ. اللمة: الشدة "ج" لمام. القاموس المحيط "4/ 177". والبيت في اللسان بغير نسبة. "4/ 325". مادة/ زفر. 5 زفرتها: زفر- زفرًا- زفيرًا: أخرج نفسه بعد مده إياه، وهو بخلاف الشهيق. والبيت كناية عن طلب الراحة، وقوله "تستريح النفس" تشبيه استعاري حيث يشبه النفس بإنسان يبحث عن الراحة. 6 الشاهد فيه حذف اللام في قولة "علي" والتقدير "لعلي". 7 ذكر أبو زيد أن صاحب اللسان ذكر ذلك. انظر/ اللسان "13/ 501". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وقال كعب بن سعد الغنوي1: فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت ثانيًا ... لعل أبي المغوار منك قريب2 وقال أبو الحسن3: "ذكر أبو عبيدة أنه سمع لام "لعل" مفتوحة في لغة من يجر في قول الشاعر4: لعل الله يمكنني عليها ... جهارًا من زهير أو أسيد5 وقال الراجز6: فباد حتى لكأن لم يسكن ... فاليوم أبكى، ومتى لم يبكني7 فأكد الحرف باللام. وقال الآخر8: للولا حصين عينه أن أسره ... وأن بني سعد صديق ووالد9   1 ذكر صاحب الخزانة ذلك "4/ 370". 2 الشاهد فيه قوله "لعل"؛ حيث أضاف إلى "عل" اللام وهي هنا للتوكيد. والبيت في جملته إنشائي. وقوله ادع- ارفع: أسلوب أمر غرضه التهكم والسخرية. والبيت من قصيدة يرثي بها أخاه شبيبًا، وقيل: اسمه هرم ويكنى أبا المغوار، وهو في النوادر "ص218" ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وبعضهم يقول: البيت لسهم الغنوي. 3 ذكر ذلك في معاني القرآن "ص123-124". 4 ذكره صاحب الأغاني أن البيت لخالد بن جعفر "1/ 79"، والخزانة "4/ 375". 5 الشاهد فيه اقتران اللام الزائدة المؤكدة بالحرف "عل" مع جر ما بعدها فى لغة من الجر مع فتح اللام. 6 ذكر صاحب الخزانة "4/ 331". 7 الشاهد فيه تأكيد الحرف "كأن" باللام الزائدة. 8 انظر/ المذكر والمؤنث للأنباري "ص235". 9 الشاهد فيه دخول اللام الزائدة للتوكيد على الحرف "لولا". والبيت أسلوبه إنشائي في صورة توكيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وقال الآخر: للولا قاسم ويدًا بسيل ... لقد جرت عليك يد غشوم1 وأما قولنا: "إن زيدًا لفي الدار"، و"أن زيدًا لبك واثق"؛ فاللام داخلة فيه على خبر "إن" لا على الحرف. وكذلك ما أشبهه، وكذلك قوله تعالى: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الشعراء: 49] 2، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] 3؛ إنما اللام داخلة فيه على الفعل لا على الحرف. الثاني منهما: قولنا في حروف المعجم "هَـ ولا يَ" ولا يقال هنا: لام ألف كما يقول المعلمون؛ إنما يقال: "لا ي" ووجه ذلك أن ألف "لا" إنما هي المدة الساكنة في نحو قام، وحمار، وكتاب، ولا يمكن الابتداء بهذه الألف؛ لأنها لا تكون إلا مدة ساكنة، وأرادوا النطق بها كما أرادوا النطق بسائر حروف المعجم غيرها؛ فدعمها واضع الهجاء بحرف يقع الابتداء به، وهو اللام، توصلًا إلى النطق بها ساكنة بحالها، فقال: "لا". فإن قال قائل: ما أنكرت أن يكون؛ إنما أراد واضع الحروف أن يرينا كيف تتركب اللام والألف، فشكل هذا الشكل الذي هو "لا" دون ما ذهبت إليه من أنه أدخل اللام لسكون الألف؟ فالجواب: أنه لو كان غرض واضع حروف المعجم أن يرينا في هذا الموضع كيف تتركب اللام والألف؛ لأرانا أيضًا كيف تتركب الجيم والطاء، وكيف تتركب السين والباء، وكيف تتركب القاف والدال، ومعلوم أنه ليس ذلك غرضه،   1 قاسم- يسيل: اسما رجلين. جرت: أجر جريرة أي ارتكب جناية وذنبًا. غشوم: الغشوم: الشديد الظلم. القاموس المحيط "4/ 156". والشاهد فيه دخول اللام الزائدة للتوكيد على الحرف لولا. والبيت ذكره صاحب الخزانة دون أن ينسبه. 2 الشاهد فيه دخول اللام الزائدة للتوكيد، والتقدير "فسوف تعملون". 3 والشاهد فيها أيضًا دخول اللام الزائدة للتوكيد، والتقدير "وسوف يعطيك ربك فترضى". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وإنما غرضه تصوير هذه الحروف منفردة غير مركبة، وأن ينطق لها ليذاق جرسها، وأول كل حرف من اسم كل واحد من هذه الحروف الحرف المقصود. ألا ترى أن أول قولنا "قاف"، وأول قولنا "طاء" طاء، وأول قولنا "جيم" جيم؛ فلما كانت الألف التي هي مدة ساكنة لا يمكن الابتداء بها، وتذاق الألف ساكنة على جنسها، فقالوا: "و، لا، ي" فقولنا "لا" كقولنا "ما" و"ها" في التنبيه، و"يا" في النداء، و"وا" في الندابة. فإن قال قائل: فإذا كان الأمر كذلك؛ فلم خصت اللام بالابتداء في هذا الموضع دون غيرها من سائر الحروف؟ فالجواب: أن واضع حروف المعجم أجرى هنا على مذهب اللفظ، وقفًا في ذلك سنة العرب، وذلك أنه رأى العرب لما أرادت النطق بلام المعرفة وهي ساكنة مبتدأة؛ توصلت إلى ذلك بأن ألحقتها الألف المتحركة ليقع الابتداء بها، وذلك قولهم: الغلام، والجارية، فكما أدخلوا الألف المتحركة في هذا ونحوه ليقع الابتداء بها، كذلك أدخل واضع الحروف اللام المتحركة على الألف الساكنة لما لم يكن الابتداء بها، فقال "لا" فهذا هنا كذلك ثمة. فإن قال قائل: فإن أصل حركة الحرف المدخل للابتداء به؛ إنما هو الكسر، نحو: اذهب، انطلق، امش، استخرج، اقتطع. ولا تضم هذه الهمزة إلا إذا كان ثالثها مضمومًا، نحو: اقتل، انقطع بزيد. فهلا إذا كان الأمر كذلك أدخلت اللام على الألف مكسورة كما كسرت الهمزة في الأمر الشائع المطرد على ماذكرناه آنفًا؟ فالجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما أن اللام في قولنا "لا"؛ إنما هي مشبهة بالهمزة اللاحقة للام المعرفة، نحو الغلام والجارية، وتلك الهمزة أبدًا مفتوحة، فكذلك فتحت لام "لا". والوجه الآخر: أنهم لو جاءوا باللام مكسورة كالعادة فيما أدخل للابتداء به في غالب الأمر؛ لوجب قلب الألف ياء لانكسار اللام قبلها؛ فكان يلزم أن يقال "لي" فيصار إلى لفظ الياء، وليس إلى هذا قصد الواضع للحروف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وكذلك لو ضم اللام؛ لوجب أن تنقلب الألف واوًا لانضمام اللام قبلها، فيقال "لو" وهذا في الامتناع كالذي قبله، فمن هنا وجب أيضًا أن تكون لام "لا" مفتوحة لتصبح الألف المقصودة بعدها إذ كانت الألف لا يكون ما قبلها أبدًا إلا مفتوحًا. قد أتينا بحمد الله ومنه على ما في اللام من الأحكام بأبلغ ما يمكن. والله تعالى الموفق للصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 باب الميم : اعلم أن الميم حرف مجهور يكون أصلًا، وبدلًا، وزائدًا. فإذا كانت أصلًا؛ وقعت فاءً وعينًا ولامًا؛ فالفاء نحو: مسد1، ومرس2، والعين نحو: سمر3، وعمر4، واللام نحو: قلم، وعلم. وأما البدل فقد أبدلت الميم من أربعة أحرف، وهي: الواو، والنون، واللام، والباء. أما إبدالها من الواو فقولهم "فم"، وأصلة "فوه" بوزن "سوط"، فحذفت الهاء تخفيفًا كما حذفت من "سنة" في من قال5: ليست بسنهاء ........ ....... ... ......... ......... ....... 6 وعملت معه مسانهة7؛ ومن شاة، ومن عضة في من قال: بعير عاضة8، ومن است؛ فصار التقدير "فو"؛ فلما بقي الاسم على حرفين الثاني منهما حرف لين   1 المسد: الليف. القاموس المحيط "1/ 338". 2 مرس: كان شديدًا في معالجة الأشياء. القاموس المحيط "2/ 251". 3 سمر: ضرب من شجر الطلح. القاموس المحيط "2/ 51". 4 عمر: وعمر: هما لغتان، يقال: عمرالرجل وعمر: عاش وبقي زمانًا طويلًا. 5 نسب صاحب اللسان البيت إلى سويد بن الصامت. مادة "سنه" "13/ 502". 6 فليت بسنهاء: يصف نخلة بالجودة. السنهاء: التي أصابتها السنة يعني أضر بها الجدب، وسنه الطعام أو الشراب سنهًا أي: تغير وتعفن فهو "سنه" وهي سنهة وهي سنهاء أيضًا "ج" سنة. القاموس "4/ 286". الرجبية: من الرجبة، وهي أن تعمد النخلة بخشبة ذات شعبتين. العرايا: جمع عرية، وهي التي يوهب ثمرها. الجوائح: السنون الشداد التي تجيح المال. 7 ما سنهة: عملت معه مسانهة: عامله بالسنة، ويقال استأجره مسانهة. 8 عاضة: العضة: "م" العضاهة، وهو كل شجر له شوك صغر أو كبر. وقوله بعير عاضه أي بعير يعيش على رعي العضاه. القاموس المحيط "2/ 337". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 كرهوا حذفه للتنوين؛ فيجحفوا به؛ فأبدلوا من الواو ميمًا لقرب الميم من الواو؛ لأنهما شفهيتان، وفى الميم هوي في الفم يضارع امتداد الواو. ويدل على أن "فمًا" مفتوح الفاء وجودك إياها مفتوحة في اللفظ؛ هذا هو المشهور في هذه اللفظة؛ فأما ما حكاه فيها أبو زيد وغيره من كسر الفاء وضمها فبضرب من التغيير لحق الكلمة لإعلالها بحذف لامها وإبدال عينها. وأما قول الراجز1: يا ليتها قد خرجت من فمه ... حتى يعود الملك فى أصطمه2 يروى بضم الفاء من فمه وفتحها؛ فالقول في تشديد الميم عندي أنه ليس ذلك في هذه الكلمة؛ ألا ترى أنك لا تجد لهذه المشددة الميم تصرفًا؛ وإنما التصرف كله على "ف وه"؛ ومن ذلك قوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167] 3. وقال الشاعر4: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدًا مقيم5   1 البيتان من أرجوزة للعجاج وهما في الخزانة "2/ 282" الشاهد 331، ونسب ابن خالوية هذا الرجز إلى جرير بقوله قي سليمان بن عبد الملك وعبد العزيز. والبيت ذكره صاحب اللسان في "طسم" ونسبه إلى جرير وهو أرجوزة وبعدها بيت هو: أبرز لنا يمينه من كمه ويسبقها بيتان. 2 أصطم الشيء: وسطه ومعظمه، وفلان في أصطمة قومه: أي في وسطهم وأشرافهم. والشاهد فيه تشديد الميم. في قوله "فمه". 3 يقولون: مضارع يفيد استمرار المنافقين على نفاقهم فهم دائمًا وأبدًا يقولون ما ليس في قولهم. حيث يخفون ما تضمره قلوبهم؛ ولكن الله عز وجل يكشف ذلك حتى يتضح نفاقهم لكل من يتعاملون معه. 4 البيت لأمية بن أبى الصلت. انظر/ ديوانه "ص475". 5 لغو: لغا في القول لغوًا: أخطأ وقال باطلًا، واللغو: ما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع، واللغو أيضًا: الكلام يبدر من اللسان ولا يراد معناه، ومنه اللغو في اليمين. مادة "ل غ و" القاموس المحيط "4/ 386". لا لغو ولا تأثيم: تكرار النفي وإضافة اللغو إلى التأثيم فيه دلالة وتوكيد على الفكرة. والشاهد فيه قوله "ما فاهوا". إعراب الشاهد: ما: اسم موصول مبني. فاهوا: فعل وفاعل، صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والبيت ينسب لأمية بن الصلت. شرح ابن عقيل "1/ 430" شاهد 112، وذكره صاحب اللسان في مادة "فوه" "13/ 526"، دون أن ينسبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وقالوا: رجل مفوه إذا أجاد القول؛ لأنه يخرج من فيه. ومنه الأفوه الأودي1. وقالوا: ما تفوهت به، وهو تفعلت منه، كما قالوا: تلغمت بكذا وكذا، أي: حركت به ملاغمي، وهي ما حول الشفتين. وقالوا في جمع أفوه -وهو الكبير الفم- فوه. قرأت على أبي علي للشنفرى2: مهرته فوه كأن شدوقها ... شقوق العصي كالحات وبسل3 ولم نسمعهم قالوا "أفمام"، ولا "تفممت"، ولا "رجل أفم"، كما قالوا: أصم، ولا شيئًا من هذا النحو مما لم نذكره؛ فدل اجتماعهم على تصريف الكلمة بالفاء والواو والهاء على أن التشديد في "فم" لا أصل له في نفس المثال؛ وإنما هو عارض لحق الكلمة.   1 الأفوه الأودي: هو صلاءة بن عمرو الأفوه. 2 يقال هو الشنفرى الأزدي. انظر/ شرح لامية العرب للعكبري "ص22". 3 مهرته: الهرات هو: رجل لا يكتم سرًا ويتكلم بالقبيح. القاموس المحيط "1/ 160". شدوقها: الشدق: جانب الفم ما تحت الخد، وكانت العرب تمتدح رحابة الشدقين؛ لدلالتها على جهارة الصوت "ج" أشداق، شدوق. القاموس المحيط "3/ 248". كالحات: أي اشتد عبوسها، والكلوح تكشر في عبوس. مادة "ك ل ح" القاموس "1/ 246". بسل: البسالة: الشجاعة، وقد بسل من باب ظرف فهو باسل أي: بطل "ج" بسل كبازل وبزل. القاموس المحيط "3/ 335". إعراب الشاهد: فوه: خبر مرفوع. ونسب ابن جني البيت إلى الشنفرى الأزدي؛ بينما لم نقف على قائله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 فإن قال قائل: فإذا ثبت بما ذكرته أن التشديد في "فم" عارض ليس من أصل الكلمة؛ فمن أين أتاها هذا التشديد؟ وكيف وجه دخوله إياها؟ فالجواب: أن أصل ذلك أنهم ثقلوا الميم في الوقف؛ فقالوا: هذا فم، كما يقولون: هذا خالد، وهو يجعل، ثم إنهم أجروا الوصل مجرى الوقف، فقالوا: هذا فم، ورأيت فمًا، كما أجروا الوصل مجرى الوقف في ما حكاه سيبويه عنهم من قولهم ثلاثة أربعة، وكما أنشده من قول الراجز1: ضخمًا يحب الخلق الأضخما2 وكما أنشدناه أبو علي: ببازل وجناء أو عيهل ... كأن مهواها على الكلكل3 يريد: العيهل والكلكل، وقد مضى نظير هذا؛ فهذا حكم تشديد الميم عندي، وهو أقوى من أن تجعل الكلمة من ذوات التضعيف بمنزلة هم، وجم. فإن قلت: فإذا كان أصل "فم" عندك "فوه" فما تقول في قول الفرزدق أنشدناه أبو علي4: هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العوي أشد رجام5   1 نسبه صاحب الكتاب "1/ 11"، واللسان مادة "ضخم" إلى رؤبة. 2 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "فوه" "13/ 526"، دون أن ينسبه، ثم ذكره في مادة "ضخم" ونسبه إلى رؤبة. "12/ 353". 3 وجناء: عظيمة الوجنتين، والوجنة ما ارتفع من الخدين. القاموس المحيط "4/ 274". الكلكل: الصدر: أو هو ما بين الترقوتين، والكلكل والكلكال: الصدر. القاموس "4/ 46" والبيت ذمره صاحب اللسان في مادة "فوه" دون أن ينسبه. "13/ 526". 4 ذكر أبو علي أن البيت يروى للفرزدق وهو في ديوانه "ص771". وانظر/ الكتاب "3/ 365، 622". 5 نفث: نفثًا ونفاثًا: أي نفخ، ونفث الشيء من فيه أي رمى به، نفث فلانًا سحره والنفاثات والنفث أقل من التفل. القاموس المحيط "1/ 175". النايح: نيح: نيحًا، نياحًا: صات، ونيح عليه أي: صات عليه، والنايح والنياح ضخم الصوت الشديد. القاموس المحيط "1/ 254". العاوي: عوى الكلب والذئب: صاح صياحًا شديدًا ممدودًا ليس بنباح؛ فهو عاو وعواء. رجام: "م" الرجم، والرجم الحجارة التي توضع على القبر "ج" رجام، أرجم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وإذا كانت الميم بدلًا من الواو التي هي عين؛ فكيف جاز له الجمع بينهما؟ فالجواب: أن أبا علي حكى1 لنا عن أبي بكر وأبي إسحاق أنهما ذهبا إلى أن الشاعر جمع بين العوض والمعوض عنه؛ لأن الكلمة مجهورة منقوصة. وأجاز أبو علي أيضًا فيه وجهًا آخر، وهو أن تكون الواو في "فمويهما" لامًا في موضع الهاء من أفواه، وتكون الكلمة تعتقب عليها لامان هاء مرة وواو أخرى؛ فيجرى هذا مجرى سنة، وعضة؛ ألا تراهما في قول من قال2 سنوات، وأسنتول3، ومساناة، و4: وعضوات تقطع اللهازما5 واوين، وتجدهما في قول من قال6: ليست بسنهاء ......... ... .................... وبعير عاضه هاءين. وكذلك من قال7: ............ ... تأوه آهة الرجل الحزين فاللام عنده هاء.   1 حكى أبو علي أن هذا مذهب ابن السراج؛ بينما قال ابن جني هذا مذهب الزجاج. 2 الصواب ما أثبت؛ فإن سيبويه حكى الوجهين الواو والهاء في سنة وعضة. انظر/ الكتاب "2/ 80-81". 3 استنوا: استنوا أي أصابهم السنه والجدب. 4 الواو يقتضيها سياق الكلام. 5 عجز البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "أزم" ونسبه إلى أبي مهدية. "12/ 17". اللهازما: "م" اللهزمة، واللهزمة: عظم ناتئ في اللحى تحت الحنك وهما لهزمتان. "ج" لهازم. القاموس المحيط "4/ 179". 6 هو سويد بن الصامت الأنصاري، وسبق شرحه والتعليق عليه. 7 البيت ينسب للمثقب العبدي في وصف ناقته. انظر/ الخصائص "3/ 38"، معاني القرآن للفراء "2/ 23". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ومن قال1: فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ... ................. ........... 2 فاللام عنده واو، لأن "أو" بمنزلة قو زيدًا؛ فهذا وجه كما تراه. ونظير ما حكاه عن أبي بكر وأبي إسحاق من الجمع بين العوض والمعوض منه ما أنشده البغداديون وأبو زيد3: إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما4 ألا تراه جمع بين "يا" والميم المشددة، وهي عند الخليل5 بدل من "يا"، وكذلك ما أنشدوه أيضًا من قول الجارية لأمها6: يا أمتًا أبصرني راكب ... في بلد مسحنفر لاحب7   1 البيت بتمامه كما ذكره صاحب اللسان "14/ 54" مادة/ أوا. فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض دوننا وسماء 2 هي لغة في قوم بني عامر. كذا في معاني القرآن للفراء. 3 نسب ابن عقيل البيت في شرحه إلى أمية بن الصلت "2/ 265" شاهد 310. وذكره صاحب اللسان في مادة "أله" دون أن ينسبه. "13/ 469". 4 البيت في جملة أسلوبه إنشائي في صورة توكيد وغرضه التأكيد على فكرة اللجوء إلى الله عز وجل إذا ما ألمت به مصيبة. وقوله: يا اللهم: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه الدعاء. والشاهد فيه قوله "يا اللهم يا اللهما" حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة التي يؤتى بها للتعويض عن حرف النداء، وهذا شاذ؛ لأنه جمع بين المعوض عنه والعوض. إعراب الشاهد: يا اللهما: يا: حرف نداء مبني لا محل له من الإعراب. الله: لفظ الجلالة منادى مبني على الضم في محل نصب. ما: زائدة. 5 انظر/ الكتاب "1/ 310". 6 البيت ذكره صاحب اللسان. مادة "أيا" دون أن ينسبه. "14/ 61". 7 مسحنفر: الواسع. لسان العرب "4/ 352" مادة/ سحفر. لاحب: واضح: ويقال لحب الطريق لحوبًا أي وضح فهو لاحب مادة "ل ح ب". يا أمتًا: أسلوب إنشائي في صورة نداء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 ألا ترى أن التاء في "يا أمت"؛ إنما هي بدل من ياء "أمي"؛ وإنما أبدلها ألفًا للتخفيف؛ أفلا تراه كيف جمع بين العوض والمعوض عنه. فهذا يؤكد مذهب أبي بكر وأبي إسحاق في فمويهما. وما ذكرنا فيه من هذين الجوابين أحسن من أن تحمل الكلمة على الغلط منهم، كهمز مصائب، وحلات السويق1، وغير ذلك. وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: قال بلال بن جرير2: إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة3 فإن أحمد كأنه لم يعرفه؛ فلما فهم قال: هذا جمع بين اللغتين؛ فالهمزة في هذا هي الأصل، وهي التي في قولك: ساءلت زيدًا، والياء هي العوض والفرع، وهي التي في قولك: سايلت زيدًا؛ فقد تراه كيف جمع بينهما في قوله: "سآيلتهم"؛ فوزنه على هذا: فاعلتهم، وهذا مثال لا يعرف له في اللغة نظير. فإذا ثبت بما قدمناه أن عين "فم" في الأصل واو، فينبغي أن يقضي بسكونها؛ لأن السكون هو الأصل حتى تقوم الدلالة على الحركة الزائدة. فإن قلت: فهلا قضيت بحركة العين لجمعك إياه على أفواه؛ ألا ترى أن أفعالًا إنما هو في الأمر العام جمع فعل نحو بطل وأبطال، وقدم وأقدام، ورسن4، فاعرف ذلك.   1 حلأت السويق: يقال حلأ السويق حلأه إذا حلاه. القاموس المحيط "1/ 12". قال الفراء: قد همزوا ما ليس بمهموز؛ لأنه من الحلواء. 2 البيت نسبه إليه صاحب الخصائص "3/ 146". 3 علة: حدث يشغل صاحب عن وجهه؛ كأن تلك العلة صارت شغلًا ثانيًا منعه عن شغله الأول. يقول الشاعر: إنك إذا حللت عليهم ضيفًا أو سألتهم حق الضيافة؛ وجدت ما يشغلهم عنك. والبيت أسلوبه خبري تقريري. والبيت نسبه صاحب اللسان في مادة "سأل" إلى بلال بن جرير. "11/ 319". 4 ورسن: الرسن: الحبل وجمعه أرسان، ورسن الفرس أي شده بالرسن وبابه نصر. وأرسنه أيضًا. مادة "ر س ن". القاموس المحيط "4/ 227". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وأما إبدال الميم من النون؛ فإن كل نون ساكنة وقعت قبل باء قبلت في اللفظ ميمًا وذلك نحو عنبر، وامرأة شنباء1، وقنبر2، ومنبر، وقنب3، وقنبلة4، ونساء شنب؛ فإن تحركت أظهرت، وذلك نحو قولك: شنب، وعنابر، وقنابر، ومنابر، وقنابل؛ وإنما قبلت لما وقعت ساكنة قبل الباء من قبل أن الباء أخت الميم، وقد أدغمت النون مع الميم في نحو: من معك، ومن محمد؛ فلما كانت تدغم النون مع الميم التي هي أخت الباء أرادوا إعلالها أيضًا مع الباء إذ قد أدغموها في أختها الميم، ولما كانت الميم التي هي أقرب إلى الباء من النون؛ لم تدغم في الباء في نحو أقم بكرًا، لا تقول: أقبكرًا، ولا في نم بالله: نبالله، كانت النون التي هي من الباء أبعد منها من الميم أجدر بأن إعلال الإدغام، فقربوها من الباء بأن قلبوها إلى لفظ أقرب الحروف من الباء، وهو الميم، فقالوا/ عمبر، وقمبلة، فاعرف ذلك. وأما قول رؤبة5: يا هال ذات المنطق التمتام ... وكفك المخضب البنام6 فإنه أراد: البنان؛ فأبدل النون ميمًا؛ وإنما جاز ذلك لما فيها من الغنة، والهوي، وعلى هذا جمعوا بينهما في القوافي، فقالوا: يارب جعد فيهم لو تدرين ... يضرب ضرب السبط المقاديم7   1 شنباه: الشنباه: شنب الشغر: شنبا: رقت أسنانه وابيضت فهو شنب وشانب وأشنب وهي شنباء. مادة "ش ن ب" القاموس المحيط "1/ 89". 2 قنبر: اسم يطلق على شخص. 3 قنب: مخلب الأسد. القاموس المحيط "1/ 120". 4 قنبلة: طائفة من الناس ومن الخيل. القاموس المحيط "4/ 41". 5 هذا مطلع أرجوزة له في مدح مسلمة بن عبد الملك. ديوانه "ص144". 6 هالة: مرخم هالة، وهو اسم امرأة، والهالة في الأصل دارة القمر. القاموس "4/ 72". التمتام: الذي فيه تمتمة، وهو الذي يتردد في التاء، وفي الديوان: النمام. 7 البيتان في أدب الكتاب "ص378"، واللسان مادة "جعد" "4/ 94". الجعد: القصير من الرجال. القاموس "1/ 283". رجل سبط: طويل. القاموس "2/ 362". المقاديم: جمع مقدام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وقال الآخر: يطعنها بخنجر من لحم ... دون الذنابي في مكان سخن1 وهو كثير وأما إبدالها من اللام فيروى أن النمر بن تولب حكى، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس من امبر امصيام في امسفر"2 يريد: ليس من البر الصيام في السفر، فأبدل لام المعرفة ميمًا. ويقال: أن النمر لم يرو عن النبي- صلى الله عليه وسلم- غير هذا الحديث؛ إلا أنه شاذ لا يسوغ القياس عليه، ونحوه في الشذوذ ما قرأته على أبي علي بإسناده إلى الأصمعي، قال3: "يقال: بنات مخر، وهن سحائب يأتين قبل الصيف بيض منتصبات في السماء". قال طرفة4: كبنات المخر يمأدن كما ... أنبت الصيف عساليج الخضر5 قال أبو علي: كان أبو بكر محمد بن السري يشتق هذه الأسماء من البخار؛ فهذا يدلك من ذهب أبي بكر وأبي علي- لأنه تقبله عن أبي بكر ولم يدفعه- على أن الميم في "مخر" بدل من الباء في "بخر".   1 البيتان في المقتضب "1/ 353"، واللسان مدة "خنجر" "4/ 260". 2 أخرجه البخاري في كتاب الصوم -باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه: " ... ليس البر الصوم في السفر" ولفظه: "ليس من البر الصوم في السفر"، وأخرجه مسلم في كتاب الصوم -باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. وأداة التعريف في اللفظين هي "أل". 3 كتاب الإبدال لابن السكيت "ص70". 4 البيت في ديوانه "ص59". اللسان "2/ 324" مادة/ عسلج. 5 يمأدن: يتحركن ويتثنين. لسان العرب "3/ 394" مادة/ مأد. العساليج: جمع عسلوج، وهو الغصن لسنته. القاموس المحيط "1/ 199". الخضر: اسم البقلة الخضراء. أراد: يمأذن كعساليج أنبتها الصيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 ولو ذهب ذاهب إلى أن الميم في "مخر" أصل غير مبدلة على أن يجعله من قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12] 1 وذلك أن السحاب كأنها تمخر البحر؛ لأنها في ما يذهب إليه عنه تنشأ، ومنه تبدأ؛ لكان عندي مصيبًا غير مبعد؛ ألا ترى إلى قول أبي ذؤيب في وصف السحاب2: شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج3 وأخبرنا أبو علي أيضًا يرفعه بإسناده إلى أبي عمرو الشيباني قال: "يقال: ما زلت راتمًا على هذا وراتبًا، أي مقيمًا"4؛ فالظاهر من أمر هذه الميم أن تكون بدلًا من باء راتب؛ لأنا لم نسمع في هذا الموضع رتم5 مثل رتب. وتحتمل الميم في هذا عندي أن تكون أصلًا غير بدل، من الرتيمة، وهى شيء كان أهل الجاهلية يرونه بينهم، وذلك أن الرجل منهم كان إذا أراد سفرًا عمد إلى غصنين من شجرتين تقرب إحداهما من الأخرى، فعقد أحدهما بصاحبه؛ فإذا عاد ورأى الغصنين معقودين بحالهما قال: إن امرأته لم تخنه بعد، وإن رأى الغصنين قد انحلا قال: امرأته قد خانته، قال الراجز6: هل ينفعك اليوم إن همت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرتم7   1 الفلك: السفينة، السفن. القاموس المحيط "3/ 316". مواخر: "م" ماخرة، والماخرة السفينة، مخرت البحر مخرًا ومخورًا: أي جرت تشق الماء. والمقصود بمواخر أي جواري تشق الماء شقًا. 2 السحاب: الغيم سواء كان فيه ماء أن لم يكن. 3 متى: في لغة هذيل تعني "من"، وتعني أيضًا: وسط الشيء. لسان العرب "15/ 474". لجج: اللجة: معظم البحر وتردد أمواجه "ج" لجج ولجاج. القاموس "1/ 205". نئيج: الصوت الذي ينتج نتيجة للمرور السريع. لسان العرب "2/ 371" مادة/ نأج. 4 ذكر ذلك ابن السكيت في كتابه الإبدال. 5 رتم: الرتيمة: خيط يشد فى الإصبع تستذكر به الحاجة. القاموس ط4/ 116". 6 ذكره صاحب اللسان في مادة "رتم" دون أن ينسبه. "12/ 225". انظر/ شرح معاني القرآن للفراء "1/ 217". 7 تعقاد الرتم: يقال أن الرجل إذا أراد سفرًا عمد إلى شجرة فشد غصنين منها؛ فإن رجع ووجدهما على حالهما قال إن أهله لم تخنه وإلا فقد خانته. الشاعر هنا يسخر من ذلك الذي يعقد الرتم لأنها لا تغني عن الخيانة. وقولة "هل ينفعك" أسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه النصح والإرشاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 والرتمة أيضًا خيط يشد في الإصبع ليذكر الرجل به حاجته، وكلا هذين المعنيين تأويله الإقامة والثبوت؛ فيجوز أن يكون راتم من هذا المعنى. وإذا أمكن أن تتأول اللفظة على ظاهرها لم يشع العدول عنه إلى الباطن إلا بدليل، والدليل هنا إنما يؤكد الظاهر لا الباطن؛ فينبغي أن يكون العمل عليه دون غيره. وقرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب، قال: "يقال: رأيته من كثب ومن كثم"1 ثم إنا رأيناهم يقولون: قد أكثب لك الأمر إذا قرب، ولم نرهم يقولون قد أكثم؛ فالباء على هذا أعم تصرفًا من الميم؛ فالوجه لذلك أن تكون الباء هي الأصل للميم. وقد يجوز أن تكون الميم أصلًا أيضًا لقولهم: أخذنا على الطريق الأكثم، أي الواسع، والسعة قريبة المعنى من القرب؛ ألا ترى أنهما يجتمعان في تسهل سلوكهما، وأنه لا يتسع الطريق، ولا تكثر سابلته2 إلا لأنه أقصد من غيره، والقصد كما تراه هو القرب، فقد آلا إذن إلى معنى واحد. وقرأت على أبي علي بإسناده إلى يعقوب، قال: قال الأحمر3: يقال: طانه الله على الخير، وطامه، أي: جبله، وهو يطينه، وأنشد: ........ .......... ........ ... ألا تلك نفس طين منها حياؤها4 والقول فيه: أن الميم في طامه بدل من النون طانه؛ لأنا لم نسمع لـ "طام" تصرفًا في غير هذا الموضع. فأما قول الآخر5:   1 كثم: تأتي بمعنى قرب. القاموس "4/ 169". 2 سابلته: السابلة: الطريق المسلوك، والسابلة: الطريق والمارون عليه. "ج" سوابل. 3 ذكر ذلك ابن السكيت صاحب الإبدال، والأحمر هو: خلف بن حيان. انظر/ اللسان "13/ 270" مادة/ طين. 4 ذكر صاحب اللسان البيت في مادة "ط ي ن" دون أن ينسبه. "13/ 270". 5 ذكر صاحب البيت صاحب اللسان في مادة "نغب" دون أن ينسبه"1/ 765" مادة/ نغب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 فبادرت شربها عجلى مثابرة ... حتى استقت دون محنى جيدها نغما1 فذكر ابن الأعرابي أنه أراد نغبًا، وهو عندي كما قال. وأما زيادة الميم فموضعها أول الكلمة، وحال الميم في ذلك حال الهمزة؛ فمتى اجتمع معك ثلاثة أحرف أصول وفى أولها ميم، فاقض بزيادة الميم حتى تقوم الدلالة على كونها أصلًا، وذلك نحو مشهد، ومضرب، ومقياس؛ لأن الألف زائدة. فإن كانت معك أربعة أحرف أصول وقبلهن ميم؛ فاقض بكونها من الأصل، كفعلك بالهمزة، وقد ذكرناها2 فى بابها، وذلك نحو: مرزجوش3، ميمه فاء، ووزنه فعللول بوزن عضرفوط4، وقرطبوس5. فأما ميم مهدد6 فأصل، ومثاله فعلل كجعفر، وحبتر. ويدل على ذلك أنه لو كان مفعلًا؛ لوجب أن تدغمه، فتقول "مهدّ"، كما قالوا "مسد" و"مرد". وأما محبب7 فمفعل؛ وإنما لم يدغم لأنه علم، والأعلام قد تأتي كثيرًا مخالفة للأصول الأجناس، وذلك نحو: تهلل، ومورق، وموظب، ومزيد، وحيوة، ومعدي كرب. فإن قلت: فهلا قلت في مهدد إنه مفعل كما قلت في محبب؟ فالجواب: أن محببًا لو وجدنا له أصلًا نصرفه به إلى أنه فعلل؛ لفعلنا، ولكان ذلك آثر عندنا من أن نحمله على ضرورة العلم، ولكنا لم نجد في كلام العرب "م ح ب" متصرفان ووجدنا فيه "ح ب ب" فعدلنا إلى "ح ب ب" ضرورة.   1 بادرت: أي أسرعت، وبادر إليه مبادرة وبدارًا أي أسرع. مادة "ب د ر" القاموس "1/ 369". شربها: الشرب: الماء يشرب، والشرب النصيب منه. القاموس "1/ 86". عجلى: أي مسرعة، وهي عجول وهي عجلى "ج" عجالى وعجال. القاموس "4/ 12". مثابرة: ثابرعلى الأمر أي واظب عليه وداوم. مادة "ث ب ر" القاموس "1/ 381". نغمًا: الأصوب نغبًا، والنغب جمع "م" النغبة: الجرعة. القاموس "1/ 133". 2 أي زيادة الهمزة وذلك في باب الهمزة. 3 مرزجوش: معرب مرزنكوش. 4 عضوفوط: ذكر الغطاء. القاموس "2/ 373". 5 قرطبوس: الشديدة الضرب من العقارب والناقة العظيمة الشديدة. 6 مهدد: اسم امرأة. 7 محبب: اسم رجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وأما مهدد- وإن كان علمًا بدلالة قول الأعشى1: وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلة مهددًا2 فإنا إنما حملناه على أنه فعلل، ولم نحمله على أنه مفعل مظهر التضعيف لضرورة العلم؛ لأنا قد وجدنا في كلامهم "م هـ د" متصرفًا؛ فحملنا على هذا دون أن نحمله على أنه من "هـ د د" لما فيه من الضرورة، فاعرف ذلك. واعلم أن الأعلام إنما جازت فيها هذه المخالفة للجمهور من قبل أنها كثر استعمالها؛ فجاز فيها من الاتساع ما لم يجز في ما قل استعماله من الأجناس، وكما غيرت في أنفسنا وذواتها؛ فكذلك غير إعرابها أيضًا عما عليه حكم إعراب النكرات. ألا تراهم يقولون لمن قال مررت بزيد: من زيد؟ ولمن قال ضربت بكرًا: من بكرًا؟ ولا يقولون لمن قال رأيت رجلًا: من رجلًا. ولا: من غلام؟ لمن قال نظرت إلى غلام. واعلم أنك إذا حصلت حرفين أصليين في أولهما ميم أو همزة، وفي آخرهما ألف فاقض بزيادة الميم والهمزة، وذلك أنا اعتبرنا اللغة فوجدنا أكثرها على ذلك، إلا أن تجد ثبتًا تترك هذه القضية إليه؛ وذلك نحو موسى، وأروى3، وأفعى، ومثالهما مفعل، وأفعل، وذلك أن مفعلًا في الكلام أكثر من فعلى، وأفعل أكثر من فعلى، ألا ترى أن زيادة الميم أولًا أكثر من زيادة الألف رابعة. وأما مِعْزى، لقولهم مَعْز، ومَعَز، ومَعِيز. وأما أرطى4 ففعلى، لقولهم: أديم مأروط5.   1 البيت في ديوانه ص "185". 2 عشق النساء: أي حبهن أشد الحب، والنساء: جع امرأة من غير لفظه. تناسيت: أي ادعيت فقدانًا مؤقتًا لما حفظه ذهني من صور وأفكار وكلام. خلة: الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه "ج" خلال. ويؤكد الشاعر على تناسيه لحب عشيقته مهدد. 3 أروى: اسم امرأة. 4 أرطى: شجر ينبت بالرمل يدبغ به. أديم مأروط: أي أديم مدبوغ بشجر الأرطى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وحكى لنا أبو علي أن أبا الحسن حكى: أديم مرطى؛ فأرطى على هذا: أفعل. وقد زيدت الميم حشوًا فى "دلامص" في قول الخليل1، ووزنه فعامل؛ لأنه من الدلاص2، وهو البراق، قال الأعشى: إذا جردت يومًا حسبت خميصة ... عليها وجريال النضير الدلامصا3 وقد قلبوه، فقالوا: دمالص، ووزنه على هذا فماعل، وحذفوا أيضًا ألفهما تخفيفًا؛ فقالوا: ودملص ووزنهما فعمل، وفمعل. وأما أبو عثمان فأجاز4 في "دلامص" أن يكون رباعيًا قريبًا من لفظ "دلاص"، كما قالوا لؤل ولأال، وسبط5 وسبطر6، ودمث7 ودمثر8. وقد أحكمت هذا، وتقصيته في كتابي9 في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله. ونظير دمالص ما حدثنا به أبو علي قال: يقال: لبن قمارص، يعنى القارص؛ فالميم إذن هنا زائدة، ومثاله فماعل.   1 انظر/ الكتاب "2/ 328". 2 في الكتاب "4/ 325": لأنه من التدليص. الدلعص: كعلبط وعلابط البراق، وذهب دلامص لماع. القاموس المحيط "2/ 304". 3 جردت: أزيل ما عليها. مادة "ج ر د" القاموس المحيط "2/ 282". خميصة: كساء أسود مربع له علمان. القاموس المحيط "2/ 302". قوله خميصه عليها: كناية عن الشعر. النضير: الخالص من كل شيء والذي يشتمل على رونق وبهجة. وهو يكنى به عن الذهب حيث يقال ذهب نضار. القاموس المحيط "2/ 143". يقول الأعشى: أنها لو جردت من ملابسها لظننت وشعرها ينسدل عليها كأنما ترتدي خميصة ويبدو ما عليها صاف يبرق كأنما الذهب والفضة. 4 المنصف "1/ 152". 5 وسبط: السبط من الرجال الطويل. القاموس المحيط "2/ 362". 6 سبطر: في الرجال، الطويل. لسان العرب "4/ 342" مادة/ سبطر. 7 دمث: المكان الدمث: السهل اللين. القاموس المحيط "1/ 166-167". 8 دمثر: السهل اللين. لسان العرب "4/ 291" مادة/ دمثر. 9 أي في المنصف "1/ 152-153". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وحدثنا أبو علي أيضًا، قال1: قال الأصمعي2: قالوا للأسد هرماس، وهو من الهرس3؛ فمثاله على هذا "فِعْمَال". ويجوز على قياس قول الخليل أن يكون حلقوم: فعلوم؛ لأنه من الحلق. وبلعوم: فعلوم أيضًا؛ لأنه من البلع، وسرطم: فعلم؛ لأنه من الاستراط4. ورأس صلادم: فعالم؛ لأنه من الصلد5. وأسد ضبارم: فعالم؛ لأنه من الضبر6 والتضبير. وأن يكون أيضًا ضماريط من قول القضيم بن مسلم البكائي7: وبيت أمه فأساع نهسًا ... ضماريط استها في غير نار8 وزنه: فماعيل؛ لأنه من الضرط. وقد زيدت الميم آخرًا أيضًا، وذلك قولهم: اللهم، فالميم مشدة عرض في آخره من يا في أوله، ولا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر، قال: إني إذا ما حدث ألما ... أقول: يا اللهم يا اللهما9 وخففها الأعشى، فقال10: كحلفة من أبي رياح ... يسمعها لا هم الكبار11   1 التكملة "ص555". 2 اظر/ اشتقاق الأسماء للأصمعي. 3 الهرس: الدق العنيف. القاموس المحيط "2/ 259". 4 الاستراط: سرط- سرطًا- استراطًا: أي ابتلعه. مادة "س ر ط" القاموس "2/ 363". 5 الصلد: حجر صلد: صلب أملس. القاموس "1/ 308". 6 الضبر: شدة الخلق. 7 البيت نسبه صاحب اللسان في مادة "ض ر ط" إلى الفضيم بن مسلم البكائي. 8 ضماريط الأست: ماحواليها. لسان العرب "7/ 342" مادة/ ضرط. والشاهد فيه: أن ضراريط على وزن فماعيل حيث أن أصلها ضريط بوزن فعل، وضراريط على وزن "فماعيل" على هذا النحو. 9 سبق الحديث عنه. 10 نسب صاحب اللسان البيت في مادة "أله" إلى الأعشى، وهو في ديوانه "ص333"، وانظر/ معاني القرآن للفراء "1/ 204". 11 والشاهد فيه أن الأعشى لم يشدد الميم في قوله "لاهم" حيث إن الميم تشدد عوضًا عن أداة النداء في أول المنادى في قوله "يا اللهما" فتصبح اللهم بتشدد الميم وحذف الياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ولحقت أيضًا في آخر المتمكن، وذلك نحو شذقم؛ لأنه العظيم الشدق. وشجعم، لقولهم1: الأفعوان والشجاع الشجعما2 إنما هو توكيده ومن لفظه. ودردم من الأدرد3، ودلقم من الدلق4 وسيف دلوق. ودقعم5 من الدقعاء. ورزقم6، وفسحم7، وستهم8، لأنها من الرزقة، والفسحة9، والأسته. ويجوز أن يكون قرطم10 من ذلك لأنه يقرط. وقالوا: امرأة خدلم للخدلة11، وشيخ كهكم12، وهو الذي يكهكه في يده. قال الأغلب13: يا رب شيخ من لكيز كهكم ... قلص عن ذات شباب خدلم14   1 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "ش ج ع": "8/ 175"، ولم ينسبه. 2 الأفعوان: ذكرالأفاعي. لسان العرب "15/ 159" مادة/ فعا. 3 الأدر: الذي سقطت أسنانه كلها وفي الحديث: "لزمت السواك حتى خشيت أن يدرني". 4 الدلق: دلق الشيء أخرجه. القاموس المحيط "3/ 232". 5 دقعم: الأرض التي لا نبات بها فهي دقعاء ودقعم. 6 الزرقم: الذي اشتدت زرقته للمذكر والمؤنث. القاموس المحيط "3/ 240". 7 الفسحم: الذي اتسع صدره فصدره فسيح وفسحم، وكذا من فسح صدره فانشرح. 8 وستهم: الذي عظم استه. 9 الفسحة: السعة "ج" فسح. مادة "ف س ح". القاموس المحيط "1/ 240". 10 قراطم: نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة، يستعمل زهرة تابلًا وملونًا للطعام، ويستخرج منه صباغ أحمر، وهو حب العصفر أو ثمره. القاموس "4/ 164". 11 للخدلة: المرأة الغليظة الساق المستديرتها. القاموس المحيط "3/ 366". 12 كهكم: أي كل وطعن في السن. القاموس المحيط "4/ 173". 13 البيت نسبه إليه صاحب اللسان في مادة "خدل": "11/ 201". 14 البيت نسبه صاحب اللسان كما ذكرنا إلى الأغلب العجلي، ولكن كالآتي: يارب شيخ من عدي كهكم ... قلص عن ذات سباب خدلم والشاهد فيه قوله "كهكم" حيث أبدل الهاء ميمًا حيث إنها كهكه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وقال آخر: ليست برسحاء ولكن ستهم ... ولا بكرواء ولكن خدلم1 وقال ابن دريد: دخشم اسم رجل من دخش2 يدخش دخشًا إذا امتلأ لحمًا. والصلقم: الشديد الصراخ، من الصلق3. واعلم أن الميم في أنتما، وأنتم، وقمتما، وقمتمو، وضربتكما، وضربتكمو، ومررت لهما وبهمو، إنما زيدت لعلامة تجاوز الواحد، وأن الألف بعدها لإخلاص التثنية، والواو بعدها لإخلاص الجمع. واعلم أن الميم من خواص زيادة الأسماء، ولا تزداد في الأفعال إلا شاذًا؛ وذلك نحو: تمسكن4 الرجل، من المسكنة، وتمدرع5 من المدرعة، وتمندل6 من المنديل، وتمنطق7 من المنطقة، وتمسلم الرجل إذا كان يدعى زيدًا أو غيره ثم صار يدعى مسلمًا8. وحكى ابن الأعرابى عن أبى زياد: فلان يتمولى9 علينا؛ فهذا كله تمفعل. وقالوا مرحبك الله ومسهلك10. وقالوا مخرق11 الرجل، وضعفها ابن كسيان، وهذا كله مفعل. ولا يقاس على هذا إلا أن يشذ الحرف فتضمه إليه.   1 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "كرا" ولم ينسبه. "15/ 220". رسحاء: رسح رسحًا: قل لحم عجزه وفخذيه؛ فهو أرسح وهي ريحاء ويقال به رسح. ستهم: العظيمة الأست. كراوه: التي دق عظم أطرافها -الساقين والذراعين-. خدلم: الممتلئة. يقول الشاعر في وصف للمرأة: أنها ليست قليلة اللحم؛ ولكنها عظيمة الاست ممتلئة. والبيت إنشائى في صورة نفي غرضه المدح. 2 دخش: بفتح العين في النسخ كلها، وكذا في اللسان "6/ 301" مادة/ دخش. 3 الصلق: الصياح. القاموس المحيط "3/ 254". 4 تمسكن الرجل: أظهر المسكنة. القاموس المحيط "4/ 235". 5 تمدرع: لبس المدرعة. القاموس "3/ 20". 6 تمندل: تمسح بالمنديل. القاموس "4/ 56". 7 تمنطق: شد على وسطه المنطقة. لسان العرب" 10/ 366" مادة/ نطق. 8 مسلمًا: في الممتع "ص242": مسلمة. 9 تمولى علينا: تعاظم. 10 مسهلك: من السهل. لسان العرب "11/ 349". 11 مخرق الرجل: أي تخرق بالمعروف، وهو من الخرق، أي الكريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 باب النون : النون حرف مجهور أغن، يكون أصلًا وبدلًا وزائدًا. فالأصل يكون فاء وعينًا ولامًا، فالفاء نحو نعم ونعم، والعين نحو جنب وجنح، واللام نحو حصن وقطن. وأما البدل فذهب أصحابنا1 إلى النون في فعلان؛ فعلى نحو سكران وغضبان وولهان2 وحيران بدل من همزة فعلاء نحو حمراء وصفراء؛ وإنما دعاهم إلى القول بهذا أشياء: منها: أن الوزن في الحركة والسكون في فعلان وفعلاء واحد، وأن في آخر فعلان زائدتين معًا، والأولى منهما ألف ساكنة كما أن فعلاء كذلك. ومنها: أن مؤنث فعلان على غير بنائه؛ إنما هو فعلى، كما أن مذكر فعلاء على غير بنائها؛ إنما هو أفعل. ومنها: أن آخر فعلاء همزة، وهي علامة التأنيث، كما أن آخر "فعلان" نون تكون في "فعلن" نحو "قمن" و"قعدن" علامة تأنيث. فلما اشتبهت الهمزة والنون هذا الاشتباه، وتقاربتا هذا التقارب؛ لم يخلوا من أن يكونا أصلين كل واحد منهما قائم بنفسه غير مبدل من صاحبه، أو يكون أحدهما منقلبًا عن الآخر؛ فالذي يدل على أنهما ليسا أصلين بل النون بدل من الهمزة في "صنعاء" و"بهراء" يدل على أنها في باب "فعلان فعلى" بدل من همزة فعلاء. وإذا ثبت ذلك فقد ينضاف إليه مقويًا له قولهم في جمع إنسان: أناسي، وفي جمع ظربان3: ظرابي.   1 أصحابنا: رأي أصحابه يمكن مراجعته في كل من: المنصف "1/ 153-158-159"، والكتاب "2/ 314-349". 2 ولهان: الوله: شدة الحزن مع الحنين والوجد. القاموس المحيط "4/ 295". 3 ظربان: حيوان في رتبة اللواحم والفصيلة السمورية، وهو أصغر من السنور، أصلم الأذنين مجتمع الرأس، طويل الخطم قصير القوائم. منتن الرائحة. القاموس "1/ 99". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 قال الراجز1: دون ظرابي بني قرواش2 فجرى هذا مجرى قولهم صلفاء3 وصلافي وخبراء4 وخباري؛ فردهم النون في إنسان وظربان ياء في ظرابي وأناسي كما ردوا همزة خبراء وصلفاء ياء يدل على أن الموضع للهمزة، وأن النون داخلة عليها. ونحو من ذلك أيضًا قولهم سكران وسكارى، وحيران وحيارى، وندمان5 وندامى، ونصران ونصارى6؛ فجرى هذا مجرى صحراء وصحارى. فإن قيل: فما تنكر أن تكون النون هي الأصل والهمزة بدل منها، بدلالة قلبهم النون في "ظربان" و"إنسان" ياء في "ظرابي" و"إناسي"؛ فكما قلبت هنا ياء كذلك قلبت نون "فعلان" همزة في فعلاء، وما الفرق بينك وبين عكس الأمر عليك كما ذكرناه؟ فالجواب: أن الذي قدمناه من قولهم في صنعاء وبهراء7: صناعني وبهراني دلالة قاطعة على أن النون هي البدل من الهمزة، لا أن الهمزة بدلًا من النون، وإذا كان الأمر كذلك؛ فالنون أيضًا في "إنسان" و"ظربان" بدل من الهمزة لقولهم: ظرابي وأناسي كقولهم: "صلافي وخباري". فإن قلت: فإن إنسانًا فعلان، وظربان: فعلان، وليس فيهما فعلان، وأنت قد قدمت من قولك أن النون في فعلان بدل، ولم تذكر فعلان ولا فعلان!   1 لم نعثر على نسب لهذا الراجز. 2 جاء شطر البيت في شرح الملوكي "ص363" ولم نعثر عليه في اللسان، ولم يذكره صاحب المنصف ولا غيرهما. والشاهد فيه: جمع كلمة ظربان على ظرابي، بينما تجمع على "ظربى - ظرابين" وذلك عند النسب إليها حيث نسبت إلى بني قرواش. 3 صلفاء: الطلب من الأرض فيه حجارة. القاموس المحيط "3/ 163". 4 خبراء: الأرض التي ينبت فيها النبات، والمخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض. 5 ندمان: المصاحب في الشراب والمسامر. القاموس المحيط "4/ 180". 6 نصارى: "م" نصارني وهو من تعبد بدين النصرانية. القاموس المحيط "2/ 143". 7 بهراء: حي من اليمن، وقيل: قبيلة. لسان العرب "4/ 85" مادة/ بهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 فالجواب: أن الأصل كما تدم لفعلان بالمشابهة التي ذكرناها بينه وبين فعلاء؛ فأما "فِعْلَان وفَعِلَان فإنما شبها بـ "فَعْلَان للزيادة التي في أواخرهما ومشابهتها للزيادة التي في آخر فعلان؛ فحملا في البدل على فعلان، كما شبها أيضًا به وجميع بابهما مما في آخره ألف ونو وليس على وزن "فَعْلان"، أو كان على فَعْلان وليست له "فعلى" في ترك صرف الجميع معرفة، وذلك نحو عثمان، وغطفان، وزعفران، وكيذبان1، وحمان، وسعدان2، فكما ألحقت هذه الأشياء بسكران وحيران كذلك ألحق به أيضًا ظربان وإنسان في أن ردت نونهما إلى حرف اللين في ظرابي وأناسي. فإن قلت: فما تقول في حكاية أبي زيد عنهم في جمع إنسان: أناسية؟ وما القول في هذه الياء والهاء؟ فالجواب: أن الياء في أناسية هي الياء الثانية في أناسي، وأن الهاء في أناسية بدل من ياء أناسي الأولى، ألا ترى أن أناسي بوزن زناديق3 وفرازين، وأن الهاء في زنادقة وفرازنة إنما هي بدل من ياء زناديق وفرازين، وأنها لما حذفت للتخفيف عوض منها الهاء. ومثل ذلك جحجاح4 وجحاجحة؛ إنما أصله جحاجيح؛ فالياء الأولى من أناسي بمنزلة ياء فرازين وزناديق، والياء الآخرة منه بمنزلة القاف والنون فيهما. ومثل ذلك قولهم في جميع أثبية -وهى الجماعة- أثابية؛ إنما أصلها أثابي، وحالها حال أناسية. فإن قيل: فلم أبدلت همزة فعلاء نونًا؟ وما الذي سهل ذلك وحمل عليه؟ فالجواب: أن للنون شبهًا بحروف اللين قويًا لأشياء: منها: أن الغنة التي في النون كاللين الذي في حروف اللين.   1 كيذبان: أي الكاذب. 2 سعدان: شوك النخل، وقيل هو نبات أو شوك، وهو من أنجع المراعي، وقيل هو بقلة. 3 زناديق: "م" زنديق، وهو الذي يؤمن بالزندقة، والزندقة هي القول بأزلية العالم، وأطلق على الزردشتيه، والمانوية وغيرهم من الثنوية، وتوسع فيه فأصبح يطلق على كل شاك أو ضال أو ملحد. القاموس المحيط "3/ 242". 4 جحجاح: السيد السمح الكريم "ج" جحاجح، جحاجيح، وجحاجحة. "القاموس"1/ 217". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 ومنها: اجتماعها في الزيادة معهن، ومعاقبتها لهن في الموضع الواحد من المثال الواحد، وذلك نحو: شرنبث وشرابث1، وجرنفس وجرافس2، وعصنصر وعصيصر3، وعرنقصان وعريقصان4؛ ألا ترى أن النون قد عاقبت الألف والياء في ما ذكرنا. وقالوا أيضًا: فدوكس5، وسرومط6، وعميثل7 كما قالوا: جحنفل8، وفلتقس9. وفصلوا بها بين العينين؛ فقالوا: عقنقل10، وعصنصر، وسجنجل11، هجنجل12، وعبنبل13، كما قالوا: غدودن14، وقطوطى15، وشجوجى16 في أحد قولي سيبويه17، وخفيفد18. وحذفوها أيضًا لالتقاء الساكنين في نحو19: ... م الآن ............ ... ....................... 20   1 شرابث: الذي غلظ ظاهر يده أو رجله وتشقق من البرد نحوه. القاموس "1/ 168". 2 جرافس: الضخم الشديد من الرجال. 3 عصنصر أو عصيصر: جبل. 4 عرنقصان: نبات. 5 فدوكس: اسم من أسماء الأسد. 6 سرومط: الطويل. القاموس "2/ 364". 7 عميثل: الضخم الثقيل. 8 جحنفل: العظيم الجحفلة، والجحفلة: مشفر البعير. القاموس المحيط "3/ 346". 9 الفلنقس: البخيل اللئيم. القاموس المحيط "2/ 238". 10 العقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل. القاموس المحيط "4/ 20". 11 سجنجل: المرآة. القاموس "3/ 394". 12 هجنجل: اسم. القاموس "4/ 67". 13 عبنبل: الضخم القوي، يقال الضخم من كل شيء، فيقال: هو عبل الذراعين، ويقال امرأة عبلة: ممتلئة الجسم. القاموس المحيط "4/ 11". 14 غدودن: أي الطويل. 15 قطوطى: المتبختر. القاموس "2/ 381". 16 شجوجى: المفرط في الطول. القاموس المحيط "1/ 195". 17 ذكر ذلك سيبويه في الكتاب "2/ 111-329-345". 18 الخفيفد: الخفيف من الظلمان. 19 يقصد قول أبي صخر الهزلي: كأنهما الآن لم يتغيرا وقد مر للدارين من بعدنا عصر والبيت ذكره صاحب الخزانة "3/ 258". 20 الشاهد فيه قوله "م الآن" حيث إن أصلها "من الآن"، وحذفت النون لالتقاء الساكنين تخفيفًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 و 1: .......... ........... ... ولاك اسقني ...... .... 2 و3: لم يك الحق ........... ... ............ .......... 4 كما حذفوهن لذلك في نحو غزا القوم، وتعطي ابنك، وتصبو المرأة5. وجعلوها أيضًا علم الرفع في نحو يقومان، ويقومون، وتقومين، كما جعلوا الواو والألف علمًا له في نحو أخوك، وأبوك، والزيدان، والزيدون، إلى غير ذلك مما يطول ذكره؛ فلما ضارعت النون حروف اللين هذه المضارعة، وكانت الهمزة قد قلبت إلى كل واحدة من الألف والياء والواو قلبوها أيضًا إلى الحرف الذي ضارعهن6، وهو النون، للتصرف والاتساع.   1 البيت ذكره صاحب الخزانة "4/ 367"، وكذا ذكره صاحب الإنصاف "ص684"، ونسبه صاحب الكتاب "1/ 9" إلى النجاشي الحارثي وهو قيس بن عمرو. 2 البيت بتمامه: فلست يأتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل والشاهد فيه حذف النون لالتقاء الساكنين في قوله "لاك" فأصله "لكن" وحذفت النون تخفيفًا. 3 البيت ذكره صاحب الخزانة "4/ 72"، والنوادر "ص296"، وينسب البيت إلى حسيل بن عرفطة الأسدي. 4 والبيت بتمامه: لم يك الحق سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفى بالسرر تعفى: عفا الأثر وتعفى: أي زال وامحى. السرر: اسم موضع قريب من مكة. والشاهد فيه "يك" حيث حذفت النون لالتقاء الساكنين "النون والألف". إعراب الشاهد: يك: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة تخفيفًا؛ لأنه مضارع صحيح الآخر. 5 تصبوا المرأة: صبا يصبو صبوًا: أي مال إلى اللهو، وتصبو المرأة أي تحن وتشتاق إلى أيام اللهو والحداثة والصبا. القاموس المحيط "4/ 351". 6 ضارعهن: شابههن، ضارع: شابه، تضارعا: تشابها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ومن حذاق1 أصحابنا2 من يذهب إلى أن النون في "صنعاني" و"بهراني" إنما هي بدل من الواو الى تبدل من همزة التأنيث في النسب، وأن الأصل صناعوي وبهراوي، وأن النون هناك بدل من هذه الواو، كما أبدلت الواو من النون في قولك: من واقد3؟ وإن وقفت وقفت، ونحو ذلك. وكيف تصرفت الحال؛ فالنون بدل من الهمزة؛ إنما ذهب من ذهب إلى هذا قال لأنه لم ير النون أبدلت من الهمزة في غير هذا، وكان في قولهم إن نون "فعلان" بدل من همزة فعلاء، فيقول: ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم فى ذئب: ذيب، وفي جؤنة: جونة4، وإنما يريدون أن النون تعاقب في هذا الموضع الهمزة كما تعاقب لام المعرفة التنوين، أي لا تجتمع معه؛ فلما إنها بدل منه، وكذلك النون والهمزة، وهذا مذهب ليس ببعيد أيضًا، وأما قول العجاج5: كأن رعل الآل منه في الآل ... بين الضحى وبين قيل القيال إذ بدا دهانج ذو أعدال6   1 حذاق: "م" حاذق، وهو الماهر البارع. القاموس المحيط "3/ 219". 2 أصحابنا: ذكر صاحب المصنف "1/ 158" أنه أبو علي الفارسي، وهو من أشهر نحاة عصره. 3 واقد: من يوقد النار. 4 جونة: سليلة مستديرة مغشان بالجلد، ويحفظ العطار فيها الطيب "ج" جون. 5 البيت للعجاج فى ديوانه "2/ 320". 6 الأبيات نسبها صاحب الأمالي إلى الحجاج "2/ 91" ونسبها إليه أيضًا صاحب اللسان. مادة "دهنج" ولكن البيت كما جاء به صاحب اللسان هو: كأن رعن الآل منه في الآل ... إذ بدا دهانج ذو أعدال رعن: اسم موضع. اللسان "13/ 183" مادة/ رعن. الآل: الطرف. ويقال ألل الحربة: أي حدد طرفها، ورعن الآل: أي ما حواليها ونواحيه. القيال: "م" قائل. وهو الذي يستريح أو ينام في منتصف النهار. بدا: ظهر. دهائج: سرعة الخطوات مع المقاربة بينها. القاموس المحيط "1/ 189". والشاهد في قوله "رعل" حيث أبدلت النون لامًا. ويدل على ذلك أنها جاءت بروايتين "رعن- رعل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وقول الآخر1: وهم رعن الآل أن يكونا ... بحرًا يكب الحوت والسفينا2 فليس أحد الحرفين بدلًا من صاحبه، وذلك أن الرعن بالنون من الرعن، وهو الاضطراب. قال الشاعر3: ورحلوها رحلة فيها رعن4 وعلى هذا قراءة الحسن: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] 5 أي خطأ وخطلًا6 من القول؛ فسمي أول السراب رعنا لتموجه7 واضطرابه.   1 ذكر صاحب اللسان في مادة "سفن" وكذا في "2/ فهارس ص1182" أنه العجاج، وكذا نسبه إليه ابن السكيت فى الإبدال "ص83". 2 الشاهد فيه أن كلمة "رعن" لم يحدث فيها إبدال؛ فلم تبدل النون لامًا. إعراب اشاهد: رعن: خبر مرفوع. 3 اختلف في نسبة البيت إلى شاعر محدد؛ فقال البعض: إنه خطام المجاشعي وهو خطام بن رباح بن عياض بن يربوع المجاشعي. اللسان "3/ فهارس ص2056". وقال الآخر: إنه الأغلب العجلي. 4 البيت ذكره صاحب اللسان ونسبه إلى الأغلب العجلي، وهو بيت من أرجوزة تبدأ بقوله: إنا على التشواق منا والحزن مما نمد للمطي المستفن .......... .............. ورحلوها رحلة فيها رعن حتي أنخناها إلى من ومن وذلك في مادة "ر ع ن" وكذا "13/ 182". 5 راعنا: قول كانت تقوله اليهود استهزاء؛ فزجر الله -عز وجل- المؤمنين أن يقولوه. والشاهد في قوله عز وجل "راعنا". 6 الخطل: المنطق الفاسد المضطرب وقد "خطل" في كلامه من باب طرب، وأخطل: أي أفحش. القاموس المحيط "3/ 368". 7 لتموجه: أي لاضطرابه، ماج يموج يتموج، من باب قال اضطربت "أمواجه"، والناس يموجون. القاموس المحيط "1/ 208". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وأما رعل باللام فمن الرعلة والرعيل، وهي القطعة من الخيل1؛ وذلك أن الخيل توصف بالحركة والسرعة2. وأما قول الآخر3: حتى يقول الجاهل المستنطق ... لعن هذا معه معلق4 أي عليقة؛ فإن النون فيه بدل من لام لعل. ومثله قول أبي النجم5: أغد لعنا في الرهان نرسله6 أي: لعلنا. فأما ما قرأته7 على أبي علي للطرماح8: كطوف متلي حجة بين غبغب ... وقرة مسود من النسك قاتن9   1 الخيل: الفرسان، ومنه قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} أي بفرسانك ورجالتك، والخيل أيضًا الخيول لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ..} . 2 السرعة: ضد البطء. 3 البيت لم نعثر على قائله. 4 الشاهد فيه قوله "لعن" أبدل اللام نونًا، ويقصد "لعل". إعراب الشاهد: لعل: حرف ناسخ مبني لا محل له من الإعراب ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. 5 البيت نسبه صاحب العقد الفريد "1/ 172"، وكذا ابن السكيت في الإبدال "ص111" إلى أبي النجم العجلي. 6 الشاهد فيه قوله "لعنا" حيث أبدل اللام نونًا. 7 أي لابن السكيت في الإبدال "ص83". 8 جاء ذلك في ديوان الطرماح بن حكيم "ص501". 9 غبغب: اسم صنم. القاموس "1/ 109". قرة: اسم صنم. متلى: أي الذي يتلو حجته بحجته تالية لها فيتلو الحجة تلو الحجة. بين غبغب وقرة: أي بين الصنمين -غبغب وقرة. النسك: "م" النسيكة، أي الذبيحة. والشاهد فيه إبدال الميم نونًا في قلوله "قاتن" حيث أراد قاتم أي "مسود ..... قائم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فذهب أبو عمرو الشيباني إلى أنه أراد قاتم أي: أسود؛ فأبدل الميم على مذهبه نونًا، وقد يمكن غير ما قال؛ وذك أنه يجوز أن يكون أراد بقوله قاتن: فاعل من قول الشموخ1: وقد عرقت مغابنها وجادت ... برتها قرى جحن قتين2 والقتين: الحقير الضئيل، فكذلك يكون بيت الطرماح، أي: مسود من النسك حقير الجسم زهيده للضر والجهد؛ فإذا كان كذلك؛ لم يكن بدلًا. وأما زيادة النون فعلى ضربين: أحدهما زيادة صيغت في نفس المثال المزيد فيه. والآخر زيادة لحقت على غير معنى اللزوم. الأول منهما: قد زيدت النون أولًا في نحو نقوم، ونضرب وانفعل وبابه، وفي نحو نفرجة، يقال: رجل نفرجة القلب، إذا كان غير ذي جلادة ولا حزم، وحدثنا أبو علي عن أبي إسحاق، قال: يقال: رجل أفرج وفرج، وهو الذي لا يكتم سرًا، وهو أيضًا الذي يكشف عن فرجة، فقوله: "الذي لا يكتم سرًا" هو في معنى نفرجة، ومثاله "نِفْعلة، قال الراجز: نفرجة القلب قليل النيل ... يلقى عليه النيدلان بالليل3 النيدلان: الذي يقال له الكابوس.   1 هو الشماخ بن ضرار معقل، وكنيته أبو سعيد، والبيت في ديوانه "ص353"، ونسبه إليه صاحب اللسان في مادة "ق ت ن". "13/ 30" ولكن بقوله "حجن" بدل "جحن". عرقت: أي رشح جلدها، ويقال عرق العظم إذا أكل ما عليه من لحم. القاموس "3/ 262". مغابنها: "م" مغبن: الإبط وبواطن الأفخاذ عند الحوالب. القاموس المحيط "4/ 253". جادت: جاد أي صار جيدَا، وجاد: سخا وبذل. القاموس المحيط "1/ 285". درتها: أدرت أي كثر لبنها. القاموس المحيط "2/ 28". جحن: جحن جحنا وجحانة أي: ساء غذاؤه وبطؤ نموه، والجحن: النبت المعطش الضعيف. 2 هو حريث بن زيد الخيل. 3 ذكره صاحب اللسان مادة "فرج": "2/ 343"، ولم ينسبه، والبيت كما ذكره هو: تفرجة القلب قليل النيل ... يلقى عليه النيدلان بالليل وقد نسبه في شرح الملكي "ص148"وكذا في المصنف "1/ 106" إلى حريث بن زيد الخيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن قراءة مني عليه، قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن سليمان المعبدي، قال حدثني عبد الله بن محمد بن شجاع الكاتب ابن أخت أبي الوزير، قال: قرأته على أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، عن محمد بن زياد الأعرابي، قال: النون في نفاطير1، ونباذير، ونخاريب2 زائدة، أصله فطره إذا قطعه، وبذره إذا فرقه. والنخاريب أصله من الخراب. وأما النبراس فيجوز أن يكون "نفعالًا" من البرس، وهو القطن، لأن النبراس المصباح، وفتيله من القطن. وزيدت النون ثانية في نحو قنعاس3، وقنفخر4، وثالثة في نحو جحنفل5، وعبنبل6، ورابعة في نحو رعشن7، وضيفن8 في قول غير أبي زيد، وخلفنة9، وعرضنة10، وخامسة في نحو سكران، غضبان، وسادسة في نحو زعفران، وعقربان11، وحدرجان، وجلجلان12، سابعة في نحو عرنقصان13، وعبيثران14، وعبوثران، وقرعبلانة15، وقيل فى قول الشاعر16: لانفخرن فإن الله أنزلكم ... يا خزر تغلب دار الذل والعار17   1 نفاطير: الكلاء المتفرق، الواحدة نفطورة. القاموس المحيط "2/ 147". 2 نخاريب: ثقوب، ونخرب الشيء أي ثقبه وجعل به ثقب "م" نخروب. القاموس "1/ 131". 3 قناعس: الضخم العظيم. القاموس "2/ 243". 4 قنفخر: الفائق في نوعه. 5 جحنفل: الذي عظمت جحفلته، والجحفلة للحافر كالشفة للإنسان. القاموس "3/ 346". 6 عبنبل: الضخم الشديد. القاموس "4/ 11". 7 رعشن: المرتعش. القاموس "2/ 275". 8 ضيفن: من يجيء مع الضيف متطفلًا. القاموس "3/ 166". 9 خلفنة: رجل خلفنة: في أخلاقه خلاف. القاموس "3/ 138". 10 عرضنه: الاعتراض في السير من النشاط، القاموس المحيط "2/ 335". 11 عقربان: دخال الأذن. القاموس المحيط "1/ 107". 12 جلجلان: ثمرة الكزبرة، وقيل حب السمسم. القاموس المحيط "2/ 350". 13 عرنقصان: نبات. القاموس "2/ 308". 14 عبيثران: نبات ذو رائحة. 15 قرعبلانه: دويبة. 16 ذكره صاحب التاج ولم ينسبه "3/ 174"، وكذا صاحب الممتع "ص270" ولم ينسبه. 17 الشاهد فيه قوله "يا خزر تغلب" أي يا خنزير ذلك أن كل خنزير من صفاته أن يكون أخزر أي تكون عينه ضيقة صغيرة، ولهذا كل خنزير يطلق عليه أخزر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 أنه أراد بالخزر الخنازير؛ لأن كل خنزير عندهم أخرز1. وأنكر ذلك أحمد بن يحيى؛ فقال: خزر: جماعة خنزير على حذف الزوائد. ظن الظنون زائدة؛ وإنما هي ههنا أصل. الثاني من القسمة، وهو زيادة النون غير مصوغة في الكلمة: زيدت علمًا للجمع والضمير في نحو قولك: الهندات قمن، وقعدن، ويقمن، ويقعدن. وعلامة للجمع مجردة من الضمير نحو: قعدن الهندات، ويقعدن أخواتك في من قال ذلك2. ومن أبيات الكتاب3: ولكن ديافي أبوه وأمه ... بحوران يعصران السليط أقاربه4 فهذه النون في يعصرن علامة للجمع مجردة من الضمير؛ لأنه لا ضمير في الفعل لارتفاع الظاهر به. وتزادا للتوكيد في الأفعال خفيفة وثقيلة في نحو "لتقومن" و"لتقعدن" و {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 17] 5 و {لَنَسْفَعًََا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] 6.   1 أخزر: أي ضيق العين صغيرها. القاموس المحيط "2/ 19". 2 قال البصريون ذلك عن طيئ، وأكد ذلك صاحب أوضح المسالك "2/ 98". 3 نسب صاحب الكتاب البيت للفرزدق "1/ 236" ونسبه إليه أيضًا صاحب الخزانة "2/ 386". 4 يهجو الفرزدق فى هذا البيت من قصيدته عمرو بن عفراء الضبي، ويعيره بأنه من قرية دياف "إحدى قرى الشام" وأن أباه وأمه يقطنان حوران -إحدى قرى الشام أيضًا- حيث يعصران السليط أي الزيت؛ أي أنه يعيره بنسبه وعمل أهله. والشاهد فيه قوله "يعصرن" حيث جاءت مجردة من ضمير الرفع "الواو". 5 {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} : أي حالًا بعد حال وأمرًا بعد أمر. لتركبن: أي لتلاقن، والجملة جواب القسم. انظر/ مختصر تفسير الطبري "ص589"، "ص525". والشاهد فيها زيادة النون للتوكيد في قوله تعالى "لتركبن" وهي تزاد غالبًا في الأفعال للتوكيد سواء خفيفة كانت أو ثقيلة. 6 {لَنَسْفَعًََا بِالنَّاصِيَة} : لنسفعًا: لنسودن وجهه. بالناصية: لنأخذن بناصيته "مقدم شعر الرأس" إلى النار. والشاهد فيها: زيادة النون مع الفعل للتوكيد في قوله تعالى: "لَنَسْفَعًََا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وشبه بعض العرب اسم الفاعل بالفعل؛ فألحقه النون توكيدًا، قال: أريت إن جئت به أملودا ... مرجلًا ويلبس البرودا أقائلن أحضروا الشهودا1 يريد: أقائلون، فأجراه مجرى أتقولون. وقال الآخر2: يا ليت شعري عنكم حنيفًا ... أشاهرن بعدنا السيوفا3 وتلحق علمًا للرفع في خمسة أفعال، وهي: تقومان، ويقومان وتقومون، ويقومون، وتقومين ونحوه، ولا تحذف هذه النون إلا لجزم أو نصب، ولا تثبت إلا للرفع؛ فأما ما أنشده أبو الحسن من قول الشاعر4: لولا فوارس من نعم وأسرتهم ... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار5   1 الأبيات ذكرها صاحب اللسان في مادة "رأى" "14/ 293"، دون أن ينسبها، وصاحب الخصائص ذكرها ولم ينسبها؛ بينما نسبها صاحب العيني إلى رؤبة. والشاهد فيها معاملة الأسماء كالأفعال في دخول نون التوكيد عليها، وقلنا ربما كانت الأسماء المشتقة مثل قوله "أقائلن" فى هذه الأبيات حيث إن المشتقات تعمل عمل الأفعال؛ فجاز أن تعامل مثلها في دخول نون التوكيد عليها. 2 جاء في العيني أنه رؤبة، وذكره صاحب اللسان في مادة "شهر" "4/ 433" دون أن ينسبه، بينما نسبه صاحب الجهرة والخزانة إلى رؤبة. 3 والشاهد فيه قوله "أشاهرن" حيث أضاف إلى اسم الفاعل نون التوكيد؛ فعامل الاسم معاملة الفعل في دخوله نون التوكيد. 4 البيت لم نعثر على قائله، وذكره صاحب "شرح المفصل"، وصاحب الخزانة "3/ 626". وذكره صاحب اللسان في مادة "صلف" ولم ينسبه. 5 فوارس: "م" الفارس، الماهر في ركوب الخيل وتجمع على فوارس وفرسان، والفرسان في الجيش هم المحاربون على ظهور الخيل. يوم الصليفاء: الصليفاء اسم موضع، ويوم الصليفاء هو يوم قامت فيه معركة في هذا الموضع بين هوازن وفزارة وعبس حيث انتصرت هوازن عليهما في هذا اليوم. الجار: اسم فاعل بمعنى مستجير، ويعتقد أن نعم يقصد بها "ذهل" إلا أن فيها تحريف. والشاهد فيه قول الشاعر "لم يوفون" حيث إنه عامل "لم" معاملة "لا" النافية التي لا تجزم. إعراب الشاهد: يوفون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 فشاذ؛ وإنما جاز على تشبيه "لم" بـ "لا" كما قال الآخر1: أن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطلاح2 فهذا على تشبيه "أن" بـ "ما" التي في معنى المصدر في قول الكوفيين3 فأما على قولنا نحن؛ فإنه أراد "أن" الثقيلة، وخففها ضرورة، وتقديره: أنك تهبطين؛ فاعرفه. وتلحق التثنية والجمع الذي على حد التثنية عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين؛ وذلك نحو الزيدان والعمران، والزيدون والعمرون. واعلم أن للنون في التثنية والجمع الذي على حد التثنية ثلاث أحوال: حالًا تكون فيها عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا، وحالًا تكون فيها عوضًا من الحركة وحدها، وحالًا تكون فيها عوضًا من التنوين وحده. أما كونها عوضًا من الحركة والتنوين؛ ففي كل موضع لا يكون الاسم المتمكن فيه مضافًا ولا معرفا بلام المعرفة؛ وذلك نحو رجلان، وفرسان، وغلامان، وجاريتان؛ ألا ترى أنك إذا أفردت الواحد على هذا الحد وجدت فيه الحركة والتنوين جميعًا، وذلك قولك: رجل، وغلام، وجارية، وفرس؛ فالنون في رجلان إنما هي هنا عوض مما يجب في ألف "رجلان" التي هي حرف الإعراب بمنزلة لام رجل، فكما أن لام "رجل"، وسين "فرس" ونحوهما مما ليس مضافًا ولا معرفًا باللام؛ يلزم أن تتبعها الحركة والتنوين؛ فكذلك كان يجب في حر التثنية. وأما الموضع الذي تكون فيه نون التثنية عوضًا من الحركة وحده فمع لام المعرفة وذلك نحو الرجلان، والفرسان، والزيدان، والعمران، ألا ترى أنها تثبت مع لام المعرفة كما تثبت معها الحركة نحو الغلام والرجل.   1 يقصد به القاضي القاسم بن معن قاضي الكوفة حيث نسب صاحب العيني البيت إليه. 2 ذكر صاحب اللسان البيت في مادة "ص ل ف" "9/ 189"، ولم ينسبه. الشاهد فيها اتصال أن المخففة من الثقيلة كما زعم الكوفيون في قوله "أن تهبطين" ويرى البصريون أنها "أن" الناصبة ولكن أهمل عملها وعملت عمل ما المصدرية. 3 ذكر ذلك ابن هشام في "مغنى اللبيب": "ص46"، وأكد على رأيهم ذلك صاحب الخزانة "3/ 559" وكذا العيني "4/ 381". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وكذلك النداء في قولك: يا رجلان، ويا غلامان؛ ألا ترى أن الواحد من نحو هذا لا تنوين فيه؛ وإنما هو يا غلام، ويا رجل، فالنون فيهما بدل من الحركة وحدها. فإن قلت: فإن واحد الزيدان والعمران زيد وعمرو، وهما كما ترى منونان؛ فهلا زعمت أن النون في الزيدان والعمران بدل من الحركة والتنوين جميعًا لوجودك إياهما في واحدهما، وهو زيد وعمرو، كما زعمت أنهما في رجلان وفرسان بدل من الحركة والتنوين في واحدهما، وذلك قولك رجل وفرس؟ فالجواب: أن قولك "الزيدان" كقولك "الرجلان"؛ لأن اللام عرفت زيدين كما عرفت رجلين، والنون في "زيدان" عوض من الحركة والتنوين جميعًا، وهي في "الزيدان" عوض من الحركة والتنوين جميعًا، وهي في الرجلان عوض من الحركة وحدها. واعلم أن قولك: "جاءني الزيدان" ليس تثنية زيد هذا المعروف العلم؛ وذلك أن المعرفة لا تصح تثنيتها من قبل أن حد المعرفة أنها ما خص الواجد من جنسه ولم يشع في أمته، فإذا شورك في اسمه؛ فقد خرج عن أن يكون علمًا معروفًا، وصار مشتركًا فيه شائعًا، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا تصح التثنية إذن إلا في النكرات دون المعارف. وإذا صح ما ذكرناه؛ فمعلوم أنك لم تثن زيدًا حتى سلبته تعريفه وأشعته في أمته؛ فجعلته من جماعة كل واحد منهم زيد؛ فجرى لذلك مجرى رجل وفرس في أن كل واحد منهما شائع لا يخص واحدًا بعينه، ولا تجد له في بعض المسمين به مزية ليست في غيره من المسمين به، وإذا جرى زيد بعد سلبه تعريفه مجرى رجل وفرس؛ لم يستنكر فيه أن يجوز دخول لام المعرفة عليه في التقدير وإن لم يخرج إلى اللفظ؛ فكأنه صار بعد نزع التعريف عنه يجوز أن تقول: الزيد والعمرو. وقد جاء شيء من ذلك في الشعر. قال ابن ميادة1:   1 البيت نسبه صاحب الخزانة "1/ 327" إلى ابن ميادة، وكذا مغني اللبيب "1/ 305". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأعباء الخلافة كاهله1 يريد "يزيد". وبذلك على أن الاسم لا يثنى إلا بعد أن يخلع عنه ما كان فيه من التعريف جواز دخول اللام عليه بعد التثنية في قولك: "الزيدان والعمران"، ولو كان التعريف الذي كانا يدلان عليه ويفيدانه مفردين باقيًا فيهما؛ لما جاز دخول اللام عليهما بعد التثنية كما لا يجوز دخولها عليهما قبل التثنية في وجوه الاستعمال في غالب الأمر. ومما يوكد علمك بجواز خلع التعريف عن الاسم قول الشاعر2: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض من ماء الحديد يمان3 فإضافته الاسم تدل على أنه خلع عنه ما كان فيه من تعرفه، وكساه التعريف بإضافته إياه إلى الضمير؛ فجرى في تعرفه مجرى أخيك وصاحبك، وليس بمنزلة زيد إذا أردت العلم؛ فعلى هذا لو سألت عن زيد عمرو في قول من قال: رأيت زيد عمرو، ومررت بزيد عمرو لما جازت الحكاية، ولكان الاستفهام بالرفع لا غير: من زيد عمرو؟ ولا يجوز: من زيد عمرو؟ ولا: من زيد عمرو؟ على الحكاية، كما أنك لو قال: "مررت بصاحب جعفر"؛ لرفعت البتة، فقلت: من صاحب جعفر؟ لأن صاحب جعفر ليس علمًا كزيد وعمرو؛ فتجوز لك الحكاية وكذلك أيضًا "زيد عمرو"،   1 والبيت يمدح فيه ابن ميادة الوليد بن اليزيد بأن كاهله يحمل فوقه أعباء الخلافة التي تثقله، ولكنها ثقل مبارك يسعد الوليد بن اليزيد. أعباء: "م" عبء، وهو الحمل الثقيل من أي شيء كان. القاموس المحيط "1/ 22". كاهله: من الإنسان: ما بين كتفيه، أو موصل العنق في الصلب. القاموس "4/ 47". 2 قيل هو رجل من طيئ. 3 البيت ذكره صاحب الخزانة "1/ 327" ولم ينسبه، وكذا في شرح المفصل "1/ 44" ولم ينسبه. يوم النقا: هو يوم موقعة، والنقا: الكثيب من الرمل "ج" أنقاء. القاموس "4/ 397". أبيض: من أسماء السيف. القاموس المحيط "2/ 325". يمان: ينسب في صناعته إلى بلاد اليمن. والشاهد في البيت أنه عرف العلم بالإضافة فخلع عنه "ال". إعراب الشاهد: زيدكم: زيد مضاف إليه مجرور بالإضافة وهو مضاف و"كم" ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فإضافته إلى عمرو تدل على أنه قد سلب تعريفه، وعرف من جهة الإضافة لاستغنائه بما فيه من تعريف العلمية. ويزيد ذلك وضوحًا لك أن ما كان من الأسماء لا يمكن تنكيره وخلع تعريفه عنه؛ فإضافته غير جائزة البتة؛ لأنه إذا كان لا يضاف الاسم إلا وهو نكرة فما لا يمكن تنكيره؛ فهو من الإضافة أبعد، إذ كانت حال الإضافة إنما هي في المرتبة بعد التنكير، لا بد من ذلك، وتلك الأسماء الأسماء المضمرة، والأسماء المشار بها، فلأجل ما ذكرنا لم توجد الإضافة في شيء منها لاستغنائها بتعرفها عن أن تكسى تعريفًا آخر؛ ألا ترى أنك لا تجد في الكلام ضربت هؤلاء زيد، كما تقول ضربت أصحاب زيد، لأن "هؤلاء" لا يكون إلا معرفة، ولا تقول أيضًا جائني هو بكر، على أن تضيف "هو" إلى "بكر" كما تقول جاءني غلام بكر. ويزيد عندك في وضوح هذا أن العرب إذا لقبت الاسم العلم أضافته إلى لقبه بعد أن تسلبه ما كان فيه من التعريف، وتبزه إياه، وتنقله إلى اللقب لتعرف به الاسم الملقب به، وهو الذي كان علمًا قبل السلب، وذلك قولهم "قيس قفة"، و"سعيد كرز"؛ وإنما أصل هذين الاسمين قيس، وسعيد، ثم لقب "قيس" بقفة، و"سعيد" بكرز، فسلبوهما تعريفهما، وأن يكونا بعد الإضافة معرفتين، كما كانا قبلها معرفتين، وإن اختلفت جهتا التعريف؛ فكان الأول تعريفًا علميًا، والآخر تعريفًا إضافيًا. وقريب من هذا قولهم مررت برجل حسن الوجه، واختيارهم أن يكون الوجه معرفًا وإن كان قد يمكن أن تقول: "مررت برجل حسن وجه"، و"حسن وجهًا"؛ وإنما اختاروا هنا تعريف الوجه لأنه منقول من قولهم مررت برجل حسن وجهه، هذا أصل الكلام؛ فلما سلبوه تعريف الإضافة؛ عوضوه منه تعريف اللام، فقالوا: مررت برجل حسن الوجه. ويدلك على أن "كرزًا" و"قفة" معرفتان علمان تركهم إجراء "قفة"، ولو كانت نكرة لانصرفت، وإذا كان العلم متى سلب تعريفه جرى مجرى النكرات الأجناس؛ فإن أضيف إلى معرفة تعرف بها؛ فمعلوم أنه متى تكلفت إضافته بعد سلبه تعريفه إلى النكرة أنه نكرة، وذلك نحو "مررت بزيد رجل وعمرو امرأة"، كما تقول: "مررت بجار رجل"، و"دخلت حمام امرأة"، ويكون في ذلك من الفائدة أنه ليس بزيد من الزيدين فقط؛ لأن كل واحد من أولئك يجوز أن يكون زيد امرأة وزيد رجل؛ فإذا قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 ضربت زيد رجل فقد أفدت أنه ليس بزيد امرأة؛ فهذه فائدة هذه الإضافة إن قلت ونزرت كما أن قولك لقيت غلام امرأة قد أفدنا منه أنه لامرأة دون رجل. فإن قلت: فإذا كان الزيدان والعمران إنما تعريفهما عندك كتعريف الرجلين والغلامين بما أوردته من الأدلة في ذلك؛ فهلا جاء عنهم وكثر في كلامهم: مررت بالزيد، وضربت البكر، كما كثر عنهم مررت بالغلام، وضربت الرجل؟ فالجواب: أن زيدًا وعمرًا ونحوهما من الأعلام إذا انتزع ما فيهما في بعض الأحوال من التعريف، فحصلا نكرتين، ثم أريد بعد ذلك تعريفهما؛ فأخلق أحوالهما بهما أن يردا إلى ما كانا عليه من العملية الأصلية؛ فيقال: جاءني زيد، ومررت بعمرو، وليس بالحسن إدخال اللام عليهما؛ لئلا يصيرا في قولك مررت بالعمرو، وجاءني الزيد بصورة ما عرف باللام من الأجناس البتة، ولم يكن له أصل في العلمية؛ فيرد عند تعريفه إليها، وذلك نحو الغلام والجارية والثوب والدار؛ فلهذا استنكروا في كلامهم أن يقولوا الزيد والبكر، فاعرفه. على أن أبا العباس قال: إذ قيل: جاءني زيد وزيد وزيد تريد جماعة اسم كل واحد منهم زيد، فيقول المجيب: فما بين الزيد الأول والزيد الآخر؟ وهذا الزيد أشرف من ذلك الزيد؛ إلا أنه قليل. فإن قلت: فقد أضافوا هذه الأسماء بعد تنكيرهم إياها كما تضاف الأجناس، فقالوا1: ياعمر الخير جزيت الجنة2 وقالوا: فلان من ربيعة الفرس، وفلان من تميم جوثة، وقال الآخر: يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الأزد للأموال غير مسالم3   1 قيل هو لرجل أعرابي يوجه الخطاب إلى أمير المؤمنين عمرو بن الخطاب. 2 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "أوس" ولم ينسبه "6/ 18"، ولكن بلفظ "رزقت" بدل "جزيت"، وذكره صاحب الخصائص "2/ 32" ولم ينسبه أيضًا. الشاهد فيه قوله "يا عمر الخير" حيث عومل العلم معاملة الأجناس. 3 نسبه صاحب الخزانة "3/ 50" البيت لربيعة الرقي، والشاهد في قوله "يزيد سليم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وقال الآخر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض من ماء الحديد يمان1 هذا كثير عنهم؛ فهلا استقبحوا في اللفظ الإضافة في هذه الأسماء التي هي في الأمر الشائع أعلام، كما استنكروا فيها تعريفها باللام؛ فلم يقولوا الزيد ولا العمرو إلا في الشاذ وضرورة الشعر؟ وما الفرق بين الموضوعين؟ فالجواب: أن بين تعريف اللام وتعريف الإضافة فرقًا وذلك أن اللام في هذا الموضع أشنع في اللفظ من الإضافة، من قبل أن الإضافة قد تجدها في أنفس الأعلام كثيرًا واسعًا، وذلك نحو عبد الله، وعبد الصمد، وعبد الواحد، وعبد الرحمن، وذي النون، ذي الرمة، وذي الخرق، وعلى هذا عامة المنى لأنها أعلام أيضًا، نحو أبي محمد، وأبي القاسم، وأبي علي. ويدلك على أنها أعلام قول الفرزدق2: ما زلت أفتح أبوابًا وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار3 فحذف التنوين من عمرو بمنزلة حذفه من جعفر في قولك: حتى أتيت جعفر بن عمار. وعلى هذا قول الآخر4: فلم أجبن، ولم أنكل، ولكن ... يممت بها أبا صخر بن عمرو5   1 سبق تخريجه. 2 البيت منسوب إليه في الكتاب "2/ 148"، وشواهد الشافية "ص43". 3 يقول الفرزدق في محاولته لكسب ود أبي عمرو بن عمار أنه حاول ذلك كثيرًا، وعبر عن ذلك بالفعل "ما زلت" الذي يفيد الاستمرارية، وبين "أفتح -أغلق" تضاد يبرز المعنى ويقويه، ويؤكد شرف المحاولة. الشاهد فيه قوله "أبا عمرو" حيث عرف العلم بالإضافة. 4 هو يزيد بن سنان، كما أكد ذلك صاحب شرح اختيارات المفضل "ص351". 5 قال يزيد بن سنان هذا البيت في قصيدة قالها في مقتل أبي صخر بن عمرو؛ فيقول: إنني لم أجبن وأضعف، وإنما يممت تجاه أبي صخر بن عمرو فقتلته. والشاهد فيه حذف التنوين من عمرو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 فحذف التنوين من "صخر" إنما هو بمنزلة حذفه من محمد في قولك يممت بها محمد بن عمرو. وإنما كثرت هذه الإضافة في أنفس الأعلام، وفي ما نزع عنه تعريفه، ثم عرف بالإضافة إلى المعرفة؛ من قبل أن الإضافة في كثير من كلامهم في تقدير الانفصال والانفكاك؛ ألا ترى أن باب الحسن الوجه، والكريم الأب؛ كله منوي فيه الانفصال؛ وإنما تقديره الحسن وجهه، والكريم أبوه. وكذلك اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال؛ فهو وإن أضيف في اللفظ مفصول في المعنى. وذلك نحو قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] 1، و {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، و {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] 2 و {ثَانِيَ عِطْفِه} [الحج: 9] 3، و {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} [القمر: 27] 4، و {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47] 5. وعلى هذا قول جرير6: يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدةً منكم وحرمانا7 إنما هو: "ممطر لنا"، و"هديًا بالغًا الكعبة"، و"ثانيًا عطفه8 لنا"؛ ولولا ذلك لم تدخل "رب" عليه، ولا جرى ممطرنا وصفًا على النكرة التي هي عارض، ولا نصب: {ثَانِيَ عِطْفِه} على الحال.   1 الشاهد في الآية "عارض ممطرنا"حيث أنه مضاف في اللفظ مفصول في المعنى، والتقدير: ممطر لنا. 2 الشاهد "محلي الصيد" والتقدير: محلًا الصيد. 3 الشاهد فيها: "عطفه" والتقدير: ثانيًا عطفه. 4 الشاهد "مرسلو الناقة" والتقدير: مرسلون الناقة. 5 الشاهد في قوله "مخلف وعده" والتقدير مخلفًا وعده. 6 البيت لجرير وفي ديوانه "ص163". 7 غابطنا: غبط فلانًا: أي تمنى مثل ما له من النعمة من غير أن يريد زوالها عنه فهو غابط. حرمانًا: حرم فلان الشيء حرمانًا: منعه إياه. القاموس المحيط "4/ 94". والشاهد فيه قوله "غابطنا" والتقدير غابط لنا. 8 غابط: الغبطة: ليس بحسد، وغبطه بما نال به من باب ضرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 ونحوه قول الآخر1: يارب مثلك في النساء غريزة ... بيضاء قد متعتها بطلاق2 أي: مثل لك، لأن "رب" لا تباشر المعارف المظهرة، وعلى هذا قالوا: ناقة عبر الهواجر3، وفرس قيد الأوابد4، أي: عابرة للهواجر، ومقيدة للأوابد4. فلما كثر في كلامهم أن تكون الإضافة لفظية غير معنوية؛ تسامحوا في الأسماء المخلوع عنها تعريف العلم بتعريف الإضافة فقالوا: "ضربت زيدك"، و"كلمت عمرك"، ولم يقولوا: "جاءني العمرو"، و"لا كلمت الزيد" إلا في قلة من الكلام؛ لأن اللام لا ينوى فيها الانفصال كما ينوى في الإضافة معنى الانفصال في كثير من الأحوال؛ فلا تجد اللام معرفة للأعلام كما تعرفها الإضافة في نحو عبد الله وبابه، وأبي محمد ونحوه؛ فيعلم بهذا أن التعريف باللام ألزم في اللفظ عندهم مما تعرف بالإضافة لما قدما ذكره، فلذلك احتملوا أن يقولوا زيدنا ومحمدكم، ولم يقولوا البكر ولا العمرو إلا شاذًا. فإن قلت: فقد قالوا العباس والحارث والعلاء والفضل، وقد نراهم عرفوا العلم باللام كما عرفوه بالإضافة في نحو "عبد الله" و"أبي بكر"! فالجواب: أن العباس والحارث والعلاء والفضل ونحو ذلك من الأوصاف الغالبة والمصادر المقدر فيها جريانها أوصافًا إنما تعرفت بالوضع دون اللام؛ وإنما أقرت اللام فيها بعد النقل وكونها علمًا مراعاة لمذهب الوصف فيها قبل النقل، وقد تقدم تفسيرنا ذلك في صدر هذا الكتاب وغيره.   1 هو لأبي محجن الثقفي كما ذكر ذلك صاحب الكتاب "1/ 212"، وفي المقتضب "4/ 289" ولكن لم ينسبه. 2 غريزة: أي غير مجربة بينة الغرارة، والغرة: الغفلة. لسان العرب "5/ 12" مادة/ غرر. والشاهد فيه قوله "مثلك" والتقدير "مثل لك". 3 الهواجر: "م" هاجرة، وهي نصف النهار عند اشتداد الحر. القاموس المحيط "2/ 158". عابرة للهواجر: أي عابرة للصحراء الشديدة الحر. 4 الأوابد: الوحوش: وقد أبد الوحش يأبد أبودًا، ومنه تأبد الموضع إذ توحش وخلا من القطان ومنه قيل للفذ آبدة لتوحشه عن الطباع. القاموس المحيط "1/ 173". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وأما تعريفها في الحقيقة فبالوضع، يدل على ذلك قولهم أبو عمرو بن العلاء؛ فطرح التنزين من عمرو؛ إنما هو لأن ابنًا مضاف إلى العلم؛ فجرى مجرى قولك أبو عمرو بن بكر، ولو كان العلاء معرفًا باللام؛ لوجب ثبوت التنوين كما يثبت مع ما تعرف باللام، نحو جاءني أبو عمرو بن الغلام؛ فلأجل ما ذكرت لك من شناعة تعريف العلم بعد سلبه تعريفه الأول باللام المستحدثة؛ كرهوا أن يقولوا لقيت العمرو، ولكلمت السعد. فإن قيل: فَلِمَ كان تحمل اللام في ما ذكرت أقبح من تحمل الإضافة حتى استقبحوا الزيد والبكر، ولم يستقبحوا زيدك وبكرك؟ فالجواب: أنهم إنما استكرهوا ذلك مع اللام، وكان أقبح عندهم من الإضافة من قبل أن اللام ألزم لما تتصل له من المضاف إليه بالمضاف، وذلك أن اللام على حرف واحد ساكن، ويدعم؛ فاتصاله لما عرفه أشد من اتصال المضاف إليه بالمضاف، ألا ترى أن المضاف إليه اسم كامل نحو غلام زيد، لك أن تفضل زيدًا؛ فتقول: "هذا زيد"، و"كلمت زيدًا"، و"نظرت إلى زيد"، واللام لا يمكنك ذلك فيها لقوة اتصالها، وقد ذكرنا ذلك قديمًا من حالها؛ فلشدة امتزاجها بما عرفته لم يكن أن ينوى انفصالها كما ينوى انفصال المضاف إليه. فإن قيل: فإذا كانوا يستكرهون الزيد والعمرو فكيف اجتمعوا كلهم على استحسان الزيدين والعمرين والجعفرين، و: شتان ما بين اليزيدين ...... ... ......................... 1   1 البيت نسبه صاحب الأغاني "ص6064" إلى ربيعة الرقي، والبيت من قصيدة يمدح فيها ربيعة يزيد بن حاتم، والبيت ذكره صاحب الخزانة "3/ 45" والبيت كاملًا: لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم الندى: الجود والسخاء والخير. القاموس المحيط "4/ 394". الأغر: الذي كرمت فعاله واتضضحت "ج" غر. والشاهد فيه قوله "اليزيدين" حيث جاءت معرفة باللام؛ فكيف استكرهوا "الزيد" ثم استحسنوا "الزيدين" وغيرها. إعراب الشاهد: اليزيدين: اسم مجرور وعلامة الجر الياء لأنه مثنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 و: أنا ابن سعد أكرم السعدينا1 فالجواب: أن هذا الذي فعلوه من تحمل اللام في التثنية والجمع؛ يدل على صحة ما كنا قدمناه من أنهم إنما استكرهوا أن يقولوا إذا أرادوا تعريف ما قد نزعت عنه علميته "الزيد والبكر"؛ لأن له قبل حالة المفضية له إلى التنكير حالًا قد كان فيها علمًا معرفة، فردوه لما احتاجوا إلى تعريفه إليها؛ فقالوا جاء زيد، كما كانوا يقولون قبل سلبه تعريفه ورده إليه: جاء زيد؛ فأما التثنية في نحو قولك زيدان؛ فلم يكن زيدان قط علمًا لاثنين مخصوصين كما كان زيد قبل سلبه تعريفه علمًا لواحد مخصوص، فيردا عند إرادة تعريفهما إلى حالهما بعد السلب، كما رد زيد إليها لما أريد تعريفه بعد سلبهم إياه منه؛ وإنما زيدان بمنزله رجل وغلام في أنه اسم لاثنين شائع كما أن "رجلًا" و"غلامًا" كل واحد منهما اسم لمعناه شائع في أمته؛ فكما أنك إذا أردت تعريفهما قلت الرجل والغلام، فكذلك إذا أردت تعريف زيدين ألحقته اللام؛ فقلت الزيدان والعمران، فاعرف ذلك، فقد أوضحنا هذا الموضع بنهاية ما يقال في مثله. فأما قولهم للجبلين المتقابلين أبانان؛ فإن أبانين اسم علم لهما بمنزلة زيد وخالد. فإن قلت: فكيف جاز أن يكون بعض التثنية علمًا؛ وإنما عامتها نكرات؛ ألا ترى أن رجلان وغلامان وابنان وابنتان كل واحد منهما نكرة غير علم، فما قصة أبانين حتى صار علمًا؟ فالجواب أن زيدين ليسا في كل وقت مصطحبين مقترنين، بل كل واحد منهما كما يجامع صاحبه؛ فكذلك يفارقه أيضًا؛ فلما اصطحبا مرة وافترقا أخرى؛ لم يمكن أن يخصا باسم علم يقيدهما من غيرهما؛ لأنهما شيئان كل واحد منهما بائن من صاحبه.   1 البيت نسبه صاحب الكتاب "1/ 289" إلى رؤبة، وذكره صاحب المقتضب "2/ 221" دون أن ينسبه. والشاهد فيه قوله "السعدينا" حيث عرفها باللام، وهذا يؤكد وجهة نظر ابن جني من تحمل اللام في التثنية والجمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وأما أبنان فجبلان متقابلان لا يفارق واحد منهما صاحبه؛ فجريا لاتصال بعضهما ببعض مجرى المسمى الواحد، نحو بكر وقاسم، فكما خص كل واحد من الأعلام باسم يقيده من أمته، كذلك خص هذان الجبلان باسم يقيدهما من سائر الجبال؛ لأنهما قد جريا مجرى الجبل الواحد؛ فكما أن ثبيرا، وهبوا، ويذبل، لما كان كل واحد منهما جبلًا واحدًا أجزاؤه متصل بعضها ببعض خص باسم له لايشارك فيه؛ فكذلك أبانان لما لم يفترق بعضهما من بعض، وكانا لذلك كالجبل الواحد، خصا باسم علم، كما خص يذبل، ويرمرم1، وسحام2، كل واحد منها باسم علم. أنشد خلف الأحمر3: لو بأبانين جاء يخطبها ... رمل ما أنف خاطب بدم4 وحال عمايتين -وهما جبلان متناوحان- حال أبانين. أنشدني أبو علي5: لو أن عصم عمايتين ويذبل ... سمعًا حديثك أنزلا الأوعالا6   1 يرمرم: جبل. القاموس المحيط "4/ 122". 2 وسحام: اسم موضع. لسان العرب "12/ 282" مادة/ سحم. 3 جاء ذلك في مغني اللبيب "5/ 274"، وخلف الأحمر أحد الرواة المشهورين في رواية الشعر. 4 البيت نسبه صاحب المفصل إلى المهلهل بن ربيعة "1/ 46"، وجاء في اللسان في مادة "أبن" ونسبه أيضًا إلى المهلهل. أبانان: جبلان في البادية، ويقال هما أبان الأبيض والأسود. رمل: أي رش عليه الرمل. والشاهد فيه معاملة الجبلين كجبل واحد، لا تفترق أحدهما عن الآخر في قوله "أبانين". 5 وفي روايته لما أنشده أبو علي تأكيد على صدق حجته وصحة مذهبه. 6 البيت لجرير في ديوانه "ص50". عمايتين: جبلين. الأوعالا: "م" وعل: وهو تيس الجبل أي ذكر الأروى وهو جنس من الماعز الجبلية له قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين. القاموس المحيط "4/ 65". يقول الشاعر: لو أن الجبلين سمعا كلامك لهبطت الوحوش منهما تلبية لك واستئناسًا بحديثك. والشاهد فيه قوله "عصم عمايتين ويذبل" والتقدير: عصم عمايتين وعصم يزبل فحذف المضاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 ومثل ذلك من الجمع عَرَفات، وهي معرفة لأنها اسم لبقاع معلومة غير متفرقة ولا موجود بعضها دون بعض. ويدل على كونها معرفة ما حكاه سيبويه عنهم من قولهم: "هذه عَرَفاتٌ مباركًا فيها"1 فانتصاب الحال بعدها يدل على كونها معرفة، فأما تنوينها وهي معرفة مؤنثة فسنذكره في فصل أحكام التنوين ومواقعه في كلام العرب إن شاء الله تعالى؛ فاعرف ذلك. فهذا كله يدلك على أن تعرُّف الزيدينِ من طريق تعرف الرجلين، وأن النون فيهما بدل من الحركة وحدها على ما تقدم من القول. وأما الموضع الذي تكون فيه نون التثنية عوضًا من التنوين وحده؛ فمع الإضافة، وذلك نحو قولك: "قام غلاما زيد"، و"مررت بصاحبي عمرو"، ألا تراك حذفتها كما تحذف التنوين للإضافة، ولو كانت هنا عوضًا من الحركة وحدها لثبتت؛ فقلت: "هذان غلامانِ زيدٍ"، كما تقول قام غلامُ زيدٍ، فتضم الميمَ من غلام. فإن قلت: فما أنكرت أن تكون النون مع اللام ثابتة غير محذوفة؛ لأنها لم تخلُص عوضًا من التنوين وحده فتحذف، بل لما كانت عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا ثبتت؟ فالجواب: أنه لو كان الأمر كذلك؛ لوجب أيضًا أن تثبت مع الإضافة؛ لأنها لم تخلص عوضًا من التنوين وحده، وهذا كما تراه محال. فقد صح بما ذكرناه أن نون التثنية تكون في موضع عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا، وفي موضع عوضًا من الحركة وحدها، وفي موضع عوضًا من التنوين وحده؛ إلا أن أصل وضعها أن تكون داخلة عوضًا مما منع الاسم منها جميعًا، ولو كانت عوضًا من الحركة وحدها لثبتت مع الإضافة ولام المعرفة، ولو كانت عوضًا من التنوين وحده لحذفت مع الإضافة ولام المعرفة؛ فجعلت في موضع عوضًا من الحركة؛ فثبتت كما ثبتت الحركة وفي موضع عوضًا من التنوين؛ فحذفت كما يُحذف التنوين ليعتدل الأمران فيهما.   1 الكتاب: 2/ 18. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 فإن قيل: فهلا عكس الأمر؛ فجعلت النون مع الإضافة عوضًا من الحركة، فثبتت، فقلت: "غلامانِ زيدٍ"، ومع اللام عوضًا من التنوين؛ فحذفت، فقلت: "قام الرجلا"؟ فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا قام غلامان زيد؛ فيجمعوا على الاسم زيادتين في آخره؛ فكان يميل بهما لأنهما توالتا فيه من جهة واحدة، وإنما الحكمة في الذي فعلوه إذ جعلوها مع اللام عوضًا من الحركة؛ فقالوا: قام الرجلان، لتتباعد الزيادتان، فتكون إحداها في أول الاسم والأخرى في آخره؛ فَيسِطَ الاسم حاجزًا بينهما، وكان ذلك أوفق من أن يقولوا: "قام غلامان زيد"، فتجتمع الزيادتان في موضع واحد. ونظير هذا في ما ذكره أبو علي إعلال العرب الفاء واللام في نحو: "عِ كلامًا"، و"شِ ثوبًا"، و"فِ بالعهد"، ولم يعلوا العين واللام إلا شاذًا، ولا الفاء والعين البتة كراهية منهم لتوالي إعلالين. ونظير آخر لذلك، وهو كراهيتهم أن يقولوا في النداء: "يا الرجل"، و"يا الغلام"؛ لئلا يجمعوا بين "يا" وهي للإشارة، وبين اللام، وهى للتعريف؛ فكرهوا أن يجمعوا بين حرفين متقاربي المعنين، ثم قالوا مع هذا: يا عبد الله، فجمعوا بين "يا" والإضافة التي هي للتعريف؛ لأنهما تباعدا؛ فكان أحدهما في أول الاسم والآخر في آخره. فإن قال قائل: فإذا كان الأمر على ما ذكرته فما تقول في قولهم في تثنية أحمر وأصفر وحمراء وصفراء، ونحو ذلك مما لا ينصرف معرفة ولا نكرة: أحمران وأصفران وحمراوان وصفراوان، والنون هنا بدل من ماذا هي؟ هل هي بدل من الحركة والتنوين جميعًا، أو بدل من الحركة وحدها، أو بدل من التنوين وحده؟ فالجواب: أنها بدل من الحركة والتنوين جميعًا. فإن قلت: فإن أحمر وصفراء لا تنوين فيهما! فهو كذلك؛ إلا أنك لما ثنيت الاسم، فأبعدته عن شبه الفعل بالتثنية؛ إذ الفعل لا تصح تثنيته، زال عنه ترك الصرف لزوال شبه الفعل عنه، فقُدر فيه في التثنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 التنوين، فصارت النون في حمراوان وصفراوان وأحمران وأصفران عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا. فأما النون في هذان، وتان، واللذان، واللتان فالقول فيها: إنها ليست عوضًا من حركة ولا تنوين ولا من حرف محذوف كما يظن قوم، ولا حكم هذان واللذان في أنهما مثنيان حكم الزيدان والعمران، وأنا أذكر لك ما تحصل لي عن أبي علي بعد طول البحث معه عن ذلك. اعلم أن أسماء الإشارة نحو هذا وهذه، والأسماء المصولة نحو الذي والتي لا تصح تثنية شيء منها من قبل أن التثنية لا تلحق إلا النكرة كما قدمنا، فما لا يجوز تنكيره فهو بأن لا تصح تثنيته أجدر، وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة لا يجوز تتنكر، فلا يجوز أن يثنى شيء منها، ألا تراها بعد التثنية على حد ما كانت عليه قبل التثنية، وذلك نحو قولك: هذان الزيدان قائمين، فتنصب قائمين بمعنى الفعل الذي دلت عليه الإشارة والتثنية، كما كنت تقول في الواحد: هذا زيد قائما، فتجد الحال واحدة قبل التثنية وبعدها. وكذلك قولك: ضربت اللذين قاما، إنما يتعرفان بالصلة كما يتعرف بها الواحد في قولك: ضربت الذي قام، فالأمر في هذه الأشياء بعد التثنية هو الأمر فيها قبل التثنية. وكذلك يا هنانِ ويا هنونَ، هذه أسماء مصوغة للتثنية والجمع بمنزلة اللذين والذين، وليس كذلك سائر الأسماء المثناة نحو زيد وعمرو. ألا ترى أن تعرُّف زيد وعمرو إنما هو بالوضع والعلمية، فإذا ثنيتهما تنكرا، فقلت: رأيت زيدين كريمين، وعندنا عمران عاقلان، فإذا آثرت التعريف بالإضافة أو باللام، وذلك نحو الزيدان والعمران، وزيداك وعمراك، فقد تعرفا بعد التثنية من غير وجه تعرفهما قبلها، ولحقا بالأجناس، وفارقا ما كانا عليه من تعريف العلمية والوضع، فإذا صح ذلك فينبغي أن تعلم أن هذان وهاتان، واللذان واللتان إنما هي أسماء مصوغة للتثنية مخترعة لها، وليست بتثنية للواحد على حد زيدٍ وزيدانِ، إلا أنها صيغت على صورة ما هو مثنى على الحقيقة، فقيل: هذان واللذان وهذين واللذين لئلا تختلف التثنية، وذلك أنهم يحافظون عليها ما لا يحافظون على الجمع، ألا ترى أنك تجد في الأسماء المتمكنة ألفاظ الجموع من غير ألفاظ الآحاد، وذلك نحو رجُل ونَفَر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وامرأة ونسوة، وبعير وإبل، وواحد وجماعة، ولا تجد في التثنية شيئًا من هذا إنما هي من لفظ الواحد، نحو زيد وزيدان، ورجل ورجلان، لا يختلف ذلك. وكذلك أيضًا كثير من المبنيات، على أنها أحق بذلك من المتمكنة، وذلك نحو ذا وأولاء، وذات وأولات، وذو وأولو، ولا تجد ذلك في تثنيتها نحو ذا وذان، وذو وذوان، فهذا يدلك على محافظتهم على التثنية وعنايتهم بها أن تخرج على صورة واحدة لا تختلف، وأنهم بها أشد عناية منهم بالجمع، فلذلك لما صيغت للتثنية أسماء مخترعة غير مثناة على الحقيقة كانت على ألفاظ المثناة تثنية حقيقة، وذلك نحو ذان وتان، واللذان واللتان. ويدلك على أن ما كان من الأسماء لا يمكن تنكيره فإن تثنيته غير جائزة، وأنهم إنما يصوغون له في التثنية اسما مخترعا ليس على حد زيد وزيدان قولهم أنت، وأنتما، وهو، وهي، وهما، وضربتك، وضربتكما، فكما لايشك في أن أنتما ليس بتثنية أنت، إذ لو كان تثنية أنت لوجب أن تقول في أنت: أنتان، وفى هو: هوان، وفى هي: هيان، فكذلك لا ينبغي أن يشك في أن هذا ليس تثنية هذا، وإنما هو اسم صيغ ليدل على التثنية كما صيغ أنتما وهما ليدل على التثنية وهو غير مثنى على حد زيد وزيدان ألا ترى أن أسماء الإشارة والأسماء الموصولة جارية مجرى الأسماء المضمرة في أن كل واحد منهما لا يجوز تنكيره ولا خلع تعريفه عنه. فإن قلت: فإذا كان هذا والذي ونحوهما كالأسماء المضمرة من حيث أريت، فما بالهم صاغوا لتثنية ذا والذي اسمين على صورة التثنية، فقالوا ذان واللذان، ولم يقولوا في أنت: أنتان، ولا في هو: هوان، ولا في هي: هيان، كما قالوا ذان واللذان؟ فالجواب: أنهم إنما صاغوا لذا وللذي في التثنية اسمين على صورة الأسماء المثناة، فقالوا ذان واللذان كما قالوا رجلان وغلامان، ولم يقولوا في أنت: أنتان، ولا في هو: هوان من قبل أن أسماء الإشارة والأسماء الموصولة أشبه بالأسماء المتمكنة من الأسماء المضمرة. قال أبو علي: ألا تراهم يصفون أسماء الإشارة، ويصفون بها، فيقولون: مررت بهذا الرجل، ومررت بزيد ذا، وكذلك يقولون: مررت بالذي قام أخوه الطويل، ولقيت زيدا الذي قام أخوه الكريم، فلما قربت الأسماء المشار بها والأسماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الموصولة من الأسماء المتمكنة، صيغت لها أسماء التثنية على نحو تثنية الأسماء المتمكنة، ولما كانت الأسماء المضمرة لا تقرب من الأسماء المتمكنة لأنها لا توصف ولا يوصف بها لم يصغ لا أسماء على نحو الأسماء المتمكنة. فأما قولهم مررت بك أنت، ومررت به هو، فأنت وهو ليسا وصفا يستفاد بهما البيان والإيضاح، إنما الغرض فيمها التوكيد والتحقيق، فلما كانت كذلك بعدت من المتمكنة، فخالفوا بينها وبين ما قارب المتمكنة بأن صاغوا لها أسماء للتثنية على غير صورة الأسماء المثناة المتمكنة، فقالوا: أنت وأنتما، وهو وهما، ولم يقولوا أنتان ولا هوان كما قالوا ذان واللذان لما ذكرت لك. ويزيد عندك في وضوح ذلك أنهم قد حقروا الأسماء المشار بها والأسماء الموصولة كما حقروا المتمكنة، فقالوا: ذيّا وتَيّا، واللَّذَيا واللَّتَيا، ولم يجئ شيء من التحقير في الأسماء المضمرة، فدل ذلك على بعدها من الأسماء المتمكنة. قال أبو علي: ولذلك قالوا: ذا، وأصله ذَيْ، فأبدلوا ياءه ألفا وإن كانت ساكنة، ولم يقولوا ذي لئلا يشبه كي وأي، فأبدلوا ياءه ألفا ليلحق بباب متى وإذا، ويخرج عن شبه الجرف بعض الخروج، فهذا أيضًا يؤكد ما تقدم. فأما الدليل على أن عين "ذا" ياء وأنها ساكنة فقد ذكرته في كتابي في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله. ويؤنسك بأن لفظ التثنية قد لا يكون تثنية لواحد قولهم: عقلتُه بثنايين، وقول عنترة1: أحولي تنفُض استُكَ مِذْرَوَيْها ... لتقتلني فها أنا ذا عمارا2 فصحة الواو والياء إنما هي لأنهم لم يفردوا لهما واحدا. ونظير هذا من الجمع مقتوين في أحد قولي سيبويه3، لأن صحة واوه تدل على أنه ليس له واحد.   1 البيت جاء في ديوانه"ص234". 2 البيت لعنترة بن شداد يفتخر فيه بنفسه ويجاهر خصمه عمارة بن زياد الذي أراد أن يخطب عبلة بأنه مستعد للقائه لا يهابه فلينفض جانبي استه وليقم وليستعد لحربه وقتله إن أراد أو استطاع. والشاهد في قوله "مذرويها" وتدل على أن لفظ التثنية قد لا يكون تثنية لواحد. 3 الكتاب: 2/ 103. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وذهب الفراء إلى أن نون التثنية إنما دخلت فرقا بين رفع الاثنين ونصب الواحد. ومعنى ذلك أنك إذا قلت "عندي رجلان" فلولا النون لالتبس بقولك: ضربت رجلا، فإذا جاءت النون أعلمتك أن الكلمة مثناة، وأنها ليست واحد منصوبًا. وهذا القول عندنا على نهاية الخطل1 والضعف والفساد، وله وجوه كثيرة تفسده، وتشهد ببطلانه، منها: أنك لو قلت على قوله ومذهبه: قام الرجلان، بلا نون، لم يلتبس هذا بالواحد المنصوب، وذلك أنك لا تقول ضربت الرجلا، بالألف، إنما تقول: ضربت الرجلَ، بغير ألف، فلو كان الأمر على ما ذكره لقلت قام الرجلا، فأتيت بالألف علمًا للتثنية، ولم تخف لبسًا على ما قدمناه. فإن قال قائل: إن من العرب من يقف على ما فيه لام المعرفة في موضع النصب بالألف، فيقول ضربت الرجلا، فدخلت النون فرقًا بين رفع الاثنين ونصب الواحد على هذه اللغة. فالجواب: أن هذه لغة من الشذوذ والقلة على حال لا ينبغي أن يجتمع جميع العرب على مراعاتها وتخوف اللبس فيها، وإنما يقولها قوم هم من القلة بحيث لا يعتدّون خلافًا، فضلا عن أن تجتمع العرب كلها قاطبة على تخوف الإشكال في لغتهم، فأما قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَتَظُنّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] 2، و {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] 3، فإنما ذلك على إشباع الفتحة للوقف على رءوس الآي، كما قرأت القراء: "والليل إذا يسْرْ" [الفجر: 4] 4، و {ذَلِكَ   1 الخطل: خطل خطلا: أي حاد عن الصواب وأخطأ وأفحش، والخطل أي الكلام الفاسد. 2 الشاهد فيها كلمة "الظنونا" حيث تقرأ بألف عوضًا عن نون التنوين المحذوفة للوقف عليها. إعراب الشاهد: الظنونا: مفعول به منصوب بالمفعولية. 3 هي قراءة ابن كثير والكسائي وغيره عن عاصم بالألف إذا وقفوا وتركها في الوصل، وقرأ هبيرة عن حفص بالألف في وصل أو قطع. السبعة في القراءات "ص520". والشاهد فيها "السبيلا" حيث أبدلت نون التنوين ألفا للوقف عليها. 4 قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي "يسر" بغير ياء في وصل ولا وقف، وقرأ ابن كثير بالياء في وصل أو قطع، وقرأ نافع بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف، وقرأ أبو عمرو "يسر" جزما إذا وصل وإذا وقف، وروي غير ذلك عنه. السبعة "ص683-684". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] 1 فحذف الياء في هذا ونحوه في الوقف إنما هو لرءوس الآي وتشبيههم إياها بالقوافي في نحو قول زهير2: ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم بخلق ثم لا يفرْ3 يريد: يفري. وكذلك أيضًا من قرأ: {السَّبيلا} و: {الظٌّنونا} إنما هو مشبه بوقوفهم على القوافي في نحو قول جرير4: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت: لقد أصابا5 ونحو قول لقيط6: يا دار عمرة من محتلها الجرعا ... هاجت لي اللهم والأحزان والوجعا7   1 الشاهد فيه حذف الياء. 2 هو زهير بن أبي سلمى، والبيت في ديوانه "ص94". 3 تفري: فري الشيء وانفرى: أى انشق وانقطع. قوله "لا يفر" أسلوب إنشاء صورة نفي غرضه التأكيد. الشاهد فيه قوله "لا يفر" حيث حذفت ياؤها ويقصد لا يفري. إعراب الشاهد: يفر: فعل مضارع مرفوع بضم مقدر على الياء المحذوفة. 4 البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، أحد الشعراء المجيدين. أقلي: اتركي، ذلك أن العرب تستعمل القلة في معنى المنع والنفي بته. عاذل: أصله عاذلة وحذفت التاء للترخيم. العتاب: التقريع على فعل شيء أو تركه، ويقول جرير: اتركي أيتها العاذلة اللوم والتعنيف فإني لن أستمع لما تطلبين من الكف عما آتي من الأمور والفعل لما أذر منها، وخير لك أن تعترفي بصواب ما أفعل. والشاهد في قوله "أصابا" حيث وقف عليها بألف الإطلاق لخفتها. إعراب الشاهد: أصابا: جملة مقول القول في محل نصب، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله والتقدير إن أصبت فقولي لقد أصابا. 6 هو لقيط بن يعمر الإيادي. 7 البيت نسبه صاحب الأغاني "22/ 392" إلى لقيط بن يعمر الإيادي، وذكر البيت صاحب المنصف "1/ 60" دون أن ينسبه. الجرعا: أرض ذات حزونة تشاكل الرمل حيث لا ينبت فيها الزرع "ج" أجارع. هاجت: أثارت. الأحزان: جمع يدل على تعدد وتنوع هذه الأحزان وكثرتها. الوجعا: اسم جامع لكل مرض مؤلم "ج" أوجاع. والشاهد في قوله "الوجعا". إعراب الشاهد: معطوف منصوب بالتبعية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 فهذه الأشياء تعرض في الوقف، وهي جارية مجرى غيرها من سائر التغايير العارضة عند الوقوف نحو خالدّ، ويجعلْ، وهذا بكرْ، ومررت بعمرْو، فهل يحسن بمثل هذا أن يُجعل أصلا تجتمع الجماعة عليه، وتنتهي في القياس إليه، هذا ما لا ينبغي لنظّار أن يركبه، ولا لمنصف من نفسه أن يعتقده. فإن قال قائل: ما تنكر أن تكون النون إنما لحقت التثنية في النكرة التي هي الأصل، وذلك قولك ضربت رجلا، فلو قلت مع هذا "عندي رجلا" بلا نون لا لتبس بما لا يوقف على منصوبه إلا بالألف نحو ضربت رجلا، ثم إنهم أجروا المعرفة التي هي فرع مجرى النكرة التي هي أصل حملا للفرع على الأصل، كما أجروا: رأيت الهنداتِ، على: رأيت الزيدينِ، حملا للمؤنث الذي هو فرع على المذكر الذي هو الأصل، وكغير ذلك مما تجري فيه الفروع على الأصول طلبا للتجنيس لا لضيق الكلام، ألا ترى أنهم لو قالوا: ضربتُ الهنداتَ، ففتحوا التاء لم يفسد ذلك بشيء، وإنما مالوا إلى الكسر، كما أجروا النصب على لفظ الجر في: ضربتُ الزيدينَ. فالجواب: أن ذلك إنما كان يكون له به تعلق لو لم نجد لنون التثنية علة قائمة ثابتة صحيحة في لحاقها بعد الألف، وهو ما قدمناه من قول سيبويه: "وإنما لحقت عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين"1 الذي كان يجب له إذا كان معربا متمكنا، كما وجب للواحد المتمكن، فأما والعلة قائمة صحيحة فلا وجه للعدول عنها إلى حمل فرع على أصل طلبا لتجنيس الكلام لا غير. ألا ترى أن كسر تاء الهندات في موضع النصب ليس له قوة كسرها في موضع الجر، وإنما هي حركة أقيمت مقام حركة.   1 الكتاب: "1/ 4"، ولفظه: "كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 أولا ترى أن أبا الحسن وأبا العباس1 ومن قال بقولهما قد ذهبا إلى أن كسرة تاء التأنيث في موضع النصب إنما هي حركة بناء لا حركة إعراب، ولم يقولوا في كسرتها في موضع الجر إنها حركة بناء، بل قالا بما قال به سيبويه2 والجماعة من أنها حركة إعراب. ولا شيء حملهما على أن قالا إن كسرة تاء: ضربت الهنداتِ، حركة بناء إلا ضعفها وقلة تمكنها في هذا الموضع من حيث كانت محمولة على غيرها. فهذا يدلك على أن ما حمل على غيره ليس كما هو أصل قائم بنفسه، لا سيما إذا كان في حمله على غيره ما يدعو إل ترك القول بما قد وضحت أدلته، ونطقت شواهده، وهو قول سيبويه. ويؤكد عندك أيضًا أن ما حمل على غيره ليس له قوة ما هو قائم بنفسه، أن حذف الواو من "يَعِدُ" مع الياء أقوى من حذفها مع غيرها من حروف المضارعة، لأنها في هذا محمولة على الياء، فحذفها مع الياء أقوى من حذفها مع غيرها من سائر حروف المضارعة المحمولة على الياء، ولهذا نظائر. وشيء آخر يفسد هذه الزيادة، وهو أنه لو كانت النون دخلت في المعرفة حملا على النكرة لوجب أيضًا أن تدخل على المضاف لدخولها على المفرد إذ كانت الإضافة فرعا على الإفراد، ولَلَزم أن تقول: قام غلامانِ زيدٍ، وكما كنت تقول قبل الإضافة: قام غلامانِ، فتركهم إلحاق النون في الإضافة مع أنها فرع على الإفراد دلالة على أنهم يلحقونها في المعرفة من حيث كانت فرعا على النكرة. فإن قال قائل: ما تنكر أن يكونوا إنما لم يلحقوها في الإضافة وإن كانت فرعا على الإفراد كما ألحقوها مع المعرفة من حيث كانت فرعا على النكرة من قبل أنهم لو قالوا: قام غلامان زيد، لجمعوا في آخر الاسم زيادتين؛ النون والمضاف إليه، فثقل عليهم ذلك، فرفضوه؟ فالجواب: أن يقال لمن قال هذا: مذهبك أدّاك إلى هذا، فإياك فَلُمْ، فإنك أنت وجهت على نفسك هذا الإلزام.   1 ذهب المبرد في المقتضب "1/ 144-145، 3/ 331" إلى أن الجر والنصب متساويان في جمع المؤنث بالألف والتاء. 2 الكتاب: "1/ 5". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 ومنها1: أنهم يقولون في ما لا ينصرف كله: هذان أحمران وأصفران، فيلحقون النون، وأنت لو نصبت الواحد من هذا لم تقف عليه بالألف، إنما كنت تقول: رأيت أحمر وأصفر، فإلحاقهم النون في التثنية يدل على أنها لم تلحق للفصل بين رفع الاثنين ونصب الواحد كما ذهب إليه الفراء. فإن قال قائل: فما تنكر أن يكون لما وجب إلحاق النون في ما ينصرف ألحقت أيضًا في ما لا ينصرف لئلا يختلف الباب؟ رجع الحجاج إلى ما كنا قدمناه آنفا من أنا لا نحمل الشيء على أن ملحق بغيره مع وجودنا له علة صحيحة قائمة فيه بنفسه، وهو ما ذهب إليه سيبويه. فإن انفصل منفصل من غير هذا الوجه، فقال: إنما لحقت في ما لا ينصرف نحو أحمران وبابه لأن من العرب من يصرف جميع ما لا ينصرف، فيقول: ضربت أحمدا، وكلمت عُمرا. قيل له: هذه اللغة في القلة والضعف كاللغة التي يوقف فيها على ما فيه لام المعرفة في النصب بالألف، نحو: رأيت الرجلا، وكلمت الغلاما، فالذي أسقط عنا تلك المعارضة هو الذي يسقط عنا هذه أيضًا. ومنها: أنهم يقولون في النصب والجر: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، فيلحقون النون ولا ألف قبلها، فدل ذلك على أن النون لم تلحق التثنية فصلا بين رفع الاثنين ونصب الواحد. فإن عارض معارض فقال: إنها لما دخلت في الرفع، نحو الزيدان، والعمران، حملوا الجر والنصب عليه لئلا تختلف حال التثنية. عاد الحجاج أيضًا إلى ما قدمناه من أن الشيء لا ينبغي أن يجعل محمولا على غيره وله صحه علة موجودة فيه نفسه. وكذلك إن قال قائل: إنما لحقت النون التثنية على لغة بلحارث بن كعب2 إذ كان ما قبل النون في لغتهم ألفا لا تختلف، وذلك نحو مررت بالزيدان، وضربت الزيدان.   1 أي: من الوجوه التي تشهد ببطلان مذهب الفراء في نون التثنية. 2 النوادر "ص259". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 فالجواب عن هذا أيضًا كالجواب عما قبله، لأن اللغات كلها لا تحمل على لغة بلحارث عن قلتها وشذوذها. ومنها أيضًا قولهم: قام الزيدون، فلحاق النون هنا ولا ألف قبلها يفسد أن تكون دخلت فرقًا بين رفع الاثنين ونصب الواحد. فإن قال: أنها في الجمع أيضًا إنما دخلت فرقًا بين رفع الجمع ورفع الواحد في لغة من قال1: هذا زيدو، ومررت بزيدى، كما يقول الجميع في الوقف على المنصوب المنون: رأيت زيدا. عاد الكلام إلى ما كنا قدمناه من ضعف حمل الشيء على غيره مع وجود العلة القائمة فيه. ومنه أنه إن جاز للفراء أن يذهب إلى أن نون التثنية إنما لحقت فرقا بين رفع الاثنين ونصب الواحد، وأن يحتج في دخولها مع اللام في نحو قولك: الرجلان والغلامان، بأن من العرب من يقول: رأيت الرجلا والغلاما، جاز لآخر أن يفسد عليه دخولها في ما لا لام فيه ولا هو مضاف نحو: عندي رجلان وغلامان، بأن يقول: هذا فاسد من قول الفراء، لأن من العرب من يقف على المنصوب المنون بلا ألف، فيقول: ضربت زيدْ، وكلمت محمدْ، كما يقف على المرفوع بلا واو، وعلى المجرور بلا ياء، فيقول: هذا جعفرْ، ومررت بجعفرْ، وحدثنا أبو علي أن أبا عبيدة حكى عنهم2: ضربت فَرَجْ. وأنشد للأعشى3: إلى المرء قيسٍ أطيل السُّرَى ... وآخُذ من كل حيٍّ عُصُمْ4 ولم يقل عُصُما   1 هذه لغة أزد السراة، حكاها أبو الخطاب كما في الكتاب "2/ 281". 2 لم يحك سيبويه هذه اللغة، لكن حكاها الجماعة: أبو الحسن، وأبو عبيدة، وقطرب، وأكثر الكوفيين، الخصائص "2/ 97". 3 ذكرنا قبل ذلك أنه: أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل. 4 البيت للأعشى في ديوانه "ص87" وهو من قصيدة يمدح فيها قيس بن معد كرب. السُّرى: سير عامة الليل، والمقصود بقوله: أطيل السرى، أي أطيل سير الليل إلى قيس. الشاهد فيه قوله "عُصُمْ" ولم يقل "عُصُمًا" بالنصب على المفعولية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وأخبرنا بعض أصحابنا يرفعه إلى قطرب1 أنه أنشد: شئز جنبي كأني مهدأٌ ... جعل القينُ على الدَّفِّ إبَرْ2 ولم يقل إبرَا. وقال الآخر3: أعددتُ للوِرْدِ إذا الوِرْدُ حفز ... غَرْبًا جَرُورًا وجُلالا خُزَخِز4 ولم يقل خُزَخِزا. وأخبرنا بعض أصحابنا عن قطرب أنه أنشد لعدي بن زيد5: أتعرف أمس من لميسَ طَلَلْ ... مثل الكتاب الدارس الأحوَلْ6 قد كنتَ بحرًا كالفراتِ تميرُ ... الناسُ منه درمكًا وحُلَلْ7 ولم يقل طلالا، ولا حلالا.   1 هو محمد بن المستنير بن أحمد نحوي عالم بالأدب واللغة. 2 شئز: قلق. مهدأ: المنكب درم أعلام واسترخى حمله. كذا قال الفيرزآبادي. القين: الحداد، ثم أطلق على كل صانع "ج" قيون. القاموس المحيط "4/ 262". الدف: الجنب من كل شيء، ويقال بات يتقلب على دَفَّيهِ. القاموس المحيط "3/ 140". والشاهد فيه قوله "إبرْ" بتسكين دون مد، والأصل إبرا. 3 لم نعثر على قائله. 4 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "خزز"، وكذا صاحب المنصف "1/ 27" ولم ينسباه. الوِرْدُ: الماء الذي يورد. غربًا: الدلو العظيم. القاموس المحيط "1/ 109". الجرور: الذي لا ينقاد بسهولة ويسر من الخيل والإبل. القاموس المحيط "1/ 389". الخزخز: القوي المتين من الإبل، والعبيد الذي سيحملون هذا الماء. القاموس المحيط "2/ 175". والشاهد في قوله: خزخز: حيث سكن ولم يقل بالمد خزخزا. 5 البيت ينسب لعدي بن زيد وهو في ديوانه "ص157". 6 طلل: ما بقي من آثار الديار ونحوها. القاموس المحيط "4/ 8". الدارس: الذي ذهب أثره وعفا. لسان العرب "6/ 79" مادة/ درس. الأحول: الدار والمنزل الذي تغير وأتى عليه أحوال "سنون". القاموس المحيط "3/ 363". والشاهد فيه قوله طلل: ولم يقل طللا نصبا على المفعولية وإنما سكن. 7 البيت لم يذكره صاحب اللسان في مادة "درمك" ولم نعثر على قائله فيما بين أيدينا. تمير الناس: أي تأخذ الناس منه طعامهم وشرابهم وتجمعهما للسفر، ذلك أن الميرة الطعام يجمع للسفر ونحوه. وتمير الناس كناية عن شدة كرمه. "كالفرات" أسلوب بلاغي في صورة تسبيه بليغ بعكس سماحته وكرمه وعطاءه. حلل: "م" الحلة: الثوب الجيد الجديد غليظا أو رقيقا، وكانت عند العرب تتكون من قميص وإزار ورداء. والشاهد فيه قوله "حلل" ولم يقل حلالا نصبا على التبعية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وأنشدنا له أيضًا: هل ترى من ظُعُن باكرة ... يتطلعْنَ من النجد أُسُرْ1 ولم يقل أُسُرا. هكذا روينا عنه. قال: وسمعنا بعض العرب الفصحاء من بني حنظلة2 ينشد: لما رأَتْ في ظهري انحناءْ ... والمشيَ بعد قَعَسٍ إحناءْ أَجْلَتْ وكان حبُّها إجلاءْ ... وجعلَتْ نصفَ غَبُوقي ماءْ ثم تقولُ من بعيدٍ هاءْ ... دحرجةً إن شئتَ أو إلقاءْ3 قال: فوقف على هذا كله بغير ألف. فإن جاز للفراء أن يحتج في دخول النون في الرجلان بقول من قال: رأيت الرجلا، جاز أيضًا لآخر أن يفسد أصل مذهبه في النكرة في قولهم عندي رجلان، بأن من العرب من يقف على المنصوب المنون بغير ألف، فيقول: رأيت محمدْ، وكلمت جعفرْ، وبهذه الأبيات التي أنشدناها وغيرها. بل يقول: أنا أولى بالقول من الفراء لكثرة ما جاء عنهم من ضربتُ رجلْ، وقلة ما جاء عنهم من ضربتُ الرجلا.   1 البيت ينسب لعدي بن زيد وهو في ديوانه "ص60". 2 إحدى قبائل العرب. ويقال أن الأبيات تنسب لأحد شعرائها. 3 الأبيات لم ينسبها الزجاجي في كتابه "الأمالي" وذكرها "ص186-187"، بينما نسبها ابن درستويه في كتاب الكتاب "ص106" إلى مسلم بن عطية. قعَس: محركة خروج الصدر ودخول الظهر ضد الحدب. القاموس المحيط "2/ 241". غَبوقي: الغبوق: الشرب بالعشي، وقد غبقه من باب نصر. مادة "غ ب ق". والشاهد في قوله "احنا- ماء- إلقاء" حيث وقف عليها "سكَّن" بغير ألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 فان احتج محتج بقول الشاعر1: أقلي اللوم عاذلَ والعتابا ... ............ ............. و2: يا دار عمرة من محتلها الجرَعا ... ............ ............. و3: ............ ............. ... سُقِيتِ الغيثَ أيتها الخيامو4 وقوله أيضا5: أتنسى أن تودعنا سُلَيْمَى ... بفرع بشامة سقي البشامو6 فإنما ألحقت هذه المدات في الوقف لتصحيح الوزن. ومن أجرى الشعر مجرى الكلام قال في الوقف على القوافي بوقفه في الكلام، قال: أقلي اللوم عاذلَ والعتابْ ... .............. ............... 7   1 سبق تخريج البيت. 2 سبق تخريجه. 3 عجز بيت لجرير، وصدره: متى كان الخيام بذي طلوح وهو في ديوانه "ص278". ذو طلوح: موضع. 4 البيت لجرير في ديوانه "ص278"، والبيت بتمامه: متى كان الخيام بذى طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيامو والشاهد فيه قوله "الخيامو" حيث أشبع المد لتصحيح الوزن. 5 البيت لجرير، وهو في ديوانه "ص279". 6 سقى البشام: أي سقى من أبشمه الطعام أي أتخمه. القاموس المحيط "4/ 81". فرع بشامة: البشامة: شجرة طيبة الريح والطعم يستاك بها صغيرة الورق، لا ثمر لها، إذا قطع ورقها أو غصنها سال منه لبن أبيض "ج" بشام. القاموس المحيط "4/ 80". الشاهد فيه إشباع المد فأصبحت "بشامو"، وأصلها "البشام". 7 سبق تخريج البيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 و: .............. .............. ... سُقِيتِ الغيثَ أيتها الخيامْ1 و: يا دار عمرة من محلتها الجرعْ ... ............... ............... وجميع من يحذف هذه المدات إذا أجرى القافية مجرى سائر الكلام لم يقف إذا صار إلى مثل قوله3: قد رابني حفصٌ فحرِّكْ حفصا4 إلا بالألف بعد الصاد، فقد علمت أن من قال: العتابا، والجرعا5، والخيامو، إنما يلحق الألف والواو لضرورة الشعر وإقامة وزنه. وأن من قال: ضربت زيدْ، وكلمت محمدْ، فوقف بغير ألف، فليس حذفه الألف لضرورة الشعر، ألا ترى إلى إجماع الجماعة على إثبات الألف في نحو: قد رابني حفصٌ فحرِّكْ حفصا6 يقول هذا من يقول العتابا، ومن يقول العتابْ، ومن يقول الخيامو، ومن يقول الخيامْ، ومن يقول ومنزلي، ومن يقول ومنزلْ، ولم نسمعهم يقولون: فحرك حفصْ، كما قال: العتابْ، والخيامْ، ومنزلْ. فإن قيل: فما تنكر أن يكونوا أيضًا لم يقولوا: فحرك حفصْ، لئلا ينقص وزن الشعر؟   1 سبق تخريج البيت. 2 سبق تخريج البيت. 3 البيت في الكتاب "2/ 300"، واللسان مادة "روى" "19/ 68". 4 البيت ذكره صاحب اللسان ولم ينسبه، وكذلك صاحب الكتاب ولم ينسبه. رابني: أساء ظني وأفزعني وحرك الشكوك والظنون والريب. حفص: شبل "ج" أحفاص، أبو حفص: كنية الأسد. القاموس المحيط "2/ 298". والشاهد إلحاق الألف بعد الصاد في كلمة "حفصا" وقيل هذا لضرورة الشعر وإقامة الوزن. 5 الجرعا: يقال جرع الغيظ: أي كظمه وكتمه. القاموس المحيط "3/ 12". 6 سبق شرحها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 فذلك فاسد من قبل أنهم قد قالوا: أقلي اللوم عاذلَ والعتابْ ... ........ و: ........ ... سُقِيتِ الغيثَ أيتها الخيامْ فوقفوا قبل تمام الوزن، ألا ترى أن هذين من الوافر، وأن تقطيعهما: أقل لل لو معاذل ول عتابْ ... مفاعلين مفاعلتن فعولْ وكذلك قول الآخر: سقي تل غي ثأي يتهل خيامْ ... مفاعلين مفاعلتن فعولْ فوقوفهم على لام فعولُنْ دون نونها يدل على أن الوزن لم يتكامل، فلو كان حذف الألف من قول من قال: كلمت جعفرْ، لضرورة الشعر لجاز أن يسمع عنهم: قد رابني حفصٌ فحرك حفصْ فقد علمت بهذا أن ترك الألف في قولك: ضربتُ محمدْ إنما هو لغة، وليس لضرورة، فلهذا كان الاحتجاج به على الفراء أقوى من احتجاجه بقول من يقول: ضربت الرجلا، إذ ذلك إنما جاء في ضرورة الشعر، وليس بلغة مستقرة كقول من قال: ضربت فرجْ، فإذا جاز له أن يحتج في دخول النون للتثنية بما جاء في الضرورة من قولهم ضربت الرجلا، جاز أن يحتج غيره في سقوطها بلغة من قال: ضربت فرج، وأشد ما في هذا أن يكون: ضربت الرجلا، في الكثرة كضربت محمدْ، فقد حصلت رواية برواية، ولغة بلغة، وصح في ما بعد مذهب سيبويه1 في أن النون دخلت عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين، ولم يعترض عليه ما اعترض على قول الفراء من كثرة التشعب والإلزامات والإفسادات والمعارضات.   1 الكتاب "1/ 4". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وأما قولهم: لا رجلين عندي، ولا امرأتين فيها، فإن أبا علي ذهب إلى أن النون إنما ثبتت ههنا وإن كان الاسم مبنيًّا عنده، وهو مذهب سيبويه1، من قبل أن النون زيادة لحقت حرف الإعراب كما تلحق الألف الواحد في الشعر نحو: لا رجلا، وكما لحقت النون في نحو: ضربت اللذين في الدار، وإن لم يكن الواحد معربا ولا منونا، وهذا يدفع ما ذهب إليه أبو العباس2 وغيره من أن المبني مع لا إذا ثُنِّي أخرجته التثنية من البناء، فاعرفه. وأما ما ذهب إليه البغداديون3 من أنه يجوز حذف نون التثنية، وإنشادهم في ذلك: قد سالَمَ الحياتِ منه القَدَما ... الأفعوانَ والشجاعَ الشجْعَما4 قالوا: أراد: القدمانِ، فحذف النون، ونصبوا الحيات، وجعلوا الأفعوان وما بعده بدلا منها. فهذه رواية لا يعرفها أصحابنا، والصحيح عندنا هو ما رواه سيبويه: قد سالم الحياتُ منه القدَما ... .............. برفع الحيات ونصب القدم، نصب الأفعوان وما بعده بفعل مضمر دل عليه سالَمَ؛ لأنه قد علم أنها مُسالَمة كما أنها مُسالِمة، فكأنه قال في ما بعد: وسالمت القدمُ الأفعوانَ والشجاعَ الشجعما، كما قال أوس بن حجر، وهو من أبيات الكتاب أيضا5:   1 الكتاب "1/ 348-349" وقد علل إثبات النون قائلا: "وأثبتوا النون لأن النون لا تحذف من الاسم الذي يجعل وما قبله أو ما بعده بمنزلة اسم واحد، ألا تراهم قالوا: الذين في الدار، فجعلوا الذين وما بعده من الكلام بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا ولم يحذفوا النون لأنها لا تجيء على حد التنوين، ألا تراها لا تدخل في الألف واللام وما لا ينصرف". 2 يعنى المبرد: المقتضب "4/ 366". 3 هو مذهب البغداديين وفيه يجوزون حذف نون التثنية. 4 سبق تخريجه. 5 هو من أبيات قصيدة لأوس بن حجر، والبيت في ديوانه "ص73". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 تواهِقُ رِجْلاها يداها ورأسُه ... لها قَتَبٌ خلف الحقيبة رادفُ1 فرفع يداها بفعل مضمر، فكأنه قال: تواهق رجلاها يديها، وتواهق يداها رجليها ثم حذف المفعولين في الموضعين، لأنه قد علم أن المواهقة لا تكون من واحد، وهذا كثير جدا. وأما قول امرئ القيس2: لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النمر3 فإن الكسائي قال4: أراد خظتا، فلما حرك التاء رد الألف التي هي بدل من لام الفعل، لأنها إنما كانت حذفت لسكونها وسكون التاء، فلما حرك التاء ردها، فقال: خظاتا. ويلزمه على هذا أن يقول في قضتا وغزتا: قضاتا وغزاتا، إلا أن له أن يقول: إن الشاعر لما اضطر أجرى الحركة العارضة مجرى الحركة اللازمة في نحو: قولا، وبيعا، وخافا. وذهب الفراء إلى أنه أراد خظاتان5، فحذف النون. كما قال أبو داود الإيادي6:   1 البيت ذكره المقتضب "3/ 285" ونسبه إلى أوس، وكذا جاء في الكتاب "1/ 145". تواهق: تساير. قتب: الإكاف الصغير على قدر سنام البعير "ج" أقتاب. القاموس المحيط "1/ 114". الحقيبة: ما يجعل فيه المتاع والزاد، وكل ما يحمل وراء الرحل "ج"حقائب. والشاهد في قوله "يداها" حيث رفعها بفعل مضمر تقديره تواهق رجلاها يديها، وتواهق يداها رجليها. 2 البيت في ديوانه "ص164" ونسبه إليه صاحب اللسان في مادة "خظا". 3 البيت ينسب لامرئ القيس، ونسبه إليه صاحب اللسان. "13/ 398" مادة/ متن. متنتان: جنبتا الظهر. خظاتا: أي امتلأتا واكتنزتا. أكب: أكب على الشيء أي أقبل عليه وشغل به. القاموس المحيط "1/ 121". والشاهد فيه قوله "خظاتا" حيث حذف نون التثنية. 4 انظر: شرح شواهد شرح الشافية "ص157". 5 خظاتان: مكتنزتان قليلا. القاموس المحيط "4/ 324". 6 الإيادي: هو أبو داود الإيادي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ومتنان خظتان ... كزحلوف من الهضب1 وأنشد الفراء أيضًا: يا حبذا عينا سليمى والفما2 قال: أراد: والفمان، فحذف، يعني الفم والأنف، فثناهما بلفظ الفم للتجاور الذي بينهما. وأجاز الفراء أيضًا أن تنصبه على أنه مفعول معه، كأنه قال: مع الفم. ومذهب الكسائي في خظاتا أقيس عندي من قول الفراء، لأن حذف نون التثنية شيء غير معروف. فأما "الفما" فيجوز أن تنصبه بفعل مضمر، كأنه قال: وأحب الفما. ويجوز أن يكون "الفما" في موضع رفع إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا، وعليه جاء بيت الفرزدق3: هما نفثا في فِيَّ من فَمَوَيْهِما ... ............ 4 فاعرفه. ومما يؤكد عندك مذهب الكسائي في أنه أراد خظتا، فلما حرك التاء -وإن كانت الحركة عارضة غير لازمة- رد الألف التي هي بدل من الواو التي هي لام الفعل،   1 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "خظا" ونسبه إلى أبو داود "14/ 223". زحلوف: المكان المنحدر الأملس من الجبل "ج" زحاليف. القاموس المحيط "3/ 147". الهضب: الجبل المنبسط الممتد على وجه الأرض "ج" هَضْب، وهضاب. والشاهد فيه عدم حذف النون التي تلحق المثنى في قوله "خظاتان". 2 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "فوه" "13/ 528"، ولم ينسبه، وذكره صاحب الخصائص "1/ 170" ولم ينسبه أيضًا، وكذا صاحب الدرر اللوامع "1/ 13". ياحبذا: أسلوب مدح. والشاهد في البيت قوله: "الفما" أراد الفمان. 3 سبق تخريجه. 4 سبق شرحه والتعليق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 قولهم: لَحْمَر، في الأحمر، ولَبْيَضُ، في الأبيض، ألا ترى أنهم اعتدوا بحركة الهمزة المحذوفة لما ألقوها على لام المعرفة، فأجروا ما ليس بلازم مجرى اللازم. ونحو من ذلك قوله: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] 1 وأصلها: لكن أنا، فلما حذفت الهمزة للتخفيف، وألقيت فتحتها على نون لكن، صار التقدير: لكنَنَا، فلما اجتمع حرفان مثلان متحركان كره ذلك كما كره شَدَدَ وحَلَلَ، فأسكنوا النون الأولى، وأدغموها في الثانية، فصارت لكنَّا، كما أسكنوا الحرف الأول من شَدَدَ وحَلَلَ، وأدغموه في الثاني، فقالوا شَدَّ وحَلَّ، أفلا ترى أنهم أجروا المنفصل، وهو "لكن أنا" مجرى المتصل في نحو شَدَّ وحَلَّ، ولم يقرأ أحد "لكنَنَا" مظهرا، فهل ذلك إلا لاعتدادهم بالحركة وإن كانت غير لازمة. وعلى هذا أيضًا قوله تعالى {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيل} [البقرة: 214] 2 و {سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [القلم: 40] 3 ونحو ذلك، وأصله اسأل، فلما خففت الهمزة، فحذفت، وألقيت فتحتها على السين قبلها، اعتد بها، فحذفت همزة الوصل قبلها لتحرك الحرف بعدها. ونظائر هذا كثيرة. ومنها قولهم في تخفيف رُؤْيا: رُيّا4، وأصلها رُويا، إلا أنهم أجروا الواو في رُويا وإن كانت بدلا من الهمزة مجرى الواو اللازمة، فأبدلوها ياء، وأدغموها في الياء بعدها، فقالوا رُيّا، كما قالوا: طويت طَيًّا، وشويت شَيًّا، وأصلها طُويًا، وشُويًا، ثم أبدلوا الواو ياء، وأدغموها في الياء، فصارت طيًّا وشيًّا. فعلى هذا قالوا رُيّا. ومن اعتد بالهمزة المنوية، وراعى حكمها -وهو الأكثر والأقيس- لم يدغم، فقال: رُويا. ومنه نُوي في تخفيف نُؤي. وغرضنا في هذا إنما هو رُيّا. فهذا كله وغيره مما يطول ذكره يشهد بإجرائهم غير اللازم مجرى اللازم.   1 الشاهد فيها قوله تعالى {لَكِنَّا} والتقدير "لكن أنا". 2 الشاهد فيها قوله تعالى {سَلْ} والتقدير: اسأل، وحذفت الهمزة عند تخفيفها وألقيت فتحتها على السين قبلها. 3 الشاهد في قوله تعالى {سَلْهُمْ} والتقدير: اسأل. 4 رُيّا: أصلها رُؤْيَا، وخففت الهمزة فحذفت، وأبدلوا الواو ياءً وأدغموها فأصبحت من رؤيا إلى رُيّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ويقوي مذهب الكسائي فى أن خظاتا معناه خظتا، وأنه أجرى الحركة العارضة مجرى الحركة اللازمة على ما قدمنا ذكره. إلا أن للفراء أن يحتج لقوله ببيت أبي داود: ومَتْنانِ خَظاتَانِ ... كزُحْلُوفٍ من الهَضْبِ1 فهذا يقوي أن خظاتا تقديره خظاتان. وأنشدوا بيتًا آخر، وهو قوله2: لنا أَعْنزٌ لُبْنٌ ثلاثٌ فبعضُها ... لأولادها ثِنْتا، وما بيننا عَنْزُ3 يريد: ثنتانِ، فحذف النون. فأما من ذهب إلى أن النون في التثنية عوض من التنوين وحده، وأنها إنما تثبت مع لام المعرفة لأنها بحركتها أقوى من التنوين، فيفسد قوله عندي لأنه لم يعوض من الحركة شيئًا. وقد دلت الدلالة الصحيحة عندنا على أن ألف التثنية ليس فيها تقدير حركة في معناها، كما أنها ليست موجودة في لفظها، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الاسم المثنى معربًا كما كان الواحد معربًا، فقد يجب أن يعوض من حركة إعرابه، فلهذا قلنا: إن النون في التثنية عوض مما منع الاسم من الحركة والتنوين جميعًا، وهذه النون مخففة أبدًا نحو رجلان وامرأتان، فأما قولهم هذان و {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} [القصص: 32] 4 واللذان، فإنما ثقلت في هذه المواضع لأنهم عوضوا بثقليها من حرف محذوف، أما في هذان فهي عوض من ألف ذا، وكذلك هي في اللذان عوض من ياء الذي، وهي في ذانك عوض من لام ذلك، وقد يحتمل أيضًا أن تكون عوضًا من ألف ذلك.   1 سبق تخريجه. 2 لم نعثر على قائله. 3 البيت ذكره صاحب الممتع "ص527" ولم ينسبه، وكذا ذكره صاحب الخصائص "2/ 430"، ولم ينسبه. والشاهد في قوله "ثنتا" حيث حذف نون التثنية، والتقدير ثنتان. 4 تشديد النون قراءة ابن كثير وأبي عمرو. السبعة "ص493". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وحركة نون التثنية كسرة، وحركة نون الجمع الذي على حد التثنية فتحة، نحو الزيدانِ والزيدونَ، وكلتاهما محركة لالتقاء الساكنين، وخالفوا الحركة للفرق بين التثنية والجمع، وكانت نون التثنية أولى بالكسر من نون الجمع لأن قبلها ألفا، وهى خفيفة، والكسرة ثقيلة، فاعتدلا، وقبل نون الجمع واو أو ياء، وهي ثقيلة، ففتحوا النون ليعتدل الأمر. فإن قلت: فقد تقول: مررت بالزيدينِ، وضربت الزيدينِ، فتكسر النون وقبلها ياء، فهلا هربت إلى الفتحة لمكان الياء كما هربت إلى الفتحة لمكان الياء في نحو أين وكيف؟ فالجواب: أن الياء في نحو الزيدينِ والعمرينِ ليست بلازمة كلزومها في أينَ وكيفَ، ألا تراك تقول في الرفع الذي هو الأصل -وإنما الجر والنصب فرعان عليه:- رجلانِ وامرأتانِ، فلا تلزم الياء النون كما تلزم الياء النون والفاء في أين وكيف، فلما كانت الياء غير لازمة في التثنية، وكان الرفع الذي هو الأصل لا تجد فيه ياء، أجروا الباب على حكم الألف التي هي أصل، وإنما الياء بدل منها، ولو أنهم فتحوا النون في الجر والنصب، وكسروها في الرفع لاختلفت حال نون التثنية، على أن من العرب من يفتحها في حال الجر والنصب تشبيها بأين وكيف، ويجرى الياء وإن كانت غير لازمة مجرى الياء اللازمة، فيقول: مررت بالزيدينَ، وضربت العمرينَ. وأنشدوا في ذلك1: عَلى أَحْوذِيَّيْنَ استَقَلَّتْ عليهما ... فَما هيَ إِلا لمحةٌ فَتَغِيبُ2 وفتحها بعضهم في موضع الرفع، قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد3:   1 يقال هو محمد بن ثور الهلالي. 2 أَحْوذِيَّيْنَ: مثنى أحوذي: هو السريع في كل ما أخذ فيه. القاموس المحيط "1/ 353". لمحة: اللمحة: اختلاس النظرة. القاموس المحيط "1/ 247". والشاهد فيها في قوله "أَحْوذِيَّيْنَ" حيث عوملت الياء معاملة الياء اللازمة للاسم وليست علامة إعراب للمثنى. 3 يقال أن البيت لشاعر من بني ضبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 أعرف منها الأنف والعَيْنانا ... ومَنْخَرَيْنِ أشبها ظبيانا1 وروينا عن قطرب لامرأة من فَقْعَس2: يارُبَّ خالٍ لك من عُرَيْنَهْ ... حجَّ على قُلَيِّصٍ جُوَيْنَهْ فَسْوَتُهُ لا تنقضي شَهْرَيْنَهْ ... شَهْرَيْ رَبِيعِ وَجُمادَيَيْنَهْ3 وقد حكي أن منهم من ضم النون في نحو الزيدان والعمران، وهذان من الشذوذ بحيث لا يقاس غيرهما عليهما. فهذه حال نون التثنية والجمع الذي على حد التثنية، ولم يتقصَّ أحد من أصحابنا القول عليها هذا التقصي، ولا علمته أشبعه هذا الإشباع. واعلم أن النون قد زيدت علامة للصرف، وهي المسماة تنوينًا، وذلك نحو قولك هذا رجلٌ وغلامٌ، ورأت رجلا وغلامًا، ومررت برجلٍ وغلامٍ. وهذا التنوين هو نون في الحقيقة، يكون ساكنًا ومتحركًا، فالساكن نحو زَيْدُنْ، زَيْدَنْ، زَيْدِنْ، فهذه حاله أبدًا يكون ساكنًا فيها لأنه حرف جاء لمعنى في آخر الكلمة نحو نون التثنية، والجمع الذي على حد التثنية، وألف الندبة، وهاء تبيين الحركة، ولم تقع أولا فيلزم أن تحرك نحو واو العطف وفائه وهمزة الاستفهام ولام الابتداء وغير ذلك. ولا يحرك التنوين إلا في موضعين: أحدهما: أن يحرك لالتقاء الساكنين، نحو: هذا زيدُنِ العاقل، ورأيتُ محمدَنِ الكريم، ونظرتُ إلى جعفرنِ الظريف. وكذلك قولهم في الإنكار: أَزَيْدَنِيهْ، كسروا التنوين لسكونه وسكون حرف المد بعده.   1 البيت لرجل من بني ضبة كما في النوادر "168"، وكذا في الخزانة "3/ 338" ولم ينسبه. والشاهد فيه قوله "العينانا" ويقصد بها العينين. إعراب الشاهد: العينانا: مفعول به منصوب بالمفعولية وعلامة نصبه الفتح المقدر. 2 فقعس: حي من بني أسد. 3 البيتان قالتهما امرأة من فقعس ذكر ذلك صاحب الخزانة "3/ 338"، وكذا شرح المفصل "4/ 142". والشاهد في قولها: "شَهْرَيْنَهْ-وَجُمادَيَيْنَهْ" وهو شاذ لا يقاس عليه حيث استخدم المثنى استخدامًا شاذًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 قال سيبويه: "وسمعنا من يوثق به يقول: هذا سَيْفُنِي، يريد هذا سيفٌ، ولكنه تذكر بعده كلاما، فكسر التنوين كما تكسر دال قد"1 في قوله2: ............ ... وكأن قَدِ فجرى مجرى التقاء الساكنين. والآخر: أن تلقى عليه حركة الهمزة المحذوفة للتخفيف، وذلك نحو قولك: هذا زَيْدُنَ بُوكَ، ورأيت زَيْدَنَ بَاكَ، ومررت بزَيْدِنَ بِيكَ. وعلى هذا قراءة نافع3 "بِقَبَسِنَ وَجِدَ" [طه: 10] 4 و"إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَتُنَ كَادُ أُخْفِيهَا" [طه: 15] و"مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ايَتَنُ خْرَى" [طه: 22] وما أشبه ذلك، فالتنوين حرف -كما ترى- يتحمل الحركة كما تتحملها الجيم والقاف والصاد وغيرهن من الحروف، ويكون ساكنًا ومتحركًا كسائر الحروف غير المدة المنفتحة في نحو قام وحمار وكتاب، وإنما لم يثبت في الخط لأنه ليس مبنيًّا في الكلمة، وإنما جاء لمعنى في بعض الأسماء، وهي المفردة المنصرفة، وتبع أيضًا الحركات اللاحقة بعد تمام الحرف نحو رجلٍ وامراةٍ وإيهٍ وصهٍ وغاقٍ5، فلما تبع الحركة اللاحقة للكلمة، ولم يكن مبنيًّا معها، ولم يلحق سائر الكلم ضعف في المرتبة، فحذف في الخط لئلا يشبه النون الأصلية، نحو قَطَنٍ6، ورَسَنٍ7، أو الملحقة الجارية مجرى الأصلية،   1 الكتاب "2/ 304". 2 سبق تخريجه. 3 قال ابن مجاهد "وروى ورش عن نافع أنه كان يلقي حركة الهمزة على اللام التي قبلها.. وكذلك إذا كان الساكن آخر كلمة والهمزة أول أخرى ألقي حركتها على الساكن وأسقطها، مثل "قَدَ افلح المؤمنون" و: "من اله" وما أشبه ذلك. إلا أن يكون الساكن الذي قبلها واوًا قبلها ضمة مثل: "قالوا أنصتوا" أو ياء قبلها كسرة مثل "وفي أنفسكم" فإنه لا يدع الهمزة ههنا، ولم يكن يلقي عليها حركة الهمزة". انظر/ السبعة "ص147". 4 قرأها حفص {بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ} [طه: 10] . 5 وغاق: حكاية صوت الغراب. لسان العرب "10/ 295" مادة/ غوق. 6 قطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان. القاموس المحيط "4/ 260". 7 رسن: أي وضع رسنا على أنف الدابة فأرسنها. القاموس المحيط "4/ 227". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 نحو رَعْشَنٍ1، وضَيْفَنٍ2، وخَلْبَنٍ3، وعَلْجَنٍ4، وفَرْسَنٍ5، وكذلك أيضًا حذف من اللفظ في الوقف، فقالوا: هذا صالحْ، ومررت بجعفرْ، ولم يقفوا عليه لما ذكرناه من كراهيتهم شبهه بحرف الإعراب. فإن قلت: إن الهاء التي تبين بها الحركة زائدة أيضًا ولاحقة في الوقف، ومع ذلك فقد أثبتوها في اللفظ والخط، فقالوا: ارْمِهْ، واغزُهُ، وهُنَّهْ، وضربتُكَنَّهْ، وقال6: ويقلن شيْبٌ قد علاكَ ... وقد كبِرتَ، فقلتُ: إنَّهْ7 في أحد القولين8، فلم أثبتت الهاء وحذف التنوين؟ فالجواب: أن بين الحرفين فرقًا، وذلك أن هذه الهاء إنما هي أحد لواحق الوقف، والخط إنما وضع على الوقف دون الوصل، ولذلك أثبتت فيه همزات الوصل، فقالوا: ألا اضربْ زيدًا، ويا محمد اقتضِ بكرًا، فكأنهم قالوا: "ألا" ثم قالوا مبتدئين: اضرب زيدًا، وكأنهم قالوا: يا محمد، ثم استأنفوا، فقالوا: اقتضِ بكرًا، فلما كان موضوع الخط إنما هو على الوقف، وكانت هذه الهاء إنما هي من أغراض الوقف ثبتت في الخط، وليس التنوين كذلك، إنما هو لاحق في الوصل علامة للخفة والتمكن وفصلا بين المتحركات في الإدراج، فلما صرت إلى الوقف، وزال الإدراج استغني عنه، فحذف لذلك، ولما كنا قدمناه أيضًا من ضعفه ومخافة شبهه بحرف الإعراب.   1 رَعْشَنٍ: المرتعش، والجبان. القاموس المحيط "2/ 275". 2 وضَيْفَنٍ: الذي يتبع الضيف. القاموس المحيط "3/ 166". 3 وخَلْبَنٍ: الحمقاء. القاموس المحيط "1/ 63". 4 وعَلْجَنٍ: الناقة الكناز اللحم. القاموس المحيط "1/ 200". 5 وفَرْسَنٍ: مقدم خف البعير. القاموس المحيط "2/ 236". 6 قيل هو: عبيد الله بن قيس الرقيات، والبيت في ديوانه "ص66". 7 الشاهد فيه "إنَّه" حيث أثبت الهاء وحذف التنوين. 8 القول الأول: هو أن "إن" بمعنى أجل والهاء للسكت. والقول الآخر: أن "إن" ناسخة، والهاء اسمها والخبر محذوف يقدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 فأما إنشاد بعض العرب1: ............ ... سُقِيتِ الغيثَ أيتها الخيامُنْ2 و: أقلِّي اللَّومَ عاذلَ والعتابَنْ ... ............ 3 و: يا أبَتا عَلَّكَ أو عَساكَنْ4 و5: دايَنتُ أرْوَى والديونُ تُقضَنْ6 و7: وقاتِمِ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقِنْ8 فإن لهذا التنوين حكمًا غير حكمِ ما لحق علامة للخفة والتمكن، ألا تراه قد لحق الفعل في نحو تقضن، والضمير في نحو عساكن، ومع لام المعرفة في: الخيامن، والعتابن، والمخترقن. وسنذكر حال التنوين في انقسامه، ووجوه مواقعه في كلام العرب مستقصًى بإذن الله.   1 يقال هم بنو تميم، وذكر ذلك صاحب الكتاب "4/ 206-207". 2 سبق الحديث عنه. 3 سبق شرحه. 4 سبق شرحه. 5 البيت ينسب لرؤبة وهو في ديوانه "ص79". 6 والشاهد فيه قوله "تقضن" حيث أبدل الألف نونًا والتقدير "تقضى". 7 البيت ينسب لرؤبة أيضًا وهو في ديوانه "ص104". 8 والشاهد فيه قوله "المخترقن" حيث أدخل عليها التنوين رغم اقترانها باللام. إعراب الشاهد: المخترقن: مضاف إليه مجرور بكسرة ظاهرة وسكنه لأجل الوقف فالسكون هنا عارض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 اعلم أن التنوين يقع في كلام العرب على خمسة أضرب: أحدها: أن يكون فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف، وذلك نحو عثمانَ معرفة وعثمانٍ نكرة، وأحمدَ معرفة وأحمدٍ نكرة؛ ألا ترى أنك إذا قلت لقيت أحمدًا فإنما كلفت المخاطب أن يرمي بفكره إلى واحدٍ ممن اسمُهُ أحمد، ولم تكلفه علم شخص معين، وإذا قلت: لقيت أحمدَ فإنما تريد أن تعرفه أنك لقيت الرجل الذي اسمه أحمد، وبينك وبينه عهد متقدم فيه، فالتنوين هو الذي فرق بين هذين المعنيين. والثاني: أن يكون التنوين دليلا على التنكير، ولا يوجد هذا القسم في معرفة البتة، ولا يكون إلا تابعًا لحركات الإعراب، وذلك نحو قولك: إيهٍ، وغاقٍ، وصهٍ، ومهٍ، وإيهًا1، وواهًا2، وحيهلا3، فإذا نونت فكأنك قلت في إيهٍ: استزادة، وإذا قلت إيهِ فكأنك قلت: الاستزادة، فصار التنوين علم التنكير وتركه علم التعريف، قال ذو الرمة4: وقفنا فقلنا إيهِ أمّ سالمٍ ... وما بال تكليم الديار البلاقع5 فكأنه قال الاستزادة. وأما من أنكر6 هذا البيت على ذي الرمة فإنما خفي عليه هذا الموضع. وكذلك إذا قلت في حكاية صوت الغراب: غاقٍ غاقٍ، فكأنك قلت: بعدًا بعدًا فراقًا فراقًا، فإذا قلت: غاقِ، فكأنك قلت: البعدَ. وكذلك صَهٍ تقديره سكوتًا، وصَهْ تقديره السكوت. ومَهٍ معناه كفًّا، ومَهْ معناه الكف، إلا أن صَهْ ومَهْ فى المعرفة ساكنا   1 إيها: اسم فعل أمر ومعناه طلب الزيادة. 2 وواها: واها: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجب. 3 وحيهلا: اسم فعل أمر بمعنى ائت. 4 ذو الرمة: البيت في ديوانه "ص778". 5 البيت نسبه صاحب الخزانة "3/ 19" إلى ذي الرمة. البلاقع: "م" بلقع. وهو الخالي من كل شيء. والشاهد فيه قوله "أم سالم" حيث نونها دلالة على التنكير. 6 هو الأصمعي كما في ديوان ذي الرمة "ص779"، قال: "أساء في قوله إيهِ بلا تنوين، كان ينبغي أن يقول: إيهٍ عن أم سالم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 الأواخر، لأن الصاد والميم قبلها متحركتان، فلم يلتق ساكنان كما التقيا في إيه وغاق، الياء والهاء، والألف والقاف، فتحركت الهاء في إيه، والقاف في غاق لسكونها وسكون ما قبلها، فلما صرت إلى التنكير أتيت بالتنوين دلالة عليه. فأما صَهٍ ومَهٍ فإنما كسرت أواخرهما مع التنوين في النكرة وقد كان آخرهما ساكنًا في المعرفة من قبل أن التنوين لما جاء دليلا على التنكير وهو ساكن، والهاء قبله ساكنه، كسرت الهاء لسكونها وسكون التنوين بعدها، فقالوا صَهٍ ومَهٍ. وكذلك جميع ما هذه حاله من المبنيات، إذا اعتقد في ما دلت عليه التنكير نونت، وإذا اعتقد فيه التعريف حذف منها التنوين. ومن ذلك قولهم أيضًا في المعرفة: سيبويهِ، وعمرويهِ، وحمدويهِ، هو مكسور الآخر في كل حال، قال1: ياعمرويهِ انطلقَ الرفاقُ ... وأنت لا تبكي ولا تشتاقُ2 فإذا نكرت قلت: سيبويهٍ، وعمرويهٍ، وحمدويهٍ، وزيدويهٍ، إلا أن هذا التنوين لا يكون إلا بعد حركة البناء في النكرات خاصة، وليس كتنوين زيد وبكر الذي يكون بعد حركات الإعراب في المعرفة والنكرة جميعًا. والثالث: أن يكون التنوين في جماعة المؤنث معادلا للنون في جماعة المذكر، وذلك إذا سميت رجلا بمسلمات، أو قائمات قلت في المعرفة: هذا مسلماتٌ، ومررت بمسلماتٍ، وإنَّ مسلماتٍ عاقلٌ، فتثبت التنوين ههنا، كما أنك إذا سميت رجلا بمسلمون قلت: هذا مسلمون، ورأيت مسلمين، ومررت بمسلمين، والتنوين إنما يثبت في مسلمات اسمَ رجل معرفة كما تثبت النون في مسلمين اسم رجل، والتاء والضمة بمنزلة الواو في مسلمون، كما أن التاء والكسرة بمنزلة الياء في مسلمين، إلا أن التنوين في مسلمات اسمَ رجل معرفة ليس علامة للصرف بمنزلة تنوين زيدٍ وعمرٍو، ويدلك على صحة ذلك أنه قد اجتمع في مسلمات معرفة التأنيث والتعريف كما اجتمع في طلحة وحمزة التعريف والتأنيث، فإذا كان ذلك كذلك فالتنوين في مسلمات معرفة   1 البيت ذكره صاحب النوادر "ص362"، والمقتضب "3/ 181"، ولم ينسبه أحدهما إلى قائل بعينه. 2 الشاهد فيه قوله: "عمرويه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 ليس علامة للصرف بمنزلة تنوين رجُلٍ وفَرَسٍ، وإنما هو بمنزلة نون مسلمين، فكما أن تلك النون ليست علمًا للصرف، فكذلك تنوين مسلمات ليس علمًا للصرف. فإن قيل: فإن سيبويه قد قال: "إن عرفات منصرفة"1 وقد اجتمع فيها -كما علمت- التعريف والتأنيث، فما أنكرت أن يكون تنوين مسلمات علمًا للصرف على ما حكيناه من قول سيبويه؟ فالجواب: أن سيبويه إنما أراد بقوله: "إن عرفات مصروفة" أن فيها تنوينًا كما أن في رجل وفرس تنوينًا، ألا ترى أن في عرفات من التعريف والتأنيث ما يمنع الصرف. إلى هذا رأيت أبا علي يذهب، وبهذا الاستدلال استدل. واعلم أن من العرب من يشبه التاء في مسلمات معرفة بتاء التأنيث في طلحة وحمزة، ويشبه الألف التي قبلها بالفتحة التي قبل تاء التأنيث، فيمنعها حينئذ من الصرف، فيقول: هذه مسلماتُ مقبلةٌ، كما تقول: هذه سعدةُ مقبلة، وعلى هذا بيت امرئ القيس: تَنَوَّرْتُها من أذْرِعاتَ2 وأهلُها ... بيثربَ أدنى دارها نظرٌ عالي3 وقد أنشدوه: من أذْرِعاتٍ4. قال الأعشى5: تَخيَّرَها أخو عاناتَ شهرًا ... ورَجَّى بِرَّها عامًا فَعاما6 وعلى هذا ما حكاه سيبويه من قولهم: "هذهِ قُرَيْشِياتُ"7 غير مصروفة.   1 الكتاب "2/ 18". 2 أذرعات: الوجه الذي يريده ابن الجني هنا فتح التاء فقد جوزه هو وسيبويه، والكسر وجه جوزه جماعة من النحويين منهم المبرد والزجاج. 3 البيت ذكره صاحب الكتاب "2/ 18" ونسبه إلى امرئ القيس وهو في ديوانه "ص31". 4 التنوين إنشاد سيبويه وأكثر النحاة وقد ذكر أيضًا بعد إنشاد البيت أن من العرب من لا ينون أذرعات. 5 البيت في ديوانه "ص247". 6 الشاهد في قوله "عانات". عانات: بلد بالشام. 7 في الكتاب "2/ 18" "قريشيات" بالشين المعجمة والياء المشددة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فإن سأل سائل، فقال: ما تقول في من قال: هذه أذرعاتُ ومسلماتُ، فشبه تاء الجماعة بتاء الواحد، فلم ينون للتعريف والتأنيث؟ وكيف يقول إذا نكَّر أينون أم لا؟ فالجواب: أن التنوين مع التنكير واجبٌ هنا لا محالة لزوال التضعيف، فأقصى أحوال أذرعات إذا نكرتها في من لم يصرف أن تكون كحمزة إذا نكرتها، فكما تقول: هذا حمزةُ ومعه حمزةٌ آخر، فتصرف النكرة لا غير، فكذلك تقول عندي مسلماتُ ونظرت إلى مسلماتٍ أخر، فتنون مسلماتٍ نكرة لا محالة. فإن قال قائل: أتقول في تنوين مسلماتٍ هذه النكرة إنه علامة للصرف كتنوين غلامٍ وجاريةٍ، أم تقول إنه نظير نون مسلمون، وليس علامة للصرف، كما أن نون مسلمون ليست علامة للصرف؟ فالجواب: أن تنوين مسلماتٍ إذا نكرتها في قول من يقول في تعريفها هذه مسلماتُ، فلا يصرف لشبه تاء الجماعة بهاء الواحد، تنوين علامة للصرف بمنزلة تنوين زيد وبكر، وليس كنون مسلمون، لأن مسلمات على هذا الوجه يجري مجرى حمزة، فكما أن تنوين حمزة في النكرة علم للصرف، فكذلك تنوين مسلماتٍ اسمًا لرجلٍ أو امرأةٍ علم للصرف. فإن قال قائل: ما تقول في قول من قال في اسم رجل: هذا مسلمينٌ، فلزم الياء قبل النون البتة، وجعل النون حرف الإعراب، فأجرى عليها الضمة والفتحة والكسرة، فقال: هذا مسلمينٌ، ورأيت ملسمينًا، ومررت بمسلمينٍ، كيف تقول على هذه اللغة في مسلمات إذا سمَّى به رجلا أو امرأة؟ فالجواب: أن قياس من قال هذا مسلمينٌ، فأعرب النون أن يقول في مسلماتٍ علمًا هذه مسلماتِنٌ، فيكسر التاء في كل حال كما لزم الياء في مسلمين في كل حال، ويجري على النون بعد التاء في مسلماتِنٍ حركات الإعراب كما أجراها على نون مسلمين، إلا أن هذا قياس مرفوض لما يؤدي إليه من الذهاب عن الأصول، وذلك أنك لو تكلفت ذلك، فقلت: هذا مسلماتِنٌ. فجعلت النون حرف الإعراب لصارت التاء التي هي علم التأنيث حشوًا في الكلمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 ومحال أن يقع على التأنيث إلا آخرًا طرفًا، ولهذا قال أصحابنا1: إن من قال في الإضافة إلى دنيا: دنياوي، فإن الألف في دنياوي ليست الألف التي في دنيا، وذلك أنه لما آثر في الإضافة مد الكلمة زاد قبل الألف التي في دنيا ألفا أخرى، فالتقت ألفان، فوجب تحريك الآخرة، فانقلبت في التقدير همزة وإن لم يخرج ذلك إلى اللفظ، فصار التقدير دنياء، ثم نسب إليها، فقال دنياوي كما تقول في حمراء: حمراوي، وإنما زاد الألف قبل ألف دنيا، وجعل ألف دنيا آخرًا طرفًا منقلبة همزة لئلا يقع علم التأنيث حشوًا، فاعرف ذلك، فان له نظائر في كلام العرب. وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب بما ذكرناه على من قال هذا مسلمينٌ، فجعل النون حرف الإعراب، ولزم الياء قبلها البتة أن يقول في المؤنث هذه مسلماتٌ، فيوافق الذين يقولون هذا مسلمون، لما ذكرناه من كراهيتهم مصير علم التأنيث حشوا في مُسلماتِنٌ لو تكلفه متكلف. فأما من قال: هيهاتَ هيهاتَ، ففتح، فحكمه أن يقف بالهاء لأنها بمنزلة علقاة وأرطاة2، وهيهاتَ -على هذا- اسم واحد كما أن علقاة وأرطأة اسم واحد، فمن نون، فقال هيهاةٌ فإنه نوى النكرة على ما قدمناه في صَهٍ وإِيهٍ، فكأنه قال: بُعدًا بُعدًا، ومن لم ينون فإنه نوى المعرفة، فكأنه قال: البعدَ البعدَ. فأما إذا صرت إلى الجماعة فإن نظير قول من فتح الهاء في الواحد، فقال هيهاتَ، أن يقول في الجماعة هيهاتِ، فيكسر التاء في الجماعة بغير تنوين، كما فتح الهاء في الواحد بغير تنوين، ومن كان يقول في الواحد هيهاةٌ فينون، ويعتقد التنكير، فنظيره في الجماعة أن يقول هيهاتٍ، فيكسر التاء وينون إرادة للتنكير، كما أنه لما أراد التعريف لم ينون، فقال هيهاتِ، وذلك أن بإزاء فتح تاء الواحد كسر تاء الجماعة، والتنوين على هذا في هيهات هو علم التنكير بمنزلة تنوين صهٍ ومهٍ وإيهٍ، وتكون هيهاةٌ وهيهاتٍ عنده معربة منصوبة على الظرف فإن التنوين في هيهاتٍ عنده بمنزلة تنوين مسلماتٍ لا فرق بينهما، فيجوز في هيهاتٍ على هذا أن تكون نكرة.   1 الكتاب "2/ 77". 2 أرطاة: واحدة الأرطى، وهو شجر يدبغ به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وقد أجاز أبو العباس1 فيها أيضًا أن تكون مع التنوين معرفة بمنزلة مسلمات معرفة، أخبرنا بذلك أبو علي في مسائله2 المصلحة من كتاب أبي إسحاق رحمه الله. والرابع من وجوه التنوين، وهو أن يلحق أواخر القوافي معاقبا بما فيه من الغنة لحروف اللين، وهو في ذلك على ضربين: أحدهما: أن يلحق متممًا للبناء ومكملا له. والآخر: أن يلحق زيادة بعد استيفاء البيت جميع أجزائه نيفًا من آخره بمنزلة الزيادة المسماة خزمًا من أوله. الأول من هذين نحو قول امرئ القيس في إنشاد كثير من بني تميم3 وقيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِنٍ ... .............. 4 ونحو قول الآخر5: ............... ... لم يعلم لنا الناسُ مَصْرَعَنْ6 وقد ألحقوه أيضًا مع لام المعرفة، قال جرير: .............. ... سُقِيتِ الغيثَ أيتُها الخيامُنْ7   1 أبو العباس: هو المبرد انظر/ المقتضب "3/ 183". 2 هو كتابه "الأغفال في ما أغفله الزجاج في المعاني". 3 الكتاب "4/ 206-207". 4 البيت من معلقة امرئ القيس وهو صدر أول بيت فيها. الشاهد في قوله "منزلن". 5 هو يزيد بن الطئرية. 6 البيت ذكره صاحب الكتاب "2/ 298" ونسبه إلى يزيد بن الطئرية، والبيت جاء في الكتاب كاملا: فبتنا تحيد الوحش عنا كأننا ... قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا والشاهد في قوله "مصرعن". 7 سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 وقد أدخلوه أيضًا على الفعل، فقالوا: دايَنْتُ أروى والدِّيُونُ تُقضَنْ1 وجاءوا به أيضًا مع المضمرة نحو قوله: يا أَبَتا علَّكَ أو عَساكَنْ2 فهذه النون في جميع هذه المواضع وما أشبهها غير زائدة على بناء البيت ونظمه، بل بها تم الجزء الأخير، ألا ترى أن النون في منزلن، ومصرعن، إنما هي نون مفاعلن، وهي أيضًا في العتابن، والخيامن نون فعولن، وكذلك هي في تقضن، وعساكن نون فعولن. وأما إلحاقها نيفًا من آخر البيت بمنزلة الخزم من أوله نحو ما أنشده أبو الحسن من قول رؤبة، وذكر أن بعض العرب ينشده: وقائم الأعماق خاوي المُخْتَرَقِنْ فهذه النون في المُخْتَرَقِنْ زيادة، لأن القاف قد كمَّلت وزن البيت. وسمى أبو الحسن3 هذه النون الغالي، وسمى الحركة التي قبلها الغلوّ. وكذلك قول الآخر: ومَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ طامٍ خالِنْ4 وذكر أبو الحسن عن يونس أنه سمع رؤبة ينشده هكذا. وإنما زادوا هذه النون في هذا الموضع ونحوه بعد تمام الوزن؛ لأن من عادتهم أن يلحقوه في ما يحتاج إليه الوزن، نحو: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِنْ ... ..... ..... .....   1 سبق تخريجه. 2 سبق تخريجه. 3 القوافي "ص36". 4 البيت في قوافي الأخفش "ص35" وشرح المفصل "9/ 34" ولم ينسبه أحدهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 و: الحمد لله الوَهُوبِ المُجْزِلِنْ1 و: ............ ... سُقيتِ الغيثَ أيتُها الخيامُنْ و: أقلِّي اللومَ عاذلَ والعتابَنْ ... ............ فلما اعتادوه في ما يكمّل وزنه ألحقوه أيضًا في ما هو مستغنٍ عنه. الخامس من وجوه التنوين: أن يلحق عوضًا من الإضافة، وذلك نحو قولهم: يومئذ وليلتئذ، وساعتئذ، وحينئذ، وكذلك قول الشاعر2: نهيتُكَ عن طِلابِكَ أُمَّ عمرٍو ... بعاقبة وأنت إذٍ صحيحٌ3 وإنما أصل هذا أن تكون إذْ مضافة فيه إلى جملة، إما من مبتدأ وخبر، ونحو: جئتك إذْ زيدٌ أميرٌ، وقصدتك إذْ الخليفة عبد الملك، قال الله تعالى: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 71] 4. وقال القطامي5: إذ الفوارسُ من قيس بشكَّتها ... حولي شُهودٌ، وما قومي بشُهّادِ6   1 ذكر صاحب الكتاب أن البيت لأبي النجم العجلي "4/ 214"، وكذا ذكره صاحب الخزانة "2/ 390". الشاهد فيه قوله "المُجْزِلِنْ". 2 البيت ينسب في شرح أشعار الهذليين "ص171" إلى أبي ذؤيب الهذلي. 3 الشاهد في قوله "إذ صحيح" حيث جاءت إذ مضافة. 4 الشاهد في قوله تعالى: {إذ الأغلال} . 5 البيت ينسب إلى القطامي عمير بن شييم وهو في ديوانه "ص86". 6 قيس: يقال هم قيس كبة: قبيلة من بني بجيلة. شكتها: ما يشك به ويوخز مثل الرمح وغيره. القاموس المحيط "3/ 309". وشكتها: ما يشك به ويوخز مثل الرمح وغيره. القاموس المحيط "3/ 309". وشكتها كناية عن الأسلحة. الشاهد فيه أن "إذ" جاءت مضافة إلى جملة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وأما من فعل وفاعل، نحو قمت إذ قام زيد، وجلست إذ سار محمد، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة: 80] 1، {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: 72] 2 وقال الأعشى3: إذْ سامَهُ خطتَيْ ... خَسْف فقال له مهما تَقُلْهُ فإني سامعٌ حارِ4 فلما اقتطع المضاف في نحو قوله تعالى {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} [المعارج: 11] 5 و {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] 6 أي: يوم إذ ذاك كذلك يصَّدَّعون7: فلما حُذف المضاف إليه إذْ عوض منه التنوين، فدخل وهو ساكن على الذال وهي ساكنة، فكُسرت الذال لالتقاء الساكنين، فقيل: يومئذٍ، وليست هذه الكسرة في الذال كسرة إعراب وإن كانت إذْ في موضع جرٍّ بإضافة ما قبلها إليها، وإنما الكسرة فيها لسكونها وسكون التنوين بعدها، كما كُسرت الهاء في "صَهٍ ومَهٍ" لسكونها وسكون التنوين بعدها وإن اختلفت جهتا التنوين فيهما، فكان في إذ عوضًا من المضاف إليه، وفي صَهٍ علمًا للتنكير، ويدل على أن الكسرة في ذال إذْ إنما هي حركة التقاء الساكنين، وهما هي والتنوين قولُ الآخر: ............... ... وأنت إذٍ صحيحُ   1 الشاهد في قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة 80 حيث أضيفت إذ إلى فعل وفاعل. 2 الشاهد في قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ} حيث أضيفت إذ إلى فعل وفاعل أيضًا. 3 البيت للأعشى في ديوانه "ص229". 4 سَامَهُ: سام سومًا وسوامًا، ويقال سام الإنسانَ ونحوه ذلا أو خسفًا أو هوانًا: أي أولاه إياه وأراده عليه. القاموس المحيط "4/ 133". خسف: الخسف الظلم: يقال سام فلانا الخسفَ أي أَذَلَّهُ. لسان العرب "9/ 68" مادة/ خسف. حارِ: يقصد حارث وحذفت "الثاء" للترخيم. والشاهد فيه قوله "إذ" حيث أضيفت إلى جملة فعلية "سامه". 5 {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} : أي من عذاب يوم إذا. 6 {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} : أي يوم إذا ذاك كذاك يصدعون. 7 يصدعون: أي يتفرقون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فأما قول أبي الحسن1 إنه جر إذ لأنه أراد قلبها حين، ثم حذفها، وبقي الجرُّ فيها، وتقديره حينئذٍ، فساقطٌ غير لازم، ألا ترى أن الجماعة قد أجمعت على أن إذْ، وكَمْ، ومِنْ من الأسماء المبنية على الوقف. وقد قال أيضًا أبو الحسن نفسه في بعض التعاليق عنه في حاشية الكتاب: بُعْدُ "كم، وإذْ" من المتمكنة أن الإعراب لم يدخلها قط. فهذا تصريح منه ببناء إذ، وهو الأليق به والأشبه باعتقاده، وذلك القول الذي حكيناه عنه شيء قاله في كتابه الموسوم بمعاني القرآن، وإنما هو شبيه بالسهو منه، على أن أبا علي قد اعتذر له منه بما يكاد يكون عذرًا. ويؤكد عندك ما ذكرته من بناء إذ أنها إذا أضيفت فهي مبنية، وذلك نحو قوله عَزَّ اسْمُهُ: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 71] 2 {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] 3 {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] 4 وقول القطامي5: إذ لا ترى العينُ إلا كل سابحة ... وسابحٍ مثل سيد الردهة العادي6 "إذْ" في هذا كله ونحوه مضافة إلى الجمل بعدها، وموضعها نصب، وهي كما ترى مبنية، فإذا كانت في حال إضافتها إلى الجمل مبنية من حيث كانت الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، لأن من حق الإضافة وشرطها أن تقع إلى الأفراد، فهي إذا لم تضف في اللفظ أصلا أجدر باستحقاق البناء، وذلك نحو يومئذٍ وحينئذٍ.   1 معاني القرآن للأخفش "ص271". 2 الشاهد فيها "إذ" حيث جاءت مضافة إلى جملة اسمية، وهي مبنية في محل نصب. 3 الشاهد فيها "إذ" جاءت مضافة إلى جملة فعلية، وهي مبنية في محل نصب. 4 الشاهد فيها "إذ" جاءت مضافة إلى جملة فعلية. 5 البيت في ديوانه "ص85". 6 لا ترى: أسلوب إنشائي في صورة نفي، والفكرة مؤكدة بالقصر الذي استخدم فيه النفي -لا- والاستثناء -إلا-. سيد: الذئب، والأسد. والشاهد في قوله "إذ" حيث جاءت مضافة إلى جملة فعلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ويزيد ذلك وضوحًا لك قراءة الكسائي " مِنْ عَذَابِ يَومَئِذ" [المعارج: 11] 1 فبنى "يوم" على الفتح لما أضافه إلى مبني غير متمكن، كما بنى النابغة "حين" على الفتح لما أضافه إلى مبني غير معرب في قوله2: على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصبا ... وقلت ألما أصح والشيب وازعُ3 وكذلك قول الآخر4: على حينَ ألهى الناسَ جلُّ أمورهم ... فندلا زريق المال نَدْلَ الثعالبِ5 وقال -وهو لبيد-6: على حينَ مَنْ تلبثْ عليه ذنُوبُهُ ... يرث شربه إذ في المقام تداثر7 وكذلك بيت الكتاب أيضًا:   1 الشاهد في قوله "يومئذ" والتقدير "يوم إذ". 2 البيت في ديوانه "ص163". 3 الشيب: بياض الشعر، وربما سمى الشعر نفسه شيبا. وازع: وزع وزعا: كفه ومنعه وزجره ونهاه. القاموس المحيط "3/ 93". الشاهد فيه قوله "حين" حيث بُنيت على الفتح لما أضيفت إلى مبني. 4 البيت ينسب إلى الأحوص وهو في ديوانه "ص215". 5 ألهى: شغلهم وأنساهم. جل أمورهم أي معظم أمورهم. نَدَلَ: ندل الشيءَ ندلا: نقله بسرعة واختلسه في خفة وسرعة. القاموس المحيط "4/ 56". زريق: إحدى قبائل العرب. 6 لبيد: هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك العامري. أحد الشعراء الفرسان في الجاهلية وأدرك الإسلام، ووفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعد من الصحابة ومن المؤلفة قلوبهم وهو أحد أصحاب المعلقات ولم يقل في الإسلام إلا بيتًا واحدًا وهو: وما عاتبَ المرءَ الكريمَ كنفسِهِ ... والمرءُ يصلِحُهُ الجليسُ الصالحُ 7 البيت ينسب للبيد كما ذكرنا وهو في ديوانه "ص217". والشاهد فيه أن "حينَ" مبنيةٌ على الفتح لإضافتها إلى مبني "مَنْ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 لم يمنعِ الشربَ منها غير أن نطقت ... حمامةٌ في غُصون ذات أوْقالِ1 فكما بُنيت هذه الأشياءُ وغيرها مما يطول ذكره من حيث كانت مضافة إلى مبني، فاكتست من معناه في البناء، كذلك أيضًا بني "يوم" لإضافته إلى "ذا" المبنية في قراءة من قرأ: "من عذاب يومئذ"، فإذا صح بما ذكرناه أن "إذ" مبنية علمت أن الكسرة في ذالِ "يومئذ" إنما هي حركة ساكنين، وهما هي والتنوين، وأن ماعدا هذا القول فساقط غير متقبل. فإن قال قائل: فإذا كانت "إذ" إنما بنيت من حيث كانت متقطعا منها ما أضيفت إليه أو مضافة إلى جملة، تجري الإضافة إليها مجرى لا إضافة، فهلا أعربت لما أضيفت إلى المفرد في نحو قولهم: قمتُ إذ ذاك، وفعلتُ إذ ذاك، قال2: هل ترجعَنَّ ليالٍ قد مضينَ لنا ... والعيشُ منقلبٌ إذْ ذاك أفنانا3 فالجوابُ أن هذه مغالطة من السائل، وذلك أن "ذاك" في قولنا: فعلت إذ ذاك، ليست مجرورة ولا "إذ" مضافًا إليها وحدها، وإنما "ذاك" في هذا الموضع مرفوعة بالابتداء، وخبرها محذوف، والتقدير: فعلت إذ ذاك كذلك، فحذف خبر المبتدأ تخفيفًا وعلمًا بأن "إذ" لا تضاف إلى المفرد، وإذا كانوا قد حذفوا خبر المبتدأ في الموضع الذي يجوز أن تكون الإضافة فيه إلى الواحد، نحو ما أنشده سيبويه من قوله: أيامَ جُمْلٌ خليلا لو يخاف لها ... هجرا لخولط منه العقل والجسد4   1 البيت ذكره صاحب الكتاب "2/ 329" ونسبه إلى شاعر من كنانة، وذكره صاحب الخزانة "2/ 45"، ونسبه إلى أبي قيس بن الأسلت. والشاهد في قوله "غيرَ أنْ". 2 قال: قيل هو أعرابي من بني تميم. 3 البيت نسبه صاحب مغني اللبيب إلى رجل أعرابي من بني تميم "2/ 176"، وذكره صاحب الأغاني "10/ 289" إلى عبد الله بن المعتز. والشاهد في قوله "إذ" حيث يرى ابن جني أنها أضيف إلى مبتدأ "ذاك" وهي هنا مضافة إلى جملة اسمية. 4 البيت نسبه صاحب الكتاب "1/ 329" إلى الأخطل. والشاهد في قوله "أيام" حيث أضيفت إلى جملة اسمية "مبتدأ + خبر" في المعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 ألا ترى أن "أيام" مضافة إلى المبتدأ والخبر في المعنى، وأن تقديره: أيام جمل أكرم بها خليلا. وغير مستنكر في غير هذا البيت أن تضاف "أيام" إلى المفرد نحو: أيام زيد، وأيام عمرو، وأيام الشباب، وأيام السرور، فإن يحذف خبر المبتدأ من الجملة المضاف إليها من الظروف ما لا يضاف إلا إلى الجملة أجدر، لأن الدلالة عليه أقوى. ونظير هذا ما ذهب إليه أبو العباس في قول الآخر: طلبوا صُلْحَنَا وَلاتَ أوانٍ ... فأجَبْنا أنْ لَيْس حِينَ بَقَاءِ1 وذلك أنه ذهب إلى أن كسرة أوان ليست إعرابًا، ولا علمًا للجر، ولا أن التنوين الذي بعدها هو التابع لحركات الإعراب، وإنما تقديره عنده أن "أوان" بمنزلة "إذ" في أن حكمه أن يضاف إلى الجملة نحو قولك: جئتك أوانَ قام زيد، وأوانَ الحجاجُ أمير، أي: إذ ذاك كذلك، قال: فلما حذف المضاف إليه "أوانَ" عوض من المضاف إليه تنوينًا. والنون عنده كانت في التقدير ساكنة كسكون ذالِ "إذْ" لالتقاء الساكنين. فهذا شرح هذه الكلمة، وقول أبي العباس هذا غير مرضٍ، لأن أوانًا قد يضاف إلى الآحاد، نحو قوله: هذا أوانُ الشدِّ فاشتدي زِيَمْ2 وقوله: فهذا أوانُ العِرْضِ .... ... ............ 3 وغير ذلك.   1 البيت لأبي زبيد، وهو في ديوانه "ص30". والشاهد فيه "أوانٍ" فإن كسرتها ليست إعرابًا. 2 البيت نسبه صاحب الأغاني "15/ 199" إلى رشيد بن رميض العنزي، وذكره صاحب اللسان في مادة "زيم" ولم ينسبه "12/ 280". زيم: قيل هي ناقته وقيل هي فرسه. والشاهد في قوله "أوانُ" حيث أضافها إلى الآحاد. 3 البيت نسبه صاحب طبقات فحول الشعراء "ص156" إلى المتلمس وهو جرير بن عبد المسيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 فإن قال قائل: فإذا كان الأمر كذلك فهلا حركوا التنوين في "يومئذٍ وأوانٍ" لسكونه وسكون الذال والنون قبله، وَلِمَ حركوهما لذلك دونه؟ فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا "إذْنِ" فيشبه التنوين الزائد النون الأصلية، وقد تقدم القول في هذا، وأيضًا فلو فعلوا ذلك في "إذ" لما أمكنهم أن يفعلوه في "أوان"، لأنهم لو آثروا إسكان النون لما قدروا على ذلك، لأن الألف قبلها ساكنة، فكان يلزمهم من ذلك أن يكسروا النون لسكونها وسكون الألف، ثم يأتي التنوين بعدها، فكان لا بد أيضًا من أن يقولوا: أوانٍ. فإن قال قائل: فلعل على هذا كسرهم النون من "أوان" إنما هو لسكونها وسكون الألف قبلها دون أن يكون كسرهم إياها لسكونها وسكون التنوين بعدها. فالجواب: ما تقدم من كسرهم ذال "إذ" لسكونها وسكون التنوين بعدها، فعلى هذا ينبغي أن يحمل كسر النون من "أوانٍ" لئلا يختلف الباب، ولأن "أوانٍ" أيضًا لم ينطق به قبل لحاق التنوين لنونه فيقدر مكسور النون لسكونها وسكون الألف قبلها، إنما حذف منها المضاف إليه، وعوض التنوين عقيب ذلك، فلم يوجد له زمن يلفظ به بلا تنوين فيلزم القضاء بأن نونه إنما كسرت لسكون الألف قبلها، فاعرف ذلك من مذهب أبي العباس. وأما الجماعة غيره وغير أبي الحسن فعندها أن "أوانٍ" مجرورة بلات، وأن ذلك لغة شاذة، وروينا عن قطرب قال: قرأ عيسى: "وَلاتَ حِينِ مَنَاصٍ" [ص: 3] 1 بالجر. ومما يسأل عنه من أحوال التنوين قولهم: "جوارٍ وغواشٍ" ونحو ذلك: لأيه علة لحقه التنوين وهو غير منصرف لأنه على وزن مفاعل؟   = وذكره صاحب الخصائص "2/ 377" ولم ينسبه، وذكره صاحب اللسان في مادة "لمس" ونسبه إلى المتلمس "6/ 210". والبيت كاملا: فَهَذَا أوانُ العِرْضِ جن ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس العرض: اسم واد باليمامة. والشاهد في قوله "أوان". 1 الشاهد فيها قوله تعالى: "حينِ "حيث قرأها عيسى بن عمر بالجرِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فالجواب عن ذلك ما ذهب إليه الخليل وسيبويه1، وذلك أنهما ذهبا إلى أن هذا لما كان جمعًا، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضًا الجمع الأكبر الذي تتناهى إليه الجموع، وذلك أنك تقول: كلب وأكلب، ثم تجمع الجمع، فتقول أكالب، ونحوه عبد وأعبد وأعابد، قال أبو داود2: لَهَقٌ كَنارِ الرَّأسِ بالعلياء ... تُذكيها الأعابِدْ3 ويقولون: سِقاء4 وأسْقِية وأساقٍ، وشِفاء5 وأشْفِية وأشافٍ، فزاده ما ذكرناه ثقلا، ووقعت مع ذلك في آخره الياء، وهي مُستثقَلةٌ، فلما اجتمعت فيه هذه الأشياء خففوه بحذف يائه، فلما حذفت الياء نقص عن مثال مفاعل، وصار "جوار وغواش" بوزن جناح، فدخله التنوين لنقصانه عن مثال مفاعل، فقلت: جوارٍ وغواشٍ ومجارٍ. يدلك على أنه لما نقص في حال الرفع والجر عن مثال مفاعل لحقه التنوين لنقصانه أنك إذا صرت إلى حال النصب، فجرى مجرى الصحيح كما من عادة المنقوص إذا نصب فأتممته، فقلت: رأيت جواري وغواشي وعوالي، ونحو ذلك. وذهب أبو إسحاق إلى أن التنوين في "جوارٍ" ونحوه إنما هو بدل من الحركة الملقاة لثقلها عن الياء، فلما جاء التوين حذفت الياء لالتقاء الساكنين هي والتنوين، كما حذفت من المنصرف في نحو: قاضٍ وغازٍ ومشترٍ ومتعالٍ. وهذا الذي ذهب إليه أبو إسحاق غير مرضٍ من القول، ولا سائغ في القياس، وقد ترك قول سيبويه والخليل6، وخالفهما إلى خلاف الصواب، وذلك أن الياء في باب "جوارٍ" ونحوه في الرفع والجر قد عاقبت الحركة، فلم تجتمع معها، فلما ناوبتها   1 سيبويه: الكتاب "2/ 56-57". 2 البيت ينسب لأبي داود الإيادي في ديوانه "ص307". 3 لَهَقٌ: أي أبيض. القاموس المحيط "3/ 281". والشاهد في قوله "الأعابد" حيث جمعت جمع الجمع. 4 سقاء: وعاء من جلد يكون للماء واللبن. القاموس المحيط "4/ 343". 5 شفاء: دواء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 فلم تجامعها صارت بدلا منها ووسيلة لها، فكما لا ينبغي أن يعوض من الحركة وهي موجودة، فكذلك لا ينبغي أن يعوض من الحركة وهناك من الياء ما يعاقبها ويكون بدلا منها. وأيضًا فلو كان التنوين في "جوارٍ" إنما هو عوض من حركة الياء في الرفع والجر لوجب أيضًا أن يعوضوا من ضمة الياء والواو في نحو: يقضي ويغزو. فإن قلت: إنهم إنما رفضوا ذلك في الفعل من قبل أن الأفعال لا يليق التنوين بها، ولا له مدخل فيها. فالجواب: أن الفعل إنما يمتنع فيه من التنوين ما كان دالا على الخفة والتمكن، فأما غير ذلك من التنوين فقد أدخل عليه في نحو1: داينت أرْوَى والديونُ تُقْضَنْ2 ونحو قول جرير3: ............. ... وقولي إن أصبتُ لقد أصابَنْ4 ونحو قول امرئ القيس5: ألا أيها الليل الطويل ألا انْجَلِنْ ... ............ 6 وقوله7:   1 سبق تخريجه. 2 سبق تخريجه. 3 سبق تعريفه. 4 سبق شرحه. 5 سبق تعريفه. 6 البيت ينسب لامرئ القيس وهو من معلقته الشهيرة والتي تبدأ بقوله: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل والبيت بتمامه: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل ويقول: أيها الليل الطويل انكشف وتنح بصبح، أي ليزل ظلامك بضياء من الصبح. الشاهد فيه قوله "انْجَلِنْ" حيث أدخل عليها التنوين. 7 البيت من معلقة امرئ القيس، وهو في ديوانه، وذكره محمد محيي عبد الحميد في شواهد قطر الندى وبل الصدى "ص85". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 ............. ... وأنكِ مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِنْ1 وقول العجاج: مِنْ طَلَلٍ كالأتْحَمِيِّ أنْهَجَنْ2 والتنوين الذي في جوارٍ وغواشٍ، على قول أبي إسحاق، ليس بالتنوين اللاحق بعد حركات الإعراب دلالة على التمكن والخفة وعلمًا للصرف، إنما هو عنده عوض من الحركة، فكما أن الحركة ليست علمًا للصرف، ولا الاسم مختص بها دون الفعل، فكذلك كان يلزمه على قوله هذا أن يعوض من حركة نحو: يغزو ويقضي تنوينًا، فيقول يغزُنْ ويقضِنْ، ويحذف لام الفعل لسكونها وسكون التنوين بعدها كما حذفها في قوله: .... والديونْ تُقْضَنْ وهذا الذي ألزمناه أبا إسحاق على مذهبه الذي حكيناه عنه غير لازم للخليل وسيبويه ومن قال بقولهما، لأن التنوين عندهما3 في "جوارٍ" وبابه إنما هو التنوين الذي هو علم الصرف، وليس بعوض من الحركة المحذوفة، فيلزم أن يلحقاه الفعل عوضًا من الحركة المحذوفة منه. ومما يسأل عنه مما يقرب من هذا الضرب ما أنشده أبو زيد في نوادره، وقرأته على أبي علي يرفعه إليه بإسناده4:   1 البيت في ديوانه "2/ 13" والبيت بتمامه: أغركِ مني أن حبك قاتلي وأنكِ مهما تأمري القلبَ يفعلِ أي: قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله. وألف الاستفهام تفيد التقرير وليس الاستفهام أو الاستخبار. والشاهد في قوله "يفعلن". 2 البيت ينسب للعجاج وهو بديوانه "2/ 13". طلل: ما بقي شاخصًا من آثار الديار ونحوها "ج" أطلال، وطلول. أنهجن: أنهج العمل ونحوه أتعبه العمل والنهج الطريق والنهج التخلق بالسلوك. 3 انظر/ الكتاب "2/ 56-57". 4 النوادر "ص261-262"، والأبيات تنسب لرجل من الأشعريين يكنى بأبي الخطيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 هل تعرف الدارَ بِبَيْدا إنَّهْ ... دارٌ لِلَيْلَى قد تَعَفَّتْ إنَّهْ1 فإن سأل سائل، فقال: ما تقول في قوله: بِبَيْدا إنَّهْ؟ هل تجيز أن يكون صرف بيداءَ ضرورة، فصارت في التقدير: بيداءٍ، ثم إنه شدد التنوين ضرورة على حد التثقيل في قوله2: ضَخْمٌ يحبُّ الخُلُقَ الأضْخَما3 ونحو قول الآخر4: كأنَّ مهواها على الكَلْكَلِّ5 وغير ذلك مما أثبتناه في أول كتابنا هذا، وفي غيره مما صنفناه وأمللناه، فلما ثقل التنوين واجتمع ساكنان فتح الثاني من الحرفين لالتقائهما، ثم ألحق الهاء لبيان الحركة كما يلحقها في: هُنَّهْ ولكنَّهْ. فالجواب: أن هذا غير جائز في القياس، ولا سائغ6 في الاستعمال، وذلك أن هذا التثقيل إنما أصله أن يلحق في الوقف على ما قدمنا ذكره، ثم إن الشعراء تضطر إلى إجراء الوصل مجرى الوقف، فيقولون: سَبْسَبَا7، وكَلْكَلَا، والأَضْخَمَا، ونحو ذلك.   1 تعفت: زال آثارها. اللسان "15/ 78" مادة/ عفا. والشاعر يتألم لرحيل محبوبته ويتأمل أثر ديارها مستخدما في ذلك أسلوب الاستفهام الدال على التشويق. والشاهد فيه "بِبَيْدا إنَّهْ" حيث صرف الكلمة ويريد "بيداء إن" فلما ثقل التنوين واجتمع ساكنان فتح الثاني ثم ألحق الهاء لبيان الحركة. 2 سبق تخريجه. 3 الشاهد فيه "الأضخما". 4 سبق تخريجه. 5 الشاهد فيه "الكلكل". 6 سائغ: مستحب. 7 سبسبا: هذا بعض بيت من الرجز، وهو مع بيتين قبله: إن الدبا فوق المتون دبا ... وهبت الريح بمور هبا تترك ما أبقى الدبا سبسبا وقد اختلف في قائله، فنسبه بعضهم إلى رؤبة، ونسبه آخرون لربيعة بن صبيح، وقيل هو لأعرابي. انظر/ ملحقات ديوان رؤبة "ص169"، وشرح الشافية "2/ 319-320". الدبا: الجراد قبل أن يطير، والواحدة دباة. القاموس المحيط "4/ 327". المتون: جمع متن، وهو المكان الذي فيه صلابة وارتفاع. القاموس المحيط "4/ 269". المور: الغبار المتردد. القاموس المحيط "2/ 136". السبسب: المفازة والقفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 فأما إذا كان الحرف مما لا يثبت في الوقف البتة مخففًا فهو من التثقيل في الوصل والوقف أبعد، ألا ترى أن التنوين مما يحذفه الوقف، فلا يوجد فيه البتة، فإذا لم يوجد في الوقف أصلا فلا سبيل إلى تثقيله، لأنه إذا انتفى الأصل الذي هو التخفيف، فالفرع الذي هو التثقيل أشد انتفاء. فإن قلت: فما تقول أنت في ذلك؟ فالجواب: أن البيت يحتمل ثلاثة أوجه أجاز أبو علي جميعها: فأحدها: أن يكون أراد ببيدا، ثم ألحق "إن" الخفيفة، وهي التي تُلحَق للإنكار في نحو ما حكاه سيبويه من قول بعضهم وقيل له: "أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أأنا إنيه! منكرًا لأن يكون رأيه على خلاف الخروج"1 كما تقول: ألمثلي يقال هذا؟ أي: أنا أول خارج إليها، فكذلك هذا الشاعر أراد: أمثلي يُعرَّفُ ما لا ينكره، ثم إنه شدد النون في الوقف، ثم أطلقها وبقى التثقيل بحاله فيها على حد "سبسبا"، ثم ألحق الهاء لبيان الحركة نحو: {كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] و {حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] و {اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] . والوجه الآخر: أن يكون أراد "إن" التي بمعنى "نعم" في نحو قوله: ............ ... .... فقلت إنه2 أي: نعم، وأجل. والوجه الثالث: أن يكون أراد "إنَّ" التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وتكون الهاء في موضع النصب، لأنها اسم إنَّ، ويكون الخبر محذوفًا، كأنه قال: إنَّ الأمر كذلك. وعلى هذا حمل أبو بكر3 قول الشاعر:   1 الكتاب "1/ 406". 2 سبق تخريجه. 3 أبو بكر: هو ابن سراج. الأصول "2/ 405-406" ومذهبه على النحو الذي ذكره ابن جني ليس في الأصول، وإنما فيه بعضه، وتراه مفصلا في "المسائل البغداديات" لأبى علي الفارسي "ص429". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 ......... ... .... فقلت: إنه1 فجوز أن يكون بمعنى نعم، وأن يكون أيضًا بمعنى: إنَّ الأمر كذلك، فحذف الخبر، لأن عنايته إنما هي بإثبات الشيب، كما حذف الأعشى الخبر أيضًا، فقال2: إن محلا وإن مرتحلا ... .............. 3 أي: أن لنا محلا ومرتحلا. قال: وحسن حذف الخبر أن العناية منه إنما هي بإثبات المحل والمرتحل دون غيره، فيكون الشاعر في قوله: "ببيدا إنه" قد أثبت أن الأمر كذلك في ثلاثة الأوجه، لأنَّ "إن" الإنكار مؤكدة موجبة، ونعم أيضًا كذلك، و"إنّ" الناصبة أيضًا كذلك، ويكون قد قصر "بيداء" في هذه الأوجه الثلاثة كما قصر الآخر ما مدته للتأنيث في قوله: لابدَّ مِن صنعا وإن طال السفر4 قال أبو علي5: ولا يجوز أن تكون الهمزة في "بيدا إنه" هي همزتها، لأنه إذا جر الاسم غير المنصرف، ولم يكن مضافًا ولا فيه لام المعرفة وجب ضرورة صرفه وتنوينه، ولا تنوين هنا، لأن التنوين لا يثقل، إنما يفعل ذلك بحرف الإعراب دون غيره. وأجاز أيضًا في قوله: .............. ... .... قد تعفت إنه هذه الأوجه الثلاثة التي ذكرناها.   1 سبق تخريجه. 2 البيت في ديوانه "ص283" وعجزه: "وإن في السفر ما مضى مهلا". السفر المسافرون. 3 محلا: مكان للإقامة. مرتحلا: مكان للسفر. الشاهد فيه "إن محلا" حيث حذف الخبر وتقدير الكلام "إن لنا محلا". 4 الشاهد فيه "صنعا" حيث قصر الاسم الممدود للتأنيث ويريد "صنعاء". 5 قال أبو علي: عبارته في المسائل البغداديات "425" هي: "فالجواب أن هذه لا تخلو من أن تكون الهمزة التي تلحق بيداء أو همزة أخري، فلا يجوز أن تكون التي هي منبيداء، لأن هذا الاسم إذ جر في الشعر للضرورة، ولم يلحقه اسم وجب أن ينون وإلا كان لحنا، وهو لم ينون بيداء، فلا يجوز لهاذ أن تقول إن الهمزة في بيدا إنه التي في بيداء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 واعلم أن كل اسم متمكن فحكمه أن يكون التنوين فيه تاليًا لإعرابه، وذلك نحو محمدٌ، ومحمدًا، ومحمدٍ، وقد يحذف هذا التنوين من هذه الأسماء في موضعين: أحدهما الوقف، والآخر الوصل. فأما الوقف فكل اسم متمكن منون وقفت عليه في رفعه أو جره حذفت إعرابه وتنوينه، وذلك قولك: هذا محمدْ، ومررت بمحمدْ، فإن نصبت أبدلت من تنوينه ألفا، ولم تقرره فيه البتة، وذلك قولك رأيت محمدا. وإنما أبدلت منه الألف لمضارعة النون بما فيها من الغنة وبالزيادة أيضًا لحروف اللين، وقد تقدم ذكر هذا في أول الكتاب. فإن قيل: فهلا أبدل منه في الرفع واو، وفي الجر ياء، كما أبدلوا منه في النصب ألفا؟ ففي ذلك جوابان: أحدهما -وهو قول سيبويه1- أن الألف خفيفة، فألحقت لخفتها، والواو والياء ثقيلتان، فلم تزادا بدلا من التنوين لثقلهما. ويؤكد هذا القول إثباتهم الألف بحيث يحذفون الواو والياء، ألا تراهم قرءوا: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9] . ومن أبيات الكتاب2: وأخو الغوانِ متى يشأْ يصرمْنه ... ويعدنَ أعداءً بُعيدَ وِدادِ3   1 الكتاب "2/ 281". 2 البيت للأعشى وهو في ديوانه "ص179"، والكتاب "1/ 10". ورواية الديوان "وأخو النساء"، ولا شاهد فيه على هذه الرواية، وذكره صاحب اللسان في مادة "غنا" دون أن ينسبه. 3 الغوانِ: جمع غنية وهي المرأة الغنية بحسنها وجمالها عن الزينة. القاموس المحيط "4/ 371". يصرمنه: يقطعن وده. القاموس المحيط "4/ 139". الوداد: المحبة. وقد استخدم الشاعر الألفاظ التي تدل على مدى تمكن الغواني من المحبة مثل: "متى يشأ- يصرمنه- يعدن". والشاهد فيه "الغوانِ" حيث حذفت الياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 ومنها أيضا1: وطرتُ بمنصُلي في يعملاتٍ ... دوامي الأيْدِ يخبطنَ السريحا2 وأنشد البغداديون 3: كفّاك كفٌّ ما تليق درهما ... جودًا، وأخرى تعطِ بالسيف الدَّما4 وقال زهير5: ولأنت تفري ما خلقتَ ... وبعضُ القوم يخلقُ ثم لا يفْرْ6 وقال سيبويه: "لو كان يغزو قافية لكنت حاذف الواو"7 وقد حذفوا8 الياء والواو وهما اسمان وعلامتان هربا إلى التخفيف بحذفهما، وذلك نحو قول الشاعر: لا يبعِدِ اللهُ أصحابًا تركتهمُ ... لم أدر بعد غداةِ البينِ ما صَنَعْ9 يريد: صنعوا.   1 البيت نسبه صاحب اللسان إلى مضر بن ربعي في مادة "يدي" "15/ 420"، وذكره صاحب المتاب بدون نسب "1/ 9". 2 المنصلي: السيف ما لم يكن له مقبض. القاموس المحيط "4/ 57". اليعملات: جمع يعملة وهي الناقة النجيبة المعتملة المطبوعة. القاموس المحيط "4/ 21". السريح: فرس سريح عدي. القاموس المحيط "1/ 228". والشاهد فيه "الأيدِ" حيث حذفت الياء والتقدير "الأيدي". 3 البيت في معاني القرآن للفراء "2/ 27، 118"، واللسان في مادة "ليق" "12/ 210". 4 الشاهد فيه "تعط" حيث حذفت الياء. 5 سبق تخريجه. 6 الشاهد فيه "يفْرْ" حيث حذفت الياء تخفيفًا. 7 الكتاب "2/ 300". 8 هذه لغة ناس كثير من قيس وأسد. الكتاب "2/ 301". 9 البيت لتميم بن أبي بن مقبل، وهو في ديوانه "ص168"، والكتاب "2/ 301". البين: الفراق. والشاعر يدعو الله ألا يفترق الأصحاب لأنه لا يعلم ماذا يفعلون بعد الفراق. والشاهد فيه "صنع" حيث حذفت الواو وهي ضمير تخفيفًا والتقدير "ما صنعوا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 ومن أبيات الكتاب أيضًا1: لو ساوفتنا بسوف من تحيتها ... سوف العيوف لراح الركبُ قد قنِعْ2 يريد: قنعُوا. ومن أبياته أيضًا: يا دار عبلة بالجِواءِ تكلَّمْ ... .............. 3 يريد: تكلمِي. ومن أبياته4: كذب العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٌ ... إن كنتِ سائلتي غبوقًا فاذهبْ5 يريد: فاذهبى. ولا يحذفون الألف لامًا كانت ولا علامة، لايقولون في الوقف على يخشى: هو يخشْ، ولايسعْ، ولا في قاما التثنية: قامْ، ولا قعدا: قعدْ، ولم تخفف الألف في شيء مما ذكرنا إلا شاذًا. أنشد أبو الحسن6:   البيت للشاعر تميم بن أبي بن مقبل. 2 ساوفتنا بسوف: وعدتنا بقولها سوف. القاموس المحيط "3/ 155". العيوف من الإبل: الذي يشم الماء فيتركه ولا يشرب وهو عطشان. القاموس المحيط. والمعنى: لو وعدتنا وعودا بالتسويف تشبه من يذهب إلى الماء ويعود عطشانا لقنعنا بذلك. والشاهد فيه "قنع" حيث حذف الواو تحفيفا ويريد "قنعوا". 3 البيت لعنترة وهو في معلقته وديوانه "ص264"، والكتاب "1/ 342". الجواء: جمع "جو" وهو الوادي. القاموس المحيط "4/ 314". والمعنى: ينادي الشاعر على دار حبيبته ويقول لها تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا. والشاهد فيه "تكلم" حيث حذف الياء وهي ضمير وتقديره "تكلمي". 4 البيت ينسب إلى عنترة وهو في ديوانه "ص273"، ونسبه صاحب الكتاب لخرز بن لوذان "2/ 302". 5 العتيق: التمر. الشن: قريبة الماء. القاموس المحيط "4/ 240". الغبوق: كصبور ما يشرب بالعشي. القاموس المحيط "3/ 271". والمعنى: عليك بالتمر والماء، وإن كنت تريدين لبنا فاذهبى. والشاهد فيه "فاذهبط حيث حذف الياء وهي ضمير تخفيفًا. 6 ذكره صاحب اللسان في مادة "لهف" "9/ 321"، ونسبه إلى ساعدة بن جؤية، وذكره أبو الحسن في معاني القرآن "ص65"، والخصائص "3/ 135" والإنصاف "ص390". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فلستُ بمدركٍ ما فاتَ مني ... بلهفَ ولا بلَيْتَ ولا لوَ أنِّي1 يريد: بلهفا. ومن أبيات الكتاب2: وقَبِيلٌ من لُكيز شاهدٌ ... رهطُ مرجومٍ ورهط ابن المعَلْ3 يريد: المُعَلَّى. وهذان من الشذوذ بحيث لا يسوغ القياس عليهما. فإذا كانوا يحذفون الياء والواو الأصليتين في الوقف، وما دخل لمعنى فجرى في اللزوم مجرى الأصل، أو كان أشد لزومًا في بعض المواضع من الأصل، فأن تُرفض الياء والواو الزائدتان في قام زيدو، ومررت بزيدي، ولا تُتَكَلَّفا أجدر، وتثبت الألف في رأيت زيدًا ونحوه، كما تثبت ألف يخشى ومثنَّى. واعتل غير سيبويه في ترك إلحاقهم المرفوع واوًا والمجرور ياءً بدلا في الوقف من التنوين بأن قال: كرهوا أن يقولوا: قام زيدو لئلا يشبه آخرُ الاسم آخرَ الفعل في نحو يدعو ويحلو، وهذا غير موجود في الأسماء استثقالا له وكذلك لو قالوا: مررت بزيدي لالتبس بالمضاف إليك نحو: غلامي وصاحبي، فكرهوا ذينك لذينك. قال سيبويه: "وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون: هذا زيدو، ومررت بعمري، جعلوه قياسا واحدا، فأثبتوا الواو والياء كما أثبتوا الألف"4.   1 لهف: الحزن والأسى. القاموس المحيط "3/ 197". والمعنى: إن الإنسان لا يستطيع أن يلحق ما فاته مهما فعل. والشاهد فيه "بلهفَ" حيث حذفت الألف تخفيفًا يريد "بلهفا". 2 البيت للبيد في ديوانه "ص199"، والخصائص "2/ 293"، وشرح شواهد شرح الشافية "ص207". 3 لكيز: هو أقصى بن عبد القيس. شاهد: حاضر. رهط: جماعة. مرجوم: سمي ذلك لأنه فاخر رجلا عند النعمان فقال له: رجمك بالشرف. والشاهد فيه "المعل" حيث حذفت الياء تخفيفًا فأصله "المعلى". 4 الكتاب "2/ 281". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وحدثنا أبو علي قال: حكى أبو عبيدة: رأيت فَرَجْ. فكما حمل أزد السراة المرفوع والمجرور على المنصوب كذلك حمل أهل هذه اللغة التي حكاها أبو علي عن أبي عبيدة المنصوب على المرفوع والمجرور. فهذه حال حذف التنوين في الوقف من الاسم المنون، وإبدال حرف منه في مكانه، وإن كان غير منون فلا نظر في أن الوقف عليه بلا تنوين البتة، وذلك نحو: ضربتُ عُمَرْ، وقام أحمدُ، ونظرتُ إلى الرجلِ. وأما حذف التنوين في الوصل من الاسم المتمكن فعلى أضرب: منها: أن يكون مضافًا، نحو: ضربت غلامَك، وجاءني صاحبُك. ومنها: أن يكون معرفًا باللام، نحو: قام الرجلُ يا فتى، وضربت المرأة ياغلام. ومنها: أن يلحق الاسم علام الندبة، وذلك نحو قولك: واغلامَ زيداه، ووا أبا جعفراه، ولم يقولوا: واغلامَ زيدِناه، ولا وا أبا جعفرِناه، فيفتحوا التنوين لأجل الألف، ويثبتوه معها كراهية اجتماع الزيادتين في آخر الكلمة. فإن قلت: فكيف جمعوا في الإنكار بين علامة الإنكار والتنوين، فقالوا: أزيدَنِيه، وأزيدُنِيه، وأزيدِنِيه، وإذا جمعوا بين هاتين الزيادتين في آخر الاسم مع الإنكار، فهلا جمعوا أيضًا بين التنوين وعلم الندبة، فقالوا واغلام زيدِناه، وإذ فرقوا بين الموضعين، فما الذي أوجَدَهم بينهما فرقًا؟ فالجواب: أن الفرق بينهما أن علامة الندبة أشد اتصالا بالمندوب من مدة الإنكار بالمنكر، ألا ترى أن العلامة في الندبة لا يمكن الفرق بينها وبين المندوب في نحو: وا زيداه وواعمراه، ومدة الإنكار قد يفصل بينها وبين الكلام المنكر في نحو قولهم: أزيدَنِيه بـ "إنْ" مؤكدة للإنكار، فيقال في قول من قال: ضربت زيدًا: أزيدًا إِنيه، وفي قول من قال محمدٌ: أمحمدٌ إنِيه، وفي قول من قال مررت بجعفر: أجعفرٌ إنِيه، فلما فارقت المدة التي للإنكار الكلام الذي وليته همزة الاستفهام، وانفصلت منه، واتصلت "بإنْ"، وقامتا بأنفسهما، ولم تحتاجا إلى ما قبلهما، صارت كأنها من جزء آخر ومباينة لما قبلها، فلم ينكر اجتماعها مع التنوين، لأن التقدير فيها والعادة في استعمالها أن تكون منفصلة، ومدة الندبة متصلة بما فيه التنوين غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 منوية الانفصال منه، فلما اتصلت بما فيه التنوين لفظًا ومعنًى كُره الجمع بينهما في آخر المندوب لئلا تجتمع في آخره زيادتان. فهذا فرق ما بينهما ويزيد الحال وضوحًا لك أنهم يقولون في الإنكار على من قال: ضربت زيدًا الطويلَ: أزيد الطويلاه، فيوقعون مدة الإنكار على الوصف دون الموصوف الذي وليته همزة الاستفهام، وهذا غير جائز في الندبة. ألا ترى أن سيبويه1 لم يجز ولا سمع من العرب في الندبة، وا زيدُ الطويلاه، لأن علم الندبة لا يباشر إلا المندوب نفسه دون صفته، ولا علة ههنا توجب ذلك إلا شدة اتصال علم الندبة بنفس المندوب. فأما ما ذهب إليه يونس2 من إجازة إلحاق مدة الندبة على الوصف فمدفوع عند الجماعة، وعلى كل حال فإنه إنما أجازه يونس من حيث كانت الصفة مع الموصوف كالجزء الواحد، فإذا وليت مدة الندبة صفة المندوب فكأنها قد باشرت المندوب نفسه، وليست كذلك علامة الإنكار، لأنها في تقدير الانفصال ولفظه جميعًا، ويؤكد ذلك عندك من حالها أيضا ما حكاه سيبويه، ألا تراه قال: "وسمعنا رجلا من أهل البادية وقيل له: أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أأنا إنيه" أفلا ترى أنه ألحق علامة الإنكار غير كلام السائل، وأولاها كلامه هو، قال أبو العباس: أخرجه على المعنى دون كلام المستفهم. فهذا من مذهبهم يدلك على أن مدة الإنكار قد يباشرها غير الكلام الأول المنكر، وليست كذلك مدة الندبة، لأنها لا تنفصل من المندوب على حال. وشيء آخر يزيد عندك الحال وضوحًا أنك إذا قلت في الإنكار: أزيدًا يا فتى، أو: أمحمدٌ يا جعفر، أو: أبسعيدٍ يا هذا، فوصلت كلامك سقطت علامة الإنكار، وليست كذلك مدة الندبة، لأنها ثابتة في الوصل والوقف جميعًا، تقول: وا زيداه، ووا زيدًا وعَمْراه، فهذا يدلك على أنها أوكد عندهم من مدة الإنكار، فعلى هذا اهتموا بها، وراعوا حكمها، فلم يجمعوها مع التنوين كما جمعوا مدة الإنكار معه، فاعرف ذلك فإنه واضح إن شاء الله.   1 الكتاب "1/ 323". 2 الكتاب "1/ 323". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 ومما حذفوا فيه التنوين أن يكون "ابن" وصفًا لعلم أو كنية أو لقب مضافًا إلى علم أو كنية أو لقب، فإن التنوين يحذف من الاسم الأول لكثرة الاستعمال ولالتقاء الساكنين. وتتركب من ذلك تسع مسائل أصول يقاس عليها غيرها. فالموصوف العلم إذا وصف بابن مضافًا إلى علم مثله نحو قولك: رأيت زيدَ بنَ عمرو، والكنية نحو: هذا زيدُ بنُ أبي بكر، واللقب نحو: مررت بزيدِ بنِ بطة، والموصوف الكنية إذا وصف بابن مضافًا إلى كنية نحو: لقيت أبا بكر بنَ أبي محمد، والعلم نحو: مررت بأبي بكر بنِ زيد، واللقب نحو: هذا أبو بكر بنُ بطة. والموصوف اللقب إذا وصف بابن مضافًا إلى اللقب مثله نحو: هذا كرزُ بن بطة، والعلم نحو: رأيت كرزَ بنَ زيد، والكنية نحو: مررت بكرزِ بنِ أبى بكر. وكل موضع حذفت منه التنوين في هذه المسائل التسع وما شكلها لكثرة الاستعمال، ولأنك جعلت الاسمين كالاسم الواحد، فالألف في "ابن" محذوفة من الخط، وذلك أنك لا تقدر الوقف على الأول والابتداء بالثاني، لأنك قد جعلتهما بكثرة استعمالها، وبأن كل إنسان لابد أن يكون له أب أو أم أو كنية تجري وصفا عليه، وأن اللقب إذا جرى ووقع كان في الشهرة وكثرة استعماله جاريا مجرى العلم والكنية -كالاسمين اللذين جعلا كاسم واحد. يدلك على أن العرب قد أرادت ذلك وقصدته قولهم1: يا حكمَ بنَ المنذرِ بنِ الجارودْ ... سرادقُ المجدِ عليك ممدودْ2   1 نسبه صاحب اللسان في مادة "سردق" إلى رؤبة "10/ 158"، ونسب في الكتاب إلى رجل من بني الحرماز "1/ 313"، وذكر في المقتضب بدون نسب "4/ 232". 2 ممدود: ممتد. السرادق: الذي يمد فوق صحن البيت وأراد ما أحاط بالشيء. القاموس المحيط "3/ 244". والشاعر يمدح الحكم بن المنذر بأن المجد يحيط به من كل جانب. والشاهد فيه: "يا حكمَ بنَ" حيث فتحت ميم حكم. إعرابه: حكم: منادى مبني على الضم المقدر، ابن: صفة منصوبة بالفتحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 ففتحهم ميم حكمَ مع أنه منادى مفرد معرفة إنما هو لأنه قد جعلوه مع ابن كالشيء الواحد، فلما فتحوا نون ابن فتحوا أيضا ميم حكمَ، لأنهم إذا أضافوا ابنًا فكأنهم قد أضافوا حكمًا، وهذا أحد ما يدل عندنا على شدة امتزاج الصفة بالموصوف، وهنا أشياء غير هذا تدل أيضا على شدة امتزاجها. ويدلك على أن حذفهم التنوين من الاسم الأول في هذا إنما هو لأنهم اعتقدوا في الاسمين أنهما قد جريا مجرى الاسم الواحد حتى أنهم لما أضافوا ابنًا فكأنهم قد أضافوا ما قبله، وأنه لم يحذف التنوين لالتقاء الساكنين كما ذهب إليه قوم ما حكاه سيبويه من قولهم: "هذه هندُ بنتُ فلانة"1 في قول من صرف هندًا، فتركهم التنوين في هند وهي مصروفة ولا ساكنين هناك، يدل على أنهم إنما حذفوا التنوين لكثرة الاستعمال لا لالتقاء الساكنين، وهو رأي أبي عمرو بن العلاء. ومن ذهب من العرب إلى أن حذف التنوين في نحو: رأيت زيدَ بنَ عمرو، إنما هو لالتقاء الساكنين قال: هذه هندٌ بنتُ فلانٍ، فنون هندًا إذا كان ممن يصرفها، قال سيبويه: "وزعم يونس أنها لغة كثيرة جيدة" يعني إثبات التنوين في هند لأن الباء من بنت متحركة، وكل ما ذكرناه من حال "ابن" إذا جرى وصفًا، وحال ما قبله، فهو جارٍ على بنت وابنة لأنهما في كثرة الاستعمال مثله. فأما ما يذهب إليه الكتاب المحدثون من إثبات الألف خطًا في ابن إذا تقدمت هناك كنية أو تأخرت، وَكَتْبُهُمْ: رأيتُ أبا بكر ابن زيد، ومررت بجعفر بن أبي علي، وكلمني أبو محمد ابن أبي سعيد، بألف في "ابن" فمردود عند العلماء على قياس مذاهبهم، وذلك أن العلة التي لأجلها تحذف الألف من أول "ابن" إنما هي اختلاطه بما قبله واستغناؤهم عن فصله منه وابتدائهم به منفردا عنه، فلم تكن به حاجة إلى الألف التي إنما دخلت للابتداء لما تعذر ابتداؤهم بالساكن، وهذه العلة أيضا موجودة مع الكنية، ألا ترى إلى قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء: مازلتُ أفتحُ أبوابًا وأغلقها ... حتى أتيتُ أبا عمرِو بنَ عمّارِ2   1 الكتاب "2/ 148" وفيه: "هذه هند بنت عبد الله". 2 الشاهد فيه "أبا عمرِو بن" حيث حذف التنوين من "عمرو" لأنها مع "ابن" كالاسم الواحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وقول الآخر: فلم أجبُنْ، ولم أنكُلْ ولكنْ ... يممتُ بها أبا صخرِ بنَ عمرِو1 فحذف التنوين إنما هو لأنهم جعلوا الاسمين كالاسم الواحد، وإذا كان الأمر كذلك لم يلزم الابتداء بابن، فيحتاج إلى الألف، فسبيلها إذن أن تحذف خطًا لما استغني عنها لفظًا. فإن قلت: ألست تكتب نحو: قم فاضرب زيدا، واقعد واشتم خالدا، فتثبت الألف في اضرب واشتم وإن كان قبلهما حرفان لا ينفصلان بأنفسهما، ولا يمكن تقدير انفرادهما، وهما الفاء والواو، وأنت مع ذلك قد أثبت الألف في أول فاضرب، وواشتم، وإن كنت الآن لا تنوي فصلهما من الواو والفاء لضعفهما ولطفهما عن أن تحذفا، فهلا أثبت أيضا الألف في أول "ابن" وإن كان متصلا بما قبله، بل هلا كان إثبات الألف في ابن أوجب من إثباتها في فاضرب، وواشتم لأن الواو والفاء أقل في اللفظ وأشد حاجة إلى الاتصال بما بعدهما من الموصوف بصفته، لأن الموصوف اسم تام قائم بنفسه؟ فالجواب: أن بين الموضعين فرقا، وذلك أن الاستعمال في فاضرب، وواشتم لم يكثر كثرته في إجراء ابن صفة على ما قبله، وذلك نحو: زيدِ بنِ عمرٍو، وأبي بكرِ بنِ قاسمٍ، وجعفرِ بنِ أبي علي، وسعيدِ بنِ بطة، وخفافِ بنِ ندبة، وعطافِ بن ِبشة، ونصرِ بنِ طوعة، وعبدِ بنِ حجلة، وعياضِ بنِ أم شهمة، والعريانِ بنِ أم سهلة، وحُمَيْدِ بنِ طاعة، وعبدِ اللهِ بنِ الدمينة، ويزيدَ بنِ ضبة، وربيعةَ بنِ الذبية، وشيبِ بنِ البرصاء، وغير هؤلاء من الشعراء ممن نُسِبَ إلى أمه2. فلما كان "ابن" مضافًا إلى الأب والأم لا ينفك من أحدهما كثُر استعماله معهما،   1 أجبن: الجبان الذي يهاب الأشياء ولا يقدم عليها. أنكل: نكل عن الأمر نكولا: نكص. القاموس المحيط "4/ 60". يممت: تيمم الشيء توخاه وتعمده. القاموس المحيط "4/ 193". والشاهد فيه "صخرِ بنَ عمرو" حيث حذف التنوين من "صخر". 2 انظر هذه الأسماء وغيرها ممن نسب إلى أمه في كتاب "من نسب إلى أمه من الشعراء" لمحمد بن حبيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فحذفت الألف من أوله متى جرى وصفًا على العلم قبله، لأنه لا ينوى فصله مما قبله إذ كانت الصفة والموصوف عندهم مضارعة للصلة والموصول من ستة أوجه قد ذكرناها في غير هذا الكتاب، فتركناها كراهية الإطالة بذكرها. ولم يكن اضرب واشتم متصلين بالفاء والواو ولا منفصلين منهما فتحذف الألف معهما لاعتماد الواو والفاء عليهما، ولو كثر استعمال ذلك لحذفت الألف، ألا ترى أنه لما كثر "بسم الله" حذفت منه الألف، وما يحذف لكثرة استعماله أكثر من أن أذكره، منه قولهم: لا أدرِ، ولم يكُ، ولم أُبَلْ. وكتبوا باسم المهيمن، وباسم الخلاق، وباسم رب العزة، وغير ذلك مما لم يكثر استعماله كثرة بسم الله بالألف على الأصل. والكنية أيضا قد كثرت صفتها بابن مضافًا إلى مثلها أو غيره من العلم واللقب، وصار ابن مع ما قبله تقدمت الكنية عليه أو تأخرت عنه كالشيء الواحد، فيجب أن تحذف الألف من الخط إذ لا فرق بين الكنية واللقب والعلم في ذلك. واعلم أن الشاعر ربما اضطر، فأثبت التنوين في هذه المواضع التي ذكرناها لأن ذلك هو الأصل: قال الشاعر1: جاريةٌ من قيسٍ ابنِ ثَعْلَبَةْ ... كأنها حِلْيَةُ سيفٍ مُذْهَبَةْ2 وقال الحطيئة3: إلا يكنْ مالٌ يُثابُ فإنه ... سيأتي ثنائي زيدًا ابنَ مُهَلْهِلِ4   1 نسبه صاحب الكتاب إلى الأغلب العجلي "2/ 148" وذكره في المقتضب بغير نسب "2/ 313"، وذكره صاحب الخزانة منسوب إليه أيضا "1/ 332". 2 قيسُ ابن ثَعْلَبَة: حيٌّ من بني بكر بن وائل. والشاعر يهجو امرأة من بني قيس بقوله جارية ثم يصفها بحلية السيف المذهبة. والشاهد فيه: "قيسٍ بن ثعلبة" حيث اضطر الشاعر لإثبات التنوين. 3 البيت في ديوانه "ص84" يمدح بذلك زيد الخيل الطائي وكان أسر الشاعر، فمنَّ عليه. 4 الشاهد فيه: "زيدًا ابن مهلهل" حيث اضطر الشاعر لإثبات التنوين في كلمة "زيدًا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 ومن فعل ذلك لزمه إثبات الألف في "ابن" خطًا. إلى هذا رأيت جميع أصحابنا يذهبون1، والذي أرى أنا أنه لم يرد في هذين البيتين وما جرى مجراهما أن يجري ابنًا وصفًا على ما قبله، ولو أراد ذلك لحذف التنوين، فقال: من قيسِ بنِ ثعلبة، وزيدَ بن مهلهل، ولكن الشاعر أراد أن يجري ابنا على ما قبله بدلا منه، وإذا كان بدلا منه لم يجعل معه كالشيء الواحد، وإذا لم يجعل معه كالشيء الواحد وجب أن ينوى انفصال ابن مما قبله، وإذا قدر ذلك فيه فقد قام بنفسه، ووجب أن يبتدأ به، فاحتاج إذن إلى الألف لئلا يلزم الابتداء بالساكن. وعلى ذلك تقول: كلمت زيدًا ابن بكر، كأنك تقول: كلمت ابنَ بكر، وكأنك قلت: كلمت زيدًا كلمت ابن بكر، لأن ذلك شرط البدل، إذ البدل في التقدير من جملة ثانية غير الجملة التي المبدل منه منها، فمتى تجاوز التنوين أن يكون في غير تلك المسائل التسع التي قدمنا ذكرها ثبت، وألحقت الألف في أول ابن، وذلك قولك: ضربت زيدًا ابنَ الرجل، لأن الرجل ليس علمًا ولا كنية ولا لقبًا. وكذلك: لقيت الغلامَ ابنَ زيد، تثبت الألف في ابن، لأن الغلام ليس علمًا ولا كنية ولا لقبًا. وكذلك: جاءني محمدٌ ابنُ أخينا، ولقيت جعفرًا ابنَ ذي المال. وكذلك إن ثنيت أثبت الألف على كل حال لأن ذلك لم يكثر استعماله، وهو قولك: ضربت الزيدين ابني عمرو، وهذا أجدر أن تثبت فيه الألف، لأن الزيدين الآن ليسا علمين، وإنما تعرفا باللام كما تقدم. ومنه: أظن البكرين ابني سعيد، وأحسب القاسمين ابني علي، فاعرفه. وكذلك إن جعلت ابنًا خبرًا عما قبله أثبت التنوين في الأول والألف في ابن، وذلك قولك زيدٌ ابنُ عمرو، وإن بكرًا ابنُ جعفر، وكأن محمدًا ابنُ قاسم، وطننت سعيدًا ابنَ علي، وأظنُ قاسمًا ابنَ ذي المال، وليس عليٌّ ابنَ أختنا، فأما قوله عزَّ اسمُه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} [التوبة: 30] 2 فالقراءة فيه على ضربين:   1 انظر/ الكتاب "2/ 148". 2 قرأ عاصم والكسائي "غزيرٌ ابن" منونًا، وروى عبد الوارث عن أبي عمرو "عزير" منونًا، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عمرو وابن عامر وحمزة "عزيرُ ابنُ الله" غير منون. انظر/ السبعة "ص313". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 إحداهما: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ" بتنوين "عزير" لأن ابنًا الآن خبر عن "عزير" فجرى هذا مجرى قولك: زيدٌ ابنُ عمرو. والقراءة الأخرى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللهِ" وحملها أصحابنا على وجهين: أحدهما: أن يكون "عزير" خبر مبتدأ محذوف، وابن وصف له، فحذف التنوين من "عزير" لأن ابنا وصف له، فكأنهم قالوا: هو عزير بن الله، وهذا عندنا بعيد وإن كان أبو العباس قد أجازه، لأنه لم يجر لعزير ذكر في ما قبل فيجوز إضماره. والوجه الآخر: أن يكون جعل ابنا خبرا عن "عزير"، وحذف التنوين ضرورة، وهذا وإن كان فيه من الضرورة ما ذكرت لك فإنه أشبه، لأنه موافق معنى قراءة من نون وجعل ابنا خبرا عن عزير. فإن قلت: فإن من أجرى ابنا صفة على عزير فقد أخبر عنه أيضا بأنه ابن كما أخبر عنه من نون عزيرًا، عزَّ اللهُ وعلا علوًّا كبيرًا. فإن هذا خطل من إلزام الملزم، وذلك أنك إذا قلت: زيدٌ ظريفٌ، فجعلت ظريفًا خبرًا عن زيد، فقد استأنفت الآن تعريف هذه الحال وإفادتها للسامع، وإذا قلت: هو زيدٌ الظريفُ فإنما أخبرت عن ذلك المضمر بأنه زيد، وأفدت هذا من حاله، ثم حليته بالظريف، أي: هو زيد المعروف قديمًا بالظريف. وليس غرضك أن تفيد الآن أنه حينئذ استحق عندك الوصف بالظرف. فهذا أحد الفروق بين الخبر والوصف وكذلك أيضا لو كان تقديره: هو عزير، فأخبرت عن المضمر بأنه عزير، ثم وصف بابن لكان التقدير هو عزير، الذي عرف من حاله قديمًا بأنه ابن الله تعالى الله جل ثناؤه عن ذلك علوًّا كبيرًا، وليس المعنى كذلك، إنما حكى الله سبحانه عنهم أنهم أخبروا بهذا الخبر، واعتقدوا هذا الاعتقاد، فصار نحوا من قوله: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأنعام: 100] في أنه حكاية عنهم ما أخبروا به حينئذ من اعتقادهم، وأظهروه من آرائهم، هذا مع ما قدمناه من ضعف إضمار عزير إذا لم يجر له ذكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 فأما حذف التنوين من عزير في من جعل ابنا خبرا عنه، فله نظائر كثيرة تكاد كثرتها تجعلها قياسا، قرأ بعضهم: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ" [الإخلاص: 1-2] 1 وذكر أبو الحسن2 أن عيسى بن عمر كان يجيز3: فألفيته غيرَ مستعتِبٍ ... ولا ذاكرِ اللهَ إلا قليلا4 يريد: ولا ذاكرٍ اللهَ. وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد5: لتجدنِّي بالأمير بَرّا ... وبالقناة مِدْعَسًا مِكَرّا إذا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرّا6 يريد: غُطَيْفٌ. وقرأت عليه أيضا7: حَيْدةُ خالي ولَقِيطٌ وعَلي ... وحاتمُ الطائيّ وهّاب المِئي8 يريد: وحاتمٌ الطائي.   1 القراءة بضم الدال بغير تنوين في الوصل رواها هارون عن أبي عمرو. السبعة "ص701". وفي البحر "8/ 528" أنه قرأ بها: أبان بن عثمان وزيد بن علي ونصر بن عاصم وابن سيرين والحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمّال وأبو عمرو في رواية يونس ومحبوب والأصمعي والؤلؤي وعبيد وهارون عنه. 2 معاني القرآن للأخفش "ص86" والكتاب "1/ 169". 3 البيت نسب لأبي الأسود الدؤلي في المنصف "2/ 231"، والخزانة "4/ 554"، والكتاب "1/ 169"، وبدون نسب في معاني القرآن للأخفش "ص86". 4 الشاهد فيه "ولا ذاكرِ اللهَ" حيث حذف التنوين، يريد ولا ذاكرٍ اللهَ. 5 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "دعس" "6/ 84"، والنوادر "ص321". 6 برا: رحيما. المدعس: طعّان. القاموس المحيط "2/ 215". المكر: الذي يكر في الحرب كثيرًا. والشاهد فيه "غُطَيْفُ" حيث حذف التنوين فأصله "غُطَيْفٌ". 7 ذكره صاحب اللسان في مادة "أمه" ونسبه إلى "قصي" وهو قصي بن كلاب بن مرة "13/ 472"، ونسبه لامرأة من بني عقيل في النوادر "ص321"، والخزانة "3/ 304". 8 والشاهد فيه "حاتمُ الطائي" حيث حذف التنوين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وأنشد أبو العباس1: حميدُ الذي أمَجٌ دارُه ... أخو الخمر ذو الشيبةِ الأصلعُ2 أراد: حميدٌ: وأنشد أيضا3: عمرُو الذي هَشَمَ الثريدَ لقومِه ... ورجال مكةَ مسنتون عجاف4 أراد عمرٌو الذي. وقال ابن قيس5: كيف نومي على الفراش ولما ... تشملِ الشامَ غارةٌ شعواءُ تذهلُ الشيخَ عن بنِيه وتبدِي ... عن خدامِ العقيلةُ العذراءُ6 أي وتبدى عن خدامٍ العقيلة، أي تبدي العقيلةُ عن خدامٍ. وأنشدوا أيضًا: والله لو كنتَ لهذا خالصا ... لكنت عبدًا آكل الأبارِصا7 أي: أكلا الأبارصا. وإنما جاز حذف التنوين من هذه الأسماء في هذه الأماكن، وقد كان الوجه تحريكه لالتقاء الساكنين، في نحو رمى القومُ،   1 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "أمج" ونسبه إلى أبي العباس المبرد "2/ 29"، ونسب في النوادر "ص368" والإنصاف "ص664" إلى حميد الأمجي. 2 أمج: بلدة في المدينة التي منها الشاعر ونسب إليها. والشاهد فيه "حميدُ" حيث حذف التنوين. 3 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "سنت" ونسبه إلى عبد الله بن الزهري "2/ 47"، ونسب في الاشتقاق إلى مطرود بن خزاعة. 4 الثريد: ما يفت من الخبر ثم يبل بمرق. عجاف: عجف عجفًا هزل "ج" عجاف، وفى القرآن الكريم: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} . [يوسف: 43] الشاهد فيه "عمرُو الذي" حيث حذف التنوين ويريد "عمرٌو". 5 البيتان لعبد الله بن قيس الرقيات، وهما في ديوانه "ص95-96". 6 الشاهد فيه "خِدامِ العقيلة" حيث حذف التنوين. 7 الشاهد فيه "أَكْلَ الأبارصا" حيث حذف التنوين من كلمة "أكل" ويريد "أَكْلا الأبارصا" وقد جاز الحذف بسبب التقاء الساكنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وقاضي البلدِ، يدعو القومُ، كذلك حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهو مرادٌ، يدلك على إرادته أنهم لم يجروا ما بعده بإضافته إليه. ويشبه هذا مما حذف من اللفظ تخفيفًا لا لإضافته ولا لالتقاء الساكنين لأنه ليس بساكن نون التثنية والجمع، وذلك نحو قول الأخطل1: أبني كليبٍ إنّ عَمَّيَّ اللذا ... قتلا الملوكَ وفكَّكا الأغلالا2 أراد: اللذان، فحذف النون تخفيفًا لطول الاسم، ولا يجوز أن يكون حذفها للإضافة، لأن الدلالة قد تقدمت على أن الأسماء الموصولة لا يجوز أن تضاف أبدا إلا ما كان من أي في نحو قولهم: لأضربن أيَّهم يقوم، على أن هذا عندنا معرف بصلته دون إضافته. ويمنع أيضا من أن يكون "اللذا" من بيت الأخطل مضافًا أن ما بعده فعل، وهو "قتلا" والأفعال ليست مما يضاف إليه. وقال الأشهبُ بنُ رُمَيلة، قرأته على محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن ابن الجهم عن يحيى بن زياد3: فإن الذي حانت بفلجٍ دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد4 يريد: الذين، فحذف النون تخفيفًا، ورواه أيضًا: يا أم جعفر، والصحيح: يا أم خالد، لأن القوافي دالية. وقال الآخر5: ياربّ عيسى لا تبارك في أحدْ ... في قائم منهم ولا في مَنْ قَعَدْ إلا الذي قاموا بأطراف المَسَدْ6 يريد: الذين.   1 البيت في ديوانه "ص108". 2 الشاهد فيه "اللذا" حيث حذف النون ويريد "اللذان" فحذفت النون تخفيفًا. 3 البيت منسوب إليه في الكتاب "1/ 96"، والخزانة "2/ 507". 4 حانت دماؤهم: قرب وقتها. لسان العرب "3/ 135" مادة/ حين. فلج: اسم نهر، وقيل اسم موضع، وقيل اسم وادي. لسان العرب "2/ 347" مادة/ فلج. الشاهد فيه "الذي" حيث حذف النون ويريد "الذين" وقد حذفت تخفيفًا. 5 البيت ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه في مادة "ذا" "15/ 456". 6 المسد: الليف، والحبل المضفور المحكم. القاموس المحيط "1/ 338". الشاهد فيه "الذي" حيث حذف النون ويريد "الذين". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وقال الآخر1: فبتُ أساقي الموتَ إخوتي الذي ... غوايتُهم غييِّ ورشدُهم رشدِي2 يريد: الذين. وحُكِيَ عنهم: هم اللاؤو فعلوا ذلك، يريدون: اللاؤون، فحذوا النون تخفيفًا أيضًا. وروينا عن قطرب3: وعكرمةُ الفيّاض منّا وحوشبٌ ... هما فَتَيا الناس اللذا لم يُغَمّرا4 وعنه أيضًا5: أولئك أشياخِي الذي تعرفونهم ... ليوثٌ سعَوا يوم النبيّ بفيلقِ6 يريد: الذين. وقد فعلوا هذا في بعض الأسماء المتمكنة غير الموصولة لأنها في معنى الموصولة، أنشدنا أصحابنا7: الحافظُو عورةَ العشيرة لا ... يأتيهمُ من ورائنا نَطَفُ8 أراد: الحافظون، فحذف النون تشبيها بالذين إذ كان في معناه.   1 لم أقف عليه فيما بين يدي من كتب. 2 غوايتُهم: غوى غيا وغواية أمعن في الضلال. القاموس المحيط "4/ 372". وفى القرآن الكريم {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] . رشدهم: رشد رشدًا: اهتدى. والشاهد فيه "الذي" حيث حذف النون تخفيفًا. 3 البيت لعديل بن الفرخ العجلي كما في الأغاني "22/ 376". 4 الشاهد فيه "اللذا" حيث حذفت النون تخفيفًا يريد "اللذان". 5 صدره في همع الهوامع "1/ 258". 6 الفيلق: كصقيل الجيش، جمعه فيالق. القاموس المحيط "3/ 277". والشاهد فيه "الذي" حيث حذفت النون تخفيفًا يريد "الذين". 7 نسبه البغدادي في الخزانة "3/ 272" إلى عمرو بن امرئ القيس الخزرجي، وكذا جمهرة أشعار العرب "2/ 675"، والكتاب "1/ 95". 8 العورة: الخلل في الثغر وغيره. النطف: العيب. القاموس المحيط "3/ 201". والشاهد فيه "الحافظو" حيث حذف النون تشبيها بالذين تخفيفًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 ويدل على أنه حذفها تخفيفًا لا لإضافة تركه "عورة" منصوبة، ولو أراد الإضافة لجر العورة البتة. وقرأ بعضهم: "والمقيمي الصلاة" [الحج: 35] 1 بنصب "الصلاة" على ما فسرنا. وحكى أبو الحسن عن أبي السمّال أنه قرأ: "وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهَ" [التوبة: 2] 2 وليس فيه ألف ولام فيشبه بالذين. وقرأ بعضهم أيضا "إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" [الصافات: 38] 3 بالنصب كالذي قبله. وقال عبيد4: ولقد يغنَى به جيرانك الـ ... ممسكو منك بأسباب الوصال5 يريد: الممسكون. وأخبرنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس، قال: سمعت عمارة بن عقيل يقرأ: "وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ" [يس: 40] 6 بنصب "النهار" فقلت له: ما تريد؟ فقال: أريد: سابقٌ النهارَ، فقلت له: فهلا له: فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن. فالأشبه في هذا أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقد حذفوا تشبيها بهذا النون الأصلية لالتقاء الساكنين. قرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى لأبي صخر7: كأنهما مِ الآنَ لم يتغيرا ... وقد مرَّ للدارين من بعدنا عصرُ8   1 هذه قراءة ابن أبي إسحاق، ورويت عن أبي عمرو. المحتسب "2/ 80"، وذكرت غير معزوة في معاني القرآن للأخفش "ص85". 2 الشاهد "معجزي الله" حيث حذفت النون فاصلة "معجزين". 3 الشاهد فيه "لذائقو" حيث حذفت النون تخفيفًا وأصله "لذائقون". 4 هو عبيد بن الأبرص. انظر ديوانه "ص115". 5 الشاهد فيه "الممسكو" حيث حذفت النون تخفيفًا يريد الممسكون. 6 انظر/ المحتسب "2/ 82"، والخصائص "1/ 125". 7 هو أبو صخر الهذلي، والبيت في شرح أشعار الهذلييين "ص956" كأنهما: يريد الدارين. 8 الشاهد فيه "م الآن" حيث حذف نون "من" تشبيها بنون التنوين للتخفيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وأنشد أبو الحسن1: أبلغ أبا دختنوس مالكة ... غير الذي قد يقال مِ الكذب2 يريد أبو صخر: مِنَ الآن، ويريد الآخر: مِنَ الكذب. وقد حذفوا في نحو هذا النون التي هي لام الفعل لالتقاء الساكنين. وأنشد قطرب، وقرأناه على بعض أصحابنا يرفعه إليه3: لم يكُ الحقُّ سوى أنْ هاجَه ... رسمُ دارٍ قد تعفَّى بالسرَرْ4 أي: لم يكن الحق، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعًا تحرك فيه، فتقوى بالحركة، أن لا يحذفها، لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين إذْ كُنّ لا يكُنّ إلا سواكن، وحذف النون من "يكن" أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع، لأن النون في يكن أصل، وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدتان فالحذف فيهما أسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أيضًا من يكن أقبح من حذف نون مِنْ في قوله: ............ ... غير الذي قد يقال مِ الكذب لأن يكن أصله يكون، فقد حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين فإذا حذفت منه النون أيضًا لالتقاء الساكنين أجحفت به لتوالي الحذفين لاسيما من وجه واحد عليه. ولك أيضًا أن تقول: إن "مِن" حرف، والحذف في الحروف ضعيف إلا مع التضعيف نحو: ربّ، وإنّ، وأنّ. هذا قول أصحابنا5 في هذا البيت. وأرى أنا شيئًا آخر غير ذلك، وهو أن يكون جاء بالحق بعدما حذف النون من يكن، فصار يك مثل قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] 6.   1 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "ألك" "10/ 392"، وشرح المفصل "8/ 35". 2 الشاهد فيه "يقال مِ الكذب" حيث حذف النون من حرف الجر وتقديره "يقال من الكذب". 3 البيت ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه، ونُسب في النوادر إلى حسيل بن عرفطة "ص296"، والخزانة "4/ 72". 4 الشاهد فيه "يكُ" حيث حذفت نون الفعل لالتقاء الساكنين. 5 المسائل العسكريات "ص30". 6 الشاهد فيه "يك" حيث حذفت نون الفعل تخلصًا من التقاء الساكنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 ونحو بيت الكتاب1: وكنتَ إذْ كنتَ إلهِي وحدَكا ... لم يكُ شيءٌ يا إلهي قبلَكا2 فلما قدره يك جاء بالحق بعدما جاز الحذف في النون وهي ساكنة تخفيفًا، فبقي محذوفًا بحاله، فقال: لم يكُ الحقُّ، ولو كان قدره يكُنْ، فبقَّى النون، ثم جاء بالحق لوجب أن تكسر نونه لالتقاء الساكنين، فتقوى بالحركة، فلا تجد سبيلا إلى حذفها إلا مستكرَهًا، فكان يجب أن تقول: لم يكنِ الحقُّ. فأما ما لا بد من القضاء بحذفه لالتقاء الساكنين فبيت الكتاب3: فلستُ بآتيه ولا أستطيعه ... ولاكِ اسقني إن كان ماؤكَ ذا فضلِ4 فهذا أراد: ولكنْ اسقني، فحذف النون لالتقاء الساكنين البتة. ومثله قول الآخر5: ولا تطلُبا لي أيِّمًا إن طلبتما ... فإن الأيماى لسنَ لي بشُكُول ولاكِ اطلبا لي ذات بعل محلها ... رواءٌ وخيمٌ بالعذَيبِ ظليلُ6 أراد: ولكن اطلبا لي. وهو مع ذلك أقبح من حذف نون "مِنْ" من قبل أن أصل لكنِ المخففة لكنَّ المشددة، فحذفت إحدى النونين تخفيفًا، فإذا ذهبت تحذف النون الثانية أيضًا أجحفت بالكلمة، فلهذا كان أقبح من حذف نون "من".   1 نسبه صاحب الكتاب إلى عبد الله بن عبد الأعلى القرشي "1/ 316" وشرح المفصل ط2/ 11"، والعيني "3/ 397". 2 الشاهد فيه "يك" حيث حذفت النون تخفيفًا. إعرابه: "يك" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة. 3 سبق تخريجه. 4 الشاهد فيه "ولاك اسقني" حيث حذفت النون لالتقاء الساكنين يريد "ولكن". 5 البيت الأول ذكر في اللسان مادة "شكل" ونسبه إلى أبي عبيد. "11/ 356". 6 الشكول: جمع الشكل، وهو الشبه والمثل. القاموس المحيط "3/ 401". بعل: زوج. والشاهد فيه "ولاك اطلبا لي" حيث حذفت النون لالتقاء الساكنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 ومثل قوله: "لم يك الحق" قول الخنجر بن صخر الأسدي1: فإلا تك المرآة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم2 يريد: فإلا تكن المرآة، والقول فيها واحد. ومما يسأل عنه من باب النون قول العرب في ما حكاه سيبويه "لدن غدوة"3 فيقال: لم نصبت غدوة ولم تجر بإضافة لدن إليها؟ والجواب: أنهم شبهوا النون في لدن بالتنوين في ضارب، فنصبوا غدوة تشبيها بالمميز نحو: عندي راقودٌ خلا، وجبةٌ صوفًا، والمفعول في نحو: هذا ضاربٌ زيدًا وقاتلٌ بكرًا. ووجه الشبه بينهما اختلاف حركة الدال قبل النون، وذلك لأنه يقال: لَدُنْ ولَدَنْ بضم الدال وفتحها، فلما اختلفت الحركتان قبل النون شابهت النون التنوين، وشابهت الحركتان قبلها باختلافهما حركات الإعراب في نحو: هذا ضاربٌ زيدًا، ورأيت ضاربًا زيدًا، ولأنهم قد حذفوا النون، فقالوا: لَدُ غُدوة، كما يحذف التنوين تارة ويثبت أخرى، فلما أشبهت النون التنوين من حيث ذكرنا انتصبت غدوةٌ تشبيهًا بالمفعول، وكما جاز أن تشبه النون بالتنوين فتنصب غدوةٌ تشبيهًا بالمفعول، كذلك شبه بعضهم غدوةً بالفاعل، فرفعها، فقال: لدُنْ غُدوةٌ، كما تقول: أقائم زيد؟ ومنهم من يلزم القياس فيها، فيجر بها، فيقول: لدُنْ غُدوةٍ، ومن فعل ذلك فلا سؤال عليه، قال سيبويه: "ولا تنصب غدوة مع غير لدُن"4 لكثرتها في كلامهم، فغيروها -يعني عن الجر- لكثرتها، فلا تقول على هذا: لدُن بكرةً، لأنه لم يكثر في كلامهم. فإن سأل سائل، فقال: غُدوةُ إنما وقعت في كلامهم معرفة، وإنما غَداةٌ هي النكرة، ألا تراك تقول: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52] فتعرفها باللام،   1 الضيغم: اسم من أسماء الأسد. القاموس المحيط "4/ 142". الشاهد فيه "تك" حيث حذفت النون تخفيفًا ويريد "تكن". 2 الكتاب "1/ 24، 28، 79، 107". 3 البيت له كما في العيني "2/ 63"، ونسب في التمام "ص176" إلى بعض بني أسد. 4 الكتاب "3/ 119". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 ولا تقول: "بالغُدْوَةِ والعَشِيّ" إلا في قراءة شاذة1، فإذا كان ذلك كذلك فما بالهم صرفوها مع لَدُن البتة، وأجمعوا على ترك الصرف الذي هو الشائع من أمرها مع غير لَدُن؟ فالجواب عندي أنهم إنما أجمعوا على صرفها لأمرين: أحدهما: كثرة الاستعمال، لأنهم لما كثر استعمالهم إياه أشد تغييرًا. والآخر: أنهم لو لم يصرفوها لقالوا: لَدُن غُدْوة، فتفتح الهاء، فلا يعلم أمنصوبة هي أم مجرورة، ألا ترى أن ما لا ينصرف نصبه وجره بلفظ واحد، نحو: رأيت عمرَ، ومررت بعمرَ، فلما اعتزموا نصب غدوة بعد لدن وإخراجها لكثرة الاستعمال عن حال نظائرها صرفوها ليكون ظهور التنوين مع الفتحة يحقق ما نووه واعتقدوه من النصب، ويزيل الشبهة عن المسامع، فلا يظن أنها مجرورة غير منصوبة. فإن قلت: فمن رفع فقال: لَدُن غُدْوةٌ، أو جر، فقال: لَدُن غُدْوةٍ، ما الذي دعاه إلى الصرف؟ ولو لم يصرف فقال: لَدُن غُدْوةُ، ولَدُن غُدْوةَ لعلم أنه قد جرَّ تارةً، ورفع أخرى؟ فالجواب: أنهم لما أوجبوا صرفها وهي منصوبة، وهو الأكثر من أحوالها، حملوا المرفوعة والمجرورة لقلة الرفع فيها والجر على النصب الذي قد شاع وكثر، كما حملوا أَعِدُ ونَعِدُ وتَعِدُ على يَعِدُ، هذا مع ما قدمناه من تغييرهم لما كثر استعماله عن حال نظائره. فإن قلت: وكيف يجوز لك أن تحمل الرفع على النصب وأنت تعلم أن الرفع في كل الأحوال أسبق في المرتبة من النصب؟ أفيحسن أن يحمل الأصل على الفرع؟ وما الفرق بينك وبين الفراء في حمله فتحة فَعَلَ الذي هو للواحد على فتحة فَعَلَا الذي هو للتثنية؟ فالجواب: أن الرفع بعد لدن في قول من قال: لَدُن غُدْوةٌ، إنما هو في الحقيقة فرع ههنا ودخيل على النصب، وإن كان في غير هذا الموضع متقدمًا في الرتبة للنصب والجر، وذلك أن قولنا: لَدُن غُدْوةٌ إنما هو ظرف وفضلة تتبع الجملة أبدًا، فهو من   1 هذه قراءة سبعية فقد قرأ ابن عامر "بالغدوة" في كل القرآن بالواو. السبعة "ص258". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 مواضع النصب، وليس للرفع في الفضلة حظ، فالنصب إذن أمكن في هذا الموضع من الرفع، فلذلك جاز أن يحمل الرفع هنا على النصب. وشيء آخر، وهو أن اسم الفاعل إذا اختلفت حركاته، فعمل في اسم ظاهر غير مضاف إلى مضمر، فعمله أبدًا في غالب الأمر للنصب، وذلك نحو: هذا رجل ضارب زيدا، وإن عمرًا قاتلٌ بكرًا، وكان محمدٌ شاتمًا خالدًا. فلدن إذن باسم الفاعل الناصب لما بعده أشبه منها باسم الفاعل الرافع لما بعده، نحو: هذا رجل قائم أبوه، وضربت رجلا قائمًا غلامُه. ألا ترى أن الأب والغلام مضافان إلى ضمير الأول، وغدوة ليست مضافة إلى ضمير ولا إلى غيره، فهي بالمنصوب، نحو: هذا ضارب بكرًا، ولقيت شاتمًا جعفرًا أشبه، فاعرف ذلك، فإني قد أوضحته، وما علمت أحدًا استقصى هذا الموضع هكذا. فإن سأل سائل، فقال: من أين جاز أن تفتح الدال في لَدَنْ، وإنما هي لَدُنْ نحو قوله تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] و {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] و {مِنْ لَدُنْهُ} [النساء: 40] وغير ذلك مما يطول ذكره حتى لما اختلفت حركات الدال قبل النون أشبهت التنوين، فنصب ما بعدها تشبيها بالمفعول؟ فالجواب: أن الفتحة في لَدَنْ إنما جاءت من قبل أنهم أسكنوا الدال في لَدُنْ استثقالا للضمة فيها كما يسكن نحو عضُد وسبُع، فيقال: عضْد1 وسبْع، فلما سكنت الدال، وكانت النون بعدها ساكنة التقى ساكنان. ففتحت الدال لالتقائهما، وشبهت من طريق اللفظ بنحو قولك في الأمر والنهي: اضربَنْ زيدًا، ولا تضربَنْ عمرًا. هكذا حصلت عن أبي علي وقت قراءة الكتاب عليه. ويزيد عندك في شبه نون لَدُنْ بتنوين اسم الفاعل، أن العرب قد حذفتها في بعض المواضع تخفيفًا، فقالت: من لَدُ الحائط، و: لَدُ الصلاة. وحذفوها أيضًا ولا ساكن بعدها.   1 عضد: ساعد. القاموس المحيط "1/ 314". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 أنشد سيبويه1: من لَدُ شَوْلا فإلى إتلائها2 فلما حذفت النون تارة، وثبتت أخرى، وضمت الدال تارة، وفتحت أخرى، قوي شبه النون بالتنوين الذي قد يحذف تارة، ويثبت أخرى، وتختلف الحركات التي قبله، وهذا واضح جلي. واعلم أن الشاعر له مع الضرورة أن يصرف ما لا ينصرف، وليس له ترك صرف ما ينصرف للضرورة. هذا مذهبنا، وذلك أن الصرف هو الأصل، فإذا اضطر الشاعر رجع إليه، وليس له أن يترك الأصل إلى الفرع. فأما ما رووه من قول الشاعر3: فما كان حِصْنٌ ولا حابسٌ ... يفوقانِ مِرْداسَ في مَجْمَعِ4 فإن أبا العباس رواه غير هذه الرواية، وهي قوله: ............ ... يفوقانِ شَيْخِيَ في مَجْمَعِ5 فرواية برواية، والقياس في ما بعد معنا. على أن أبا الحسن قد حكى عنهم "سلامُ عليكم" غير منون، والقول فيه: إن اللفظة كثرت في كلامهم، فحذف تنوينها تخفيفًا، كما قالوا: لم يكُ، ولم يُبَلْ، ولا أدرِ. واعلم أن النون قد حذفت من الأسماء عينًا في قولهم "مُذْ" وأصله مُنْذُ. ولو صغرت مذ اسم رجل لقلت: مُنَيْذ، فرددت النون المحذوفة ليصح لك وزن فُعَيْل. وحذفت أيضًا لامًا في ددن، فقالوا: دد- وهو اللهو واللعب- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لستُ من دَدٍ ولا دَدٌ مِنِّي".   1 البيت في العيني "2/ 51"، والخزانة "2/ 84"، والكتاب "1/ 134". 2 الشاهد فيه "من لدُ" حيث حذفت النون تشبيهًا لها بالتنوين. 3 البيت للعباس بن مرداس السلمي كما في الإنصاف "ص499"، والعيني "4/ 365". 4 الشاهد فيه "مرْداس" حيث لم يصرفها. 5 الشاهد فيه "شيخي" حيث رويت روايتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وقد قالوا أيضًا في هذا المعنى: دَدَا مقصورًا. واعتقبت النون وحرف العلة على هذه اللفظة لاما، كما اعتقبت الهاء والواو في سنة لاما، فقال قوم سَنَوات، ومُساناة1، وسُنَيّة، وأسْنَتُوا2. وقال آخرون3: ليستْ بسَنْهاء ..... ... ............ وسُنَيْهة، ومُسانهة. وكذلك أيضًا عضة، فمن قال: بعير عاضِةٌ4، وعِضاهة، وبعير عِضاهيّ، كانت اللام عنده هاء. ومن قال5: هذا طريق يأزِمُ المآزما ... وعِضَواتٌ تقطع اللَّهازِما6 فاللام عنده واو، ونظائره كثيرة. وقد حذفت النون من "إنّ" و"أنّ" تخفيفًا، وذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [القلم: 51] 7 و {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} [الفرقان: 42] 8 و {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] 9، وقول الشاعر10: شلت يمينك إن قتلتَ لَمُسْلِمًا ... وجبت عليك عقوبةُ المتعمِّدِ11 ف "إنْ" في هذا ونحوه مخففةٌ من الثقيلة.   1 مُساناة: عاملته مُساناة ومُسانَهة: أي الأجل إلى سنة. القاموس المحيط "4/ 286". 2 أسنتوا: أصابتهم الجدوبة. القاموس المحيط "4/ 345". 3 سبق تخريجه. 4 عاضه: هو كل شجر له شوك واحدته: العضه والعضاهه. القاموس المحيط "2/ 337". 5 سبق تخريجه. 6 سبق شرحه والتعليق عليه. 7 الشاهد "إنْ يكادُ" حيث حذفت النون تخفيفًا. 8 الشاهد "إنْ كاد" حيث خففت إن. 9 قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي "لمَا" خفيفة، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة "لمَّا" مشددة. السبعة "ص678". 10 البيت نسب إلى عاتكة بنت زيد بن عمرو في الخزانة "4/ 348"، والعيني "2/ 278". 11 الشاهد فيه "إنْ قتلت" حيث خففت "إن" من الثقيلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وكذلك قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] 1. وقول الشاعر2: زعم الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مَرْبَعًا ... أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مربعُ3 وسألت أبا علي عن قول الشاعر4: أنْ تقرآنِ على أسماءَ ويحكُما ... مني السلامُ وأنْ لا تُعْلِمَا أحدا5 فقلت له: لم رفع تقرآن؟ فقال: أراد "أن" الثقيلة، أي: أنكما تقرآن، هذا مذهب أصحابنا6. وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى في تفسير أن تقرآن، قال: "شبه أن بما"7 فلم يعملها في صلتها، وهذا مذهب البغداديين. وفي هذا بعد، وذلك أنَّ "أنْ" لا تقع إذا وصلت حالا أبدًا، إنما هي للمضي أو الاستقبال، نحو: سرني أن قام زيد ويسرني أن يقوم غدًا، ولا تقول: يسرني أن يقوم وهو في حال قيام، و"ما" إذا وصلت بالفعل فكانت مصدرًا فهي للحال أبدًا، نحو قولك: ما تقوم حَسَنٌ، أي: قيامك الذي أنت عليه حسن، فيبعد تشبيه واحدة منها بالأخرى، وكل واحدة منها لا تقع موقع صاحبتها. قال أبو علي: وأولى أن المخففة من الثقيلة الفعلَ بلا عوض ضرورة. وهذا على كل حال وإن كان فيه بعض الصنعة أسهل مما ارتكبه الكوفيون.   1 الشاهد "أَنْ سَيَكُونُ" حيث خففت إن وهي غير عاملة. 2 البيت لجرير وهو في ديوانه "ص916". مربع: لقب راوية جرير المسمى وعوعة. 3 الشاهد فيه "أنْ سيقتل" حيث خففت إن من الثقيلة. 4 البيت ذكره صاحب الخزانة "3/ 559" بدون نسب، وكذا الخصائص "1/ 390". 5 الشاهد فيه "أن تقرآن" حيث خففت إن من الثقيلة، وذلك هي غير عاملة والفعل بعدها مرفوع. 6 انظر ما سبق عند قول الشاعر: أن تهبطين بلاد قوم ... يرتعون من الطلاح 7 مجالس تعلب "ص322". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 فأما قوله عَزَّ اسْمُهُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] و {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [ق: 43] ونحو ذلك فأصله "إنّنا" ولكن حذفت إحدى النونين من "إنّ" تخفيفًا، وينبغي أن تكون الثانية منها لأنها طرف، فهي أضعف، وهي التي حذفت في قوله: .... إنْ قتلتَ لَمسلما ... ................ 1 وقد حذفت مع اللام تشبيها بالنون، فقالوا: لَعَلِّي، وأصله لَعَلَّنِي، وحذفوها مع ليتَ لأنها أخت لعلّ، ومن أبيات الكتاب2: كمُنْية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفُه وأفقدُ جُلَّ مالي3 وروينا عن قطرب لمُهلهِل: زعموا أنني ذَهَلتُ وليتي ... أستطيع الغداة عنها ذُهولا أي: ليتني. وإنما زيدت هذه النون في ضربني ويضربني ليسلم الفعل من الكسر، وتقع الكسرة على النون. وزادوها أيضًا مع "إنّ" وأخواتها لمشابهتهن الفعل. وزادوها أيضًا في نحو مني وعني لأنهما لما سكن آخرهما أشبهتا الفعل. وعلى هذا قالوا: قطني، وقد قالوا قِطي أيضًا. وقَدْني وقَدِي.   1 سبق تخريجه. 2 البيت لزيد الخيل كما في الكتاب "2/ 370"، والعيني "1/ 346". 3 المنية: ما يتمناه الإنسان. القاموس المحيط "4/ 392". جابر: رجل من غطفان تمنى أن يلقى زيدًا، فلما التقيا طعنه زيد برمح، فانكسر ظهره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 باب الهاء إبدال الهاء إبدال الهاء من الهمزة ... حرف الهاء: إبدال الهاء من الهمزة: الهاء حرف مهموس يكون أصلا وبدلا وزائدا. فإذا كان أصلا وقع فاءً وعينًا ولامًا، فالفاء نحو هند وهدم. والعين نحو عهد وشهد. واللام نحو شِبْه وبَدَهَ. وإذا كانت بدلا فمن خمسة أحرف، وهي: الهمزة، والألف، والياء، والواو، والتاء. قد أبدلت الهاء من الهمزة على ضربين: أحدهما أصل، والآخر: زائد. فالأصل نحو قولهم في "إيّاك": "هِيّاك" أنشد أبو الحسن1: فهِيّاك والأمر الذي إن توسعت ... موارده ضاقت عليك مصادره2 وروينا عن قطرب أن بعضهم يقول "أيّاك" بفتح الهمزة، ثم يبدل الهاء منها وهي مفتوحة أيضًا، فيقول "هَيّاك" قال: وطيّئ تقول: "هِنْ فَعَلَ فَعلتُ" يريدون "إنْ" قال: وقال الراجز3: هَيّاك أن تُمْنَى بِشَعْشَعانِ ... خَبِّ الفؤادِ مائل اليدانِ4   1 البيت لطفيل الغنوي، وهو في ديوانه "ص102"، وفيه أنه يروى لمضرس بن ربعي. 2 هَيّاك: أي أيّاك بفتح الهمزة وقلبها هاء. توسعت: أصبحت واسعة. موارده: المنهل والمصدر. "م" مورد. لسان العرب "3/ 456". ضاقت: ضم بعضها إلى بعض. مصادره: "م" مصدر وهو ما يصدر عنه الشيء. مادة "ص د ر". اللسان "4/ 449". 3 البيتان في الإفصاح "ص377" بتقديم الثاني على الأول. 4 تُمنى: تُبتلَى. القاموس المحيط "4/ 392". شَعْشَعانِ: من خف لحمه وطال عنقه. خب: خبَّ خبًّا خدع وغش فهو خب. القاموس المحيط "1/ 59". والبيت فيه تحذير من تلك التي خف لحمها وطال عنقها وأثم قلبها واعتادت على الغش والخداع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وقال آخر1: يا خالِ هلا قلتَ إذا أعطيتَني: ... هَيّاك هَيّاك وحَنْوَاء العنقْ2 وقالوا: "لَهِنَّكَ قائمٌ" والأصل "لَإِنَّكَ" فأبدلوا الهاء من همزة "إنّ". قال الشاعر3: ألا يا سنا برق قلل الحمى ... لَهِنَّكَ من برق عليّ كريمُ4 وقرأ بعضهم: {طَهْ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] 5   1 البيت في القلب والإبدال "ص25". 2 الحنواء من الغنم والإبل: التي تلوي عنقها لغير علة، وقد يكون ذلك من علة. هياك: روي بكسر الهاء. يا خال: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه الالتماس. هياك هياك: فيها قلب للهمزة فأصبحت هاء وأصلها "إياك- إياك" وهي أسلوب تحذير. حنواء العنق: انحنى- يحنو- أحنى أي أحدب، وهي حنواء "ج" حنو، والمقصود أنها تحني رأسها إما بسبب وإما من غير سبب. 3 سبق تخريجه. 4 لهنك: المقصود لإنك. حيث قلبت الهمزة هاء. سنا: ضوء البرق. القاموس المحيط "4/ 344". برق: برق برقًا وبريقًا لمع وتلألأ. قلل: "م" قلة وقلة كل شيء قمته وأعلاه. القاموس المحيط "4/ 40". الحمى: الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى. القاموس المحيط "4/ 320". 5 هذه قراءة جماعة منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش في اختياره كما في البحر المحيط "6/ 224". وقوله تعالى: "طه" تلفظ طا. ها. وقوله تعالى "لتشقى": أي لتتعب بالإفراط في مكابدة الشدائد والتأسف والحزن على عدم إيمان قومك. وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما أنزل عليه الوحي يقوم على صدور قدميه إذا صلى فأنزل الله تعالى الآية. وأخرج عبد الله بن حميد في تفسيره عن الربيع عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزل قوله تعالى. وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه فنزل قوله تعالى. تفسير وبيان أسباب النزول للسيوطي "ص332-333". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 بتسكين الهاء، وقالوا: أراد "طَأِ الأرضَ بقدمَيكَ جميعًا" لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع إحدى رجليه في صلاته، فالهاء على هذا بدل من همزة "طأ". وقال بعضهم في قولهم "هات يا رجل": إن الهاء بدل من همزة "آتى يؤاتي"1، وقال2: لله ما يعطي وما يهاتي أي: وما يأخذ. وقرأت على أبي عليّ قال: قال الأصمعي: يقال للصَّبا3: هَيْر وهِير، وأَيْر وإير، وذكر ابن السكيت هذه اللفظة في باب الإبدال4، ولم يقل أيهما الأصل وأيهما الفرع. والقول في ذلك عندي أن يقضى بكونهما أصلين غير مبدل أحدهما من الآخر حتى تقوم الدلالة على القلب. وقرأت5 على أبي علي أيضًا: فانصرفتْ وهي حصانٌ مُغْضَبَهْ ... ورفعتْ بصوتها: هَيا أَبَهْ6 قال ابن السكيت: "يريد: أَيَا أَبَهْ"7 ثم أبدل الهمزة هاء. وهذا أشبه من الأول، لأن "أيا" في النداء أكثر من "هيا". وقالوا: "هَما والله لقد كان كذا" أي: أَما والله.   1 جاء في شرح الملوكي "ص307" "من همزة آت لقولهم آتى يؤاتي". 2 البيت في شرح الملوكي "ص307" وشرح المفصل "4/ 30". 3 للصبا: في المثلث لابن السيد "1/ 326" أن هذا يقال لريح الشمال. 4 الإبدال: كتاب الإبدال "ص88" وفيه قول الأصمعي أيضًا. 5 قرأ هذا في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص88". 6 البيتان في كتاب فصل المقال في شرح الأمثال "ص217" وبعدهما ثالث وهو: كل فتاة بأبيها معجبة. والبيت الثالث مثل، وقد ذكر أن بعضهم برواية للأغلب العجلي في شعر له. وبعضهم قال: هذا المثل لامرأة من بني سعد يقال لها العجفاء بنت علقمة ونص الشارح على أن المشهور فيه أنه للأغلب العجلي، قد نسبت الأبيات للعجفاء أيضًا في مجمع الأمثال "2/ 134". وهي بغير نسبة في إبدال ابن السكيت "ص88". 7 الإبدال "ص88". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وأما إبدال الهاء من الهمزة الزائدة فقولهم في "أرقْتُ": "هرقْتُ"، وفي "أنرْتُ الثوب": "هنرْتُه"1 وفي "أرحْتُ الدابةَ": "هرحتُها". قرأت ذلك على أبي علي في كتاب ابن السكيت2، وأخبرنا به أيضًا بإسناده عن قطرب. وعنه أيضًا قال: يقولون3: "هَزيْدٌ منطلقٌ"؟ أي: "أزيد منطلقٌ"؟ وأنشد أبو الحسن4: وأتى صواحبُها فقلنَ: هَذا الذي ... مَنَحَ المودةَ غيرَنا وجفانا؟ 5 قال: يريد: أَذا الذي؟ وحكى اللحياتي: "هَرَدْتُ الشيءَ أُهْرِيدُه" أي: أَرَدْتُه.   1 هنرته: أنرت الثوب: جعلت له علمًا. 2 الإبدال: "ص89". 3 الممتع "ص399". 4 أبو الحسن: جاء في اللسان "ذا" "20/ 337"، والتاج "10/ 434" أن اللحياني أنشده على الكسائي لجميل، وقال البغدادي في شرح شواهد الشافعية "ص477": "وقائله مجهول" ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي فإن في غالب شعره أن النساء يتعشقنه وهو بغير نسبة في الصحاح "ص2559"، والممتع "ص400"، وأثبته جامع ديوان جميل في "ص218" نقلا عن رسالة الملائكة وهو غير منسوب فيها. 5 أتى: جاء. صواحبها: صحب: رافق- والصاحب: المرافق والصديق "م" صاحبة. هذا الذي: أذا الذي: أبدلت الهمزة هاء، والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التعجب. منح: أعطى، ومنح الشيء منحًا أي أعطاه إياه. المودة: المحبة. جفانا: جفا الشيءُ: نبا وبعد. والبيت فيه استنكار لهذا الذي يعشقه النساء وهو يمنح بعضهن المودة ويجفو بعضهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 إبدال الهاء من الألف : قال الراجز1: قد وردتْ من أمْكِنَهْ ... من ههنا ومن هُنَهْ إنْ لَم أُرَوِّها فَمَهْ2 أي: ومن هُنا. وأما قوله "فَمَهْ" فيحتمل أن يكون أراد "فَمَا" أي: فما أصنع؟ أو: فما قدرتي؟ ونحو ذلك. ويجوز أن يكون قوله "فَمَهْ" زجرًا منه، أي: فاكففْ عني، فلست أهلا للعتاب، أو: فَمَهْ يا إنسان، يخاطب نفسه ويزجرها. وقد ذكرت هذين الوجهين فيما تقدم من هذا الكتاب. فأما قولهم في الوقف على "أنَ فَعلتُ": "أنا" و"أَنَهْ" فالوجه أن تكون الهاء في "أَنَهْ" بدلا من الألف في "أنا" لأن الأكثر في الاستعمال إنما هو "أنا" بالألف، والهاء قليلة جدًّا فهي بدل من الألف. ويجوز أن تكون الهاء أيضًا في "أَنَهْ" ألحقت لبيان الحركة، كما ألحقت الألف، ولا تكون بدلا منها بل قائمة بنفسها كالتي في قوله تعالى: {كِتَابِيَهْ} 3 [الحاقة: 25] و {حِسَابِيَهْ} 4 [الحاقة: 20] و {سُلْطَانِيَهْ} 5 [الحاقة: 29] و {مَالِيَهْ} 6 [الحاقة: 28] و {مَا هِيَهْ} 7 [القارعة: 10] و {لَمْ يَتَسَنَّهْ} 8 [البقرة: 259] فيمن أخذه من "سنوات" و"مساناة"9 و"أسنَتُوا"10.   1 سبق تخريجه. 2 الشاهد فيه قوله "هُنَهْ" ولعله يقصد هنا، أما الهاء في "فَمَهْ" فهي ألف أيضًا ولعله يقصد فما والتقدير فما أدري ماذا أصنع. 3 كتابيه: الهاء ألحقت لبيان الحركة، والأصل كتابي. 4 حسابيه: ألحقت الهاء لبيان الحركة. والأصل حسابي. 5 سلطانيه: أي حجتي. 6 ماليه: ألحقت الهاء لبيان الحركة. والأصل مالي. 7 ماهيه: "ما هي" الهاء للتنبيه، تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي "ص600". 8 ولم يتسنه: سنه الطعام أو الشراب سنهًا: أي تغير وتعفن. لسان العرب "13/ 502". 9 مساناة: سانه فلانًا أي عامله بالسنة، ويقال استأجره مسانهة. القاموس "4/ 345". 10 أسنتوا: السنة: الجدب والقحط والتغير. القاموس المحيط "4/ 345". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 إبدال الهاء من الياء : قولهم في "هذي هند": "هذه"، فالهاء في "هذه" بدل من ياء "هذي". الدلالة على ذلك دون أن تكون الياء في "هذي" بدلا من الهاء في "هذه" قولهم في تحقير "ذا": "ذيّا" و"ذي" إنما هي تأنيث "ذا" ومن لفظه، فكما لا تجد للهاء في المذكر أصلا فكذلك هي أيضًا في المؤنث بدلٌ غيرُ أصل، وليست الهاء في قولنا "هذه" وإن استفيد منها التأنيث بمنزلة هاء "طلحة، وحمزة، وجوزة، وبيضة" لأن الهاء في نحو "حمزة وبيضة" زائدة، والهاء في "هذه" ليست بزائدة، إنما هي بدل من الياء التي هي عين الفعل "في هذي". وأيضًا فإن الهاء في نحو: "طلحة، وجوزة" تجدها في الوصل تاء، نحو: "طلحتان" و"جوزتكم"، والهاء في "هذه" ثابتة في الوصل ثباتها في الوقف. فإن قال القائل: فإذا كانت الهاء في هذه إنما هي بدل من الياء في "هذي" فما الذي دعاهم إلى تحريكها وكسرها في الوصل في قولهم" هذه هند" وهلا تُركت ساكنة إذا كانت في اسم غير متمكن، وهي مع ذلك بعد حركة؟ فالجواب: أن الكسرة إنما أتتها من قبل أنها هاء في اسم غير متمكن، فشبهت بهاء الإضمار في نحو قولك: "مررت بِه" و"نظرت إلى غلامِهِ" ومن العرب أيضًا من يسكنها في الوصل، ويجريها على أصل القياس، فيقول: "هذه هند" و"نظرت إلى هذه يا فتى"، فإذا لقيها ساكن بعدها لم يكن بد من كسرها، وذلك قولك "هذه المرأة عاقلة". فإن قلت: فالكسرة في هاء "هذه المرأة عاقلة" هل هي لالتقاء الساكنين أو هي الكسرة في لغة من قال "هذهِ هند" فكسر؟ فالجواب: أن القياس أن تكون الكسرة في الهاء في قولك "ضربت هذه المرأة" هي حركة الهاء في قولك "هذه هند" لا حركة التقاء ساكنين، وأن يكون من يقول: "هذهْ هند" فيسكن الهاء إذا احتاج إلى حركتها وافق الذين يقولون: "هذهِ دعد" فيكسرون الهاء، يدل على ذلك أن من قال: "همْ قاموا" فأسكن الميم من "هم" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 متى احتاج إلى حركتها رد إليها الضمة التي في لغة من يقول: "هم قاموا" وعلى ذلك قراءة أبي عمرو وغيره {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ} [المنافقون: 7] 1 و {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] 2. ألا تراه يقرأ {وَهُمْ بَدَأُوكُمْ} [التوبة: 13] 3 و {أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 39} وغير ذلك مسكن الميم. وكذلك من قال "مُذْ" فحذف النون من "منذ" وأزال الضمة عن الذال لزوال النون الساكنة من قبلها، إذا احتاج إلى حركة الذال ردها إلى الضم، فقال: "مُذُ اليومِ" و"مُذُ الليلةِ". وعلى هذا قولهم: "عَلْقاة"4، فالألف في "علقاة" ليست للتأنيث، لمجيء هاء التأنيث بعدها، وإنما هي للإلحاق ببناء "جعفر" و"سلهب"5 فإذا حذفوا الهاء من "علقاة" قالوا "علقَى" غير منون، قال العجاج6: فَكَرَّ في علقَى وفي مُكُورِ7   "هم الذين يقولون": أي يقول المنافقون لأهل المدينة لا تنفقوا على فقراء المهاجرين. انظر/ تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي "ص555". وقوله عز وجل: "يقولون" بصيغة المضارع فيها استمرارية من قبل المنافقين على قولهم. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وقوله تعالى "هم" ضمير غائب للتحقير من شأنهم وكشف أمرهم ومخططهم وتدبيرهم ضد المسلمين. 2 "إنهم هم الفائزون": الفائزون "م" فائز، وفاز فلان بالخير فوزًا ومفازًا ومفازة: أي ظفر به والجملة إنشائية في صورة توكيد. 3 {وَهُمْ بَدَأُوكُمْ} أي: وهم بدءوكم بالإيذاء بمكة وتعذيب كل من أسلم. انظر/ تفسير وبيان مع أسباب النزول لسيوطي "ص188". 4 "علقاة": "م" العلقى وهو: شجر تدوم خضرته في القيظ: القاموس "3/ 267". 5 السلهب: الطويل من الناس والخيل. القاموس المحيط "1 / 83". 6 البيت للعجاج كما في لسان العرب "5/ 184"، ولكن كالآتي: يستن في علقى وفي مكور 7 كر: كرَّ، كرُورًا أي رجع، وكر على العدو حمل عليه، والكر خلاف الفر. علقى: شجر تدوم خضرته في القيظ. مكور: "م" مكر، نبتة غبراء. القاموس المحيط "2/ 136". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 غير منوِّنٍ "علقى" فليست الألف في "علقى" إذن للإلحاق، لأنها لو كانت للإلحاق لنونت كما نونت "أرطى"1، وإنما هي للتأنيث، وهي في "علقاة" للإلحاق، أفلا ترى أن من ألحق الهاء في "علقاة" اعتقد فيها أن الألف للإلحاق ولغير التأنيث، فإذا نزع الهاء صار إلى لغة من اعتقد أن الألف للتأنيث، فلم ينونها كما لم ينونها، ووافقهم بعد نزعه الهاء من "علقاة" على ما يذهبون إليه من أن ألف "علقى" للتأنيث، فكذلك أيضًا من قال: "هذهْ دعدٌ" فسكن الهاء، إذا صار إلى موضع يحتاج فيه إلى حركة الهاء لئلا يجتمع ساكنان عاد إلى لغة من يقول: "هذهِ دعد"، فكسر الهاء، ولم يجعلها في قوله: "هذِهِ المرأةُ" حركة التقاء الساكنين، كما أن من قال: "هُمْ قاموا" فسكَّن الميم إذا احتاج إلى تحريكها راجَعَ لغة من ضمها في "هُمُ" فقال: {هُمُ الذين يقولون} [المنافقون: 7] . فإن قلت: فقد أنشد قطرب2: ألا إن أصحابَ الكنيفِ وجدتُهمْ ... هُمِ الناسُ لما أخصبُوا وتموَّلوا3 وقد أنشد الكوفيون: فهم بطانَتُهم وهُمْ وزراؤهُمْ ... وهُمِ القضاةُ ومنهُمِ الحكامُ4 ورويته عن الفراء: "ومنهُمِ الحجابُ".   1 أرطى: ثمره كالعناب مرة تأكلها الإبل غضة وعروقه حمر. القاموس المحيط "2/ 349". 2 البيت وجدناه مطلع قصيدة لعروة بن الورد، وجاء في ديوانه "ص119"، ولم يذكره صاحب اللسان، وجاء في شرح المفصل "3/ 131". ولا شاهد فيه على هذه الرواية. 3 المنيف: الساتر، أو حظيرة من خشب أو شجر تتخذ للإبل والغنم تقيها الريح والبرد. أخصبوا: من الخِصب بالكسر وهو كثرة العشب، ورفاهة العيش. القاموس "1/ 62". تمولوا: ازداد مالهم ونما. القاموس المحيط "4/ 52". 4 بطانتهم: صفي الرجل يكشف له عن أسراره "ج" بطائن. القاموس "4/ 202". والبيت أسلوبه خبري تقريري غرضه المدح. والشاهد فيه كسر "ميم" هُمِ، وعدم ضمها. والبيت لم يذكره صاحب اللسان، وجاء في شرح المفصل "3/ 132". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وحكى الفراء هذه اللغة، وأنه سمعها من بعض بني سليم، وحكى أن العرب جميعًا تضم هذه الميم نحو {هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12] 1 و {هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] 2. وحكى اللحياني3 "مُذِ اليومِ" و"مُذِ الليلةِ" بكسر الذال. فالجواب: أن هذه اللغة، أعني "هُمِ القضاة" و"منهُمِ الحجاب" من القلة ومخالفة الجمهور على ما حكيناه عن الفراء، وما كانت هذه صفته وجب أن يلغى ويطرح ولا يقاس عليه غيره. وأما حكاية اللحياني فكذلك أيضًا، وتكون كغيرها مما دفعه أصحابنا وعجبوا منه. ووجه جواز ذلك -عندي- على ضعفه أنه شبه ميم "هم" وذال "مذ" بدال "قد" ولام "هل"، فكسرهما حين احتاج إلى حركتها كما يكسرهما ونحوهما إذا احتاج إلى ذلك نحو "قد انقطع" و"هل انطلق زيد"، وإن كان الذي قال: "هذه دعد" فسكن الميم هو الذي قال: "مذ اليوم" و"هم القضاة" فغير منكر أن تكون كسرة الهاء من "هذه ابنتك" و"هذه امرأتك" و"ضربت هذه المرأة" على لغته لالتقاء الساكنين، فليس ذلك بأشد من "هم القضاة" و"مذ اليوم" فاعرف ذلك. ومن إبدال الهاء من الياء قولهم في تصغير "هنة": "هنية" وأصلها الأول "هنيوة" لأن لام الفعل في تصريف هذه الكلمة واو لقولهم: ..................................... ... على هنوات شأنها متتابع وإبدالهم أيضًا التاء في "هنت" من الواو دون الياء، وقد تقدمت الدلالة على ذلك، فلما اجتمع في "هنيوة" الياء والواو، وسبقت الأولى بالسكون قبلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار "هنية"، وهو الدائر المستعمل في أيدي الناس.   1 "هم المفسدون": الشاهد فيه ضم ميم "هم". 2 إعرابها: هم: ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. المفسدون: خبر. 2 "هم الفائزون": الشاهد فيه ضم ميم "هم". 3 ذكر قول اللحياني كذلك في شرح المفصل "3/ 132". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فأما قول بعضهم: "هُنَيْهة" فإنما الهاء في "هُنَيْهة" بدل من الياء في "هُنَيّة"، والياء في "هُنَيّة" بدل من الواو في "هُنَيْوة". فأما قولهم في هاء "زنادقة" و"فرزانة"1 إنها بدل من الياء في "زناديق" و"فرازين" فليسوا يريدون بذلك البدل على حد إبدالهم الألف في "قام" و"باع" عن الواو والياء، وإنما يعنون أن الهاء لما طال الكلام بها صارت كالعوض من الياء، كما صار طول الكلام بين الفعل والفاعل في نحو "حضرَ القاضِيَ اليومَ امرأةٌ" عوضًا من تاء التأنيث في "حَضرتْ". وهذا باب واسع إلا أنه ليس مما قدمناه. ونحو من هذا قولهم في الهاء من "عِدة" و"زِنة" و"شِية" إنها صارت عوضًا من الواو التي هي فاء الفعل في "وَعَدْتُ" و"وَزَنْتُ" و"وَشَيْتُ" فافهم ذلك. إبدال الهاء من الواو: قد أبدلوها في حرف واحد، وهو قول امرئ القيس2: وقد رابني قولهم: ياهنا ... هُ ويحك ألحقتَ شرًّا بشرٍّ فالهاء الآخرة في "هناة" بدل من الواو في "هَنُوك" و"هَنَوات" -وقد دللنا على ذلك في أول الكتاب- وكان أصله "هَناو" فأبدلت الواو هاء، فقالوا: "هَناه". هكذا قال أصحابنا4. ولو قال قائل: إن الهاء في "هَناه" إنما هي بدل من الألف المنقلبة من الواو الواقعة بعد ألف "هَناه" إذ أصله "هَناو" ثم صار "هناا" كما أن أصل "عطاءٍ" "عطاوٌ"، ثم صار بعد القلب "عطاا"-وقد دللنا على ذلك في أول الكتاب- فلما صار "هَناا" والتقت ألفان كُرِهَ اجتماع الساكنين، فقلبت الألف   1 الفرزانه: جمع فرزان، وهو الشطرنج معرب. القاموس المحيط "4/ 255". 2 سبق تخريجه. 3 رابني: الريب: الظن والشك والتهمة. القاموس المحيط "1/ 77". ألحقتَ: أي أتبعتَ. والمقصود أنك أتبعت شرًّا بشرٍّ. والشاهد فيه إبدال الهاء من الواو في قوله "هناه". والبيت لم يذكره صاحب اللسان، وجاء في ديوان امرئ القيس كما سبق ذكر ذلك. 4 يعني البصريين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الآخرة هاء، فقالوا: "هناه" كما أبدل الجميع من ألف "عطاا" الثانية همزة لئلا يجتمع ساكنان، لكان قولا قويًّا، ولكان أيضًا أشبه من أن يكون قلبت الواو في أول أحوالها هاء من وجهين: أحدهما: أن من شريطة قلب الواو ألفا أن تقع طرفًا بعد ألف زائدة، وقد وقعت هنا كذلك. والآخر: أن الهاء إلى الألف أقرب منها إلى الواو، بل هما في الطرفين، ألا ترى أن أبا الحسن ذهب إلى أن الهاء مع الألف من موضع واحد لقرب ما بينهما، فقلبُ الألف إذن هاء أقرب من قلب الواو هاء. وكتب إليَّ أبو علي من حلب في جواب شيء سألته عنه، فقال: وقد ذهب أحد علمائنا إلى أن الهاء من "هناه" إنما لحقت في الوقف لخفاء الألف، كما تلحق بعد ألف الندبة في نحو "وازيداه" و"وابكراه" ثم إنها شبِّهت بالهاء الأصلية، فحركت، فقالوا: "يا هناهُ". ولم يسمِّ أبو علي هذا العالم من هو، فلما انحدرت إليه إلى مدينة السلام، وقرأت عليه نوادر أبي زيد، نظرت فإذا أبو زيد هو صاحب هذا القول. وهذا من أبي زيد غير مرضٍ عند الجماعة، وذلك أن الهاء التي تلحق لبيان الحركات وحروف اللين إنما تلحق في الوقف، فإذا صرت إلى الوصل حذفتها البته1، فلم توجد فيه ساكنة ولا متحركة، وقد استقصيت هذا الفصل في كتابي في شرح شعر المتنبي عند قوله: واحر قلباه ممن قلبه شبم ... .............................. 2 ودللت هناك على ضعف قول أبي زيد وبيت المتنبي جميعًا في هذا.   1 يقال: لا أفعله بتة، ولا أفعله ألبتة، أي قطعًا لا رجعة فيه. 2 البيت من ديوان المتنبي "3/ 362" ولم يذكره صاحب اللسان، هو مطلع قصيدة يمدح فيه سيف الدولة الحمداني وكان أبو فراس الحمداني حاضرًا أثناء إلقاء المتنبي لقصيدته التي يمدح فيها ابن عمه وقاطعه أكثر من مرة فذمه المتنبي بقوله: أعيذها نظرات منك شاخصة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وقال لسيف الدولة في قصيدته أيضًا: يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 إبدال الهاء من التاء : وذلك في التأنيث نحو قولك في "جَوْزَةٍ" في الوصل: "جَوْزَهْ" في الوقف، وفي "حَمْزَةٍ": "حَمْزَهْ"، وقد ذكرنا قديما قول من أجرى الوصل مجرى الوقف، فقال: "ثلاثَهَرْبَعَهْ" وقول من أجرى الوقف مجرى الوصل، فقال: بلْ جَوْزِ تَيْهَاءَ كظهْرِ الحَجَفَتْ1 وقول الآخر: الله أنجاك بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ وحكى قطرب2 عن طيئ أنهم يقولون: "كيف البنون والبناهْ، وكيف الإخوةُ والأخواهْ" قال: وذلك شاذ. فأما "التابوه" فلغة في "التابوت". ووقف بعضهم3 على "اللات" بالهاء، فقال: "اللاهْ". زيادة الهاء أما أبو العباس4 فكان يخرج الهاءَ من حروف الزيادة، ويذهب إلى أنها إنما تلحق للوقف في نحو: "اخْشَهْ" و"ارْمِهْ" و"هُنَّهْ" و"لكنَّهْ" وتأتي بعد تمام الكلمة. وهذا مخالفة منه للجماعة، وغير مرضٍ عندنا، وذلك أن الدلالة قد قامت على صحة زيادة الهاء في غير ما ذكره أبو العباس، فمما زيدت فيه الهاء قولهم: "أُمَّهات" وزنه "فُعْلَهات" والهاء زائدة لأنه بمعنى الأم، والواحدة "أُمَّهة"، قال:   1 البيت ذكره صاحب اللسان "9/ 39"، ونسبه إلى سؤر الذئب وهو من أبيات قصيدة منها: ما بال عين كراها قد جفت وشفها من حزنها ما كلفت كأن عوارًا بها أو طرفت 2 ذكر صاحب الممتع ذلك ص524. 3 ذكر الأخفش ذلك في معاني القرآن ص "11-12"9. 4 يقصد بقوله أبي العباس المبرد، وقد ذكر ابن جني ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 أمهتي خندفُ والياسُ أبي1 أي: أمي. وقولهم: "أمٌّ بينةُ الأمومةِ" قد صح لنا منه أن الهمزة فيه فاء الفعل، والميم الأولى عين الفعل، والميم الآخرة لام الفعل، ف "أمّ" بمنزلة "دُرّ" و"حَبّ" و"جُلّ" مما جاء على "فُعْلٍ" وعينه ولامه من موضع واحد. وأجاز أبو بكر في قول من قال: "أُمَّهة" في الواحد أن تكون الهاء أصلية، وتكون "فُعَّلة"، فهي في هذا القول الذي أجازه أبو بكر بمنزلة "تُرَّهة"2 و"أُبَّهة" و"عُلَّفة"3 و"قُبَّرة"4. ويقوي هذا القولَ قولُ صاحب كتاب العين "تأمَّهْتُ أُمًّا"، فـ "تأمَّهْتُ"5 بين أنه "تَفَعَّلْتُ" بمنزلة "تَفَوَّهتُ" و"تَنَبَّهتُ"، إلا أن قولهم في المصدر الذي هو الأصل "أمومة" يقوي زيادة الهاء في "أُمَّهَة" وأن وزنها "فُعْلَهَة". ويزيد في قوة ذلك أيضًا قوله: إذا الأمهات قَبَحْنَ الوجوهَ ... فَرَجْتَ الظلامَ بأُمَّاتِكا6   1 أمهتي: أي أمهة مضاف إليها ياء المتكلم "ج" أمهات. خندف: يقال أنها أم مدركة وكانت زوجة إلياس. إلياس: هو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو أمامة. والبيت خبري غرضه الفخر والاعتزاز بالنسب. والشاهد فيه قوله "أمهتي". 2 تُرَهه: باطل، والنزهة أيضًا القول الخالي من نفع "ج" ترهات. القاموس المحيط "4/ 282". 3 عُلّفة: "م" العلف، وهو شجر يمني ورقه كورق العنب. القاموس المحيط "3/ 178". 4 قُبَّرَة: طائر يشبه الحمرة -والحمرة نوع من العصافير-. القاموس المحيط "2/ 113". 5 تأمَّهت: أي أصبحت أُمًّا. 6 البيت ذكره صاحب اللسان "12/ 30" مادة/ أمم. البيت خبري غرضه الذم في الشطر الأول، والمدح في الشطر الثاني، حيث يقرر الشاعر أن الأمهات إذا جلبت الخزي والعار وقبحَتْ بفجورِهن وجوهَ أبنائهن فإن الظلام قد انكشف بضياء أماتكا: وهو كناية عن طهارة عرض أماتكا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وقرأت على أبي سهل أحمد بن محمد القطان، وأنشدَناه عن أبي العباس محمد بن يزيد1: قَوّالِ معروفٍ وفَعّالِهِ ... عقّارِ مثنى أمهات الرِّباعْ2 فهذا فيمن أثبت الهاء في غير الآدميين، وقال الآخر3: لقد وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سوءٍ ... مُقَلَّدَة من الأمّاتِ عارا فجاء به بلا هاء فيمن يعقل. وقال الراعي4: كانت نجائبَ مُنذِرٍ ومحرِّقٍ ... أُمّاتُهُنَّ وطرْقُهُنَّ فَحِيلا5 فجاء به بغير هاء، إلا أنه في غالب الأمر فيمن يعقل بالهاء، وفيما لا يعقل بغير هاء، زادوا الهاء فرقا بين من يعقل وما لا يعقل.   1 البيت للسفاح بن بكير اليربوعي من مفضلية له يرثي فيها يحيى بن شداد. وجاء في شرح المفضليات أن أبا عبيدة قال: هي لرجل من بني قريع يرثي يحيى بن مسيرة صاحب مصعب بن الزبير وكان وفيًّا له حتى قتل معه. شرح اختيارات المفضل "ص1363" "المفضلية: 92". 2 الرباع: جمع رُبع وهو ما نتج في الربيع. لسان العرب "8/ 105" مادة/ ربع. 3 البيت لجرير وهو في ديوانه "ص283". وعجزه في الديوان: على باب استها صُلب وشام ولا شاهد فيه حينئذ. وفي معاني الفراء "2/ 308": على قِمع استها صلب وشام. وروى في اللسان "أمم" "12/ 29" كرواية ابن جني. القِمع: ما يوضع في فم السقاه ونحوه ثم يصب فيه الماء والشراب، استعاره لفرجة الاست. الصلب: جمع صليب. الشام: واحدتها شامة وهي علامة تخالف البدن. 4 البيت في شعره "ص127". 5 منذر: هو أبو النعمان المنذر. محرق: هو امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر، وهو أول من عاقب بالنار. النجائب: الإبل الكريمة واحدتها نجيبة. القاموس المحيط "1/ 130". الطرق: الضرب. القاموس المحيط "3/ 256". الفحيل: الكريم. القاموس "4/ 28". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 فإن قال قائل: ما الفرق بينك وبين من عكس عليك الأمر، فقال: ما تنكر أن تكون الهاء إنما حذفت في غالب الأمر مما لا يعقل، وأثبتت فيمن يعقل وهي أصل فيه للفرق؟ فالجواب: أن الهاء أحد الحروف العشرة التي تسمى حروف الزيادة لا حروف النقص، وإنما سميت حروف الزيادة لأن زيادتها في الكلام هو الباب المعروف، وأما الحذف فإنما جاء في بعضها، وقليل ما ذلك. ألا ترى إلى كثرة زيادة الواو والياء في الكلام وأن ذلك أضعاف حذفها إذا كانتا أصلين نحو "يَدٍ" و"دَمٍ" و"غَدٍ" و"أبٍ" و"أخٍ" و"هَنٍ" فهذه ونحوها أسماء يسيرة محدودة محتقرة في جنب الأسماء المزيد فيها الياء والواو نحو "يِرْمِعٍ"1 و"يَعْمَلةٍ"2 و"يُسْرُوعٍ"3 و"يَلْمَعٍ"4 و"يَعْضِيدٍ"5 و"خَيْفَقٍ"6 و"صَيْرَفٍ"7 و"هَيْدَبٍ"8 و"حَوْقَلٍ"9 و"جَوْهَرٍ" و"جَدْوَلٍ" و"خَرْوَعٍ" 10 و"عِثْيَرٍ"11 و"حِثْيَلٍ"12 و"حِذْيَمٍ"13 و"سَعِيدٍ" و"قَضِيبٍ" و"عَجُوزٍ" و"عَمْودٍ" و"دَهْلِيزٍ" و"جُرْمُوقٍ"14 و"كِنْثَأْوٍ"15 و"قِنْدَأْوٍ"16 و"عَضْرَفُوطٍ"17 و"عَنْدَلِيبٍ" و"خَرْبَصِيصٍ"18   1 يرمع: اليرمع: الخذروف، يلعب به الصبيان. القاموس المحيط "3/ 32". 2 يعملة: ناقة يعملة: نجيبة. القاموس المحيط "3/ 21". 3 يُسْرُوع: والجمع أساريع، دود حمر الرؤوس بيض الأجسام. القاموس المحيط "3/ 37". 4 يلمع: اليلمع: البرق الخلَّب. القاموس المحيط "3/ 82". 5 يعضيد: اليعضيد: بقلة برية تشبه الهندباء البرية تنبت في الأرض الرملية. 6 خفيق: فلاة خفيق واسعة يخفق فيها السراب. القاموس المحيط "3/ 227". 7 صيرف: الصيرف: صراف الدراهم. 8 هيدب: السحاب المتدلي. 9 الحوقل: الذكر. القاموس "3/ 359". 10 الخروع: كل نبت ضعيف ينثني. 11 العثير: التراب. القاموس "2/ 85". 12 حثيل: رجل حثيل: قصير. 13 الحذيم: الحاذق. القاموس المحيط "4/ 93". 14 جرموق: الخف القصير يلبس فوق خف. القاموس المحيط "3/ 317". 15 الكنثأو: الوافر اللحية. 16 القندأو: حال الرجل حسنة أو قبيحة. 17 العضرفوط: ذكر العظاء. 18 الخربصيص: القرط، والجمل الصغير السن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 و "جَلْفَزِيزٍ"1 و"عَنْتَرِيسٍ"2 ونحو ذلك مما لا يحصى كثرة. وكذلك الهاء أيضًا إنما حذفت في نحو "شَفة" و"اسْتٍ" و"عِضة" فيمن قال "عَاضِهٌ" و"سَنةٍ" فيمن قال "سانَهْتُ" وما يقلّ جدًّا. وقد نراها تزاد للتأنيث فيما لا يحاط به نحو: "جَوْزة" و"لَوْزة"، ولبيان الحركة في نحو {مالِيَهْ} و {كِتَابِيَهْ} و {حِسَابِيَهْ} و {اقْتَدِهْ} و {عَمَّهْ} 3 و {فِيمَهْ} 4 و {لِمَهْ} 5، ولبيان حرف المد نحو "وازِيْدَاهْ" و"واعَمْرَاه" و"واغُلامَهُمُوهْ" و"وا انقطاعَ ظَهْرِهيهْ". ونحو قول الراجز6: اُكْسُ بُنَيّاتِي وأُمَّهُنَّهْ ... أُقْسِمُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ وما أشبه ذلك، ألا ترى أن من حروف الزيادة ما يزاد ولا يحذف في شيء من الكلام البتة، وذلك اللام والسين والميم، ولا تجد فيها شيئًا حذف ولم يزد البتة. فقد علمت أن الزيادة في هذه الحروف العشرة أفشى من الحذف، فعلى هذا القياس ينبغي أن تكون الهاء في "أُمَّهة" زيادة على "أُمّ" وتكون "أُمّ" الأصل، ولا ينبغي أن يعتقد أن الهاء هي الأصل، وأن "أُمًّا محذوفة من "أُمَّهة". وقالوا أيضًا "هَرَقْتُ" فزادوا الهاء عوضًا من سكون عين الفعل، وقد تقدم قولنا على صحة ذلك. فأما قول من قال: "تَأَمَّهتُ أُمًّا" وإثباته الهاء فنظيره مما يعارضه قولهم: "أُمٌّ بينةُ الأمومة" بحذف الهاء، فروايةٌ بروايةٍ، وبقي النظر الذي قدمناه حاكمًا بين القولين، وقاضيًا بأن زيادة الهاء أولى من اعتقاد حذفها، على أن الأمومة قد حكاها ثعلب7 -وحسبك به ثقة- وغيره من الفريقين، وأما "تَأَمَّهتُ أُمًّا"   1 جلفزيز: العجوز المتشنجة أو التي فيها بقية، والناقة الصلبة القوية. القاموس "2/ 169". 2 العنتريس: الناقة الوثيقة الخلق الغليظة الصلبة. القاموس المحيط "2/ 228". 3 "عَمَّه": هذه قراءة الضحاك وابن كثير في رواية. 4 "فيمه": وقراءة السبعة {فيم} ولم أقف على من قرأها بالهاء. 5 "لمه": وقراءة السبعة {لم} ولم أقف على من قرأها بالهاء. 6 البيتان لأعرابي يخاطب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الأول في الخصائص "2/ 72" واللسان "أوس" "7/ 315" وانظر الخبر مع ستة أبيات في طبقات الشافعية "1/ 139". 7 تصحيح الفصيح "1/ 383"، والتلويح في شرح الفصيح "32". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 فإنما حكاها صاحب العين، وفي كتاب العين من الخَطَل والاضطراب ما لا يدفعه نظّارٌ جَلْدٌ، وإنما يخلد إليه من ضاق عَطَنُه، واستروحَ مِن كُلْفَةِ الحفظ إلى دَعة النسيان والترك. وذاكرت بكتاب العين يوما شيخنا أبا علي فأعرض عنه، ولم يرضه لما فيه من القول المرذول والتصريف الفاسد، فقلت له كالمحتج عليه: فإن في تصنيفه راحة لطالب الحرف. فقال: أرأيت لو أن رجلا صنف لغة بالتركية تصنيفًا حسنًا، هل كنا نقبلها منه ونستعملها؟ أو كلامًا هذا نحوه قد بعد عهدي به. ورأيت أبا محمد بن درستويه قد أنحى على أحمد بن يحيى في هذا الموضع من كتابه الموسوم بشرح الفصيح1، وظلمه، وغصبه حقه، والأمر عندي بخلاف ما ذهب إليه ابن درستويه في كثير مما ألزمه إياه، وما كنت أراه بهذه المنزلة، ولقد كنت أعتقد فيه الترفع عنها وإن كان من أصحابي وقائلا بقول مشيخة البصريين في غالب أمره، وكان أحمد بن يحيى كوفيًّا قلبًا، فالحق أحق أن يتبع أين حل وحيث صَقَعَ. ولو أن إنسانًا تتبع كتاب العين، فأصلح ما فيه من الزيغ والاضطراب لم أُعَنِّفْهُ في ذلك، ولرأيته مصيبًا فيه مأجورًا على عمله، وإن وجدت فسحة أصلحت ذلك وما في كتاب الجمهرة مما سها فيه مُصَنِّفُهُ رحمه الله. وذهب أبو الحسن إلى أن الهاء في "هِجْرَعٍ" و"هِبْلَعٍ" زائدتان، لأنهما عنده من "الجَرَع" و"البَلْع" وذلك أن "الهِجْرَع" هو الطويل، و"الجَرَع": المكان السهد المنقاد، و"الهِلْبَع": الأكول، فهذا من البَلْع، فمثالهما على هذا "هِفْعَل". وذهب الخليل فيما حكى عنه أبو الحسن إلى أن "هِرْكَوْلة": "هِفْعَوْلَة" وأن الهاء زائدة، قال: لأنها التي تركل في مشيتها. وسمعت بعض بني عقيل يقول في "هِرْكَوْلة ": "هِرَّكْلة"، قال: هِرَّكْلةٌ فُنُقٌ نِيافٌ طَلّةٌ ... لم تَعْدُ عن عَشْرٍ وحَوْلٍ خَرْعَبُ2   1 هو المطبوع باسم تصحيح الفصيح. انظر "1/ 103-104". 2 البيت في اللسان "هركل" "14/ 219". فنق: جسيمة حسنة فتية منعمة. نياف: تامة الطول والحسن. القاموس "3/ 203". الخرعب: الحسنة الخلق، وقيل البيضاء، ولم أقف على "طلة" في أوصاف النساء، وفي اللسان: يقولون، خمرة طلة، ورائحة طلة: أي لذيذة، وحديث طل: حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 فإن كان هذا ثبتًا عندهم فقياس قول الخليل أن تكون "هِرَّكْلة": "هَفَّعْلة" فتكون الفاء هنا مضعفة، فيضاف هذا الحرف إلى "مَرْمَرِيس"1 لأنه لم تُكررِ الفاء إلا هناك وفي "هِرَّكْلة" إن صحت، على قول الخليل. ويجيء على قياس هذا القول أن يكون قول الراجز2: باتت بليلٍ ساهرٍ وقد سَهِدْ ... هُلَقِمٌ يأكلُ أطرافَ النُّجُد3 وزنه "هُفَعِلٌ"، لأنه من "اللَّقْمِ"4. ونحو منه قول العجاج5: بِسَلْهَبَيْنِ فوقَ أنفٍ أَذْلَفا6 ويجوز لقائل أن يقول: إن "سَلْهَبًا": "فَعْهَلٌ" لأنه من معنى السَّلَب، وهو الطويل. وقال أبو عثمان: رأيت أبا عبيدة محمومًا يهذي، ويقول: دينار كذا وكذا، فقلت للطبيب: سَلْهُ عن "الهِرْكَوْلة" ما هي؟ فقال: يا أبا عبيدة. قال: ما لك؟ قال: ما الهِرْكَوْلة؟ قال: الضخمة الأوراك. وحكى فيها أبو زيد: "هِرَكْلة" و"هُرَكْلة". فأما ما عليه أكثر الناس فإنما الهاء في "هِبْلَع" و"هِجْرَع" و"هِرْكَوْلة" أصل.   1 المرميس: الداهية. القاموس المحيط "2/ 251". 2 البيتان في الممتع "ص220"، واللسان "هلقم" "16/ 103". 3 والهلقم: الكثير الأكل. سهد: قل نومه. القاموس المحيط "1/ 305". 4 اللقم: سرعة الأكل والمبادرة إليه. القاموس المحيط "4/ 176". 5 البيت في ديوانه "ص498"، وقبله: وشجر الهداب عنه فجفا شجر: دفع. جفا: ابتعد. الهُداب: ما لم يكن ذا عرض من الورق. 6 بسلهبين: بقرنين، وهما في وصف ثور وحشي. اللسان "1/ 474" مادة/ سهلب. أذلف: قصير. القاموس المحيط "3/ 142". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وحكى أحمد بن يحيى1: "هذا أهجر من هذا، أي: أطول" فهذا يثبت كون الهاء أصلا. ولست أرى بما ذهب إليه أبو الحسن والخليل من زيادتها في هذه الأسماء الثلاثة بأسًا، ألا ترى أن الدلالة إذا قامت على الشيء فسبيله أن يقضي به ولا يلتفت إلى خلاف ولا وفاق، فإن سبيلك إذا صحت لك الدلالة أن تتعجب من عدول من عدل عن القول بها، ولا تستوحش أنت من مخالفته إذا ثبتت الدلالة بضد مذهبه، ألا ترى أنهم قضوا بزيادة اللام في "ذلك" و"هنالك" و"عَبْدَلٍ" وإن لم تكثر نظائر هذا، فكذلك يقضي بزيادة الهاء في "هِجْرَعٍ" و"هِرْكَوْلة" و"أُمَّهات" لقيام الدلالة على ذلك. ولعمري إن كثرة النظير مما يؤنس، ولكن ليس إيجاد ذلك بواجب، فاعرف هذا، وقسه. فأما الهاء في "إياه" فهي على مذهب أبي الحسن حرف جر لمعنى الغَيْبَة، كما أن الكاف في "إياك" عنده حرف جاء لمعنى الخطاب، وقد تقدم القول على صحة ذلك في حرف الكاف2، فارجع إليه تَرَه.   1 مجالس ثعلب "ص457". 2 انظر "ص312-318". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 باب الواو إبدال الواو مدخل ... حرف الواو: اعلم أن الواو حرف مجهور يكون في الكلام على ثلاثة أضرب1: أصلًا، وبدلًا، وزائدًا. فإذا كان أصلًا وقع فاءً وعينًا ولامًا، فالفاء نحو "وَرَلٍ"2 و"وَعَدَ"، والعين نحو "سَوْطٍ"3 و"اسْتَرْوَحَ"4، واللام نحو "دَلْوٍ" و"سَخُوَ"5. إبدال الواو: وإذا كانت بدلا فمن ثلاثة أحرف، وهي الهمزة والألف والياء. فأما إبدالها من الهمزة فعلى ثلاثة أضرب: أحدها أن تكون الهمزة أصلا، والآخر أن تكون بدلا، والآخر أن تكون زائدة. إبدالها منها والهمزة أصل: وذلك أن تكون الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة، فمتى آثرت تخفيف الهمزة قلبتها واوًا، وذلك قولك في "جُؤَنٍ"6: "جُوَنٌ" وفي "رجل سُؤَلة: سُوَلة" وفي "بُؤَرً: بُوَرٌ" وفي "لُؤَمٍ: لُوَمٌ"8، وفي تخفيف "هو يضرب أباك: هو يضرب وَبَاك" وفي تخفيف "يقتلُ أخاك: يقتل وَخَاك" فالواو هنا مخلصة، وليس فيها من بقية الهمزة. ومثل ذلك قولك في "هذا أَفْعَلُ من هذا" من "أَمَمْتُ" في قول أبي الحسن9: "هذا أَوَمُّ من هذا" وفي قول أبي عثمان10 "هذا أَيَمُّ من هذا" بالياء.   1 أضرب: الواحد "ضَرْبٌ" وهو الصنف أو النوع. القاموس المحيط "1/ 95". 2 الورل: محركة دابةٌ كالضب أو العُظَيم من أشكالِ الوزغ طويل الذنب صغير الرأس لحمُهُ حارٌّ جدًّا يسمن بقوة، وزبله يجلو الوضح وشحمه يعظم الذكر دلكًا. القاموس المحيط "4/ 64". 3 سوط: ما يُضرَب به من جلد، والجمع "أسواط". 4 استروح: استراح. 5 سخو: سخاوة صار جَوَادًا كريمًا. 6 الجُؤَن: جمع جُؤْنَة وهي سنط مغشي بجلد ظرف لطيب العطار. القاموس "4/ 208". 7 بؤر: البؤرة الحفرة وموقد النار والذخيرة. 8 لؤم: لبس اللأمة للدرع وجمعها لأم ولؤم. القاموس المحيط "4/ 174". 9 المصنف "2/ 315". 10 المصنف: "2/ 318". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وكذلك قراءة أبي عمرو: "السُّفَهَاءُ وَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء" [البقرة: 13] 1 ومن ذلك قولهم في "آخيتُ زيدًا: وَاخَيْتُهُ" فهذه الواو بدل من الهمزة لا محالة، ولا يجوز أن يكونا أصلين مثل "أكدت" و"وَكَّدت" و"أَرَّخْتُ"2 و"وَرَّخْتُ" وذلك أن لام الفعل من "وَاخَيْتُ" في الأصل إنما هي واو لقولك "أخوانِ" و"إخوة" وإنما قلبت في "واخيتُ" كما انقلبت في "غازيتُ"، فإذا كانت اللام كما ذكرنا واوًا لم يجُزْ أن تكون الواو في "واخيتُ" أصلا، لأنه ليس في كلامهم كلمة فاؤها واو ولامها واو غير قولهم "واو" فاعرف ذلك. وأما إبدال الواو من الهمزة المبدلة فقولك في تخفيف "يملك أحد عشر: وهو يملك وَحَدَ عَشَرَ" وفي "يضربُ أناةً3: هو يضربُ وناةً" وذلك أن الهمزة في "أحد" و"أناة" بدل من واو، وأصله "وَحَدٌ" لأنه هو الواحد، و"امرأة وَناة" من "الوُنِيّ" وهو الفتور، وذلك أن المرأة توصف بأنها كسول. ألا ترى إلى قول حسان4: وتكاد تَكْسَلُ أن تجيء فراشَها ... في جسم خَرْعَبَةٍ وحُسْنِ قوامِ5   1 وقد ذكر سيبويه أن قول أبي عمرو هو تخفيف الأولى وتحقيق الثانية. "الكتاب 1/ 167". وجاء في اللسان "حرف الهمزة" "1/ 12": "وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه، ويخفف الأولى، فيجعلها بين الواو والهمزة فيقول السفهاو ألا" ... وأما سيبويه والخليل فيقولان: "السفهاء ولا" يجعلون الهمزة الثانية واوًا خالصة". وذكر أبو حيان أنه إذا كانت الأولى مضمومة والثانية مفتوحة وهما كلمتين فإن تحقيق الأولى وتخفيف الثانية قراءة الحرمين -ابن كثير ونافع- وأبي عمر. البحر المحيط "1/ 68". 2 أرخت: الكتاب: حدد تاريخه، والأحداث: دونها. القاموس المحيط "1/ 256". 3 أناة: الحلم والوقار. 4 البيت في ديوانه "ص107" والمحتسب "2/ 48". 5 الخرعبة: الفتاة الحسنة الجسيمة في قوام الغصن اللين المتثني. القاموس المحيط "3/ 17". الشرح: يصف الشاعر فتاته بالكسل على عادة الجاهليين الذين أحبوا تلك الصفة في الإناث فقال أشعرهم: "نؤوم الضحى" ثم يصف جمالها الحسي فهي فتاة حسنة جسيمة حسنة القوام. والشاهد شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: تكاد: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة يرفع المبتدأ وينصب الخبر، واسمه ضمير مستتر تقديره هي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وقال الفرزدق1: إذا القُنْبُصاتُ السودُ طَوَّفْنَ بالضحى ... رَقَدْنَ عليهن الحِجالُ المُسَجَّفُ2 وقال الكندي3: وتُضحي فَتِيتُ المسكِ فوقَ فِراشها ... نَؤُومُ الضحى لم تَنْتَطِقْ عن تفضُّلِ4   تكسل: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة، وفاعله مستتر تقديره هي. وجملة "تكسل" في محل نصب خبر تكاد. 1 البيت في ديوانه "ص552" وجمهرة أشعار العرب "ص884". 2 القنصبات: جمع قنبصة وهي القصيرة. لسان العرب "7/ 83" مادة/ قنبص. رقدن: يعني النساء اللواتي وصفهن في الأبيات السابقة بالنعمة والترف. الحجال: جمع حجلة وهو ستر يضرب للمرأة في البيت. اللسان "11/ 144" مادة/ حجل. المسجف: الذي أُرْخِيَ عليه سجفان وهما سترا باب الحجلة. اللسان "9/ 144". يقول: إن هؤلاء النسوة ينمن بالضحى ويواريهن عن الأعين الحجال المسجف. الشاهد في معنى البيت حيث استشهد به المؤلف على النساء يوصفن بالكسل. إعراب الشاهد: إذا: ظرفية شرطية. القنبصات: مبتدأ مرفوع، والسود: نعت مرفوع، طوفن: فعل ماضٍ مبني على السكون، ونون النسوة فاعل والجملة في محل رفع خبر لـ "القنبصات". بالضحى جار ومجرور متعلق بـ "طوفن". رقدن: فعل ماضٍ مبني على السكون والنون فاعل. عليهن: جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. الحجال: مبتدأ مؤخر مرفوع. المسجف: نعت مرفوع، وجملة "عليهن الحجال" في محل نصب حال. وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر لـ "إذا". 3 الكندي: هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه "ص17" وهو من معلقته. 4 فتيت: تصغير فتاة. والمسك: نوع من أفضل العطور يستخرج من دم نوع من الغزلان. نؤوم الضحى: كناية عن الكسل والترف. تنتطق: تشد عليها النطاق. تفضل: التفضل: لبس ثوب واحد. يقول: إن فتاتي جميلة متعطرة كسولة لا تخدم في بيتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 ونحو من هذا قول الأعشى1: هِرْكَوْلة فُنُقٌ دُرْمٌ مرافِقُها ... كأنّ أَخْمَصَها بالشوْك مُنْتَعِلْ2 وقد أبدلت الواو من همزة التأنيث المبدلة من الألف على ما قدمناه في باب الهمزة في ثلاثة مواضع: وهي: التثنية، والجمع بالتاء، والنسب، فالتثنية نحو قولك في "حمراء، وصفراء، وخُنْفُساء: حمراوان، وصفراوان، وخُنْفُساوان" والجمع نحو قولك في: "صحراء: صحراوات" وفي "خَبْراء3: خَبْراوات" وفي "خنفساء: خنفساوات" والنسب نحو قولك: "صفراويّ" و"حمراويّ" و"صحراويّ" و"خبراويّ" و"خنفساويّ". وأما إبدال الواو من الهمزة الزائدة فقولك في تخفيف "هذا غلامُ أَحْمَدَ": "هذا غلامُ وَحْمَدَ" وفي خفيف "يكرمُ أصرمَ": "هو يكرمُ وَصْرَمَ".   إعراب الشاهد: تضحى: فعل مضارع ناسخ مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر. فتيت: اسم تضحى مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة. المسك: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة الظاهرة. فوق: ظرف مكان منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة. ها: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه عائدٌ على الفتاة. 1 البيت في ديوانه "ص105" وهو من معلقته. 2 الهركولة: الضخمة الوركين، الحسنة الخلق. لسان العرب "11/ 695". الفنق: الفتية الضخمة. لسان العرب "10/ 313". درم: جمع أدرم، ودرماء: أي لمرفقيها حجم، وجمع فقال مرافق لأن التثنية جمع. الأخمص: باطن القدم، وما رقَّ من أسفلها وتجافى عن الأرض، وقوله كأن أخمصها بالشوك منتعل/ أي أنها متقاربة الخطو، وقيل لأنها ضخمة، فكأنها تطأ على شوك لثقل المشي عليها. إعراب الشاهد: هركولة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي، فنق: خبر ثان. درم: خبر بعد خبر. مرافقها: فاعل مرفوع بالضمة، والهاء مضاف إليه. كأن من أخوات إن. أخمصها: اسم كأن منصوب، والهاء مضاف إليه. بالشوك: جار ومجرور متعلق ب "منتعل". منتعل: خبر كأن مرفوع. 3 الخبراء: القاع ينبت السدر والأراك. اللسان "4/ 228". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 إبدال الواو من الألف : وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تبدل الواو من الألف والألف أصل. والآخر: إبدالها منها وهي بدل. والثالث: إبدالها منها وهي زائدة. فأما إبدال الواو من الألف والألف أصل فقولك في تثنية "إلى" و"لدى" اسمي رجلين: "إلَوَانِ" و"لَدَوَانِ" وكذلك "إذا" التي هي ظرف زمان، و"إذ" التي للمفاجأة وهي ظرف مكان، فلو سميت بها رجلا لقلت في التثنية "إذَوَانِ"، ولو جعلت شيئًا من ذلك اسم امرأةٌ، فجمعت بالألف والتاء لقلت: "إَلَوَات" و"لَدَوَات" و"إِذَوَات". وكذلك "ألا" تقول فيها في التثنية "أَلَوَان" وفي الجمع "أَلَوَات". وإنما قلبت هذه الألفاتُ واوًا من قبل أنها أصول غير زوائدَ ولا مبدلة بما قد أوضحناه، ودللنا عليه في كتب المنصف في شرح تصريف أبي عثمان، ولما لم يكن لهذه الألفات أصل ترد إليه إذا حركت، ولم تكن الإمالة مسموعة فيها، حكم عليها بالواو، فقلبت إليها عند الحاجة إلى تحريكها. فإن قلت: فقد سبق من قولك إنها غير مبدلة، فهلا لم يجز قلبها واوًا إذ ليس لها أصل في ياء ولا واو؟ فالجواب: أن الأمر كذلك إلا أنها لما سمي بها انتقلت إلى حكم الأسماء، فَحُكِمَ على ألفها بما يحكم على ألفاتِ الأسماء التي لا تحسن إمالتها مثل "عَصا" و"قَطا"1، فكما تقول: "عَصَوَان" و"قَطَوَات" كذلك قلت أيضًا "إلوان" و"لدوان" و"إلوات". ونحو ذلك أنك لو سميت رجلا بـ "ضَرَبَ" لأعربته، فقلت: "هذا ضَرَبٌ" وإن كان قبل التسمية لا يدخله الإعراب، فكما أن "ضَرَبَ" لما سمي به انتقل إلى حكم الأسماء فأُعْرِبَ كذلك أيضًا "إلى" و"لدى" و"إذا" و"ألا" إذا سمي بها انتقلت إلى حكم الأسماء، فقضي على ألفها بأنها من الواو إذ لم تجز فيها الإمالة. وهذا حصلته عن أبي علي وقت قراءة الكتاب.   1 القطا: طائر واحدته القطاة، والجمع قطوات، وقطيات لغة فيها. القاموس "4/ 379". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فأما "على" فإن معناها يدل على أنها من "علوْتُ" فأمرها ظاهرٌ. وكذلك ألف "ما" و"لا" إذا سميتَ بهما زدت عليهما ألفًا أخرى، فإذا التقى ساكنان همزت الآخرة لما حركتها لالتقاء الساكنين، فصارت "ماءٌ" و"لاءٌ" فإن بنيت من هذين الاسمين اللذين هما "ماءٌ" و"لاءٌ" مثل "حَجَرٍ" و"عَمَلٍ" قلت: "مَوَىً" و"لَوَى ً" فقضيت على الألف الأولى أنها منقلبة من واو، وعلى الألف الآخرة التي كانت قلبت همزة بأنها منقلبة من ياء، فخرجت اللفظتان إلى باب "شويْتُ" و"طويْتُ"، ولم تقض على الألف الآخرة أنها من الواو كالألف الأولى من قبل أن العين قد ثبت أنها واو، واللام بعدها حرف علة، فالوجه أن تكون مما لامه ياء، ولا تكون مما لامه واو، وذلك أن باب "طويْتُ، ولويْتُ، وحويْتُ، وشويْتُ، ورويْتُ، ونويْتُ، وخويْتُ، وذويْتُ1، وصويْتُ2، وغويْتُ، وعويْتُ، وثويْتُ3، وهويْتُ" أكثر من باب "قَوِيتُ4، وحَوِيتُ، والقوةُ، والحوةُ5، والصوةُ6" مما عينه ولامه واوان. هذا هو القانون، وبه وصى التصريفيون. وجاز أن يقضى على الألفينِ أنهما منقلبتان عن حرفي العلة وإن كانتا قبل التسمية غير منقلبتين، لأنك لما سميت بهما ألحقتهما بما عليه عامة الأسماء، وأخرجتهما من الحرفية التي كانا عليها للاسمية التي صارا إليها، فاعرفه.   1 ذويت: ذوى العود أي ذبل. القاموس المحيط "4/ 331". 2 صوتِ النخلةُ تصوي: عطشت وضمرت ويبست. القاموس المحيط "4/ 353". 3 غويتُ: من غوى يغوي إذا ضل وانحرف عن الجادة. القاموس المحيط "4/ 372". 4 ثويت: أقمت. وفي التنزيل {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [القصص: من الآية45] أي مقيمًا. 5 الحوة: بالضم سواد إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد. القاموس "4/ 321". 6 الصوة: بالضم جماعة السباع، وحجر يكون علامة في الطريق. القاموس "4/ 353". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 إبدال الواو من الألف المبدلة : هذه الألف المبدلة التي أبدلت الواو عنها على ثلاثة أضرب: ألف مبدلة من همزة، وألف مبدلة من واو، وألف مبدلة من ياء. الأولى نحو قولك في تصغير "آدَمَ" و"آخَرَ" وجمعهما "أُوَيْدِم" و"أُوَيْخِر" و"أَوَادِم" و"أَوَاخِر" فالألف في "آدم" و"آخر" أصلها الهمزة، وكانت "أَأْدَم" و"أَأْخَر" لأنهما "أَفْعَل" من الأُدْمَة1 والتأخر، فلما اجتمعت همزتان في حرف واحد استثقلتا، فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح الأولى قبلها، فصار "آدَمَ" و"آخَرَ" ثم جرت الألف فيهما مجرى ألف "فاعِل" الزائدة، فكما قلت في تحقير "ضاربة" وجمعها "ضُوَيْرِبة" و"ضَوَارِب" كذلك قلت "أُوَيْدِم" و"أُوَيْخِر" و"أَوَادِم" و"أَوَاخِر". فأما إبدال الواو من الألف المبدلة من واو فقولك في الإضافة إلى نحو "عَصَا" و"قَطَا" و"قَنَا": "عَصَوِيّ" و"قَطَوِيّ" و"قَنَوِيّ"، فالواو في "عَصَوَيْنِ" بدل من ألف "عَصَا" والألف في "عَصَا" بدل من الواو في "عصوين". وكذلك الواو في "قطوي" و"قنوي" لقولك "قطوات" و"قنوات". وأما إبدال الواو من الألف المبدلة من الياء فقولك في الإضافة إلى "فَتًى" و"سُرًى" و"رَحًى"3: "فَتَوِيّ" و"سُرَوِيّ" و"رَحَوِيّ" فالواو هنا إنما هي بدل من ألف"فتى" و"سرى" و"رحى"، والألف هناك بدل من الياء في "فتيان" وفي "سريت" و"رحيت بالرحى"4. فإن قلت: فَلِم أبدلت الألف في نحو "عصا" و"فتى" واوًا مع ياء الإضافة؟ فالجواب: أنهم لما احتاجوا إلى حركتها مع ياء الإضافة لسكونها وسكون الياء الأولى من ياءي الإضافة، قلبوها حرفًا يحتمل الحركة، وهو الواو، ولم يقلبوها ياء   1 الأدمة: شدة السمرة. لسان العرب "12/ 11". 2 السُّرى: سير عامة الليل. القاموس المحيط "4/ 341". 3 الرحى: أداة الطحن. لسان العرب "14/ 312". 4 رحيت بالرحى: أدرتها. لسان العرب "14/ 312". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فيقولوا "عَصَيِيّ" و"رَحَيِيّ" لئلا تجتمع ثلاث ياءات وكسرة، فهربوا إلى الواو لتختلف الأحرف. فإن قلت: فهلا قلبوها همزة كما قلبوا ألف "كساء" و"قضاء"، ألا ترى أن أصلهما "كساو" و"قضاي" فقلبت الواو والياء ألفين، فصارا "كساا" و"قضاا" ثم أبدلوا الألف الآخرة منهما همزة، فقالوا "كساء" و"قضاء" فهلا فعلوا مثل ذلك في "عصا" و"رحى" فقالوا "عصئي" و"رحئي"؟ فالجواب: أنهم إنما احتاجوا إلى حركة الحرف لا غير، ولم يقع طرفًا فيضعف، فتبدل منه همزة كما أبدلوها في "كساء" و"قضاء" ألا ترى أن الواو في "عصويّ" و"رحويّ" حشو، وليست بطرف فتضعف، فتبدل الألف في "عصا" و"رحى" همزة، وإذا كانوا قد احتملوا الواوين في نحو "نوويّ" و"طوويّ" و"لوويّ" لأنهما لم يتطرفا فيضعفا، فهم باحتمالهم الواحدة في نحو: "عصوي" و"رحوي" و"فتوي" أجدر. ورُوِّينا عن قطرب أن بعض أهل اليمن يقول "الصَّلَوْةُ" و"الزَّكَوْةُ" و"الحَيَوْةُ" بواو قبلها فتحة، فهذه الواو بدل من ألف "صلاة" و"زكاة" و"حياة" وليست بلام الفعل من "صَلوتُ" و"زَكَوتُ"، ألا ترى أن لام الفعل من "الحياة" ياء وقد قالوا "الحيوة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 إبدال الواو من الألف الزائدة : وذلك نحو ألف "فاعِل" و"فاعَل" و"فاعُول" و"فاعال" نحو "ضارِب" و"خاتَم" و"عاقُول"1 و"ساباط"2 فمتى أردت تحقير شيء من ذلك أو تكسيره قلبت ألفه واوًا، وذلك نحو "ضُوَيْرِب" و"خُوَيْتِم" و"عُوِيْقِيل" و"سُوَيْبِيط" وكذلك "ضَوَارِب" و"خَوَاتِم" و"عَوَاقِيل" و"سَوَابِيط". فأما قلبها في التحقير فأمره واضح، وذلك أن الضمة لما وقعت قبل الألف قلبتها واوًا.   1 العاقول: معظم البحر أوموجه، ومعطف الوادي، والنهر، وما التبس من الأمور، والأرض لا يهتدى لها، ونبت. القاموس المحيط "4/ 19". 2 ساباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب "7/ 311". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وأما التكسير فهو محمول في ذلك على التحقير، وذلك أنك إذا قلت "خَوَاتِم" و"ضَوَارِب" فلا ضمة في أول الحرف، ولكنك لما كنت تقول في التحقير "خُوَيْتِم" قلت في التكسير "خَوَاتِم" قال الأعشى: ................................... ... وتُتْرَكُ أمْوَالٌ عليها الخَوَاتِمُ1 وإنما حمل التكسير في هذا على التحقير لأنهما من واد واحد، وذلك أن هذا التكسير جارٍ مجرَى التحقير في كثير من أحكامه من قال أن علم التحقير ياء ثالثة ساكنة قبلها فتحة، وعلم التكسير ألف ثالثة ساكنة قبلها فتحة، والياء أخت الألف من الوجوه التي تقدم ذكرها، وما بعدها ياء التحقير حرف مكسور كما أن ما بعد ألف التكسير حرف مكسور، فلما تناسبا من هذه الوجوه حمل التكسير على التحقير، فقيل "خَوَالِد" كما قيل "خُوَيْلِد". وكما حمل التكسير في هذا الموضع على التحقير كذلك أيضًا حمل التحقير في غير هذا الموضع على التكسير، وذلك في قول من قال في تحقير "أَسْوَدَ" و"جَدْوَلٍ"2: "أُسَيْوِدٌ" و"جُدَيْوِلٌ" فأظهر الواو ولم يُعلَّها لوقوع الياء الساكنة قبلها، وذلك أنه لما كان يقال التكسير "أساود" و"جداول" قال أيضًا في التحقير "أُسَيْوِد" و"جديول" وأجرى الواو في الصحة بعد ياء التحقير مجراها فيها بعد ألف التكسير، فكما جاز أن يشبه "ضَوَارِب" بـ "ضُوَيْرِب" وإن لم تكن في ضاد "ضوارب" ضمة كضمة ضاد "ضويرب". كذلك أيضًا جاز أن يشبه "أسيود" في تصحيح واوه بعد الياء بـ "أساود" في تصحيح واوه بعد الألف وإن كان في "أسيود" ما يبعث على القلب، وهو وقوع الياء ساكنة قبل الواو. ومن ذلك قولك في "قاتل" و"ضارب" ونحوهما: "قوتل" و"ضورب" انقلبت الألف الزائدة واوًا للضمة قبلها.   1 قال الأعشى هذا البيت يعاتب يزيد بن مسهر الشيباني. والشاهد فيه: مجيء جمع خاتم في الكثرة على خواتم. إعراب الشاهد: الخواتم: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمة وخبره الجار والمجرور قبله "عليها". 2 الجدول: النهر الصغير والجمع جداول. لسان العرب "11/ 106". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 واعلم أن حذاق أصحابنا وذوي القياس القوي منهم يذهبون إلى أن الألف في "كتاب" و"غزال" و"غراب" إذا حقرتَ الاسم فقلت: "كُتَيِّب" و"غُزَيِّل" و"غُرَيِّب" فإنك لم تبد ألف "كتاب" و"غزال" و"غراب" في أول أحوالها لياء التحقير ياء، وإنما المذهب عندهم أنك قلبت الألف واوًا، فصار التقدير "كُتَيْوِبٌ" و"غُزَيْوِلٌ" و"غُرَيْوِبٌ" فلما اجتمعت الياء والواو، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت ياء التحقير فيها، فقلت: "كتيب" و"غزيل" و"غريب" فالياء إذن في "غزيل" إنما هي بدل من واوٍ بدلٍ من ألف المد، وكذلك ما أشبه ذلك. فإن قيل: ما الذي دعاهم إلى اعتقاد هذا الرأي؟ وهلا ذهبوا إلى أن الألف لما وقعت قبلها ياء التحقير قلبت في أول أحوالها ياء كما تقلب للكسرة تقع قبلها ياء، وذلك نحو "مِفْتاح" و"مَفاتِيح" و"دَينار" و"دَنانِير" و"قِرْطاس" و"قَراطِيس" و"حِمْلاق"1 و"حَمالِيق"؟ فالجواب: أنهم إنما حملهم على القول بما قدمناه أنهم رأوا الألف أكثر انقلابها إنما هو إلى الواو نحو "ضارب" و"ضوارب" و"ضويرب" فكما جاز أن تقلب في "ضوارب" ولا ضمة قبلها، وفي نحو: "رحوي" و"عصوي" و"فتوي" و"مغزوي" و"مهلوي" و"مدعوي" وفي قول يونس2 في "مثنوي" و"معلوي" وأبدلت أيضًا من الألف المتحركة، وهي الهمزة في نحو "صفراوان، وحمراوان، وخبراوات، وخبراوي، وخنفساوي" وغير ذلك مما يطول ذكره، كذلك حكموا أيضًا بأنها في نحو "غزال" و"غراب" إنما قلبت في أول أحوالها واوًا، فصارت "غزيول" و"غريوب" ثم أبدلت الواو ياء على ما قدمناه. فهذا هو القول الذي لا معدل عنه. فأما "مُفَيْتِيحٌ" و"مَفَاتِيح" و"دُنَيْنِيرٌ" و"دَنَانِير" فلم يمكن قلب ألفها واوًا لأن الكسرة تمنع من ذلك، وليست قبل الياء الثانية في نحو "كُتَيِّب" و"حُسَيِّب" كسرة تمنع وقوع الواو بعدها، إنما قبلها ياء ساكنة، والياء الساكنة قد رأينا الواو المفردة   1 حملاق العين: باطن أجفانها الذي يسوده الكحل. لسان العرب "10/ 69". 2 الكتاب "2/ 79". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 بعدها في نحو: "أُسَيْوِد" و"أُخَيْوِل" و"جُدَيْوِل" و"خُرَيْوِع"، وقالوا أيضًا: "دِيْوَان"1 و"اجْلِيوَاذ"2 ونحو ذلك، فاعرف هذا فإنه مسفر واضح.   1 الديوان: الدفتر، والكتبة، ومجموع شعر الشاعر. 2 اجليواذ: المضاء والسرعة في السير. قال سيبويه: لا يستعمل إلا مزيدًا. اللسان "3/ 482". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 إبدال الواو من الياء : هذه الياء التي أبدلت منها الواو على ثلاثة أضرب: أصل، وبدل، وزائدة. فالأصل قولك من "أَيْقَنَ" و"أَيْسَرَ" و"أَيْدَيْتُ إليه يدًا"1: "مُوْقِن" و"مُوْسِر" و"مُودٍ" وهو "يُوقِن" و"يُوسِر" و"يُودِي" و"قد أَوْسَرَ في هذا المكان" و"أَوقِنَ فيه" و"أُودِيَ إلى زيد فيه" وهو "مُوسَرٌ فيه" و"مُوقَنٌ فيه" و"مُودًى إلى زيد فيه". وكذلك "أَيْأَسْتُهُ فأنا مُوئِسُهُ، وهو مُوأَسٌ مما طلبه". وكذلك كل ياء مفردة ساكنة قبلها ضمة، وإنما قلبت الياء الساكنة واوًا للضمة قبلها من قبل أن الياء والواو أختان بمنزلة ما تدانت مخارجه من الحروف نحو الدال والتاء والطاء، والذال والثاء والظاء، وقد رأيناهم قالوا "وتد"2 فبينوا التاء لقوتها بالحركة، ثم إنهم لما أسكنوا التاء تخفيفًا ضعفت بالسكون، فاجترؤوا عليها بأن قلبوها إلى لفظ ما بعدها ليدغموها فيه، فيكون العمل والصوت من وجه واحد وجنس واحد، فقالوا"ودٌّ"3. وكذلك الواو والياء في نحو "لَيِّة" و"طَيَّة" وأصلهما "لَوْيَة"4 و"طَوْيَة"5 قلبوا الواو ياء، وأدغموا الياء المنقلبة في الثانية، فقالوا "لية" و"طية". وكذلك "سَيِّد" و"مَيِّت" إنما أصلهما "سَيْوِد" و"مَيْوِت" فقلبت الواو ياء ليكون العمل أيضًا من وجه واحد، وأدغمت الياء، فصار "سيد" و"ميت".   1 أيدت إليه يدًا: اتخذت عنه يدًا. 2 الوتد: ما ثبت في الأرض أو الحائط من خشب، وأوتاد الأرض: الجبال. اللسان "3/ 444. 3 الود: الوتد: أدغمت التاء في الدال. 4 لوية: من لوى ليا إذا عطف. لسان العرب "15/ 264". 5 طوية: من طوى طوية، وهو نقيض النشر. لسان العرب "15/ 18". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فإن قلت: فإن "ودًّا" إنما قلبوا فيه الأول إلى لفظ ما أدغموه فيه وهو الدال، فقالوا "ودٌّ" وأنت في "سَيِّد" و"مَيِّت" إنما قلبت الثاني إلى لفظ الأول، فكيف هذا؟ فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك بالواو لغلبة الياء عليها، وإنما غلبت الياء على الواو لخفة الياء وثقل الواو، فهربوا إلى الأخف، فلما وجبت هذه القضية في الواو والياء أجريت الضمة مجرى الواو، والكسرة مجرى الياء، لأنهما بعضان ونائبتان في كثير من المواضع عنهما، فقلبت الواو الساكنة للكسرة قبلها ياء، فقالوا: "ميزان" و"ميقات" والياء الساكنة للضمة قبلها واوًا، فقالوا "مُوسِرٌ" و"مُوقِنٌ" وقويت الحركتان وإن كانتا ضعيفتين على قلب الياء والواو من قبل أنهما لما سكنتا قويت الحركة على إعلالهما وقلبهما. فكما تقلب الياء الواو المتحركة في نحو "سَيِّد" و"قَيِّم" لأن أصلما "سَيْوِد" و"قَيْوِم" كذلك قلبت الكسرة الواو الساكنة في نحو "ميقات" و"ميعاد" والضمة الياء الساكنة في نحو "موسر" و"موقن" وذلك أن الحرف أقوى من الحركة، فكما قلبت الياء بقوتها الواو المتحركة، كذلك قلبت الكسرة والضمة الواو والياء الساكنتين دون المتحركتين لضعفهما. فإن قلت: فما بالهم قالوا "سائلٌ" و"سُيَّلٌ" و"عائلٌ" و"عُيَّلٌ". قال أبو النجم1: كأن ريح المسك والقرنفل ... نباته بين التلاع السُيَّلِ2   1 البيتان في ديوانه "ص209" وهما منسوبان إليه في شرح الملوكي "ص495"، وشرح المفصل "10/ 31" بغير نسبة. 2 التلاع: جمع تلعة وهي مسيل الماء. لسان العرب "8/ 36". يصف الشاعر واديًا ترعى فيه الإبل فهو كثير القرنفل تفوح منه الروائح الذكية. والشاهد في مجيء كلمة السُيَّلِ على هذا الوزن دون قلب الياء الأولى. إعراب الشاهد: السيل: نعت مجرور، وعلامة جره الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وقال الآخر: فَتَرَكْنَ نَهْدًا عُيَّلًا أَبْنَاؤها ... وبَنِي فَزارة كاللصوص المْرَّدِ1 وهلا قلبوا الياء الأولى من "السيل" و"العيل" لسكونهما وضم ما قبلهما؟ وقالوا أيضًا: "اعْلَوَّطَ اعْلِوِّاطًا"2 و"اخْرَوِّطَ اخْرِوَّاطًا"3 فلم يقلبوا الواو الأولى منهما ياء وإن كانت ساكنة مكسورًا ما قبلها!. فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك من قبل أن الياء والواو إذا أدغمتا بعدتا عن الاعتلال وعن شبه الألف؛ لأن الألف لا تدغم أبدا، فإذا قويتا بالإدغام لم تتسلط الحركتان قبلهما على قبلهما، على أن منهم من يقلب الواو الأولى من هذا للكسرة قبلها ياء، فيقول: "اجْلِوَّذَ اجْلِيوَذًا" و"اخْرَوَّطَ اخْرِيوَطًا" ولم يقلب الواو الآخرة وإن كانت قبلها ياء ساكنة ياء فيقول "اجْلِيَّاذًا" و"اخْرِيِّاطًا"، من قبل أن قلب الأولى منهما عارض ليس بلازم ولا واجب، فجرى ذلك مجرى ياء "دِيوَان" في أن لم تقلب لها الواو الآخرة فيقولوا: "دِيَّان" إذ لم تكن الأولى لازمة ولا واجبة، وإنما قلبت لضرب من التخفيف. ومن قال: "اجْلِيوذا" و"دِيوان" فجعل للكسرة تأثيرا لم يقل في "سُيَّل": "سُويَلٌ" ولا في "عُيَّل"4: "عُويَلٌ" لأن قلب الواو ياء أخف من قلب الياء واوًا، ولو كان القلب هنا واجبًا لقيل: "سُويَلٌ" و"عُويَلٌ" كما قالوا: "موسر" و"موقن". وكذلك أيضًا إن تحركت الياء والواو قويتا بالحركة، فلم تقلبا للحركتين قبلهما، وذلك نحو "غُيُرٍ" جمع "غَيُور" و"دجاج بُيُض" جمع "بَيُوض" وكذلك "حِوَلٌ" و"عِوَض" و"رجل عُيَبة".   1 المرد: المترنين. يقول: لقد قتلنا آباءهم حتى تركنا أبناءهم عالة كاللصوص. والشاهد في كلمة "عيل" وهي كسُيَّل في البيت السابق. إعراب الشاهد: عيلا: نعت سببي منصوب وعلامة نصبه الفتحة. 2 اعْلَوَّطْتُ البعيرَ: تَعَلَّقْتُ بعنقِهِ وعَلَوْتُهُ. لسان العرب "7/ 355" مادة/ علط. 3 اخروط السفرُ: طال. لسان العرب "7/ 286". 4 عيل: من عال يعول: إذا اعتمد على غيره في إعالته. لسان العرب "11/ 486" مادة/ عول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 فأما قولهم "ثَوْر" و"ثِيرَة" فشاذ، وكأنهم1 فرقوا بالقلب بين جمع "ثور" من الحيوان وجمع "ثور" من الأقط2، لأنهم يقولون في "ثور" الأقط: "ثورة" على القياس فأما "حِيَلٌ" و"قِيَمٌ" فإن الواو فيهما لما انقلبت في الواحدة ضرورة لانكسار ما قبلها قلبت أيضًا في الجمع، فقيل "قِيَمٌ" و"حِيَلٌ". وأما "حِيَاض" و"رِيَاض"3 و"ثِيَاب" ونحو ذلك فإنما قلبت واوه ياء لسكونها في الواحد، ومجيئها في الجمع بعد كسرة، وقبل ألف، ولام الفعل فيها صحيح، لا بد في هذا الموضع من ذكر هذه الأربعة الأشياء وإلا فسدت العلة ونقصت. فإن قلت: فأنت تعلم أن أصل "غازية"4 و"مَحْنِية"5: "غازِوة" و"مَحْنِوة" لأنهما من "غزوتُ" و"حنوتُ" وقد قلبت الواو فيهما للكسرة قبلها، وهما مع ذلك متحركتان. وكذلك "داعية" و"قاصية" و"عافية" و"راجية" لأن الأصل "داعوة" و"قاصوة" و"عافوة" و"راجوة" لأنها من "دعوت" و"قصوت" و"عفوت" و"رجوت". فالجواب: أنه إنما أعل ذلك وإن كان متحركًا من قبل أنه لام الفعل، فضعف، وأما الفاء والعين فقويتان، فسلمتا لقوتهما، وإذا كان القلب في العين قد جاء في نحو "ثِيرة" و"سِياط" فهو في اللام أجوز وأسوغ. فأما قولهم "الفُتُوّة" و"النُّدُوّة" و"الفُتُوّ"، قال6: في فُتُوٍّ أنا رابئُهُم ... من كلالِ غَزْوَةٍ ماتُوا   1 هذا قول المبرد كما في المنصف "1/ 346-347". 2 الأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك، والقطعة منه أقطة. اللسان "7/ 257". 3 رياض: جمع روضة وهي الأرض ذات الخضرة. اللسان "7/ 172". 4 غازية: اسم فاعل من غزا يغزو أي سار إلى قتال العدو. اللسان "15/ 123". 5 المحنية: واحدة المحاني وهي معاطف الأودية. لسان العرب "14/ 204". 6 البيت لجذيمة الأبرش كما في طبقات فحول الشعراء "ص38". 7 الرابئ: الذي يعلو جبلا يرقب للقوم لئلا يدهمهم عدو. لسان العرب "1/ 82". والمراد بماتوا هنا: سكنوا وسكنت أعضاؤهم من الإعياء. الكلال: التعب. ويروى: "في شباب أنا رابئهم" والشاهد بينه المؤلف في المتن. الإعراب: فتو: اسم مجرور بـ "في" وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 فأصله "الفُتُوية" و"النُّدُوية" و"الفُتُوي" ولكنهم أبدلوا الياء واوًا للضمة قبلها، ولم يعتدوا بالواو الساكنة حاجزًا لضعفها، فلما قلبوا الياء واوًا أدغموا الأولى فيها، فصحت لأن الأولى حصنتها بإدغامها إياها فيها، ولولا أن الأولى أدغمت في الآخرة لما جاز أن تقع واوٌ في اسم طرفًا بعد ضمة، وهذا واضح. ويدل على أن "الندوة" من الياء قولهم: "لفلان تكرم ونَدًى" بالإمالة فدلت الإمالة على أنه من الياء. فأما قولهم: "النداوة" فالواو فيه بدل من ياء، وأصله "نداية" لما ذكرنا من الإمالة في "الندى" ولكن الياء قلبت واوًا لضرب من التوسع، وسنذكر أمثال هذا. اعلم أنهم قد قلبوا الياء واوًا لا لعلة سوى تعويض الواو قلبها ياء لكثرة دخول الياء عليها، وذلك قولهم: "جبيتُ الخراجَ جِباوَة" وأصلها "جِباية"3. وقالوا: "رجاء بن حَيْوَة" وأصلها "حَيَّة"4 فقلت الياء التي هي لام واوًا. وقالوا: "هذا أَمْرٌ مَمْضُوٌّ عليه" أي "ممضيٌّ". وقالوا: "هي المُضواء"5 وأصلها "مضياء". وقالوا: "هو أَمُورٌ بالمعروفِ نَهُوٌّ عن المنكرِ" وهي من "نَهَيْتُ". وقالوا: "شَرِبتُ مَشُوًّا" وهو من "مشيت" لأنه الدواء الذي يُمْشَى عنه6، وكأنهم أبدلوا الياء واوًا في "نَهُوٌّ" و"مَشْوٌّ" ولم يقولوا "نهي" و"مشي" لأنهم أرادوا بناء "فَعُول" فكرهوا أن يلتبس بـ "فَعِيل". و"الحَيَوَان" أصله "الحَيَيَان" فقلبت الياء التي هي لام واوًا استكراها لتوالي الياءين ليختلف الحرفان، هذا مذهب الخليل7 وسيبويه8 وأصحابهما9 إلا أبا عثمان   1 في النسخ كلها "الياء" والصواب ما أثبتناه. 2 في النسخ كلها "واو" والصواب ما أثبتناه. 3 الجباية: الجمع والتحصيل. لسان العرب "14/ 128". 4 حية: نوع من أخبث الحيات. 5 المضواء: التقدم. 6 المشو: الدواء المسهل. 7 المنصف "2/ 285" "ضمن تصريف المازني"، والمسائل البغداديات "ص232". 8 الكتاب "2/ 388، 394"، والمسائل البغداديات "ص232". 9 المسائل البغداديات "ص232". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 فإنه ذهب1 إلى أن "الحيوان" غيرُ مبدل الواو، وأن الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعلٌ، وشبه هذا بقولهم: "فاظَ الميتُ يفيظُ فَيْظًا وفَوْظًا"2 ولا يستعملون من "فوظ" فعلا، وكذلك "الحيوان" عنده مصدر لم يشتق منه فعل بمنزلة "فوظ" ألا ترى أنهم لا يقولون: "فاظ يفوظ" كما قالوا: "فاظ يفيظ". ويدلك على أنهم لم يستعملوا من "الحيوان" فعلا قول سيبويه3: "ليس في الكلام مثل حيوت" أي: ليس في كلامهم "حيوت" ولا ما جرى مجراها مما يعنه ياء ولامه واو. وهذا الذي رآه أبو عثمان وخالف فيه الخليل وسيبويه غير مرضٍ عندنا منه، قال لي أبو علي وقت قراءتي كتاب أبي عثمان عليه: هذا الذي أجازه أبو عثمان فاسد من قبل أنه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدر عينه واو وفاؤه ولامه صحيحتان مثل "فَوْظ" و"صَوْغ" و"قَوْل" و"مَوْت" وأشباه ذلك، فأما أن يوجد في الكلام كلمة عينها ياء ولامها واو فلا، فحمله "الحَيَوَان" على "فَوْظ" خطأ، لأنه شبه ما لا يوجد في الكلام بما هو موجود مطرد. وبهذا علمنا أن "حَيْوَة" أصلها "حَيَّة" وأن اللام إنما قلبت واوًا لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء، ولأن الكلمة أيضًا عَلَمٌ، والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد في غيرها نحو: "مَوْهَبٍ" و"مَوْرَقٍ" و"مَوْظَبٍ" و"مَعْدِي كَرِب" و"تَهْلَلٍ" و"مَزْيَدَ" و"مَكْوَزة وغير ذلك مما يطول تعداده. وحكى اللحياني: "اشْتَر من الحَيَوَان والحَيَوَاتِ، ولا تَشْتَر من المَوَتان"4 فالواو أيضًا في "الحيوات" بدل من ياء، وأصلها "حَيَيات" لأنهما "فَعَلات" من "حَيِيْتُ" و"حَيِيتَ" من مضاعف الياء بلا خلاف، ويدل على أنه لا خلاف في "حييت" في أن لامه ياء بمنزلة "خَشِيتُ" , "وعَيِيتُ" وأنه ليس كـ "شَقِيتُ"   1 المصنف "2/ 284، 285" والبغداديات "ص234". 2 فاظ الميت: خرجت نفسه. لسان العرب "7/ 453". 3 الكتاب "2/ 389". 4 المعنى: اشتر من الرقيق والدواب ولا تشتر الأرضين والدور. والموتان: ضد الحياة، والموتان من الأرض: الموات الذي ليس ملكا لأحد. والذي في اللسان "موت" "2/ 398" غير معزو "اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 و "غَبِيت" قولُ أبي عثمان إنهم لم يشتقوا من "الحيوان" فعلا؛ أي: لم يستعملوا منه فعلا عينه ياء ولامه واو والعلة في قلب "الحيوات" هي العلة في قلب "الحيوان". ومما قلبت ياؤه واوًا للتصرف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها، وللفرق أيضًا بين الاسم والصفة قولهم: "الشَّرْوَى"1 و"الفَتْوَى" و"البَقْوَى"2 و"الرَّعْوَى"3 و"الثَّنْوَى"4 و"التَّقْوَى" قال5: فما بَقْوى عليَّ تَرَكْتُمَانِي ... ولكنْ خِفْتُمَا صَرَدَ النِّبالِ6 ويرويه "بُقْيا" وقال الآخر7: أُذَكَّرُ بِالْبَقْوَى على مَنْ أَصَابَنِي ... وَبَقْوَايَ أني جاهدٌ غيرُ مُؤْتَلٍ وأصل هذا كله "شَرْيا" و"فَتْيا" و"بَقْيا" و"رَعْيا" و"ثَنْيا" و"وَقْيا" لأن "الشَّرْوَى" من "شريتُ" و"الفَتْوَى" من معنى "الفَتَى" و"البَقْوَى" من "بَقَيْتُ الشيء" إذا انتظرته، و"الرَّعْوَى" من "رعيْتُ" و"الثَّنْوَى" من "ثنيْتُ" و"التَّقْوَى" من "وَقَيْتُ". وقد تقصيتُ الأدلة على صحةِ هذه الدعاوى في كتابي8 في شرح تصريف أبي عثمان. فإن كانت "فَعْلَى" صفة لم تغير الياء منها إذا وقعت لاما، وذلك نحو "صَدْيا" و"رَيّا" و"خَزْيَا" وقد ذكرت هذا في صدر هذا الكتاب في باب الهمزة.   1 شروى الشيء: مثله. القاموس المحيط "4/ 348". 2 البقوى: الإبقاء. القاموس المحيط "4/ 304". 3 الرعوى: للأمر حفظه. القاموس المحيط "4/ 335". 4 الثنوى: الاسم من الاستثناء. القاموس المحيط "4/ 309". 5 البيت للعين المنقري كما في طبقات فحول الشعراء "ص403"، واللسان "صرد" "4/ 36". 6 صرد النبال: إخطاؤها أو إصابتها. لسان العرب "3/ 249". لم تتركاني لأنكما تبقيان علي ولكن خفتما من إصابة نبالي لكما. إعراب الشاهد: بقوى: حال منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة. 7 الشاعر هو أبو القمقام الأسدي كما ذكر اللسان "بقي" "18/ 86". 8 المنصف "157-158". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وما قلبت فيه الياء واوًا ما حكاه أبو علي أن أبا الحسن حكاه من قولهم: "مَضَى إنْوٌ من الليل"1 أي: إنْيٌ. وأخبرنا قال2: قال أحمد بن يحيى: قال ابن الأعرابي: يقال: "إنْيٌ" و"إنًى" و"مِعْيٌ" و"حِسْيٌ"3 و"حِسًى" قال الهذلي4: حُلْوٌ ومُرٌّ كعطف القِدْح مرَّتُهُ ... بكلِّ إنْيٍ حَذَاهُ الليلُ ينتعِلُ5 إبدال الواو من الياء المبدلة: وذلك أنك لو أخرجت مصدر "ضارَبْتُ" و"قاتَلْتُ" على أصلهما لقلت: "ضِيراب" و"قِيتال" فقلبت ألف "ضاربت" و"قاتلت" ياء لانكسار ما قبلها، ثم إنك لو سميت بهذين المصدرين، ثم صغرتهما لوجب أن تقول: "ضُوَيْرِيب" و"قُوَيْتِيل" فتقلب الياء واوًا، وتزيل الياء لزوال الكسرة التي كانت قبلها. فإن قلت: فأنت تعلم أن هذه الياء ليس أصلها واوًا، وإنما هي بدل من ألف "فاعلت" فلم قلبتها واوًا وليست منقلبة عن الواو؟ فالجواب: أنا قد علمنا أن أصل هذه الياء في "فِيعال" ألف في "فاعلت" وأنها إنما صارت ياء لانكسار ما قبلها، فلما زالت الكسرة من قبلها بضمة التصغير لم يمكنك ردها إلى الألف لأجل الضمة قبلها، ولم يبق هناك غير الواو، فقلبت إليها، فقلت: "ضويريب" و"قويتيل" فاعرف ذلك، وقس عليه ما شاكله.   1 معاني القرآن للأخفش "ص213"، ومضى إنو من الليل: أي وقت. 2 المنصف "2/ 107". 3 الحسي: سهل من الأرض يستنقع فيه الماء. القاموس المحيط "4/ 317". 4 هو المنتخل الهذلي يرثي أثيلة ابنه، والبيت في ديوان الهذليين، وهو بغير نسبة في معاني القرآن للأخفش "ص214" وصدره فيه مخالف لما أنشده ابن جني، والمنصف "2/ 107". 5 عطف القدح: يريد طوى كما يطوى القدح. القدح: العود قبل أن يراش وينصل ويصير سهما. والإني: الوهن أو الساعة من الليل. والشاهد في قوله: "إني" كما أوضح المؤلف. إعراب الشاهد: إني: مضاف إليه مجرور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وأما قولك في تصغير "قِيمَة" و"دِيمَة": "قُوَيْمَة" و"دُوَيْمَة" فليست الضمة هي التي اجتلبت الواو، وإنما أصل الياء فيهما واو من "الدوام" و"قَوَّمْتُ"، فلما فقدت الكسرة من القاف والدال رجعت الواو التي كانت قلبت للكسرة، ألا ترى أنك تقول في "فَعْلَة" منهما: "قَوْمَة" و"دَوْمَة" فتجد الواو فيهما ثابتة وإن لم تكن هناك ضمة، وهذا مُنْجَلٌ. إبدال الواو من الياء الزائدة: وذلك قولك في "بَيْطَرَ" و"سَيْطَرَ" و"هَيْنَمَ"1 و"بَيْقَرَ"2 إذا لم تسم الفاعل وجعلت الفاعل مسندًا إلى المفعول "بُوطِرَ" و"هُونِمَ" و"بُوقِرَ" فتقلب الياء الزائدة في "فَيْعَلَ" واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها.   1 هينم: دعا الله. اللسان "12/ 624". 2 بيقر: أعيا، وهلك. اللسان "4/ 75". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 زيادة الواو : قد زيدت الواو ثانية في نحو: "كَوْثَرَ" و"جَوْهَرَ" و"تَوْرَابَ"3 و"طُومَار"4 و"دُواسِر"5 و"حَوْقَلَ"6 و"صَوْمَعَ"7، وثالثة في نحو "جَدْوَلَ" و"قَسْوَرَ"8 و"خَرْوَعَ"9 و"بَرْوَعَ"10 و"قِرْواش"11 و"دِرْوَاس"12 و"عَمُود" و"عَجُوز" و"جَهْوَرَ"13 و"رَهْوَكَ"14 ورابعة في نحو "كَنَهْوَرَ"15 و"بَلَهْوَرَ"16 و"جَرَمْوَقَ"17 و"زَرَنْوَقَ"18   1 هينم: دعا الله. اللسان "12/ 624". 2 بيقر: أعيا، وهلك. اللسان "4/ 75". 3 التوراب: التراب. اللسان "1/ 227". 4 الطومار: الصحيفة. 5 الدواسر: الشديد الضخم. 6 حوقل: كبر، وأعيا، وفتر عن الجماع. 7 صومع البناء: علاه. اللسان "8/ 208". 8 القسور: الأسد. والصياد. 9 الخروع: نبت. اللسان "8/ 67". 10 بروع: اسم امرأة، وهي بروع بنت واشق. 11 القرواش من الرجال: الطفيلي. 12 الدرواس: الأسد الغليظ، وعظيم الرأس. 13 جهور بكلامه: أعلن به وأظهره. لسان العرب "4/ 151". 14 الرهوكة: استرخاء المفاصل في المشي. لسان العرب "10/ 435". 15 الكنهور: من السحاب المتراكم الثخين. لسان العرب "5/ 153". 16 البلهور: كل عظيم من ملوك الهند. لسان العرب "4/ 81". 17 الجرموق: الخف القصير يلبس فوق خف. لسان العرب "10/ 35-36". 18 الزرنوق: النهر الصغير. لسان العرب "10/ 141". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 و "عَطْوَّدٍ"1 و"سَنَوَّرٍ"2 و"اخْرَوَّطَ"3 و"اعْلَوَّطَ"4. وخامسة نحو "قِنْدَأو"5 و"سِنْدَأْوٍ"6 و"كِنْثَأْوٍ"7 و"عَضْرَفُوط"8 و"مَنْجَنُون"9 و"حَيْزَبُون"10 قال القطامي11: إذا حَيْزَبُونٌ تُوقِدُ النارَ بعدما ... تَلَفَّعَتِ الظلماءُ من كلِّ جانبِ12 ولم تزد الواو أولا البتة، وذلك أنها لو زيدت لم تخل من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فلو زيدت أولا لاطرد فيها الهمز كما همز نحو {أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11] و"أُعِدَ زيدٌ" ولو زيدت مكسورة لكان قلبها أيضًا جائزًا وإن لم يكن في كثرة همز المضمومة، وذلك نحو "إسادة" و"إعادة" و"إفادة"13 في "وِسادة" و"وعاء" و"وِفَادَة". وكذلك قولهم "إِشاح" في "وِشاح"14. ولو زيدت أولا مفتوحة لم تخل من أن تزاد في أول اسم أو فعل إذ الحروف ليست من محتمل الزيادة، فلو زيدت في أول الاسم مفتوحة لكنت متى صغرت ذلك الاسم فضممتها ممكنا من همزها، كما تقول في "وْجَيْه" تضغير "وجه":   1 العطود: الشديد الشاق من كل شيء. اللسان "3/ 295". 2 السنور: جملة السلاح. 3 اخروط: بهم الطريق والسفر امتد. لسان العرب "7/ 286". 4 اعلوط: ركوب الفرس، والتقحم على الشيء من فوق. اللسان "7/ 355". 5 القندأو: السيء الخلق والغذاء. اللسان "3/ 369". 6 السندأو: الحديد الشديد. 7 الكنثأو: الوافر اللحية. اللسان "1/ 137". 8 العضرفوط: ذكر العظاءة. 9 المنجنون: الدولاب. اللسان "13/ 423". 10 الحيزبون: العجوز من النساء. 11 البيت من ديوانه "ص46"، والشعر والشعراء "ص725"، وهو من قصيدة يقولها في إمرأة من محارب قيس بات عندها ليلة ولم تقره. 12 الحيزبون: المرأة العجوز. تلفعت الظلماء: شملتنا. اللسان "8/ 320". الشرح: لقد شملتني ظلمة الليل فرأيت امرأة عجوزًا توقد نارًا. والشاهد فيه كما شرحه المؤلف. إعراب الشاهد: حيزبون مبتدأ مؤخر وخبره إذا الفجائية السابق عليه. وجمله "توقد النار" نعت لـ "حيزبون". 13 إفادة: هي الوفادة وهي القدوم على الملوك، أو الأمراء. اللسان "3/ 464". 14 الوشاح: رداء أو نسيج عريض تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 "أُجَيْه" وفي "وَعِيد" تصغير"وَعْد": "أُعَيْد". ولو كانت في أول فعل لكنت متى بنيته للمفعول ولم تسم فاعله وجب أن تضمها، ولو ضممتها لجاز أيضًا همزها. على أن منهم من همز المفتوحة وإن كان قليلا، وذلك قولهم: "أَحَدٌ" و"أَنَاةٌ"1 و"أَجَم" وأصله "وَحَد" و"وَنَاة" و"وَجَم". وقالوا في الفعل أيضًا "أَقَّتَ" في "وَقَّتَ" فلما كانت زيادتهم الواو أولا تدعو إلى همزها وزوال لفظها والإشكال هل هي همزة غير مبدلة من واو، رفض ذلك فيها، فلم تزد أولا البتة. فأما الواو في "وَرَنْتَلٍ"2 فأصل، والكلمة رباعية، ولا نون زائدة كنون "عَقَنْقَل"3 و"جَحَنْفَل"4 و"عَبَنْقَس"5. ولا تجعلها زائدة لما قدمناه من أن الواو لا تزاد أولا البتة. واعلم أن الواو لم تأت في كلام العرب فاء ولاما، وليست في كلامهم لفظة فاؤها واو ولامها واو حرف واحد، وهو قولنا "واو" ولذلك قال سيبويه: "ليس في الكلام وَعَوْتُ"6. واعلم أن سيبويه ذكر أنهم إنما امتنعوا من أن يكون في كلامهم مثل "وَعَوْت" استثقالا للواوين، ولم يزد في الاعتلال لهذا أكثر من هذا الظاهر، وقد أوجز في هذا القول، وأشار إلى العلة الصريحة اللطيفة، ولم يصرح بها، وأنا أذكر الموضع قفوًا له، وكشفًا لغرضه، وزيادة في البيان، وتقوية للعلة. اعلم أنه لم يأت عنهم مثل "وَعَوْت" من قبل أنهم لو فعلوا ذلك لاكتنف7 الحال أمران ضدان، فتركوا ذلك لذلك، وذلك أن ما ماضيه "فَعَلَ" وفاؤه واو فعين مستقبله مكسورة، وفاؤه محذوفة، وذلك نحو "وَعَدَ" و"وَزَنَ" و"وَرَدَ" تقول "يَعِدُ" و"يَزِنُ" و"يَرِدُ" فهذا أصل مستمر.   1 الأناة من النساء: التي فيها فتور عند القيام لنعمتها وترفها. اللسان "14/ 50". 2 الورنتل: الشر والأمر العظيم. لسان العرب "11/ 724". 3 العقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل. لسان العرب "11/ 464". 4 الجحنفل: الغليظ وهو أيضًا الغليظ الشفتين. لسان العرب "11/ 103". 5 العبنقس: السيء الخلق، والناعم الطويل من الرجال. لسان العرب"6/ 130". 6 الكتاب "2/ 390". 7 اكتنف: أحاط به. لسان العرب "9/ 308". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 فأما قول بعضهم1: لو شئت قد نَقَعَ الفؤادُ بشربةٍ ... تدعُ الحوائمَ لا يجُدن غليلا2 بضم الجيم فلغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها لما عليه الكافة مما هو بخلاف وضعها ورأيناهم مع ذلك إذا كان الماضي على "فَعَلَ" ولامه واو فعين مضارعه أبدًا مضمومة، وذلك نحو "غَزَوْتُ أَغْزُو" و"دَعَوْتُ أَدْعُو". وهذا أيضًا أصل مستمر غير منكسر، فلو صاغوا مثل "وَعَوْتُ" لوجب عليهم في المضارع أن يكسروا العين كما كسروا عين "يعد" وأن يضموها أيضًا كما يضمون عين "يغزو" فلما كان بناؤهم مثل "وعوت" يدعوهم إلى أن تكون العين في المضارع مضمومة مكسورة في حال واحد رفضوه البتة فلم يبنوه مخافة أن يصيروا إلى التزام جمع بين حركتين ضدين في حرف واحد. فإن قلت: فهلا بنوه على "فعُلت" بضم العين، فقالوا: "وَعُوتُ أَوْعُو" وأجروه في ضم عينه بعد الفاء التي هي واو مجرى "وَضُؤَتْ تَوْضُؤُ" و"وَطُؤَ الدابةَ يَوْطُؤُ"؟ فالجواب: أن "فعَلت" أكثر في الكلام من "فعُلت" ألا ترى أن "فعُلت" لا يكون إلا لتنقل الهيئة والحال نحو: ما كان كريمًا ولقد كَرُمَ، وما كان ظريفًا ولقد ظَرُفَ، وما كان جميلا ولقد جَمُلَ، وما كان صبيحا ولقد صَبُحَ، وهي أيضًا غير   1 البيت لجرير في ديوانه "ص453" وهو ثاني بيت في قصيدة يهجو فيها الفرزدق وعدتها عشرون بيتا وفيه "يجِدن" بكسر الجيم على القياس، ولا شاهد فيه حينئذ. 2 نفع: روى. لسان العرب "8/ 361". الحوائم: جمع حائم وهو الإبل العطاش جدًّا لسان العرب 12/ 162. الغليل: حر الجوف. لسان العرب "11/ 499". والشاهد فيه مجيء "يجُدن" مضموم الجيم وقد حكم عليه ابن جني بالشذوذ. إعراب الشاهد: يجدن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة. ونون النسوة: ضمير مبني في محل رفع فاعل. غليلا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة. وجملة "لا يجدن غليلا" في محل نصب حال وصاحبه الحوائم قبلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 متعدية، و"فَعَلت" تكون متعدية وغير متعدية، وهي أخف وأسير في الكلام من "فَعُلت" فلما وجب رفض ذلك في الأكثر الشائع حمل الأقل -وهو "فَعُلْتُ"- عليه. هذا مع ما كان يلزمهم من اكتناف الواوين والضمة للكلمة، وهو الثقل الذي أومأ إليه سيبويه، أعني قولهم لو قالوا: "وَعَوْتَ تَوْعُو"، فلما وجب اطراح هذا التركيب في "فَعَلت" وتبعه "فَعُلت" حملوا أيضًا عليه "فَعِلْتُ" فلم يقولوا مثل "وَعِيت تَوْعَى" كما قالوا: "وَجِيت تَوْجَى"1 وأتبعوا "فَعِلْتُ" في الامتناع "فَعَلْتُ" و"فَعُلْتُ" فاعرف ذلك، فإنه لطيف حسن. فأما الألف من "واو" فحملها أبو الحسن على أنها منقلبة من واو، واستدل على ذلك بتفخيم العرب إياها وأنه لم تسمع منهم الإمالة فيها، فقضى لذلك بأنها من الواو، وجعل أحرف الكلمة كلها واوات. ورأيت أبا علي ينكر هذا القول، ويذهب إلى أن الألف فيها منقلبة عن ياء، واعتمد في ذلك على أنه إذا جعلها من الواو كانت الفاء والعين واللام كلها لفظًا واحدًا، قال: وهذا غير موجود، فعدل عنه إلى القضاء بأنها من ياء. ولست أرى بما أنكره أبو علي على أبي الحسن بأسًا، وذلك أن أبا علي إن كان كره ذلك لئلا تصير حروف الكلمة كلها واوات فإنه إذا قضى بأن الألف منقلبة من ياء لتختلف الحروف فقد حصل معه بعد ذلك لفظ لا نظير له. ألا ترى أنه ليس في الكلام حرف فاؤه واو ولامه واو إلا قولنا "واو" فإذا كان قضاؤه بأن الألف من الياء لا يخرجه من أن يكون الحرف بكون فائه واوين فذا لا نظير له، فقضاؤه بأن العين واو أيضًا ليس بمنكر، ويعضد ذلك أيضًا شيئان: أحدهما: ما قضى به سيبويه2 من أن الألف إذا كانت في موضع العين فأن تكون منقلبة عن الواو أكثر من أن تكون منقلبة عن الياء. والآخر: ماحكاه أبو الحسن من أنه لم تسمع عنهم فيها الإمالة. وهذا أيضًا يؤكد أنها من الواو.   1 وجيت: الوجا: الحفا، وإنه ليتوجى في مشيته وهو وجٍ، وقيل: الوجا قبل الحفا ثم الحفا ثم النقب، وقيل هو أشد من الحفا. لسان العرب "15/ 378". 2 الكتاب "2/ 127". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 ولأبي علي أن يقول منتصرًا لكون الألف منقلبة عن ياء: إن الذي ذهبت أنا إليه أسوغ وأقل فحشًا مما ذهب إليه أبو الحسن، وذلك أني وإن قضيت بأن الفاء واللام واوان وكان هذا أيضًا لا نظير له، فإني قد رأيت العرب جعلت الفاء واللام من لفظ واحد كثيرًا، نحو "سَلِسَ"1 و"قَلِقَ" و"حَرْحٍ"2 و"دَعْدٍ" و"فَيْفٍ"3 فهذا وإن لم يكن فيه واو فإنا قد وجدنا فاءه ولامه من لفظ واحد. وقالوا أيضًا في الياء التي هي أخت الواو "يَدَيْتُ إليه يدًا" ولم نرهم جعلوا الفاء والعين واللام جميعًا من موضع واحد لا من واو ولا من غيرها، فقد دخل أبو الحسن معي في أن اعترف بأن الفاء واللام واوان إذ لم يجد بُدًّا من الاعتراف بذلك، كما لم أجده أنا، ثم إنه زاد على ما ذهبنا إليه جميعًا شيئًا لا نظير له في حرف من الكلام البتة، وهو جعله الفاء والعين واللام من لفظ واحد. فأما ما أنشَدَناه أبو علي من قول هند بنت أبي سفيان لابنها عبد الله بن الحارث4: لأنكحن بَبَّهْ ... جارية خِدَبَّهْ مُكْرَمًة محبَّهْ ... تَجُبُّ أهلَ الكعْبَة5 فإنما "بَبَّه" حكاية الصوت الذي كانت ترقصه عليه، وليس باسم، وإنما هو كـ "قَبْ" لصوت وقع السيف، و"طِيخ" للضحك، ومثله صوت الشيء إذا   1 سلس: سهل ولين، وسلس بول الرجل إذا لم يتهيأ له أن يمسكه. اللسان "6/ 106". 2 الحرح: فرج المرأة، والجمع أحراح. لسان العرب "2/ 432". 3 الفيف: المفازة التي لا ماء فيها مع الاستواء والسعة. والفيفاء: الصحراء الملساء. 4 الأبيات لهند بنت أبي سفيان كما نسبه إليها صاحب اللسان في مادة "بيب" "1/ 221"، وهذه الأبيات وردت في المنصف "2/ 182" والخصائص "2/ 217" وجمهرة اللغة "1/ 24" غير منسوبة. 5 ببة: حكاية الصوت التي كانت الشاعرة ترقص ولدها عليه كما قال ابن جني في المتن. خدبّه: ضخمة. تجب: تغلب بحسنها. اللسان "1/ 251". أهل الكعبة: أي نساء قريش. تخاطب ابنها وتقول إنها ستنكحه فتاة سمينة جميلة تفوق نساء قريش حسنًا وجمالا. والشاهد: في قولها "ببه" فقد أورده أبو علي كدليل على ورود كلمة فاؤها وعينها ولامها على حرف واحد هو الباء. ورد ابن جني ذلك بأنها ليست اسمًا وإنما حكاية لصوت كانت الشاعرة ترقص ابنها عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 تدحرج "دَدَدْ" فإنما هذه أصوات ليست تُوزَنُ، ولا تمثل بالفعل، بمنزلة "صه"1 و"مه" ونحوهما. فلما ذكرناه من الاحتجاج لمذهب أبي علي ما تعادل عندنا المذهبان أو قربا من التعادل. وقد جاءت الفاء والعين واوين، وذلك قولهم "أوَّل" ووزنه "أَفْعَل" ويدل على ذلك اتصال "من" به على حد اتصالها بـ "أَفْعَل" الذي للتفضيل، وذلك قولهم: "ما لقيتك مذ أول من أمس" فجرى هذا مجرى قولك: "هو أفضل من زيد وأكرم من عمرو". ولقولهم في مؤنثه "الأولى" فجرى ذلك مجرى قولك "الأفضل" و"الفضلى". فأما قولهم: "أوائل" بالهمز فأصله "أَوَاوِل" لكن لما اكتنفت الألف واوان، وليست الآخرة منهما الطرف، فضعفت، وكانت الكلمة جمعًا، والجمع مستثقل، قلبت الآخرة منهما همزة، وقد أشبعنا القول في الرد على من خالفنا3 من البغداديين في هذا الموضع في كتابنا4 في شرح "التصريف"5، وهذا الكتاب كأنه لاحق بذلك ومتصل به لاشتراكهما واشتباه أجزائهما، فلذلك تركنا إعادة القول هنا، وأحلنا على ذلك الكتاب في عدة مواضع من هذا. وقد زيدت الواو أيضًا في جماعة المذكرين ممن يعقل، وذلك قولهم "الزيدون" و"البكرون". فإن قلت: فما تقول في قولهم في جماع "ثُبة" و"ظُبة"6 و"مائة" و"رِئة" و"سَنة": "ثُبُون" و"ظُبُون" و"مِئُون" و"رِئُون" و"سِنُون". أنشد أبو زيد، وأنشدَناه أبو علي7:   1 صه: اسم فعل أمر بمعنى اسكت. 2 مه: اسم فعل أمر بمعنى اكفف. 2 هو الفراء: فقد أجاز أن يكون من "وألت" ومن "ألت". 4 يريد المصنف "2/ ص202-204"، والمسائل الشيرازيات لأبي علي المسألة الأولى. 5 هو كتاب "التصريف" لأبي عثمان المازني. 6 الظبة: حد السيف والسنان، والخنجر، والجمع "الظباة والظبين". اللسان "1/ 568". 7 البيت للأسود بن يعفر وهو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم ويكنى أبا الجراح، وكان رؤبة يقول: "يعفر" بضم الياء والفاء، وكان الأسود شاعرا فحلا وكان يكثر التنقل بين العرب ويجاورهم فيذم ويحمد وله في ذلك أشعار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فغِظناهُمُ حتى أَتَى الغيظُ منهمُ ... قلوبًا وأكبادًا لهم ورِئينا1 وكل واحد من هذه الأسماء مؤنث، وليس واقعا على ذي عقل. وكذلك "بُرة"2 و"بُرُون" و"عِضة"3 و"عِضُون" و"قُلة"4 و"قُلُون" فكيف جاز جمع هذا بالواو؟ فالجواب: أن هذه أسماء مجهودة منتقصة، وذلك أن لامها قد حذفت، وأنا أذكر أصولها: أما "ثبة" فالمحذوف منها اللام دون الفاء والعين، يدل على ذلك أن الثبة: الجماعة من الناس وغيرهم، قال الله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء: 71] فـ "ثبات" كقولك: جماعات متفرقة، أو اجتمعوا كلكم. أنشد أبو علي للهذلي5: فلما جلاها بالإيام تَحَيَّزَتْ ... ثُبات عليها ذُلُّها واكتئابُها6 ورأيناهم يقولون: "ثَبَّيْتُ الشيءَ" إذا جمعته.   1 أتى الغيظ منهم: نال منهم. يقول: لقد غظناهم حتى حطم الغيظ قلوبهم وأكبادهم ورئيهم. والشاهد في قوله "رئين" فقد جمع كلمة "رئة" على رئون، ورئين إلحاقًا بجمع المذكر السالم. إعراب الشاهد: رئين: معطوف منصوب علامة النصب الياء. 2 البرة: الحلقة تجعل في أنف البعير. لسان العرب "14/ 71". 3 العضة: واحدة العضاة، والعضاة شجر له شوك، والعضة: الفرقة، والكذب. 4 القلة: الخشبة الصغيرة وهي قدر ذراع تنصب للتعريش. لسان العرب "11/ 566". 5 هو أبو ذؤيب الهذلي يصف مشتار العسل، والبيت في شرح أشعار الهذليين "ص53". 6 الاكتئاب: تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن. لسان العرب "1/ 695". وثبات: جماعات من الناس متفرقة. لسان العرب "15/ 107". يقول: لما طردهم بالدخان تجمعوا إلى بعضهم يكسوهم الحزن والذلة. والشاهد في قوله "ثبات" فهي جمع لـ "ثبة" كما أورد المؤلف. إعراب الشاهد: ثبات: حال منصوبة وعلامة النصب الكسرة لأنها ملحقةُ بجمع المؤنث السالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 قال لبيد1: يُثَبِّي ثناء من كريم وقوله ... ألا انعمْ على حسن التحية واشربِ2 وقال الآخر3: كَمْ لِيَ مِن ذِي تُدْرَأٍ مِذَبِّ ... أشْوَسَ أَبّاءٍ على المُثَبِّي4 أي: الذي يعذله، ويكثر لومه، ويجمع له العذل من هنا ومن هنا. وذهب أبو إسحاق5 في "ثُبة الحوض" -وهي وسطه- إلى أنها من "ثابَ الماءُ إليها" وأن الكلمة محذوفة العين، وقال: "تقول في تصغيرها ثُوَيْبَة". وهذا غير لازم، لأنه يجوز أن تكون من "ثَبَّيْتُ" أي: جمعت، وذلك أن الماء إنما مجتمعه من الحوض في وسطه. وقال الآخر6: هلْ يصلحُ السيفُ بغيرِ غَمْدِ ... فَثَبِّ ما سَلَّفْتَه مِن شُكْدِ7   1 البيتان في التمام ص202، واللسان "ثبا" "18/ 116". 2 يثني: يجمع الثناء: المدح. يمدح الشاعر رجلا ويقول إنه يجمع الحمد والثناء على كرمه وجوده ومعاملته الحسنة. والشاهد في قوله "يثبي" كما أورد المؤلف في المتن. الإعراب: يثبي: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة. 3 البيت لم أعثر على قائله وقد ذكره اللسان في مادة "ثبا". 4 ذو تدرأ: ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه، يكون ذلك في الحرب والخصومة. مذب: من الذب وهو الدفع والمنع. أشوس: جريء على القتال الشديد. أباء: أشد الامتناع. اللسان "14/ 4". المثبي: اللائم الشاكي. يقول: إن لي الكثير من الأقوياء المدافعين الأشداء الذين يرفضون اللوم. والشاهد في مجيء كلمة "المثبي" بمعنى اللائم كما أورد المؤلف في المتن، وإعرابها ظاهر, 5 معاني القرآن للزجاج "2/ 79". 6 البيتان في اللسان "ثبا" "18/ 116"، ولم أعثر على قائله فيما بيدي من مصادر. 7 الغمد: ما يوضع فيه السيف. وثب: أجمع. لسان العرب "14/ 108". الشكد: العطاء. لسان العرب "3/ 238". يقول: كما أنه لا ينفع السيف بلا غمد فكذلك الإنسان لا ينفع بلا مال فاجمع ما سلفته للناس من عطاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 أي: فأضف إليه غيره، واجمعه مع سواه. فـ "يثبي" أي: يجمع، وقولهم "يثبي" يدل على أن اللام معتلة، وأن الثاء والباء فاء وعين، وقولهم "ثَبَّيْتُ" لا يدل على أن اللام ياء دون الواو، لقولهم "عَدَّيْتُ" و"خَلَّيْتُ" كما قالوا "قَضَيْتُ" و"سَقَيْتُ"، فالقبيلان إذا صارا إلى هذا متساويان، ولكن الذي ينبغي أن يقضى به في ذلك أن تكون من الواو، وأن يكون أصلها "ثُبْوة" وذلك أن أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو، نحو "أبٍ" و"أخٍ" و"غدٍ" و"هَنٍ" و"حَمٍ" و"سَنَةٍ" فيمن قال "سَنَوَات" و"عِضةٍ" فيمن قال "عَضَوَات" و"ضَعة"1 لقولهم "ضَعَوَات" و"ابن" لقولهم "بِنْتٌ" و"بُنُوَّةٌ" و"قُلةٍ" لقولهم "قَلَوْتُ بالقُلة"2. فهذا أكثر مما حذفت لامه ياء، فعليه ينبغي أن يكون العمل، وبه أيضًا وصى أبو الحسن3، فقد ثبت أن أصل "ثبة" "ثبوة". والقول في "ظُبة" أيضًا كالقول في "ثُبة" ولا يجوز أن يكون المحذوف منها فاء ولا عينًا، أما امتناع الفاء فلأن الفاء لم يطرد حذفها إلا في مصادر بنات الواو، نحو "عِدة" و"زِنة" و"جِدة" وليست "ظُبة" من ذلك، وأوائل تلك المصادر أيضًا مكسورة، وأول "ظُبة" كما ترى مضموم، ولم تحذف الواو فاء من "فُعْلة" إلا في حرف شاذ حكاه أبو الحسن، ولا نظير له، وهو قولهم في "الصِّلة": "صُلة" ولولا المعنى وأنا قد وجدناهم يقولون في معناه "صلة" وهي محذوفة الفاء بلا محالة لأنها من "وَصَلْتُ" لما أجزنا أن تكون "صُلة" محذوفة الفاء، فقد بطل إذن أن تكون "ظبة" محذوفة الفاء، ولا تكون أيضًا محذوفة العين، لأن ذلك لم يأت إلا في "سَهٍ" و"مُذْ" وهما حرفان نادران لا يقاس عليهما غيرهما.   والشاهد: مجيء كلمة "ثب" في صيغة الأمر بمعنى "اجمع". إعراب الشاهد: ثب" فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. وما: اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به. سلفته: سلف: فعل ماضٍ مبني والتاء فاعل، والهاء مفعول به. من: حرف جر. وشكد: اسم مجرور. و"من شكد" متعلق بـ "سلف" وجملة "سلفته من شكد" لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. 1 الضعة: شجر بالبادية. 2 قلوت بالقلة: ضربت. اللسان "15/ 199". 3 الممتع "ص623". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 ودليل آخر يدل على أن "ظُبة" ليست محذوفة العين، وهو جمعهم إياها بالواو والنون نحو "ظُبُون" و"ظُبِين" ولم نرهم جمعوا شيئًا مما حذفت عينه بالواو والنون، إنما ذلك فيما حذفت لامه، نحو "سِنُون" و"عِضُون" أو فاؤه نحو "لِدُون"1. ولا يجوز أيضًا أن تكون الفاء محذوفة لما قدمناه، فثبت أن اللام هي المحذوفة دون غيرها. ومن أقوى دليل على حذف لامها قولهم في جمعها "ظُبًا" فاللام كما ترى هي المعتلة، ونظيرها "لُغَة ولُغًى" و"بُرَة وبُرًا" وأصلها "ظُبْوة" بالواو لما ذكرناه في "ثُبة". وأما "مائة" فيدل على أنها محذوفة اللام قولهم: "أَمْأَيْتُ الدراهمَ"2 وليس في قولهم "أَمْأَيْتُ" ما يدل على أن اللام ياء دون الواو لقولهم "أَدْنَيْتُ" و"أَعْطَيْتُ" وهما "دَنَوْتُ" و"عَطَوْتُ" كقولك: "أَرْمَيْتُهُ" و"أَسْقَيْتُهُ" وهما من "رَمَيْتُ" و"سَقَيْتُ" ولكن الذي يدل على أن اللام من "مائة" ياء ما حكاه أبو الحسن من قولهم: "رأيت مِئْيًا" في معنى "مائة" فهذه دلالة قاطعة على كون اللام ياء. ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك أيضًا، فقال في بعض أماليه: إن أصل "مائة": "مئية". فذكرت ذلك لأبي علي، فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي ينظر من هذه الصناعة في مثله؛ لأن علمه كان أكثف من هذا، ولم ينظر من اللطيف الدقيق في هذه الأماكن، وإن كان بحمد الله والاعتراف بموضعه جبلا في الرواية وقدوة في الثقة، ولعله أن يكون وصل ذلك منها إلى أبي الحسن. وأما "رئة" فمن الياء لا محالة، لأن أبا زيد حكى عنهم "رَأَيْتُ الرجلَ" إذا أصبتَ رئتَهُ. فهذه أيضًا دلالة قاطعة، وأصلها "رَئْية" كما ترى. وأما "سنة" فقد تقدمت الدلالة على حذف لامها في عدة مواضع من هذا الكتاب، وأنه يجوز أن تكون واوًا، وأن تكون هاء.   1 لدون: لد: موضع، اسم رملة بضم اللام في الشام. اللسان "3/ 391". 2 أمأيت الدراهم: جعلتها مائة. لسان العرب "15/ 271" مادة/ مأي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وأما "بُرة" فحالها أيضًا حال "ثُبة" و"ظُبة" والمحذوف منها اللام، وهو حرف علة لقولهم: "أَبْرَيْتُ الناقةَ"1 و"هي مُبْراة" ولا دليل في "أَبْرَيْتُ" على أن اللام ياء كما لم يكن ذلك في "ثَبَّيْتُ" ولا في "أَدْنَيْتُ" والوجه أن تكون واوًا لما قدمناه، فيكون الأصل "بُرْوة" وقد حكيت أيضًا في بعض نسخ الكتاب "بَرْوة" في معنى "بُرة". وأيضًا فقد قالوا: "بَرَوْتُ الناقةَ" في معنى "أَبْرَيْتُها". ويؤكد أن المحذوف منها اللام دون غيرها قولهم في الجمع "البُرا" قال2: ذَكرتُ والأهواءُ تدعو للصِّبا ... والعِيسُ بالركبِ يُجاذبنَ البُرا3 وأما "عِضة" فمن الواو أيضًا، وأصلها "عضوة" ألا ترى أنهم فسروا قوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] أي: فرقوه، وجعلوه أعضاء، قال ابن عباس -رحمه الله- أي: آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، فهو لفظ العضو ومعناه، وقال الكسائي: "العضة" و"العضون" من "العضيهة" وهي الكذب. واللام على هذا هاء بمنزلة "است"4 و"سنة"5 فيمن قال "سنهاء". وأما قولهم: "قلة" فأمرها بينٌ لقولهم "قلوت بالقلة" إذا ضربت بها، وأصلها لما ذكرناه "قُلْوة". وكذلك "عِزة" و"عِزُون" قياسها أن تكون في الأصل "عزوة" لأنها الجماعة، فهي من معنى "عزوت الرجل إلى أبيه" إذا نسبته إليه، وألحقته به، فهذا هو معنى الجماعة.   1 أبريت الناقة: جعلت أنفها برة. لسان العرب "14/ 71" مادة بري. 2 لم أعثر على قائله، وقد ورد البيت في كتاب "القوافي" للأخفش "ص70". 3 الأهواء: جمع هوى وهو ميل النفس. والعيس: الإبل. البرا: جمع بروه وهي حلقة تكون في أنف الناقة. اللسان "14/ 71" مادة بري. يقول: لقد تذكرت الأيام الماضية حين استعدت الإبل للرحيل. والشاهد مجيء جمع "برة" على "برا" مما يؤكد أن المحذوف هو اللام دون غيرها. إعراب الشاهد: البرا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة منع من ظهورها التعذر. 4 أصلها "سته" لقولهم في تصغيرها "ستيهة" وفي تكسيرها "أستاء". 5 سنة سنهاء: شديدة لا نبات فيها ولا مطر. اللسان "14/ 405" مادة/ سنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 ألا ترى أن بعضها مضموم إلى بعض ملحق به، أنشدنا أبو علي1: اطلب أبا نخلة مَن يأبوكا ... فقد سألنا عنك مَن يعزوكا إلى أبٍ فكُلُّهُمْ ينفِيكا2 على أنهم قد قالوا أيضًا: "عَزَيْتُهُ إلى أبيه" فالأصل في "عِزة" على هذا "عِزْية". وإن وجدت فسحة، وأمكن الوقت عملت بإذن الله تعالى كتابًا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب، وأميز ذوات الهمز من ذوات الواو ومن ذوات الياء، وأعطي كل جزء منها حظه من القول مستقصًى إن شاء الله تعالى. وذكر شيخنا أبو علي أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك، فأملَّ منه صدرًا كبيرًا، وتقصى3 القول فيه، وأنه هلك في جملة ما فقده وأصيب به من كتبه، وحدثني أبو علي أنه وقع حريق بمدينة السلام، فذهب له جميع علم البصريين، قال: وكنت كتبت ذلك كله بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم أجد في الصندوق الذي احترق شيئًا البتة إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن، فسألته عن سلوته وعزائه عن ذلك، فنظر إلى متعجبًا، ثم قال: بقيت شهرين لا أكلم أحدًا حزنًا وهمًّا، وانحدرت إلى البصرة لغلبة الفكر علي، وأقمت مدة ذاهلا متحيرًا.   1 نسبت الأبيات لبخدج وإلى شريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة كما في اللسان مادة "أبي" "18 ص8"، وهي بغير نسبه في التمام "ص198". 2 أبا نخلة: الشخص المهجو. يأبوكا: يكون لك أبا. يعزوكا: ينسبك إليه. ينفيك: يرفض نسبتك له. يقول: اطلب أبا نخلة أبا ينسبك إليه فالكل قد تبرأ منك. الشاهد في قوله "يعزوكا" فهو دليل على أن أصل "عزه" عزوة بالواو لورودها في الفعل. إعراب الشاهد: يعزو: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو يعود على الموصول قبلها، والكاف: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والجملة من الفعل "يعزو" والفاعل "المستتر" لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. 3 تقصى: تتبع. لسان العرب "15/ 186" مادة/ قصا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فإذا ثبت بما قدمناه أن هذه الأسماء محذوفة اللامات فكأنهم إنما عوضوها الجمع بالواو والنون مما لحقها من الجهد والحذف ليكون ذلك عوضًا لها، وذلك أن التكسير ضرب من التوهين1 والتبديل والإشكال يلحق الكلمة، والجمع بالواو والنون إنما هو للأسماء الأعلام التي هم ببيانها معنيون، ولتصحيح ألفاظها لفرط اهتمامهم بها مؤثرون، فقد علمت بذلك غلبتها على غيرها من الأجناس التي تأتي مكسرة نحو: "رجل ورجال" و"كلب وأكلب" فإذا ألحقوا غيرها فذلك تقوية منهم له ورفع منه. ومعنى الإشكال في التكسير أنك تجد المثال المكسر عليه تخرج آحاد كثيرة إليه، ألا ترى أن "أَفْعَالا" قد خرج إليه "فَعَلٌ" نحو "جَمَل وأَجْمال" وخرج إليه "فِعْل" و"فُعْل" و"فِعِلٌ" و"فُعُلٌ" و"فَعِلٌ" و"فُعَلٌ" و"فِعَلٌ" و"فَعُلٌ" وذلك نحو "ضِرْس وأَضْراس" و"بُرْد وأَبْراد" و"إِبِل وآبال" و"عُنُق وأَعْناق" و"كَبِد وأَكْباد" و"رُبَع وأَرْباع" و"ضِلَع وأَضْلاع" و"عَضْد وأَعْضاد"2. وخرج إليه أيضًا "فَعْلٌ" وإن لم يكن في كثرة ما قبله، قالوا: "زَنْدٌ3 وأَزُناد" و"فَرْخٌ وأَفُراخ". وخرج إليه أيضًا ما لحقته الزيادة من ذوات الثلاثة، وذلك نحو "شاهد وأشهاد" و"شريف4 وأشراف". كذلك أيضًا "أَفْعُل" يخرج إليه أمثلة جماعة نحو: "كَعُبٌ وأَكْعُب" و"زَمَنٌ وأَزْمُن" و"قُفْل وأَقْفُل" قرأ بعضهم: "أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفُلُها" [محمد: 24] و"ضِرْس وأَضْرُس" قال5: ................................. ... وقَرَعْنَ نَابَكَ قَرْعَةً بِالأَضْرُسِ6   1 توهين: من وهن أي ضعف. لسان العرب "13/ 453" مادة/ وهن. 2 العضد: ما بين المرفق والكتف. لسان العرب "3/ 292" مادة/ عضد. 3 الزند: العود الأعلى الذي تقدح به النار والأسفل هو الزندة. اللسان "3/ 195" مادة/ زند. 4 الشريف: الغني أو الرفيع القدر. 5 هذا الشطر في الخصائص "2/ 223، 3/ 209". 6 قرع: ضرب. الناب: السن خلف الرباعية والجمع أنياب ونيوب. والشاهد مجيء كلمة "أضرس" على وزن "أفعل" جمعًا لـ "ضرس". إعراب الشاهد ظاهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 و "ضِلْع وأضَلْع" و"ضَبُع وأَضْبُع" قال1: يا أضْبُعًا أَكَلَتْ آيارَ أَحْمِرَةٍ ... ففي البطونِ وقدْ راحتْ قَراقِيرُ2 و"كَبِد وأَكْبُد" وقد خرج إليه أيضًا ما لحقته الزوائد من ذوات الثلاثة، وقالوا: "عُقاب وأَعْقُب" و"أتان وآتُن" و"ذِراع وأَذْرُع". وكذلك غير هذين المثالين من أمثلة الجموع. وقد تخرج إليه آحاد مختلفة الصيغ والأبنية، فقد يجوز أن يعرض الإشكال في الواحد منها، فلا يدرى ما مثاله، ولهذا ما يتفق العلماء في مثال الجمع، وتراهم مختلفين في الواحد، ألا ترى إلى قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [الأحقاف: 15] فمذهب سيبويه3 فيه أنه جمع "شدة" قال: "ومثاله نعمة وأنعم". وحدثنا أبو علي أن أبا عبيدة ذهب إلى أنه جمع "أشد" على حذف الزيادة. قال: وقال أبو عبيدة: وربما استكرهوا في الشعر على حذف الزيادة. وأنشد لعنترة4: عهدي به شَدَّ النهار كأنما ... خُضِبَ اللُّبانُ ورأسه بالعظلم5   1 البيت لرجل ضبي أدرك الإسلام كما في النوادر لأبي زيد "ص295" ونسبه صاحب اللسان لجرير الضبي. لسان العرب "4/ 36" مادة/ أير. 2 أضبعا: جمع ضبع وهو أنثي حيوان من جنس السباع كبيرة الرأس قوية الفكين. آيار: جمع أير وهو عضو التذكير عند الحيوان "القضيب". اللسان "4/ 36" مادة/ أير. أحمرة: جمع حمار وهو معروف. قراقير: من قرقرت البطن إذا صوتت. يخاطب الشاعر قومًا واصفًا لهن بأنهن كالأضبع التي أكلت آيار الحمير فصوتت بطونهن. والشاهد مجيء كلمة "أضبع" جمعًا "لضبع". إعراب الشاهد: أضبعًا: منادى منصوب لأنه نكرة غير مقصودة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. 3 الكتاب "2/ 183". 4 البيت في ديوانه "ص213" وهو من المعلقة. 5 شد النهار: ارتفاعه. خضب: طلى. اللسان "1/ 357" مادة/ خضب. اللبان: شجيرة شوك لا تسمو أكثر من ذراعين، له حرارة في الفم. اللسان "13/ 377". العظلم: صبغ أحمر، وقيل: هو الوسعة. اللسان "12/ 412". يقول: لقد طعنته بالرمح وشججت رأسه وقطعت أصابعه حتى تركت أصابعه ورأسه وكأنهما قد طليا بالصبغ الأحمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وكذلك "أبابيل"1 ذهب بعضهم إلى أنها جمع "إبّالة"2. وذهب آخرون إلى أن واحدها "إبِّيل"3 ز وأجاز آخرون4 أن يكون واحدها "إبَّوْل" مثل "عِجَّوْل". وذهب أبو الحسن5 إلى أنه جمع لا واحد له بمنزلة "عَبَادِيد" و"شَعَالِيل"6. وكذلك "أَسَاطِير" قال قوم7: واحدها "أُسْطُورة". وقال آخرون8: "إِسْطَارة". وقال آخرون" أَسَاطِير" جمع "أَسْطَار" و"أسطار" جمع "سَطْر" وقيل: "إِسْطِير". وقال أبو عبيدة \10: جمع "سطر" على "أَسْطُر" ثم جمعت "أَسْطُر" على "أساطِير". وقال أبو الحسن11: "لا واحد لها". وقرأت على أبي علي عن أبي بكر عن بعض أصحاب يعقوب عنه، قال: قال الأصمعي: قال الحارث بن مُصَرِّف: سابَّ جَحْلُ12 بن نَضْلة معاويةَ بن شَكْلٍ عند المنذرِ أو النعمانِ -شك فيه الأصمعي- فقال جحل: إنه قتالُ ظِباء، تَبّاعُ إماء، مشَّاءٌ بأقْراء،   1 الشاهد في قوله "شد" فقد جاءت مفردًا "أشد" ولكنها قد حذف منها الزيادة، كما أورد المؤلف. الإعراب: شد: ظرف منصوب وعلامة النصب الفتحة. والنهار: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. 1 أبابيل: الجماعات، ويجيء في موضع التكثير، وفي التنزيل العزيز {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل: 3] . لسان العرب "11/ 6" مادة/ أبل. 2 هذا قول الرؤاسي كما في معاني القرآن للفراء "3/ 292". 3، 4 معاني القرآن للأخفش "ص272". 5 معاني القرآن للأخفش "ص272" وهو قول الفراء أيضًا كما في كتابه "معاني القرآن" "3/ 292" وقول أبي عبيدة كذلك كما في مجاز القرآن "2/ 312". 6 "العباديد والشعاليل" بمعنًى واحد وهو الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم. 7، 8 معاني القرآن للأخفش "ص272". 9 السطر: الصف من كل شيء. لسان العرب "4/ 363" مادة/ سطر. 10 الذي في مجاز القرآن "1/ 189" هو واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة. 11 معاني القرآن للأخفش "ص272". 12 كذا في النسخ كلها، والذي في كتاب الإبدال واللسان "قرآ" "2/ 339" "حجل" بتقديم الحاء على الجيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 قَعُوّ الألْيَتَيْنِ1، أفحَج الفَخِذَيْن2، مُفَجّ الساقَيْنِ3، وفي غير هذه الرواية "مُقْبَل النَّعْلَيْن. فقال: أردت أن تُذِيمَه فَمَدَهْتَهُ. قال يعقوب: واحد الأقراء: قَرِيٌّ، وهو مَسِيلُ الماء إلى الرِّياض4. وقال أبو جعفر الرستمي: الأقراء: جمع القَرْو، وهو الذي يُتَّخَذُ من أصولِ النخل يُنْبَذُ فيه. قال أبو علي: القول ما قاله يعقوب، وليس ما أنكره عليه أبو جعفر بمنكرٍ. قال: ونظير ما ذهب إليه يعقوب في أنه وصفه بالتغريب ولزوم الأماكن الموحشة المقفرة قول الهذلي5: السالكُ الثغرةَ اليقظانَ كالئُها ... مَشْيَ الهلوكِ عليها الخَيْعَلُ الفُضُلُ6   1 قعو الأليتين: قال يعقوب: قعو الأليتين ناتئهما غير منبسطهما. اللسان "15/ 192". 2 أفحج الفخذين: واسع بينهما. لسان العرب "2/ 340" مادة/ فحج. 3 فجَّ الساقين: باعد بينهما. لسان العرب "2/ 339" مادة فجج. 4 القصة في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص90" واللسان "2/ 339". 5 هو المنتخل الهذلي يرثي ابنه أثيلة، والبيت في ديوان الهذليين "2/ 34" واللسان "خعل" "13/ 223". 6 الثغرة: موضع المخافة من فروج البلدان. اللسان "4/ 103". كالئها: حافظها. الهلوك: الغنجة المتكسرة تهالك وتغزل وتساقط. الخيعل: درع يخاط أحد شقيه ويترك الآخر تلبسه المرأة كالقميص. اللسان "11/ 210". يرثي الشاعر ابنه ويقول إنه يسلك أرض الأعداء وهم يقظى في سهولة ويسر أو إنه لفرط شجاعته يجتاز الأماكن الموحشة المقفرة دون خوف. والشاهد فى قوله: أنه مدح ابنه بحب السير في الفلوات الموحشة وهذا تأكيد لما قاله يعقوب من قبل. إعراب الشاهد: السالك: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو. الثغرة: مفعول به لاسم الفاعل: السالك، وفاعله ضمير مستتر يعود على أثيلة. اليقظان نعت سببي للثغرة منصوب. كالئها: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة، والهاء مضاف إليه مجرور. عليها: جار ومجرور خبر مقدم. الخيعل: مبتدأ مؤخر. الفضل: نعت مرفوع. وجملة "عليها الخيعل" في محل نصب حال وصاحبها "الهلوك". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وهذا الخلاف بين العلماء في آحاد الجموع سائر عنهم مطرد من مذاهبهم، وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع التكسير تفقد فيه صيغة الواحد فيحتمل الأمرين والثلاثة ونحو ذلك، وليس كذلك مثال جمع التصحيح. ألا ترى أنك إذا سمعت "زَيُدُون" و"عَمْرُون" و"خالِدُون" و"محمدُون" لم يعرض لك شك في الواحد من هذه الأسماء، فهذا يدلك على أنهم بتصحيح هذه الأسماء في الجموع معنيون، ولبقاء ألفاظ آحادها فيها لإدارة الإيضاح والبيان مؤثرون، وأنهم بجمع التكسير غير حافلين، ولصحة واحده غير مراعين، فإذا أدخل في جمع الواو والنون شيء مما ليس مذكرًا عاقلا فهو حظ ناله، وفضيلة خص بها، فلهذا صار جمع "قلة" و"ثبة" و"مائة" و"سنة" ونحو ذلك بالواو والنون تعويضًا لها من الجهد والحذف اللاحقها. ويؤكد عندك أن العناية بواحد جمع التكسير غير واقعة منهم وجودك جموعًا كسرت الآحاد عليها واللفظ فيهما جميعًا واحد، وذلك نحو ما حكاه سيبويه1 من قولهم: "ناقةٌ هِجان2، ونوقٌ هِجان" و"دِرْعٌ دلاص3، وأدرعٌ دلاص" وقالوا أيضًا في جمع "شِمال" وهي الخليقة والطبع: "شِمالٌ". قال عبد يغوث4: .............................. ... وما لَوْمي أخي من شِمالِيا5 أي: من شَمائلي.   1 الكتاب: "2/ 209". 2 ناقة هجان: البيضاء الكريمة. 3 درع دلاص: لينة، براقة، ملساء. اللسان "7/ 37" مادة/ دلص. 4 هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي. شاعر يمني أسره بنو عبد شمس لعداوة كانت بينهم فأرادوا قتله فطلب منهم الرفق به وإحسان قتلته فسقوه حتى ثمل ثم قطعوا شريان يده فنزف حتى مات. وقال هذه القصيدة يرثي بها نفسه قبل أن يموت، ومنها: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر أسيرًا يمانيًا 5 شِماليا: جمع شِمال وهي الطبع، والجمع شمائل. اللسان "11/ 365" مادة/ شمل. يقول: لا تلوماني فاللوم قليل النفع وليس الملام من أخلاقي. والشاهد ذكره المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: شماليا: اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وقالوا أيضًا في تكسير "الفُلْكِ": "الفُلْكُ" فكسروا "فُعْلا" على "فُعْلٍ" وله نظائر، فمجيء الجمع على لفظ الواحد يدل على قلة حفلهم بالفرق بينهما من طريق اللفظ، وأنهم اعتمدوا في الفرق على دلالة الحال ومتقدم ومتأخر الكلام. فإن قلت: فهلا اقتصروا في تصحيح جمع "برة" و"ظبة" ونحوهما على الألف والتاء، فقالوا: "برات" و"ظبات" و"قلات" فأوضحوا عن الواحد بوجود لفظه في الجمع، ولم يقدموا على الجمع ذلك بالواو والنون وإدخال المؤنث غير العاقل على جمع المذكر العاقل؟ فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك وهم يريدون به التعويض من المحذوف لم تكن فيه دلالة على ما أرادوه، ولا شاهد لما قصدوه، وذلك أن كل مؤنث بالهاء فَلَكَ أن تجمعه بالتاء، نحو "ثمرة وثمرات" و"سفرجلة وسفرجلات" محذوفة كانت أو تامة، فلو اقتصروا في تعويض "ثبة" و"قلة" ونحوهما على أن يقولوا "ثبات" و"قلات" لما علم أن ذلك للتعويض، ولظن أنه كغيره من الجمع بالألف والتاء مما لم يحذف منه شيء، ولكن لما أرادوا إعلام التعويض أخرجوه عن بابه، وألحقوه بجمع المذكر العاقل ليعلم أن الذي عرض له وتجدد من حاله، إنما هو لأمر أرادوه فيه ليس في غيره مما لم يجمع بالواو والنون من المؤنث، وهو ما لم يحذف منه شيء، نحو "جوزة" و"رطبة". ويؤكد ذلك عندك أنهم إذا جمعوا بالتاء قالوا في جمع "سنة": "سنوات" وإذا حذفوا قالوا: "سنون" فكانت الواو في "سنون" عوضًا منها في "سنوات"، وهذا واضح، وذلك عادة منهم متى أرادوا أن يعلموا اهتمامهم بأمر وعنايتهم به أخرجوه عن بابه، وأزالوه عما عليه نظائره. من ذلك منعهم فعل التعجب و"حبذا" و"نعم" و"بئس" و"عسى" من التصرف، وتذكيرهم نحو "نِعْمَ المرأةُ هند" وإن كانوا لا يقولون: "قام ذا المرأة" وقد حملهم اعتمادهم هذا الباب وعنايتهم به أن سموا ما فاق في جنسه وفارق نظائره خارجيًّا، قال طفيل1:   1 هو طفيل الغنوي شاعر مجيد عرف بالفصاحة والبيت في ديوانه ص26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وعارضْتُها رَهْوًا على متتابعٍ ... شديدِ القُصَيْرَى خارجيٍّ محنَّبِ1 فسّرُوه أنه الفرس الفائق في جنسه. فإن قلت: فإذا كان جمعهم المؤنث بالواو والنون إنما هو تعويض منهم لما حذف منه، فما بالهم قالوا في "أرض": "أَرْضُون" ولم يحذف من "أرض" شيء، فيعوضوها منه الجمع بالواو والنون؟ فالجواب عن ذلك: أن "أرضًا" اسم مؤنث، وقد كان من القياس في كل اسم مؤنث أن يقع فيه الفرق بين المذكر بالتاء نحو "قائم وقائمة" و"ظريف وظريفة" و"رجل ورجلة" و"ثور وثورة" و"كوكب وكوكبة" و"بياض وبياضة" و"دم ودمة" و"ريح وريحة" و"ماء وماءة" وغير ذلك مما يطول ذكره، فأما ما تُرِكَتْ فيه العلامة من المؤنث فإنما ذلك اختصارٌ لَحِقَهُ لاعتمادهم في الدلالة على تأنيثه على ما يليه من الكلام قبله وبعده، نحو "هذه ريح طَيِّبَة" و"كانت لهم عُرُسٌ مُبَارَكَة" و"لم أَرَ قوسًا أحسنَ من هذه الأقواس" ونحو ذلك. فإذا كان القياسُ في المؤنث والمذكر الفرق بينهما كما يفرق بين التصغير والتكبير، والواحد والاثنين والجماعة، وكانت "أرض" مؤنثة، فكأن فيها هاء مرادة، وكأن تقديرها "أرْضَةٌ" فلما حذفت الهاء التي كان القياس يوجبها عوضوا منها الجمع بالواو والنون، فقالوا: "أرضون"، وفتحوا الراء في الجمع ليدخل الكلمة ضرب من التكسير استيحاشًا من أن يوفوه لفظ التصحيح البتة، وليعلموا أيضًا أن "أرضًا" مما كان سبيله لو جمع بالتاء أن تفتح راؤه، فيقال: "أرَضات". فإن قلت: فأقصى أحوال "أرض" على ما توصلت إليه أن تكون الهاء قد حذفت منها والهاء فيها بعد زائدة، وأنت إنما تعوض من المحذوف إذا كان أصلا لاما أو فاء، فكيف جاز التعويض من الزائد؟   1 رهوًا: عدوًا سهلا. لسان العرب "14/ 343". متتابع: شديد الخلق مشتبهه. القصيري: ضلع الخلف. لسان العرب "5/ 103" مادة/ قصر. محنب: في الخيل ما بين الرجلين، وقيل هو اعوجاج الساقين. اللسان "1/ 335". والشاهد قول الشاعر "خارجي" وهو نعت تنعت به العرب كل من فاق جنسه. إعراب الشاهد: خارجي: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 فالجواب: أن العرب قد أجرت هاء التأنيث مجرى لام الفعل في أماكن: منها: أنهم حقروا ما كان من المؤنث على أربعة حروف، نحو: "عَقْرَب" و"عَناق" و"سُعاد" و"زَيْنَب" بلا هاء، وذلك قولهم: "عُقَيْرِب" و"عُنَيِّق" و"سُعَيِّد" و"زُيَيْنِب". إنما فعلوا، ذلك ولم يلحقوا الهاء كما ألحقوا الثلاثي، نحو "قِدْر وقُدَيْرَة" و"شَمْس وشُمَيْسَة" و"هِنْد وهُنَيْدَة" من أن قبل أنهم شبهوا باء "عقرب" وقاف "عناق" ودال "سعاد" وباء "زينب" وإن كنّ لامات أصولا بهاء التأنيث في نحو "طلحة" و"حمزة" إذ كانت الباء والقاف والدال متجاوزة للثلاثة التي هي أول الأصول وأعدلها وأخفها وأعمها تصرفًا كتجاوز الهاء في "طلحة" و"حمزة" للثلاثة. فكما أن هاء التأنيث لا تدخل عليها هاء أخرى كذلك منعوا الباء في "عقرب" ونحوها أن يقولوا "عقيربة" كما امتنعوا أن يقولوا في "حمزة": "حميزتة" فيدخلوا تأنيثًا على تأنيث، فلولا أنهم قد أحلوا الباء من "عقرب" وهي أصل محل الهاء الزائدة في نحو "طلحة" و"بيضة" و"تمرة" لما امتنعوا أن يقولوا "عقيربة". فهذا حد ما ضارعت فيه هاء التأنيث لام الفعل. ومنها: أنهم قد عاقبوا بين هاء التأنيث وبين اللام، وذلك نحو قولهم "بُرة وبرًا" و"لُغة ولُغًى" و"ظُبة وظبًى" و"لِثة ولِثًى" أفلا تراهم كيف عاقبوا بينهما، حتى إنهم إذا فقدوا اللام جاءوا بالهاء، فقالوا "برة" و"ظبة" وقالوا: "رأيت مئيا" في معنى "مائة" فلما حذفوا اللام جاءوا بالهاء، ولما جاءوا باللام لم يأتوا بالهاء، وهذا أيضًا مما يقرب ما بينهما، ويشهد بتضارعهما. ومنها: أن الهاء وإن كانت أبدًا في تقدير الانفصال فإن العرب قد أحلتها أيضًا محل اللام وما هو من الأصل أو جار مجرى الأصل، وذلك نحو قولهم "تَرْقُوة"1 و"عَرْقُوة"2 و"قَمَحْدُوة"3 فلولا أن الهاء في هذه الحال في تقدير الاتصال لوجب أن تقلب الواو ياء لأنها كانت تقدر طرفًا، فتقلب ياء كما تقلب في نحو "أحْقٍ"   1 الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان. اللسان "10/ 32" مادة ترق. 2 العرقوة: واحد العرقوتين. وهما خشبتان تعترضان على فوهة الدلو. اللسان "10/ 249". 3 القمحدوة: عظمة بارزة في مؤخر الرأس فوق القفا، والجمع قماحد. اللسان "3/ 343". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 جمع "حَقْو"1 و"أدْلٍ" جمع "دلو" فيقال: "عَرْقِية" و"تَرْقِية" و"قَمَحْدِية" كما قالوا: "أحقٍ" و"أدلٍ" و"أجرٍ" فلولا أنهم قد أجروا الهاء في "ترقوة" و"قمحدوة" مجرى الراء في "منصور" والطاء في "عضرفوط" فصحت الواو قبلها كما صحت قبل الراء والطاء، لوجب أن تقلب ياء على ما قدمناه من أمرهما، فكما جاز أن تشبه هاء التأنيث في هذا كله وغيره باللام الأصلية كذلك أيضًا أن تجرى الهاء المقدرة في "أرض" مجرى اللام الأصلية، فيعوض من حذفها من "أرض" أن يجمع الاسم بالواو والنون في "أرْضُون" كما عوِّض من حذف لام "برة" و"مائة" و"سنة" أن تجمع بالواو والنون في "برون" و"مئون" و"سنون"، كما كسرت سين "سنة" في قولك "سِنون" كذلك فتحت راء "أرض" في قولهم "أرَضون" ليدخل الكلمة ضرب من التغيير، ولذلك أجازوا أيضًا في نحو "قلة" و"برة" أن يكسروا أوائلها في "بِرون" و"قِلون" ليدخل المثال أيضًا جزء من التغيير. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم قالوا في جمع "حَرَّة"2 "حَرُّون" وفي "إِحَرَّة": "إِحَرُّون"، وفي "إِوَزَّة": "إِوَزُّون". وقال الراجز3: لا خَمْسَ إلا جَنْدَلُ الإحَرِّين4   1 الحقو: الخصر، ومشد الإزار من الجنب، اللسان "14 / 189" مادة/ حقا. 2 الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار. اللسان "4/ 179". 3 الشاعر هو زيد بن عتاهية كما ذكره اللسان في مادة "حرر" "4 / 180". 4 المعنى: ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة. وكان زيد لما عظم البلاء بصفين قد انهزم ولحق بالكوفة، وكان علي رضي الله عنه قد أعطى أصحابة يوم الجمل خمسمائة من بيت مال البصرة، فلما قدم زيد على أهله قالت له ابنته: أين خمس المائة؟ فقال أبياتًا منها البيت الشاهد هذا. إعراب الشاهد: لا: نافية للجنس تعمل عمل إن. خمس: اسم لا منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة. إلا: أداة استثناء ملغاة لأن الأسلوب ناقص منفي. جندل: خبر لا مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة. الإحرين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وقال الآخر1: فما حَوَتْ نُقْدةُ ذاتُ الحرين ... إلى كَرِيبٍ فنخيل يَبْرِين2 وليست "حرة" ولا "إحرة" ولا "إوزة" مما حذف شيء من أصوله، ولا هو بمنزلة "أرض" في أنه مؤنث بغير هاء. فالجواب: أن الأصل في "إحرة: إحررة" وفي "إوزة: إوززة" وكلتاهما "إفعلة" ثم إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد، فأسكنوا الأول منهما، ونقلوا حركته إلى ما قبله، وأدغموه في الذي بعده، فلما دخل الكلمة هذا الإعلال والتوهين عوضوها منه أن جمعوها بالواو والنون، فقالوا: "إحَرُّون" و"إوَزُّون" ولما فعلوا ذلك في "إحرة" أجروا عليها "حرّة" فقالوا: "حرُّون وإن لم يكن لحقها تغيير ولا حذف، لأنها أخت "إحرة" من لفظها ومعناها، وإن شئت فقل: لأنهم قد أدغموا عين "حرة" في لامها، وذلك ضرب من الإعلال لحقها. فإن قلت: فما بالهم قالوا3: قد رَوِيَتْ إلا دُهَيْدِهِينا ... قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينا4 فجمعوا تصغير "دَهْداهٍ" وهو الحاشية من الإبل و"أبيكرا" تصغير "أبكر" بالواو والنون، وليسا من جنس ما ذكرت؟   1 البيت لم أعثر على قائله، وقد ورد بمعجم البلدان "2/ ص246". 2 كريب: اسم موضع. اللسان "1/ 715". يبرين: اسم بلد. نقدة: اسم حرة. اللسان "3/ 427". وحوت: ضمت. يقول إن الأرض الواقعة بين كريب ونخيل يبرين حوت أرضًا ذات حجارة سود هي المسماة نقدة، والشاهد في قوله "الحرين حيث جاءت جمعًا لـ "حرة". إعراب الشاهد: الحرين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم. 3 البيت لم أعثر على قائله -قد ذكره ابن منظور مادة "بكر" "4/ 80". 4 دهيدهيا: جمعٌ مفرده دهيده وهو تصغير دهداه، والدهداه صغار الإبل. اللسان "13/ 490". والقليصات: جمع القلوص وهي الفتية من الإبل. لسان العرب "7/ 81" مادة/ قلص. والأبيكرين: جمع بكر وهو الفتي من الإبل. لسان العرب "4/ 79" مادة/ بكر. والشاهد فيه قد شرحه المؤلف بالمتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 فالجواب: أن "أبْكُرًا" جمع "بَكْر"، وكل جمع فتأنيثه سائغ مستمر لأنه جماعة في المعنى، فكأنه قد كان ينبغي أن يكون في "أبْكُر" و"أكْلُب" و"أعْبُد" هاء فيكون تقديره "أكلبه" و"أبكرة" و"أعبدة" كما قالوا في غير هذا "فِحالة" جمع "فَحْل" و"ذِكارة" جمع "ذَكَر" و"عُيُورة" و"سُيُورة" و"خُيُوطة" جمع "عَيْر" و"سَيْر" و"خَيْط" و"أعْمِدة" و"أحْمِرة" و"أرْدِية" و"أجْرِبة"1 جمع "عمُود" و"حِمار" و"رِداء" و"جَرِيب". وقالوا "صَيَاقِلة"2 و"مَلائِكَة" جمع "صَيْقَل" و"مَلَك" فكما جاز أن تأتي الهاءُ في هذه الجموع وغيرها، كذلك جاز أيضًا أن تقدر في "أبْكُر" الهاء، فيصير كأنه "أبْكُرة" وقد جاءت الهاء في "أَفْعُلٍ" نفسها. قال الشاعر3: بأَجْرِيةٍ بُقْعٍ عِظامٍ رؤوسها ... لَهُنّ إذا حركن في البطن أَزْمَلُ4 فهذا جمع "جرو" و"أجرية" أفْعُلَة فألحق الهاء في "أَفْعُلٍ". ويدلك على أنه أراد "أفعل" قول الآخر5: وتَجُرُّ مُجْرِية لها ... لَحْمي إلى أجْرٍ حواشب6   1 الجريب: مكيال قدرة أربعة أقفزة. 2 الصيقل: من صناعته الصقل. 3 لم أعثر على قائله، وقد ذكر البيت في الخزانة "3/ 490". 4 أجرية: جمع جرو وهو صغير الكلب، والأسد والسباع. اللسان "14/ 139". بقع: جمع أبقع وهو الأبيض، وقيل: ما خالط بياضه لون آخر. الأزمل: الصوت. يصف الشاعر صغار الكلاب فهي بيضاء عظام الرؤوس يصدرن أصواتًا. والشاهد فيه شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: أجرية: اسم مجرور بالياء وعلامة الجر الكسرة. 5 هو الأعلم الهذلي: والبيت في شرح أشعار الهذليين "ص314". 6 أجْرٍ: جمع جرو وهو صغير الكلب. حواشب: عظيمات البطون. لقد خطفت أم هذه الكلاب الصغيرة لحمي لتطعمه لهم. والشاهد شرحه المؤلف في المتن. إعرابه: أجر: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وجاز أن تجمع "فِعْلا" على "أفعُل" و"أفعُل" على "فَعْل" مفتوحة الفاء، من حيث كان "فَعْل" و"فِعْل" ثلاثيين ساكني العينين. وقد اعتقبا أيضًا على المعنى الواحد نحو "حَجَّ وحِجٍّ" و"فَضّ وفِضّ" و"نَفْط ونِفْط" و"بَرْز وبِرز" و"جَصّ وجِصّ" كما قال الآخر1: ................................... ... وقَرَعْنَ نابَكَ قَرْعَةً بالأَضْرُس2 يريد جمع "ضِرْس". وقال أبو ذؤيب3: .................................. ... في كفه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطُعُ4 يريد جمع "قِطْع" وقالوا أيضًا "ذِئْبٌ وأَذْؤُب" على أن بعضهم قد قال5: إن "أجْرِية" جمع "جِرَاء" و"جِرَاء" جمع "جِرْو". وإنما حمله على هذا المذهب -فيما أحسب- لطف ما ذكرناه عنه. وإذا كان ما ذهبنا إليه في ذلك -وهو مذهب أصحابنا كافة- سائغًا مطردًا جاز أن يكون قول مُرَّة بن مَحْكَان6: في ليلةٍ من جُمادى ذاتِ أنديةٍ ... لا يُبصرُ الكلبُ من ظَلمائها الطُّنُبا7   1 البيت لرجل ضبي أدرك الإسلام كما في النوادر "ص595". 2 سبق شرحه. 3 هو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت في شرح أشعار الهذليين "ص21". 4 نميمة: وسواس همس الكلام. لسان العرب "12/ 592" مادة/ نمم. متلبب: الذي تخرم بثوبه عند صدره. اللسان "1/ 734". الجشء: القضيب الخفيف. اللسان "1/ 49". أجش: شديد الصوت. لسان العرب "6/ 274" مادة/ جشش. أقطع: نصال عراض قصار. لسان العرب "8/ 277" مادة/ قطع. يقول: لقد وشي عن ذلك الرجل همهمة صوته فرأيته يحمل نصالا عِراضًا وقضيبًا. الشاهد في قوله: أقطع فهي جمع قطع. إعراب الشاهد: أقطع: معطوف على جشء مرفوع. 5 هو الجوهري كما في الصحاح "جري". 6 البيت للمرزوقي كما في الخصائص "3/ 52". 7 أندية: جمع ندًى وهو ما يتساقط بالليل. لسان العرب "15 / 313" مادة/ ندى. الطنب: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. لسان العرب "1/ 560" مادة/ طنب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 لا يريد به "أفعِلة" نحو "أحمزة" و"أقفزة"1 كما ذهبتْ إليه الكافة، ولكن يجوز أن يريد به "أفعُلة" بضم العين تأنيث "أفعُل" وجمع "فَعَلٍ" وهو "ندى" على "أفعُل" كما قال ذو الرمة2: ........................................... ... هل الأزْمُنُ اللائي مَضَيْنَ رَوَاجِعُ3 وكما قالوا: "رَسَنٌ4 وأَرْسُنٌ" و"جَبَلٌ وأَجْبُلٌ". والناس في "أندية" إذا أريد بها "أفعِلة" مكسورة العين على ثلاثة أضرب: منهم من قال5: إنه جَمَعَ "فَعَلا" على "أفعِلة" قالوا: وهو شاذ. وذهب أبو الحسن6 إلى أنه جمع "نَدًى" على "نِداء" ليصير مثل "جَمَلٍ وجِمَال" ثم جمع "نِداء" على "أندِية" ليكون كـ "رِشاء7 وأرْشِية" و"رِداء وأردِية". وقال أبو العباس8: زعم بعضهم أنه جمع "نَدِيّ" وذلك أنهم يجتمعون في مجالسهم لِقرى الأضياف.   يقول: لقد كانت تلك الليلة في شهر جُمادى شديدة البرد والظلمة، وكنى عن شدة البرد بتساقط الندى وكنى عن شدة الظلمة بقوله "لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنب". إعراب الشاهد: أندية: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. 1 أقفزة: جمع قفيز وهو مكيال. 2 البيت لذي الرمة، ومطلع القصيدة التي بها الشاهد: "أمنزلتي مي سلام عليكما". 3 أمنزلتي: مثنى منزل وهو مكان النزول. اللسان "11/ 658"، ويعني بهما الصيف والشتاء. مي: اسم محبوبته. الأزمن: جمع زمن. مضين: ذهبن وانتهين. يتمنى الشاعر الماضي الجميل بينه وبين الحبيب. والشاهد في قوله "الأزمن" فقد جاءت جمعًا لزمن على وزن أفعُل. إعراب الشاهد: الأزمن: مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمة. 4 رسن: الرسن: الزمام على الأنف والجمع أرسان. اللسان "13/ 180" مادة/ رسن. 5 ممن قال ذلك الجوهرى كما في الصحاح "ندا". 6 الخصائص "3/ 237". 7 الرشاء: الحبل. لسان العرب "14/ 322". 8 يعني المبرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 كما قال سلامة بن جَنْدَل1: يومان: يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سيرٍ إلى الأعداءِ تأويب2 وكل هذه الأقوال ليست "أندية" فيها لفظ جمع اسم ثلاثي، إنما هو جمع ما كان على "فِعال" أو "فَعِيل" أو نحوهما. والذي ذهبنا نحن إليه من كون "أندية" "أفعُل" بضم العين أمْثَلُ؛ لأن "أفعُلَة" إنما هي تأنيث "أفعُلٍ" و"أفعُلُ" جمع كثير من الثلاثي، وإن كان في "فَعْلٍ" أكثر. وإذا ثبت بما قدمناه أن "أفعُلا" من أمثلة الجموع يجوز في الاستعمال والقياس تأنيثه لم ينكر أن يعتقد أن "أبْكُرًا" قد كان ينبغي أن يكون فيها هاء تأنيث الجماعة، فصار إذن جمعهم إياها بالواو والنون في قوله "وأْبَيْكِرِينا" إنما هو عوض من الهاء المقدرة في "أَبْكُر" فجرى ذلك مجرى "أرض" في جمعهم إياها بالواو والنون في قولهم "أرْضُون". فأما "دْهَيْدِهِينا" فإن واحده "دَهْدَاهٌ" وهو القطعة من حاشية الإبل، فهو نظير "الصِّرْمَة"3 و"الهَجْمَة"4 و"العَكَرة"5 فكأن الهاء فيها لتأنيث الفِرقة والقِطعة، كما أن الهاء في "عُصْبة" و"طائفة" لتأنيث الجماعة، فكأنه كان في التقدير "دَهْداهة" فلما حذفت الهاء وصار "دَهْداهًا" جمع تصغيره بالواو والنون تعويضًا من الهاء المقدرة المرادة في "دهداهة" فقصته أيضًا قصة "أرض" فلذلك قيل "دُهَيْدِهِينا".   1 ابن جندل، والبيت في ديوانه "ص94". 2 المقامات: جمع مقامة والمقامة: المجلس. لسان العرب "12/ 498" مادة/ قوم. الأندية: المجالس جمع ندى، ولا يسمى ناديًا حتى يكون فيه أهله. اللسان "15/ 317". التأويب: أن يسير النهار أجمع وينزل الليل، أو تباري الركاب في السير. اللسان "1/ 220". يماثل هذا البيت كلمة امرئ القيس: اليوم خمر وغدًا أمر. فالشاعر قد جعل حياة قومه ما بين الفخر والشعر في المنتديات والسير إلى الأعداء. والشاهد شرحه المؤلف في المتن، وهو في كلمة "أندية". إعراب الشاهد: أندية: معطوف على مقامات مجرور. 3 الصرمة من الإبل: هي القطيع من الإبل والغنم. لسان العرب "12/ 338". 4 الهجمة: القطعة الضخمة من الإبل وهي ما بين الثلاثين والمائة. اللسان 12/ 602". 5 العكرة من الإبل: القطعة من الإبل، وقيل العكرة الستون منها. اللسان "4/ 600". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 قال أبو علي: وحسّن أيضًا جمعه بالواو والنون أنه قد حُذفت ألف "دَهْداهٍ" في التحقير، ولو جاء على أصله لقيل "دُهَيْدِهة" بوزن "صَلْصال"1 و"صُلَيْصِيل" فواحد "دُهَيْدِهِينا" إنما هو "دُهَيْدِيهٌ" وقد حذفت الألف من مكبّره، فكان ذلك أيضًا مسهلا للواو والنون، وداعيًا إلى التعويض بهما. وعلى هذا قولهم في أسماء الدواهي: "البِرَحُون"2 و"الفِتَكَرُون"3 و"الأقْوَرْون" فكأن واحد "الفِتَكْرِين" "فِتَكْرٌ" وواحد "البِرَحِين" "بِرَحٌ" وواحد "الأقْوَرين" "أقْوَرٌ" وإن لم ينطق بذلك إلا أنه مقدر، وكان سبيله أن يكون الواحد "فِتَكْرة" و"بِرَحة" و"أقْوَرة" بالتأنيث كله، كما قالوا: "داهية" و"مُنْكَرة" و"أم أدْرَاص"4 و"الفَلِيقة" 5 و"أم الرُّبَيْق"6، فلما لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون عوضًا من الهاء المقدرة، وجرى ذلك مجرى "أرض" و"أرضين". وإنما لم يستعملوا في هذه الأسماء الأفراد فيقولوا "بَرِح" و"أَقْوَر" و"فِتَكْرٌ" واقتصروا فيه على الجمعية دون الإفراد من حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال والغلبة. ألا ترى أن الكسائي ذهب في قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْراً} [الكهف: 71] إلى أن معناه "شيئًا داهيًا منكرًا عجبًا" واشتق له من قولهم: "أَمِرَ القومُ" إذا كثروا. وكذلك ما حكاه لنا أبو علي عن الأصمعي من قولهم في الداهية والأمر المنكر: "جئت بها زباء وذات وبر7" فهذا يدل على أنهم قد أرادوا فيها معنى الكثرة والاشتمال، ويشهد بصحة ما ذهب إليه الكسائي. ومثله أيضًا عن الأصمعي "داهية شعراء" فهذا أيضًا من معنى العموم والكثرة، فمعنى الاشتمال والعموم غير مباين لمعنى الجمع، فلذلك اجتمعوا في بعض أسماء الدواهي على الجمع دون الإفراد، لأنه أليق بما قصدوه وأدنى لما أرادوه.   1 الصلصال: الطين الحر خلط بالرمل، ويتصلصل إذا جف فإذا طبخ بالناء فهو الفخار. 2 البرحون: جمع برح وهو الداهية والشدة، وبنات برح: الدواهي والشدائد. 3 الفكترون: جمع الفتكر وهي الدواهي والشدائد. لسان العرب "5/ 44". 4 يقال وقع في أم أدراص مضللة: يضرب ذلك في موضع الشدة والبلاء. اللسان "7/ 35". 5 الفليقة: الداهية، والأمر العجب. لسان العرب "10/ 311" مادة/ فلق. 6 أم الربيق: من أسماء الداهية، ومن أسماء الحرب والشدائد. اللسان "10/ 114". 7 قال الفيروزآبادي: الأزبيّ: الأمر والشر العظيم. اللسان "4/ 338" مادة/ زباه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وهذا الذي ذهبت إليه، وأقمت الأدلة عليه أحد ما أخذته عن شيخنا أبي علي وهو معنى قوله وجمل مذهبه الذي حصله عن جلة أصحابه، وقد أوردت ألفاظه فيه، وفتقت كلامه، وأوضحت معانيه، فاعرفه، فإنه من غامض هذه الصناعة ولطيفها، وقس عليه ما جرى مجراه، فهذا كله يؤكد عندك أنهم إنما جمعوا بالواو والنون ما ليس مذكرا عاقلا، لأنهم عوضوه ذلك من الحذف أو الإعلال العارض له. فإن قلت: فيلزمك على هذا أن تقول في "قِدْرٍ": "قِدْرُون" لأنها مؤنثة بغير هاء، وكذلك في "نَعْلٍ": "نَعْلُون" وفي "عَناقٍ": "عناقُون" وفي "يدٍ": "يدُون" لأنها محذوفة، وفي "شابّة"1: "شابُّون" لأنها مسكنة الحرف الأول مدغمتُهُ. فالجواب: أن ذلك لا يجوز شيء منه كما جاز غيره مما قدمنا ذكره، وذلك أنه قد كان القياس في: "ثُبُون" و"ظُبُون" و"أرضُون" و"إِحَرُّون" و"إِوَزُّون" و"أُبَيْكِرِين" و"الدُّهَيْدِهِين" و"الفِتَكْرِين" و"البِرَحِين" ألا يجوز شيء منه إذ كانت الواو للمذكر العاقل، وهذه مؤنثة غير ذات عقل، ولكنهم فعلوا ما فعلوه توسعًا وعلى ضرب من التأول، فإ جاء له نظير فقد عرفت طريقه، وإن لم تسمع له نظيرًا لم تقس عليه غيره لأنه لم يَنْقَدْ في بابه. ومثل ما تقدم قولهم في اسم البلد: "قِنَّسْرُون" و"فِلَسْطُونَ" و"يَبْرُونَ"، "نَصِيبْونَ" و"صَرِيفُونَ" و"عانِدُونَ". ووجه الجمع في هذه الأشياء أنهم جعلوا كل ناحية من "فِلَسْطِين" و"قِنَّسْرِينَ" كأنه "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ" وكأن واحد "يِبْرِينَ": "يَبْرٌ"2 وواحد "نَصِيبِينَ": "نَصِيبٌ" وواحد "صَرِيفِينَ" و"عانِدينَ": "صَرِيفٌ" و"عانِدٌ". وكذلك "السَّيْلَحُون"3 كأن واحدها "سَيْلَحٌ" وإن لم ينطق به مفردا، و"الناحية" و"الجهة" مؤنثتان، فكأنه قد كان ينبغي أن تكون في الواحد هاء، فصار "فِلَسْطٌ" و"قِنَّسْرٌ"   1 الشابة: المرأة الفتية. لسان العرب "1/ 480" مادة/ شبب. 2 يبر: واحدة يبرين، ويبرين اسم موضع يقال له رمل يبرين. لسان "5/ 293". 3 سيلح: واحدة السيلحون وهو اسم موضع. لسان العرب "2/ 488" مادة/ سلح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 المقدر كأنه كان يبنغي أن يكون "فِلَسْطة" و"قِنَّسْرة" و"يَبرة" و"نَصِيبة" و"صَرِيفة" و"عانِدة" و"سَيْلَحة" فلما لم تظهر الهاء وقد كان "قِنَّسْر" في القياس في نية الملفوظ به عوضوه الجمع بالواو والنون، وأجري في ذلك مجرى "أرْضٍ" في قولهم "أرْضُون". وكذلك قوله عزَّ اسمه: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 18-19] كأنه جمع "عِلِّيّ" وهو "فِعِّيل" من العُلُّوّ، كأنه مما كان سبيله أن يكون "عِلِّيَّة" فيذهب بتأنيثه إلى الرفعة والنباوة، على أنهم أيضًا قد قالوا للغرفة "عِلِّيَّة": لأنها من العلو، فجرى ذلك مجرى "فلسطينَ" و"يبرينَ" و"قنسرينَ" و"صريفينَ" و"نصيبينَ". وأما من قال "فلسطينُ" و"يبرينُ" و"قنسرينُ" و"صريفينُ" و"نصيبينُ" فجعل النون حرف الإعراب، ورفعها، فأمره واضح، لأنه واحد لا جمع له، أو جمع لا واحد له مستعمل. ومثله قوله تعالى: {مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] 2 فهو "فِعْلِين" من الغُسالة3. وكذلك "اليَاسِمُون"4 وكأنه جمع "ياسِم" وكأنه في التقدير "ياسِمة" بالهاء؛ لأنهم ذهبوا إلى تأنيث الريحانة والزهرة. فأما "الماطرون" فليست النون فيه زائدة، لأنها تعرب، قال الشاعر5: ولها بالماطِرونِ إذا ... أكلَ النمل الذي جمعا6 بكسر النون، فالكلمة إذن رباعية. ومن قال: "ياسِمِينٌ" فأمره واضح.   1 الأبرار: المحسنون. لسان العرب "4/ 52" مادة/ برر. والشاهد أوضحه المؤلف. 2 الغسلين: صديد أهل النار. لسان العرب "11/ 495"، والشاهد أوضحه المؤلف في المتن. 3 غسالة الثوب: ما خرج منه بالغسيل. لسان العرب "11/ 494" مادة/ غسل. 4 الياسمون: تكسر سينه وتفتح، والكسر المشهور، وهو فارسي معرب. اللسان "12/ 647". 5 غزاه ابن منظور للأخطل. لسان العرب "13/ 409" مادة/ مطرن. 6 الماطرون: موضع. لسان العرب "13/ 409" مادة/ مطرن. والشاهد في البيت في كلمة "الماطرونِ" حيث كسر الشاعر النون بحرف الجر مما يدل على أنها أصلية وليست زائدة للإلحاق بجمع المذكر السالم. إعراب الشاهد: الماطرونِ: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 ونظيرُ "عِلِّيُّون" و"فِلَسْطُونَ" العقود من "عشرينَ" إلى "تسعينَ" فكأن "عِشْرُون" جمع "عِشْرٍ" و"ثلاثونَ" جمع "ثَلاثٌ" و"أرْبعونَ" جمع "أرْبَعٍ" وليس الأمر كذلك، لأن "العِشْرَ" غير معروف إلا في أظماء الإبل، ولو كان "ثلاثون" جمع "ثلاث" لوجب أن يستعمل في "تسعة" وفي "اثني عشر" وفي "خمسة عشر" وكذلك إلى "سبعة"، ولجاز أن يتجاوز به إلى ما فوق الثلاثين من الأعداد التي الواحد من تثليثها فوق العشرة، نحو "ثلاثة وثلاثين" لأن الواحد من تثليث هذه "أَحَدَ عَشَرَ" وكذلك "ستة وثلاثون" لأن الواحد من تثليثها "اثنا عشر" وكذلك ما فوق ذلك من الأعداد. وكذلك أيضًا القول في "أربعين" و"خمسين" إلي "التسْعِين" كالقول في "ثلاثين" فندعه هربًا من الإطالة بذكره. فقد ثبت أن "ثلاثين" ليس جمع "ثلاث" وأن "أربعين" ليس جمع "أربع" ولكنه جرى مجرى "فلسطين" في أن اعتُقِدَ له واحد مقدر وإن لم يجر به استعمال، فكأن "ثلاثين" جمع "ثلاث"، و"ثلاثٌ" جماعة، فكأنه قد كان ينبغي أن تكون فيه الهاء، فعوض من ذلك الجمع بالواو والنون، وعاد الأمر فيه إلى قصة "أرض" و"أرضون" وهو في ذلك أشبه حالا من "فلسطُون" لأنه جمع في الحقيقة و"فلسطون" وأخواتها إنما هي جمع على ضرب من التأول، ولأجل ما ذكرناه من أن مذهب الجمعية في "يَبْرُون" إنما هو على التأول ما جازت فيه اللغتان "يَبْرُون" و"يَبْرِين" و"فلسطُون" و"فلسطِين" ولم تجز في "أربعون" "أربعين" ولا في "عشرون" "عشرين" لأن مذهب الجمع فيه أغلب وأقوى منه في "فلسطين" وبابها. فأما قول سُحَيْم بنِ وَثِيل1: وماذا يَدَّرِي الشعراءُ منّي ... وقد جاوزتُ حدَّ الأربعينِ2   1 ابن وثيل: البيت في الأصمعيات "ص19" والخزانة "3/ 414"، واللسان "دري" "14/ 255" والعيني "1/ 191" وذكر العيني أن الأصمعي قال: "وهذا الشاهد لأبي زبيد الطائي". 2 يدري: يختل. جاوزت حد الأربعين: كناية عن الخبرة والحنكة. يقول: ماذا يبغي الشعراء من مشاغبتي وعنادي وقد كبرت وتحنكت. والشاهد في كلمة "الأربعين" كما ذكر المؤلف. الإعراب: الأربعين: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 فلسيت النون في "الأربعين" حرف إعراب، ولا الكسرة فيها علامة جر الاسم، وإنما هي حركة التقاء الساكنين، وهما الياء والنون، وكسرت على أصل حركة الساكنين إذا التقيا، فلم تفتح كما تفتح نون الجمع لأن الشاعر اضطر إلى ذلك لئلا تختلف حركة حرف الرويّ في سائر الأبيات، ألا ترى أن فيها1: أخو خمسينَ مجتمِعٌ أشُدّي ... ونجَّذَني مداورة الشُّؤونِ2 ويدلك على أن الكسرة في نون "الأربعينِ" ليست جرًّا، وأنها كسر التقاء الساكنين قول ذي الإصبع3: إنِّي أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظةٍ ... وابنُ أبيٍّ أبيٍّ منْ أبيِّين4 فـ "أبيُّون" جمعُ "أبيٍّ" مثل "ظريفِين" من "ظريفٍ" فكما لا يشك في أن كسرة نون "أبيينِ" إنما هي لالتقاء الساكنين لأنه جمع تصحيح مثل: "الزيدينَ" و"العمرينَ" كذلك ينبغي أن تكون كسرة نون "الأربعين". وكذلك قول الآخر 5:   1 البيت في الأصمعيات "ص19" وهو يلي الشاهد السابق. اللسان "3/ 513" مادة/ نجذ. 2 نجذني: حنكني وعرفني الأشياء. لسان العرب "3/ 513" مادة/ نجذ. مداورة: معالجة. لسان العرب "4/ 297" مادة/ دور. الشؤون: الأمور. ومجتمع الأشد: كناية عن كمال قوى البدن والعقل. لقد بلغت الخمسين وتحنكت وما حنكني إلا كثرة التجارب في حياتي من معالجتي لشئوني. والشاهد في قوله: الشؤون: فقد جاءت مكسورة مما يؤكد أن كسر نون الأربعين في البيت السابق كان ضرورة شعرية كي يتوافق مع حركة حرف الروي. إعراب الشاهد: الشؤون: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. 3 البيت لذي الإصبع العدواني كما نسبه صاحب المفضليات، وابن منظور. اللسان "14/ 5". 4 أبيّ: أرفض الذل. لسان العرب "14/ 5" مادة/ أبي. ذو محافظة: صاحب دفاع عن أهلي وعشيرتي. وكذلك ذو حفيظة. اللسان "7/ 442". إنني كريم عزيز أرفض الذل وهذه الصفة ورثتها عن آبائي. والشاهد: بينه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد: أبيين: اسم مجرور بـ "من" وعلامة الجر الياء. 5 البيت للفرزدق كما في الكامل للمبرد "2/ 107". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 ...................................... ... إلا الخلائفَ من بعد النَّبِيِّينِ1 وهذه أيضًا جمع "نبيّ" على الصحة لا محالة، فكُسِرتْ نون الجمع في هذه الأشياء ضرورة، وأجريت في ذلك مجرى نون التثنية، فلم يوقعوا بينهما فصلا لما ذكرت لك. فاعرف هذا من حال واو الجمع، فقد تَقَصَّيْتُهُ، وقسمت وجوهه، واغترقت طرق الكلام فيه. وتزاد الواو في الفعل علامة للجمع والضمير نحو "الرجال يقومون ويقعدون". وتزاد علامة للجمع مجردة من الضمير في قول بعض العرب2: "أكلوني البراغيث"3 وعلى هذا أحدُ ما تُؤُوِّلَتْ عليه الآية {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: من الآية 3] 4 فيمن لم يجعل في {وَأَسَرُّوا} ضميرًا. ومثل ذلك سواء قوله تعالى {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: من الآية 71] 5 وقال الشاعر6:   1 الخلائف: جمع خليفة وهو من ينوب مكانك في الأمر. لسان العرب "9/ 83" مادة/ خلف. لم يقم أحد مكان أحد بحق إلا الخلفاء الذين قاموا مقام الأنبياء في حراسة الدين وسياسة الدنيا. والشاهد: مجيء كلمة "النبيينِ" مكسورة النون مع أنها زائدة مع الياء للدلالة على جمع المذكر السالم، وذلك لكي تتناسب مع حركة الروي في باقي أبيات القصيدة. 2 قد حكى هذه اللغة البصريون عن طيء وحكاها بعضهم عن أزد شنوءة كما في "أوضح المسالك" "2/ 98"، وانظر الكتاب "2/ 40، 41". 3 الكتاب "10/ 20". 4 النجوى: ما ينفرد به الجماعة والاثنان سرًّا كان أو ظاهرًا. اللسان "15/ 309" مادة/ نجا. والشاهد في الآية قوله تعالى: {أَسَرُّوا} قالوا وهنا علامة على الجمع، وفاعل أسروا: الذين ظلموا على رأي. 5 عمُوا: تعاموا. صمُوا: لم يسمعوا. والشاهد في هذه الآية كسابقتها. 6 اختلاف في نسب البيت فقال بعضهم إنه لأمية بن أبي الصلت، وقال آخرون إنه لأصبحة بن الجلاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 يلومونني في اشتراء النخيل ... أهلي وكلهم أَلْوَمُ1 فاعرفه. وتزاد أيضًا بعد هاء الإضمار نحو "ضَرَبْتُهُو" و"كَلَّمْتُهُو" فهذه الواو في المذكر نظيره الألف في المؤنث نحو "ضَرَبْتُها" و"كَلَّمْتُها" وربما حذفت في الشعر في الوصل، قال2: وما له من مجدٍ تليدٍ وما لَهُ ... من الريح حظٌّ لا الجنوب ولا الصبا3 وتزاد بعد ميم الإضمار نحو "ضربْتُهُمُو" و"هُمُو قَامُوا" وتحذف تخفيفًا. واعلم أن العرب قد تشبع الضمة، فتحدث بعدها واو، أنشدنا أبو علي4: وأنني حوْثُ ما يشري الهوى بصري ... من حوث ما سلكوا أدنُو فأنْظُورُ5 يريد: "فأنْظُر" فأشبع ضمة الظاء، فتولد بعدها واو.   1 يلومنني: يعاتبني. يقول: إن أهلي يعاتبونني على اشترائي النخيل مع أنهم هم الذين يستحقون اللوم والعتاب. والشاهد فيه قوله "يلومونني" قالوا وفي الفعل على رأي بعض النحاة ليست ضمير إنما هي علامة جمع وعلى قولهم يصبح الفاعل في الجملة قوله "أهلي". 2 البيت للأعشى من قصيدة هجا فيها عمرو بن منذر. 3 التليد: القديم. لسان العرب "3/ 99" مادة/ تلد. والجنوب: ريح تخالف الشمال تأتي عن يمين القبلة، محملة بالخير والمطر. اللسان "1/ 281". يقول: إنه ليس له من مجد يعتز به ولا غنى حيث أن أرضه مقفرة قاحلة لا تأتيها رياح الجنوب ولا رياح الصبا المحملتان بالماء. والشاهد في قوله "له" حيث حذف الواو والأصل "لهو" وذلك للضرورة. إعراب الشاهد: له: جار ومجرور خبر مقدم. 4 سبق تخريجه. 5 حوث: حيث، وهي رواية عن العرب لبني تميم. اللسان "2/ 140". سلكوا: ساروا. أدنو: أقترب. يقول: إن الهوى يسوقني إلى الطريق الذي سلكوه كي أنظر إليهم. والشاهد في قوله "أنظور" فقد اراد "أنظر". إعراب الشاهد: أنظر: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 ولقد يتوجه على هذا عندي قول الشاعر1: هجوتَ زبّانَ ثم جئتَ معتذرًا ... من هجوِ زبانَ لم تهجُو ولم تَدَعِ2 فكأنه أراد "لم تهجُ" بحذف الواو للجزم، ثم أشبع ضمة الجيم، فنشأت بعدها الواو، ويجوز أيضًا أن يكون ممن يقول في الرفع "هو يهجو" فيضم الواو، ويجريها مجرى الصحيح. فإذا جزم سكنها، فتكون علامة الجزم على هذا القول سكون الواو من "تهجو" كما أسكن الآخر ياء "يأتي" في موضع الجزم، فقال3: ألم يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بما لاقت لَبُونُ بَنِي زِيادِ4 فكأنه ممن يقول: "هو يأتيُك" وسنذكر ذلك في حرف الياء بإذن الله تعالى. وقد استعمل أبو تمام -وإن كان محدثا- ما ذكرناه من إشباع الضمة حتى نشأت بعدها واو، وذلك قوله5: يقول فيسمعُ، ويمشي فيسرعُ ... ويضرب في ذات الإله فيوجعُ6 فالواو في اللفظ بعد العين في "يسمعُ" إنما هي إشباع ضمة العين، وذلك أن البيت لا يُقَفَّى ولا يصرع في وسط المصراع الأول، وأما الواو بعد عين "يسرعُ" فواو   1 البيت لأبي عمرو بن العلاء يخاطب الفرزدق عندما جاء معتذرًا من أجل هجو بلغه عنه. 2 هجوت: أي شتمه بالشعر، وهو خلاف المدح. اللسان "15/ 353". زبان: اسم أبي عمرو بن العلاء قائل البيت. يقول: لقد هجوتني ثم أتيت تعتذر إليَّ فكأنك لم تهجني ولم تترك هجائي. والشاهد مجيء الفعل "تهجو" بالواو مع أنه في محل جزم وهذه الواو ليست واو الفعل وإنما هي إشباع لضمة الجيم. إعراب الشاهد: تهجو: فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة على رأي، وقد أوضح المؤلف بالمتن الوجه الآخر. 3 سبق تخريجه. 4 سبق بيان البيت والشاهد فيه وإعرابه. 5 البيت من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري. 6 يقول فيسمع: كناية عن قوة الصوت. ويمشي فيسرع: كناية عن النشاط والقوة. والشاهد شرحه المؤلف بالمتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 الإطلاق، وذلك أن البيت مُقَفًّى، والبيت إذا كان مُقَفًّى أو مَصَرَّعًا جرى على عروضه ما يجري على ضربه، وهذا بين حال التصريع والتقفية. وكما تزاد هذه الواو لإشباع الضمة فكذلك قد تحذف تخفيفًا. قال الأخطل1: كَلَمْعِ أيدي مَثاكيلٍ مُسَلَّبةٍ ... يَنْدُبْنَ ضَرْسَ بَناتِ الدهرِ والخُطُبِ2 يريد: الخطوب. وقال الآخر3: حتى إذا بَلَّتْ حَلاقيمَ الحُلُقْ يريد: الحُلُوق. وقال الآخر5: أن تَرِدَ الماء إذا غاب النُّجُمْ6 يريد: النجوم. ويجوز أن يكون جمع "فَعْلا" على "فُعْل" ثم ثَقَّل. فهذه حال الواو المزيدة المصوغة في أنفس الكلم.   1 البيت في شعره "251". انظر/ لسان العرب "11/ 89" مادة/ ثكل. 2 المثاكيل: النساء اللواتي يبكين فقيدهم والواحدة ثكلى. لسان العرب "11/ 89" مادة/ ثكل. مسلبة: محدة على زوجها. لسان العرب "1/ 473" مادة/ سلب. ويقال ضرسته الخطوب ضرسًا: عجمته، وضرس السبع فريسته: مضغها ولم يبلعها. الشرح: شبه الشاعر سرعة أيدي هذه الإبل في المشي بسرعة لطم النسوة المثاكيل. والشاهد: حذف الواو في "الخطب" فالأصل "الخطوب" وذلك للضرورة. إعراب الشاهد: الخطب: معطوف على الدهر مجرور وعلامة الجر الكسرة. 3 نسبه ابن منظور للفارسي. لسان العرب "10/ 58" مادة/ حلق. 4 الحلاقيم: جمع حلقوم وهو مجرى النفس والسعال من الجوف. اللسان "12/ 150". الحلق: الحلوق واحدها الحلق وهو مساغ الطعام والشراب إلى المرئ. اللسان "10/ 58". والشاهد في "الحلق" فقد حذف الشاعر الواو للضرورة والأصل "الحلوق". إعراب الشاهد: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة. 5 البيت للأخطل "ص251"، والمنصف "1/ 394". 6 النجم: أراد النجوم وهي موضع الشاهد حيث حذف الواو لمناسبة الروي والقافية. إعراب الشاهد: النجم: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 فأما إذا لم تكن الحاجة ممزوجة بأنفس الأمثلة فتأتي على أربعة أضرب، وهي: واو العطف، والواو التي بمعنى مع، وواو الحال، وواو القسم. فأما واو العطف فنحو قولك: "قام زيد وعمرو" وليس فيها دليل على المبدوء به في المعنى، لأنها ليست مُرَتِّبة، قال لبيد1: أُغْلي السباءَ بكلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ ... أو جَوْنةٍ قُدِحَتْ، وفُضَّ خِتامُها2 فقوله: "قدحت" أي "غرفت" ومنه سميت المغرفة مقدحة، وفض ختامها: فتح رأسها، وإنما تغرف بعد أن تفتح، فقد علمت أن "قدحت"، مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى. وعلى هذا يتوجه قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [مريم: 43] 3 فبدأ بالسجود قبل الركوع لفظًا، وهو مؤخر معنى، ولذلك لم يلزم عند أبي حنيفة4 وأصحابه من قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] 5 الآية تقديم بعض الأعضاء على بعض في الغسل، وذلك أنها معطوفة بالواو، ولا ترتيب فيها.   1 البيت من معلقته وهو في ديوانه "ص314" وشرح القصائد العشر "ص242". 2 السباء: شراء الخمر. الأدكن: لون الأدكن كلون الخز الذي يضرب إلى الغبرة. العاتق: الخمر القديمة. اللسان "10/ 237". الجونة: الخابية المطلية بالقار. قدحت: أي فضه. وفض خاتمها: إذا كسره وفتحه. اللسان "7/ 207". أفضل الخمر التي قد وضعت بالزق الأغبر أو الجونة المطلية بالقار. والشاهد في قوله: "قدحت وفض خاتمها" كما أوضح المؤلف. إعراب الشاهد: قدحت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء للتأنيث، والواو للعطف. وفض: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، وخاتمها: نائب فاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه، وجملة قدحت: في محل جر نعت ل "جونة". اقنتي: من القنوت وهو الطاعة والدعاء. والآية شاهد على أن الواو لمجرد الجمع ولا تفيد ترتيبًا إذ أن الركوع قبل السجود، وفي الآية قدم السجود على الركوع. 4 انظر/ المغني لابن قدامة "1/ 136". 5 المقصود من الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} . [المائدة: من الآية6] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وكلمني بعضهم، فقال: أنا أوجدك في الآية ترتيبًا، وهو قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: من الآية6] قال: والفاء للترتيب بلا خلاف، وحكى ذلك عن بعض متأخريهم -وأحسبه ابن القطان رحمه الله- فقلت له: قد ذهب عليك ما في الحال، وذلك أن معنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: إذا عزمتم على الصلاة، وأردتموها، وليس الغرض -والله أعلم- في {قمتم} النهوض والانتصاب، لأنهم قد أجمعوا أنه لو غسل أعضاءه قبل الصلاة قائمًا أو قاعدًا لكان قد أدى فرض هذه الآية، فالفاء إذن إنما رتبت الغسل والمسح عقيب الإرادة والعزم، ولم تجعل للغسل مزية في التقدم على المسح، لأن المسح معطوف على الغسل بالواو في قوله: {وَامْسَحُوا} فجرى هذا مجرى قولك: "إذا قمت فاضرب زيدًا واشتم بكرًا" فلو بدأ بالشتم قبل الضرب كان جائزًا، فالفاء لم ترتب الغسل قبل المسح، ولا الضرب قبل الشتم، ولم ترتب أيضًا نفس المغسول به، لأن المغسول معطوف بعضه على بعض بحرف لا يوجب الترتيب، وهو الواو، وهذا واضح، فَفَهِمَهُ، وعرف الحقيقة فيه. ونظير "قمتم" في هذا الموضع قوله عَزَّ اسْمُهُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] 1 وليس يراد هنا -والله أعلم- القيام الذي هو المثول والتنصيب وضد القعود، وإنما هو من قولهم: "قمت بأمرك" و"عليَّ القيامُ بهذا الشأن" فكأنه -والله أعلم- الرجال متكلفون لأمور النساء معنيون بشؤونهن. فكذلك قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} أي: إذا هممتم بالصلاة، وتوجهتم إليها بالعناية، وكنتم غير متطهرين، فافعلوا كذا وكذا، لابد من هذا الشرط، لأن من كان على طهر وأراد الصلاة لم يلزمه غسل شيء من أعضائه لا مرتبًا ولا مُخَيَّرًا فيه، فيصير هذا كقوله عز وجل {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وهذا، أعني قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} فافعلوا كذا، وهو يريد: إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف ذلك للدلالة عليه أحد الاختصارات التي في القرآن،   1 قَوَّامُون: جمع قوام صيغة مبالغة على وزن فعال، والقوامة هنا المقصود بها ما جاء بالمتن وهو تكليف الرجال بأمور النساء والاعتناء بهن. اللسان "12/ 499" مادة/ قوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ومنه قول طرفة1: فإن مِتُ فانْعِينِي بما أنا أهْلُهُ ... وشُقِّي على الجيبَ يا ابنةَ مَعْبَدِ2 فتأويله: فإن مِتُ قَبْلَكِ، لا بد من أن يكون الكلام معقودا على هذا، لأنه معلوم أنه لا يكلفها نعيه والبكاء عليه بعد موتها إذ التكليف لا يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه، بل لا حياة عنده، وهذا واضح، وهو شيء اعترض الكلام، فقلنا فيه، ثم نعود إلى أمر الواو. واعلم أن حرف العطف هذا قد حذف في بعض الكلام، إلا أنه من الشاذ لا ينبغي لأحد أن يقيس عليه غيره، حدثنا أبو علي، قال: حكى أبو عثمان3: أكلت لحمًا، سمكًا، تمرًا، يريد: لحمًا، وسمكًا، وتمرًا، وقال4: ما ليَ لا أبكِي على عِلاتي ... صَبائحي غَبائقي قَيلاتي5   1 البيت من معلقته وهو في ديوانه "ص41" وشرح القصائد العشر "ص54". 2 انعيني: من النعي؛ وهو إذاعة خبر الميت. اللسان "15/ 334" مادة/ نعا. شق الجيب: من العادات الجاهلية في الحزن على الميت والجيب فتحة تكون عند الصدر. يا ابنة معبد: ابنة أخي الشاعر. يقول: إذا مت فأذيعي خبر موتي بالتصويت واللطم وشق الجيب. والبيت شاهد على الإيجاز بالحذف كما أورد ابن جني فالأصل "فإن مت قبلك" وحذف قبلك لأنها مفهومة من السياق. إعراب الشاهد: الفاء على حسب ما قبلها. إن: أداة شرط جازمة. مت: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل في محل جزم فعل الشرط، والتاء: ضمير مبني في محل رفع فاعل. فانعيني: الفاء واقعة في جواب الشرط، انعيني: فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بياء المفردة المخاطبة وياء المخاطبة ضمير مبني في محل رفع فاعل والنون للوقاية وياء المتكلم: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. وجملة "فانعيني" في محل جزم جواب الشرط. 3 الخصائص "2/ 280". 4 البيتان في اللسان "صبح" "3/ 334". 5 الصبائح: جمع صبوح وهو ما شرب بالغداة فما دون القائلة. اللسان "2/ 503" مادة/ صبح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 أراد: وغبائقي، وقيلاتي فحذف حرف العطف. وهذا عندنا ضعيف في القياس، معدوم في الاستعمال. ووجه ضعفه أن حرف العطف فيه ضرب من الاختصار، وذلك أنه قد أقيم مقام العامل؛ ألا ترى أن قولك: قام زيد وعمرو، أصله: قام زيد وقام عمرو، فحذفت "قام" الثانية، وبقيت الواو كأنها عوض منها، فإذا ذهبت تحذف الواو النائبة عن الفعل تجاوزت حد الاختصار إلى مذهب الانتهاك1 والإجحاف2، فلذلك رفض ذلك، وقد تقدم من القول في هذا المعنى ما هو مغنٍ بإذن الله تعالى. وشيء آخر، وهو أنك لو حذفت حرف العطف لتجاوزت قبح الإجحاف إلى كلفة الإشكال، وذلك أنك لو حذفت الواو في نحو قولك: ضربت زيدًا وأبا عمرو، فقلت: ضربت زيدًا أبا عمرو، لأوهمت أن زيدًا هو أبو عمرو، ولم يعلم من هذا أن "زيدا" غير "أبي عمرو" فلما اجتمع إلى الإجحاف الإشكال قبح الحذف جدًّا. وكما أنابوا حرف العطف عن العامل فيما ذكرنا وما يجري مجراه، نحو: ضربت زيدًا فبكرًا، وكلمت محمدًا ثم سعيدًا، وجاءني محمد لا صالح، كذلك أيضًا قد أنابوا الواو مناب "رب" في نحو قوله3:   الغبائق: جمع غبوق وهو الشرب بالعشي. لسان العرب "10/ 281" مادة/ غبق. القيلات: جمع قيلة وهي اللبن الذي يشرب وقت الظهيرة. اللسان "10/ 503" مادة/ صبح. ويختلف معنى البيت باختلاف تأويل تلك الكلمات. فعلى حسب التأويل الأول: يقول الشاعر لماذا لا أبكي أي أبكي على علاتي في وقت اللهو وقت الشراب إذن هو لا يحس بمتعة إذا كانت متعته مختلطة بالبكاء. وعلى حسب التأويل الثاني: يقول إنني أبكي ضياع جميع إبلي فلم يعد لي مال فلذلك اعتللت. والشاهد في البيت أورده ابن جني في المتن. إعراب الشاهد: صبائحي: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة منع من ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. غبائقي: معطوف على صبائحي منصوب، والياء مضاف إليه. وكذا قيلاتي. 1 الانتهاك: المبالغة في خرق محارم الشرع وإتيانها. اللسان "10/ 501" مادة/ نهك. 2 الإجحاف: مقاربة الإخلال بالأمر. اللسان "9/ 22" مادة/ جحف. 3 سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وقاتمٍ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَق1 وفي قوله2: وبلدٍ عاميةٍ أعماؤُهُ ... كأنَّ لو أرضِهِ سماؤُهُ3 وقوله4: وليلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ5 وفي قوله6: ومَنْهِلٍ مِن الأنيسِ نائي7 تقديره: ورُبَّ كَذَا، وهذه الواو حرف عطف.   1 الأعماق: أطراق المفاوز البعيدة، وقيل الأطراف. الخاوي: الخالي. والشاهد في البيت إقامة الواو مكان "رب" في "وقاتم". إعراب الشاهد: الواو: حرف قام مقام رب. قائم: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة الظاهرة. 2 البيتان لرؤبة بن العجاج. 3 الأعماء: أراد متناهية في العمى. لسان العرب "15/ 98" مادة/ عمى. يصف الشاعر في بيته مفازة فيقول إنها شديدة الإضلال فلا يهتدى فيها. والشاهد في قوله "وبلد" فقد قامت الواو مقام رب. إعراب الشاهد كما سبق في "وقاتم". 4 البيت لرؤبة بن العجاج كما في مجاز القرآن "2/ 221، 232". 5 الندى: ما يسقط بالليل والجمع أنداء وأندية. اللسان "15 / 313" مادة/ ندى. سريت: من السرى وهو السير عامة الليل. الشرح: ورب ليلة طيبة الهواء ذات ندى سرت بها. والشاهد في قوله "وليلة" فقد قامت الواو مقام رب. إعراب الشاهد كما في "وقاتم". 6 هذا البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في اللسان "ملث" "2 / 192". 7 المنهل: مكان النهل وهو أول الشرب. الأنيس: الحبيب، والنائي: البعيد. والشاهد في قوله "ومنهل" فقد قامت الواو فيه كما في الذي قبله مقام رب. إعرابه كما سبق في "وقاتم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فإن قلت: فإنا نجدها مبتدأة في أوائل القصائد، فعلى أي شيء عطفت؟ فالجواب: أن القصيدة تجري مجرى الرسالة، وإنما يؤتى بالشعر بعد خطب يجري أو خطاب يتصل، فيأتي بالقصيدة معطوفة بالواو على ما تقدمها من الكلام. ويدل على ذلك أيضًا قولهم في أوائل الرسائل: أما بعد فقد كان كذا وكذا، فكأنه قال: أما بعد ما نحن فيه، أو بعد ما كنا بسبيله فقد كان كذا وكذا، فاستعمالهم هنا لفظ "بعد" يدل على ما ذكرناه عنهم من أنهم يعطفون القصيدة على ما قبلها من الحال والكلام، وكما أن "بل" من قول الآخر: بَلْ جَوْزِ تِيْهَاءَ كَظَهر الحَجَفتْ1 في أنها وإن كانت بدلا من "رب" فهي حرف عطف لا محالة، فكذلك الواو في: وبلدٍ عاميةٍ أعماؤه2 واو عطف وإن كانت نائبة عن "رب". فإن قيل: فبم الجر فيما بعد واو "رُبَّ" أبِ "رُبَّ" المحذوفة أم بالواو النائبة عنها؟ فالجواب: أن الجر بعد هذه الواو إنما هو بـ "رُبَّ" المرادة المحذوفة تخفيفًا لا بالواو، ويدل على ذلك أنها في غير هذه الحال من العطف إنما هي نائبة عن العامل دالة عليه، وليست بمتولية للعمل دونه، وذلك قولك: قام عمرو، ورأيت زيدا وبكرا، ومررت بسعيد وخالد، فلو كانت ناصبة لم تكن جارة وهي بلفظ واحد، وكذلك لو كانت الواو رافعة لم تكن جارة. ويدلك على أن العمل فيما بعد حرف العطف إنما هو لما ناب الحرف عنه، ودل عليه من العوامل، إظهارهم العامل بعده في نحو: ضربت زيدا وضربت بكرا، ونظرت إلى جعفر وإلى خالد، فالعمل إذن إنما هو للعامل المراد لا الحرف العاطف.   1 تقدم تخريجه. 2 سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 فإن قلت: فما بالك تقول: والله لأقومن، فتبدل الواو من الباء في قولك: بالله لأقومن، وأنت تزعم أن الجر بعد واو القسم إنما هو للواو نفسها لأنها نائبة عن الباء وبدل منها، فهلا زعمت مثل ذلك في الواو إذا كانت عاطفة؟ فالجواب: أن بين الموضعين فرقًا، وذلك أن الواو في القسم إنما هي بدل من الباء وواقعة موقعها، وليست الباء مقدرة بعد الواو كما يقدر العامل بعد حرف العطف، ألا ترى أن من قال: قام زيد وقام عمرو، فأظهر العامل بعد حرف العطف لم يجز على وجه من الوجوه أن يقول: وبالله لأقومن، على أن تكون الواو للقسم، وإنما هي ههنا عطف، وحرف القسم الموصل له إنما هو الباء بعد الواو، وليست الواو ههنا للقسم، وأما حرف العطف فهو مع إظهار العامل بعده وحذفه جميعًا حرف عطف. ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد وعمرو فالواو حرف عطف، وإذا قلت: قام زيد وقام عمرو فالواو أيضًا حرف عطف أظهرت العامل أو حذفته، وليست الواو في قولك: والله لأقومن هي الواو في قولك: وبالله لأقومن، فلما كانت الواو في القسم إنما هي بدل من بائه البتة حتى لا تظهر معها، جرت في العمل مجراها، وحسن إقامتها في العمل مقامها أن الواو ضارعت الباء لفظًا ومعنًى، أما اللفظ فلأن الباء شفهية، والواو أيضًا كذلك، وأما المعنى فلأن الباء للإلصاق والواو للاجتماع، والشيء إذا لاصق الشيء فقد جامعه، وليست كذلك واو العطف، لأنها لا تضارع العامل الذي دلت عليه وقامت مقامه لفظًا ولا معنًى، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيدا وبكرا فإن أصله: ضربت زيدا وضربت بكرا، فالواو لا تضارع العامل الذي دلت عليه وقامت مقامه لفظا ولا معنى، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيدا وبكرا فإن أصله: ضربت زيدا وضربت بكرا، فالواو لا تضارع "ضَرَبَ" لفظا ولا معنى، ألا ترى أن "ضَرَبَ" ثلاثة أحرف والواو حرف واحد، وهذه حرف، وذلك فعل، فهما جنسان متباينان، فلذلك جاز أن تكون الواو في القسم عاملة، ولم يجز أن يكون حرف العطف عاملا، فتفهَّمْه. واعلم أن هذه الواو إذا كانت عاطفة فإنها دالة على شيئين: أحدهما الجمع، والآخر العطف، إلا أن دلالتها على الجمع أعم فيها من دلالتها على العطف، يدل على ذلك أنا لا نجدها إذا لم تكن بدلا من باء القسم مجردة من معنى الجمع، وقد نجدها معراة من معنى العطف، ألا ترى أن الواو التي بمعنى "مع" في قولك: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة، قد تجدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 مفيدة للجمع لأنها نائبة عن "مع" الموضوعة لإفادة الجمع، ولا تجد فيها في هذه الحال معنى العطف، وكذلك إذا كانت للحال نحو قوله تعالى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: من الآية 154] 1 أي: يغشى طائفة منكم إذ طائفة في هذه الحال. وهذه الواو أيضًا الدالة على معنى الحال غير معراة من معنى الجمع، ألا ترى أن الحال مصاحبة لذي الحال، فقد أفادت إذن معنى الاجتماع. وهذا كله تلخيص أبي علي، وعنه أخذته. وأما الواو التي بمعنى "مع" فقولهم: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة2 ومازلت أسير والنيل، أي: مع النيل، وكيف تكون وقصعة من ثريد، أي: مع قصعة، ولو خليت والأسد لأكلك، أي: مع الأسد، ولو تركت الناقة وفصيلها3 لرضعها، أي: مع فصيلها، وكيف تصنع وزيدًا، أي: مع زيد، واجتمع زيد وأبا محمد على حفظ المال، ومن أبيات الكتاب: فكونوا أنتم وبنِي أبيكم ... مكانَ الكُليتين من الطحال4   1 يغشى: يغطي. لسان العرب "15/ 126" مادة/ غشا. الطائفة: الجماعة. أهمتهم: شغلتهم. الشرح: لقد كان من الله وقت انهزامكم أن أنزل النعاس على طائفة منكم وطائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم وشغلتهم بكيفية الهرب من مواقع القتال. والشاهد أوضحه المؤلف بالمتن. إعراب الشاهد: طائفة: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة. قد: حرف تحقيق وتأكيد. أهمتهم: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والهاء ضمير مبني في محل نصب مفعول به. أنفسهم: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. وهم ضمير مبني في محل جر مضاف إليه. 2 الطيالسة: جمع الطيلسان وهو ضرب من الأكسية، وحكي عن الأصمعي أنه قال: الطيلسان ليس بعربي، قال: وأصله فارسى. لسان العرب "6/ 125" مادة/ طلس. 3 الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه، والجمع فصلان وفصال. "11/ 522" مادة/ فصل. 4 الكليتين: تثنية كُلية بضم الكاف، وهي في الإنسان وغيره من الحيوان. اللسان "15/ 229". الطِّحال: بكسر الطاء: عضو من أعضاء بدن الإنسان. لسان الميزان "11/ 399" مادة/ طحل. بني أبيكم: الأخوة وأبناء العم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 أي: مع بني أبيكم، فلما حذف "مع" وأقام الواو مقامها أفضى الفعل الذي قبل الواو إلى الاسم الذي بعدها. فنصبه بواسطة الواو، وذلك أن الواو قوته، فأوصلته إليه، وقد استقصيت هذا الفصل في حرف الباء من كتابنا هذا. وأما الواو التي للحال فنحو قولك: مررت بزيد وعلى يده بازٍ، أي: مررت به وهذه حاله، ولقيت محمدًا وأبوه يتلو، أي: لقيته وهذه حاله. ولا يقع بعد هذه الواو إلا جملة مركبة من مبتدأ وخبر، لو قلت: كلمت محمدًا وقام أخوه، وأنت تريد معنى الحال لم يجز إلا أن تريد معنى "قد" فكأنك قلت: كلمت محمدًا وقد قام أخوه، وذلك أن "قد" تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه أو تكاد. ألا تراهم يقولون: "قد قامت الصلاة" قبل حال قيامها، وإنما جاز ذلك لمكان "قد" وعلى قول الشاعر1: أُمَّ صَبِيّ قد حَبا أو دارِجِ2 فكأنه قال: أم صبي حابٍ أو دارجٍ.   الشاهد في "كونوا أنتم وبني أبيكم" إذ يطلب ممن يخاطبهم فقط أن يكونوا مع أبناء أبيهم متماسكين متصلين تماسك الكليتين من الطحال، وهذا المعنى يناسبه أن تكون الواو بمعنى "مع" ولو جعلت الواو للعطف لكان مقتضى الكلام أنه يطلب ممن يخاطبهم ومن بني أبيهم أيضًا التماسك والاتصال، وهذا المعنى لا يريده الشاعر بل يريد المعنى الأول، ولذلك ترجح أن تكون "بني أبيكم" منصوبة على أنها مفعول معه. 1 البيت لجندب بن عمرو كما في ديوان الشماخ "ص363" وهو بغير نسبة في معاني القرآن للفراء "1/ 214". 2 حبا: الحبو: أن يمشي على يديه وركبتيه أو إسته. لسان العرب "14/ 161" مادة/ حبا. والدارج من مشا مشيًا ضعيفًا ودبا. لسان العرب "2/ 266" مادة/ درج. والشاهد في قوله "قد حبا" فقد تقرب الماضي من الحال حتى تلحق بحكمه أو تكاد. لسان العرب "2/ 266". إعراب الشاهد: قد: حرف تحقيق وتأكيد. حبا: فعل ماضٍ مبني على الفتح لعدم اتصاله بشيء وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على صبي. وجملة "قد حبا" في محل جر نعت لـ "صبي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وتأولوا قوله عَزَّ اسْمُهُ: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: من الآية90] على معنى: قد حصرت صدورهم1. وذهب آخرون إلى أن تقديره: أو جاءوكم رجالا أو قومًا حصرت صدورهم، فـ {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} الآن في موضع نصب لأنها صفة حلت محل موصوف منصوب على الحال، على أن في هذا بعض الضعف لإقامتك الصفة مقام الموصوف، وهذا مما الشعرُ وموضعُ الاضطرارِ أولى به من النثر وحال الاختيار, وإذا وقعت هذه الجملة بعد هذه الواو كنت في تضمينها إياه مخيرًا، فالتضمين كقولك: جاء زيد وتحته فرس، وترك التضمين كقولك: جاء زيد وعمرو يقرأ. وإنما جاز استغناء هذه الجملة عن ضمير يعود منها إلى صاحب الحال من قبل أن الواو ربطت ما بعدها بما قبلها، فلم تحتج إلى أن يعود منها ضمير على الأول ليرتبط به آخر الكلام بأوله، وإن جئت به فيها فحسنٌ جميلٌ؛ لأن فيه تأكيدًا لارتباط الجملة بما قبلها. فأما إذا لم يكن هناك واو فلا بد من تضمّن الجملة ضميرًا من الأول، وذلك نحو قولك: أقبل محمد على رأسه قلنسوة2، ولو قلت: أقبل محمد على جعفر قلنسوة، وأنت تريد: أقبل محمد وهذه حاله لم يجز؛ لأنك لم تأت بالواو التي هي رابطة ما بعدها بما قبلها، ولا بضمير يعود من آخر الكلام فيدل على أنه معقود بأوله. وإذا فقدت جملة الحال هاتين الحالتين انقطعت مما قبله، ولم يكن هناك ما يربط الآخر بالأول. وعلى هذا قول الشاعر3: نَصَفَ النهارُ الماءُ غامِرُهُ ... ورفيقه بالغيب لا يدري4   1 هذا قول الفراء. معاني القرآن "1/ 282". 2 القلنسوة: من ملابس الرءوس معروف. لسان العرب "6/ 181" مادة/ قلس. 3 هو المسيب بن علس كما في جمهرة اللغة "3/ 83"، ولسان العرب "9/ 331" مادة/ نصف. 4 نصف: أراد انتصف النهار، والماء غامره فانتصف النهار ولم يخرج من الماء. اللسان "9/ 331". غامره: من غمره المال إذا دخل في معظمه. ورفيقه: صاحبه. الشرح: يصف الشاعر غائصًا غاص في الماء حتى انتصف النهار وصديقه واقف على الشاطئ لا يدري ما كان منه. والشاهد في "الماء غامره" فقد جاءت حالا لـ "الغائص" دون واو الحال كما في المتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 يصف غائصًا غاص في الماء من أول النهار إلى انتصافه ورفيقه على شاطئ الماء ينتظره ولا يدري ما كان منه، فيقول: انتصف النهار وهذه حاله، فالهاء من "غامره" ربطت الجملة بما قبلها حتى جرت حالا على ما قبلها، فكأنك قلت: انتصف النهار على الغائص غامرًا له الماء، كما أنك إذا قلت: جاء زيد حسنًا وجهه. فأما قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: من الآية 22] فلا يجوز أن يكون {رَابِعُهُمْ} وصفًا لـ {ثَلَاثَةٌ} على أن يكون {كَلْبُهُمْ} رفعًا لغلام، وترفع زيدًا بفعله، وهو الضرب، من قبل أن "رابعهم" في هذا الموضع وإن كان اسم فاعل، فإنه يراد به الماضي، وإذا كان اسم الفاعل ماضيا في المعنى لم يجز أن يعمل عمل الأفعال، لا رفعا ولا نصبا، ألا ترى أنك لا تقول: هذا رجل قائم أمس أخوه على أن ترفع الأخ بفعله، وهو القيام، كما لا يجوز أن تقول: هذا رجل غلام أخوه، فترفع الأخ بفعله، وتجعل الغلام فعلا له، لأن اسم الفاعل إذا أريد به الماضي جرى مجرى غلام وفرس ورجل وما لا معنى فعل فيه، فقد بطل إذن أن يرفع "كلبهم" بما في {رَابِعُهُمْ} من معنى الفعل إذ كان "رابعهم" يراد به هنا المضي. ولا يجوز أيضًا أن يرتفع "رابعهم" بالابتداء، ويجعل {كَلْبُهُمْ} خبرا عنه على أن تكون الجملة حالا لـ "ثلاثة" لأنك لو فعلت ذلك لم تجد للحال ما ينصبها، ألا ترى أن التقدير: سيقولون هم ثلاثة، وليس في قولك هم ثلاثة ما يجوز أن ينصب على الحال. فإن قلت: فهلا جعلت تقديره: هؤلاء ثلاثة، فنصبت الحال بعدها بما في هؤلاء من معنى التنبيه، كما تقول: هؤلاء إخوتك قياما؟ فذلك محال هنا لأنهم يكونوا مشاهدين، ولو كانوا مشاهدين لما وقع التشكك في عدتهم، أولا ترى أن في الآية {رَجْماً بِالْغَيْبِ} وإنما وقع الإخبار عنهم وهم غير مشاهدين، فإذا لم يجز أن يكون في الكلام ما ينصب حالا لم يجز على شيء منه، ولأن "ثلاثة" أيضًا نكرة، وسبيل الحال أن تأتي بعد المعرفة، هذا هو الغالب من أمرها والأسير في أحكامها، إلا أن يجيء ذلك شاذًا أو على ضرورة أو قلة من الكلام، وليست هنا ضرورة ولا ظهور نصب يحتمل له إجراء الحال على النكرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 فإن قلت: فاجعل {رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} مبتدأ وخبرًا، واجعل الجملة المنعقدة منها وصفا لـ "ثلاثة" كما تقول: هم ثلاثة غلامهم أبوهم؟ فذلك عندنا في هذا الموضع غير سائغ ولا مختار، وإن كان في غير هذا الموضع جائزًا، والذي منع من إجازته هنا وضعفها أن الجملة التي في آخر الكلام فيها واو العطف، وهو قوله عز وجل: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} فكما ظهرت الواو في آخر الكلام، فكذلك -والله أعلم- هي مرادة في أوله لتتجنس الجمل في أحوالها والمراد بها، فكأنه -والله أعلم- سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم رجمًا بالغيب، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، إلا أن الواو حذفت من الجملتين المتقدمتين لأن الذي فيهما من الضمير يعقدهما بما قبلهما لا عقد الوصف ولا عقد الحال لما ذكرناه، ولكن عقد الإتباع، لاسيما وقد ظهرت الواو في الجملة الثالثة، فدل ذلك على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين. واعلم أن هذه الواو وما بعدها إذا أريد بالجميع الحال في موضع نصب بما قبلها من العوامل التي يجوز لمثلها نصب الحال، فقولك: أقبل أخوك وثوبه نظيف، في موضع: أقبل أخوك نظيفًا ثوبه، فكما تنصب "نظيفًا" بـ "أقبل" كذلك تنصب موضع قولك: وثوبه نظيف بـ "أقبل". وإذا كان ذلك فقوله عَزَّ اسْمُهُ: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ} [آل عمران: من الآية 154] في تقدير: يغشى طائفة منكم مهمّةً طائفة منكم أخرى أنفسُهم في وقت غشيانه تلك الطائفة الأولى، ولا بد من هذا التقدير، كما أن قولك: جاءت هند وعمرو ضاحك في تقدير: جاءت هند ضاحكًا عمرو في وقت مجيئها، حتى يعود من الجملة التي هي حالٌ ضميرٌ على صاحب الحال، ولهذا شبهها سيبويه بـ "إذ" قال أبو علي: إنما فعل ذلك من حيث كانت "إذ" لا يكون إلا جملة، كما أن ما بعد واو الحال لا يكون إلا جملة، ولهذا قال سيبويه: "واو الابتداء" يعني هذه الواو إذ كان ما بعدها سبيله أن يكون جملة من مبتدأ وخبر، ولأجل أن بين الحال والظرف هذه المصاقبة1 ما ذهب الكسائي إلى أن نصب الحال إنما   1 المصاقبة: القرب والدنو. لسان العرب "1/ 525" مادة/ صقب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 هو لشبهها بالظرف. ويؤكد الشبه أيضًا أنك قد تعبر عن الحال بلفظ الظرف، ألا ترى أن قولك: جاء زيدًا ضاحكًا فى معنى: جاء زيد في حال ضحكه، وعلى حال ضحكه، فاستعمالك هنا لفظ "في" و"على" يؤنسك بالوقت والظرفية، فاعرفه. وأما واو القسم فنحو قولك: والله لأقومن، والله لأقعدن، وقد تقدم القول عليها، وأنها بدل من باء الجر، والعلة في جواز إبدالها منها في حرف الباء. واعلم أن البغداديين1 قد أجازوا في الواو أن تكون زائدة في مواضع: منها قوله جَلَّ اسْمُهُ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: 103-104] 2 قالوا: معناه ناديناه، والواو زائدة. ومنها قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الإنشقاق: 1-3] قالوا: معناه إذا السماء انشقت إذا الأرض مدت، فتكون "إذا" الثانية خبرًا عن "إذا" الأولى، كما تقول: وقت يقوم زيد وقت يقعد عمرو. وأجازوا أيضًا في هذه الآية أن يكون التقدير: إذا السماء انشقت أذنت لربها. ومنها قوله عَزَّ اسْمُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: من الآية73] تقديره عندهم: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها. واحتجوا لجواز ذلك بقول الشاعر3: حتى إذا امتلأتْ بُطُونُكم ... ورأيتُم أبناءكُم شَبُّوا وقلبتم ظهرَ المِجَنّ لنا ... إنَّ الغَدُور الفاحش الخب4   1 يعني الكوفيين. انظر مذهبهم هذا "معاني القرآن" للفراء "1/ 107-108، 238". 2 أسلما: استسلما لأمر الله، والضمير عائد على سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل صلاة الله وسلامه عليهما. تَلَّهُ: ألقاه على عنقه وخده. اللسان "11/ 77". حين استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله نادى رَبُّنا سيدَنا إبراهيمَ. والشاهد في الآية "وناديناه" فقد أراد "ناديناه" زادت الواو على رأي الكوفيين. 3 هو الأسود بن يعفر يهجو بني نجيح من بني مجاشع بن دارم، والبيتان في ديوانه "ص19". 4 قلب ظهر المجن: كناية عن إظهار العداوة والفحش. الخب: المخادع الغشاش. لسان العرب "1/ 341" مادة/ خبب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 معناه عندهم: قلبتم ظهر المجن لنا. فأما أصحابنا فيدفعون هذا التأويل البتة، ولا يجيزون زيادة هذه الواو ويرون أن أجوبة هذه الأشياء محذوفة للعلم بها والاعتياد في مثلها، وتأويل ذلك عندنا على معنى: فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدَّقْتَ الرؤيا أدركَ ثوابَنا، ونال المنزلةَ الرفيعةَ عندنا. وكذلك: إذا السماء انشقت وكان كذا وكذا عرف كل واحد ما صار إليه من ثواب وعقاب1. ودليل ذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] 2 وكان كذا وكذا {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] 3. وكقوله تعالى فى موضع آخر: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] 4 {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] ، وكذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} تقديره: صادفوا الثواب الذي وُعِدُوه. وكذلك قول الشاعر: حتى إذا قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ ... ورأيتُم أبناءكُم شَبُّوا وقَلَبْتُم ظهرَ المِجَنّ لنا ... إنَّ الغَدُور الفاحشُ الخبّ5 تقديره: لما كان هذا كله منكم عرف الناس غدرَكُم، واستحقَقْتُم صرف اللائمة إليكم/ أو نحو ذلك مما يصح لمثله أن يكونَ جوابًا عن هذا، وصار أيضًا قوله: "إن الغدور الفاحش الخب" بدلا من الجواب ودليلا عليه.   يقول الشاعر هاجيًا هؤلاء القوم أحين شَبِعْتُم وشبَّ أبناؤكم أظهرتم لنا العداوة والغدر. والشاهِدُ في "وقلبتم ظهرَ المجنِّ لنا" فقد جاءت الواو زائدة فيه على رأي الكوفيين. 1 وقد قال بحذف الجواب في هذه الآية من الكوفيين الفراء، كما في كتابه "معاني القرآن" "3/ 250". 2 كُوِّرَتْ: جُمِعَ ضَوْءُها وَلُفَّ كما تلف العمامة. اللسان" "5/ 156" مادة/ كور. 3 "علمت نفس ما أحضرت" أي ما أحضرت من عمل. 4 "إذا السماء انفطرت" انفطرت أي انشقت. لسان العرب "5/ 55" مادة/ فطر. 5 قمل الرجل: سمن بعد الهزال. لسان العرب "11/ 568" مادة/ قمل. البيتان سبق تخريجهما وشرحهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 ويؤكد هذا عندك قوله عَزَّ اسْمُهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: 31] 1 ولم يقل: لكان هذا القرآن. وكذلك قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27] ولم يقل: لرأيت سوء منقلبهم. وعلى هذا قول امرئ القيس2: فلو أنها نفسٌ تموتُ جَمِيعَةً ... ولكنها نفسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسا3 ولم يقل: لفنيت، ولا: لاستراحت. وكذلك قول جرير4: كَذَبَ العَوَاذِلُ لو رأين مُناخَنا ... بحزيز رامةَ والمطيُّ سَوَامي5 ولم يقل: لرأينَ ما يُشجِيهُن ويُسْخِنُ أعينَهُنّ.   1 قطعت به الأرض: عُبِرَتْ وَاجْتِيزَتْ. اللسان "8/ 278" مادة/ قطع. 2 ديوانه "ص107" يعني أنه مريض، فنفسه لا تخرج مرة ولكنها تموت شيئًا بعد شيء. 3 جميعة: إنما أراد جميعًا فبالغ بإلحاق الهاء وحذف الجواب للعلم به كأنه قال لفنيت واسترحت. لسان العرب "8/ 54" مادة/ جمع. تساقط أنفسا: صور النفس في ذهابها شيئًا فشيئا بقطرات الماء المتساقط. يقول الشاعر: إنني مريض ومع ذلك فإنني لم أسترح بالموت ولكني من شدة آلام نفسي أشعر وكأني أموت في كل لحظة. والبيت شاهد على حذف الجواب، والأصل لو أن نفسي تموت جميعًا لاسترحت. 4 ديوانه "ص991". 5 العواذل: اللائمات والمفرد عاذلة. الحزيز: موضع كثرت حجارته وغلظت كأنها سكاكين. اللسان "5/ 335" مادة/ حزز, سوام: رافعة أبصارها وأعناقها. يقول: كذبت اللائمات في لومهن فلو أنهن شاهدن ما بنا وقت الرحيل لاغرورقت أعينهن بالمدامع. والشاهد فيه حذف الجواب كما في المتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وقال الآخر1: لو قد حداهُنّ أبو الجوديِّ ... برجز مسحَنْفِرِ الرَّوِيِّ مستوياتٍ كَنَوى الرنيِّ2 ولم يقل: لأسرعن، ولا لقطعن، ونحو ذلك. وعلى هذا قول حاتم: "لو غيرُ ذاتِ سوارٍ لَطَمْتني"3 ولم يقل: لانتصفت منها. وزعم سيبويه4 أن الشماخ لم يأت لقوله5: ودَوِّيةٍ قَفْرٍ تَمَشَّى نَعامُها ... كمَشْي النَّصارَى في خِفاف اليَرَنْدَجِ6 بجواب في القصيدة علمًا بأن المعنى: قَطَعْتُ، أو جُزْتُ، أو نحو ذلك.   1 الأبيات لرجل يكنى أبا الجودي كما في الخزانة "3/ 171". 2 حداهن: زَجَرَ الإبل وساقها. أبو الجودي: اسمُ الشاعر. والرجز: بحر من بحور الشعر تفعيلته: مستفعلن ست مرات. مسحنفر: الماضي السريع. البرني: ضرب من التمر أصفر مدور وهو أجود التمر. الشرح: لو قاد أبو الجودي تلك الإبل وأنشد لها الرجز لأسرعت في مشيها. والشاهد كما أوضحه ابن جني في المتن هو حذف الجواب. 3 المعنى "لو لطمني رجل لانتصفت منه". وقيل: أراد: "لو لطمتنى مرة" فجعل السوار كناية عن الحرية. انظر/ هذا المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد "ص268". 4 الكتاب "1/ 453-454". 5 البيت في ديوانه "ص83"، والكتاب "3/ 104". قلت: هذا البيت ليس في ديوان الشماخ. 6 الدوية: الفلاة الواسعة المترامية الأطراف. اللسان "14/ 276". القفر: الخلاء من الأرض، وقيل: مفازة لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ ويقال دار قفر: خالية، والجمع "أقفار". اللسان "5/ 110" مادة/ قفر. نعامها: الواحد نعامة نوع من الطيور كبيرة الحجم طويلة العنق. اليرندج: الجلد الأسود: والبيت شاهد على حذف الجواب: وهو "ودوية قفر قطعتها أو جزتها". وزعم سيبويه أن الشاعر لم يأت بالجواب مع أنه مقدر كما قلنا على رأي ابن جني كما في المتن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وذهب أصحابنا إلى أن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، وأنه لذلك ما حذفت هذه الأجوبة، قالوا: ألا ترى أنك إذا قلت لغلامك: والله لئن قمت إليك، وسكت عن الجواب، ذهب بفكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وغير ذلك، فتمثلت في فكره أنواع العقوبات، فتكاثرت عليه، وعظمت الحال في نفسه، ولم يدر أيها يتقي، ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك، فأتيت بالجواب لم يتق شيئًا غير الضرب، ولا خطر بباله نوع من المكروه سواه، فكان ذلك دون حذف الجواب في نفسه. قال أبو علي: ومثل معناه قول كثير1: فَقلْتُ لها: ياعَزُّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ2 وكذلك الحال في الجميل من الفعل نحو قولك: والله لئن زرتني، إذا حذفت الجواب تصورَتْ له أنواع الجميل وضروبه من الإحسان إليه والإنعام عليه. ولو قلت: والله لئن زرتني لأعطينك دينارًا، رمى بفكره نحو الدينار، ولم يجُل في خلده شيء من الجميل سواه، ولعله أيضًا أن يكون مستغنيًا عنه غيرَ راغبٍ فيه، فلا يدعوه ذلك إلى الزيارة، وإذا حذفتَ الجوابَ تطلعت نفسُه إلى علم ما توليه إياه، فكان ذلك   إعراب الشاهد: الواو: للعطف قامت مقام رب. دوية: اسم مجرور بـ "رب" المحذوفة وعلامة الجر الكسرة. قفر: نعت مجرور. تمشى: فعل مضارع مرفوع، ونعامها فاعل، والهاء مضاف إليه. والجملة في محل جر نعت ثان. كمشي: جار ومجرور، النصارى: مضاف إليه. في: حرف جر، خفاف: اسم مجرور، اليرندج: مضاف إليه. 1 ديوانه "ص97"، ولسان العرب "13/ 451-452" مادة/ وطن. 2 عز: اسم محبوبته. المصيبة: الداهية. وطنت: حملها عليه فتحملت وذلت له. اللسان "13/ 451". ذلت: هانت. الشرح: يخاطب الشاعر معشوقته ويقول لها إن أي مصيبة مهما عظمت ممكن أن تهون لو دربت النفس على الصبر عليها. والشاهد: في قوله "ذلت" فقد حدد الجواب وذكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 أدعى له إلى الزيارة، كما كان الباب الأول أدعى له إلى الترك، فهذا بيان هذا الفصل وتلخيص ما فيه، وذكر السبب الداعي إلى حذف الأجوبة منه. وقد زيدت الواو على الحرف المضموم إذا وقفت عليه مستذكرًا لما بعده من الكلام فتقول: الرجل يقومو، أي: يقوم غدًا أو نحوه، والرجل ينطلقو، أي: ينطلق إلينا، ونحو ذلك، فمدوا بالواو لأنهم لا ينوون القطعَ. ويزيدون أيضًا على الواو واوًا أخرى عند التذكر، فيقولون: زيدٌ يغزُوو، ومحمد يدعُوو، جعلوا ذلك علامة الاستذكار، وأنه قد بقيت بقية من الكلام، وتكلفوا الجمع بين الساكنين لذلك. وقد حذفت الواو فاء، نحو "يَعِد" و"عِدَة" و"تَقَيْتُ زيدًا" وهو كثير. وعينًا في حرف واحد، وهو "حَبْ" في زجر الإبل، و"سَفْ" في معنى "سوف" ولامًا في "أخٍ" و"غدٍ" و"هنٍ" و"كُرة" و"لُغة" ونحو ذلك. وقد زيدت الواو في نحو قولهم: كنتَ ولا مالَ لكَ، أي: كنت لا مال لك، وكان زيدٌ ولا أحد فوقه. وكأنهم إنما استجازوا زيادتها هنا لمشابهة خبر كان للحال؛ ألا ترى أن قولك: كان زيد قائمًا، مشبه من طريق اللفظ بقولهم: جاء زيدٌ راكبًا، وكما جاز أن يشبه خبر كان بالمفعول فينصب، فغير منكر أيضًا أن يشبه بالحال في نحو قولهم: جاء زيد وعلى يده بازٍ، فتزاد فيه الواو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 باب الألف الساكنة مدخل ... باب الألف الساكنة: اعلم أن هذه الألف هي التي بعد اللام قبل الياء في آخر حروف المعجم وهي التي في قولنا "لا". وإنما لم يجز أن تفرد من اللام وتقام بنفسها كما أقيم سائر حروف المعجم سواها بأنفسها من قبل أنها لا تكون ساكنة تابعة للفتحة، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فدعمت باللام ليقع الابتداء بها، وتأتي الألف ساكنة بعدها. وقول من لا خبرة له بحقيقة اللفظ بحروف المعجم "لامَ الِف" خطأ. فأما قول أبي النجم1: خرجت من عند زيادٍ كالخَرِف ... تَخْطُّ رِجْلاي بِخَطٍّ مُخْتلِف تكتبانِ في الطريقِ لامَ الِف2 فلم يرد شكل "لا" دون غيره، وإنما هذا كقولك: تكتبان قاف دال، أو جيم طاء، أي كأنهما تخطان حروف المعجم، لا يريد بعضا دون بعض، على أنه أيضًا قد يمكن أن يكون أراد بقوله: "لام الف" هذا الشكل المقدم ذكره إلا أنه تلقاه من أفواه العامة؛ لأن الخط ليس له تعلق بالفصحاء، ولا عنهم يؤخذ. ويؤكد ذلك عندك أن واضع حروف المعجم إنما وسمها لنا منثورة غير منظورة، فلو كان غرضه في "لا" أن يرينا كيف اجتماع اللام مع الألف، للزمه أيضًا أن يرينا كيف تتركب الجيم مع الطاء، والقاف مع الياء، والسين مع الهاء، وغير ذلك مما يطول تعداده، وإنما غرضه ما ذكرت لك من توصله إلى النطق بالألف، فدعهما باللام ليقع الابتداء بها، وتأتي الألف ساكنة بعدها.   1 الأبيات في ديوانه "ص141" والخزانة" "1/ 48-51" وهي بغير نسبة في المقتضب "3/ 357". 2 الخرف: خَرِفَ خرفًا فسد عقلُهُ من الكبر فهو خَرِفٌ. لسان العرب "9/ 62". يقول: إنه خرج من عند زياد فاقدًا عقلَهُ تخطُّ رجلاه خطًى مختلفة وترسم في خطاها حرف اللام ألف. والشاهد فيه "لام ألف" حيث لم يرد شكل "لا" وإنما أراد مجرد الشكل الذي تخطانه القدم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 فإن سأل سائل فقال: ما بالهم اختارو لها اللام دون سائر الحروف إذا كان الأمر كما ذكرت، وهلا دعموها بالجيم أو القاف أو غيرها من الحروف، فقالوا: جا أو قا أو صا أو نحو ذلك؟ فالجواب: أنهم إنما خصوا اللام بها دون غيرها من قبل أنهم لما احتاجوا لسكون لام التعريف إلى حرف يقع الابتداء بها قبلها أتوا بالهمزة، فقالوا: الغلام والجارية، فكما أدخلوا الألف قبل اللام هناك كذلك أدخلوا اللام قبل الألف في "لا" ليكون ذلك ضربًا من التعاوض بينهما. فإن قيل: فلم أدخلت الهمزة قبل لام التعريف أصلا حتى قيس هذا عليه وعُووِضَ بينهما؟ فالجواب عن ذلك قد تقدم في حرف الهمزة من أول هذا الكتاب، فالأصل في هذين الموضعين إنما هو لام المعرفة المدخلة عليها الألف، ثم حملت الألف في إدخال اللام عليها على حكم لام المعرفة، وذلك أن اللفظ أسبق مرتبة من الخط، فَبِهِ بُدِئَ، ثم حمل الخط عليه. واعلم أن هذه الألف، أعني المدة الساكنة في نحو قامَ، وباعَ، وحمارٍ، وكتابٍ، وغزَا، ورَمَى، وحتَّى، وإلَّا، ومَا، ولا، لا تكون أصلا في الأسماء المتمكنة ولا الأفعال أبدًا، إنما تكون بدلا أو زائدًا، فأما الحروف التي جاءت لمعانٍ فإن الألفات فيها أصول، وكذلك الأسماء المبنية التي أوغلت في شبه الحرف، وسيأتيك ذلك مفصلا في أماكِنِه بإذن الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 كون الألف أصلا : وذلك في عامة الحروف التي تقع الألف في آخرها، نحو ما، ولا، ويا، وهيا، وإلا، وحتى، وكلا، فهذه الألفات وما يجري مجراها أبدا أصول غير زوائد ولا منقلبة. والذي يدل على أنها ليست بزوائد أن الزيادة ضرب من التصرف في الكلمة، وجزء من الاشتقاق فيها، وهذه الحروف كلها غير متصرفة ولا مشتقة، فيجب أن تكون ألفاتها غير زادة، ألا ترى أنك لا تجد لـ "حتى" و"كلا" اشتقاقا تُفْقَدُ فيه ألفهما كما تجد لضارب، وقاتل، ومِعْزًى، وأرطًى اشتقاقًا تفقد في ألفها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وهو ضَرَبَ، وقَتَلَ، ومَعْزٌ، ومَأْرُوط، فلما لم تكن الحروف متصرفة ولا مشتقة بطل أن يقضى بزيادة ألفاتها، ويفسد أيضًا أن تكون بدلا من نحو الوجه الذي فسد منه أن تكون زائدة، وذلك أن البدل أيضًا ضرب من التصرف؛ ألا ترى أنك لا تجد لألف ما، ولا، وحتى، وكلا أصلا في ياء ولا واو كما تجد لألف غزا، ودعا، وسعى، ورمى، أصلا في الياء، والواو لقولك: غزُوتُ، ودعَوتُ، وسعَيتُ، ورمَيتُ، فكما بطل أن تكون الألف فيها زائدة بطل أيضًا أن تكون بدلا. ودليل آخر على فساد كونها بدلا وجودك الألف في نحو "ما" و"لا"، فلو كانت الألف في نحو ذلك بدلا لم تخل من أن تكون بدلا من ياء أو واو، فلو كانت بدلا من الياء لوجب أن تقول في "ما" و"لا": "مَيْ" و"لَيْ" كما قالوا: أَيْ، وكَيْ، لو كانت بدلا من الواو لوجب أن تقول: "مَوْ" و"لَوْ" كما قلت: أَوْ، ولَوْ؛ ألا ترى أن الياء والواو إنما تقلبان إذا وقعتا طرفين متى تحركتا، فإذا سكنتا لم يجب قلبهما، وأواخر الحروف أبدًا ساكنة إلا أن يلتقي ساكنان، ولا ساكنين في نحو: ما، لا، كما أنه لا ساكنين في نحو: قد، وهل. وكذلك القول عندنا في الأسماء القاعدة في شبه الحرف، نحو: أنَّى، ومَتَى، وإِذَا، وإيّا، ينبغي أن تكون ألفاتها أصولا غير زوائد ولا مبدلة، لأن أواخرها ينبغي أن تكون سواكن، ألا ترى أن "أنى" في الاستفهام بمننزلة "مَنْ" و"كَمْ" وأنه ينبغي أن يكون آخرها ساكنًا كما أن آخر "مَنْ" و"كَمْ" ساكن، فوجودك الألف في المكان الذي يسكن فيه الحرف الصحيح أدل دليل على كونها أصلا غير زائدة ولا مبدلة. والقول في "متى" أيضًا كالقول في "أنى" لأنها أختها في الاستفهام ورسيلتها في استحقاق البناء. وكذلك "إذا" هي مستحقة للبناء لاقتصارهم على إضافتها إلى الجملة، فينبغي أن يكون آخرها ساكنًا كآخر "إذ" فالألف إذن في آخرها أصل، إذ لا حركة فيها توجب قلبها. وكذلك القول في ألف "إذا" التي للمفاجأة لأنها مبنية، وحكمها أن تكون ساكنة الآخر. وأما "إيّا" فاسم مضمر، وقد تقدمت الدلالة في هذا الكتاب وغيره مما صنفناه وأمللناه على صحة كونه مضمرًا بمنزلة "أنت" و"أنا" و"هو" فكما أن هذه كلها مبنية لشبه الحرف فيها، كذلك ينبغي أن تكون "إيّا" مبنية أيضًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 فإن قلت: فلعله مبني على حركة، فتكون ألفه إذن منقلبة لانفتاح الياء قبلها، ويكون في بنائه على الحركة بمنزلة "أنا" و"هو" في أنهما مبنيان على الفتح. فالجواب: أن "إياك" بأنت أشبه منه بأنا وهو، وذلك أن الكاف في آخره قد ثبتت الدلالة على كونها حرفا للخطاب، وقد شرحنا ذلك من حالها في حرف الكاف، فإذا كان الاسم إنما هو "إيا" والكاف إنما هي لاحقة لمعنى الخطاب، أشبه إياك أنت، ألا ترى أن التاء في آخر "أنت" ليست من الاسم، وإنما هي للخطاب، فكما أن النون قبل تاء "أنت" ساكنة، فكذلك ينبغي أن تكون الألف قبل كاف "إياك" في موضع سكون، وإذا كانت كذلك لزم أن تكون الألف غير منقلبة؛ لأنها ليست في موضع حركة، وجرت في ذلك مجرى ألف: ما، ولا، وحتى، وكلا في أنها غير منقلبة. وحكى لي حاكٍ عن أبي إسحاق أُرَاه قال لي: سمعتُه يقول وقد سئل عن معنى قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: من الآية 5] 1 ما تأويله؟ فقال: حقيقتُكَ نَعْبُدُ، قال: واشتقاقه من الآية، وهي العلامة. وهذا القول من أبي إسحاق عندي غير مُرْضٍ، وذلك أن جميعَ الأسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو: أنا، وأنت، وهو، وهي، وقد قامت الدلالة على كون "إيا" اسمًا مضمرًا، فيجب أن لا يكون مشتقًا، فإن ذهب إلى أن "إيا" اسم غير مضمر، وذلك قوله على ما بيناه في حرف الكاف، فقد أفسدناه هناك بما أغنى عن إعادته هنا. فإن قلت: فما مثال "إيا" من الفعل؟ فإن المضمر لا ينبغي أن يمثل لأنه غير مشتق ولا متصرف، ولكنك إن تكلفت ذلك على تبيين حاله لو كان مما يصح تمثيله لاحتمل أن يكون من ألفاظ مختلفة، وعلى أمثلة مختلفة، فالألفاظ ثلاثة: أحدها أن يكون لفظ أَوَيْتُ. والآخر: من لفظ الآية.   1 {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد في الآية أن أبا إسحاق أولها بـ "حقيقتك نعبد" وهو ما لا يتفق مع رأي ابن جني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 والآخر: من تركيب "أوو" وهو من قول الشاعر1: فَأَوِّ لذكراها إذا ما ذكرتُها ... ومن بُعْدِ أرضٍ بيننا وسَماءِ2 فمن رواه هكذا فـ "أوِّ" على هذا بمنزلة قَوِّ زيدًا، وهو من مضاعف الواو، ولا يكون "فأوِّ" كقولك: سَوِّ زيدًا، ولَوِّ عمرًا، وحَوِّ حَبْلا لما ذكرناه قبل في حرف الميم من هذا الكتاب. وإن ذهبت إلى أن "إيا" من لفظ "أويت" احتمل ثلاثة أمثلة: أحدها أن يكون إفْعَلا. والآخر أن يكون فِعْيَلا. والآخر فِعْلَى. فأما "إفْعَلٌ" فأصله "إئْويٌ: فقلبت الياء التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إئْوا" وقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت "إيوا" فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت "إيا". فإن قلت: ألست تعلم أن الياء التي قبل الواو في "إيوا" ليست بأصل، وإنما هي بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة، كما تقول في الأمر من أوى يأوي: ايو يا رجل، ولا تقلب الواو ياء، وإن كانت قبلها ياء ساكنة، لأن تلك الياء أصلها الهمز؟ فالجواب: أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة، ولا الهمزة المكسورة في أولِهِ بلازمة، إنما هي ثابتة ما ابتدأتَ، فإذا وصلت سقطت البتة، ألا تراك تقول: "ايو، وأو" وإن شئت فأو، كما قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: من الآية 16] 3 وليس كذلك الاسم؛ لأنه إن كانت في   1 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "أوا" "14/ 54" والخصائص "3/ 38". 2 يقال: فأوَّه على فعَّل، وهي لغة بني عامر، وهذا من قولهم "فلان يتأوَّه من ذنوبِهِ" معاني القرآن للفراء "2/ 23". والشاهد فيه "فأوّ" حيث صاعف الواو. 3 {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} الشاهد فيه "فأووا" حيث حذفت الياء في الفعل "أوى" وثبتت الهمزة في أول الفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 أوله كسره أو ضمة أو فتحة ثبت على كل حال، وذلك قولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] 1 وضربت القوم إلا إياك، فالهمزة ثابتة مكسورة في الوصل والوقف، ألا ترى أنهم قالوا في مثل "إجرد"2 من "أويت": "أي". وأصله "إئوي" فقلبت الهمزة الثانية لاجتماع الهمزتين ياء، فصارت "إيوي" وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة المبدلة من الهمزة قبلها، فصارت "إييي" فأدغمت الأولى في الثانية، فصارت "إيي"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الآخرة تخفيفا، كما حذفت من تصغير أحوى في قولك "أحي". وكذلك قولوا في مثل "أوزة" من "أويت": "إياة" وأصلها "إئوية" فقلبت الهمزة الثانية ياء، وأبدلت لها الواو بعدها ياء، وأدغمت الأولى في الثانية، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إياه". فهذا حكم الأسماء لأنها غير منتقلة، والأفعال لا تثبت على طريق واحدة، فليس التغير فيها بثابت. وأما كونه "فعيلا" من "أويت" بوزن "طريم"3 و"غريل"4 و"حذيم"5 فأصله على هذا "إويي" تفصل ياء "فعيل" بين الواو والياء كما فصلت في المثال بين العين واللام، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وأدغمت في ياء "فعيل" فصارت "إيي" ثم قلبت الياء الأخيرة التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إيا". وأما كونه "فعلى" فأصله "إويا" فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولوقوع الياء بعدها أيضا، ثم أدغمت في الياء بعدها، فثارت "إيا". فإن سميت به رجلا وهو "أفعل" لم ينصرف معرفة، وانصرف نكرة، وحاله فيه حال إشفي6. وإن سميت به رجلا وهو "فعيل" فالوجه أن تجعل ألفه للتأنيث   1 {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد فيه "إياك" حيث نثبت الهمزة في الاسم على كل جال سواء كانت في أوله كسرة أو فتحة أو ضمة. 2 إجرد: نبت يدل على الكمأة. لسان العرب "3/ 119" مادة/ جرد. 3 الطريم: العسل إذا امتلأت البيوت خاصة، والسحاب الكثيف. اللسان "12/ 361". 4 الغريل: ما يبقى من الماء في الحوض، والغدير الذي تبقى فيه الدعاميض لايقدر على شربه. 5 الحذيم: القاطع. 6 إشفي: المثقب. اللسان "14/ 438". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 بمنزلة ألف "ذكرى" و"ذفرى"1 وإذا كان ذلك كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة. وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق بهجرع2، وأجريتها مجرى ألف "معزى" لم تصرفه معرفة، وصرفته نكرة، وجرى حينئذ مجرى "أرطى"3 و"حنبطى"4 و"دلنظى"5 و"سرندى". وأما إذا جعلت "إيا" من لفظ "الآية" فإنه يحتمل أن يكون على واحد من خمسة أمثلة، وهي: "إفعل" و"فعل" و"فعيل" و"فعول" و"فعلى" وذلك أن عين "الآية" من الياء لقول الشاعر7: لم يبق هذا الدهر من آياته ... غير أثافيه وأرمدائه8 فظهور الياء عينا في "آيائه" يدل على ما ذكرناه من كون العين ياء، وذلك أن وزن "آياء": "أفعال" ولو كانت العين واوا لقال "من أوائه" إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع، فإذا ثبت بهذا وبغيره مما يطول ذكره كون العين من "آية" ياء، ثم جعلت "إيا": "إفعلا" فأصله "إئيي" فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما، ثم ادغتمها في الياء هي عين بعدها، فصارت "إيي" ثم قلبت الياء التي هي لام في "آية" و"آي" ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إيا". ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء في "إفعل" من "أويت" قبلها إذ صار لفظها إلى "إيوا" والانتصار لذاك هناك،   1 ذفري: العظم الشاخص خلف الأذن. لسان العرب "4/ 307" مادة/ ذفر. 2 هجرع: الأحمق من الرجال. اللسان "8/ 368". 3 أرطى: شجر ينبت بالرمل. 4 حبنطى: الممتلئ غضبا أو بطنه. 5 دلنظى: السمين في كل شئ. 6 سرندي: الجرئ، وقيل: الشديد. اللسان "3/ 212". 7 هو أبو النجم العجلي، والبيتان في ديوانه "ص54-55" وذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه ماددة "ثرا" "14/ 111". 8 الآياء: جمع آية، وهو جمع الجمع وهو نادر، وهي العلامة. الدهر: الزمن. أثافيه: أحجار توضع تحت القدر عند الطهي. اللسان "3/ 9" مادة/ أثف. أرمدائه: واحد الرماد. يعني أن الدهر لم يترك من علامته إلا الرماد. الشاهد فيه "آيائه" حيث إن ثبت أن عين الكلمة "ياء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وأما إذا جعلتها من الآية فالعين في الأصل ياء، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء، فلما اجتمع المثلان، وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظر، فقلت "إيا" وجرى ذلك مجرى قوله عز اسمه: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] 1 في من لم يهمز، جعله "فعلا" من "رأيت" وأصله على هذا "رئيا". وحدثنا أبو علي أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه: رئيا وريا وزيا بالزاي. وإذا جعلته "فعلا" مثل "إلق"2 و"قنب" فالياء المشددة هي العين المشددة، والألف آخرا هي لام "فعل" وهي متقلبة من الياء التي هي لام "آية" وأصله "إيي" فقلت الياء الأخيرة ألفا كما ذكرت لك. وإذا جعلته "فعيلا" مثل "غرين"3 و"حذيم"4 فالياء الثانية في "إيا" هي ياء "فعيل" والياء هي عين "فعيل". وإذا جعلته "فعولا" فأصله "إيوي" وهو بوزن "خروع"5 و"جدول" فيمن كسر الجيم، فلما اجتمعت الياء الواو، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء التي هي عين "فعول" في الياء التي أبدلت من واوه، وقلبت الياء التي هي لام ألفا لما ذكرنا، فصارت "إيا".   1 "أَثَاثًا وَرِيًّا" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي "وَرِئْيًا" مهموزة بين الراء والياء، وقرأ ابن عامر ونافع "وَرِيًّا" بغير همز، وروي عن نافع الهمز. السبعة "ص411-412". وقرأ طلحة "وريا" خفيفة بلا همز وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري والمكي "وَزِيًّا" بالزاي. المحتسب "1/ 43-44". والزي: الهيئة والمنظر. 2 إلق: الإلق: المتألق. لسان العرب "10/ 8" مادة/ ألق. 3 غرين: الطين يجملة السيل. لسان العرب "11/ 491". 4 حذيم: الحذيم: القاطع.. اللسان "12/ 118" مادة/ حذم. 5 خروع: شجرة تحمل حبا كأنه بيض العصافير، يسمى السمسم الهندي. وهو نبت يقوم على ساق، ورقة كورق التين، وبذوره ملس كبير الحجم ذات قشرة رقيقة صلبة وهي غنية بالزيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وإذا جعلته "فعلى" فالياء الأولى في "إيا" هي العين، والثانية هي اللام، والألف ألف "فعلى". فيجوز أن تكون للتأنيث، ويجوز أن تكون للإلحاق على ما تقدم. والوجه في هذه الألفات أن تكون التأنيث لأنها كذلك أكثر ما جاءت. وأما إذا كان من لفظ "فأو لذكراها" -وأصله على ما ثبت من تركيب "أوو"- فإنه يحتمل مثالين: أحدهما "إفعل" والآخر "فعيل". فإذا جعلته "إفعلا" فأصله "إئوو". فقلت همزته الثانية التي هي فاء "إفعل" ياء لانكسار الهمزة قبلها، فصارت في التقدير "إيوو" ثم قلبت الواو الأولى التي هي عين "إفعل" ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها على ما تقدم، فصارت في التقدير "إيو" ثم قلبت الواو التي هي لام ياء لأنها وقعت رابعة، كما قلبت في "أغزيت" و"أعطيت" فصار في التقدير "إيي"، ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار "إيا" كما ترى. وإذا جعلته "فعيلا" فأصله حينئذ "إويو" فقلبت الواو الأولى التي هي عين الفعل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولأنها أيضا ساكنة قبل الياء، ثم أدغمت تلك الياء في ياء "فعيل"فصارت "إيو"، ثم قلبت الواو ياء لأنها رابعة طرق، ثم قلبت تلك الياء ألفا على ما عمل في المثال الذي قبل هذا، فصارت "إيا". ولا يجوز أن تكون "إيا" إذ جعلتها من لفظ "أوو": "فعلا" ولا "فعلى" كما جاز فيما قبل، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به "إوى". وإن شئت جوزت ذلك فيه، وقلت: إنهما ليستا عينين فيلزما ويصا. ولا يجوز أن تكون "إيا" "فعللا" مضعف اللام بمنزلة "ضربب" لأن ذلك لم يأت في شئ من الكلام. ويجوز فيه أيضا وجه ثالث، وهو أن يكون "فعولا" قلبت عينه للكسرة، ثم واوه لوقوع الياء قبلها، فقلت "إيا". فإن أردت تحقير هذه الأمثلة أو تكسيرها على اختف الأصول المركبة هي منها طال ذلك جدا، إلا أنه متى اجتمع معك في ذلك ثلاث ياءات كاللواتي في آخر تحقير "أحوى" حذفت الآخرة، ومتى اكتنف ألف التكسير حرفا علة، ولم يكن بين ألف التكسير وبين آخر الكلمة إلا حرف واحد همزت ذلك الحرف، وأبدلت الآخر ألفا، ثم أبدلت الهمزة حرف لين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 ولا يجوز أن يكون "إيا" من لفظ "آءة" على أن تجعله "فعيلا" منها، ولا "إفعلا" لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة لأنه لام، فتقول "إيا" ولم يسمع فيه الهمزة البتة، ولا سمع أيضا مخففا بين بين، ولكن يجوز فيه عندي على وجه غريب أن يكون "فعلى" من لفظ "وأيت"، ويكون أصله على هذا "وئيا" فهمزت واوه لانكسارها، كما همزت في "إسادة" و"إعاء" و"إشاح" ونحو ذلك فصارت "إئيا"، ثم أبدلت الهمزة لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء المنقلبة من الهمزة في الياء التي هي لام "وأيت" فصارت "إيا". فهذه أحكام تصريف هذه اللفظة، ولست أعرف أحدا من أصحابنا خاض فيها إلى ههنا، ولاقارب هذا الموضع أيضا، بل رأيت أبا علي وقد نشم فيها القول يسيرا لم يستوف الحار فيها، ولا طار بهذه الجهة، وإن كان -بحمد الله، والاعتراف له- الشيخ الفاضل، والأستاذ المبجل. ولو لم يتضمن هذا الكتاب من الكلام على الدقيق أكثر من هذه المسألة لكانت -بحمد الله- جمالا له، ومحسنة حاله. ثم نعود إلى حكم الألف، فنقول: إن ألف "ذا" من قولك "هذا زيد" منقلبة عن ياء ساكنة، وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره العلة التي لأجلها جاز قلب الياء الساكنة ألفا إذ كان أصله "ذي". فإن قلت: فما تقول في ألف "لكن" و"لكن"؟ فالجواب: أن يكون أصلين لأن الكلمتين حرفان، ولا ينبغي أن توجد الزيادة في الحروف، فإن سميت بهما ونقلتهما إلى حكم الأسماء حكمت بزيادة الألف، وكان وزن المثقلة "فاعلا" والمخففة "فاعلا".   1 آءة: الأءة: واحدة الآء: هو شجر له ثمر يأكلة النعام. لسان العرب "1/ 24". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 إبدال الألف مدخل ... إبدال الألف: أبدلت الألف من أربعة أحرف، وهي: الهمزة، والياء، والواو، والنون الخفيفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 إبدال الألف عن الهمزة : هذه الهمزة في الكلام على ضربين: أصل، وزائدة، ومتى كانت الهمزة ساكنة مفتوحا ما قبلها غير طرف، فأريد تخفيفا أو تحويلها أبدلت الهمزة ألفا أصلا كانت أو زائدة، فالأصل نحو قولك في "أفعل" من "أمن": "آمن" وأصلها "أأمن" فقلبت الثانية ألفا لاجتماع الهمزتين وانفتاح الأولى وسكون الثانية. ومثله "ألفت زيدا" أي: ألفته. قال ذو الرمة1: من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... بياض الضحى في لونها يتوضح2 ومن ذلك قولهم في تخفيف "رأس" و"بأس"3 و"فأل"4: "راس" و"باس" و"فال". ومنه قولك في "قرأت": "قرات" وفي "هدأت": "هدات"5. والزائد نحو قولك في تخفيف "شأمل"6: "شامل" وفي "احبنطأت"7 فيمن همز "احبنطات". واعلم أن هذا الإبدال على ضربين: أحدا لابد منه، والآخر منه بد. فأما ما لا بد منه فأن تلتقي همزتان مفتوحة والثانية ساكنة، فلا بد من إبدال الثانية   1 البيت في ديوانه "ص1197" وكتاب الهمز "ص29". 2 يتوضح: يظهر. أدماء: بيضاء خالصة البياض. والشاعر يصف ظبية بيضاء تلمع مثل نوره الضخى. والشاهد فيه: مؤلفات" حيث قلبت همزة "أألف" الثانية ألف "آلف". 3 بأس: العذاب، والشدة في الحرب. لسان العرب "6/ 20". 4 فأل: ضد الكيرة والجمع فؤول. لسان العرب "11/ 513". 5 هدأت: هدأ هدوءا أي سكن. لسان العرب "1/ 180" مادة/ هدأ. 6 شأمل: شمل الأمر القوم شملا عمهم. وقد شملت الريح: تحولت شمالا. 7 احبنطأت: احبنطأ الرجل: انتفخ جوفه. اللسان "1/ 57-58" مادة/ حبطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 ألفا، وذلك نحو آدم، وآخر، وأمن، وآوى، وآساس جمع أس1، وآياء2 جمع آية وآي، فهذا إبدال لازم كراهية التقاء الهمزتين في حرف واحد، وإذا أبدلت الهمزة على هذا جرت الألف التي هي بدل منها مجرى ما لا أصل له في همز البتة، وذلك قولهم في جمع "آدم": و"أوادم" فأجروا ألف "آدم" مجرى "ألف" "خاتم" فقلبوها واوا في "أوادم" كما قلبوا الألف واوا في "خواتم" فقالوا3: ................................. ... وتترك أموال عليها الخواتم4 وإذا لم تكن الهمزة هكذا لم يلزم إبدالها، ألا ترى أنك مخير بين أن تقول "قرأت" و"قرات" و"بدأت" و"بدات"، ولا يجوز أن تقول "أأدم" ولا "أأخر". وقد أبدلت الهمزة المفتوحة التي قبلها فتحة ألفا أيضا على غير قياس، وإنما يحفظ حفظا، أنشدنا أبو علي5: بتنا وبات سقيط الطل يضربنا ... عند الندول قرانا نبح درواس6 إذا ملأ بطنه ألبانها حلبا ... باتت تغنيه وضرى ذات أجراس7 يريد: إذا ملأ بطنه، فأبدل الهمزة الفا.   1 أس: كل مبتدأ شئ، وهي أصل البناء، وجمعه إساس. اللسان "6/ 6" مادة/ أسس. 2 وآياء: جمع آية وهي الدليل أو العلامة. 3 البيت في ديوان الأعشى "ص129" وصدره: يقلن: حرام ما أحل بربنا 4 الشاهد فيه "الخواتم" حيث قلبت الألف واوا. فأصلها "خاتم" في المفرد. 5 البيتان في المبهج "ص30". 6 الندول: اسم رجل. درواس: كلب كان معه. الطل: المطر الصغار القطر الدائم وهو أرسخ المطر ندى. اللسان "11/ 405" مادة / طلل. والشاعر يهجو رجلا يدعى "الندول" بأنهم باتوا عنده يتساقط عليهم المطر وضايقهم بسماع صوت كلبه. 7 أجراس: أصوات. لسان العرب "6/ 35" مادة/ جرس. فكلبه يصدر أصواتا من شدة جوعه لبخل صاحبه. والشاهد فيه: "ملا" حيث أبدلت الهمزة ألفا على غير القياس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 ومن أبيات الكتاب1: راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعي فزارة لا هناك المرتع2 يريد: هنأك. فأما من همز "العالم" و"الخاتم" و"الباز" و"التابل" فلا يجوز على مذهبه تخفيف هذه الهمزة، وذلك أن مذهبه أن يجتلب همزا لا أصل له، فلا يجوز على هذا أن يخفف الهمزة، فيردها ألفا، لأنه عن الألف قلبها، فلو أراد الألف لأقر الألف الأولى، واستغنى بذلك عن قلبها همزة، ثم قلبت تلك الهمزة ألفا. وأما غيره فلا ينطق بهذه الهمزة في هذا الموضع أصلا، فلا يمكن أن يقال فيه إنه يخففها ولا يحققها.   1 من أبيات سيبويه والبيت للفرزدق، وهو في ديوانه "ص508" والكتاب "3/ 554". مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك كان على العراق، فعزله يزيد بن عبد الملك واستعمل عمر بن هبيرة الفزاري فأساء وعزل مسلمة عزلا قبيحا. 2 راحت: راح فلان يروح رواحا من ذهابه أو سيره بالعشي. اللسان "2/ 464" مادة/ روح. المرتع: الموضع الذي ترتع فيه الماشية. والشاهد فيه: "هناك" حيث أبدلت الهمزة ألفا يريد "هنأك". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 إبدال الألف عن الياء والواو : وذلك على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تكونا أصلين، والآخر: أن تكونا منقلبتين، والاخر: أن تكونا زائدتين. فأما إبدال الألف عن الياء والواو وهما أصلان فنحو قولك في "ييأس"1: "ياءس" وفي "يوجل"2: "ياجل" ونحو قولك: "باع، وسار، وهاب3، وحار، وقام، وصاغ4، وخاف، ونام، وطال" لقولك: "البيع، والسير، والهيبة، والحيرة، وقومة، وصوغة، وخوف، ونوم، وطويل".   1 ييأس: اليأس القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء. اللسان "6/ 259" مادة/ يأس. 2 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع "ج" وجال. اللسان "11/ 722" مادة/ وجل. 3 هاب: هابه هيبا ومهابة: أجله وعظمه وحذره وخافه. لسان العرب "1/ 790" مادة/ هيب. 4 صاغ: صاغ فلان زورا وكذبا إذا اختلقه، وسكبه. اللسان "8/ 442" مادة/ صوغ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ومن ذلك "رمى، وسعى، ودعا، وعدا" للقولك: "الرمي، والسعي، والعدو والدعو" فهذا حكم الياء والواو، متى تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا إلا أن يضطر أمر إلى ترك قلبهما، وذلك نحو قولك للاثنين: "قضيا، ورميا، وخلوا، ودعوا" وإنما صحتا هنا ولم تقلبا ألفا، لأنهم لو قلبوها ألفا وبعدها ألف تثنية الضمير لوجب أن تحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فيزول لفظ التثنية، ويلتبس الاثنان بالواحد. ونحو من ذلك قولهم: "النفيان" و"الغليان" و"الصميان"1 و"العدوان"2 و"النزوان"3 و"الكروان"4، ألا ترى أنهم لو قلبوا الياء والواو هنا ألفين وبعدهما ألف "فعلان" لوجب حذف إحدهما، وأن تقول "نفان" و"غلان" و"صمان" و"عدان" و"نزان" و"كران" فيلتبس "فعلان" مما اعتلت لامه ب "فعال" مما لامه نون، فترك ذلك لذلك. وربما جاء شئ من ذلك على أصله صحيحا غير معل ليكون دليلا على الأصول المغيرة، وذلك قولهم "الصيد"5 و"الجيد"6 و"القود"7 و"الأود"8 و"الحوكة" و"الخونة" جمع "حائك"9 و"خائن" فأما قولهم في "ييأس": "ياءس" وفي "يوجل": "ياجل" فإنما قلبوا الياء والواو فيهما وإن كانتا ساكنتين تخفيفا، وذلك أنهم رأوا أن جمع الياء والألف أسهل عليهم من جمع الياءين، والياء والواو، وقد حملهم طلب الخفة على أن قالوا في "الحيرة": "حاري" وفي "طيئ": "طائي" قال10: إذ هي أحوى من الربعي خاذلة ... والعين بالإثمد الحاري مكحول11   1 الصميان: الشديد المحتنك السن، والشجاع الصادق الحملة، والسرعة. اللسان "14/ 469". 2 العدوان: الشديد العدو. لسان العرب "15/ 31" مادة/ عدا. 3 النزوان: مصدر نزا الفحل، أي: وثب. لسان العرب "15/ 319" مادة/ نزا. 4 الركوان: طائر طويل الرجلين أغبر، نحو الحمامة، له صوت حسن. 5 الصيد: الكبر. 6 الجيد: طول العنق وحسنه. 7 القود: القصاص. 8 الأود: الاعوجاج. 9 حائك: الذي ينسج الثياب. لسان العرب "10/ 418" مادة/ حيك. 10 هو الطفيل الغنوي، والبيت في ديوانه "ص55" والكتاب "1/ 240". 11 الأحوى: أسود ليس بشديد السواد. الربعي: ما نتج في الربيع. الحاري: نسبة إلى الحيرة بالكسر بلد بجنب الكوفة. لسان العرب "4/ 225". والشاعر يصف الظبية بأنها جميلة اللون تنتج أفضل النتاج وكحيلة العينين. والشاهد فيه: "الحاري" حيث أبدلت الياء ألفا تخفيفا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وحكى أبو زيد عن بعضهم1 في تصغير "دابة": "دوابة" يريد "دويبة" فأبدل من ياء التصغير الساكنة ألفا، وقال الراجز2: تبت إليك فتقبل تابتي ... وصمت ربي فتقبل صامتي3 يريد: توبتي، وصومتي. وقال الآخر: وهو مالك بن أسماء بن خارجة4: ومن حديث يزيدني مقة ... ما لحديث الماموق من ثمن5 يريد: الموموق. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ارجعن مأزورات غير ماجورات" 6 وأصله "موزورات" فقلبت الواو ألفا تخفيفا كما ذكرنا. وقال الكوفيون: إنما أريد به ازدواج الكلام لقوله "ماجورات". وهو قول أيضا. وقال سيبويه في "آية" و"ثاية": "وقال غيره -يعنى غير الخليل- إنها "فعلة" فأبدلت الألف من الياء"7. وأخذ بعض البغداديين8 هذا من سيبويه، فقال9 في قولهم: "ضرب عليه ساية": إنما هي "سية" أبدلت الألف من الياء المنقلبة عن الواو التي هي عين في "سويت".   1 هو أبو عمرو الهذلي كما في المسائل البغداديات "ص395". 2 البيتان في اللسان "توب" "1/ 226". 3 الشاهد فيه "تابتي -صامتي" حيث قلبت الواو ألفا للتخفيف يريد "توبتي -صومتي". 4 البيت منسوب إليه في ذيل الأمالي "ص91" وبغير نسبة في المحتسب "2/ 331" وروي في ذيل الأمالي "الموموق" ولا شاهد فيه. 5 الشاهد فيه "الماموق" حيث أبدلت الواو ألفا تخفيفا، فأصله "الموموق". 6 الشاهد فيه "مازورات -ماجورات" حيث قلبت الواو ألفا تخفيفا. أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز -باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز "1/ 502-503". 7 الكتاب "2/ 388". 8 هو الفراء كما في اللسان "سوا" "14/ 415". 9 نص ابن جني في التمام "ص233" على أنه الفراء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وطرد أيضا هذا الآخذ من سيبويه في غير هذه اللفظة، فقال في قولهم: "أرض دواية": إنه أراد "دوية" فأبدل من الواو الأولى الساكنة التي هي عين "دو" ألفا. قال ذو الرمة1: دوية ودجى ليل كأنهما ... يم تراطن في حافاته الروم2 قال أبو علي3: وهذه دعوى من قائلها لا دلالة عليها، وذلك أنه يجوز أن يكون بني من "الدو" فاعلة، فصارت "دواية" بوزن "زاوية" ثم أنه الحق الكلمة ياءي النسب، وحذف اللام، كما تقول في الإضافة إلى "ناجية": "ناجي" وإلى "قاضية": "قاضي" وكما قال علقمة4: كأس عزيز الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانية حوم5 فنسبها إلى "الحاني" بوزن "القاضي". وكما قالوا: "رجل ضاوي" إنما هو منسوب إلى "فاعل" من "الضوى"6 وهو "ضاو" ولحقتا في "ضاوي" كما لحقتا في "أحمر وأحمري" و"أشقر وأشقري"7 والمعنى واحد.   1 في ديوانه "ص410". 2 الدوية والداوية: المفازة المستوية. تراطنهم: كلام لا يفهمه الجمهور. حافاته: جوانبه، ونواصيه. دجى الليل: سواده مع غيم. والشاعر يصف الصحراء أثناء الليل وكأنهما بحر هائج يموج بمن فيه. والشاهد فيه "دوية" حيث جاءت على الأصل بدون قلب. 3 انظر/ المسائل الحلبيات "ص81". 4 ديوانه "ص68" وكتاب الاختيارين "ص641"، ونسبه صاحب اللسان إلى هلقمة بن عبدة مادة "حوم". 5 الشاعر يتحدث عن الخمر ويصفها بأنها كأس عزيز على أصحابها ومصنوعة من الأعناب، ويحوم حولها الجميع. والشاهد فيه: "حانية" حيث نسبها إلى الحاني. 6 الضوى: دقة العظم، والضعف والهزال. 7 أشقر: الأحمر في الدواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وأنشدنا1: كأن حداء قراقريا2 يديد: قراقرا، وهذا كثير واسع، فعلى هذا يجوز أن تكون "الدواية" منسوبة إلى "فاعلة" من "الدو". وأما ما قرأته على ابي علي في نوادر أبي زيد من قول عمرو بن ملقط جاهلي3: والخيل قد تجشم أربابها الشق ... وقد تعسف الدوايه4 فإن شئت قلت: إنه بنى من "الدو" "فاعلة"5، فصارت في التقدير "دواوة" ثم قلبت الواو الآخرة التي هي لام ياء لانكسار ما قبلها ووقوعها طرفا، فصارت "دواية". وإن شئت قلت: أراد "الدواية" المحذوفة اللام كالحانية، إلا أنه خفف ياء الإضافة كما خفف الآخر فيما أنشده أبو زيد، وأنشدناه أبو علي6: بكي بعينك واكف القطر ... ابن الحواري العالي الذكر7 يريد: ابن الحواري. وهذا شئ اعترض، فقلنا فيه، ثم نعود.   1 البيت في جمهرة اللغة "3/ 433" والخصائص "3/ 105". 2 قراقر وقراقري: حسن الصوت. وفي الجمهرة واللسان "وكان" بدلا من "كأن" وقبله في الجمهرة: "أبكم لا يكلم المطيا". 3 النوادر "ص268" وشرح المفصل "10/ 19" والخزانة "3/ 633"، واللسان "10/ 183". 4 تجشم أربابها: تكلفة على المشقة. والشق: الجهد والعناء. والمعنى أن الخيل يتحمل أصحابها المشقة والتعب وهي تجوب الصحراء. والشاهد فيه "الدواية". 5 هذا قول أبي علي الفارسي كما في المسائل البغداديات "ص395". 6 البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات كما في النوادر "ص527"، وهو في ملحقات ديوانه "ص183" منقولا عن النوادر، وهو بغير نسبة في المسائل الحلبيات، وذكره صاحب اللسان وقد نسبه لابن دريد مادة "حور" "4/ 220". 7 أكف القطر: كف الدمع والماء كفا: سال. ابن الحواري: يريد به مصعب بن الزبير. والشاهد فيه "الحواري" حيث حذفت الياء تخفيفا يريد "ابن الحواري". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وأما إبجالها منهما منقلبين فقولهم: "أعطى، وأغزى، واستقصى، وملهى، ومغزى، ومدعى" أصل هذا كله "أعطو، وأغزو، واستقصو، وملهو، ومغزو، ومدعو" فلما وقعت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء، فصارت في التقدير "أعطى، وأغزي، واستقصي، وملهي، ومغزي، ومدعي" فلما وقعت الياء طرفا في موضع حركة وما قبلها مفتوح قلبت ألفا، فصارت "أغزى، وأعطى، وملهى، ومغزى" فالألف إذن إنما هي بدل من الياء المبدلة من الواو. وكذلك لو بنيت من "قرأت" مثل "دحرج" لقلت "قرأى" وأصله "قرأأ" فلما اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة قلبت الآخرة ياء، فصارت في التقدير "قرأي" ثم قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "قرأى". فالألف في "قرأى" إذن إنما هي بدل في "قرأي"، والياء بدل من الهمزة الثانية في "قرأأ". ويدلك على أنه لابد من هذا التقدير فيها لتكون الألف بدلا من الياء المبدلة من الهمزة قول النحويين في مثال "فعل" من قرأت: "قرأي" أفلا ترى كيف أبدلوها هنا ياء. وكذلك قولهم في مثال "فرزدق": من قراـ "قرأيا" وأصله "قرأأ" فأبدلوا الهمزة الوسطى ياء ليفصلوا بها بين الهمزتين الأولى والآخرة. ويدلك أيضا على صحة ذلك أنك متى أسكنت اللام فزالت الفتحة رجعت اللام إلى أصلها، وهو الياء، وذلك قولك في "افعللت" من قرأت، وهدأت: "اقرأيت" و"اهدأيت"، ولهذا نظائر. فهذا إبدال الألف عن الياء المبدلة. وأما إبدالها عن الواو المبدلة فنحو قولك في ترخيم "رحوي" اسم رجل على قول من قال"يا حار": "يا رحا أقبل" وذلك أنك حذفت ياء النسب، فبقي التقدير "يارحو"، فلما صارت الواو على هذا المذهب حرف إعراب، واجتلبت لها ضمة النداء كالضمة المجتلية في راء "حارث" إذا قلت "يا حار" أبدلت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فقلت: "يارحا أقبل" فالألف الآن في "رحا" إنما هي بدل من الواو في "رحوي" والواو في "رحوي" بدل من ألف "رحى" في قولك: هذه رحى، ورأيت رحى، ومررت برحى، وألف "رحى" هذه بدل من الياء التي هي لام في "رحيان". وكذلك القول في ترخيم "فتوي" و"هدوي" و"شروي" على لغة من قال: "يا حار" إذا قلت: "يا فتى" و"يا هدى" و"يا شرى" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 لا فرق بينهما. فأما قولك في ترخيم "ملهوي" اسم رجل على قول من قال: "يا حار": "يا ملهى" فالألف فيه إذن إنما هي بدل من ياء بدل من واو بجل من ألف بدل من ياء بدل من الواو التي هي لام العل في "لهوت"، فأصله الأول "ملهو" ثم صار "ملهى" ثم صار "ملهوي" ثم صار بعد الترخيم وقلب الواو ياء "ملهي" ثم صار في آخر أحواله "ملهى" وهو قولك: "يا ملهى أقبل". وأما إبدال الألف عن الياء والواو الزائدتين فقولك في ترخيم اسم رجل يقال له: "زميل" على قول من قال "يا حار": "يا زما أقبل". فالألف الآن بدل من ياء "زميل" التي هي زائدة؛ لأن مثاله "فعيل". ونظير ذلك قول العرب "سلقى"1 و"جعبى"2 إنما الألف فيهما بدل من ياء "سلقيت" و"جعبيت" وهي زادئة لا محالة. وأما الواو فأن تسمي رجلا "عنوقا" جمع "عناق"3 ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتبدل واوه ياء لأنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها ضمة، فتقول: "ياعني أقبل" فإن سميت ب "عني" هذا رجلا ونسبت إليه أبدلت من الكسرة قبل الياء فتحة لتنقلب الياء ألفا، فيصير في التقدير "عنا" ثم تقلب ألفه واوا لنوع لوقوع ياءي النسب بعدها، فتقول "عنوي". فإن رخمت "عنوي" هذا على قول من قال "يا حار" حذفت ياءي النسب، وأبدلت من الواو التي قبلها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: "يا عنا أقبل". فالألف الآن في "عنا" إنما هي بدل من الواو الزائدة في "عنوي"، والواو في "عنوي" بدل من الألف في "عنا" والألف في "عنا" بدل من الواو في "عنو" التي هي ترخيم "عنوق". وهذا لطيف دقيق فتظن له، فإنه لا يجوز في القياس غيره.   1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. 2 جعبى: جعباه: صرعه. 3 عناق: العناق: الأنثى من أولاد الماعز. اللسان "10/ 274" مادة/ عنق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 ووجه آخر في قلب الألف عن الواو الزائدة، وذلك أن تسمي رجلا "فدوكسا"1 أو "سرومطا"2 ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتحذف آخره، فتقول "يا فدوك" ثم تسمي ب "فدوك" هذا المرخم، ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتحذف كافه، وتبدل واوه الزائدة ألفا، فتقول "يا فدا" فاعرفه.   1 فدوكسا: الفدوكس: الشديد، وقيل: الغليظ الجافي، وقيل: الأسد. 2 سرومطا: السرومط: الطويل من الإبل وغيرها. اللسان "7/ 314". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 إبدال الألف عن النون الساكنة : قد أبدلت الألف عن هذه النون في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تكون في الوقف بدلا من التنوين اللاحق علما للصرف، وذلك قولك: رأيت زيدا، وكلمت جعفرا، ولقيت محمدا، فكل اسم منصرف وقفت عليه في النصب أبدلت من تنوينه ألفا كما ترى، إلا أن يكون حرف إعراب ذلك الاسم تاء التأنيث التي تبدل في الوقف هاء، وذلك وقلك: أكلت تمرة، وأخذت جوزة، ولم تقل: أكلت تمرتا، وأخذت جوزتا، لأنهم أرادوا الفرق بين التاء الأصلية في نحو: دخلت بيتا، وسمعت صوتا، وصدت حوتا، وكفنت ميتا، والوقف على قوله عز اسمه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] 1، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} والتاء الملحقة نحو: رأيت عفريتا، وملكوتا، وجبروتا2، وبين تاء التأنيث في نحو "تمرة" و"غرفة". فأما قولك: أكررت لك بنتا، وصنت لك أختا، ووقوفك على هاتين التاءين بالألف فإنما ذلك لأنهما ليستا علمي تأنيث، وإنما هما بدلان من الواو التي هي لام الفعل في "إخوة" و"أخوان" و"أخوات" وفي "الأخوة" و"البنوة". وقد تقدم من الحجاج على صحة ذلك وإعلامنا ما علم التأنيث فيهما في باب التاء ما يغني عن إعادته، وقد تقدم أيضا في باب النون ذكر العلة التي لأجلها جاز إبدالها هذا التنوين ألفا في الوقف، وما السبب الذي منع من التعويض في الوقف من تنوين المرفوع واوا، ومن تنوين المجرور ياء، فلم نر لإعادته هنا وجها.   1 {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} : الشاهد فيه "ميتا" حيث أبدلت نون التنوين ألفا في الوقف. 2 جبروتا: متكبرا، عتوا قهرا. اللسان "4/ 113". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وذكرنا أيضا هناك أن من العرب من يقول في الوقف على المنصوب المنون: رأيت فرج، وقوله1: .................................... ... وآخذ من كل حي عصم2 و3: ........................................ ... جعل اليقين على الدف إبر4 وغير ذلك من الشواهد. واختلف أصحابنا في الوقف على المرفوع والمجرور من المقصور المنصرف في نحو قولك: هذه عصا، ومررت بعصا، فقالت الجماعة5: الألف الآن هي لام الفعل؛ لأن التنوين يحذف في الوقف على المرفوع والمجرور، نحو: هذا زيد، ومررت بزيد، إلا أبا عثمان فإنه ذهب6 إلى أن الألف فيهما عوض من التنوين، وأن اللام أيضا محذوفة لسكونها وسكون هذه، قال: وذلك أن ما قبل التنوين في المقصور مفتوح في جميع حالاته، فجرى مجرى المنصوب الصحيح نحو: رأيت زيدا. فأما في النصب فلا خلاف بينهم أن الوقف إنما هو على الألف التي هي عوض من التنوين. فأما قوله تعالى: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] 7 و {قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] 8 فإنما زيدت هذه الألفات في أواخر هذه الأسماء التي لا تنوين فيها لإشباع الفتحات، وتشبيه رؤوس الآي بقوافي الأبيات.   1 تقدم تخريجه. 2 الشاهد فيه "عصم" حيث وقف على الكلمة بالسكون وأصله "عصما". 3 تقدم تخريجه. 4 الشاهد فيه "إبر" حيث وقف عليها بالسكون بدل الألف. 5، 6 انظر/ التكملة "ص199". 7 الشاهد "السبيلا" حيث وقف على الألف التي هي عوض عن التنوين. 8 الشاهد "الظنونا" حيث وقف على الألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 على أن من العرب من يقف على جميع ما لا ينصرف إذا كان منصوبا بالألف، فيقول: رأيت محمدا، وكلمت عثمانا، ولقيت إبراهيما، وأصحبت سكرانا. وإنما فعلوا ذلك لأنهم قد كثر اعتيادهم لصرف هذه الأسماء وغيرها مما رينصرف في الشعر، والشعر كثير جدا، وخفت أيضا عليهم الألف، فاجتلبوها فيما لا ينصرف لخفتها وكثرة اعتيادهم إياها، لا سيما وهم يجتلبونها فيما لا يجوز تنوينه في غير الشعر، نحو قول جرير: ............................ ... وقولي إن أصبت لقد أصابا1 و2: .................................. ... إذا ما الفعل في است أبيك غابا3 وقالوا أيضا: جئ به من حيث وليسا، يريدون "وليس" فأشبعوا فتحة السين بإلحاق الألف، وسنذكر هذا الفصل في هذا الحرف بعون الله، فهذا إبدال الألف من نون الصرف. الثاني: إبدالها من نون التوكيد الخفيفة إذا انفتح ما قبلها ووقفت عليها، وذلك نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة} [العلق: 15] 4 إذا وقفت قلت {لَنَسْفَعًا} وكذلك: اضربن زيدا، إذا وقف قلت: اضرب، قال الأعشى5: يريد: فاعبدن.   1 الشاهد فيه "أصابا" حيث أتى بالألف للوقوف عليها في القافية لخفتها. 2 عجز البيت لجرير من قصيدته التي يهجو فيها الراعي النميري في ديوانه "ص812" وصدره: أجندل ما تقول بنو نمير 3 جندل: ابن الراعي. الشاهد فيه "غابا" حيث وقف بالألف على ما لا يجوز توينه وذلك لخفتها. 4 الشاهد فيه "لنسفعا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها. 5 ديوانه "ص187". 6 الشاهد فيه "فاعبدا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها وانفتاح ما قبلها، والتقدير "فاعبدن". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وقال ابن الحر1: متى تأننا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا2 يريد: تأججن، فأبدلها ألفا. وقال عمر3: وقمير بدا ابن خمس وعشرين ... له قالت الفتاتان: قوما4 اراد: قومن. وقال الآخر: يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما5 يريد: ما لم يعلمن.   1 ابن الحر: هو عبيد الله بن الحر يخاطب رجلا من أصحابه يقال له عطية بن عمرو وكان حبس معه. شرح المفصل "4/ 53" والخزانة "3/ 660-664" بغير نسب في الكتاب "1/ 446". 2 جزلا: يابسا، وقيل: الغليظ. تأجج: الأجيج: تلهب النار. والشاعر يفتخر بكرمه وكرم قومه. واستخدم في ذلك أسلوب الكناية عن الكرم بذكر الحطب الكثير والنار المشتعلة. والشاهد فيه "تأججا" حيث أبدلت النون الخفيفة أيضا عند الوقف عليها. 3 عمر بن أبي ربيعة، والبيت في ديوانه "ص26"، والبيت الذي قبله: من لدن فحمة العشاء إلى أن ... لاح ورد بسوق جونا بهيما الورد: لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شئ. اللسان "3/ 456". الجون: الأسود المشرب حمرة، والمقصود الظلام. اللسان "13/ 101". 4 هذان البيتان من قصيدة مرجزة، وقد ذكر البغدادي في الخزانة "4/ 569-574" أن هذا الشعر نسب إلى ابن جبانة، هو شاعر جاهلي من بني سعد، وجبانه أمه، واسمه المغوار بن الأعنق، ونسب إلى ساور بن هند العبسي وهو مخضرم، ونسبه بعضهم إلى العجاج، وقال بعضهم: هو لأبي حيان الفقعسي. وهما في الكتاب "2/ 152". وقوله له: قالت الفتاتان قوما: أي: قالت الفتاتان لي: قم لئلا يراك الناس. والشاهد فيه "قوما" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها والتقدير "قومن". 5 وقد شبه القمع والرغوة التي تعلوه بشيخ معمم جالس على كرسي. وقد أخطأ بعض الشراح ومنهم -الأعلم- حيث وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه النبات فجعله كشيخ معمم بعمامته مزمل في ثيابه، وسبب الخطأ عدم الاطلاع على ما تقدم الشاهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وقال الآخر: واحمر للشر ولم يصفرا1 يريد: يصفرون، كذا تأوله بعضهم، ومثله كثير. الثالث: إبدال الألف من نون "إذن"، وذلك أيضا في الوقف، تقول: أنا أزورك إذا، تريد: إذن، وإذا وقفت على قوله عز وجل: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] 2 قلت: {فَإِذًا} وإنما أبدلت الألف من نون "إذن" هذه، ونون التوكيد التي تقدم ذكرها آنفا لأن حالهما في ذلك حال النون التي هي علم الصرف، وإن كانت نون "إذن" أصلا وتانك النونان زائدتين. فإن قلت: فإذا كانت النون في "إذن" أصلا وقد أبدلت منها الألف، فهل تجيز في نحو "حسن" و"رسن" و"علن" ونحو ذلك مما نونه أصل أ، تقلب نونه، فيقال فيه: "حسا" و"رسا" و"علا"، وفي "فدن": "فدا" وفي "زمن": "زما"؟ فالجواب: أن ذلك لا يجوز في غير "إذن" مما نونه أصل، وإن كان ذلك قد جاء في "إذن" من قبل أن "إذن" حرف، فالنون فيها بعض حرف كما أن التنوين ونون التوكيد ونون الصرف، وأما النون من "حسن" و"حسنا" و"حسن" فالنون في ذلك كالدال من "زيد" والراء من "بكر"، ونون "إذن" ساكنة كما أن نون التوكيد ونون الصرف ساكنتان، فهى بهما -لهذا ولما قدمناه من أن كل واحدة منهما حرف- كما أن النون في "إذن" بعض حرف- أشبه منها بنون الاسم المتمكن.   والشاهد فيه: "لم يعلما" حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم وأصله "ما لم يعلمن" وقبلت النون ألفا للوقف عليها، وهذا التوكيد لا يجوز عند سيبويه إلا للضرورة. انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 310-311". 1 الشاهد فيه "يصفرا" حيث قلب نون التوكيد الخفيفة ألف للوقف عليها. 2 الشاهد فيه "فإذن" حيث يجوز إبدال نون "إذن" ألفا عند الوقف عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 فإن قلت: فالنون في "عن" و"أن" كل واحدة منهما حرف ساكن من جملة كلمة هي حرف، كما أن نون "إذن" ساكنة من حرف، كما أن نون "إذن" ساكنة من جملة حرف، فهل يجوز أن تبدل منها في الوقف ألفا، فتقول: "عا" و"أا" كما قلت: إذا؟ وأن كان ذلك غير جائز، فهلا لم يجز أيضا إبدال النون من "إذن" ألفا في الوقف؟ فالجواب: أنهما حرفان لا يتوقف عليهما، أما "عن" فحرف جر، وحروف الجر لايمكن تعلقيها عن المجرور ولا الوقوف عليها دونه إلا عند انقطاع نفس، وذلك قليل مغتفر. وأما "أن" فلا تخلو من أن تكون الناصبة للفعل، وهذه لا يوقف عليها لأنها من عوامل الأفعال، وعوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء، أولا ترى أنه لا يمكنك الفصل بينها وبين ما تنصبه من الأفعال إلا ب "لا" في نحو قولك: أحب أن لا تقوم، وأسألك أن لا تفعل، فجرى هذا الفصل بينهما في ترك الاعتداد به وقلة المراعاة له مجرى الفصل ب "لا" بين الجار والمجرور في نحو قولك: جئت بلا مال، وضربته بلا ذنب، ومجرى الفصل بين الجازم والمجزوم المشبهين للجار والمجرور في نحو قولك: إن لا تقم لا أقم، فلما ضعفت "أن" الناصبة للفعل عن فصلها واقتطاعها عما بعدها لم يحسن الوقوف صله لها، والوقوف على الموصول دون صلته قبيح مع الأسماء القوية، فكيف به مع الحروف الضعيفة. أو أن تكون "أن" المخففة من الثقيلة الناصبة للاسم نحو قوله عز اسمه {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] 1. ونحو قول الشاعر2: زعم الرزدق أن سيقتل مربعا ... ............................... 3   1 الشاهد "أن سيكون" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف لا يجوز الوقوف عليها، ولا يمكن فصلها عما بعدها. 2 البيت لجرير وهو في ديوانه "ص916" وشطر البيت الثاني: أبشر بطول سلامة يا مربع 3 الشاهد فيه "أن سيقتل" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف، ولا يجوز الوقوف عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها دون ما بعدها؛ لأنها إذا كانت مثقلة على أصلها لم يجز الوقوف عليها، لأن ما بعدها من اسمها وخبرها صلة لها، وخطأ الوقوف على الموصول دون صلته وهو اسم، فكيف به وهو حرف! ولا سيما وقد أجحف به تخفيفه وإزالة التثقيل عنه، وأيضا فإن السين، وسوف، وقد، ولا بعده في نحو: علمت أن سيقوم زيد، وسوف يقوم، وأعلم أن قد فعلت. ونحو قولها1: فلما رأينا بأن لا نجاء ... وأن لايكون فرار فرارا2 إنما هي أعواض للتخفيف من الحرف المحذوف الذي كان كأنه مصوغ مع الكلمة من جملة حروفها، وفي موضع اللام لو وزنت منها، أعني الهاء، وكما أنه كالعوض من النون المحذوفة التي هي من نفس الكلمة، كذلك يجب أن يلزم ما قبله، ولا يفارقة، ولا ينفصل عنه، ولا يوقف عليه دونه كما لا يوقف على إحدى النونين دون الأخرى، وإذا كان ذلك فقد عرفت به شدة اتصال "أن" المخففة من الثقيلة بما بعدها، فبحسب ذلك ما لا يجوز أن يوقف دونه عليها. أو أن تكون "أن" المزيدة في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: 33] 3 ونحو قول الشاعر4: ويوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وراق السلم5 فيمن جر الظبية.   1 لم أقف عليها فيما بين أيدينا من مراجع. 2 فرارا: هربا. والشاهد فيه "أن لا ... " حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا. 3 الشاهد فيه "إن جاءت" حيث جاءت أن المخففة زائدة ومع ذلك لا يجوز إبدالها نونها ألفا والوقوف عليها. 4 هذا البيت اختلف في قائله: فعند أبي عبيد البكري: هو لراشد بن شهاب اليشكري، وعند سيبويه: هو لابن صريم اليشكري، وكذا قال النحاس والأعلم، وكذلك الكتاب "1/ 281"، ونسب في الأصمعيات إلى "الأصمعية 55" علياء بن أرقم، وهو بغير نسب في المنصف "3/ 128" وقال ابن بري في حاشية الصحاح: هو لباغت بن صريم. 5 المقسم: رجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ وسما من الجمال. تعطو: التطاول إلى الشجر ليتناول منه. لسان العرب "15/ 69" مادة/ عطا, السلم: نوع من شجر البادية. لسان العرب "12/ 297" مادة/ سلم. والشاعر يمدح محبوبته بأنها تطلع عليه بوجه جميل حسن ويشبهها بظبية تنال شجر السم. والشاهد فيه: "كأن ظبيه" حيث جاءت "أن" زائدة ودخلت عليها كاف التشبيه، والتقدير: "كظبية". إعرابه: اسم مجرور بحرف الجر الكاف، وعلامة جره الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وقول الآخر1: منا الذي هو ما أن طر شاربه ... والعانسون، ومنا المرد والشيب2 فيمن فتح همزة "أن" في رواية هذا البيت و"أن" هذه ايضا لا يحسن الوقوف عليها، ألا تراها في هذه الآية وهذين البيتين قد وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها فيه. أما قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ} فإنها وقعت معترضة بين المضاف الذي هو {وَلَمَّا} والمضاف إليه الذي هو {جَاءَتْ} وغير جائز الوقوف على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورة انقطاع النفس. وأما قوله: "كأن ظبية" فقد ترى "أن" واقعة بين حرف الجر وما جره، وهذا أحرى بأن لا يجوز فيه الوقوف على "أن". وأما قول الآخر: "ما أن طر شاربه" فإنما فصلت بين حرف النفي وبين الجملة التي نفاها، وغير جائز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة؛ ألا ترى أنك لا تجيز الوقوف على "هل" من قولك: هل قام زيد؛ لضعف الحرف وعدم الفائدة أن توجد فيه إلا مربوطا بما بعده.   1 ذكره صاحب اللسان في مادة "عنس" "6/ 149"، ونسبه إلى "أبو قيس بن رفاعة"، ونسبه الأصبهاني إلى "أبو قيس بن الأسلت الأوسي" وقد نسب في إصلاح المنطق "341". 2 العانسون: جمع عانس والعانس من بلغ سن الزواج ولم يتزوج. اللسان "6/ 149". المرد: جمع أمرد وهو الذي لم تنبت لحيته. اللسان "3/ 104" مادة/ مرد. الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره. اللسان "1/ 512" مادة/ وثب. والشاهد فيه: "ما أن" حيث وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها ولذلك لا يجوز إبدال النون ألفا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 فأما قول الشاعر1: ليت شعري هل ثم هل آتينهم ... أم يحولن من دون ذاك الردى2 فتقديره: هل آتينهم ثم هل آتينهم، وإنما جاز اقتطاع الجملة الأولى بعد "هل" الأولى لأنه قد عطف عليها "هل" الثانية وما ارتبطت به من الجملة المستفهم عنها، فدل ذلك على ما أراده في أول كلامه، وهذا واضح. أو أن تكون "أن" التي معناها العبارة كالتي في قوله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص: 6] 3 قالوا: معناه أي امشوا. وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها؛ لأنها تأتي ليعبر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبلها، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسر به ما قبلها، فبحسب ذلك يمتنع الوقوف عليها. ويدلك في الجملة على شدة اتصال الحروف بما ضمنت إليه أنك تجد بعضها قد صيغ في نفس الكلمة ووسطها، وجرى مجرى ما هو دزء من أصل تصريفها، وهو ألف التكسير وياء التحقير، نحو "دارهم" و"دريهم" و"دنانير" و"دنينير"، ولم نجد شيئا من الأسماء ولا الأفعال صيغ واسطا في أنفي المثل كما صيغت ألف التكسير وياء التحقير فهذا في الجملة يؤكد عندك ضعف الحروف وقوة حاجتها إلى ما تتصل به، فلما كانت "عن" و"أن" بحيث ذكرنا من الضعف وفرط الضرورة إلى اتصالهما بما بعدهما لم يجز الوقوف عليها، ولما لم يجز ذلك لم تبدل الألف من نونها، وليست كذلك "إذن" لأنهما قد تقع آخرا، فيوقف عليها في نحو قولك:   1 البيت في شرح المفصل "8/ 151" ومغني اللبيب "ص458" والبيت للكميت بن زيد الأسدي من قصيدة مطلعها: من لصب متيم مستهام غير ما صبوة ولا أحلام 2 الردى: الهلاك. لسان العرب "14/ 316" مادة/ رجي. ليت شعري: أسلوب تمني يستخدمه العرب بمعنى ياليتني. والشاعر يتمنى أن يأتي أحبابه قبل أن يحول بينه وبين ذلك الهلاك. الشاهد فيه "هل ثم هل ... " فتقديره "هل آتينهم" حيث قطع بين الجملتين بحرف العطف. 3 الشاهد فيه "أن امشوا" حيث جاءت "أن" بمعنى أي امشوا، ورغم ذلك لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي لتعبر عن الفعل قبلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 إن زرتيني فأنا أزورك إذن، وأنا أحسن إليك إذن، فلما ساغ الوقوف عليها جاز إبدال الألف من نونها. والوجه الآخر الذي امتنع له إبدال الألف من نون "عن" و"أن" ولم تجر النون فيهما مجرى النون "إذن" أن نون "إذن" بالتنوين أشبه من نون "عن" و"أن"، وذلك أن "إذن" على ثلاثة أحرف، فإذا شبهت النون وهي ثالثة الحروف بنون الصرف جاز ذلك/ لأنه قد تبقى قبلها حرفان، وهما الهمزة والذال، فيشبهان من الأسماء "يدا" و"غدا" و"أخا" و"أبا" و"دما" و"سها" و"فما" ونحو ذلك من الأسماء المنقوصة التي يجوز أن يلحقها التنوين، فيصير قولك "إذا" كقولك: رأيت يدا، وكسرت فما، وأكرمت أبا ونحو ذلك، و"عن" و"أن" ليس قبل نونهما إلا حرف واحد، وليس في الأسماء شئ على حرف واحد يجوز أن يلحقه تنوين، فلم يكن ل "أن" و"عن" شئ من الأسماء يشبهانه، فتشبه نونهما بتنوينه، فتبدل ألفا كما يبدل تنوينه ألفا، فاعرف ذلك. والقول في "لن" كالقول أيضا في "عن" و"أن" في هذا الفصل وفي الذي قبله جميعا سواء. فاما قولهم في اللعب واللهو "ددن" و"ددا" فليست الألف فيه بدلا من نون "ددن" من قبل أنها في لغة من نطق بها بالألف ثابتة موجودة في الوصل والوقف جميعا، وذلك نحو قولهم: هذا ددا يا هذا، ورأيت فيك ددا مفرطا، وعجبت من ددن رأيته في فلان، ولو كانت الألف في "ددا" بدلا من النون في "ددن" لما وجدت في الوصل، كما أن ألف "إذا" لا توجد في الوصل، إنما تقول: إذن أزورك، ولا تقول: إذا أزورك. ومنهم من يحذف اللام، فيقول "دد". قال أبو علي: ونظير "ددن" و"ددا" و"دد" في استعمال اللام تارة نونا، وتارة حرف علة، وتارة محذوفة "لدن" و"لدى" و"لد"، كل ذلك يقال فاعرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 زيادة الألف : اعلم أن الألف تزاد ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة، ولا تزاد أولا البتة؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به. فإن قلت: فهلا زيدت أولا وإن كانت ساكنة، ثم أدخلت عليها همزة الوصل توصلا إلى النطق بها، كما زيدت النون في "انطلق" ساكنة، ثم أدخلت عليها همزة الوصل ليمكن النطق بها؟ فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لدخلت همزة الوصل وهي مكسورة كما ينبغي لها، ولو لحقت مكسورة قبل الألف لانقلبت الألف ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فيقع هناك من الإشكال والاستثقال ما بعضه مستكره، فرفض ذلك لذلك. وهذا كرفضهم أن يبنوا في الأسماء اسما مما عينه واو على "فعل" مثل "عضد"2 و"سبع"2 وذلك أنهم لو بنوه لم يكونوا ليخولا من قلب الواو ألفا أو تركها غير مقلوبة ألفا، فإن لم يقلبوا ثقل ذلك عليهم، وإن قلبوه صار لفظه كلفظ ما عينه مفتوحة، فلم يدر أمفتوحة كانت أم مضمومة، فلما كانوا لا يخلون في بناء ذلك من إشكال أو استثقال رفضوه البتة. قال أبو علي: ونظير هذا قول الشاعر3: رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا4   1 عضد: العضد الساعد وهو من المرفق إلى الكتف، وفيه خمس لغات: عضد، عضد، عضد، عضد، عضد. لسان العرب "3/ 292" مادة/ عضد. 2 سبع: مفرد سباع. لسان العرب "8/ 147" مادة/ سبع. 3 البيت في الخصائص "1/ 209" "2/ 31، 170"، والمحتسب "1/ 188". 4 يعني أن الأمور تتابع فيقضي أولها إلى آخرها وتكون متصلة دائما. والشاهد فيه: "آخر" حيث زيدت الألف ثانية. إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 فزيادة الألف ثانية نحو: "ضارب" و"قاتل" و"خاتم" و"طابق" و"سابط"1 و"خاتام" و"عاقول"2 و"حاطوم"3 و"قاصعاء"4 و"نافقاء"5 وفي الفعل "خاصم" و"شاتم". وزيادتها ثالثة نحو: "كتاب" و"حساب" و"غراب" و"جراب"6 و"حباب"7 و"سراب" و"سخاخين" بمعنى سخن. أنشدنا أبو علي8: أحب أم خالد وخالدا ... حبا سخاخسنا وحبا باردا9 وفي الفعل نحو "اشهاب" و"احمار". وزيادتها رابعة نحو: "حملاق"10 و"درياق"11 و"زلزال" و"بلبال"12 و"قرطاس" و"قرناس"13 و"أرطى"14 و"معزى" و"حبلى" و"سكرى".   1 ساباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب "7/ 311" مادة/ سبط. 2 عاقول: عاقول البحر: معظمه، وموجه، وهو ما التبس من الأمور. اللسان "11/ 463". 3 حاطوم: السنة الشديدة لأنها تحطم كل شئ. اللسان "12/ 138". 4 قاصعاء: حجر يحفره اليربوع، فإذا دخل فيه سد فمه لئلا يدخل عليه حيه أو دابة. 5 نافقاء: حجر الضد واليربوع، وقيل النفقة. اللسان "10/ 358" مادة/ نفق. 6 جراب: وعاء، وقيل: المزود. اللسان "1/ 261" مادة/ جرب. 7 حباب: حباب الماء: طرائقه، ومعظمه، وفقاقيعه التي تطفو كأنها القوارير. 8 البيتان في اللسان مادة "سخن" "13/ 206"، والتاج "سخن" "9/ 233". 9 سخاخينا: أي ساخنا. اللسان "13/ 206". باردا: أي يسكن إليه قلبه. والشاهد: "سخاخينا" حيث زيدت الألف ثالثا. إعرابه: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. 10 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/ 69". 11 درياق: هو الترياق فارسي معرب. اللسان "10/ 96" مادة/ درق. 12 بلبال: الهم ووساوس الصدر. لسان العرب "11/ 69" مادة/ بلل. 13 قرناس: ما يلف عليه الصوف ليغزل. اللسان "6/ 173" مادة/ قرنس. 14 أرطى: شجر يدبغ به من شجر الرمل. اللسان "14/ 325" مادة/ رطا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فأما ألف "سلقى"1 و"جعبى"2 و"خنظى"3 و"خنذى"4 فإنها منقلبة عن ياء لقولك "سلقيت"5 و"جعبيت"6 و"خنظيت" و"خذنيت". قال7: قامت تعنظي بك سمع الحاضر8 وزيادتها خامسة نحو: "حبركى"9 و"دلنظى"10 و"قرقرى"11 و"سمهى"12، قال13: فأصبحت بقرقرى كوانسا ... فلا تلمه أن ينام البائسا14   1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. اللسان "10/ 162" مادة/ سلق. 2 جعبى: جعبأه: صرعه. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب. 3 خنظى: أي ندد به وأسمعه المكروه. 4 خنذي: البذاءة وسلاطة اللسان. 5 سلقيت: سلقه بالكلام أذاه وهو شدة القول باللسان. قال تعالى: {سلقوكم بألسنة حداد} 6 جعبيت: صرعته. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب. 7 البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في تهذيب الألفاظ "ص263" واللسان "جرس" "6/ 35". 8 سمع الحاضر: بمسمع من الحاضر. يخاطب بهذا البيت وبأبيات قبله زوجه ويقول: لقد خشيت أن أموت ولا أرى لك ضرة سليطة اللسان تفضحك بشنيع الكلام. 9 حبركى: الطويل الظهر القصير الرجلين. اللسان "1/ 409" مادة/ خبرك. 10 دلنظى: الصلب الشديد. اللسان "7/ 444" مادة/ دلنظ. 11 قرقرى: موضع. اللسان "5/ 90" مادة/ قرر. 12 سمهي: الباطل والكذب. اللسان "13/ 500" مادة/ سمه. 13 البيتان في الكتاب "1/ 255"، والثاني في الهمع "1/ 66". 14 أصبحت: أي الإبل. قوله "كوانس" استعارة من كنس الظبى، أي دخل -كنس- كناسه وهو بيته. البائس: يعني راعيتها. يصف إبلا بركت بعد أن شبعت، فنام راعيها. الشاهد فيه "قرقري" حيث زيدت الألف خامسا. إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسره المقدرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 فأما الألف في "احنبطى"1 و"ابرنتى"2 و"اسرندى" و"اغندى"3 فإنما هي بدل من ياء لقولهم "احبنطيبت" و"ابرنتيت" و"اسرنديت" و"اغرنديت" وفي الحديث: "فيظل محبنطيا على باب الجنة"4. وقال5: فظل محبنطيا ينزو له حبق ... إما بحق وإما كان موهونا6 أي: منتفخا. وقرأت على أبي علي، وأنشدنا من بعض كتب الأصمعي7: ما بال زيد لحية العريض ... مبرنتيا كالخزر المريض8 أي: غضبان. وقال الآخر9: قد جعل النعاس يسرنديني أدفعه عني ويغرنديني10 أي: يعولني ويتجللني.   1 احنبطى: انتفخ. لسان العرب "7/ 27" مادة/ حبط. 2 ابرتنى: ابرنتى للأمر: تهيأ. اللسان "2/ 10" مادة/ برت. 3 اسرنداه: واغرنداه: إذا جهل عليه وإذا علاه وغلبه. اللسان "3/ 212" مادة/ سرد. 4 قد استشهد به في المنصف "3/ 10"ممهوا، وذكر عن أبي عبيدة أن المحبنط -بغير همز- المتغضب المستبطئ الشئ. 5 لم أقف عليه. 6 الحبق: الضرط. اللسان "10/ 37". موهونا: ضعيفا، محبنطيا: منتفخا. الشاهد فيه "محبنطيا" حيث جاءت على الأصل فأصلها ياء من "احبنطيت" وليست ألفا زائدة. 7 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 238" وفيه "مبرشما" بدلا من "مبرنتيا" ولا شاهد فيه حينئذ يقال: برشم الرجل، أي أحد النظر. 8 الشاهد فيه "مبرنتيا" حيث جاءت الكلمة على الأصل، فأصلها ياء من "ابرنتيت". 9 البيتان في المنصف "1/ 86" "3/ 11" واللسان "سرد" "3/ 212" بدون نسب ونصه: قد جعل النعاس يغزنديني أدفعه عني ويسرنديني 10 سيرنديني: يعلوني. يغرنديني: يغلبني ويعلوني. اللسان "3/ 325". والشاهد فيه "يسرنديني -يغرنديني" حيث جاءت على الأصل الياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 وزيادتها سادسة نحو: "قبعثرى"1 و"ضبغطرى"2 و"عبوثران"3 و"هزنبران"4 و"عريقصان" و"معلوجاء"5 وبابه نحو: "محظوراء"6 و"معيوراء"7 و"فيضوضاء"8 وغير ذلك. واعلم أن الألف الزائدة إذا وقعت آخرا في الأسماء فإنها تأتي على ثلاثة أضرب: أحدها أن تاتي ملحقة، والآخر أن تكون تأنيث، والآخر أن تكون زائد لغير إلحاق ولا تأنيث. الأول: نحو قولهم "أرطى" هو ملحق بالألف من آخره بوزن "جعفر" ويدلك على زيادة الألف في آخره قولهم: "أديم مأروط" إذا دبغ بالأرطى، وهو شجرن فالهمزة كما ترى أصل فاء، والألف الآخرة زائدة. وحدثنا أبو علي أن أبا الحسن حكى: "أديم مرطي" فأرطى على هذا أفعل، والألف في آخره منقلبه عن ياء لقولهم "مرطى" كمرمي من رميت، هذا هو الوجه، وهو أقيس من أن تحمل على قول الحارثي9: وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معديا عليه وعاديا10 ويدلك على أن الألف في قول من قال "مأروط" زائدة للإلحاق لا للتأنيث، تنوينها ولحاق الهاء في قولهم: أرطاة واحدة، بها سمي الرجل أرطاة، ولو كانت الألف للتأنيث لما جاز تنوينها ولا إلحاق علم التأنيث لها، كما لا يجوز شئ من ذينك في "حبلى" ولا "حبارى".   1 قبعثرى: الجمل الضخم العظيم. 2 ضبغطرى: الرجل الشديد، والأحمق. 3 عبوثران: نبات طيب الريح. 4 هزنبران: الشئ الخلق. 5 معلوجاء: اسم جمع للعلج، والعلج: الرجل الشديد الغليظ. اللسان "2/ 326". 6 محظوراء: ماء لبني أبي بكر بن كلاب. 7 معيوراء: اسم جمع للعير، وهو الجمار أيا كان أهليا أو وحشيا وقد غلب على الوحشي. 8 فيضوضاء: يقال أمرهم فيضوضاء بينهم: إذا كانوا مختلطين يتصرف كل منهم في ما للآخر. 9 هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، والبيت من مفضيلة له وهو في الكتاب "2/ 382" والخزانة "1/ 316" وهو بغير نسبة في المنصف "1/ 118". 10 العرس: زوجة الرجل. الليث: الأسد. والشاهد فيه "عاديا" حيث أن الياء منقلبة عن واو لأنه من عدا يعدو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 ومثل "أرطى" "معزى" وهو ملحق بـ "هِجرَع"1. ويدلك على أن ألفه ليست للتأنيث تنوينها، وأنه أيضًا مذكر، قال2: ومعزى هَدِبا يعلو ... قِران الأرض سُوادنا ومثل ذلك أيضًا "حَبَنْظًى"4 و"سَرَنْدًى"5 و"دَلَنْظًى"6 و"عَفَرْنًى"7 و"جَلَعْبًى"8 و"صَلَخْدًى"9 و"سَبَنْتًى"10 و"سَبَنْدًى"11. كل ذلك ملحق بسَفَرْجل لإلحاق الهاء فيها ولتنوينها، قال الأعشى12: بذات لَوْث عَفَرْناةٍ إذا عَثَرَت ... فالتَّعسُ أدْنَى لها من أن أقول لَعا13 وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى للكميت بن معروف الفَقْعَسِي14: بكلّ سَبَنْتَاةٍ إذا الخِمْسُ ضَمَّها ... يُقَطِّعُ أضْغان النوَاجي هِبابُها15   1 هجرع: الأحمق، والطويل، والجبان. اللسان "8/ 368" مادة/ هجع. 2 البيت في الكتاب "2/ 12"، والمنصف "1/ 36" "3/ 7"، واللسان "قرن" دون أن ينسبه. 3 الهدب: كثير الشعر. قران الأرض: أعلاها. الشاهد فيه: "سودانا" حيث ألحقت به ألف الإلحاق. 4 حبنطى: القصير الغليظ. 5 سرندي: الجريء، والشديد. 6 دلنظى: ضخما غليظ المنكبين، والصلب الشديد. 7 عفرنى: الأسد. 8 جلعبى: الرجل الجافي الكثير الشر. اللسان "1/ 274" مادة/ جلب. 9 صلخدى: الجمل المسن الشديد الطويل. اللسان "3/ 258" مادة/ صلد. 10 سبنتى: الجريء المقدم من كل شيء. 11 سبندي: الجريء المقدم في كل شيء. 12 ديوانه "ص153"، وذكره صاحب اللسان في مادة "لوث". 13 اللوث: القوة. اللسان "2/ 186" مادة/ لوث. لعا له: دعا له بأن ينتعش. والمراد بذات لوث: الناقة القوية. اللسان "2/ 186". الشاهد فيه "لعا" حيث زيدت ألف الإلحاق. 14 البيت منسوب إليه في مجالس ثعلب "ص428" والمنصف "3/ 30". 15 الخمس: أن ترد الإبل اليوم الخامس بعد أن تمسك عن الماء ثلاثا. اللسان "6/ 76". النواجي: الإبل السريعة. اللسان "15/ 306" مادة/ نجا. تقطع أضغانها: تفوقها في الجري. الهباب: النشاط والإسراع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وقالوا: "صَلَخداة" و"جَلَعباة" و"سَرَنداة" و"دَلَنظاه". الثاني: وهو إلحاق الألف للتأنيث، وذلك كل ما لم ينون نكرة نحو "جُمادَى" و"حُبارَى" و"حُبلَى" و"سَكْرى" و"غَضْبى"، فهذه كلها وما يجري مجراها للتأنيث، قال1: إذا جُمادَى مَنَعَت قَطْرَها ... زَان جنابي عَطَنٌ مُغْضِفٌ2 ولعمري إن "جُمادَى" معرفة، وقال الفرزدق3: وأشلاء لحم من حُبَارى يصيدها ... لنا قانصٌ في بعض ما يَتَخَطَّف4 فلم يصرف "حُبَارى" وهي نكرة. وأنشدنا أبو علي5: وبِشْرة يأبونا كأن خباءنا ... جَناح سُمانى في السماء تطير6 فلم يصرف "سُمانى" وهي نكرة.   1 نسب الجوهري البيت إلى أبي قيس بن الأسلت، ونسبه ابن بري لأحيحة بن الجلاح. اللسان "عصف" "9/ 248" وهو له أيضًا في "غضف" "9/ 268". الجناب: الناحية. لسان العرب "1/ 278" مادة/ جنب. العطن هنا: النخيل الراسخة في الماء الكثيرة الحمل. اللسان "13/ 286" مادة/ عطن. عطن مغضف: كثر نعمه. اللسان "9/ 286". 2 الشاهد فيه "جُمادَى" حيث ألحقت الألف للتأنيث. 3 البيت في ديوانه "ص555" وجمهرة أشعار العرب "ص887" وعجزه فيها: إذا نحن شئنا صاحب متألف 4 أشلاء: بقايا. لسان العرب "14/ 442، 443" مادة/ شلا. حُبارَى: طائر يقع على الذكر والأنثى. اللسان "4/ 160" مادة/ حبر. قنص الصيد: صاده فهو قانص. والشاهد فيه: "حُبارَى" حيث زيدت الألف للتأنيث. 5 البيت في الخصائص "2/ 39" واللسان "4/ 63" مادة/ بشر. 6 بشرة: اسم. اللسان "4/ 63" مادة/ بشر. يأبونا: يكون لنا أبا. السُّمانى: طائر واحدته سمانة، وقد يكون السماني واحدا. اللسان "13/ 220". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وحكى سيبويه على جهة الشذوذ "بُهْماة"1 فأدخل الهاء على ألف "فُعلى"، وألف "فُعلى" لا تكون لغير التأنيث، وقد ذكرنا علة ذلك قديما في هذا الكتاب. وحكى أبو الحسن2 أيضًا نحوا من هذا، وهو قولهم: "شُكاعاة"3 فالألف في هذا لغير التأنيث. ومثله ما حكاه ابن السكيت4 من قولهم: "باقِلاةٌ"5 فالألف هنا أيضًا لغير التأنيث. وحكى البغداديون "سُماناة". وأنشد ابن الأعرابي6: ويتقي السيف بأُخْراته ... من دون كف الجار والمِعصَم7 قال: أراد أخراه، فقال: أُخْراته، فيضاف هذا إلى "بُهْماة" وقالوا لضرب من النبت "نُقاوَى" والواحدة "نُقاواةٌ" فقس على هذا. الثالث: لحاقها لغير إلحاق ولا تأنيث، وذلك قولهم "قَبَعْثَرى" فليست هذه الألف للتأنيث لأنها منونة، ولا إلحاق لأنه ليس لنا أصل سداسي فيلحق "قَبَعْثَرى" به. ومثله ما حكيناه عنهم من قول بعضهم "باقِلاةٌ" و"شُكاعاة" و"سُماناة" و"نُقاواة" لأن لحاق الهاء لها يدل على أنها ليست عندهم للتأنيث، ولا هي أيضًا للإلحاق، لأنه ليس لنا أصل على هذا النحو فتلحق هذه الأسماء به. فأما "بُهْماة" فقد تقدم من القول فيها ما أغنى عن إعادته.   1 بهماة: الكتاب "2/ 320"، البهماة: واحدة البهمى، وهو نوع من النبات. 2 حكى ذلك في كتابه معاني القرآن "ص96". 3 والشكاعاة: واحدة الشكاعي، وهو نبت وقيل: شجر صغار ذو شوك. 4 إصلاح المنطق "ص183". 5 والباقلاة: واحدة الباقلي وهو الفول، اسم سوادي. اللسان "11/ 62" مادة/ بقل. 6 البيت في معاني القرآن للفراء "1/ 239" واللسان مادة "أخر" ونسبه له "4/ 13". 7 المعصم: موضع السوار من اليد "ج" معاصم. لسان العرب "12/ 408" مادة/ عصم. والشاهد فيه "بأخراته" حيث ألحقت الألف لغير التأنيث فالمراد "أخراه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 واعلم أن هذه الألف قد زيدت في الاسم المثنى علمًا للتثنية، وذلك قولهم: رَجُلان، وفَرَسان، وزَيدان، وعمران. واختلف الناس من الفريقين في هذه الألف ما هي من الكلمة، فقال سيبويه1: هي حرف الإعراب، وليست فيها نية إعراب، وإن الياء في حال الجر والنصب في قولك: مررت بالزيدين، وضربت العَمْرين حرف إعراب أيضًا، ولا تقدير إعراب فيها، وهو قول أبي إسحاق، وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي. وقال أبو الحسن2: إن الألف في التثنية ليست حرف إعراب، ولا هي أيضًا إعراب، ولكنها دليل الإعراب3، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم مجرور أو منصوب. وإليه ذهب أبو العباس4. وقال أبو عمرو الجرمي صالح بن إسحاق5: الألف حرف إعراب كما قال سيبويه، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب. وقال الفراء وأبو إسحاق الزيادي: الألف هي الإعراب، وكذلك الياء. واعلم أنا بلونا هذه الأقوال على تباينها وتنافرها واختلاف ما بينها، وترجيح مذاهب أهلها القائلين بها، فلم نر فيها أصلب مكسرا ولا أحمَدَ مَخبرا من مذهب سيبويه، وسأورد الحجاج لكل مذهب منها والحجاج عليه. إن سأل سائل فقال: ما الدليل على صحة قول سيبويه: إن ألف التثنية حرف الإعراب دون أن يكون الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو الحسن أو غيره ممن خالفه؟ فالجواب: أن الذي أوجب للواحد المتمكن حرف الإعراب في نحو "رجل" و"فرس" هو موجود في التثنية في نحو قولك: "رجلان" و"فرسان" وهو التمكن، فكما أن الواحد المعرف المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب، فكذلك الاسم المثنى إذا كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب، وقولنا: "رجلان، وفرسان،   1 الكتاب "1/ 4". 2 المقتضب "2/ 152". 3 قال في معاني القرآن "ص14": "وجعل رفع الاثنين بالألف". 4 المقتضب "2/ 152-153". 5 المقتضب "2/ 151". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وغلامان، وجاريتان" ونحو ذلك أسماء معربة متمكنة، فتحتاج إذن إلى ما احتاج إليه الواحد المتمكن من حرف الإعراب، فقد وجب بهذا أن يكون الاسم المثنى ذا حرف إعراب إذ كان معربا. ونظير ذلك أيضًا الجمع المكسر في نحو: رجُل ورجال، وفَرَس وأفراس، وغلام وغِلمان، فكما أن الواحد في هذا ونحوه فيه حرف إعراب، فكذلك قد وجدت في جمعه حرف إعراب، فحال التثنية في هذه القضية حال الجمع وإن اختلفا من غير هذا الوجه، وإذا كان ذلك كذلك، وكان قولنا "الزيدان" و"العمران" ونحوهما أسماء معربة ذات حروف إعراب فلا يخلو حرف الإعراب في قولنا: الزيدان، والعمران، والرجلان، والغلامان من أن يكون ما قبل الألف، أو الألف، أو ما بعد الألف، وهو النون. فالذي يفسد أن تكون الدال من "الزيدان" هي حرف الإعراب أنها قد كانت في الواحد حرف إعراب في نحو: هذا زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد، وقد انتقلت عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع، كما انتقلت عن المذكر الذي هو الأصل في قولك: "قائم" إلى المؤنث الذي هو فرع في قولك "قائمة"، فكما أن الميم في قائمة ليست حرف إعراب، وإنما علم التأنيث في "قائمة" هو حرف الإعراب، فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية في نحو قولك: "الزيدان" و"العمران" هو حرف الإعراب، وعلم التثنية هو الألف، فينبغي أن تكون هي حرف الإعراب، كما كانت الهاء في "قائمة" حرف الإعراب، على أن أحدا لم يقل إن ما قبل ألف التثنية حرف إعراب. فإن قلت: فإنا نقول: رجل، وفرس، فتكون اللام والسين حرفي الإعراب، ثم نقول: رجال، وأفراس، فنجد اللام والسين أيضًا حرفي الإعراب، فما تنكر أن تكون الدال من "زيد"حرف الإعراب، ثم تكون أيضًا في "الزيدان" حرف الإعراب؟ فالجواب: أن حال التثنية في هذا غير حال التكسير، وذلك أن جمع التكسير ليس توجد فيه صيغة الواحد كما توجد صيغة الواحد في التثنية، ألا ترى أنك إذا قلت رجل ورجال، فقد نقضت تركيب الواحد وصغته صياغة أخرى، وكذلك: فَرَس، وأفراس، وعبد وعِباد، وكلب وأكلب، وليست التثنية كذلك، إنما يوجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 فيها لفظ الواحد وصيغته البتة، ثم تزيد عليها علم التثنية، وهي الألف، فتقول: الزيدان، والرجلان، فجرى ذلك مجرى قولنا: "قائم" فإذا أردنا التأنيث أدينا صيغة المذكر بعينها، ثم زدنا علم التأنيث، وهو الهاء، فقلنا "قائمة" وكذلك "قاعد" و"قاعدة"، فالتثنية إذن بالتأنيث أشبه منها بجمع التكسير، فبه ينبغي أن يقاس لا بجمع التكسير، وهذا أوضح. وأيضًا فإن حرف الإعراب من جمع التكسير كما يكون هو حرف الإعراب في الواحد فيما ذكرت، فقد يكون أيضًا غير حرف الإعراب في الواحد نحو قولك: غلام وغلمان، وجَريب وجربان، وصبي وصبية، وضاربة وضوارب، وقَصعة وقِصاع، وقتيل وقتلى، وصريع وصرعى، وغير ذلك مما يطول ذكره. فقد علمت أنه لا اعتبار في هذا بجمع التكسير، وعلم التثنية لا يكون لفظ الواحد أبدا، كما أن علم التأنيث لا يكون لفظ المذكر أبدا، فهو لما ذكرت به أشبه. وأيضًا فلو كان حرف الإعراب في: الزيدان" هو الدال كما كان في الواحد لوجب أن يكون إعرابه في التثنية كإعرابه في الواحد، كما أن حرف الإعراب في نحو: "فرس" لما كان هو السين، وكان في "أفراس" أيضًا هو السين كان إعراب "أفراس" كإعراب "فرس"، وهذا غير خفي، على أنا لا نعلم أحدا ذهب إلى أن حرف الإعراب في الواحد هو حرف الإعراب في التثنية، وإنما قلنا ما قلنا احتياطيا لئلا تدعو الضرورة إنسانا إلى التزام ذلك، فيكون جوابه وما يفسد به مذهبه حاضرا عتيدا. ولا يجوز أيضًا أن تكون النون حرف الإعراب لأنها حرف صحيح يتحمل الحركة، فلو كانت حرف إعرابه لوجب أن تقول: قام زيدان، ومررت بالزيدان، فتعرب النون، وتقر الألف على حالها، كما تقول: هؤلاء غلمان، ورأيت غلمانا، ومررت بغلمان. وأيضًا فإن النون قد تحذف في الإضافة، ولو كانت حرف إعراب لتثبت البتة في الإضافة، كما تقول: هؤلاء غلمانك، ورأيت غلمانك، فقد صح أن الألف حرف الإعراب. فإن قلت: فإذا كانت الألف حرف الإعراب فما بالهم قلبوها في الجر والنصب، فقالوا: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، وهلا دلك قلبها على أنها ليست كالدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 من "زيد" إذ الدال ثابتة على كل حال، ولا كألف "حُبلى" و"سَكرى" لأنها موجودة في الرفع والنصب والجر؟ فالجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أن انقلاب الألف في الجر والنصب لا يمنع من كونها حرف إعراب؛ لأنا قد وجدنا فيما هو حرف إعراب بلا خلاف بين أصحابنا هذا الانقلاب، وذلك ألف "كلا" و"كلتا" في قولهم: قام الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، ومررت بهما كليهما، وكلتيهما، وضربتهما كليهما، وكلتيهما، فكما أن الألف في "كلا" و"كلتا" حرف إعراب وقد قلبت كما رأيت، فكذلك أيضًا ألف التثنية حرف إعراب وإن قلبت في الجر والنصب. فإن قلت: إن انقلاب ألف "كلا" و"كلتا" إنما هو لعلة أنهما أشبهتا "على" و"إلى" و"لدى". قيل لك: وألف التثنية أيضًا انقلبت لعلة سنذكرها عقيب هذا الفصل بإذن الله. ومثل ذلك أيضًا من حروف الإعراب التي قلبت قولهم: هذا أخوك وأبوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال، ورأيت أباك وأخاك , وحماك وهَناك وذا مال، ومررت بأخيك وأبيك وحميك, وهَنيك وفِيك وذي مال، فكما أن هذه كلها حروف إعراب، وقد تراها منقلبة، فكذلك لا يستنكر في حرف التثنية أن يقلب وإن كان حرف إعراب. قال أبو علي1: فلم لم تكن الواو في "ذو" حرف إعراب لبقي الاسم المتمكن على حرف واحد، وهو الذال. ومثل ذلك أيضًا قولهم فيما ذكر أبو علي: هذه عصي2، و"يَا بشري"3 فيمن قرأ بذلك.   1 المسائل البغداديات "ص540-541". 2 عصى: من ذلك قوله تعالى: {هِيَ عَصَاي} [طه: 18] فقد قرأ ابن أبي إسحاق والجحدري "هي عصي" البحر المحيط "6/ 234". 3 هذه قراءة أبي الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق ورويت عن الحسن. المحتسب "1/ 336". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وقول أبي ذؤيب1: سبقوا هَوَيَّ وأعْنَقُوا لِهَواهُمُ ... فتُخُرِّموا، ولكل جَنب مَصْرع2 وقول الآخر أنشدناه عن قطرب3: يُطوّف بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ... ويَطعُنُ بالصمُلّة في قَفَيَّا4 فإن لم تثأراني من عِكَبٍّ ... فلا أرويتُما أبدا صَدَيّا5 وقول أبي داود6: فأبلوني بليَّتكم لعليّ ... أُصالِحكم وأستدرج نَوَيّا7 وهو كثير جدا، فكما جاز للألف في هذه الأشياء أن تقلب ياء وهي حرف إعراب، فكذلك أيضًا يجوز لألف التثنية أن تقلب ياء وإن كانت حرف إعراب. ومثل ذلك أيضًا إبدالهم تاء التأنيث في الوقف هاء وذلك نحو: "قائمه" و"قاعده" و"منطلقه"، فكما أن التاء حرف إعراب وإن كانت قلبت في الوقف هاء، فكذلك أيضًا لا يمتنع كون ألف التثنية حرف إعراب وإن كانت قد تقلب ياء.   1 البيت في شرح أشعار الهذليين "ص7"، وقد أنشده أبو علي الفارسي في المسائل العسكريات "ص26" وذكره صاحب اللسان في مادة "هوا". 2 أعنقوا: أسرعوا. تخرموا: تشققوا، والمقصود أخذوا واحدا واحدا. والشاهد فيه "هوى" حيث قلب حرف الإعراب ألفا. 3 أنشد أبو علي البيت الأول في المسائل العسكريات "ص26" عن أبي الحسن، والبيتان للمنخل اليشكري. انظر/ شرح ديوان الحماسة للتبريزي "2/ 48"، واللسان "1/ 626" مادة/ عكب. 4 الصملة: عصا مصنوعة من الشجر. عكب: صاحب سجن النعمان. والشاهد فيه "قفيا" حيث قلبت الألف ياء. 5 صدى: طائر يصيح إذا لم يثأر للمقتول، في رأي الجاهلين. الشاهد فيه "صديا" حيث قلبت الألف ياء. 6 البيت في النقائض "ص408" والخصائص "1/ 176" "2/ 341". 7 أبلوني: اصنعوا بي صنيعا جميلا. أستدرج: أرجع أدرجي من حيث أتيت. البيت في قوم جاورهم، فأساءوا جواره. الشاهد فيه "نويا" حيث قلبت الألف ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 ونحو من ذلك أيضًا إبدال بعضهم ألف التأنيث في الوقف همزة، وذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في الوقف "هذه حُبْلأْ"1. وقد أبدلوا أيضًا الألف في الوقف ياء، فقالوا2: هذه أفعَيْ، حُبلَيْ". قال الراجز3: إن لِطَيَّ نِسوَة تحت الغَضَيْ ... يمنعُهن الله ممن قد طَغَيْ بالمشرَفِيات وطَعْنٍ بالقَنَيْ4 قال سيبويه5: "ومنهم من يبدلها أيضًا في الوصل ياء، فيقول: هذه أفعيْ عظيمة". فكما أبدل حرف الإعراب في جميع هذه الأشياء، ولم يدل انقلابه على أنه ليس بحرف إعراب، كذلك أيضًا يجوز قلب الألف التي للتثنية، ولا يدل ذلك على أنها ليست بحرف إعراب. فهذا أحد وجهي الحجاج. وأما الوجه الآخر فإن في ذلك ضربا من الحكمة والبيان، وذلك أنهم أرادوا بالقلب أن يُعلموا أن الاسم باق على إعرابه، وأنه متمكن غير مبني، فجعلوا القلب دليلا على تمكن الاسم وأنه ليس بمبني بمنزلة "متى" و"إذا" و"أنى" و"إيا" مما هو مبني وفي آخره ألف. فإن قلت: فإذا كانت الألف في التثنية حرف إعراب، فهلا بقيت في الأحوال الثلاث ألفا على صورة واحدة، كما أن ألف حُبلى وسَكرى، حرف إعراب وهي باقية في الأحوال الثلاث على صورة واحدة في نحو قولك: هذه حبلى، ورأيت حبلى، ومررت بحبلى.   1 الكتاب "2/ 285". 2 الكتاب "2/ 285" وهل لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة كما في الكتاب "2/ 287" وقد حكاها الخليل وأبو الخطاب. 3 الأبيات في المنصف "1/ 160" والمحتسب "1/ 77". 4 الغضي: نوع من النبات. المشرفيات: السيوف المصنوعة من المشارف وهي قرى من اليمن. القنا: الرماح. والشاهد فيه "الغضي- بالقنيْ" حيث أبدلت الألف في حالة الوقف ياء. 5 الكتاب "2/ 287" وفيه أن هذه لغة طيئ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 فالجواب: أن بينهما فرقًا، وذلك أن الأسماء المقصورة التي حروف إعرابها ألفات، وإن كانت في حال الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، فإنه قد يلحقها من التوابع بعدها ما يُنبه على مواضعها من الإعراب، وذلك نحو الوصف في قولك: هذه عصًا مُعوجّةٌ، ورأيت عصا معوجةً، ونظرت إلى عصا معوجةٍ، فصار اختلاف إعراب "معوجة" دليلا على اختلاف أحوال "عصا" من الرفع والنصب والجر. وكذك التوكيد نحو قولك: عندي العصا نفسُها، ورأيت العصا نفسَها، ومررت بالعصا نفسِها، فاختلاف إعراب "النفس" دليل على اختلاف إعراب "العصا" وأنت لو ذهبت تصف الاثنين لوجب أن تكون الصفة بلفظ التثنية، ألا تراك لو تركت التثنية بالألف على كل حال لوجب أن تقول في الصفة: رأيت الرجلان الظريفان، ومررت بالرجلان الظريفان، فيكون لفظ الصفة كلفظ الموصوف بالألف على كل حال، فلا تجد هناك من البيان ما تجده إذا قلت: رأيت عصا معوجةً أو طويلةً أو قصيرةً أو نحو ذلك مما يبين فيه الإعراب. وكذلك البدل نحو: رأيت أخواك الزيدان، ومررت بأخواك الزيدان، فلا تجد في التابع بيانا يدل على حال المتبوع، فلما كان كذلك عدلوا إلى أن قلبوا لفظ الجر والنصب إلى الياء ليكون ذلك أدل على تمكن الاسم واستحقاقه الإعراب. ونظير قلبهم الألف في لتثنية ياء في الجر والنصب قولهم هدَيَّ وعَصَيَّ ألا ترى أنهم قلبوا الألف "ياء لما كانت ياء المتكلم يكسر ما قبلها، فاعرفه. على أن من العرب من لا يخاف اللبس، ويجري الباب على أصل قياسه، فيدع الألف ثابتة في الأحوال الثلاث، فيقول: قام الزيدان، وضربتُ الزيدان، ومررتُ بالزيدان، وهم بنو الحارث بن كعب، وبطن من ربيعة، وأنشدوا في ذلك: تزود منا بين أُذْناه طعنةً دعته إلى هابي التراب عقيم1   1 البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان "صرع" "8/ 197"، "15/ 351" مادة/ هبا. طعنة: أثر الطعن. هابي التراب: ما ارتفع ودق. اللسان "15/ 351". عقيم: لا فائدة منه. اللسان "12/ 413" مادة/ عقم. والشاهد فيه "أذناه" حيث لم تقلب ألف أذناه ياء وهي لغة بنو الحارث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وقال الآخر1: فإطراف الشجاع ولو يرى ... مساغا لِناباه الشجاعُ لَصَمّما2 وقال الآخر3: أعرف منها الجيد والعَينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا4 يريد: العينين، ثم إنه جاء بالمنخرين على اللغة الفاشية. وروينا عن قطرب5: هَيّاك أن تُمنى بشَعشعانِ ... خَبّ الفؤاد مائلِ اليدانِ6 وقال الآخر7:   1 هو المتلمس يعاتب خاله الحارث بن التوأم اليشكري، والبيت في ديوانه "ص34". 2 الشجاع: الحية الذكر. المساغ: المدخل. اللسان "8/ 435". صمم: عض. والشاهد فيه "لناباه" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر وهي لغة بعض القبائل. 3 البيت لرجل من بني ضبة كما في النوادر "ص168" وزقم العيني أنه لا يعرف قائله. 4 منخرين: ثقبا الأنف. الجيد: العنق. اللسان "3/ 139". الظبيانا: اسم رجل، وقيل مثنى ظبي. لسان العرب "15/ 24" مادة/ ظبا. والشاهد فيه "العينانا" يريد العينين حيث لم تقلب الألف ياء. إعرابه: معطوف على الجيد، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. 5 البيت في الإفصاح "ص377". 6 الشعشعان: الطويل الحسن الخفيف اللحم، شبه بالخمر المشعشعة لدقتها. اللسان "8/ 182". الخب: الخبيث الماكر. الفؤاد: القلب. والشاهد فيه "بشعشعان" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر. 7 نسب البيتان إلى أبي النجم وهما في ديوانه "ص227"، ونسبهما العيني إلى أبي النجم نقلا عن الجوهري، وذكر أنهما ينسبان إلى رؤبة ونص على أنهما ليسا في ديوان العيني "1/ 133". وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن. قال محيي الدين عبد الحميد: وقد بحثت عنه في النوادر فلم أجد فيها هذا البيت، ولكني وجدت أبا زيد أنشد عن أبي الغول أبيات قافيتها نفس قافية البيت ومن هنا وقع السهو للعيني. انظر/ شرح ابن عقيل "1/ 51". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها1 وفيها2: واشدد بمثنى حقب حقواها3 وعلى هذا تتوجه عندنا قراءة من قرأ: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" [طه: 63] 4 وقد ذكرنا هذه المسألة في باب النون بما أغنى عن إعادته. واعلم أن سيبويه يرى أن الألف في التثنية كما أنه ليس في لفظها إعراب، فكذلك لا تقدير إعراب فيها كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هذا فتى، ففي الألف عندك تقدير ضمة، وإذا قلت: رأيت فتى، ففي الألف تقدير فتحة، وإذا قلت: مررت بفتى، ففي الألف تقدير كسرة، وهو لا يرى أنك إذا قلت: هذان رجلان أن في الألف تقدير ضمة، ولا إذا قلت: مررت بالزيدين، وضربت الزيدينأن في الياء تقدير كسرة ولا فتحة، ويدل على أن ذلك مذهبه قوله: "ودخلت النون كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين"5، فلو كانت في الألف عنده نية حركة لما عوض منها النون كما لا يعوض، منها في قولك: هذه حبلى، ولاأيت حبلى، ومررت بحبلى، النون.   1 الشاهد فيه "أباها" الثالثة لأنها مجرورة حيث جاءت بالألف في حالة النصب ولم تقلب ياء. إعرابه: أبا: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف. ويحتمل أن يكون منصوبًا بالألف نيابة عن الفتحة، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه مبني في محل جر. 2 البيت ذكر في الخزانة "3/ 338"، وشرح المفصل "3/ 129"، وشرح ابن عقيل "1/ 51". 3 الشطر الثاني من البيت: "ناجية وناجيا أباها". وهو موضوع الشاهد في قول الشاعر "أباها" حيث يعرب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع ظهورها التعذر، وهذه لغة القصر. ولو جاء به على لغة التمام لقال "وناجيا أبوها" على أنها فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة. 4 الشاهد فيه "هذان" حيث نصبت بفتحة مقدرة، ولم تقلب الألف ياء. 5 انظر/ الكتاب "1/ 4". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 قال أبو علي: ويدل على صحة ما قال سيبويه من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى كما أن ذلك ليس موجودا فيها في اللفظ، صحة الياء في الجر والنصب في نحو: مررت برجلين، وضربت رجلين، ولو كان في الياء منها تقدير حركة لوجب أن تقلب ألفا كرَحَى، وفتًى، ألا ترى أن الياء إذا انفتح ما قبلها وكانت في تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا. وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن، وصحة المذهب، وسداد الطريقة. فإن قلت: فإذا كانت النون عند سيبويه عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين، فما بالهم قالوا في الجر والنصب ضربت الزيدين، ومررت بالزيدين، فقلبوا الألف ياء، وذلك على الجر والنصب، ثم إنهم عوضوا من الحركة نونا، وكيف يعوضون من الحركة نونا وهم قد جعلوا قلب الألف ياء قائما مقام علم الجر والنصب، وهل يجوز أن يعوض من شيء شيء وقد أقيم مقام المعوض منه ما يدل عليه، ويغني عنه، وهو القلب؟ فالجواب: أن أبا علي ذكر أنهم إنما جوزوا ذلك لأن الانقلاب معنى لا لفظ إعراب، فلما لم يوجد في الحقيقة في اللفظ إعراب جاز أن تعوض منه النون، وصار الانقلاب دليلا على التمكن واستحقاق الإعراب. وهذا أيضًا من لطيف ما حصلته عنه، فافهمه. فإن قلت: فإذا كانت الدلالة قد صحت على قول سيبويه أنه لا تقدير إعراب في حرف الإعراب من التثنية، فما كانت الحاجة من العرب إلى ذلك، وما السر، وما السبب الذي أوجب ذلك فيها؟ فالجواب: أنهم لو اعتقدوا في حرف إعراب التثنية تقدير حركة كما يعتقدونه في حرف الإعراب من المقصور، لوجب أن تقر الألف في الأحوال الثلاث على صورة واحدة كما يقر حرف الإعراب من المقصور على حال واحدة في رفعه ونصبه وجره، ولو فعلوا ذلك فقالوا: قام الزيدان، وضربت الزيدان، ومررت بالزيدان، لدخل الكلام من الإشكال والاستبهام ما قد تقدم قولنا فيه، وأنه تُنُكب لاستكراههم ما فيه من عدم البيان، ولما كان الاسم االمثنى معربا متمكنا، وكرهوا أن يعتقدوا في حرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 إعرابه تقدير حركة إعراب لئلا يبقى في الأحوال الثلاث على صورة واحدة، كما تبقى جميع الأسماء المقصورة فيها كذلك، عوضوه من الإعراب الذي منعوه حرف إعرابه نونا، وأبدلوا من ألفه في الرفع ياء الجر والنصب؛ ليدلوا بذلك على تمكنه وأنه معرب غير بمني كـ "متى" و"إذا" و"أنى" فكان ذلك أحوط وأحزم. فإن قلت: فهلا نَوَوا في الألف أنها في موضع حركة كما نووا ذلك في جميع المقصور، ثم إنهم أبدلوا الألف ياء ليدلوا على تمكن الاسم، ولم يعوضوه من الحركة نونا لأنها منوية مرادة، فقالوا: قام الزيدا، ومررت بالزيدَيْ، وضربت الزيدَيْ؟ فالجواب: أن ما قدمناه يمنع من ذلك، وهو أنهم لو نووا في الياء حركة وما قبلها مفتوح، لوجب أن يقلبوها ألفا، فكان يجب على هذا أن يقولوا إذا لم يأتوا بالنون: قام الزيدا، ورأيت الزيدا، فيعود الكلام من الإشكال واللبس إلى ما هربوا منه، فتركوا ذلك لذلك. ونظير ألف التثنية في أنها حرف إعراب وعلامةُ التثنية ألفُ التأنيث في نحو: حبلى، وسكرى، ألا تراها حرف إعراب وهي علم التأنيث، إلا أنهما يختلفان في أن حرف التثنية لا نية حركة فيه، وأن ألف حبلى فيها نية الحركة. قال أبو علي: ويدل على أن الألف في التثنية حرف إعراب صحة الواو في "مذروان"1. قال: ألا ترى أنه لو كانت الألف إعرابا أو دليل إعراب، وليست مصوغة في جملة بناء الكلمة المتصلة بها اتصال حرف الإعراب بما قبله، لوجب أن تقلب الواو ياء، فيقال: "مِذريان" لأنها كانت تكون على هذا القول طرفًا كلام "مِعزى" و"مَدعى" و"مَلهى"، فصحة الواو في "مِذروان" دلالة على أن الألف من جملة الكلمة، وأنها ليست في تقدير الانفصال الذي يكون في الإعراب. قال: فجرت الألف في "مذروان" مجرى الألف في "عنفوان"2 وإن اختلفت النونان. وهذا حسن في معناه. فأما قولهم "قَشَوتُ العُود" 3 فشاذ غير مقيس عليه غير.   1 مذروان: الجانبان من كل شيء. لسان العرب "14/ 285" مادة/ ذرا. 2 عنفوان: عنفوان الشيء أوله، ويقال هو في عنفوان شبابه: في نشاطه وحدته. 3 قشوت: قشوت العود: قشرته وخرطته. لسان العرب "15/ 182" مادة/ قشا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 ونظير هذا الذي ذهب إليه أبو علي قولُهم: "عقلته بثنايَيْن"1، ولو كانت ياء التأنيث إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة، فيقال: "عقلته بثناءين، وذلك لأنها ياء وقعت طرفًا بعد ألف زائدة، فجرت مجرى ياء "رداء" و"رِماء" و"ظِباء". ونظير هذا قولهم في الجمع: هؤلاء مَقتَوُون3، ورأيت مَقتَوِينَ، ومررت بمقتَوِين، فلو كانت الواو والياء في هذا أيضًا إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن يقال: هؤلاء مَقتَوْن، ورأيت مَقتَيْنَ، ومررت بمَقتَينَ، ويجري مجرى "مُصطَفَيْنَ". فهذا كله يؤكد مذهب سيبويه في أن الألف والياء والواو حروف الإعراب في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، والقول فيهما من وجه واحد. وأما قول أبي الحسن: إن الألف ليست حرف إعراب ولا هي إعراب، ولكنها دليل الإعراب، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم منصوب أو مجرور، وقال: ولو كانت حرف إعراب لما عرفت بها رفعا من نصب ولا جر، كما أنك إذا سمعت دال "زيد" لم تدلك على رفع ولا نصب ولا جر، فإنه غير لازم، وذلك أنا قد رأينا حروف الإعراب بلا خلاف تفيدنا الرفع والنصب والجر، وذلك نحو: أبوك وأخوك، وأباك وأخاك، وأبيك وأخيك؛ ألا ترى أن الواو حرف الإعراب، وقد أفادتنا الرفع، والألف حرف الإعراب، وقد أفادتنا النصب، والياء حرف الإعراب، وقد أفادتنا الجر. فأما قوله: إنها ليست بإعراب، فصحيح، وسنذكر ذلك في فساد قول الفراء والزيادي. فأما قوله: لو كانت الألف حرف إعراب لوجب أن يكون فيها إعراب هو غيرها كما ذلك في دال "زيد" فيفسد بما ذكرناه من الحجاج في هذا عند شرح مذهب سيبويه أول. وبلغني أن أبا إسحاق قال منكرا على أبي الحسن أنها دليل الإعراب: إن الإعراب دليل المعنى، فإذا كانت الألف تدل على الإعراب، والإعراب دليل، فقد   1 عقلته بثنايين: عقلت يديه جميعًا بعقالين، والتثنية حبل من شعر أو صوف. اللسان "14/ 121" 2 من قوله "لو كانت الياء" إلى قوله "ظباء" نقله عن المصنف نصا ابن منظور. 3 مقتوون: الخدام واحدهم مقتوى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 احتاج الدليل إلى دليل، وإذا احتاج الدليل إلى دليل فقد سقط المعنى المدلول عليه. وهذا وإن كان ظاهره سائغا متقبلا فإنه غير داخل على غرض أبي الحسن، وذلك أن معنى قوله: "دليل الإعراب" أنها تقوم مقام الضمة والفتحة والكسرة، وتفيد ما يفدنه، فشابهت الألفُ النونَ التي لرفع الفعل المضارع في نحو يقومان ويقومون وتقومين في أنها تقوم مقام الضمة في "يقوم" و"يقعد" وأنها ليست من أصول الإعراب؛ ألا ترى أن جنس الإعراب هو الحركة، ولذلك جعل الجنس البناء سكونا إذ كانا ضدين، وكانت الحركة ضد السكون، فالألف إذن هناك كالنون هنا. ويدلك على أن الأفعال المضارعة التي رفعها بالنون ليست على طريق قياس أصول الإعراب، حذفك النون في موضع النصب في قولك: "لن يقوما" ألا ترى أن النصب هنا مدخل على الجزم كما أدخل النصب في الأسماء المثناة والمجموعة على سبيل التثنية على الجر في قولك: "ضربت الزيدين والعمرين"، ولست تجد في الآحاد المتمكنة الإعراب ما يحمل فيه أحد الإعرابين على صاحبه. فأما "مررت بأحمد" فإن ما لا ينصرف غير متمكن الإعراب. ويزيد عندك في بيان ضعف إعراب الفعل المضارع، أنك إذا ثنيت الضمير فيه أو جمعته أو أنثته، أنك تجده بغير حرف إعراب؛ ألا ترى أنه لو كان لـ "يقومان" حرف إعراب لم يخل من أن يكون الميم أو الألف أو النون، فمحال أن تكون الميم لأن الألف بعدها قد صيغت معها وحصلت الميم لذلك حشوا لا طرفًا، ومحال أن يكون حرف الإعراب وسطا، ولا يجوز أن يكون إلا آخرا طرفًا، ولا يجوز أن تكون الألف في "يقومان" حرف إعراب، قال سيبويه1: "لأنك لم ترد أن تثني هذا البناء فتضم إليه يَفعلًا آخر" أي: لم ترد أن تضم هذا المثال إلى مثال آخر، وإنما أردت أن تعلم أن الفاعل اثنان، فجئت بالألف التي هي علم الضمير والتثنية، ولو أردت أن تضم نفس الفعل إلى فعل آخر من لفظه لكانت الألف في "يقومان" حرف إعراب، كما كانت الألف في "الزيدان" حرف إعراب، لما أردت أن تضم إلى زيد زيدا آخر. فقد بطل إذن أن تكون الألف حرف إعراب. ومحال أيضًا أن تكون النون حرف إعراب في "يقومان" لأمرين:   1 الكتاب "1/ 5". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 أحدهما: أنها متحركة محذوفة في الجزم، وليس في الدنيا حرف متحرك يحذف في الجزم. والآخر: أنه لو كانت النون حرف إعراب لوجب أن تجري عليها حركات الإعراب، فتقول: هما يقومان، وأريد أن تقومان، فتضمها في الرفع، وتفتحها في النصب، فإذا صرت إلى الجزم وجب تسكينها، فإذا سكنت والألف قبلها ساكنة كسرت لالتقاء الساكنين، فتقول: لم يقومان، فلما كان القضاء بكون نون "يقومان"حرف إعراب يقود إلى هذا الذي ذكرته، ورأيت العرب قد اجتنبته، علمت أن النون ليست عندهم بحرف إعراب، فإذا لم يجز أن تكون الميم حرف إعراب، ولا الألف، ولا النون، علمت أنه لا حرف إعراب للكلمة. وإذا لم يكن لها حرف إعراب دلك ذلك على أن الإعراب فيها ليس له تمكن الإعراب الأصلي الذي هو الحركة، وإذا كان ذلك كذلك علمت به أن النون في "يقومان" تقوم مقام الضمة في "يقوم" وأنها ليس لها تمكن الحركة، وإنما هي دالة عليها ونائبة عنها، فكذلك أيضًا لا يمتنع أن تكون الألف عند أبي الحسن دليل الإعراب، أي قائمة مقامه ونائبة عنه، فإذا رأيتها فكأنك رأيته، كما أنك إذا رأيت النون في الأفعال المضارعة فكأنك قد رأيت الضمة في الواحد، فقد سقط بهذا الذي ذكرناه ما ألزمه أبو إسحاق إياه. قال أبو علي: ولا تمنع الألف على قياس قول سيبويه إنها حرف إعراب أن تدل على الرفع كما دلت عليه عند أبي الحسن لوجودنا حروف إعراب تقوم مقام الإعراب في نحو قولك: أبوك، وأباك، وأبيك، وأخواته، وكلاهما، وكليهما، ولكن وجه الخلاف بينهما أن سيبويه يزعم أنها حرف إعراب، وأبو الحسن يقول: إنها ليست حرف إعراب، فهذا ما في خلاف أبي الحسن. وأما قول أبي عمر إنها في الرفع حرف إعراب كما قال سيبويه، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب، فضعيف مدفوع أيضًا، وإن كان أدنى الأقوال إلى الصواب الذي هو رأي سيبويه. ووجه فساده أنه جعل الإعراب في الجر والنصب معنى لا لفظا، وفي الرفع لفظا لا معنى، فخالف بين جهات الإعراب في اسم واحد؛ ألا ترى أن القلب معنى لا لفظ، وإنما اللفظ هو نفس المقلوب والمقلوب إليه، وليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 كذلك قول سيبويه "إن النون عوض مما مُنع الاسم من الحركة والتنوين" لأن النون على كل حال لفظ، وليست بمعنى. وألزم أبو العباس أبا عمر هنا شيئًا لا يلزمه عندي، وذلك أنه قال: قد علمنا أن أول أحوال الاسم الرفع، فأول ما وقعت التثنية وقعت والألف فيها، فقد وجب أن لا يكون فيها في موضع الرفع إعراب1. وذلك أن أبا عمر إذا كان يقول في الألف ما قاله سيبويه فله فيه ما له، وعليه ما عليه. وقد صح أن سيبويه يقول: إن النون عوض مما منع الاسم من الحركة والتنوين، وكذلك أيضًا قول أبي عمر في الرفع إن النون عوض من الحركة والتنوين، وإذا كانت عوضًا من الحركة فإن الاسم معرب، والنون تقوم مقام حركة إعرابه، فقد كان يجب على أبي العباس أن لا يدعي على أبي عمر أنه يعتقد أن الاسم في حال الرفع لا إعراب فيه. فإن أراد أبو العباس أنه ليس في الألف إعراب، وإنما النون عوض من الإعراب، فهذا هو الذي قاله سيبويه أيضًا، وقد قامت الدلالة على صحته، فينبغي أن يكون قول أبي عمر صحيحا إذ هو قول سيبويه الصحيح، وإنما الذي يلزم أبا عمر في هذا ما قدمناه من أنه جعل اسما واحدا في حال الرفع معربا لفظا، وجعل ذلك الاسم بعينه في حال الجر والنصب معربا معنى، فخالف بين جهتي إعراب اسم واحد من حيث لا يجوز الخلاف. فإن قلت: فإذا كان قلب الألف ياء في الجر والنصب هو الإعراب عند أبي عمر فما الذي ينبغي أن يعتقد في النون في حال الجر والنصب، هل هي عنده عوض من الحركة والتنوين جميعًا أو عوض من التنوين وحده؛ إذ القلب قد ناب على مذهبه عن اعتقاد النون عوضًا من الحركة؟ فالجواب: أن أبا علي سوغه أن تكون النون عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا، وإن كان يقول إن الانقلاب هو الإعراب، قال: وذلك أنه لم تظهر إلى اللفظ حركة، وإنما هناك قلب، فحسُن العوض من الحركة وإن قام القلب مقامها في الإعراب.   1 المقتضب "2/ 152". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وهذا الذي رآه أبو علي حسن جدا، ويشهد بقوته أن من رأى صرف المؤنث المعرفة إذا كان ثلاثيا ساكن الأوسط نحو "جُمْل" و"دَعْد" لخفته بسكون وسطه، يرى مثل ذلك سواء في نحو "دار" و"نار" إذا سمى بهما مؤنثا وإن كانت الألف تدل على أن العين محركة في الأصل، وأصلهما "دور" و"نور" إلا أن تلك الحركة في العين لما لم تظهر إلى اللفظ لم يعتد بها، ولم تجر الكلمة وإن كانت مقدرةَ حركة العين مجرى "قَدَم" و"فَخِذ" إذا صارا علمين لمؤنث في ترك صرفهما كما يترك صرفهما، فكذلك أيضًا لما كان الإعراب في رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين على مذهب أبي عمر معنى لا لفظا، جاز أن يعوض من الحركة التي كان ينبغي للاسم أن يحرك حرف إعرابه بها نون في الزيدينِ والعمرينِ، ونظائره كثيرة، فهذا يؤيد ما رآه أبو علي لقياس مذهب أبي عمر. ولو أن قائلا قال: قياس قول أبي عمر أن تكون النون في تثنية المنصوب والمجرور عنده عوضًا من التنوين وحده، لأن الانقلاب قد قام مقام الحركة، لم أر به بأسا. فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فقد يجب على قول أبي عمر أن تكون النون محذوفة مع اللام في موضع الجر والنصب إذا كانت عوضًا من التنوين الذي يحذف مع اللام، وثابتة في حال الرفع معها لأنها عوض من الحركة معها على ما بيناه في حرف النون، فكان يلزم أبا عمر أن يقول قام الزيدان، وضربت الزيدَي، ومررت بالزيدَي. فالجواب: أن النون على هذا القول وإن كانت في حال الجر والنصب عوضًا من التنوين وحده، فإنها لم تحذف مع اللام كما يحذف التنوين معها، من حيث كانت النون أقوى من التنوين إذ كانت ثابتة في الوصل والوقف متحركة، والتنوين يزيله الوقف، وهو أبدا ساكن إلا أن يقع بعده ما يحرك له، فلما كانت النون أقوى من التنوين لم تقو اللام على حذفها كما قويت على حذف التنوين. وأما قول الفراء وأبي إسحاق الزيادي "إن الألف هي الإعراب" فهو أبعد الأقاويل من الصواب. قال أبو علي: يلزم من قال إن الألف هي الإعراب أن يكون الاسم متى حذفت منه الألف دالا من معنى التثنية على ما كان يدل عليه والألف فيه؛ لأنك لم تعرض لصيغة الاسم، وإنما حذفت إعرابه، فسبيل معناه أن يكون قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الحذف وبعده واحدا، كما أن "زيدا" ونحوه متى حذفت إعرابه فمعناه الذي كان يدل عليه معربا باق فيه بعد سلب إعرابه. ويفسده أيضًا شيء آخر، وهو أن الألف لو كانت إعرابا لوجب أن تقلب الواو في "مذروان" ياء لأنها رابعة، وقد وقعت طرفًا، والألف بعدها إعراب كالضمة في "زيد" و"بكر"، وقد تقدم هذا ونحوه من باب "ثِنايَينِ" و"مَقتَوِينَ". وقال أبو علي: سرق الزيادي هذا القول من لفظ سيبويه "إن الألف حرف الإعراب" قال: معناه عند الزيادي أن الألف هو الحرف الذي يعرب به، كما تقول "ضمة الإعراب" أي: الضمة التي يعرب بها. ويدلك أيضًا على أن ألف التثنية ليست إعرابا ولا دليل إعراب، وجودك إياها في اسم العدد نحو: واحد اثنان، فكما أن جميع أسماء الأعداد مبنية لأنها كالأصوات نحو: ثلاثهْ، أربعهْ، خمسهْ، فكذلك "اثنان" لا إعراب فيه، ولو قال لك إنسان: اللفظ لي بالتثنية غير معربة لم تقل إلا "الزيدان" بالألف". وكذلك أيضا أسماء الإشارة نحو هذان وهاتان، والأسماء الموصولة نحو اللذان واللتان، لا إعراب في شيء منها، وهي بالألف كما ترى. وكذلك الألف في النداء إذا قلت "يا رجلان" ألا ترى أن الكلمة غير مرفوعة، وإنما هي في موضع المبني على الضم في نحو "يا رجل" لأن الاسم في التثنية معرفة كحاله قبل التثنية، ألا تراك تقول: يا رجلان الظريفان، كما تقول: يا رجلُ الظريفُ. وإنما فعلوا هذا في هذه الأشياء التي ليست معربة، وألحقوها أيضًا بعد الألف النونَ لئلا يختلف حال التثنية، فيكون مرة بالألف والنون، ومرة بلا ألف ولا نون، فجعلوها بلفظ واحد. وقد تقدمت الدلالة في حرف النون على أن النون في نحو "هذان" و"اللذان" ليست بعوض من الحركة والتنوين، إذ موجب ترك الحركة والتنوين في الواحد موجود الآن في التثنية، وأنه إنما لحقت النون هنا لئلا يختلف الباب. وجميع ما ذكرناه في الألف من الخلاص واقع في واو الجمع نحو "الزيدون" و"العمرون". وإنما تركنا ذكر ذلك في حرف الواو لأنا كنا أجمعنا القول عليه في باب ألف التثنية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 فإن سأل سائل فيما بعد، فقال: ما بالهم ثنوا بالألف، وجمعوا بالواو، وهلا عكسوا الأمر؟ فالجواب: أن التثنية أكثر من الجمع بالواو؛ ألا ترى أن جميع ما تجوز فيه التثنية من الأسماء فتثنيته صحيحة لأن لفظ واحدها موجود فيها، وإنما تزيد عليه حرف التثنية، وليس كل ما يجوز جمعه يجمع بالواو، ألا ترى أن عامة المؤنث وما لا يعقل لا يجمع بالواو، وإنما يجمع بغير الواو، إما بالألف والتاء، وإما مكسرا، على أن ما يجمع بالواو قد يجوز تكسيره نحو: زيد وزيود، وقيس وأقياس، وغير ذلك، فالتثنية إذن أصح من الجمع لأنها لا تخطئ لفظ الواحد أبدا، فلما ساغت فيمن يعقل وما لا يعقل، وفي المذكر والمؤنث، وكان الجمع الصحيح إنما هو لضرب واحد من الأسماء، وجعلوا الواو الثقيلة في الجمع القليل ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون، فاعرف ذلك. قال أبو علي: لما كان الجمع أقوى من التثنية لأنه يقع على أعداد مختلفة، وكان لذلك أعم تصرفا من التثنية التي تقع لضرب واحد من العدد لا تتجاوزه، وهو اثنان، جعلوا الواو التي هي أقوى من الألف في الجمع الذي هو أقوى من التثنية. وقد زيدت الألف علامة للتثنية والضمير في الفعل نحو: أخواك قاما، وعلامة للتثنية مجردة من الضمير نحو قول الشاعر1: أُلفِيتا عَيناك عند القَفا ... أَولى فأَولى لك ذا واقِيهْ2 وقد ذكرنا هذه اللغة في حرف النون وحرف الواو. قد أخذت التثنية بحظ، على أن فيها شيئًا آخر سوى هذا. واعلم أن الألف قد زيدت في أثناء الكلام على أنها ليست مصوغة في تلك الكلم، وإنما زيدت لِمعانٍ حدثت وأغراض أريدت، وهي في تقدير الانفكاك   1 هو عمرو بن ملقط كما في النوادر "ص268" والعيني "2/ 458". 2 الشاهد فيه "ألفيتا" حيث زيدت الألف علامة التثنية والضمير في الفعل. إعرابه: فعل مضارع مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، والألف: فاعل مبني في محل رفع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 والانفصال، فمن ذلك أن العرب قد أشبعت بها الفتحة، يقولون: بينا زيد قائم أقبل عمرو، وإنما هي "بين" زيدت الألف في آخرها إشباعا للفتحة. ومن أبيات الكتاب1: بَينا نحن نرقُبُه أتانا ... مُعلّقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعِ2 وقال الهذلي3: بينا تَعَنُّقِهِ الكُماة ورَوغِهِ ... يوما أُتيحَ له جريء سَلفَعُ4 أي: بين، وهو كثير. ومن ذلك فيما حدثنا به أبو علي قولهم: جئْ به من حيث ولَيْسا، أي: وليسَ، فأشبعت فتحة السين إما لبيان الحركة في الوقف، وإما كما ألحقت "بينا" في الوصل. وأنشدنا أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه5: فأنت من الغوائل حيث تُرمَى ... ومن ذَم الرجال بمُنتَزَاحِ6 أي: بمُنتَزَح. وأنشدنا أيضًا لعنترة7: يَنباعُ من ذِفرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ ... زَيّافةٍ مثلِ الفَنيقِ المُكدَمِ8 وقال: أراد يَنبَعُ.   1 تقدم تخريجه. 2 الشاهد فيه "بينا" يريد "بين" وقد زيدت الألف إشباعا للفتحة. 3 تقدم تخريجه. 4 الشاهد فيه "بينا" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "بين". 5 تقدم تخريجه. 6 الشاهد فيه "بمنتزاح" حيث زيدت الألف إشباعا للفتحة وتقديره "بمنتزح". 7 تقدم تخريجه. 8 والشاهد فيه "ينباع" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "ينبع". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وروينا عن قطرب1: عَضِضتَ بأَيْرٍ من أبيك وخالكا ... وعضَّ بنو العَمار بالسُّكر الرطْب2 أشبع فتحة الكاف، فحدثت بعدها ألف. ونحو من ذلك قولهم في الوقف عند التذكر "قالا" أي: قال زيد، ونحوه، فجعلوا الاستطالة بالألف دليلا على أن الكلام ناقص. وكذلك تقول "أينا" أي: أين أنت؟ فتتذكر "أنت". وقد زادوها أيضًا عند التذكر بعد الألف، فقالوا: "الزيدان ذهباْاْ" إذا نووا "ذهبا أمس" أو نحوه مما يصحبه من الكلام، وتقول على هذا "زيد رَمَاْاْ" أي: رمى عمرا، ونحوه، فتزيد في التذكر على الألف ألفا، وتمده. كما زيدت الألف إشباعا فقد حذفت اختصارا، من ذلك قصر الممدود نحو قوله3: ..................... ... وتَبَوَّا بمكَّةٍ بطحاها4 أي: بطحاءها. ومن الصحيح ما رويناه عن قطرب5: ألا لا بارك الله في سُهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال6   1 لم أقف عليه. 2 عضضت: تمسكت. اللسان "7/ 188". السكر: كل مسكر يغيب العقل. ويعني أنه تمسك بفعل وخصال أهلي وتمسك بنو عمار بكل مسكر من الخمر. والشاهد فيه "خالكا" حيث أشبع فتحة الكاف فجاء بعدها ألفا. 3 هو العرجى كما في الأغاني "1/ 372". 4 الشاهد فيه "بطحاها" حيث حذفت الألف اختصارا، فقصر المدود وأصله "بطحاءها". 5 البيت في الخصائص "3/ 134" والمحتسب "1/ 181". 6 سهيل: اسم رجل. لسان العرب "11/ 350" مادة/ سهل. الشاهد فيه "سهيل" حيث حذفت الألف اختصارا فتقديره "سهيلاء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وقال الآخر1: أقبَلَ سيلٌ جاء من عند الله ... يَحرِدُ حَردَ الجنة المُغِلّة2 وعلى هذا بيت الكتاب3: أوالِفًا مكّة من وُرْق الحَمِي4 أراد: الحَمام، فحذف الألف، وأبدل الميم ياء، هذا أحسن ما قيل فيه5. ومن ذلك لحاقها في الوقف لبيان الحركة كما تبين الحركة بالهاء، وذلك قولهم في الوصل "أنَ فعلتُ" فإذا وقفت قلت "أنا". وكذلك "حيهلا". ومن ذلك لحاقها فصلا بين النونات في نحو قولك للنساء: اضربنانِّ يا نسوة، واشتمنانِّ بكرا، وأصل هذا أن تدخل نون التوكيد وهي مشددة على نون جماعة المؤنث فتجتمع ثلاث نونات، فكان يلزم أن يقال: "اضربنَنَّ زيدا" فكرهوا اجتماعهن، ففصلوا بينهن بالألف. ومن كلام أبي مهدية "اخسأنانِّ عني"6. ودار بيني وبين المتنبي في قوله7: ................................. ... وقلنا للسيوف: هَلُمُّنّا8   1 نسب هذا الرجز لقطرب في الكامل "1/ 53"، وذكره صاحب اللسان في مادة "حرد" "3/ 145" دون أن ينسبه. 2 الحرد: الإسراع في السير. المغلة: التي لها غلة. اللسان "11/ 504" مادة/ غلل. المعنى: أن السيل جاء بالخير من عند الله يسرع بغلاته الوفيرة. 3 البيت للعجاج، وهو في ديوانه "ص295"، والكتاب "1/ 5628". 4 الشاهد فيه "الحمي" حيث حذفت الألف وأبدلت الميم ياء يريد "الحمام". 5 انظر/ المسائل العسكريات "ص27" والعيني "3/ 557-558". 6 اخسأنان عني: قال الأصمعي: يعني الشياطين. لسان العرب "1/ 65" مادة/ خسأ. 7 هذه قطعة من بيت في ديوانه "4/ 166" وهو من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة. والبيت بتمامه قصدنا له قصد الحبيب لقاؤه إلينا، وقلنا للسيوف: هلمنا 8 الشاهد فيه "هلمنا" القياس أن نقول "هلممنان" حيث أكد الفعل بالنون ثم فصل بين النون بالألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 كلام فيه طول، وأنكرت ضم الميم هنا من طريق القياس إلى أن قال لي: فكيف كان ينبغي أن يكون إذا أكدته هنا بالنون؟ فقلت: كان قياسه أن تقول: هَلْمُمْنانِّ. فقال: هذا طويل. فقلت: هذا جواب مسألتك، فأما طوله وقصره فشيء غير ما نحن فيه. ومن ذلك أن تدخل فاصلة بين الهمزتين المحققتين استكراها لاجتماعهما محققتين، قال ذو الرمة1: آأنْ ترسّمْتَ من خرقاءَ منزلةً ... ماءُ الصبابة من عينيك مَسجُومُ2 وقال الآخر3: تَطَاللتُ، فاستشرفتُهُ، فرأيتُهُ ... فقلت له: آأنت زيدُ الأراقِمِ4 وقرأت على أبي علي في كتاب الهمز عن أبي زيد5: حُزُقٌّ إذا ما القوم أبدَوا فُكاهةً ... تَفَكَّرَ آإياه يَعنُون أم قِرْدا6 وقرأ بعضهم: "آئِذَا"7 و"آئِنَا"8 [الرعد: 2,3] و"آأنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ" [المائدة: 116] 9.   1 تقدم تخريجه. 2 الشاهد فيه "آأن" حيث جاءت الألف فاصلة بين الهمزتين. 3 نسب البيت في اللسان "حرف الهمزة" "1/ 11" إلى ذي الرمة. 4 الشاهد فيه "آأنت ... " حيث فصل بين الهمزتين بزيادة الألف. 5 البيت ليس في مطبوعة كتاب الهمز، وقد نسب في شرح شواهد شرح الشافية "ص349، 350" لجامع بن عمرو بن مرخبة الكلبي، ونسب في اللسان "حزق" "10/ 47" لرجل من بني كلاب وهو بغير نسب في شرح المفصل "9/ 118". 6 الحزق: السيئ الخلق البخيل، وقيل: القصير. لسان العرب "10/ 47" مادة/ حزق. والشاهد فيه "آأياه ... " حيث فصل بين الهمزتين بألف. 7 "آئذا": القراءة بهمزتين محققتين. 8 "آتنا": بينهما مدة مروية عن ابن عامر. السبعة "ص357-358". وقرأ بها عبد الله بن أبي إسحاق "اللسان حرف همزة" "1/ 11" وهذه لغة ناس من العرب وهم أهل التحقيق. الكتاب "3/ 549". 9 "آأنت قلت للناس": الشاهد فيه "آأنت" حيث فصل بين الهمزتين بألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وقال ذو الرمة أيضا1: هيا ظَبيةَ الوَعساءِ بين جلاجِل ... وبين النَّقا آأنتِ أَم أُمُّ سالِم؟ 2 أراد: أأنت، فثقل عليه تحقيق الهمزتين، ففصل بينهما بالألف، وكذلك الباقي. ومن ذلك الألف التي تلحق أواخر الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة إذا حُقرت عوضًا من ضمة أول الحرف، وذلك قولهم في "ذا": "ذيا" وفي "تا": "تيا" وفي "ذاك": "ذياك" وفي "ذلك": "ذيالك" وفي "الذي": "اللذيا" وفي "التي": "اللتيا" وفي "هؤلاء" مقصورا: "هؤليا" وفي "أولاء" ممدودات: "ألياء". وهذه مسألة اعترضت ههنا، ونحن نوضحها. اعلم أن "أولاءِ" وزنه إذا مثل "فُعال" كغُراب، وكان حكمه إذا حقرته على مثال تحقير الأسماء المتمكنة أن تقول: هذا أُليِّئٌ، ورأيت أُليِّئًا، ومررت بأُليِّئٍ، فلما صار تقديره "أُليِّئٌ" أرادوا أن يزيدوا في آخره الألف التي تكون عوضًا من ضمة أوله، كما قالوا في "ذا": "ذيا" وفي "تا": "تيا"، فلو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا "أليئا" فيصير بعد التحقير مقصورا، وقد كان قبل التحقير ممدوا، فأرادوا أن يقروه بعد التحقير على ما كان عليه قبل التحقير من مده، فزادوا الألف قبل الهمزة، فالألف الآن التي قبل الهمزة في "أُليّاء" ليست بتلك التي كانت قبلها في "أُولاءِ"، وإنما هذه في "أُليّاء" هي الألف التي كان سبيلها أن تلحق آخرا، فقدمت كما ذكرنا. وأما ألف "أولاء" فقد قلبت ياء كما تقلب ألف "غلام" إذا قلت "غليم" وهي الياء الثانية في "أُليّاء" والياء الأولى هي ياء التحقير. فإن قلت: فإن الألف إنما تلحق آخرا في تحقير هذه الأسماء، لأنها جعلت عوضًا من ضمة أوائلها، وأنت في "أُليّاء" قد ضممت أول الاسم، فلم جئت بالألف في آخره؟   1 ديوانه "ص767"، والكتاب "2/ 168"، ومعاني القرآن للأخفش "ص30". 2 الوعساء وجلاجل: موضعان. النقا: الكثيب من الرمل. والشاهد فيه "آأنت" فثقل تحقيق الهمزتين ففصل بينهما بالألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 فالجواب: أن ضمة أول "أُلَيّاء" ليست مجتلبة للتحقير بمنزلة ضمة كاف "كُتَيب" وحاء "حُسَيب"، وإنما هي الضمة التي كانت موجودة في التكبير في قولك "أُولاءِ"، يدلك على صحة ذلك تركهم أول ما هو مثله في الإشارة واستحقاق البناء بحاله غير مضموم، وذلك قولك: "ذيا" و"تيا" ألا ترى أن الذال والتاء مفتوحتان كما كانتا قبل التحقير في "ذا" و"تا" فكذلك ضمة همزة "أُلياء" هي ضمة الهمزة في "أُولاءِ"، فلما كان أول الكلمة باقيا بحاله غير مجتلبة له ضمة التحقير عُوّض الألف من آخره، فأما ضمة عين "غُرَيب" و"غُلَيم" فضمة التحقير لا الضمة التي كانت في "غُراب" و"غُلام". ألا تراك تقول "كِتاب" و"غَزال" فتجد الأولين مفتوحًا ومكسورا، فإذا حقرت ضممت، فقلت "كُتيب" , "غُزيل" فقد بان ذلك. وكذلك ضمة قاف "قُفَيل" إنما هي ضمة التحقير، وليست بضمة القاف من "قُفل". يدلك على ذلك ضمك ما أوله مفتوح أو مكسور، وهو "كَعب" و"حِلس"1 إذا قلت "كُعَيب" و"حُلَيس" فالضمتان وإن اتفقتا في اللفظ فإنهما مختلفتان في المعنى، وغير منكَر أن يتفق اللفظان من أصلين مختلفين؛ ألا ترى أن مَن رخّم "منصورا" في قول من قال "يا حارِ" قال "يا مَنصُ" فبقى الصاد مضمومة كما بقى الراء مكسورة، ومن قال "يا حار" فاجتلب للنداء ضمة قال أيضا: "يا منصُ"، فحذف ضمة الصاد كما حذف كسرة الراء، واجتلب للصاد ضمة النداء كما اجتلب للراء ضمة النداء، إلا أن لفظ "يامَنصُ" في الوجهين واحد، والمعنيان متباينان. وكذلك قول سيبويه2 في "الفُلْك" إذا جُمع على "فُلْك" فضمة الفاء من الواحد بمنزلة ضمة باء "بُرْد" وخاء "خُرْج"3، وضمةُ الفاء من الجمع بمنزلة ضمة حاء "حُمر" وصاد "صُفر" جمع "أحمر" و"أصفر"، وهذا أوسع من أن أتحجره، ولكنني قد رسمت طريقه وأمثلته. ومن ذلك لحاقها للندبة نحو "واغلاماه" و"وازيداه" و"واأمير المؤمنيناه".   1 حلس: كل ما ولي ظهر الدابة تحت الرحل، والقتب، والسرج. اللسان "6/ 54" مادة/ حلس. 2 الكتاب "2/ 181". 3 خرج: وعاء من شعر أو جلد ذو عدلين، يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ومن ذلك زيادة ألف للإطلاق في نحو1: أَقِلّي اللوم عاذلَ والعِتابا ... ............................ 2 و3: يا دارَ عَمْرَة من مُحْتلّها الجَرَعا ... ................................... 4 وقد ذكرنا ذلك بما فيه في هذا الكتاب وغيره. ونحو منه لحاقها في أواخر الآي نحو {الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] و {السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] و {قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] وقد ذكرناه أيضًا. ومن ذلك زيادتها بعد هاء الضمير علامة للتأنيث، وذلك نحو: "رأيتها" و"مررت بها" فالاسم هو الهاء، وأما الألف فزيدت علمًا للتأنيث. ومن حذف الواو في نحو قوله5: له زَجَل كأنه صوت حادٍ ... إذا طَلَب الوَسيقة أو زَمِيرُ6 وقول الآخر7: فظَلتُ لدى البيت العتيق أُخيلُهُ ... ومِطوايَ مُشتاقانِ لَهْ أَرِقانِ8   1 تقدم تخريجه. 1 الشاهد فيه "العتابا" حيث زيدت الألف للإطلاق. 3 تقدم تخريجه. 4 الشاهد فيه "الجرعا" حيث زيدت الألف للإطلاق. 5 البيت للشماخ يصف حمار الوحش وهو في ديوانه "ص155". 6 الزجل: رفع الصوت الطرب. الوسيقة: من الإبل والحمير: كالرفقة من الناس. الزمير: صوت المزمار. لسان العرب "4/ 327" مادة/ زمر. 7 البيت من قصيدة ليعلى الأحولي الأزدي. الخزانة "1/ 401-405". وقال البغدادي في الخزانة "1/ 405": قال الشيباني: "ويقال إنها لعمرو بن أبي عمارة الأزدي من بني خنيس، ويقال: إنها لجواس بن حيان من أزد عمان". انظر المقتضب "1/ 39، 267". 8 الشاهد فيه "مشتاقان" حيث زيدت الألف فأصله "مشتقان". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وقول الآخر رويناه عن قطرب1: وأشربُ الماء ما بي نحوَهُ عَطَش ... إلا لأنّ عيونه سَيْل واديها2 وغير ذلك من هذه الأبيات، لم يقل في نحو "رأيتها" و"نظرت إليها" إلا بإثبات الألف، وذلك لخفة الألف وثقل الواو، إلا أنا قد روينا عن قطرب بيتا حذفت فيه هذه الألف تشبيها بالواو والياء لما بينهما من الشبه، وهو قوله3: أعلَقْتُ بالذئب حَبلا ثم قلتُ له ... الحَق بأهلكَ، واسلم أيها الذيبُ4 إما تقودُ به شاةً فتأكُلُها ... أو أن تَبيعَه في بعض الأراكيب5 يريد: تبيعها، فحذف الألف، وهذا شاذ. ونحو منه بيت أنشدناه أبو علي عن أبي الحسن، وهو6: فلستُ بمدرِك ما فات مني بـ "لَهْفَ" ولا بـ "ليت" ولا لَوَ انّي7 يريد: بلَهفِى. وقرأ بعضهم: "يَا أَبَتَ" [يوسف: 4] 8 بفتح التاء، يريد: يا أبتاه9.   1 البيت في الخصائص "1/ 128، 138" والمحتسب "1/ 244". 2 يعني يرتوي مما به من عطش من عيون الماء السائلة في الوادي. الشاهد فيه "واديها" حيث زيدت الألف بعد هاء الضمير للدلالة على التأنيث. 3 البيتان في أخبار أبي القاسم الزجاجي "ص152"، واللسان "ركب" "1/ 430". 4 الشاهد فيه "أيها" حيث زيدت الألف بعد الضمير للدلالة على التأنيث. 5 الشاهد فيه "تبيعه" يريد "تبيعها" حيث حذف الألف الدالة على التأنيث. وهذا شاذ لا يقاس عليه. 6 تقدم تخريجه، وقد أنشده أبو علي عن أبي الحسن في المسائل العسكريات "ص35". 7 يقول الشاعر أنه لا يتحسر على ما فات منه ولم يدركه بقوله: "يا ليت أو لو أني فعلت كذا لكان كذا". والشاهد فيه "لهف" يريد "لهفي". 8 "يَا أَبَتَ" هذه قراءة ابن عامر وحده في جميع القرآن، وقرأ بقية السبعة بكسر التاء. السبعة "ص344". وقرأ بفتح التاء من غير السبعة الأعرج وأبو جعفر. البحر المحيط "6/ 193". 9 انظر المسائل البغداديات "ص505-506". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وأنشد سيبويه1: وقبيلٌ من لُكَيز شاهدٌ ... رَهطٌ مرجومٍ ورهطُ ابنِ المُعَل2 يريد: ابن المُعَلّى، فحذف الألف، على أن هذا شاذ قليل النظير. فهذه وجوه زيادة الألف في كلام العرب، فاعرفها. واعلم أن الألف متى حركت انقلبت همزة، وذلك لضعفها عن تحمل الحركة، وقد ذكرنا ذلك في باب الهمزة في قولنا: "شَأَبّة" و"دَأَبّة" وفي القرآن "وَلَا الضَّأَلِّين" [الفاتحة: 7] و"لَا يُسأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلَا جَأَْنّ"3 [الرحمن: 39] ونحو ذلك مما أثبتناه هناك.   1 البيت للبيد وهو في ديوانه "ص199" والكتاب "2/ 291". 2 البيت سبق شرحه والتعليق عليه. 3 الشاهد فيه "جأَنّ" حيث حركت الألف فانقلبت همزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 باب الياء مدخل ... باب الياء: اعلم أن الياء حرف مجهور، يكون في الكلام على ثلاثة أضرب: أصلا، وبدلا، وزائدا. فإذا كانت أصلا وقعت فاء، وعينا، ولاما، فالفاء نحو "يُسر" و"يَعَر"1 والعين نحو "بَيت" و"سَارَ"، واللام نحو "ظَبي" و"رميت". وقد يكون التضعيف في الياء كما يكون في سائر الحروف، من ذلك الفاء والعين، وهو قولهم في اسم مكان "يَينٌ"، وليس له في الأسماء نظير، وقالوا في الفعل "يَييتُ ياءً حسنة" أي: كتبت ياء، على أن ذلك شاذ. ومن ذلك الفاء واللام، وقالوا "يَد" وأصلها "يَدْيٌ" بوزن "فَعْل"، يدلك على ذلك قولهم "أَيْد"، فهذا يدل على أن العين ساكنة، ويدل على أن اللام ياء قولهم "يَديتُ إليه يَدا"2، ولم يقولوا "يَدَوتُ". ومن ذلك العين واللام، وهو أكثر من الاثنين الماضيين، وذلك قولهم: "حَيَيتُ" و"عُييتُ" و"الحيّة" من هذا أيضًا، عينها ياء، وليست واوًا كعين "لية"، يدل على ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في النسب إلى "حَية بن بهدلة": "حَيَوي"3، ولو كانت العين واو لقالوا "حَوَوي" كما تقول في النسب إلى "لَية": "لَوَوي". فإن قلت: فهلا كانت "الحية" مما عينه واو استدلالا بقولهم "رجُل حَوّاء"4 لظهور الواو عينا في "حَوّاء"؟   1 يعر: يعرت العنز أي صاحت. اللسان "5/ 301" مادة/ يعر. 2 يديت إليه يدا: وأيدتها: صنعتها. اللسان "15/ 422" مادة/ يدي. 3 الكتاب "2/ 72". 4 رجل حواء: يجمع الحيات. اللسان "14/ 208" مادة/ حوى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 فالجواب: أن أبا على ذهب إلى أن "حَية" و"حَواء" كـ "سَبِط"1 و"سِبطَر" و"لؤلؤ" و"لأال"2 و"دَمِث"3 و"دِمَثر"4 و"دِلاص"5 و"دُلامِص" في قول أبي عثمان6، وأن هذه ألفاظ اقتربت أصولها، واتفقت معانيها، وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه، فكذلك "حية" مما عينه ولامه ياءان، و"حواء" مما عينه واو ولامه ياء، كما أن "لؤلؤا" رباعي "ولأال" ثلاثي، ولفظاهما مقتربان، ومعنياهما متفقان. ونظير ذلك في العين قولهم: "جُبتُ جَيبَ القميص"7 فـ "جُبتُ" عينه واو، لأنه من جاب يجوب، و"الجَيبُ" عينه ياء، لقولهم في جمعه "جُيُوب" قال الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن} [النور: 31] 8. وقال ابن الدمينة9: ألا لا أُبالي ما أَجَنّت قلوبهم ... إذا نَصحت ممن أُحِب جُيُوب10 وإنما جعلنا "حواء" من باب ما عينه واو ولامه ياء، وإن كان يمكن لفظه أن يكون مما عينه ولامه واوان، من قِبَل أن هذا هو الأكثر في كلامهم. ولم تأت الفاء والعين واللام كلها ياءات إلا في قولهم: يَيَّيتُ ياءً حسنةً، على أن فيه ضعفا من طريق الرواية.   1 سبط: السبط من الرجال: الطويل. 2 لأال: بائع الؤلؤ. 3 دمث: المكان الدمث: لان وسهل. اللسان "2/ 149" مادة/ دمث. 4 نفس المعنى السابق مع اختلاف في الحروف. 5 دلاص: من الدروع اللينة والبراقة وملساء لينة. 6 المنصف "1/ 152". 7 جيب القميص: طوقه. القاموس المحيط "1/ 50" مادة/ جيب. 8 {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : وليُلقين بغطاء الرأس على فتحة الصدر لستر شعورهن وأعناقهن. والشاهد: أن كلمة الجيب عينها ياء. 9 انظر ديوانه "ص114". 10 الشاعر لا يبالي بما يحدث لمن يرفض النصيحة، وقد استخدم أداة الاستفتاح "ألا" لجذب الانتباه. والشاهد فيه كلمة "جيوب" حيث جاءت عين الكلمة ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وليس في كلامهم اسم في أوله ياء مكسورة إلا قولهم في اليَسار اسمِ اليد "يِسار" بكسر الياء، وقالوا "يَقظان ويِقاظ" و"يَعر ويِعَرة" للجَدي. وقالوا: "يَيأس ويِيئس": وإنما رُفض ذلك استثقالا للكسرة في الياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 إبدال الياء مدخل ... إبدال الياء: قد أبدلت الياء من الألف، والواو، والهمزة، والهاء، والسين، والباء، والراء، والنون، واللام، والصاد، والضاد، والميم، والدال، والعين، والكاف، والتاء، والثاء، والجيم. فأما إبدالها من الألف فقولهم في "حِملاق"1: "حُمَيليق" و"حَماليق"، وفي "مِفتاح": "مُفَيتيح" و"مَفَاتيح"، وفي "خَلخال"2: "خُلَيخيل" و"خَلاخيل". وكذلك الياء في "قِيْتال" و"ضِيْراب" إنما هي بدل من ألف "قاتلتُ" و"ضاربتُ". فإن قلت: إن المصدر هو الأصل، والفعل هو الفرع، فكيف جعلت ما هو موجود في الأصل بدلا مما هو موجود في الفرع، وهل هذا إلا عكس ما يوجبه القياس؟ فالجواب: أن ذلك لا تعلق له بالأصل والفروع؛ ألا ترى أنهم أعلوا "عِدة" وهي المصدر لاعتلال "يَعِدُ" وهو الفعل، وأعلوا أيضًا "يقوم" لاعتلال "قام"، ومرتبة الحال والاستقبال جميعًا أن يكونا قبل الماضي، والعلة في هذا ونحوه أن المصدر وإن كان أصلا للفعل، فإن أمثلة الأفعال المختلفة في الماضي والحال والاستقبال والمصادر، تجرى مجرى المثال الواحد، حتى إنه إذا لزم بعضها شيء لزم جميعها، وحتى إنه إذا حصل في بعضها بعض التعويض صار كأن ذلك التعويض قد عم جميعها إذ كانت كلها كالمثال الواحد؛ ألا ترى أنهم لما حذفوا الهمزة من "أُكْرمُ" وبابه صار وجودها في "الإكرام" كالعوض من حذفها في "يكرم"، وكذلك أيضًا وجودها في   1 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/ 69" مادة/ حمق. 2 خلخال: حلية كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن "ج" خلاخيل. اللسان "11/ 220". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 "أكرَمَ" و"أكرِمْ" يصير عوضًا من حذفها في "أُكرمُ، ونُكرم، وتُكرم، ويُكرم" فاعرف ذلك. وكذلك كل ألف انكسر ما قبلها، أو وقعت قبلها ياء التحقير نحو: "كُتيب" و"حُسيب". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 إبدال الياء من الواو : كل واو سكنت غير مدغمة، وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وذلك نحو "مِيقات" و"ميزان" و"ميعاد"، أصل ذلك "مِوقات" و"مِوزان" و"مِوعاد"، فلما سكنت الواو غير مدغمة، وانكسر ما قبلها ياء. فإن تحركت الواو، أو زالت الكسرة من قبلها، صحت، وذلك نحو "مُوَيزين" و"مَوازين" و"مُوَيقيت" و"مَواقيت"، ومن ذلك "حِوَل" و"عِوَض" و"طِوَل". فأما قولهم: "ثِياب" و"حِياض" و"رِياض" فإنما قُلبت الواو ياء وإن كانت متحركة من قِبَل أنه اجتمعت خمسة أشياء: منها أن الكلمة جمع، والجمع أثقل من الواحد، ومنها أن واو الواحد منها ضعيفة ساكنة في "ثوب" و"حوض" و"روضة"، ومنها أن قبل الواو كسرة؛ لأن الأصل "ثِيواب" و"حِواض"، ومنها أن بعد الواو ألفا، والألف قريبة الشبة بالياء، ومنها أن اللام صحيحة، إنما هي باء وضاد، وإذا صحت اللام أمكن إعلال العين، ومتى لم تذكر هذه الأسباب كلها، وأخلت ببعضها، انكسر القول، ولم تجد هناك علة ألا ترى أن "طِوال" جمع، وقبل واوه كسرة، وبعد واوه ألف، ولامه صحيحة، ومع ذلك فعينه سالمة لما تحركت في الواحد الذي هو "طَوِيل"، فلما نقص بعض تلك الأوصاف لم يجب الإعلال. وكذلك "زَوج" و"زِوَجة" و"عَوْد"1 و"عِوَدة" قد اجتمع فيها سكون واو الواحدة والكسرة التي قبل الواو في الجمع وأنه جمع، ولامه صحيحة، إلا أنه لم تقع بعد عينه ألف، صحت الواو، فأما "ثِيَرة" فشاذ. وقال أبو العباس2: إنما أعلوا "ثِيَرة" جمع "ثَور" هذا الحيوان للفرق بينه وبين "ثِوَرة" جمع "ثَور" وهو القطعة من الأَقِط.   1 عود: البعير النحيفة أو المسنة. لسان العرب "3/ 321" مادة/ عود. 2 انظر/ المنصف "1/ 346-347". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وكذلك "رِواءٌ"1 جمع "ريَان" و"طِواء" جمع "طَيان"2 هو مثال جمع، وقد انكسر ما قبل واوه، وبعدها ألف، والواو في واحده ساكنة بل معتلة؛ لأن الأصل "رَوْيان" و"طَوْيان" إلا أنه لما كانت لامه معتلة صُححت عينه، ولم تُعلل، فاعرف ما ذكرته، فإن أحدا من أصحابنا لم يحتط في بابه وذكر علته الموجبة لقلبه هذا الاحتياط، ولا قيّده هذا التقييد. فأما "غازِية"3 و"مَحنِية"4 فأصلهما "غازِوة" و"مَحنِوة". وإنما قلبت الواو وإن كانت متحركة من قِبَل أنها وقعت لاما، فضعُفت، فقلبت، ولم تجر مجرى العين في الصحة للحركة نحو "عِوَض" و"حِوَل" و"طِوَل". فأما "حِنذوة"5 فإنما صحت فيها الواو وإن كانت آخرا، من قبل أنهم لو قلبوها، فقالوا "حِنذية" لم يُعلم أأصلها "فِعلِوة" أم "فِعلِية"، ولجرت مجرى "حِذرِية"6 و"هِبرِية"7 و"عِفرِية"8. قال أبو العباس "حُنذُوة" أيضًا، بضم الحاء والذال: شعبة من الجبل. فإن كانت الواو مدغمة لم تقلب الأولى منهما وإن انكسر ما قبلها لتحصنها بالإدغام، وقد ذكرنا ذلك في فصل "اجلِواذّ" من حرف الواو، وقول بعضهم "اجلِيواذ". ونظير "اجليواذ" قولهم "ديوان" لأن أصله "دِوّان" ومثاله "فِعّال" والنون فيه لام لقولهم "دَوَّنْتُه" و"دَواوين" و"دُوَيْوين". ولم تقلب الواو في "ديوان" وإن كانت قبلها ياء ساكنة من قبل أن الياء غير لازمة، وإنما أبدلت من الواو تخفيفًا؛ ألا تراهم قالوا "دواوين" فما زالت الكسرة من قبل الواو، على أن بعضهم قد قال "دَياوين" فأقر الياء محلها وإن كانت الكسرة   1 رواء: جمع ريان، يقال روى النبت: تنعم فهو ريان. القاموس المحيط "4/ 337". 2 طيان: صانع الطين. لسان العرب "13/ 270" مادة/ طين. 3 غازية: قلبت الواو ياء، لأن أصلها "غازوة"، والغزية تأنيث الغازي. اللسان "15/ 124". 4 محنية: منعرجة حيث ينعطف. اللسان "14/ 204" مادة/ حنا. 5 حنذوة: الشعبة من الجبل. اللسان "3/ 352" مادة/ حذر. 6 حذرية: الأرض الخشنة والغليظة. اللسان "4/ 176" مادة/ حذر. 7 هبرية: ما طار من الريش ونحوه. 8 عفرية: الخبيث المنكر الداهية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 قد زالت من قبلها، وأجرى غير اللازم مجرى اللازم وقد كان سبيله إذا أجراها مجرى الياء اللازمة أن يقول "دِيان" إلا أنه كره تضعيف الياء كما كره الأول تكرير الواو. قال الشاعر1: عَداني أن أزورَكِ أُم عمرو ... دَياوينٌ تُشَقَّقُ بالمِداد2 واعلم أن الواو متى وقعت قبلها الياء ساكنة قلبت الواو ياء وكذلك إن وقعت الواو ساكنة قبل الياء، فالأول نحو "سَيد" و"مَيت" والثاني نحو "لَية" و"طَية". وقد ذكرنا هذا كله مستقصى في حرف الواو، وذكرنا هناك "َضْيَون" و"رَجاء بن حَيْوة". فأما قولهم في "فُعِلَ" من "فاعَلتُ" و"فَيعَلْتُ" و"فَوْعَلتُ" من "سِرْتُ" و"بِعْت": "سُوْيِرَ" و"بُوْيِع" فلم تقلب فيه الواو ياء لأن الواو ليست بلازمة في "فَاعلتُ"، وأجروا "فَيعلْتُ" و"فَوعَلْتُ" مجرى "فاعلتُ"، ولو أدغموا فقالوا "بُيِّعَ" و"سُيِّرَ" التبس أيضًا بـ "فُعِّل". وقد أبدلت الياء من الواو إذا كانت لام "فُعلَى" وذلك نحو "العُليا" و"الدنيا" و"القُصيا"، وقالوا "القُصوى" فأخرجوها على أصلها، فأما "حُزْوَى"3 فعلم، ولا ينكر في الأعلام كثير من التغيير نحو "حَيْوة" و"مَزْيَد" و"مَحْبَب"، وقد ذكرنا هذا قديما في هذا الكتاب. ونظير القُصوى في الشذوذ قولهم: خذ الحُلوَى وأعطه المُرَّى. واعلم أنهم قد أبدلوا الياء من الواو إذا وقعت الكسرة قبل الواو وإن تراخت عنها بحرف ساكن، لأن الساكن لضعفه ليس حاجزا حصينا، فلم يعتد فاصلا، فصارت الكسرة كأنها قد باشرت الواو، ولا يقاس ذلك، وذلك قولهم "صبية" و"صبيان"   1 انظر/ الخصائص، والمنصف "2/ 32". 2 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه. مادة "دون" "13/ 166" ولكن بدل "تشقق"، "تنفق" والشاعر يعتذر عن عدم زيارة أم عمرو لما يشغله من كتابة الدواوين. الشاهد فيه "دياوين" حيث قلبت الواو ياء وأصله "دواوين". 3 حزوى: اسم مكان. لسان العرب "14/ 176" مادة/ حزا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 والأصل "صِبْوَة" و"صِبْوان" لأنه من صَبَوتُ صَبْوًا، فقلبت الواو لكسرة الصاد، ولم تفصل الباء بينهما لضعفها بالسكون، وقد قالوا أيضًا "صِبْوان" فأخرجوها على أصلها، وقالوا أيضًا "صُبْوان" وهو نحو من "صِبْوان"، فأما قول بعضهم "صُبيان" بضم الصاد وبالياء ففيه من النظر أنه ضم الصاد بعد أن قلب الواو ياء في لغة من كسر الصاد، فقال "صِبيان" فلما قلبت الواو ياء للكسرة، وضُمت الصاد بعد ذلك أُقرت الياء بحالها التي كانت عليها في لغة من كسر. ومن ذلك قولهم "قِنْية"1، هو من "قَنَوتُ" هكذا يقول أصحابنا، وقد روي أيضًا "قُنْية" و"قِنوة" و"قُنوة" وقالوا أيضًا "قَنَوْتُ" و"قَنَيْتُ". فمن قال "قَنَيتُ" فلا نظر في "قِنية" و"قُنية" في قوله، ومن قال "َقَنوتُ" فإن كان ممن يقول "قُنية" فالكلام في إبدال الواو ياء في قوله هو الكلام في قول من قال "صُبيان". وقال الراجز2: بعُنُق أسطَعَ في جِرانِهِ ... كالجِذع مال البسر من قُنيانِهِ والوحد "قِنْو"، والقول فيه القولُ في "صُبيان" بضم الصاد. ومثله "عَليّ" و"عِلية" وأصله "عِلوة" لأنه من عَلَوت. فقالوا: فلان قِدْية في الخير، يريدون: قِدوة. ومثله: ناقة بِلوُ سَفَر، وبِليُ سَفَر، وهما من "بَلَوت". وقالوا: ناقة عِليانة3، وهي من "عَلَوت". وقالوا: أرض عِذْيٌ4، وطعام عِذْي، وقالوا في جمع "عَذاة": "عَذَوات" بالواو. ومن كلام بعضهم في صفة أرض: قد حفّتها الفَلَوات، وبعجتها العَذَوات5. وقالوا: "حِذْية"6 وهي من "حَذَوتُ".   1 قنية: القنية، الكِسبة. لسان العرب "15/ 201" مادة/ قنا. 2 الجران: باطن العنق، وقيل: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره. اللسان "13/ 86". 3 ناقة عليانة: طويلة جسيمة. لسان العرب "15/ 92" مادة/ علا. 4 عذي: أرض عذي: طيبة الثرى كريمة المنبت، وقيل الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر. 5 بعجتها العذوات: توسطتها. لسان العرب "2/ 2515" مادة/ بعج. 6 حذية: الحذية من اللحم ما قطع طولا، وقيل: هي القطعة الصغيرة، وقال الأصمعي: أعطيته حذية من لحم وحذة وفلذة، كل هذا إذا قطع طولا. اللسان "14/ 171" مادة/ حذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 ومتى صارت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء، وذلك نحو: أَغزيَتُ، واستغزيت، وتقصّيْتُ، وادَّعيتُ، ومَغزَيان، ومَلهَيان، ومُسْتغزيان، وقد تقدمت علة ذلك. وقال بعضهم في "يَوْجَل"1: "يَيْجل"، وفي "يَوْحَل" "يَيْحَلُ"، وقالوا أيضًا: "يِيجل" و"يِيحل"، كل ذلك هربا من الواو.   1 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع. لسان العرب "11/ 722" مادة/ وجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 إبدال الياء من الهمزة : اعلم أن كل همزة سكنت وانكسر ما قبلها وأردت تخفيفها قلبتها ياء خالصة، تقول في "ذئب": "ذيب" وفي "بئر": "بير" وفي "مئرة": "ميرة". وكذلك إذا انفتحت وانكسر ما قبلها، تقول في "مِئر": "مِيَر" وفي يريد أن يقرئك: يريد أن يقريك، وفي "بِئار": "بِيار" كقول القائل1 ألم ترنا غَبَّنا ماؤنا ... سِنينَ، فظَلْنا نَكُدّ البِيارا2 وكذلك إن وقعت الهمزة بعد ياء "فَعيل" ونحوه مما زيدت فيه لِمَد، أو بعد ياء التحقير، فتخفيفها أن تخلصها ياء، وذلك قولك في "خطيئة": "خطية" وفي "نبيء": "نبى" وفي "أُفَيْئس" تصغير أَفْؤُس: "أُفَيّس"، وفي تخفيف "أُرَيئس" تحقير "أَرؤُس": "أُرَيِّس"، ولا تحرك واحدة من هاتين الياءين البتة؛ لأن حرف المد متى تحرك فارق المد، ولأن ياء التحقير أخت ألف التكسير، فكما أن الألف لا تحرك، كذلك أجروا الياء هنا إذ كانت فيه رسيلتها، على أن بعضهم قد قال في تخفيف "خطيئة": "خَطِيَة" فحرك الياء بحركة الهمزة، وهذا من الشذوذ في القياس والاستعمال جميعًا بحيث لا يلتفت إليه.   1 لم أقف على قائل البيت. 2 إن الماء قد بعدت ولم تنل من الآبار إلا بشق الأنفس. وقد استخدم الشاعر أسلوب الاستفهام لجذب الانتباه. والشاهد فيه كلمة "بيار" حيث قلبت الهمزة ياء تخفيفًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 ومتى اجتمعت همزتان وانكسرت الأولى منهما قلبت الثانية ياء البتة، وكان البدل لازما، وذلك قولك: إيمان، وإيلاف1، وإيناس، وأصله: إئمان، وإئلاف، وإئناس، فقلبت الثانية ياء البتة لانكسار ما قبلها، ولم يجز التحقيق لاجتماع الهمزتين، فقس على هذا. وقد أبدلوا الهمزة ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف، وذلك قولهم في "قرأت": "قريت" وفي "بدأت": "بديت" وفي "توضأت": "توضيت". وعلى هذا قال زهير2: جريء متى يُظلَم يُعَاقب بظُلمِهِ ... سريعا، وإلا يُبْدَ بالظلم يَظلِمِ3 أراد يُبدأ، فأبدل الهمزة، وأخرج الكلمة إلى ذوات الياء. ومن أبيات الكتاب4: وكنتَ أذلَّ من وَتَد بقاعٍ ... يُشَجِّج رأسه بالفِهر واجي5 يريد: واجئ، فأبدل الهمزة ياء، وأجراها مجرى الياء الأصلية. والدليل على ذلك أنه جعلها وصلا لحركة الجيم؛ ألا ترى أن البيت جيمي، ولو كانت الهمزة منوية عنده لم يجز أن تكون الياء وصلا كما لا يجوز أن تكون الهمزة المرادة المنوية وصلا.   1 وإيلاف: من يؤلفون أي يهيئون ويجهزون. اللسان "9/ 10" مادة/ ألف. 2 البيت من معلقة زهير. انظر ديوانه "ص24". 3 جريء: مقدم من قوم أجرئاء بهمزتين، عن اللحياني. اللسان "1/ 44" مادة/ جرأ. يقول: وهو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لحسن بلائه، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعني به حصينا ثم أضرب عن قصته، ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الصلح. والشاهد فيه "يبد" فأصلها "يبدأ" حيث قلبت الهمزة ياء للتخفيف. وحذفت بجزم مقدر، وتقديره "وإلا إن يبد بالظلم يظلم". 4 البيت لعبد الرحمن بن ثابت من قصيدة هجاء. انظر/ الكتاب "2/ 170". 5 الفهر: حجر ناعم صلب يسحق به الصيدلي الأدوية. الواجي: دق عنقه. اللسان "1/ 190" مادة/ وجأ والشاهد فيه "واجي" حيث أبدل الهمزة ياء وأصلها "واجئ" وأجراها مجرى الياء الأصلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وحدثنا أبو علي1، قال: قال أبو العباس: لقي أبو زيد سيبويه، فقال له: سمعت من العرب من يقول "قَرَيتُ" و"توضيت"، فقال له سيبويه: كيف يقول منه يَفعَل؟ فقال: "أَقرأُ". فقال سيبويه: لا، ينبغي أن يقول: "أَقْري". يريد سيبويه بذلك أن هذا الإبدال لا قوة له، ولا قياس يوجبه، ولو كان على القياس لوجب أن تخرج الكلمة إلى ذوات الياء، فيقول: "أَقْري" كما تقول: "رميت أرمي"؛ ألا ترى أن البدل لما وجب في "جاء" ونحوه جرى لذلك مجرى "قاضٍ" فاعرفه. ونحو من هذا قول ابن هَرمة2: إن السباع لَتَهدى عن فَرائسها ... والناسُ ليس بهادٍ شَرهم أَبَدا3 يريد: ليس بهادئ، فأبدل الهمزة ياء ضرورة، وجميع هذا لا يقاس إلا أن يضطر شاعر. وقالوا في "أعْصُرَ" -اسم رجل- "يَعْصُرُ" فالياء بدل من الهمزة، قال أبو علي: إنما سمي أعصر بقوله4: أبُنَيَّ إن أباك شَيَّبَ رأسَهُ ... كرُّ الليالي واختلافُ الأعصُرِ5   1 انظر الحجة "2/ 96" مخطوط. 2 البيت في شعره "ص97" ولم يذكره صاحب اللسان. 3 يقول إن السباع لا تهدأ عن فرائسها كما أن الناس لا يهدأ شرهم أبدا. والشاهد فيه "لتهدى" حيث أبدل الهمزة ياء للضرورة وأصلها "يهادئ" وهذا مما لا يقاس عليه. 4 هو أعصر بن مسعد بن قيس عيلان، والبيت في طبقات فحول الشعراء. وقد أطلق عليه "أعصر" بعد إنشاد هذا البيت. انظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي. وذكره صاحب اللسان بتحريف بسيط في قوله: ابني إن أباك غير لونه ... كر الليالى واختلاف الأعصر مادة "عصر" "4/ 581". 5 الكر: الرجوع. اللسان "5/ 135" مادة/ كرر. والأعصر "ج" عصر، وهو الدهر وتجمع على "عصور". والشاعر يحدث ابنه بأن الأيام والليالي المتوالية قد شيبت شعر رأسه. والشاهد فيه "أعصر" حيث أطلق اسم الدهر لقبا على الشاعر ولم تبدل الهمزة ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 إبدال الياء من الهاء : قالوا: دَهدَيتُ الحجر، أي: دَحرجتُهُ، وأصله: دَهدَهْتُهُ، ألا تراهم قالوا: هي دُهْدوهة الجعل لما يُدَحْرجه، قال أبو النجم1: كأنّ صوتَ جَرْعها المُستَعجل ... جَنْدَلَة دَهْدَيتُها في جَنْدَلِ2 وقالوا في صَهْصَهتُ بالرجل إذا قلت له صَهْ صَهْ: صَهْصَيْتُ، فأبدلوا من الهاء ياء.   1 البيتان من أرجوزته المذكورة في الطرائف الأدبية "ص65". 2 جرعها: شربها في عجلة. اللسان "8/ 46". الجندل: الحجارة. والشاعر يصور صوت شرب الماء بصوت حجر دحرجه فاصطدم بحجر آخر، واستخدم أسلوب التشبيه لتوضيح المعنى. والشاهد فيه: "دهيتها" حيث أبدلت الهاء ياء فأصلها "دهدهتها". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 إبدال الياء من السين : قال الشاعر1: إذا ما عُدَّ أربعةٌ فِسالٌ ... فزوجُكِ خامسٌ، وأبوكِ سَادي2 أي: سادس. وقال الآخر3:   1 نسب البيت في جمهرة اللغة "2/ 196" إلى امرئ القيس، ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه في مادة "س د ا" "14/ 377". 2 الفسل من الرجال: اللئيم الرذل الذي لا مروءة له ولا جلد. اللسان "11/ 519" مادة/ فسل. والبيت جاء في غرض الهجاء. والشاهد فيه "سادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "سادس". اللسان "14/ 377". إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة. 3 البيت لرجل كانت امرأة تقارعه ويقارعها أيهما يموت قبل وكان تزوج نساء قبلها فمتن وتزوجت هي أزواجا قبله فماتوا، فقال: ومن قبلها أهلكت بالشؤم أربعا ... وخامسة أعتدها من نسائيا وهو في شرح شواهد الشافية "ص447" وتهذيب الألفاظ "ص590"، واللسان "8/ 99". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 نُوازِل أَعوام أذاعتْ بخمسةٍ ... وتعتدّني إن لم يتق الله ساديا1 أي: سادسا، وقال الآخر2: عمرو وكعب وعبد الله بينهما ... وابناهما خمسة، والحارثُ السادي وقال الآخر4: مضى ثلاثُ سنينَ منذُ حُلّ بها ... وعامُ حُلّتْ، وهذا التابعُ الخامي5 أي: الخامس.   1 نوازل: الشدائد تنزل بالقوم. أذاعت بخمسة: أذهبته وطمست معالمه. الشاهد فيه قوله "ساديا" فأصلها سادس وأبدلت السين ياء. 2 البيت ينسب لامرأة تبكي قتلى قومها بني حارس الذين قتلوا في وقعة مع بني عامر. انظر شرح شواهد الشافية "ص448". 3 تعدد الشاعرة قتلى قومها الذين أصيبوا في الحرب. والشاهد في البيت "السادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "السادس". إعرابه: صفة مرفوعة بضم مقدر. 4 نسبه صاحب اللسان لقطبة بن أوس. مادة "خمس" "6/ 76". 5 يقول مر ثلاث سنوات منذ أن نزل بهذا المكان وتابعه عام آخر وهذا العام الخامس. والشاهد فيه "الخامي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "الخامس". إعرابه: صفه مرفوعة بضم مقدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 إبدال الياء من الباء : أنشد سيبويه1: لها أشاريرُ من لحْمٍ تُتَمِّرُهُ ... من الثعالي، ووخزٌ من أرانيها2   1 البيت ينسب لأبي كاهل اليشكري. ذكره صاحب اللسان مادة "شرر" "4/ 401". 2 الأشارير: جمع إشرارة وهي قطعة اللحم تجفف لادخارها. اللسان "4/ 401". الوخز: كالنخس يكون من الطعن الخفيف الضعيف. اللسان "5/ 428" مادة/ وخز. والشاعر يصف امرأة تدعى "عقاب" حيث تجفف اللحم من الثعالب والأرانب لوقت الحاجة إليه. والشاهد فيه "ثعالي- أرانيها" حيث أبدلت الياء من الباء والأصل "ثعالب- أرانبها". إعرابه: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 قال1: "أراد: الثعالب والأرانب، فلم يمكنه أن يقف على الباء، فأبدل منها حرفا يمكن أن يقفه في موضع الجر، وهو الياء"، قال: "وليس ذلك أنه حذف من الكلمة شيئًا، ثم عوض منه الياء". ويحتمل عندي أن تكون "الثعالي" جمع "ثعالة" وهو الثعلب، وأراد أن يقول "ثعائل" فقلب، فقال: "ثعالي" كما قال2: وكأنّ أُولاها كِعابُ مُقامرٍ ... ضُربِتْ على شُزُن فهنّ شَواعي3 أراد: شوائع. ومن أبيات الكتاب4: تَكاد أَواليها تَفَرّى جُلودُها ... ويكتحل التالي بمُور وحاصِبِ5 يريد: أوائلها، وله نظائر، إلا أن الذي ذهب إليه سيبويه أشبه لقوله: "أرانيها"، ولأن "ثعالة" اسم جنس، وجمع أسماء الأجناس ضعيف. وقالوا: "ديباج" و"دباببيج"، فدل قولهم: "دبابيج" بالباء على أن أصله "دِبّاج" وأنه إنما أبدل الباء ياء استثقالا لتضعيف الباء.   1 أي سيبويه. انظر/ الكتاب "1/ 344". 2 هو الأجدع بن مالك الهمذاني، ذكره صاحب اللسان في مادة "شعا". وشطر البيت الأول: كأن صرعيها كعاب مقامر 3 الشزن: الحرف أو الجانب. الشواعي: المتفرقة "م" شاعية. والشاعر يصف الخيل وهي تغير على مواقع العدو. والشاهد فيه "شواعي" فأصله شوائع. إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر. 4 ذكر البيت صاحب اللسان مادة "وأل" ونسبه إلى يعقوب بإنشاده لذي الرمة "11/ 716". 5 المور: الاضطراب في أي شيء. الحاصب: ريح شديدة تحمل التراب والحصباء. تفري: تفرق أو تشقق. اللسان "5/ 152" مادة/ فري. والشاعر يصف شدة الرياح فأوائلها تكاد تشق الجلود، وعندما تهدأ تحمل الأتربة التي تكتحل بها العيون. والشاهد فيه: أواليها حيث أبدلت الهمزة ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وأخبرنا أبو علي1 أن أبا العباس أحمد بن يحيى حكى عنهم: لا وَرَبْيِكَ لا أفعل، أراد: لا وربك لا أفعل، فأبدل الباء الثانية ياء لأجل التضعيف. وقال بعضهم2 في لَبَّيتُ بالحج: إنما هو لَبَّبْتُ: فَعَّلْتُ من قولهم: أَلَبَّ بالمكان؛ أي أقام به، قرأت3 على أبي علي للمُضَرب بن كعب: فقلت لها: فِيئي إليك فإنني ... حَرامٌ، وإني بعد ذاكِ لَبِيب4 أي: مُلَب بالحج5. قال ابن السكيت: "وقوله: بعد ذاك، أي: مع ذاك"6. فأما حقيقة "لَبَّيْتُ" عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء وإنما الياء في "لبيت" هي الياء في قولهم "لبيك وسعديك" اشتقوا من الصوت فعلا، فجمعوه من حروفه، كما قالوا من "سبحان الله": "سبحلت"، ومن "لا إله إلا الله": "هللت"، ومن "لا حول ولا قوة إلا بالله": "حولقت"، ومن بسم الله": "بسملت"، ومن "هلم"- وهو مركب من "ها" و"لم" عندنا7، ومن "هل" و"أم" عند البغداذين8- "هلممت"9. وكتب إلي أبو علي في شيء سألته عنه، قال بعضهم: سألتك حاجة فلا لَيتَ لي، أي: قلت لي: لا، وسألتك حاجة فلَوْلَيتَ لي، أي: قلتَ لي: لولا. قال: وقالوا: بَأْبَأَ الصبيُّ أباه، أي: قال له: بابا.   1 حكى ذلك في المسائل العسكريات "ص27". 2 بعضهم: هو الخليل كما في اللسان "لبب" "2/ 227". 3 قرأه في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص133". 4 البيت ذكره صاحب الجمهرة "2/ 142"، وكذا في الإبدال لابن السكيت "ص133". والشاهد في قوله "بعد ذلك" أي "مع ذلك". 5 ملب بالحج: قال أبو عبيدة: "ورجل ملب" وإنما هو من ألببت، أي، قد أقمت بالمكان. 6 كتاب الإبدال "ص133". 7 يعني البصريين. الكتاب "2/ 158". 8 هم الكوفيون كما في شرح الكافية الشافية "ص1391" وممن قال به منهم الفراء. 9 هلممت: هلممت بالرجل: قلت له هلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 وحكي لنا عن الأصمعي أو أبي زيد1 أنهم يقولون: "رجل وَيْلَمَة" للداهية، فاشتقوا وصفا من قولهم "وَيْلُمِّهِ" وأصله "ويل لأمه" وهذا كثير. وكذلك أيضًا اشتقوا "لبَّيتُ" من لفظ "لبَّيْكَ" فجاءوا في "لبيتُ" بالياء التي هي للتثنية في "لبَّيكَ"، وهذا على قول سيبويه2، فأما يونس3 فزعم أن "لبيك" اسم مفرد، وأصله عنده "لَبّبٌ" ووزنه "فَعْلَل" ولا يجوز أن تحمله على "فَعَّلٍ" لقلة "فعل" في الكلام وكثرة "فَعْلَل" فقلبت الباء التي هي اللام الثانية من "لبَّبٍ" ياء هربا من التضعيف، فصار "لبَّيٌ" ثم أبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "لبَّي" ثم إنها لما وُصلت بالكاف في "لبيك" والهاء في "لبيه" نحو ما أنشدناه أبو علي4: إنك لو دعوتني ودُوني ... زَوراء ذاتُ مَنزَعٍ بَيُونٍ لقلتُ: لبَّيْه لمن يدعوني5 قُلبت الألف ياء كما قُلبت في "إلى" و"على" و"لدى" إذا وصلتها بالضمير، فقلت: إليك، وعليك، ولديك. ووجه الشبه بينهما أن "لبيك" اسم ليس له تصرف غيره من الأسماء لأنه لا يكون إلا منصوبًا، ولا يكون إلا مضافًا، فقلبوا ألفه ياء، فقالوا "لبيك" كما قالوا "عليك" و"إليك" و"لديك".   1 حكاها أبو زيد في النوادر "ص583". 2 الكتاب "1/ 175، 176". 3 الكتاب "1/ 176". 4 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 731" دون أن ينسبه، وذكره ابن عقيل "2/ 52". 5 زوراء: الأرض بعيدة الأطراف. منزع: هو الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر. بيون: البئر الواسعة الضيقة الأسفل. اللسان "13/ 64" مادة / بين. يقول: إنك لو ناديتني وبيننا أرض بعيدة الأطراف، واسعة الأرجاء، ذات ماء بعيد الغور لأجبتك إجابة بعد إجابة. والشاهد فيه "لبيه" حيث أضاف لبى إلى ضمير الغائب. وهذا شاذ. انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 53". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 ونظير هذا "كلا" و"كلتا" في قلبهم ألفها ياء متى اتصلت بضمير وكانت في موضع نصب أو جر، نحو: ضربت الرجلين كليهما، ولم يقلبوا الألف في موضع الرفع ياء فيقولوا: قام الرجلان كليهما، ولا قامت المرأتان كلتيهما؛ لأنهما بعُدا برفعهما عن شبه "إليك" و"عليك" و"لديك" إذ كن لا حظ لهن في الرفع. واحتج سيبويه على يونس، فقال1: لو كانت ياء لبيك بمنزلة ياء عليك وإليك ولديك لوجب متى أضفتَها إلى المظهر أن تُقرها ألفا، كما أنك متى أضفت "عليك" وأختيها إلى المظهر أقررت ألفها بحالها، ولكنت تقول على هذا: لبَّى زيد، ولبَّى جعفر، كما تقول: إلى زيد، وعلى جعفر، ولدى سعيد. وأنشد قول الشاعر2: دعوتُ لِما نَابني مِسْوَرا ... فلبَّى فلَبَّيْ يَدَيْ مِسوَرِ3 قال4: فقوله "فلَبَّيْ" بالياء مع إضافته إياه إلى المظهر دلالة على أنه اسم مُثنى بمنزلة: غلامَيْ زيد، وصاحبَيْ سعيد. وهذا شرح المذهبين وبسطهما ومعاني قول سيبويه ويونس فيهما، وإن لم يكن لفظهما فإنه غرضهما. ثم إن أبا علي فيما بعد انتزع لنا شيئًا يؤنّس به قول يونس، ولم يقطع به، وإنما ذكره تعللا، وهو أنه قال: ليونس أن يحتج فيقول: قوله "فلَبَّيْ يَدَيْ" إنما جاء على قول من قال في الوصف: هذه أفعَيْ عظيمة، وهذه عَصَيْ طويلة، أي: أفعى، وعصا، وقد حكى سيبويه5 أنهم يقولون ذلك في الوصل كما يقولونه في الوقف،   1 الكتاب "1/ 176". 2 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 732" ونسبه إلى الأسدي وهو بغير نسبة في الكتاب. 3 لبي: أجاب. والشاعر يدعو الله دائما عندما ينتابه ضائقة فيجاب إلى دعائه. والشاهد فيه: استخدام لفظ "لبَّي" بالياء مع إضافة الياء إليه. 4 يعني سيبويه. الكتاب "1/ 176". 5 الكتاب "2/ 287"، وهي لغة طيئ كما في الكتاب، وإبدالها ياء في الوقف فقط لغة لفزارة وناس من قيس، وهي قليلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وهذا ليس عذرا مقنعا، وإنما فيه بعض التأنيس، والقول بعدُ قولُ سيبويه. فقول من قال: إن لبَّيتُ بالحج من قولنا: "أَلَبَّ بالمكان" إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه، ألا ترى أن الياء في "لبيك" عند يونس إنما هي إبدال من الألف المبدلة من الياء المبدلة من الباء الثالثة في "لبَّبَ" على تقدير قول يونس، وهذا كله منتزع من قول سيبويه والخليل: إن لبيك من قولهم ألَبَّ بالمكان1، إلا أنهما لم يزعما أن الياء في "لبيك" بدل من باء، وإنما الياء عندهم علم على التثنية، وإن وزن "لبيك" على قولهما "فَعْلَيْكَ" كما أن "سعديك" كذلك لا محالة، ووزنه عند يونس "فَعْلَلْكَ"، والياء فيه بدل من اللام الثانية، فاعرف هذه المسألة، فإنها من لطيف ما في هذا الكتاب، وإن أعان الله على شرحه وتفسيره سُقت جميعه من التقصي والتنظيف على هذه الطريق، وعلى ما هو ألطف وأدق بإذن الله.   1 الكتاب "1/ 176-177". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 إبدال الياء من الراء : وذلك قول بعضهم: "شِيراز"1 و"شَرَاريز" حكاها أبو الحسن، فأصل "شيراز" على هذا "شِرَّاز" فأبدلت الراء الأولى ياء. ومثله قولهم: "قيراط" و"قراريط" وأصله "قِرّاط" والعلة واحدة. فأما من قال في "شِيراز": "شَواريز" فإنه جعل الياء فيه مبدلة من واو، وكان أصله على هذا "شِوْراز"، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، ثم إنه لما زالت الكسرة في الجمع رجعت الواو، فقالوا: "شَوَاريز". فإن قلت: فإن بناء "فِوْعال" ليس موجودا في الكلام، فمن أين حملت واحد "شَوَاريز" عليه؟ فالجواب: أن ذلك إنما رُفض في الواحد لأجل وقوع الواو ساكنة بعد الكسرة، فلم يمكن إظهارها، فلما لم يصلوا إلى إظهار الواو في الواحد لِما ذكرناه، وكانوا يريدونها أظهروها في الجمع ليدُلوا على ما أرادوه في الواحد، وليُعلموا أنها لم تُزَد في   1 شيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. القاموس المحيط "2/ 178" مادة/ شرز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 الواحد ياء في أول أحوالها، وأنها ليست كـ "دِيماس"1 و"دَياميس" ولا كـ "دِيباج" و"دَيابيج" فيمن نطق بالياء بعد الدال، ويشبه أن يكون سيبويه إنما لم يذكر في الآحاد مثال "فِوْعال" لما لم يجده مُظهرا مصححا، فهذا جواب. ويحتمل عندي قولهم: "شَوَاريز" قولا آخر على غير هذا المذهب الأول وهو أن يكون "شِيراز" "فِيعالا" والياء في غير مبدلة من راء ولا واو بمنزلة "دِيماس"، وكان قياسه على هذا أن يقولوا في تكسيره "شَيَاريز" كـ "دَياميس"، ولكنهم أبدلوا من الياء واوًا لضرب من التوسع في اللغة، وذلك أن الواو في هذا المثال المكسَّر أعم تصرفا من الياء؛ ألا ترى إلى كثرة ضوارب، وقواتل، وخواتم، وطوابق، وحواطيم، وجواريف2، وسوابيط3، وحوانيت4، ودواليب، وقلة صيارف، وبياطر، وجيائل- جمع جَيْأل، وهي الضبع- فلما ألفت الواو في هذه الأمثلة المكسرة، وكانت أعم تصرفا من الياء قلبت الياء أيضًا في "شياريز" واوًا في "شواريز" كما قلبت الواو أيضًا في نحو هذا من مكسر الأمثلة ياء لضرب من الاتساع في الكلام، فقالوا في جمع "ناطل"- وهو المكيال الصغير الذي يُري فيه الخَمّار شرابَه- "نَيَاطِل"، ولم يقولوا "نَوَاطل" مثل "خواتم" و"دوانق". قال لبيد5: ....... ........ ... تكُرُّ عليهم بالمزاج النياطِلُ6 وقد يجوز أيضًا على هذا أن يكون أصل واحده "شِرّاز" إلا أنهم أبدلوا من الراء الأولى ياء كما ذكرنا، ثم إنهم لما جمعوا أبدلوا الياء المبدلة من الراء واوًا لقرب ما بين الياء والواو، والقول الذي قبل هذا أشبه.   1 الديماس: الكن، والسرب المظلم، والحَمّام. اللسان "2/ 26" مادة/ دمس. 2 جواريف: جمع جاروف، يقال: سيل جاروف أي: يجرف ما مر به من كثرته. 3 سوابيط: جمع ساباط، وهو سقيفة بن حائطتين تحتها ممر نافذ. اللسان "7/ 311" مادة/ سبط 4 حوانيت: جمع "حانوت" وهو معروف. اللسان "2/ 26" مادة حنت. 5 صدر البيت: عتيق سلافات سبتها سفينة وهو في رثاء النعمان. ديوانه "ص258". سباها: حملها من بلد إلى بلد. 6 تم شرحه والتعليق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وذكر أبو الحسن في هذه المسألة في كتابه في التصريف ما أذكره لك لتعجب منه، قال: "وأما شيراز فإنه في وزن "فِعْلال" وهو من بنات الأربعة نحو "سِرداح"1 والياء في "شِيراز" واو، يدلك على ذلك قولهم "شَوَاريز"، ومن قال من العرب "شَرَاريز" كان "شِيراز" عنده بمنزلة "قِيراط" والذي أنكرته من هذا قوله "إن شِيرازا" من بنات الأربعة نحو سِرداح". وليست تخلو الياء في "شِيراز" إذا كانت بدلا من أن تكون بدلا من راء في قول من قال "شَرَاريز" أو من واو في قول من قال "شَوَاريز" علي ما ذكره هو، وذهب إليه. وعلى كلا القولين لا يجوز أن يكون رباعيا؛ لأنه إن كان في الأصل "شِرَّازًا" فوزنه "فِعَّال"، وإن كان "شِوْرازا" فوزنه "فِوْعال" و"وشِرَّاز" ثلاثي بلا خلاف؛ لأنه من باب "صِنّارة"2 و"خِنّابة"3 و"فِوْعال" ثلاثي أيضًا؛ لأن الواو لا تكون أصلا في ذوات الأربعة إلا في التضعيف نحو "الوصوصة"4 و"الوزوزة"5 و"الوحوحة"6 وباب "قَوْقَيْتُ" و"ضَوْضيتُ" و"زَوزَيْتُ"7؛ لأنه في الأصل "قَوقوتُ" و"ضَوْضَوْتُ" و"زَوْزَوْتُ" و"فِوْعال" ليس مضعفا فتجعل واوه أصلا. فأما "وَرَنْتَل"8 فحرف شاذ، ولو أمكننا أن نقضي بزيادة الواو فيه لضاق العذر عن تولي ذلك، ولكن كونها أولا يمنع من القضاء بزيادتها. وهذا الذي حكيته لك عن أبي الحسن موجود في نسخ كتابه في التصريف، وهكذا قرأته على أبي علي، ووجدته أيضًا في نسخة أخرى مقروءة عليه، وفي نسخة أخرى كان يستجيدها، ويصف صحتها، وكذلك كانت، وكان يقول: هذا مصحف جيد، يثني بذلك على النسخة, وقد كثر التخليط في كتابه هذا، وزيد فيه ما ليس من قول أبي الحسن، وألحق بمتونه، فصار كأنه من الكتاب.   1 سرداح: الناقة الطويلة. 2 صنارة: الحديدة التي في رأس المغزل. 3 الخنابة: حرف المنخر. اللسان "1/ 366" مادة/ خنب. 4 الوصوصة: إدناء المرأة نقابها إلى عينها. اللسان "7/ 105" مادة/ وصص. 5 الوزوزة: الخفة والطيش. اللسان "5/ 428". 6 الوحوحة: صوت مع بحح. 7 زوزيت: نصب ظهره وأسرع في عدوه. 8 ورنتل: الشر والأمر العظيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وقد شك أبو بكر محمد بن السري -رحمه الله- في شيء من كلامه في هذا الكتاب في فصل "آوَّتاه". وأخلق ما يصرف إليه كلام أبي الحسن في قوله: "إنه رباعي نحو سرداح" أن يقال: إنه أراد أن "فِوْعال" ملحق بالواو بذوات الأربعة نحو "سِرداح"، فترك لفظ الإلحاق للعلم به إذ قد ثبت في الأصول أن الواو لا تكون في هذا النحو أصلا، على أن في هذا التمحل بُعدا وضعفا. فإن قال قائل: ما تنكر أن يكون أبو الحسن في هذا على صواب، وأن تكون الكلمة رباعية وإن كانت فيها الواو منفردة غير مضعفة، كما كانت الواو في "ورنتل" أصلا وإن لم تكن مضعفة، ولكنها لما وقعت أولا لم يسُغ القضاء بزيادتها، فتكون أيضًا الواو في "شِوْراز" لما وقعت ساكنة بعد كسرة، ولم يمكن تصحيحها، قضي بكونها أصلا لأنا لا نعلم واوًا استؤنفت في أول أحوالها مفردة زائدة ساكنة بعد كسرة، فأما "اجْلِوّاذ" و"اخْرِوَّاط" فالواو فيه مضعفة غير منفردة. فالجواب: أن واو "وَرَنْتَل" وقعت موقعا لا يمكن معه القضاء بكونها زائدة، لأنا لا نعلم واوًا زيدت أولا، وقد ذكرنا العلة في امتناع العرب من ذلك في حرف الواو. فأما واو "شِوراز" المقدرة قبل القلب فهي على كل حال ثانية ساكنة في موضع الواو من "كَوثَر" و"حَوقَل"1 و"تَوْراب"2 و"طُومار"3 و"قَوْصَرّة"4 و"خَوْزَلَى"5 و"حَوْفَزَان"6 و"تُوْرُور"7 لأنه "فُوْعُول" من الترارة8، كذا قال أبو علي، وهو الصواب. فواو "شِوْراز" المقدرة على كل حال في الموضع الذي تزاد فيه الواو، فلا مانع من الحكم بزيادتها.   1 حوقل: إذا كبُر وفتر عن الجماع. والمُسن المتعب. اللسان "11/ 161". 2 توراب: التراب. اللسان "1/ 227" مادة/ ترب. 3 طومار: الصحيفة. اللسان "4/ 503" مادة/ طمر. 4 قوصرة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري، وينسب إلى الخليفة علي- عليه السلام. 5 خوزلي: مشية فيها تثاقل وتبختر. اللسان "11/ 203" مادة/ خزل. 6 حوفزان: اسم رجل، وقيل: هو اسم الحرث بن شريك الشيباني. اللسان "5/ 337". 7 تورور: مخفف من التؤرور وهو العون يكون مع السلطان بلا رزق. اللسان "4/ 88". الترارة: السِّمَن، والبضاضة، وهو اللمتلئ. اللسان "4/ 90" مادة/ ترر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 فأما الدلالة على كون الياء في "شيراز" بدلا من الواو في "شِوْراز" وأن الياء فيه ليست بمنزلة ياء "دِيماس" فظهورها في الجمع إذ قالوا "شواريز"، فأما ما شبّه السائل بذكره، وطلب التلبيس به في سؤاله من أنه لا يعرف واوًا زائدة مفردة استؤنفت في أول أحوالها بعد كسرة، فلا معتبر بقوله من قِبَل أنه إذا قامت الدلالة على صحة قضية لم يلزم إيراد النظير لها وإن كان في النظير بعض الأنس، ألا ترى أن "كُدْتُ أكاد" لا نظير له، وقد دلت الدلالة على كونه "فَعُلَ يفعَلُ". وكذلك قولهم: ماء سُخاخينٌ1: فُعاعِيل وإن لم نجد له نظيرا في الكلام. وكذلك إنْقَحْلٌ: إنْفَعْلٌ عند سيبويه2 وإن لم يكن له نظير عنده، وهذا واسع. فكذلك قولهم إن الواو في "شيراز" زائدة وإن لم نجد لها نظيرا استؤنفت هكذا. ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم "شَراريز" فهذه دلالة قاطعة على زيادة الواو في "شواريز"، وجرت "شراريز" مجرى "صنانير"3 و"خنانيب"4 كما دلت الألف في "شُرابث"5 و"جُرافس"6 على زيادة النون في "شَرَنْبَث" و"جَرَنْفَس"، ومع هذا فقد أجمعوا على أن "عَباديد" و"شَعاليل" يجوز أن يكون واحدها "فُعلولا" كأنه "عُبدود" و"شُعلول" وإن لم تنطق العرب بواحد ذلك، وإن كان ذلك كذلك فالياء في "عباديد"7 و"شعاليل"8 جائز أن تكون منقلبة عن واو "فُعلول" فكأنه قبل القلب "شَعالِوْل" و"عَبَادِوْد" فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت "عباديد" و"شعاليل"؛ أفلا ترى أن الياء في "عباديد" و"شعاليل" منقلبة عن واو زائدة منفردة مستأنفة مكسور ما قبلها، فأما الواحد منها فلا اعتداد به لأنه أصل مرفوض لا يُنطَق به، فجرى لذلك مجرى ما ليس مقدرا،   1 ماء سخاخين: ساخن. اللسان "13/ 205" مادة/ سخن. 2 الكتاب "2/ 317". 3 صنانير: السيئو الأدب وإن كانوا ذوي نباهة، ومفرده صنارة. اللسان "4/ 468". 4 خنانيب: جمع الخناب وهو الضخم الطويل من الرجال. اللسان "1/ 366". 5 شرابث: القبيح الشديد، الغليظ الكفين والرجلين. اللسان "2/ 160". 6 جرافس: الفخم الشديد من الرجال ومثله الجرنفس. اللسان "6/ 37" مادة/ جرفس. 7 عباديد: الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم. اللسان "3/ 276" مادة/ عبد. 8 شعاليل: الفرق، مثل شعارير إذا تفرقوا. اللسان "11/ 355" مادة/ شعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 وإذا كان ما ينطق به في كثير من الكلام قد تصيّره إلى أن يجري مجرى ما قد سقط حكمه وصار غير معتد به، فما لا يظهر على وجه من الوجوه أولى بأن يلغى ولا يعتد به، وذلك قولك: زيد خلفك، فأصل هذا: زيد مستقر خلفك، فحذف اسم الفاعل للعلم به، وأقيم الظرف مقامه، وانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف، وصار موضع الظرف رفعا لأنه خبر المبتدأ، وألغي "مستقر" حتى صار لا حكم له ولا اعتداد به، وأنت مع هذا لو شئت لأظهرته، فقلت: زيد مستقر خلفك. ويدلك على أن حكم "مستقر" ونحوه في نحو هذا قد سقط عندهم، وصارت معاملة اللفظ الآن إنما هي للظرف، امتناعهم من تقديم الحال على الظرف في نحو قولهم: زيد خلفك واقفا، فلو قلت: زيد واقفا خلفك لم يجز، فلولا أن نصب الحال الآن إنما وجب بالظرف لا باسم الفاعل المحذوف لكان يجوز تقديم الحال على الظرف بغير اسم الفاعل، كما كان يجوز تقديمها عليه مع اسم الفاعل في قولك: زيد واقفا في الدار مستقر، فـ "واقفا" الآن منصوب بمستقر لا بالظرف، ولذلك جاز تقديمه على الظرف، فكذلك إذا قلت: زيد خلفك واقفا، نصبت الحال بالظرف لا باسم الفاعل. فإذا كان حكم اسم الفاعل قد يبطل إذا أقمت الظرف مقامه مع أنه قد يجوز لك أن تلفظ معه باسم الفاعل وتجمع بينهما، فأن يكون ما لا ينطق به البتة غير مراد ولا معتد به -وهو واحد "شعاليل" و"عباديد"- أجدر. فهذا ما احتمله القول، واقتضاء النظر في قولنا "شيراز" و"شواريز" و"شراريز". فأما قولهم "تسرَّبْتُ" فيكون أيضًا من باب إبدال الياء من الراء، وأصلها على هذا "تسَرَّرْتُ" لأنها من "السُّرِّيّة" و"السُّرِّيّة": "فُعلِيَّة" من السر، وذلك أن صاحبها أبدا ما يخفيها ويسر أمرها عن حرمته وصاحبة منزله. ومن كانت "سُرِّية" عنده "فُعِّيلة" مثل "مُرِّيقة" و"عُلِّية" فاستشقاقها عنده من سَراة الشيء، وهو أعلاه وأوله. ودفع أبو الحسن هذا القول، وقال: إن الموضع الذي تؤتي منه المرأة ليس أعلاها ولا سَراتها. والقول كما قال. والذي ذهب إليه أبو الحسن فيها هو أنها "فُعْلِيّة" من السرور لأن صاحبها يُسَر بها. ولو قال قائل: إنها "فُعِّيلة" من سَرَيت. أي: سِرت ليلا، لأن في ذلك ضربا من الإخفاء والستر، لكان قولا، ولكن حملها على أنها "فُعْلِيّة" أوجه لأمرين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 أحدهما: أن "فُعْلية" أكثر في الكلام من "فُعّيلة". والآخر: أن معنى السر ههنا والسرور أظهر من معنى السَّراة والسُّرى. وإذا كانت "سُرّية" من "السَّراة" فأصلها "سُرِّيوة" لأن السَّراة من الواو، لقول الفرزدق1: وأصبح مُبْيضُّ الصقيع كأنه ... على سَرَوات البيت قُطن مُنَدَّفُ2 فلما اجتمعت الياء والواو، وسبقت الياء بالسكون قُلبت الواو ياء، وأدغمت الباء في الياء، فصارت "سُرِّيّة". وكذلك القول في "عُلّيَّة"، أصلها "عُلِّيْوة" لأنها من "عَلَوتُ" والقول فيها كالقول في "سُرِّيّة" إذا أُخذت من السَّراة.   1 انظر ديوانه "ص559". 2 سبق شرحه والتعليق عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 إبدال الياء من النون: من ذلك قولهم "دينار" وأصله "دِنَّار"، والقول فيه كالقول في "قِيراط" لقولهم في التكسير "دَنانير" ولم يقولوا "دَيَانير". وكذلك التحقير، وهو "دُنَينير". وقالوا "إِيسان"، فأبدلوا نون "إنسان" ياء، قال1: فيا ليتني من بعدما طاف أهلُها ... هلَكْتُ، ولم أسمع بها صوت إيسان2 البيت لعامر بن جورين. إلا أنهم قد قالوا في جمعه أيضًا "أياسيّ" بياء قبل الألف، فعلى هذا يجوز أن تكون الياء غير مبدلة، وجائز أيضًا أن يكون من البدل اللازم، نحو: عيد وأعياد وعُيَيْد، ونحو ميثاق ومياثيق، ومِيثَرَة ومياثير. وهذا هو الوجه عندي في "إيسان". ومن ذلك قولهم "تظنّيت" وإنما هي "تفعّلت" من الظن، وأصلها "تَظَنْنتُ" فقلبت النون الثالثة ياء كراهية التضعيف.   1 ذكره صاحب اللسان مادة "أنس" "6/ 13" ونسبه إلى عامر الطائي. 2 والشاعر يتمنى أن يهلك قبل أن يرى ديار محبوبته خالية ليس بها صوت إنسان. والشاهد فيه: "إيسان" حيث أبدلت النون ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 إبدال الياء من النون ... وقرأت على أبي علي بإسناده عن أبي عبيدة "قال: سمعت أبا عمرو ابن العلاء يقول: {لم يَتَسنّ} [البقرة: 259] 1: لم يتغير، هو من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26] أي: متغير. فقلت له: {لم يتسَنّ} من ذوات الياء، و {مسنون} من ذوات التضعيف، فقال: هو مثل "تظَنّيت" وهو من الظن". وأصله على هذا القول "لم يتَسَنَّن" ثم قُلبت النون الآخرة ياء هربا من التضعيف، فصار "يَتَسّنيُ" ثم أبدلت الياء ألفا، فصار "يتَسَنَّى" ثم حذفت الألف للجزم، فصار {لم يتَسَنَّ} . وقالوا: "إنسان" و"أناسيّ" و"ظربان" و"ظرابيّ"، فالياء الثانية بدل من نون الواحد.   1 {لم يتسن} : هذه قراءة حمزة والكسائي في الوصل فهما يحذفان الهاء وبقية السبعة يقرؤون {لم يتسنه} بإثبات الهاء في الوصل. انظر القراءات السبعة "ص189". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 إبدال الياء من اللام : وهو في قولهم: أمليت الكتاب، إنما أصله "أمللْتُ" فأبدلت اللام الآخرة ياء هربا من التضعيف، وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا، قال تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} [الفرقان: 5] 1، وقال عز اسمه: {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} [البقرة: 282] 2.   1 {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} : الشاهد فيه "تملى" حيث أبدلت الياء من اللام تخفيفًا والأصل "تملل". إعرابه: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر. 2 {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} : الشاهد فيه "ليملل" حيث جاء الفعل بإثبات اللام دون إبدال. إعرابه: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 إبدال الياء من الصاد : أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال: قال اللحياني: قصَّيْتُ أظفاري في معنى قصَّصْتُها، فهذا مثل "تظنّيت" أبدلت الصاد الثالثة ياء كراهية للتضعيف. وقد يجوز عندي أن يكون "قصَّيتُ": "فعَّلْتُ" من أقاصي الشيء؛ لأن أقاصيه أطرافُه، والمأخوذ من الأظافر إنما هو أطرافها وأقاصيها، فلا يكون في هذا بدل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 إبدال الياء من الضاد : خبرنا أبو علي، قال: "قال الأصمعي وأبو عبيدة في قول العجاج1: تَقَضِّي البازي إذا البازي كَسَرْ2 هو "تَفَعّل" من الانقضاض، وأصله "تَقَضّض" فأُبدلت الضاد الآخرة ياء لما ذكرت لك"3 وقالوا: "تفَضَّيت من الفضة" وهو مثله. ويجوز أن يكون "تَقَضّي البازي": "تَفَعُّلًا" من "قَضَيت" أي: عملت، كقول أبي ذؤيب4: وعليهما مَسْرودَتان قضاهما ... داودُ أو صَنَعُ السوابِغِ تُبَّعُ5 أي: عملهما. فيكون "تقَضّي البازي" أي: عمل البازي في طيرانه، والوجه هو الأول.   1 انظر/ ديوانه "ص28". 2 تقضى: انقض على الفريسة. اللسان "15/ 189" مادة/ قضى. كسر البازي: ضم جناحيه حتى يريد الوقوع، أو ينقض. اللسان "5/ 141" مادة/ كسر. البازي: واحد البزاة التي تصيد، ضرب من الصقور. اللسان "14/ 72" مادة/ بزا. والشاهد فيه: تقضى حيث أبدل الضاء ياء. 3 الحكاية في إبدال ابن السكييت "ص133-134"، ومجاز القرآن "2/ 300". 4 ذكره صاحب اللسان مادة "صنع" "8/ 209". 5 قضاهما: قضى الشيء قضاء: صنعه وقدره. اللسان "15/ 186" مادة/ قضى. السوابغ: سبغ الشيء: طال وتم واتسع فهو سابغ. اللسان "8/ 432-433" مادة/ سبغ. يعني: عليهما مسرودتين صنعتا بإتقان وكاملة مثلما كان يصنع داود عليه السلام الدروع بإتقان. والشاهد فيه كلمة "قضاهما" حيث جاءت بمعنى عملهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 إبدال الياء من الميم : خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب1 عن ابن الأعرابي أنه أنشد: نزور امرءا أمّا الإله فيتَّقِي ... وأما بفعل الصالحين فيأتمي2 قال ابن الأعرابي: أراد: يأتمُّ، فأبدل الميم الثانية ياء. وقالوا في قول الراجز3: بل لو رأيتَ الناسَ إذ تُكُمُّوا ... بغُمّة لو لم تُفَرَّج غُمُّوا4 قالوا: أراد: تكمموا، من كممت الشيء إذا سترته، فأبدل الميم الأخيرة ياء مثل "تظنَّيْتُ" فصار في التقدير "تُكُمِّيُوا"، فأسكنت الياء وحذفت، كما تقول: قد تولوا، وتعلوا من: وليت، وعلوت. وقد يحتمل هذا عندي وجها غير القلب، وهو أن يكون "تُكُمُّوا": "تُفُعِّلوا" من كَمَيتُ الشيءَ إذا سترتَه، ومن قولهم "كَمِيّ" لأنه هو الذي قد تَسَتّر في سلاحه، فيكون "تكُمُّوا" على هذا مما لامه مُعتلة، ولا يكون أصله من ذوات التضعيف. وقال ابن الأعرابي في قول ذي الرمة5: مُنَطِّقَة بالآي مُعْمَيَّة به ... دياجيرُها الوسطى وتبدو صدورُها6   J   1 كتاب الإبدال "ص135". 2 البيت لكثير عزة يمدح فيه عبد العزيز بن مروان. والبيت فيه دعوة إلى طاعة الإله وإلا فقضاء بفعل الصالحين، والشاهد فيه: "يأتمي" حيث أبدل الميم الثانية ياء فأصلها "يأتم". 3 هو العجاج، والبيتان مطلع أرجوزة يذكر فيها قتل مسعود بن عمر العتكي من الأزد. انظر/ ديوانه "ص422"، واللسان "2/ 441" مادة/ غمم. 4 تكموا: ستروا. الغمة: الكرب. اللسان "12/ 441" مادة/ غمم. والمعنى أن الناس إذا ما ستروا ما يغمهم ولم تفرج عنهم وتزال سيظلوا هكذا. والشاهد فيه "تكموا" أراد: تكمموا من كممت أو من كميت فأبدلت الميم ياء. 5 ليس في قصيدته التي على هذا الروي ومن هذا البحر ولم أقف عليه. 6 الديجور: الظلمة "ج" دياجير. اللسان "4/ 278" مادة/ دجر. المعنى: أن هناك مناطق مليئة بعلامات الظلمة في أوساطها، وبدايتها مضيئة. والشاهد فيه "معمية" حيث أبدلت الميم ياء فأصلها معممة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 قال: أراد معممة، فأبدل من الميم ياء. ويجوز عندي أيضًا أن يكون من العَمَى، قال سيبويه: من قال في جمع "ديماس": "دماميس" فالياء فيه بدل من ميم "دِمّاس"1.   1 الكتاب "2/ 127". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 إبدال الياء من الدال : خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1 "قال أبو عبيدة: التصدية: التصفيق والصوت، و"فَعَلْتُ" منه "صَدَدت أصِدُّ"، ومنه قوله تعالى: {إِذَا قَوْمكَ مِنْهُ يَصِدّون} [الزخرف: 57] أي: يعجّون ويضجون، فحول إحدى الدالين ياء". وأنكر أبو جعفر الرستمي هذا القول على أبي عبيدة، وقال: إنما هو من الصدى، وهو الصوت، فكيف يكون مضعفا. وقال أبو علي: ليس ينبغي أن يقال: هذا خطأ؛ لأنه قد ثبت بقوله عز وجل: {يَصِدَون} وقوع هذه الكلمة على الصوت أو ضرب منه، وإذا كان ذلك كذلك لم يمتنع أن تكون {تَصْدِيَة} منه، فتكون تفعلة" من ذلك، وأصلها "تصددة" مثل "التحِلّة"2 و"التعِلّة"3، ألا ترى أن أصلهما "تحْلِلة" و"تعْلِلة"، فلما قلبت الدال الثانية من "تصْدِدة" تخفيفًا اختلف الحرفان، فبطل الإدغام.   1 كتاب الإبدال "ص135"، وانظر قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن "1/ 246". 2 التحلة: مصدر حلل اليمين، وهو أيضًا: ما كفر به. اللسان "11/ 167" مادة/ حلل. 3 التعلة: ما يتعلل به. اللسان "11/ 469" مادة/ علل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 إبدال الياء من العين : انشد سيبويه1: ومَنْهَلٍ ليس له حَوَازِقُ ... ولِضفادي جَمِّه نَقانِق2   1 لم نعثر عليه في اللسان، وذكره في الكتاب "1/ 344" ولم ينسبه. 2 المنهل: مكان الماء. حوازق: الجماعات. اللسان "10/ 47" مادة/ حزق. الجم: الكثير من كل شيء. النقانق: أصوات الضفادع "م" نقنقة. يعنى مكان الماء ليس له تجمعات، وبه ضفادع لهن أصوات. الشاهد فيه: "لضفادي" يريد: ضفادع حيث قلبت العين ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 يريد: ولضفادع جمّه، فكره أن يسكن العين في موضع الحركة، فأبدل منها حرفا يكون ساكنًا في حال الجر، وهو الياء. وأخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1: "قال ابن الأعرابي: تلعَّيتُ من اللُّعاعة"، واللُّعاعة: بقلة. وأصل "تلعَّيت": "تلعَّعْت" فأبدلوا من العين الآخرة ياء كما قالوا "تفضَّيْتُ" و"تظنَّيْتُ".   1 الإبدال "ص135"، وفي إصلاح المنطق "ص302". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 إبدال الياء من الكاف : حكى أبو زيد "مكوك ومكاكي"1 فالياء الثانية بدل من كاف، وأصلها "مكاكيك" كما تقول: شبوط2 وشبابيط، وسمُّور3 وسمامير.   1 مكوك ومكاكي: المكوك: طاس يشرب به، أعلاه ضيق ووسطه واسع، وهو مكيال معروف لأهل العراق، والجمع مكاكيل ومكاكي على البدل كراهية التضعيف، وهو صاع ونصف. اللسان "10/ 491" مادة/ مكك. 2 شبوط: ضرب من السمك دقيق الذنب عريض الوسط صغير الرأس لين الملمس كأنه البربط، وهو أعجمى. اللسان "7/ 327" مادة/ شبط. 3 سمور: دابة تسوى من جلودها فراء غالية الأثمان. اللسان "4/ 380" مادة/ سمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 إبدال الياء من التاء : أنشدهم بعضهم1: قام بها ينشُدُ كلَّ مَنْشَدٍ ... فايْتَصَلَتْ بمثل ضوء الفَرقَدِ2 أراد: فاتصلت، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية للتشديد.   1 البيت في شرح المفصل "10/ 26" وذكره صاحب اللسان في مادة "وصل" دون أن ينسبه. 2 الفرقد: أي الفرقدان فإن العرب ربما تقول لهما الفرقد وهما نجمان في السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي. وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب. اللسان "3/ 334" مادة/ فرد. أنشد الشاعر أشعاره المتصلة حتى وصلت إلى عنان السماء. والشاهد فيه: "ما يتصلت" حيث أبدلت التاء الأولى ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 إبدال الياء من الثاء : قال1: يَفديكَ يا زُرْعَ أبي وخالي ... قد مَرّ يومان وهذا الثالي وأنت بالهجران لا تبالي2 أراد: الثالث.   1 ذكره صاحب اللسان مادة "ثلث" "2/ 121"، ولم ينسبه. 2 زرع: اسم. اللسان "8/ 141". الهجران: البعد والفراق. الشاعر يتمنى أن يفدي محبوبته بأقرب الناس إليه أبيه وخاله، ولا تهجره، وقد مر يومان وهذا الثالث ولم يرها. والشاهد فيه: "الثالي" حيث أبدلت الثاء ياء. اللسان "2/ 121" مادة/ ثلث. إعرابه: بدل مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 إبدال الياء من الجيم : قالوا: "دَيْجوج ودَياجٍ" وأصله "دياجيج"، فأبدلت الجيم الآخرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفًا. وأما قولهم في "شجرة": "شِيَرة" فينبغي أن تكون الياء فيها أصلا، ولا تكون بدلا من الجيم، أنشد الأصمعي1: تَحْسبه بين الأنام شِيَرةْ2 قال أبو الفضل الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: كنا عند المفضل وعنده أعراب، فقلت: قل لهم يقولون "شِيَرة"، فقالوها، فقلت له: قل لهم يُصغرونها، فصغروها "شُيَيرة". وإنما كانت الياء عندنا في "شِيَرة" أصلا غير بدل من الجيم لأمرين:   1 الأصمعي: ذكر البيت صاحب اللسان دون نسب مادة "شجر". "4/ 394". 2 الأنام: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق. اللسان "12/ 37". تحسبه: تظنه. والشاعر يشبه ممدوحه بين الناس بالشجرة. الشاهد فيه "شيرة" حيث أبدلت الجيم ياء، يريد "شجرة". إعرابه: مفعول به ثان منصوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أحدهما: ثبات الياء في تصغيرها في قولهم "شُيَيرة"، ولو كانت بدلا من الجيم لكانوا خُلقاء إذا حقروا الاسم أن يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل. والآخر: أن شين "شَجَرة" مفتوحة، وشين "شِيَرة" مكسورة، والبدل لا تغير فيه الحركات، إنما يوقع حرف موقع حرف، وعلى ذلك عامة البدل في كلامهم؛ ألا ترى أن من يقول "إيّل" فيأتي به على الأصل، إذا أبدل الياء جيما قال "إجَّل" فلم يعرض لشيء من الاسم سواها، ولم يزل شيئًا عما كان عليه من أحوال حركته. هذا هو الظاهر من حال "شِيَرة". فإن قلت: فهل تجد لجعل الياء في "شِيَرة" بدلا من الجيم وجها؟ فإن الطريق إلى ذلك -وإن كان فيها بعض الصنعة- أن تقول: إنه أراد "شَجَرة" ثم أبدل الجيم ياء، كما أبدلت الياء جيما في نحو: "الإجَّل" و"عَلِجّ"1 و"فُقَيمجّ" و"مَرِّجَ"، فكان حكمه أن يدع الشين مفتوحة، فيقول "شَيَرة" إلا أن العرب إذا قلبت أو أبدلت فقد تغير في بعض الأحوال حركات تلك الكلمة، ألا ترى أن "الجاه" مقلوب من "الوجه"، فكان سبيله إذا قدمت الجيم وأخرت الواو أن يقال "جَوْهٌ" فتسكن الواو كما كانت الجيم في "وجْه" ساكنة، إلا أنها حركت لأن الكلمة لما لحقها القلب ضعفت، فغيروها بتحريك ما كان ساكنًا إذ صارت بالقلب قابلة للتغيير، فصار التقدير "جَوَهٌ" فلما تحركت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفا، فقيل "جاه" فكما غيرت حال "الجاه" لما لحق الكلمة من القلب، كذلك غيرت فتحة شين "شَجَرة" إلى الكسر لما لحق الجيم من القلب، وزاد في الأنس بذلك أنه لو أقرت الفتحة في الشين، فقيل "شَيَرة" لانفتحت الشين قبل الياء، والياء متحركة، فتصير إلى قلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فكان يلزم أن يقال "شَارة" كما يقال "بَاعة" جمع "بائع" وأصلها "بيَعَة"، فهربوا لذلك مع ما قدمناه إلى أن كسروا الشين لتُقر الياء ولا تنقلب. فإن قلت: فهلا تركوا فتحة الشين بحالها، فقلبوا الياء ألفا، فقالوا "شَارة" كما قالوا "جاه"؟   1 علج: العلج كل جاف شديد من الرجال "ج" علوج وأعلاج. اللسان "2/ 326". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني "جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما "شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة" متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه بالحال من قلب الياء ألفا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني "جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما "شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة" متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه بالحال من قلب الياء ألفا. زيادة الياء قد زيدت الياء أولا، وثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة. زيادة الياء أولا: وذلك نحو: "يَرْمَعٍ"1 و"يَعْمَلَة"2 و"يُسْرُوع"3 و"يَعْضِيد"4 وفي الفعل نحو "يقوم" و"يقعد" و"ينطلق". زيادة الياء ثانية: وذلك نحو: "خَيْفَق"5 و"صَيْرَف"6 و"غَيْداق"7 و"خَيْتام"8 و"قَيْصوم"9 و"عَيْثُوم"10 و"عَيْهُوم"11 و"خَيْسَفُوج"12 و"عَيْضَموز"13 و"حَيْزَبون"14 و"قِيْتال" و"ضِيْراب" و"حِيَفْس"15 و"صِيَهْم"16. وفي الفعل نحو "بَيْطَرَ"17 و"بَيْقَرَ"18.   1 يرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس. 2 يعملة: ناقة يعملة: نجيبة. 3 يسروع: دود حمر الرؤوس بيض الأجسام تكون في الرمل. اللسان "8/ 153". 4 يعضيد: بقلة من بقول الربيع فيها مرارة. اللسان "3/ 295". 5 خيفق: يقال فلاة خيفق: أي واسعة يخفق عليها السراب. 6 صيرف: صراف الدراهم. 7 غيداق: الكريم الجواد. 8 خيتام: ما يختم به. 9 قيصوم: نبات. اللسان "12/ 486". 10 عيثوم: الضبع، والفيل. 11 عيهوم: الأديم الأملس. اللسان "12/ 430". 12 خيسفوج: حب القطن. 13 عيضموز: العجوز الكبيرة. 14 حيزبون: العجوز من النساء. 15 حيفس: القصير السمين. 16 صيهم: الشديد، والجمل الضخم. 17 بيطر: بيطر الدابة: عالجها. 18 بيقر: هلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 زيادة الياء ثالثة: وذلك نحو: "عِثْيَر"1 و"حِذْيَم"2 و"طِرْيَم"3 و"سِرْياح"4 و"جِرْيال"5 و"كِدْيَون"6 و"هِلْيَون"7 و"سَعيد" و"قَضيب". وللتحقير نحو "كُلَيب" و"دُرَيهم" و"دُنَينير". و"عُلْيَب" ولا نظير له، و"هَبَيَّخ"8. زيادة الياء رابعة: وذلك نحو "دِهْليز"9 و"مِنْديل" و"قِنْديل" و"شِمْليل"10 و"زِحْليل"11. وفي الفعل نحو "سَلْقَيت"12 و"جَعْبَيْت"13. زيادة الياء خامسة: وذلك نحو: "عَنْتَريس"14 و"خَرْبَصِيص"15 و"جَعْفَليق"16 و"شَفْشَليق"17 و"قَرْقَرير"18. وفي الفعل نحو: "احْرَنْبَيْتُ"19 و"اسْلَنْقَيْتُ"20 و"احْبَنْطَيْتُ"21 و"اسْرَنْدَيْتُ" 22 و"اغْرَنْدَيْتُ" و"ابْرَنْتَيْتُ"23.   1 عثير: الأثر الخفي. 2 حذيم: الحاذق بالشيء. 3 طريم: الطويل من الناس. 4 سرياح: فرس سرياح: طويل. 5 جريال: الخمر الشديدة الحمرة. اللسان "11/ 108" مادة/ جرل. 6 كديون: دقاق التراب عليه دردي الويت تجلى به الدروع. اللسان "13/ 357". 7 هليون: نبت. 8 الهيبخ: الأحمق المسترخي. 9 دهليز: المدخل بين الباب والدار "ج" دهاليز". 10 شمليل: ناقة شمليل: خفيفة سريعة. 11 زحليل: السريع. 12 سلقيت: سلقاه: ألقاه على ظهره. 13 جعبيت: جعباه: صرعه. 14 عنتريس: الناقة الوثيقة الخلق الغليظة القوية. 15 خربصيص: القرط. 16 جعفليق: العظيمة من النساء. 17 شفشليق: العجوز المسترخية اللحم. 18 قرقرير: الضحك العالي. 19 احرنبيت: احرنبى الرجل: تهيأ للغضب والشر. اللسان "1/ 307". 20 استلقيت: نام على ظهره. اللسان "10/ 163" مادة/ سلق. 21 احبنطيت: احبنطى الرجل: انتفخ بطنه. اللسان "7/ 271" مادة/ حبط. 22 اسرنديت: اسرنداه: اعتلاه وغلبه. 23 ابرنتيت: ابرنتى للأمر: تهيأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 زيادة الياء سادسة: قال بعضهم فيما حكاه الأصمعي في تحقير "عنكبوت" وتكسيره: "عُنَيْكِبيت" و"عَنَاكِبِيت". وقرأ بعضهم: {وعباقِرِيَّ حسان} [الرحمن: 76] 1 وهذا شاذ لا يقاس عليه. واعلم أن الياء قد تزاد في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، نحو: الزيدَيْنِ، والعمرَيْنِ، والزيدينَ، والعمرينَ، وقد تقصينا حالها في هذا في حرف الألف. وتزاد أيضًا علمًا للتأنيث والضمير في الفعل المضارع نحو: أنت تقومين، وتقعدين، وتنطلقين، وتعتذرين. وتزاد أيضًا إشباعا للكسرة، وذلك نحو بيت الكتاب: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهِيمِ تنقادُ الصياريفِ2 يريد: الصيارف، فأشبع كسرة الراء، فتولدت بعدها ياء. فأما "الدراهيم" فإن كان جمع "درهم" فهو كالصياريف، وإن كان جمع "دِرْهان" فلا ضرورة فيه. ومن ذلك قول العرب في جمع دانق3. وخاتم، وطابق4: دوانيق، وخواتيم، وطوابيق، وإنما الوجه: دوانق، وخواتم، وطوابق. قال5: ...... ...... ... وتُتركُ أموالٌ عليها الخَواتم6   1 "وعباقري حسان" وهي قراءة شاذة لا يقاس عليها. 2 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "صرف" "9/ 190"، ونسبه للفرزدق. والشاعر يصور محبوبته بأنها تنقي بيدها الحصى مثلما ينقد الصيارفة الدراهم الجيدة من الزيوف. والشاهد فيه "الصياريف" حيث زيدت الياء إشباعا للكسرة. 3 دانق: الدانق: سدس الدينار والدرهم. اللسان "10/ 105" مادة/ دنق. 4 طابق: ظرف يطبخ فيه، فارسي معرب، وهو العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل. 5 أي الأعشى، وقدم تقدم تخريجه. 6 الشاهد فيه "خواتم" حيث يجوز جمعها على "خواتيم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وقال زبان بن سيار1: متى تقرؤوها تَهْدِكم من ضلالكم ... وتُعرَف إذا ما فُض عنها الخواتمُ2 وقد أولعت العامة بقولهم في جمع "زَورق": "زواريق"، ولا وجه للياء هناك إلا أن يُسمع ذلك من العرب، فأما من طريق القياس فإنها "زوارق" مثل: "جوهر" و"جواهر" و"جورب" و"جوارب". وقال أبو النجم3: منها المطافيلُ وغير المُطفلِ4 يريد: المطافل. فأما قول يزيد الغواني الضبعي5: وما زال تاجُ المُلك فينا وتاجُهُم ... قلاسيُّ فوق الهام من سَعَف النخل6 فإنما زاد الياء الأولى لأنها عوض من نون "قَلَنسوة" وليست بإشباع للكسرة كالتي قبلها.   1 البيت في المفضليات. مفضلية "103". 2 فض: فض الخاتم والختم إذا كسره وفتحه. اللسان "7/ 207". الخواتم: النهايات. والشاهد فيه "خواتم" حيث استخدم الجمع على القياس ولم تستخدم "خواتيم" وهذا أوجه. 3 ديوانه "ص177"، والطرائف الأدبية "ص57". 4 المطافل: ذوات الأطفال. اللسان "11/ 402" مادة/ طفل. والشاهد فيه: "المطافيل" حيث سمع عن العرب هذا الجمع، وهو على غير القياس، فالقياس "مطافل". 5 لم أقف عليه. 6 سعف النخل: ورق جريد النخل. قلاس: جمع قلنسوة، وهي من ملابس الرؤوس. الهام: جمع هامة وهي الرأس. اللسان "12/ 624" مادة/ هوم. يمدح الشاعر قومه بأن الملك ما زال في قبيلته لأن تاج الملك فيهم بينما الآخرين يرتدون قلانس من أغصان النخل. والشاهد فيه "قلاس" حيث زيدت الياء الأولى عوضًا عن النون في "قلنسوة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وربما عكست العرب هذا، فحذفت الياء في غير موضع الحذف، واكتفت بالكسرة منها، فقال1: والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسا2 يريد: العطاميس، وهذا من أبيات الكتاب، ومثله3: وغيرُ سُفْعٍ مُثَّلٍ يَحَامِمِ4 يريد: يحاميم جمع يحموم، وهو الأسود. ومن أبياته أيضا5: وكَحَلَ العينين بالعَواوِرِ6 يريد: العواوير، وهو جمع عُوّار، وهو الرمد. وقال أبو طالب7: ترى الوَدْعَ فيها والرخامَ وزينةً ... بأعناقها معقودةً كالعَثَاكِلِ8 يريد: العثاكيل.   1 ذكره صاحب اللسان بدون نسب مادة "فسج" "2/ 345"، ونسبه صاحب الكتاب إلى غيلان بن حريث "2/ 119" وهو بغير نسب في المحتسب "1/ 300". 2 الفسج: جمع فاسج وفاسجة، وهي التي ضربها الفحل قبل أن تستحق. العطامس: جمع عيطموس، وهي الجميلة والطويلة، والناقة القوية الحسنة. والشاهد فيه "العطامس" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصله "العطاميس". 3 سبق تخريجه. 4 يحامم: يحاميم جمع يحموم، وهو دخان أسود شديد السواد. اللسان "12/ 158". والشاهد فيه "يحامم" حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف فأصله "يحاميم". 5 ذكره صاحب اللسان بدون نسبة مادة "عور" "4/ 615" وكذلك صاحب الكتاب "2/ 374"، ونسبه سيبويه لجندل بن المثنى الطهوي. شرح أبيات سيبويه "2/ 429". 6 العوارير: جمع عوار وهو الرمد يصيب العين. والشاهد في العواور حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف واكتفى بالكسرة وأصله: عوارير. 7 هو عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ووالد علي- رضي الله عنه-. والبيت في السيرة النبوية لابن هشام "10/ 292". 8 العثاكل: الأغصان. الودع: خرز ينتظم ويتحلى بها النساء. والبيت يصف عقود النساء وهن يتزين بها مثل الأغصان التي ينبت عليها الثمر. والشاهد فيه "العثاكل" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فالمراد "العثاكيل". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وقال عبيد الله بن الحُر1: وبُدِّلتُ بعد الزعفران وطِيبِهِ ... صَدَا الدرع من مُستحكِمات المَسامِرِ2 يريد: المسامير. وحذفوها أيضًا وهي أصل لا زائدة، قال3: كَفّاكَ كَفٌّ ما تُليق دِرهما ... جُودًا، وأخرى تُعْطِ بالسيف الدما4 يريد: تعطي. ومن أبيات الكتاب5: وطِرتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبِطن السريحا6 يريد: الأيدي. ومنها7: وأخو الغَوانِ متى يشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويعُدْنَ أعداء بُعَيدَ ودادِ8 يريد: الغواني.   1 البيت منسوب إليه في المحتسب "1/ 95، 300". 2 البيت يدل على تحول الشاعر من حال إلى حال، ونلمح ذلك من استخدام الفعل بدَّل الذي يدل على التغير والتحول، وجاء به مبنيًّا للمجهول للدلالة على عدم إرادته في هذا. والشاهد فيه "المسامر" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة وأصله "مسامير". 3 ذكره في اللسان بدون نسب مادة "ليق" "10/ 334" وذكره الفراء في معاني القرآن "2/ 27". 4 البيت في معرض المدح حيث يمدح الشاعر ممدوحه بأنه يكفيه فخرا أن تكون إحدى يديه تنفق وتعطي الخير والأخرى تحارب بالسيف حتى يقطر دما. والشاهد فيه "تعط" حيث حذفت الياء في غير موضوع الحذف واكتفى بالكسرة فأصله "تعطي". 5 نسبه صاحب اللسان إلى مضرس بن ربعي. مادة "يدي" وبغير نسب في الكتاب "2/ 291". 6 اليعملات: جمع يعملة وهي الناقة النجيبة. السريح: سيور نعال الإبل. والشاهد فيه "الأيد" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الأيدي". 7 تقدم تخريجه. 8 البيت للأعشى في ديوانه "ص179"، والكتاب "1/ 10". يصرمنه: صرم الشيء قطعه، وصرم فلانا هجره. اللسان "12/ 334" مادة/ سرم. والشاهد فيه "الغوان" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الغواني". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 ومنها1: كَنَواحِ ريشِ حمامةٍ نجْديةٍ ... ومَسَحتِ باللِّيَتينِ عَصفَ الإثمِدِ2 يريد: كنواحي، فحذف الياء، وذلك أنه شبه المضاف إليه بالتنوين، فحذف الياء لأجله كما يحذفها لأجل التنوين، كما شبه الأول لام المعرفة في "الغوان" و"الأيد" بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء ومعتقبة عليها، فحذف الياء لأجل اللام كما يحذفها لأجل التنوين، هكذا أخذت من لفظ أبي علي وقت القراءة عليه. وقال الآخر3: قلتُ لها: يا هَذِ في هذا إثمْ4 يريد: هذي، فحذف الياء تخفيفًا. وتحذف أيضًا الياء الزائدة بعد هاء إضمار الواحد نحو: مررت به يا فتى، قرأ بعضهم: {فَخَسَفْنَا بِهْ وَبِدَارِه الأَرْض} [القصص: 81] 5. وبعد ميم الضمير نحو: عليهمْ، وإليهمْ، وبهمْ، وأصله: عليهُمو، وإليهُمو، وبهُمو، فالهاء للإضمار، والميم علامة تجاوز الواحد، والواو لإخلاص الجمع، ثم إنهم يبدلون ضمة الهاء كسرة لخفاء الهاء ووقوع الكسرة والياء الساكنة قبلها، فيقولون: عليهمو، وبِهمو، وإليهِمُو، ثم إنهم قد يستثقلون الخروج من كسر الهاء إلى ضم الميم، فيبدلون من ضمة الميم كسرة، فيصير في التقدير -ولا يستعمل البتة كما استعمل جميع ما ذكرناه قبله- عليهِمِوْ، وإليهِمِوْ، وبهِمِوْ، فتقلب الواو ياء لوقوع الكسرة قبلها، فيصير: عليهِمِي،   1 نسبه صاحب الكتاب لخفاف بن ندية السلمي "1/ 9" وهو بغير نسب في شرح المفصل "3/ 140". 2 نجدية: من بلاد نجد. الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل. اللسان "3/ 105". عصف الإثمد: ما سحق منه. اللسان "9/ 147" مادة/ عصف. والشاعر يصف امرأة جميلة، ويشبه شفتيها بنواحي ريش الحمامة النجدية في الجمال والرقة. والشاهد فيه "نواح" حيث حذفت الياء فاصله "نواحي" وذلك لأنه شبه المضاف إليه بالتنوين. 3 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "ذا" "15/ 451". 4 الشاهد فيه "يا هذ" حيث حذفت الياء تخفيفًا يريد "يا هذي". 5 سبق تخريجها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 وإليهِمِي، وبهِمِي، ثم تستثقل الياء هنا، فتحذف تخفيفًا هي والكسرة قبلها، ولا يخاف لبس لأن التثنية بالألف لابد منها، فيقال: عليهِم، وإليهِم، وبهِم، وهي قراءة أبي عمرو، إلا أن أبا الحسن قد حكى أن منهم من يقر الكسرة في الميم بحالها بعد حذف الياء، فيقول: عليهِمِ، وإليهِمِ، وبهِمِ، كما أقرت آخرون الضمة في الميم بعد حذف الواو، فقالوا: عليهِمُ بكسر الهاء وضمها. وتزداد الياء أيضًا بعد كاف المؤنث إشباعا للكسرة في نحو: عليكي، ومنكي، وضربتكي، وروينا عن قطرب لحسان1: ولستِ بخيرٍ من أبيكِ وخالكي ... ولستِ بخير من مُعاظَلة الكَلب2 وتزاد أيضًا لإطلاق حرف الروي إذا كانت القوافي مجرورة، نحو قوله3: هيهاتَ منزلُنا بنعف سُوَيقة ... كانت مباركةً من الأيَّامي4 وقول الآخر5: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح، وما الإصباح فيك بأمثلي6   1 انظر ديوانه "ص40"، وروايته في الديوان لا شاهد فيها حيث جاءت: وخاله. 2 معاظلة الكلاب: لزم بعضها بعضا في السفاد. اللسان "11/ 456" مادة/ عظل. والشاعر يهجو أبا سفيان قبل إسلامه بقوله إن لم يفضله في شيء، ونسبه وضيع سواء من جهة الأب أو من جهة الأم. والشاهد فيه "خالكي" حيث أضاف الياء إشباعا للكسرة. 3 ذكره صاحب اللسان مادة "سوق" "10/ 171". وبدون نسب في الخصائص "3/ 43"، ونسبه صاحب الكتاب إلى جرير "2/ 299". 4 نعف سويقة: المكان المرتفع في اعتراض. هيهات: اسم فعل معناه البعد. والشاعر يتذكر تلك الأيام الماضية التي كانت مباركة لأنها جمعته مع من يحب في نعف سويقة. والشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء لإطلاق حرف الروي. 5 البيت لامرئ القيس. انظر ديوانه "ص18". 6 والشاعر يتمنى أن يتقضى الليل ويطلع نور الصباح بعد أن طال عليه بسبب تفكيره في محبوبته. وهو يتخيل الليل إنسان يخاطبه ويناديه ويستخدم أداة التنبيه "ألا" ليجذب انتباهه. والشاهد فيه "بأمثلي" حيث زيدت الياء، لإشباع حركة الروي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وقول النابعة1: أفِدَ الترحُّلُ غير أن رِكابنا ... لما تزُل برحالنا، وكأنْ قَدِي2 يريد: وكأن قد زالت، وهو كثير. وتزداد أيضًا بعد لام المعرفة عند التذكر، وذلك قولهم: قام الي، يريد: الغلام أو الإنسان، أو نحو ذلك فينسى الاسم، فيقف مستذكرا، فلا يقطع على اللام لأنها ليست بغاية لكلامه، وإنما غايته ما يتوقعه بعده، فيطول وقوفه وتطاوله إلى ما بعد اللام، فيكسرها تشبيها بالقافية المجرورة إذا وقع حرف رويها حرفا ساكنًا صحيحا، نحو قوله: "وكأن قدي". وكذلك لو وقعت "أن" قافية لقيل "أني" ولو وقعت "عن" قافية لقيل "عني" ولو وقعت "من" قافية لأطلقت تارة إلى الفتح، وتارة في قصيدة أخرى إلى الكسر، وذلك لأن "من" قد تفتح في نحو قولك: "من الرجل" وقد تكسر وتفتح أيضًا في نحو "من ابنك" و"من ابنك" فتقول في القافية المنصوبة "منا"، وفي القافية المجرورة "منى" إلا أن الفتح أغلب عليها لأنه أكثر في الاستعمال. وإنما جمعنا بين القافية وبين التذكر من قبل أن القافية موضع مد واستطالة، كما أن التذكر موضع استشراف وتطاول إلى المتذكر، فاعرف ذلك. وعلى هذا قالوا في التذكر "قدي" أي: قد قام أو قعد أو نحو ذلك. وكذلك كل ساكن وقفت عليه وتذكرت بعده كلاما فإنك تكسره، وتشبع كسرته للاستطالة والتذكر، نحو قولك: "من أنت" إذا وقفت على "من" مستذكرا لما بعدها قلت "مني".   1 البيت للنابغة الذبياني أحد فحول شعراء الجاهلية، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم. انظر شرح ابن عقيل "1/ 19". 2 لقد قرب موعد الحيل إلا أن ركابنا لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق. الشاهد فيه كأن حيث خففت للتشبيه. إعرابه: كأن حرف تشبيه ونصب واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة محذوفة تقديرها "وكأن قد زالت" فحذفت الجملة وبقي الحرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وعلى هذا يتوجه عندي قول الحصين بن الحمام1: ما كنت أحسب أن أمي علة ... حتى رأيت إذي نحاز ونقتل ومعناه: إذ نحاز، إلا أنه لما كان يقول في التذكر "إذي" وهو متذكر إذ كان كذا وكذا أجرى الوصل مجرى الوقف، فألحق الياء في الوصل، فقال/ "إذي" ولهذا نظائر. وقال سيبويه2: "وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: هذا سيفني، يريد: هذا سيف، ولكنه تذكر بعد كلاما، ولم يرد أن يقطع اللفظ لأن التنوين حرف ساكن ينكسر، فكسر كما كسر دال قد". هذا قول سيبويه كما تراه. وقال الراجز3: تقول: يارباه يارب هل ... هل أنت من هذا منج أحبلي إما بتطليق وإما ب "ارحلي"4 فحرك لام "هل" لما أطلقها بالكسر. فإن كان الساكن مما يكون وقتا مضموما أو مفتوحا، ثم وقفت عليه مستذكرا، ألحقت ما يكون مضموما واوا، وما يكون مفتوحا ألفا، فتقول: ما رأيته مذو، أي: مذ يوم كذا؛ لأن أصله ضم الذال في "منذ"، وتقول: عجبت منا، أي: من زيد أو غيره؛ لأنك قد كنت تقول: من اليوم، ومن الرجل، ومن الغلام، فتفتحه. ومن كان من لغته "من الغلام" قال في التذكر "عجبت مني"، فحكم التذكر في هذا الباب حكم القافية؛ ألا ترى أنك تقول في التذكر "عجبت من الغلامي" فتلحق الياء بعد الميم كما تلحقها بعدها في القافية في نحو قوله5:   1 البيت منسوب إليه في اللسان مادة "أذذ". 2 الكتاب "2 / 304". 3 لم أقف عليه. 4 يدعو الشاعر ربه أن ينجيه مما هو فيه. واستخدم في ذلك أسلوب الاستفهام الذي يفيد الرجاء. والشاهد فيه "هل" حيث حرك اللام بالكسر. 5 سبق تخريجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 ................................... ... كانت بماركة من الأيامي1 وكذلك إن وقفت على ياء ساكنة مكسور ماقبلها ألحقتها ياء أخرى، ومددت، فقلت: "رغبت فيي" أي: في زيد ونحوه، و"ضربت غلامي" أي: ضربت غلامي أمس مستذكرا أمس ونحوه، فتزيد على الياء ياء أخرى. وقد ذكرنا نحو هذا في حرف الواو وحرف الألف، فاعرفه. فإن كانت قبل الياء والواو فتحة كسرتهما في التذكر، وألحقت بعدهما ياء، وذلك قولك: قام زيد أوي، أي: أو عمرو، ونحوه، وضربت غلاميي، أي: غلامي زيد أو نحوه. وإنما كسرتهما لأنك قد كنت تكسرهما لالتقاء الساكنين في نحو قولك: قام الغلام أو الرجل، وضربت غلامي الرجل. وتقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا} [البقرة: 16] 2 وتقف متذكرا "الضلالة"، وفي {وَعَصَوُا الرَّسُولَ} [النساء: 42] : "عصووا" لأجل أن هذه الواو مضمومة لالتقاء الساكنين، فتضمها هنا، وتلحق ضمتها واوا. ومن كان لغته من الكلام: "اشتروا الضلالة"3 قال في التذكر: "اشتروي". ومن قرأ4: "اشتروا الضلالة" ففتح الواو قال في التذكر: "اشتروا" فألحق الواو ألفا. وحكى الكوفيون عن العرب "أكلت لحما شاة" أي: لحم شاة، فهذا على تذكر الشاة، فأشبع الفتحة، فاستطالت ألفا. ومن قال: لو انطفلق بزيد لكان كذا، قال في التذكر "لوو"، ومن كسر الواو هناك قال هنا "لوي"، فالواو والياء إذا انفتح ما قبلهما تجريان هنا مجرى الصحيح كما ترى.   1 الشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء إشباعا للكسر. 2 الشاهد فيه "اشترووا" حيث زيدت الواو إشباعا للضم. 3 "اشترووا الضلالة": كسر الواو لغة لبعض العرب وهي شاذة وقد قرأ بها قوم. انظر/ معاني القرآن للأخفش "ص45". 4 وفتح الواو قراءة أبي السماك. البحر المحيط "1/ 71". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وتزداد الياء بمعنى الاسم في نحو "غلامي" و"صاحبي". وللعرب في هذه الياء لغتان، منهم من يسكنها، فمن فتحها قال: هي اسم، وهي على أقل ما تكون عليه الكلم، فقويتها بالحركة كما فتحت كاف المخاطب في نحو: رأيتك، ومررت بك. ومن سكنها قال: الحركات على كل حال مستثقلة في حرفي اللين؛ ألا ترى أن من قال في قصعة، وجفنة: قصعات، وجفنات لم يقل في نحو جوزة، وبيضة إلا جوزات، وبيضات بالإسكان. فأما ما جاء عنهم من قول الشاعر1: أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنطبين سبوح2 فشاذ لا يقاس عليه باب. فأما الياء في "إياي" فقد تقدم من قولنا في حرف الكاف إنها على مذهب أبي الحسن حرف لمعنى التكلم، كما أن الكاف في "إياك" لمعنى الخطاب، وإنها هنا ليست على هذا القول باسم، كما أن الكاف ليست هناك باسم. ومن رأى أن "إياك" بكماله هو الاسم كانت "إياي" أيضا بكمالها هي الاسم. ومن رأى أن الكاف في "إياك" في موضع جر بإضافة "إيا" إليها، رأى أيضا مثل ذلك في الياء من "إياي"، وكان ذلك في الياء أسهل منه في الكاف، وذلك أن الكاف قد رأيناها في نحو "ذلك" و"أولئك" و"هنالك" حرفا لا محالة، ولم نر نحو الياء التي في "إيادي" حرفا في غير "إياي"، إلا أن أبا الحسن أجرى الياء هنا مجرى الكاف في إياك، وقد تقدم من الحجاج في باب الكاف ما يصح به مذهب أبي الحسن وإن كان غريبا لطيفا.   1 نسب البيت في خزانة الأدب "3/ 429" للهذلي، والخصائص "3/ 184"، وشرح المفصل "5/ 30" بغير نسب. 2 رائح: الذهاب بالعشي. اللسان "2/ 464". متأوب: يسير النهار أجمع وينول الليل. سبوح: يسبح بيديه في سيره. اللسان "2/ 471" مادة/ سبح. الشاعر يصف ذكر النعام بأنه يسير نهار وليلا بانتظام ورقة، ويعلم كيف يحرك منكبيه أثناء السير والجري. والشاهد فيه "بيضات "حيث حركت الياء وهو شاذ لا يقاس عليه فأصله "بيضات" بسكون الياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وتزاد للنسب، وذلك نحو "بصري" و"كوفي". وتزداد أيضا في الاستفهام عن النكرة المجرورة إذا وقفت، وذلك إذا قيل: "مررت برجل" قلت في الوقف "منى" فهذه الياء إنما لحقت في الوقف زائدة لتدل على أن السائل إنما سأل عن ذلك الاسم المجرور بعينه، ولم يسأل عن غيره، فجعلت هذه الياء هنا أمارة لهذا المعنى ودلالة عليه، وكانت الياء هنا أولى من الألف والواو لأن المسؤول عنه مجرور، والياء بالكسرة أشبه منها بالواو والألف، وليست الياء هنا بإعراب، إنما دخلت لما ذكرت لك، ولو كانت إعرابا لثبتت في الوصل، فقلت: "مني يا فتى" وهذا لا يقال، بل يقال: "من يا فتى" في كل حال، وإنما هذه زيادة لحقت في الوقف لأن الوقف من مواضع التغيير. ونظيرها التشديد الذي يعرض في الوقف في نحو: "هذا خالد" و"هو يجعل"، قال سيبويه: إنما ثقل هذا ونحوه في الوقف حرصا على البيان، وإعلاما أن الكلمة في الوصل مطلقة، لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان على هذا الحد. والقول في الألف في "منا" والواو في "منوا" هو القول في الياء الذي مضى آنفا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 فصل: في تصريف حروف المعجم واشتقاقها وجمعها اعلم أن هذه الحروف ما دامت حروف هجاء غير معطوفة ولا موقعة موقع الأسماء، فإنها سواكن الأواخر في الإدراج والوقف، وذلك قولك: ألف، با، تا، ثا، جيم، حا، خا، دال، ذال، را، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، وكذلك إلى آخرها، وذلك أنها إنما هي أسماء الحروف الملفوظ بها في صيغ الكلم بمنزلة أسماء الأعداد، ونحو ثلاثه أربعة خمسه تسعه، ولا تجد لها رافعا ولا ناصبا ولا جارا، وإذا جرت كما ذكرنا مجرى الحروف لم يجز تصريفها ولا اشتقاقها ولا تثنيتها ولا جمعها، كما أن الحروف كذلك. ويدلك على كونها هل، وبل، وقد، وحتى، وسوف، ونحو ذلك، أنك تجد فيها ما هو على حرفين الثاني منهما ألف، وذلك نحو: با تا ثا حا خا طا ظا، ولا تجد في الأسماء المعربة ما هو على حرفين الثاني منهما حرف لين، إنما ذلك في الحروف نحو ما، ولا، ويا، وأو، ولو، وأي، وكي، فلا تزال هذه الحروف مبنية غير معربة لأنها أصوات بمنزلة صه، ومه، وإيه، وغاق1، وحاء2، وعاء3، حتى توقعها مواقع الأسماء، فترفعها حينئذ، وتنصبها، وتجرها، كما تفعل ذلك بالأسماء، وذلك قولك: أول الجيم جيم، وآخر الصاد دال، وأوسط الكاف ألف، وثاني السين ياء، وكتبت جيما حسنة، وخططت قافا صحيحة. وكذلك العاطف4 لأنه نظير التثنية، فتقول: ما هجاء بكر؟ فيقول المجيب: باء وكاف وراء، فيعرف لأنه قد عطف، فإن لم يعطف بني، فقال: با كاف را.   1 غاق: حكاية صوت الغراب. اللسان "10 / 295" مادة/ غوق. 2 حاء: قال ابن سيده: أمر للكبش بالسفاد. اللسان "15 / 448" مادة/ حا. 3 عاء: زجر للضئين. اللسان "15/ 111" مادة/ عوى. 4 يقصد حروف العطف وعملها وتأثيرها فيما تدخل عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 قال1: كافًا وميمًا ثم سينًا طاسِمًا2 وقال الآخر3: ....................................... ... كما بُيِّنَتْ كافٌ تلوحُ وميمُها4 وقال الآخر5: إذا اجتمعوا على ألفٍ وباءٍ ... وتاءٍ هاج بينهم جدالُ وكذلك أسماء العدد مبنية أيضًا، تقول: واحد اثنان ثلاثَهْ أربعَهْ خمسهْ. ويؤكد ذلك عندك ما حكاه سيبويه6 من قول بعضهم: "ثلاثَهَرْبَعَهْ". فتركه الهاء من "ثلاثه" بحالها غير مردودة إلى التاء -وإن كانت قد تحركت بفتحة همزة "أربعة"- دلالة على أن وضعها وبنيتها أن تكون في العدد ساكنة، حتى إنه لما ألقى عليها حركة الهمزة التي بعدها أقرها هاء في اللفظ بحالها على ما كانت عليه قبل إلقاء الحركة عليها، ولو كانت كالأسماء المعربة لوجب أن تردها متى تحركت تاء، فتقول "ثلاثَتَرْبَعَهْ" كما تقول: رأيت طلحةَ يا فتى. فإن أوقعتها موقع الأسماء أعربتها، وذلك قولك: ثمانيةُ ضعف أربعة، وسبعةُ أكثر من أربعة بثلاثة، فأعربت هذه الأسماء، ولم تصرفها لاجتماع التأنيث والتعريف فيها؛ ألا ترى أن "ثلاثة" عدد معروف القدر، وأنه أكثر من "اثنين" بواحد، وكذلك "خمسة" مقدار من العدد معروف؛ ألا ترى أنه أكثر من "ثلاثة" باثنين.   1 البيت ذكره صاحب المفصل "6/ 29"، وكذا ذكره صاحب الكتاب "2/ 31" ولم ينسبه أحدهما وكذا صاحب اللسان في المقدمة "1/ 12" ولم ينسبه أيضًا. 2 والشاهد فيه قوله "كافا- ميما- سينا" حيث عطف الحروف على بعضها. 3 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "كوف" "9/ 311" ولم ينسبه وذكره صاحب المقتضب ولم ينسبه أيضًا "1/ 237"، وذكره صاحب الكتاب "3/ 260" ونسبه إلى الراعي وهو عبيد الله بن حصين. 4 والشاهد فيه قوله "كاف- ميمها". 5 البيت في هجاء النحويين وينسب في درة الغواص إلى عيسي بن عمر، ونسب ليزيد بن الحكم، وجاء في معاني القرآن للزجاج "1/ 23"، وشرح المفصل "6/ 29". 6 الكتاب "2/ 34". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 فإن قلت: ما تنكر أن تكون هذه الأسماء نكرة لدخول لام المعرفة عليها، وذلك قولك: الثلاثة نصف الستة، والسبعة تعجِز عن الثمانية بواحد؟ فالجواب: أنه قد ثبت أن هذه الأسماء التي للعدد معروفة المقادير، فهي على كل حال معرفة، وأما نفس المعدود فقد يجوز أن يكون معرفة ونكرة، فأما إدخالهم اللام على أسماء العدد فيما ذكره السائل نحو: الثمانية ضعف الأربعة، والاثنان نصف الأربعة، فإنه لا يدل على تنكير هذه الأسماء إذا لم تكن فيها لام، وإنما ذلك لأن هذه الأسماء يعتقب عليها تعريفان: أحدهما العلم، والآخر اللام. ونظير ذلك قولك: لقيته فَينة والفَينة، وقالوا للشمس: "إلاهة" و"الإلاهة"، وقالوا للمنية: "شَعوب" و"الشعوب"، ولهذا نظائر، فكما أن هذه الأسماء لا يدل دخول اللام عليها على أنها إذا لم تكن فيها فهي نكرات، فكذلك أيضًا "أربعة" و"الأربعة" و"خمسة" و"الخمسة" هو بمنزلة "فينة" و"الفينة" و"إلاهة" و"الإلاهة"، أنشدنا أبو علي، ورويناه أيضًا عن قطرب من غير جهته: تَرَوحنا من اللعباء قَصرا ... وأعجلنا إلاهةَ أن تَؤوبا1 ويروى: الإلاهة، فاعرف هذا فإنه لطيف. فإذا ثبت بما قدمناه أن حروف المعجم أصوات غير معربة، وأنها نظيرة الحروف نحو "هل" و"لو" و"من" و"في" لم يجز أن يكون شيء منها مشتقا ولا مُصرّفا، كما أن الحروف ليس في شيء منها اشتقاق ولا تصريف، وقد تقدم القول على ذلك في حرف الألف. فإذا كان ذلك كذلك فلو قال لك قائل: ما وزن "جيم" أو "طاء" أو "كاف" أو "واو" من الفعل؟ لم يجز أن تمثل ذلك له، كما لا يجوز أن تمثل له "قد" و"سوف" و"لولا" و"كيلا"، فأما إذا نقلت هذه الحروف إلى حكم الأسماء بإيقاعها مواقعها من عطف أو غيره، فقد نقلت إلى مذاهب الاسمية، وجاز فيها تصريفها وتمثيلها وتثنيتها وجمعها والقضاء على الفاتها وياءاتها، إذ قد صارت إلى حكم ما ذلك جائز فيه غير ممتنع منه.   1 البيت في اللسان مادة "أله" و"13/ 468" ينسب إلى مية بنت أم عتبة بن الحارث، وبغير نسب في الجمهرة "1/ 316"، ونسب في معجم البلدان إلى مية "5/ 18". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وهذا الفصل هو الذي يلطف1 فيه النظر، ويحتاج إلى بحث وتأمل، ونحن نقول في ذلك مما رويناه ورأيناه ما يوفق الله تعالى له إن شاء الله، وبه الثقة. اعلم أن هذه الحروف تأتي على ضربين: أحدهما: ما هو ثنائي، والآخر: ثلاثي. ونبدأ بذكر الثنائي لأنه أسبق في مرتبة العدة، وذلك: با تا ثا حا خا را طا ظا فا ها يا، وأما الزاي فللعرب فيها مذهبان: منهم من يجعلها ثلاثية، فيقول: زاي، ومنهم من يجعلها ثنائية، فيقول: زي، وسنذكرها على وجهيها. وقد حكي فيها "زاء" ممدودة ومقصورة. وأما الألف التي بعد اللام في قولك "لا" فقد ذكرنا حالها لم دخلت اللام عليها، وأن ذلك إنما لزمها لما كانت لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا يمكن ابتداؤه، وأنها دعمت باللام من قبلها توصلا إلى النطق بها، ولم يمكن تحريكها فينطق بها في أول الحرف، ويزاد عليها غيرها كما فعل ذلك بجيم قاف لام، وغير ذلك مما تجد لفظه في أول اسمه، فلم يكن بد في إرادة اللفظ بها من حرف تدعم به أمامها، واختيرت لها اللام دون غيرها لما ذكرناه في حرف الألف. فأما ما كان على نحو: با تا حا طا، فإنك متى أعربته لزمك أن تمده، وذلك أنه على حرفين الثاني منهما حرف لين، والتنوين يدرك الكلمة، فتحذف الألف لالتقاء الساكنين، فيلزمك أن تقول: هذه طا يا فتى، ورأيت طا حسنة، ونظرت إلى طا حسنة، فيبقى الاسم على حرف واحد، فإن ابتدأته وجب أن يكون متحركًا، وإن وقفت عليه وجب أن يكون ساكنًا، فإن ابتدأته ووقفت عليه جميعًا وجب أن يكون ساكنًا متحركًا في حال، وهذا ظاهر الاستحالة. فأما ما رواه سلمة عن الفراء عن الكسائي فيما أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى من قول بعضهم: "شربت ما" بقصر "ماء"، فحكاية شاذة لا نظير لها، ولا يسوغ قياس غيرها عليها.   1 يلطف: يصغر ويدق. اللسان "9/ 216" مادة/ لطف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 فإذا كان الأمر كذلك زدت على ألف: با تا ثا ونحو ذلك ألفا أخرى، كما رأيت العرب فعلت لما أعربت "لو"، فقالوا1: ليت شعري، وأين مني ليتٌ ... إن ليتًا وإن لوًا عناء2 وأنشدنا أبو علي3: أفلا سبيل لأن يصادف روعنا ... لوًا، ولو كاسمها لا توجد4 وقال الآخر5: عَلِقَتْ لوًا تُكرره ... إن لوًا ذاكِ أعيانا6 فكما زادت العرب على هذه الواو واوًا أخرى، وجعلت الثاني من لفظ الأول لأنه لا أصل له فيرجع عند الحاجة إليه، كذلك زدت على الألف من با تا ثا ألفا أخرى عوضا لما رأيت العرب فعلت في "لو" لما أعربتها، فصار التقدير "با ا" "تا ا" "طا ا" "ها ا" فلما التقت ألفان ساكنتان لم يكن من حذف إحداهما أو حركتها بد، فلم يسغ حذف إحداهما لئلا تعود إلى القصر الذي منه هربت، فلم يبق إلا أن تحرك إحداهما، فلما وجب التحريك لالتقاء الساكنين كانت الألف الثانية بذلك أحرى؛ لأنك عندها ارتدعت إذ كنت إليها تناهيت، فلما حركت الثانية قلبتها همزة على حد ما بيناه في حرف الهمزة من إبدال الهمزة من الألف. فعلى هذا فقالوا: خططت باءً حسنةً، وكتبت حاءً جيدةً، وأراك تكتب طاء صحيحة، وما هذه الراء الكبيرة؟   1 البيت نسب في الكتاب "2/ 23" إلى أبي زيد الطائي، وكذا الجمهرة "1/ 122" والخزانة "3/ 282"، وذكر بغير نسب في المقتضب "1/ 370". 2 الشاهد فيه "وإن لوا" حيث أعربت "لو" ونونت، وهذا شاذ لا يقاس عليه. 3 المنصف "2/ 153". 4 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت "لو". 5 البيت للنمر بن تولب في اللسان "إمالا" "15/ 469"، والخصائص "17/ 50". 6 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت في هذه الشواهد وهذا مما لا يقاس عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 فأما قول الشاعر1: يخُط لامَ ألفٍ موصولِ ... والزايَ والرا أيّما تهليل2 فإنما أراد "الراء" ممدودة، فلم يمكنه ذلك لئلا ينكسر الوزن، فحذف الهمزة من الراء، وجاء بذلك على قراءة أبي عمرو في تخفيف الأولى من الهمزتين إذا التقتا في كلمتين، وكانتا جميعًا متفقتي الحركتين نحو قوله" "فقد جا أشراطها" [محمد: 18] و" "إذا شا أنشره" [عبس: 22] على ما يرويه أصحابه من القراء عنه، فكذلك كان أصل هذا: "والزاي والراء أيما تهليل" فلما اتفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين كما حذفها أبو عمرو. فإن قلت: ولم حذف أبو عمرو الأولى من الهمزتين، وإنما ارتدع عند الثانية، وهلا حذف الهمزة الآخرة التي انتهى دونها، وارتدع عندها؟ 3 فالجواب: أنه قد علم أن ههنا همزتين، وقد اعتزم حذف إحداهما، فكان الأحرى بالحذف عنده التي هي أضعفهما، والهمزة الأولى أضعف من الثانية في مثل هذا؛ ألا ترى أن الهمزة من "جاء" لام، وأن الهمزة من "أشراط" قبل الفاء، والفاء أقوى من العين، والعين أقوى من اللام، وما قبل الفاء أشد تقدما من الفاء التي هي أقوى من العين التي هي أقوى من اللام، فكان الحذف بما هو آخر أولى منه بما هو أول، فلذلك حذف أبو عمرو الأولى لضعفها بكونها آخرا، وأقر الثانية لقوتها بكونها أولا. فهذا أحد ما يصلح أن يحتج به لأبي عمرو -رحمه الله- في حذفه الأولى من الهمزتين إذا كانتا من كلمتين ومتفقتي الحركتين. وسألت أبا علي عن هذا الذي ذكرناه في "باء" و"تاء" ونحوهما، فقلت: ما تقول في هذه الألف التي قبل الهمزة؟ أتقول: إنها منقلبة عن واو أو ياء، أو تقول: إنها غير منقلبة؟   1 البيت في اللسان في مادة "زيا" "14/ 367"، والخزانة "1/ 56". 2 الشاهد فيه "الرا" حيث أراد الراء ممدودة فاسمها "الراء" وليس "الرا". 3 وارتدع عندها: تراجع عندها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 فقال: لا، بل اللف الآن مقضي عليها بأنها منقلبة عن واو، والهمزة بعدها في حكم ما انقلبت عن الياء لتكون الكلمة بعد التكملة والصيغة الإعرابية من باب "شويت" و"طويت" و"حويت". فقلنا له: ألسنا قد علمنا أن الألف في "باء" هي الألف التي في "با" "تا" "ثا" إذا تهجيت، وأنت تقول: إن تلك الألف غير منقلبة من ياء أو واو لأنها بمنزلة ألف "ما" و"لا"؟ فقال: لما نقلت إلى الأسمية دخلها الحكم الذي يدخل الأسماء من الانقلاب والتصرف؛ ألا ترى أنا إذا سمينا رجلا ب "ضرب" أعربناه لأنه قد صار في حيز ما يدخله الإعراب، وهو الاسمن وإن كنا نعلم أنه قبل أن يسمى به لايعرب لأنه فعل ماض، ولم تمنعنا معرفتنا بذلك من أن نقضي عليه بحكم ما صار منه وإليه، فكذلك أيضا لا يمنعنا بأن ألف "با" "تا" "ثا" غير منقلبة ما دامت حروف هجاء من أن نقضي عليها إذا زدنا عليها ألفا أخرى، ثم همزنا تلك المزيدة بأنها الآن منقلبة عن واو، وأ، الهمزة منقلبة عن ياء إذ صارت إلى حكم الأسماء التي يقضي عليها بهذا ونحوه. وهذا صحيح منه حسن، ويؤكده عندك أنه لا يجوز وزن "با" "تا" "ثا" "حا" "خا" ونحوها ما دامت مقصورة متهجاة، فإذا قلت: هذه باء حسنة، ونظرت إلى هاء مشقوقه، جاز أن تمثل ذلك، فتقول: وزنه "فعل" كما تقول في "داء" و"ماء" و"شاء" إنه "فعل". فقال لأبي علي بعض حاضري المجلس: أفيجمع على الكلمة إعلال العين واللام؟ فقال: قد جاء من ذلك أحرف صاحلة، فيكون هذا منها ومحمولا عليها. والذي زاد على أبي علي هذه الزيادة فتى كان يقرأ ليه يعرف بالبوراني، وكان هذا الفتى -رحمه الله- دقيق الفكر، حسن التصور، بحاثان مفتشا، ولا أظلمه حقه، فقلما رايت ابن سنه في لطف نظره، عفا الله عنا وعنه. وأنا أذكر الأحرف التي اعتلت فيها العين واللام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 فمنها "ماءٌ" وألفه منقلبة عن واو، وهمزته منقلبة عن هاء لقولهم: أمواه، ومُوَيْه، وماهَت الركيّة1 تموه، وقولهم مَوّهتُ عليه الأمر أي: حسنته له فكأني جعلت له عليه طلاوة وماء ليقبله سامعه. ومنها "شاءٌ" في قول من قال "شُوَيْهة" وتَشَوّهت شاةً إذا صدتها، حكى ذلك أبو زيد، وحكى أيضًا "شِيَهٌ"2 و"أشاوِهُ"3، فـ "شاء" على هذا مما عينه واو، ولامه هاء، وهو نظير "ماء" سواء. ومن قال "شَوِيّ" فهو من باب "طويت" و"لويت" وصارت "شاء" في هذا القول أخت "باء" و"تاء" و"حاء" على ما فسره أبو علي. قال النابغة4: ................................ ... .... في شويّ وجاملِ ومنها ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر5: مَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا ما النسع طال على المطية6 ومَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا هبت شآمية عَرِيّة7 فأصل هذا "رأى" فأبدل الهمزة ياء كما يقال في "ساءلت": "سايلت" وفي "قرأت": "قريت" وفي "أخطأت": "أخطيت"، فلما أبدل الهمزة التي هي عين ياء أبدل الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذف الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل لسكونها وسكون الألف التي هي عين الفعل.   1 ماهت الركية: البئر تحفر، وماهت: حتى بلغ الماء. اللسان "15/ 298" مادة/ مها. 2 شيه: اسم جمع للشاة. 3 وأشاوه: جمع شاة. اللسان "13/ 510". 4 البيت في ديوانه "ص198". 5 البيتان في اللسان "رأى" "14/ 291". 6 النسع: سير مضفور تشد به الرحال. اللسان "8/ 352" مادة/ نسع. الشاهد فيه "من را" فأصلها "رأى" حيث أبدلت الهمزة ياء ثم قلبت ألفا، ثم حذف الألف. 7 ريح عرية: باردة. اللسان "15/ 45" مادة/ عرا. الشاهد "را" حيث أبدلت الهمزة ياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وسألت أبا علي، فقلت له: من قال: "مَن را مثل معدان بن يحيى" كيف ينبغي أن يكون "فَعَلْتُ" منه؟ فقال: "رَيَيْت" ويجعله من باب "حييت" و"عييت"، قال: لأن الهمزة في مثل هذا الموضع إذا أبدلت فإلى الياء تقلب، يريد "سايلته" ونحوه. وذهب أبو علي في بعض مسائله1 إلى أنه أراد "رأى" وحذف الهمزة كما حذفها من "أَرَيْت" ونحوه. وكيف كان الأمر فقد حذف الهمزة وقلب الياء ألفا، وهذان إعلالان تواليا في العين واللام. ومنها ما حكاه سيبويه2 من قول بعضهم "جا يجي"، فهذا أبدل الياء التي هي عين الفعل ألفا، وحذف الهمزة تخفيفًا، فأعل العين واللام جميعًا. ومثله ما حكاه أيضًا من "سا يسو"3. ومنها أن أبا علي أجاز في قول لبيد4: بصَبُوح صافيةٍ، وجذب كرينةٍ ... بموَتَّرٍ تَأْتَا له إبهامُها5 فيمن فتح اللام في "لَهُ" أن يكون أراد "تأتوي له" أي: تفتعل له من أويت إليه، أي: عدت إليه، إلا أنه قلب الواو ألفا، وحذف الياء التي هي الفعل لسكونها، فأعل العين واللام جميعًا. وقد كنت حملت قولهم في النكاح "الباء" أن تكون همزته مبدلة من الهاء التي تظهر في الباه، وعللت ذلك، وأريت وجه الاشتقاق فيهما، ومن أين اشترك "ب وه" و"ب وء" في "الباء" في معنى النكاح إذ كان كل واحد منهما قائما بنفسه غير مقلوب عن صاحبه.   1 انظر المسائل الحلبيات "ق 9/ أ". 2 الكتاب "2/ 171". 3 الكتاب "2/ 171". 4 ديوانه "ص314" وشرح القصائد العشر "ص243"، واللسان "14/ 51" مادة/ أوا. 5 الكرينة: المغنية الضاربة بالعود أو الصنج. الموتر: ذو الأوتار. تأتا له: تصلحه. والشاهد فيه "تأتا له" حيث أراد "تأتوي" فقلب الواو ألفا وحذفت الياء التي هي لام الفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وذكرت ذلك في كتابي1 في شرح تصريف أبي عثمان -رحمه الله- فتجنبت الإطالة بذكره هنا. فإذا كان هذا وغيره مما ندع ذكره اكتفاء بهذا قد أعلت عينه ولامه جميعًا، جاز أيضًا أن تحمل "باء" و"طاء" و"هاء" وأخاوتهن في إعلال عيناتها ولاماتها جميعًا عليه، فقد صار إذن تركيب "طاء" و"حاء" ونحوهما بعد التسمية من "ط وي" ومن "ح وي"وصارا كأنهما من باب "طويت" و"حويت" وإن لم يكونا في الحقيقة منه، ولكنهما قد لحقا بحكمه، وجريا في القضية مجراه، فلو اشتققت على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلا على "فَعَلْت" لقت من الباء "بويت"، ومن التاء "تويت"، ومن الثاء "ثويت"، ومن الحاء "حويت"، ومن الخاء "خويت" ومن الراء "رويت"، ومن الطاء "طويت"، ومن الظاء "ظويت"، ومن الفاء "فويت"، ومن الهاء "هويت"، ومن الياء "يويت" كما تقول في "فَعَّلت" من "طَوَيت" و"حَوَيت": "طَوّيت" و"حَوّيت". هذا هو القياس الذي تقضيه حقيقة النظر، وأما المسموع المحكي عنهم فإن يقولوا "ببَّيت، وتيّيت، وثيَّيت، وحيَّيت، وخيَّيت، وطييت، وظييت، ويييت ياء حسنة" وكذلك بقية أخواتها، فظاهر هذا القول يدل من رأيهم على أنهم اعتقدوا أن الألف في نحو: باء، وتاء، وحاء، وخاء بدل من ياء، وجعلوا الكلمة من باب "حييت" و"عييت" ونحوهما مما عينه ولامه ياءان. والذي حملهم على هذا عندي سماعهم الإمالة في ألفاتهن قبل التسمية وبعدها؛ ألا تراك تقول إذا تهجيت: با تا ثا حا خا را طا ظا ها يا، وقالوا بعد التسمية والنقل: باء، وتاء، وثاء، وحاء، وطاء، وظاء، فلما رأوا الإمالة شائعة في هذه الألفات قبل النقل وبعده حكموا لذلك بأن الألفات فيهن منقلبات عن ياءات، وأنها قد لحقت في الحكم بالألفات المنقلبات من الياءات، فلذلك قالوا: حييت حاء، وطييت طاء، ونحو ذلك. وأنا أذكر وجه الإمالة في هذه الحروف، وأدل على صحة القياس الذي ذهب إليه أبو علي.   1 هو المسمى "المنصف" "2/ 152". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 أما إمالتهم إياها وهي حروف تهَجٍّ فليس ذلك لأنها منقلبة عن ياء ولا غيرها، وذلك أنها حينئذ أصوات غير مشتقة ولا متصرفة، ولا انقلاب في شيء منها لجمودها، ولكن الإمالة فيها حينئذ إنما دخلتها من حيث دخلت "بلى"، وذلك أنها شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغناها عما بعدها الأسماء المستقلة بأنفسها، فمن حيث جازت إمالة الأسماء كذلك أيضًا جازت إمالة "بلى"؛ ألا ترى أنك تقول في جواب من قال لك ألم تفعل كذا؟: "بلى" فلا تحتاج "بلى" لكونها جوابا مستقلا إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها، وقويت، لحقت في القوة بالأسماء في جواز إمالتها كما أميل نحو "أنى" و"متى"، وكذلك أيضًا إذا قلت: با تا ثا قامت هذه الحروف بأنفسها، ولم تحتج إلى شيء يقويها، ولا إلى شيء من اللفظ تتصل به، فتضعف، وتلطف لذلك الاتصال عن الإمالة المؤذنة بقوة الكلمة وتصرفها. ويؤكد ذلك عندنا ما رويناه عن قطرب من أن بعضهم قال: "لا أفعل" فأمال "لا"، وإنما أمالها لما كانت جوابا قائمة بنفسها، فقويت بذلك فلحقت بالقوة باب الأسماء والأفعال، فأميلت كما أميلا، فهذا وجه إمالتها وهي حروف هجاء. وأما إمالتها وقد نقلت، فصارت أسماء، ومُدّت، فإنما فعلوا ذلك لأن هذه الألفات قد كانت قبل النقل والمد مألوفة فيها الإمالة، فأقروها بعد المد والتسمية والإعراب بحالها؛ ليعلموا أن هذه الممدودة المعربة هي تلك المقصورة قبل النقل المبنية، لا لأن هذه الألفات عندهم الآن بعد النقل والمد مما سبيله أن يقضى بكونه منقلبا عن ياء. ولهذا نظائر في كلامهم، منها إمالتهم الألف في "حُبالى" ليعلم أن الواحدة قد كانت فيها ألف ممالة، وهي حبلى، فالألف الآن في "حبالى" إنما هي بدل من ياء "حبال" كما قالوا "دعوى" و"دعاوٍ" ثم أبدلوا من ياء "حَبال" ألفا، وأمالوها كما كانت في الواحد ممالة، محافظة على الواحد، فكذلك حافظ هؤلاء أيضًا، فأمالوا قولهم: هذه حاء وياء لقوهم قبل الإعراب: با تا ثا حا خا. ومما راعوا فيه حكم غيره مما هو أصل له إعلالهم العين في نحو: "أقام" و"أسر" و"استقام" و"استسار"؛ ألا ترى أن الأصل في هذا "أقوم" و"أسير" و"استقوم" و"اسْتَسْيَر" فنقلوا فتحة الواو والياء إلى ما قبلهما، وقلبوهما لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن، ولولا أنهما انقلبتا في "قام" و"سار" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 اللتين أصلهما "قَوَم" و"سَيَر" لما قلبتا في "أقوَمَ" و"أسيَرَ" لأنهما في "أقوم" و"أسير" ساكن ما قبلهما، وإذا سكن ما قبل الواو والياء صحتا، وجرتا مجرى الصحيح، ولكن لما أعلتا في "قام" و"سار" لتحركهما وانفتاح ما قبلهما حملتا في "أقام" و"أسار" على اعتلال الثلاثي في "قام" و"سار"؛ أفلا تراهم كيف راعوا في الرباعي وما فوقه حكم الثلاثي، ولولا جريانه عليه واتباعه في الإعلال له لوجب تصحيحيه وخروجه سالما على أصله. فكذلك أيضًا أميلت "حاء" و"خاء" لإمالة "حا" "خا". فقد صح بما ذكرناه أنه لا اعتداد بإمالة هذه الألفات مقصورة كانت أو ممدودة؛ إذ كان ذلك لا يدل على أنهن منقلبات عن الياء إذ قد أميلت وهي مقصورة، وإذا كانت مقصورة جرت مجرى "لا" و"ما" ونحو ذلك مما ألفه غير منقلبة البتة. فإذا لم يكن في إمالتها دلالة على كونها منقلبة، كما لم يدل ذلك في ألف "بلى" و"لا" و"يا" في النداء، ثبت أن الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو علي من أن العين سبيلها أن تكون واوًا، وتكون اللام ياء لتكون الكلمة من باب "طويت" و"شويت" و"ضويت" لأنه أكثر من باب "حييت" و"عييت" ومن باب "قويت" و"حويت" من القوة والحوة. فلو لم يكن في هذا إلا الجنوح إلى الكثرة والرجوع إليها عن القلة لكان سببا قويا، وعذرا قاطعا، فكيف به وقد دللنا على قوته لما قدمناه. ولو جمعت هذه الحروف بعد النقل على نحو "باب أبواب" و"ناب وأنياب" لأظهرت العين صحيحة لسكون ما قبلها، فقلت على مذهب أبي علي في باء: أبواء، وفي تاء: أتواء، وفي ثاء: أثواء، وفي حاء: أحواء، وفي خاء: أخواء، وفي راء: أرواء، وفي طاء: أطواء، وفي ظاء: أظواء، وفي فاء: أفواء، وفي هاء: أهواء، وفي ياء: أياء، وأصلها أيواء، ففعل بها ما فعل بأيوام جمع يوم. وعلى قول العامة سوى أبي علي: أبياء، وأتياء، وأحياء، وأخياء، وأرياء، وأطياء، وأظياء، وأفياء، وأهياء، وأياء أيضًا. ومن ذهب إلى التأنيث فجمعهما على أفعل نحو: نار، وأنؤر، ودار وأدؤر، وساق وأسؤق، قال على مذهب أبي على: باء وأبو، وتاء وأتو، وثاء وأثو، وحاء وأحو، وخاء وأخو، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 فأجراه مجرى: جدْي وأجْدٍ، وظبي وأظْبٍ، وفي اليا: ياء وأي، وأصلها "أيوي" فقلبت الواو لوقوع الياء ساكنة قبلها، فاجتمعت ثلاث ياءات، فحذفت الأخيرة منهم تخفيفًا كما حذفت من تصغير "احوى": "أُحَيّ"، فصار "أيّ". وعلى قول الجماعة غيره: أَبْيٍ، وأتْيٍ، وأحْىٍ، وأخْيٍ، وفي الياء: أيٍّ بالحذف كما تقدم، فاعرف ذلك، فهذه أحكام الحروف التي على حرفين. وأما ما كان على ثلاثة أحرف فعلى ضربين: أحدهما: ما ثانيه ياء، والآخر: ما ثانيه ألف. الأول: جيم، سين شين عين غين ميم، فسبيل هذه أن تجري بعد النقل والإعراب مجرى "ديك" و"فيل" و"بيت" و"قيد" مما عينه ياء. ومن قال في "ديك" و"فيل" إنه يجوز أن يكون "فُعْلًا" و"فِعْلًا" جميعًا، وهو الخليل1، احتمل عنده جيم، سين، شين، ميم، أن تكون أيضًا "فُعْلًا" و"فِعْلًا" جميعًا فأما عين غين ففَعْلٌ لا غير. فإن قلت: فهل تجيز أن يكون أصلهما "فَيْعِلًا" كميِّت وهين ولين، ثم حذفت عين الفعل منهما؟ فإن ذلك هنا لا يجوز ولا يحسن من قبل أن هذه حروف جوامد بعيدة عن الحذف والتصرف. فإن بنيت منها "فَعَّلْت" قلت: جَيَّمت جيما، وسنيت سينا، وشينت شينا، وعينت عينا، وغينت غينا، وميمت ميما. وتقول في الجمع: أجيام، وأسيان، وأشيان، وأعيان، وأغيان، وأميام، بلا خلاف لظهور العين ياء فيهن. ولو جاءت على "أفْعُل" لقلت: أجيُم، وأسين، وأشين، وأعين، وأغين، وأميم. وأما ما ثانية ألف: فدال، وذال، وصاد، وضاد، وقاف، وكاف، ولام، وواو. فهذه الحروف مادامت حروف هجاء لم تمثل، ولم يقض فيها بقلب ولا غيره مما لا يوجد في الحروف، فإن نقلتها إلى الاسمية لزمك أن تقضي بأن الألف فيهن   1 هذا قول سيبويه. انظر/ الكتاب "2/ 187-189". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 منقلبة عن واو، وذلك مما وصى به سيبويه لأنه هو الأكثر في اللغة؛ ألا ترى إلى كثرة: بابٍ، ودارٍ، ونارٍ، وجارٍ، وغارٍ، وساقٍ، وطاقٍ، وهامةٍ، وقامةٍ، ولابة1، وعادة، ورادة2، وسادة، وذلدة3، وشارة4، وزارة5، وقلة نابٍ، وعابٍ، وغابٍ، وعارٍ، ورارٍ6. فعلى الأكثر ينبغي أن يحمل، فإذا كان ذلك فلو بنيت منه "فَعَّلْت" لقلت: دَوَّلت دالا، وذَوّلت ذالا، وصودت صادا، وضودت ضادا، وقوفت فاقا، وكوفت كافا، ولومت لاما. فأما "الواو" فقد ذكرنا ما في ألفها من الخلاف، فمن ذهب إلى أن ألفها منقلبة عن ياء وجب عليه أن يقول في "فَعَّلت" منها: "وييت واوًا" وأصلها "ويوت" إلا أن الواو لما وقعت رابعة قلبت ياء كما قلبت في: غَدَّيت، وعشيت، وقضيت، ودنيت، فصارت: وييت. ومن ذهب إلى أن ألفها منقلبة من واو لزمه أن يقول: أَوّيت، وأصلها: وَوَّوت، فلما التقت في أول الكلمة واوان همزت الأولى منهما كما همزت الواو الأولى من "الأولى" وأصلها "وُوْلَى" لأنها "فُعلى" من "أَوّل" و"أول" فاؤه وعينه واوان لأنه "أفعل". وقد ذكرت في كتابي7 في تفسير تصريف أبي عثمان خلاف الناس في "أول" كما همزوا تصغير "واصل" وجمعه في قولهم: "أُوَيْصل" و"أَوَاصل"، وأصله "وُوَيْصل" و"وَوَاصِل" فهمزت الواو الأولى لاجتماع الواوين في أول الكلمة. ومثله قول الشاعر8:   1 لابة: الحرة من الأرض. اللسان "1/ 745" مادة/ لوب. 2 الرادة: من النساء: التي تزود وتطوف، وريح رادة: إذا كانت هوجاء تجيء وتذهب. 3 ذادة: جمع ذائد، وهو الرجل الحامي الحقيقة. 4 شارة: الحسن الهيئة واللباس. 5 الزارة: الجماعة الضخمة من الناس والإبل والغنم. اللسان "4/ 338" مادة/ زور. 6 رار: مخ رار، أي: ذائب فاسد من الهزال، وشدة الجذب. اللسان "4/ 314". 7 المصنف "2/ 201-204". 8 هو مهلهل بن ربيعة أخو كليب وائل، اسمه عدي، أو امرؤ القيس. المقتضب "4/ 214". والبيت ذكره صاحب اللسان مادة "وقى" دون أن ينسبه، وكذا العيني "3/ 524". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ضربتْ صدرَها إلى وقالت ... ياعَديا لقد وَقَتْك الأواقي1 فالأواقي: جمع واقية، وأصلها وَواقٍ، فهمزت الواو الأولى. وقال2: فإنك والتأبين عُروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع لكالرجل الحادي وقد تَلَع الضحى ... وطيرُ المنايا فوقهن أَواقع جمع: واقعة. وقال الآخر3: شهمٌ إذا اجتمع الكُماة، وأُلجمت ... أفواقهُا بأواسط الأوتارِ4 يريد جمع: واسط، وأصلها "وَوَاسط". فلما همزت الواو الأولى صار اللفظ في التقدير إلى "أوَّوت" فلما وقعت الواو رابعة قلبت ياء كما تقدم ذكره آنفا، فصارت "أوَّيت"، هذا هو صريح القياس وحقيقته. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، قال: ما كان على ثلاثة أحرف الأوسط منه ياء فليس فيه إلا وجه واحد بالياء، تقول: سيَّنْت سينا، وعينت عينا. وقال بعضهم في "ما" و"لا" من بين أخواتها: مَوَّيت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة، بالمد لمكان الفتحة من "ما" و"لا". وتقول في الواو وهي على ثلاثة أحرف الأوسط ألف بالياء لا غير لكثرة الواوات، تقول: ويَّيت واوًا حسنة. وبعضهم يجعل الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين، فيقول: أويت واوًا حسنة. انتهت الحكاية عن أبي بكر.   1 الشاهد فيه "الأواقي" وأصلها "وواق" حيث قلبت الواو الأولى همزة. 2 البيت في اللسان مادة "وقع" "8/ 404" ينسب للمهلهل بن ربيعة، وكذا الخزانة "2/ 165". 3 البيت في اللسان "وسط" "7/ 427". 4 الأفواق: جمع الفوق من السهم وهو موضع الوتر. والشاهد فيه "بأواسط" جمع "واسط" وأصلها "وواسط" فقلبت الواو الأولى همزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 فأما ما أجازه من قوله: "ووَّيت" فمردود عندنا؛ لأنه إذا لم تجتمع واوان في أول الكلمة فالثلاث أحرى بأن لا يجوز اجتماعها. فأما قوله عز اسمه: {مَا وُوْرِيَ عَنْهُمَا} [الأعراف] فإنما اجتمعت في أوله واوان من قِبَل أن الثانية منهما مدة مبدلة من ألف "واريت" وليست بلازمة، فلأجل ذلك لم تُعتدّ. وأما قوله: "وبعضهم يجعل الواو همزة" فهذا هو الصواب الذي لا بد منه، ولا مذهب لنظار عنه. وأما ما حكاه من قولهم في "ما" و"لا": مويت، ولويت، فإن القول عندي في ذلك أنهم لما أرادوا اشتقاق "فعلت" من "ما" و"لا" لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين، فزادوا على الألف ألفا أخرى، ثم همزوا الثانية كما تقدم، فصارت "ماء" و"لاء"، فجرت بعد ذلك مجرى "باء" و"حاء" بعد المد. وعلى هذا قالوا في النسب إلى "ما" لما احتاجوا إلى تكميلها اسما محتملا للإعراب: قد عرفت مائية الشيء، فالهمزة الآن إنما هي بدل من ألف ألحقت ألف "ما" وقضوا بأن ألف "ماء" و"لاء" مبدلة من واو كما قدمناه من قول أبي علي، وأن اللام منهما ياء حملا على "طويت" و"رويت"، ثم لما بنوا منهما "فعلت" قالوا: مويت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة. وقوله: "لمكان الفتحة فيهما" أي: لأنك لا تميل "ما" و"لا" فتقول "ما" و"لا"، أي فذهب إلى أن الألف فيهما من واو. وهذا هو الذي حكيناه عنهم من أن اعتقادهم أن ألف "باء" و"حاء" وأخواتهما منقلبة عن ياء لأجل ما فيهما من الإمالة، حتى إنهم لما لم يروا في "ما" و"لا" إمالة حكموا بأن ألفهما منقلبة من واو. وقد ذكرنا وجه الإمالة من أين أتى هذه الألفات، ودللنا على صحة مذهب أبي علي فيما مضى من هذا الفصل. ولو جمعت هذه الأسماء على "أفعال" لقلت في دال، وذال: أدوال، وأذوال، وفي صاد، وضاد: أصواد وأضواد، وفي قاف، وكاف: أقواف، وأكواف، وفي لام: ألوام، وفي واو فيمن جعل ألفها منقلبة عن واو: أواء، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وأصلها أوّاو، فلما وقعت الواو طرفًا بعد ألف زائدة قلبت ألفا، ثم قلبت تلك الألف همزة كما قلنا في أبناء، وأسماء، وأعداء، وأفلاء1. ومن كانت ألف "واو" عنده من ياء قال إذا جمعها على "أفعال": "أيّاء"، وأصلها عنده "أوْياء" فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها، فصارت "أيَّا" كما ترى. ومن جمع ذلك على "أفعُل" قال: أدوُل، وأذوُل، وأصود، وأضود، وأقوف، وأكوف، وألوم. ومن كانت عين "واو" عنده واوًا قال في جمعها على "أفْعُل": "أوٍّ"، وأصلها "أوُّوٌ" فلما وقعت طرفًا مضمومًا ما قبلها أبدل من الضمة كسرة، ومن الواو ياء، فقال: "أوٍّ" كما قالوا: دلْوٌ وأدْلٍ، وحقُو وأحُقٍ. ومن كانت عين "واو" عنده ياء قال في جمعها على "أفعُل": "أيٍّ"، وأصله "أوْيُوٌ" فلما اجتمعت الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فصارت "أيُّوٌ" فلما وقعت الواو طرفًا مضمومًا ما قبلها أبدلت من الضمة كسرة، ومن الواو ياء على ما ذكرناه الآن، فصار التقدير "أيُّيٌ"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات والوسطى منهم مكسورة حذفت الياء الأخيرة، كما حذفت في تحقير "أحْوى" و"أعْيا" في قولهم "أُحَيٌّ" و"أُعَيٌّ" فكذلك قلت أنت أيضًا "أي". وأما "نون" فإن أمرها ظاهر لأن عينها واو كما ترى. ومن قال في "فُعْل" من البيع: "بُوْعٌ"- وهو أبو الحسن، ويشهد بصحة قوله هَيْف وهُوْف2- لم يجز له مثل ذلك في "نون" أن تكون واوها بدلا من ياء لقولهم: نونت الكلمة تنوينًا، وهذا حرف منون، فظهور الواو في هذه المواضع ولا ضمة قبلها، يدل على أن الواو فيها أصل غير بدل. فإن جمعتها على "أفعال" قلت "أنوان" وعلى "أفعُل": "أنون".   1 أفلاء: جمع فلو، وهو الجحش والمهر إذا فطم. اللسان "15/ 162" مادة/ فلا. 2 وهوف: الهيف والهوف: الريح الباردة الهبوب. اللسان "9/ 351" مادة/ هيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 ومن همز الواو لانضمامها، فقال1: لكل دهر قد لبست أثؤبا2 وقال3: ................................... ... مصابيح شبت بالعشاء وأنؤر4 همز أيضا هذا فقال: أنؤن، وأكؤف، وأقؤف، وأدؤل، وأذؤل، وأصؤد، وأضؤد. وأما "زاي" فيمن لفظ بها ثلاثية هكذا فألفها على ما قدمناه ينبغي أن تكون منقلبة عن واو، ولامه ياء كما ترى، فهو من لفظ "زويت"5 إلا أن عينه أعتلت، وسلمت لامه، ولحق بباب: غاي، وراي، وثاي، طاي، وآي في الشذوذ لاعتلال عينه وصحة لامه. وقولي "اعتلت" إنما أريد به أنها متى أعربت فقيل: هذه راي حسنة، أو: كتبت زايا صغيرة أو نحو ذلك، فإنها بعد ذلك ملحقة في الاعتلال بباب "راي" و"غاي" إلا أنه مادام حرف هجاء فألفه غير منقلبة، فلهذا كان عندي قولهم في التهجي "زاي" أحسن من "غاي" و"طاي" لأنه ما دام حرفا فهو غير مصرف، وألفه غير مقضي عليها بالانقلاب، "غاي" وبابه متصرف، فالانقلاب، وإعلال العين، وتصحيح اللام جار عليه ومعروف به. ولو اشتققت منها "فعلت" لقلت "زويت" وإن كانت الإمالة قد سمعت في ألفها. وهي على مذهب أبي علي "زويت" ايضا، وعلى قول غيره: زييت زايا. وإن كسرتها على "أفعال" قلت "أزواء" وعلى قول غير أبي علي "أزياء" إن صحت إمالتها. وإن كسرتها على "أفعل" قلت "أزو" و"أزي" على المذهبين.   1 نسب البيت لمعروف بن عبد الرحمن في شرح أبيات سيبويه "2/ 392". 2 الشاهد فيه: "أثوب" حيث جمعت على "أفعل"، ويجوز جمعها على "أفعال" فتقول: "أثواب". 3 البيت لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه، وبغير نسبه في المقتضب "2/ 250". 4 الشاهد فيه "أنور" حيث جمعت على أفعل ويجوز "أنوار". 5 زويت: زوى مابين عينيه: قطب وعبس. اللسان "14 / 364" مادة/ زوى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وأما من قال "زَي" وأجراها مجرى "كي" فإنه إذا اشتق منها "فعَّلت" كملها قبلُ اسما فزاد على الياء ياء أخرى، كما أنه إذا سمى رجلا بـ "كى" ثقل الياء، فقال: هذا كيٌّ، وكذلك تقول أيضًا "زيٌّ" ثم تقول منه "فعَّلت": "زييت" كما تقول من "حَيِيت": "حَيّيت". فإن قلت: فإذا كانت الياء من "زيْ" في موضع العين فهلا زعمت أن الألف من "زاي" ياء لوجودك العين في "زَي" ياء؟ فالجواب: أن ارتكاب هذا خطأ من قبل أنك لو ذهبت إلى هذا لحكمت بأن "زي" محذوفة من "زاي" والحذف ضرب من التصرف، وهذه الحروف كما تقدم جوامد لا تصرف في شيء منها. وأيضًا فلو كانت الألف في "زاي" هي الياء في "زي" لكانت منقلبة، والانقلاب في هذه الحروف مفقود غير موجود. وعلقت عن أبي علي في شرح الكتاب لفظا من فيه قال: من قال "اللاء" فهو عنده كالباب، ومن قال "اللائي" فهو عنده كالقاضي، قال: ولا يكون "اللاء" محذوفًا من "اللائي". فإذا لم يجز الحذف في هذه الأسماء التي توصف ويوصف بها، ويحقر كثير منها، وتدخل عليها لام التعريف المختصة بالأسماء، فأن لا يجوز الحذف في حروف الهجاء التي هي جوامد أبدا أحرى. ولو جمعتها لقلت في القولين جميعًا "أزياء" و"أزي". فأما قولنا "ألف" فأمرها ظاهر، ووزنها "فَعِلٌ" وعينها ولامها صحيحتان كما ترى. وأما الألف الساكنة التي هي مدة بعد اللام في قولهم "و. لا. ي" فلا يجوز أن تسميها كما تسمي أول ما تجده في لفظك من "ضرب" بقولك "ضادٌ" وثانيه بقولك "راء" وثالثه بقولك "باء" من قبل أنك تجد في أوائل هذه الحروف التي تسميها بهذه الأسماء المبنية لفظ الحرف الذي تريده، والألف أبدا ساكنة، فلا يمكن تسميتها لأنه كان يلزمك أن توقع الألف الساكنة أول ذلك الاسم المبني، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فرفض ذلك لذلك، وقد تقدم ذكر هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 ألا ترى أن أول قولك "جيم" جيم، وأول "طاء" طاء، وهذا واضح. فإن تكلفت أن تبني من الألف الساكنة في قولنا "لا" مثال "فَعَّلت" لم يمكنك ذلك حتى تتم الألف الساكنة ثلاثة أحرف؛ لأنه لا يمكن الاشتقاق من كلمة على أقل من ثلاثة أحرف، فيلزمك على ذلك أن تزيد على الألف ألفا أخرى ليكون الثاني من لفظ الأول، كما أنك إذا سميت رجلا "لا" زدت على الألف ألفا أخرى، وهمزتها لأنك حركتها لالتقاء الساكنين، فقلت "لاء" وفي "ذا": "ذاء" وفي "ما": "ماء" فتزيد على الألف من"لا" وهي ساكنة كما ترى ألفا أخرى بعد أن تزيل اللام التي كانت الألف معتمدة عليها؛ لأنك الآن إنما تريد تكميلها للبناء منها، ولست تريد الآن أن تلفظ بها فتتركها مدعومة باللام من قبلها، وإنما حذفت اللام لأنها زائدة، والبناء أبدا من الأصول لا من الزوائد، فيصيرك التقدير إلى أن تجمع بين ألفين ساكنين، وذل لا يمكنك اللفظ به لتعذر الابتداء بالساكن، إلا أنك تعلم أن هذا الذي أشْكُله الآن صورتهما، وهو "أاْ" فيلتقي ألفان ساكنتان، فلا يمكن الابتداء بالأولى منهما لسكونها، فلا تخلو حينئذ من حذف إحداهما أو حركتها، فلا يمكن الحذف لأنك لو حذفت إحداهما عدت إلى اللفظ بالواحدة التي عنها هربت، فكان ذلك يكون مؤديا إلى نقض الغرض الذي أجمعته من تكميل الحرف بالزيادة فيه للبناء منه، فلما لم يسغ الحذف وجب تحريك إحداهما، فكانت الألف الأولى أولى بالحركة ليمكن الابتداء بها، فلما حركت كان الكسر أولى بها إذ الحركة فيها إنما هي لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة على حد ما قدمناه من الألف إذا حركت قلبت همزة نحو: "شأبَّة" و"دأبَّة" وما أشبه ذلك. فلما حركت الألف الأولى فقلبت همزة مكسورة انقلبت الألف الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما قلبت في نحو: "قراطيس" و"حماليق" جمع "قرطاس" و"حملاق" فصار اللفظ حينئذ "إي" فلما أردت التكملة زدت على الياء ياء أخرى، كما أنك لو سميت رجلا بـ "في" زدت على الياء باء أخرى، فقلت هذا "في" فصار اللفظ فيما بعد "إي". فإن بنيت من "إي" هذا "فعلت" كما قلت قوفت قافا، وكوفت كافا، وسينت سينا، وعينت عينا، وجب عليك أن تقول "أويت". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فإن سأل سائل فقال: من أين لك الواو في هذا المثال، وأنت تعلم أن الأول من الحرفين المدغم إنما هو ياء في "أي" ثم زدت على الياء كما زعمت ياء أخرى، فصار "إي" ولسنا نجد للواو هنا مذهبا ولا أصلا، أولست لو بنيت "فعَّلت" من "في: لقلت: فييت فيًّا حسنة، ومن "إي" في قوله تعالى: {إي وربي} [يونس: 53] : أييت، فهلا قلت قياسا على هذا أبيت؟ فالجواب: أن الياء في "في" و"إي" أصلان لا حظ لهما في غيرهما، فوجب عليك إذا أردت أن تكملهما ثلاثيتين أن تعتقد أن الياء فيهما عينان، فإذا زدت على الياء ياء أخرى مثلها صارت الكلمة عندك كأنها من باب "حييت" و"عييت" من مضاعف الياء، فلذلك قلت: فييت فيا، وأييت إيا، وأما الياء في "إي" في الهجاء على ما تأدت إليه الصنعة، فإنما هي بدل من الألف الثانية من الألفين اللتين صورتهما "اا"، ثم قلبت ياء لانكسار الألف الأولى قبلها، فصارت "إي" فقد علمنا بذلك أن أصلها الألف، وأنها إنما قلبت للكسرة قبلها، وإذا كانت الألف المجهولة ثانية عينا أو في موضع العين وجب على ما وصى به سيبويه1 -وقد ذكرناه- أن يعتقد فيها أنها منقلبة عن واو، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت "إي" على هذا الاعتقاد مثل "قي" من القواء2، و"سي" من السواء، ولحقت بما عينه واو ولامه ياء نحو "طويت" و"شويت"، فكما أنك لو بنيت "فعّلت" من "القي" و"السي" لقلت: "قويت" و"سويت" فأظهرت العينين واوين لزوال الكسرة قبلها، وكونها ساكنة قبل الياء، فكذلك ينبغي أن تقول في "أي": "أويت". فإن جمعت: "إيا" هذه على "أفعال" أقررت الفاء همزة بحالها، وقلت "آواء". وإذا كانوا قد أقروا الهمزة التي هي بدل من العين بحالها في "قويئم" تحقير "قائم" فهم بإقرار الفاء المبدلة همزة بحالها أجدر. وإن كسرتها على "أفعل" قلت "آو" كما ترى، فاعرف هذا، وتأمله، فإن أحدا من العلماء لم يعمله فيما علمته، ولا تضمنه كتاب، ولا اشتمل عليه تعليق، وهو من غامض3 صنعة التصريف، ولطيف هذا العلم المصون الشريف.   1 الكتاب "2/ 127". 2 القواء: الأرض التي لم تمطر. اللسان "15/ 210". 3 غامض: ما لا يفهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 وهذا فصل: مذهب مزج العرب الحروف بعضها ببعض اعلم أن حروف المعجم تنقسم على ضربين: ضرب خفيف، وضرب ثقيل، وتختلف أحوال الخفيف منهما، فيكون بعضه أخف من بعض، وتختلف أيضًا أحوال الثقيل منهما، فيكون بعضه أثقل من بعض. وفي الجملة فأخف الحروف عندهم وأقلها كلفة1 عليهم الحروف التي زادوها على أصول كلامهم، وتلك الحروف العشرة المسماة حروف الزيادة، وهي: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم، والنون، والتاء، والهاء، والسين، واللام، ويجمعها في اللفظ قولك "اليوم تنساه" وإن شئت قلت "سألتمونيها"، وإن شئت قلت "هويت السمان". فإن قلت: ألست تعلم أن الهمزة مستثقلة عندهم، ولذلك ما دخلها الحذف والبدل في الكثير من الكلام، فلم ذكرتها في الحروف الخفيفة؟ فالجواب: أن الهمزة وإن كانت كذلك فإنك قادر على إعلالها وقلبها والتلعب بها تارة كذا وتارة كذا، وهذا لا يمكنك في الجيم ولا في القاف ولا في غيرهما من الحروف الصحاح؛ وأيضًا فإن مخرجها مجاور لمخرج أخف الحروف، وهى الألف، وأيضًا فإنها لتباعدها من الحروف ما يستروح إلى مزج المتقارب مما بعد عنها بها؛ ألا ترى أنك تقول "دأب"2 فتفصل بين الدال والباء بالهمزة، فيكون ذلك أحسن من فصلك بينهما بالفاء لو جاء عنهم نحو "دَفَبَ"3، وتقول "نَأَلَ"4 فتفصل بها بين النون واللام، ولو فصل بينهما بالراء، فقيل "نرل" لم يكن حسنا، فالهمزة وإن   1 كلفة: تجشم الشيء على مشقة وعلى خلاف عادتك. اللسان "9/ 307" مادة/ كلف. 2 دأب: الشاهد فيها الفصل بين الدال والياء بهمزة، كما ذكر ابن جني. 3 دفب: يقصد دأب ويتم الفصل بين الدال والباء بالفاء وهو مستقبح. 4 نأل: مشى ونهض برأسه إلى فوق مثل الذي يعدو وعليه حمل ينهض به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 ثقلت في بعض الأحوال وتباعدت ففيها من المنفعة في الفصل ما ذكرت لك، هذا مع ما وصفناه من مجاورتها للألف، وأنها مما يمكن إعلاله وتقليبه والتلعب به. واعلم أن أقل الحروف تألفا بلا فصل حروف الحلق، وهي ستة: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، فسبيل هذه الحروف متى اجتمع منها في كلمة اثنان أن يكون بينهما فصل، وذلك نحو: هدأت، وخبأت، وعبء، وخيعل1، وغيهب2، وحضأت النار3، وحطأت به الأرض4، فهذه حال هذه الحروف، وحكمها ألا تتحاور غير مفصولة إلا في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تُبتدأ الهمزة، فيجاورها من بعدها واحد من ثلاثة أحرف حقلية، وهي: الهاء، والحاء، والخاء، فالهاء نحو: أهل، وأهر5، وإهاب، وأهبة، وهذا خاصة قد تتقدم فيه الهاء الهمزة، وذلك نحو: بهأت6، ونَهِئَ اللحم7. والحاء نحو: أحَد، وإحْنة8، والخاء نحو: أخذ، وأخر. فأما قولهم حأحأت بالكبش: إذا دعوته فقلت: حؤحؤ، وهأهأت بالإبل: إذا قلت لها: هأهأ، فإنما احتمل فيه تأخر الهمزة عن الحاء والهاء لأجل التضعيف، لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في غيره. الثاني: ائتلاف الهاء مع العين، ولا تكون العين إلا مقدمة، وذلك نحو: عَهْد، وعَهَر9، وعِهْن. الثالث: ائتلاف العين مع الخاء، ولا تكون الخاء إلا مقدمة، وذلك نحو: بَخَعَ10، والنخَع11.   1 خيعل: الفرو، وقيل: درع يخاط أحد شقيه تلبسه المرأة كالقميص. اللسان "11/ 210". 2 غيهب: الثقيل الرخم، والبليد، والضعيف من الرجال. اللسان "1/ 654". 3 حضأت النار: أوقدتها. 4 حطأ به الأرض: ضربها به وصرعه. 5 وأهر: اسم جنس، واحدة أهرة وهو متاع البيت. اللسان "4/ 34" مادة/ أهر. 6 بهأت: بهأت به: أنست. 7 نهئ الحم: لم ينضج. 8 إحنة: الحقد في الصدر. اللسان "13/ 8" مادة/ أحسن. 9 عهر: عهر إليها: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب على الزنا مطلقا. اللسان "4/ 611". 10 بخع: بخع نفسه: قتلها غيظا أو غما. 11 النخع: قبيلة من الأزد، أو اليمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 ولأجل ما ذكرناه من ترك استعمالهم لحروف الحلق متجاورة ما قل تضعيفهم إياها، وذلك نحو: الضغيغة1، والرغيغة2، والمهه3، والبحح4، والشعاع5، وقد كنا ذكرنا نحوا من هذا في أول الكتاب. وأحسن التأليف ما بوعد فيه بين الحروف، فمتى تجاور مخرجا الخرفين فالقياس ألا يأتلفا، وإن تجشموا6 ذلك بدأوا بالأقوى من الحرفين، وذلك نحو: "أرل"7 و"ورل"8 و"وتد" و"محتد"، فبدأوا بالراء قبل اللامن وبالتاء قبل الدال لأنهما أقوى منهما. ويدلك على قوة الراء والتاء على اللام والدال أنك إذا ذقتهما ساكنتين، ووقفت عليهما وجدت الصوت ينقطع عند التاء بجرس قوي، ووجدته ينقطع عند الدال بجرس خفي، وذلك قولك "إت" "إد" وكذلك الراء واللام، فإذا وقفت على الراء وجدت الصوت هناك مكررا، ولذلك اعتدت في الإمالة بحرفين، وإذا وقفت على اللام وجدت في الصوت لينا وغنة، وذلك قولك "إر" "إل". ويؤكد عندك قوة الراء على اللام أنك لا تكاد تجد اللام معتاصة على أحد، وكثرة ما تجد الراء متعذرة على كثير من الناس لاسيما الأرت9، حتى إنك لا تستبينها في كلامه. ويتلو حروف الحلق حروف أقصى اللسان، وهي القاف، والكاف، والجيم، وهذه لا تتجاوز البتة، لاتجد في الكلام نحو "قج" ولا "جق" ولا "كج" ولا "جك" ولا "قك" ولا "كق".   1 الضغيغة: الروضة الناضرة المتخلية. اللسان "8/ 443" مادة/ ضغغ. 2 الرغيغة: طعام مثل الحسا يصنع بالتمر. وهو لبن يغلي عليه دقيق يتخذ للنفساء. 3 المهه: الحسن. اللسان "13/ 541" مادة/ مهة. 4 البحح: غلظ في الصوت وخشونة. اللسان "2/ 406" مادة/ بحح. 5 الشعاع: وهو تفرق الدم وغيره. اللسان "8/ 181" مادة/ شعع. 6 تجشموا: تكلفوه على مشقه. اللسان "12/ 100" مادة/ جشم. 7 أرل: جبل معروف. اللسان "11/ 13" مادة/ أرل. 8 ورل: دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه. اللسان "11/ 724" مادة/ ورل. 9 الأرت: الذي في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 فأما قول رؤبة1: لواحق الأقراب فيها كالمقق2 وقولهم "يأجج" و"مأجج"3 و"سكك" فإنما جاز ذلك وإن كان متكررا من قبل أن المكرر معرض في أكثر أحواله للإدغام؛ ألا تراك تقول: فرس أمق4، ومج فوه5، وأجت النار6، وسكة7، والحرفان المتجاوران لا يمكنك إدغام أحدهما في صاحبه حتى تتكلف قبله إلى لفظه، ثم تدغمه، فكانت المشقة فيه أغلظ، فرفض ذلك لذلك، ولأجل هذا ما جاء عنهم في حروف الحلق التي تباعدت عن معظم الحروف، فلم تسطها، نحو المهه، والبحح، والبعع8، والرخخ، وهو السهولة واللين9، ولم يأت عنهم ذلك في المتجاور منها إلا فيما حددناه في أول هذا الفصل؛ ألا ترى أنهم لم يأت عنهم فيها نحو: المهح، ولا البحع، ولا الرخغ لما ذكرت لك. ولهذا أيضا ما جاء عنهم نحو: الشمم، والخبب10، والحفف11، ولم يأت نحو: السمب، ولا الحبف، ولا الخعم، وذلك أن الصوت إذا انتحى مخرج حرف، فأجرس فيه، ثم أريد نقله عنه، فالأخلق بالحال أن يعتمد به مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان، فيعذبا بتراخيهما، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان، فيعذبا بتراخيهما، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج يجاوره وصدى يناسبه، ففيه من الكلفة ما في نقد الدينار من الدينار ونحو ذلك، ففي هذا إشكال، وفيهما إذا تباعدا من الكلفة ما في نقد الدينار من الدرهم، أو نحو ذلك، وهذا أمر واضح غير مشكل، فلذلك حسن تأليف ما تباعد من الحروف، وكان   1 سبق تخريجه. 2 سبق شرحه. 3 مأجج: موضع. اللسان "2/ 207" مادة/ أجج. 4 فرس أمق: بعيد ما بين الفروج، طويل بين الطول. اللسان "10/ 346" مادة/ مقق. 5 فوه: يقال: مج الشراب والشئ من فيه: رماه ومج بريقه: لفظه. اللسان "2/ 361". 6 أجت النار: تلهبت وكان للهيبها صوت. اللسان "2/ 206" مادة/ أجج. 7 سكة: الطريق. اللسان "10/ 441". 8 البعع: الجهاز والمتاع. اللسان "8/ 17". 9 اللين: وهو ضد الخشونة. اللسان "13/ 394" مادة/ لين. 10 الخبب: مصدر خب، أي السرعة. اللسان "341" مادة/ خبب. 11 الحفف: الجمع، وقيل: الضيق، والحاجة. اللسان "9/ 49-50" مادة/ حفف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 تضعيف الحرف عليهم أسهل من تأليفه مع ما يجاوره، فلأجل ذلك أنه لما أراد بنو تميم إسكان العين من "معهم" استكرهوا أن يقولوا "معهم" فأبدلوا الحرفين حاءين، وأدغموا الأولى في الآخرة، فقالوا "محم" فكان ذلك أسهل عليهم من اللفظ بالحرفين المقتربين. فقد تحصل لنا من هذه القضايا أن الحروف في التأليف على ثلاثة أضرب: أحدها: تأليف المتباعدة، وهو الأحسن. والآخر: تضعيف الحرف نفسه، وهو يلي القسم الأول في الحسن. والآخر: تأليف المتجاورة، وهو دون الاثنين الأولين، فإما رفض البتة، وإما قل استعماله. فإن قلت: ألست تعلم أن الإمالة إنما وقعت في الكلام ليتقارب الصوتان، وذلك أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف نحو الياء، نحو "مالك" و"حاتم" وكذلك الحرفان إذا ضورع بأحدهما صاحبه نحو "مزدر" و"تزدير" أو أدني منه، تقلبه إلى حرف آخر صريح، نحو "صبقت" في "سبقت" و"صقت" في "سقت" و"صويق" في "سويق". فإذا كانوا من إيثار المضارعة والتقريب على ما تراه فمن أين ساغ لك أن تقضي عليهم بكلفة التقارب في المخارج نحو الذال مع الثاء، والسين مع الصاد؟ فالجواب: أن الحس أعدل شاهد، وذلك أنك إذا قلت: "دث" أو "سص" أو "كق" أو "حع" رأيت الكلفة ظاهرة والمؤونة مجحفة، فأما تقريب الحرف من الحرف فليس ذلك التقريب بينهما بمصير للمقرب إلى حرف يجاور المقرب منه، وإنما هي مضارعة وإيجاد حروف فروع غير أصول، وهي التي ذكرناها في أول هذا الكتاب. ألا ترى أن ألف الإمالة والصاد التي كالزاي إنما هما من الفروع الستة، وليستا بأصلين مستقرين كالثاء ولا السين ولا الجيم اللواتي إذا ضممتهن إلى مجاروهن فقد استعملت هناك أصولا مستقرة، ولم ترتجل فروعا يمكن التسلط عليها وقلة الحفل بها وأما من أخلصها زايا فقال "مزدر" فإنما جاز ذلك له لأن الزاي ليست من مخرج الدال، فلما بعدا حسن الجمع بينهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وأما قلب السين من "سُقت" صادا لأجل القاف فليست الصاد أختا للقاف ولا مجاورة لها كالكاف والجيم، ألا ترى أن القاف من أصل اللسان والصاد من صدره وأسلته، وإنما جمع بينهما ما فيهما من الاستعلاء، وهما على كل حال بائنتان متراخيتان. أولا ترى أن الشين تؤلف مع الضاد لما بينهما من التجاور والاستطالة، إلا أنهم جمعوا بينها وبين حروف وسط الفم، فقالوا: "شَصاصاء"1 و"شَصَبَ"2 و"شَزَبَ"3 و"شزر"4 و"شسف"5 و"شسع"6، ولم يفعلوا ذلك حتى بدأوا بالشين التي هي أقوى، ولو قدمت واحدة من الصاد أو السين أو الزاي على الشين لم يجز؛ ألا ترى أنه ليس في الكلام نحو "سَشَّ" ولا "زَشَّ" ولا "صش". وحروف الصفير -وهي الصاد والسين والزاي- لا يتركب بعضها مع بعض، ليس في الكلام مثل: "سص" ولا "صس" ولا "سز" ولا "زس" ولا "زص"ولا "صز". وكذلك الطاء والدال والتاء لا يتركبن إلا أن تتقدم الطاء والتاء على الدال، نحو "وتد" و"محتد" و"وطد". وكذلك الظاء والذال والثاء. فأما الراء واللام والنون فمتى تقدمت الراء على كل واحدة منهما، جاز ذل نحو "ورل" و"أرل" و"رنة" و"رند"8، ولو قدمت واحدة منهما على الراء لم يجز لأنهما أقوى منهما، فينبغي إذا تداني9 الحرفان أن يبدأ بالأقوى منهما، فيعتمد عليه، ويتلوه الآخر تبعا له. فأما "الخُلَّر" فاسم أعجمى، وإنما كلامنا على اللغة العربية. وأما قولهم "دَنّر يُدنِّر"10 و"رجل مدنر ومزنر"11، فإنما جاز   1 شصاصاء: اليبس والجفوف والغلظ. اللسان "7/ 47" مادة/ شصص. 2 شصب: الشدة والجذب. اللسان "1/ 495" مادة/ شصب. 3 شزب: شزب الحيوان: ضمر. اللسان "1/ 494" مادة/ شزب. 4 شزر: شزر الحبل: فتله، وشزر فلانا، وإليه: نظر إليه بمؤخر عينه. 5 شسف الشيء: يبس. اللسان "9/ 176". 6 شسع: بعد. اللسان "8/ 180". 7 وطد: رسا وثبت. اللسان "3/ 461" مادة/ وطد. 8 رند: هـ العود الذي يتبخر به. اللسان "3/ 186". 9 تداني: تقارب. 10 دنر: دنر الوجه: أشرق وتلألأ كالدينار. اللسان "4/ 292" مادة/ دنر. 11 مدنر: كثير الدنانير. مزنر: الطويل العظيم الجسم. اللسان "4/ 330". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 فيه أن تتقدم النون على الراء لأن النون مشددة، فقويت بذلك، فصار لها حكم لولا التشديد لم يكن؛ ألا ترى أن الواو والياء إذا كانتا غير مشددتين اعتلتا نحو: "مِيعاد" و"مُوسِر" و"قام" و"باع" فإذا شُددتا تحصنتا، فقويتا، فلم تعلا، وذلك نحو "اجلِواذّ" و"سُيَّل"1، وكذلك القول في "مدنر" لتشديد النون، وكذلك "مصنر"، وانضاف إلى تشديد النون أيضًا أن الحرفين متأخران، وليست النون في أول الكلمة، وإنما اعتماد أولها على الميم قبل الدال والزاي والصاد في: "مدنر" و"مزنر" و"مصنر". ويدلك على أن الاعتلال والتضعيف واحتمال الحروف المكروهة التأليف بأواخر الحرف أولى منها بأوله إعلالهم نحو "غازية" و"محنية"2، وهما من "غزوت" و"حنوت" وأصلهما "غازوة" و"محنوة" فقلبت الواو ياء وإن كانت مفتوحة، ولم تحصنها الحركة من القلب كما حصنتها في نحو "حول" و"طول" و"تولة"3 لما كانت في "غازية" و"محنية" متأخرة، ولأجل ذلك ما تجد التضعيف في آخر الحرف كثيرًا واسعا، نحو: صددت، ومددت، وحللت، وبللت، وفررت، ومررت، وسببت، وصببت، ونحو: الشمم، والزمم4، والصدد5، والبدد6، ولا تكاد تجده أولا البتة إلا شاذا نحو "ددن"7 و"ببان"8. فأما "ببة" فإنما لقب بالصوت الذي كانت أمه ترقصه به. وأما "ببر"10 فأعجمي، فالفاء والعين لا يكونان من لفظ واحد إلا شاذا،   1 سيل: جمع سائل، من سال يسيل. اللسان "11/ 350-351" مادة/ سيل. 2 محنية: واحدة المحاني وهي معاطف الأدوية. اللسان "14/ 204" مادة/ حنا. 3 تولة: ضرب من الخرز يوضع للسحر فتجبب بها المرأة إلى زوجها. اللسان "11/ 81". 4 الزمم: أمر زمم: تعدد لم يجاوز القدر. 5 الصدد: الناحية. 6 البدد: تباعد ما بين الفخذين في الناس من كثرة لحمهما. 7 ددن: اللهو واللعب. 8 ببان: الطريق المعتدل ويقال هم ببان واحد، وعلى ببان واحد. اللسان "13/ 45" مادة/ ببن. 9 ببة: لقب عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب. والببة: هو الغلام السمين وقيل الأحمق الثقيل. اللسان "1/ 222-223" مادة/ ببب. 10 ببر: الفرانق الذي يعادي الأسد. اللسان "4/ 37" مادة/ ببر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 لا سيما إذا توالتا ولم يفصل بينهما. فأما "كوكب" و"أبَنْبَم"1 و"دَوْدَرّى"2 فقد فصل بينهما. وأما "أول" فإن الابتداء وقع بالهمزة، لاسيما وقد أدغمت الفاء في العين، فلم تظهر، فينبأ عنها. وأما الفاء واللام فأوسع من هذا الباب، وذلك نحو: "سلس" و"قلق" و"دعد" و"يديت إليه يدا" و"واو" و"قوق"3 و"طوط" و"بيبة"5. وأما العين واللام فهو الباب، نحو ما قدمناه من "صددت" و"مددت" و"فررت" و"قررت". وقد كنا قدمنا في أول رسالة هذا الكتاب شيئًا من هذا الفصل الذي نحن فيه، فتركنا إعادته هنا.   1 أبنم: موضع. 2 دودري: الطويل الخصيتين. اللسان "4/ 279" مادة/ ددر. 3 قوق: الطويل الوائم. اللسان "10/ 324" مادة/ قوق. 4 طوط: الفحل المغتلم الهائح، يوصف به الرجل الشجاع. اللسان "7/ 346" مادة/ طوط. 5 بيبة: هي مجرى الماء إلى الحوض، وقيل هي فتحة الحوض التي يفرغ بها ماؤه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وهذا فصل: ل إفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم الهمزة: إذا أمرت من "وأى يئي" أي: وعد قلت: يا زيدُ إِ عمرًا، معناه: عِدْ عمرا، والوأي: الوعد، وتقول في التثنية "إيا" وفي الجماعة المذكرين "أُوْا" وللمرأة "إي" وللمرأتين "إيا" كالمذكرين، وللنساء "إين" كقولك: عد، وعدا، وعدوا، وعدي، وعدا، وعدن، فحذف الياء من "إ" علامة الوقف، وحذف النون من "إيا" و"أؤا" علامة الوقف أيضًا، وكذلك حذف النون من قولك للمرأة "إي" علامة الوقف، والياء التي في قولك "عدي"، والأصل فيه "إيي" مثل "عدي" فأسكنت الياء استثقالا للكسرة عليها، وحذفت لسكونها وسكون ياء الضمير بعدها. والياء في "إيا" لام الفعل بمنزلة دال "عدا". والياء أيضًا في "إين" لام الفعل بمنزلة دال "عدن" والنون بعدها علامة الجمع والضمير المؤنث كنون "عدن". فقد شرحنا حال هذه الأحكام، فأغنى عن إعادة مثله في ما نستقبل. الباء: يقال: بأي الرجل يبأى إذا فخر، فإذا أمرت منه قلت: ابأ يا رجل، أي: افخر، فإن خففت الهمزة قلت: ب يا رجل، وذلك أنك حذفت الهمزة، وألقيت فتحتها على الباء، فلما تحركت الباء استغنيت عن ألف الوصل لتحرك ما بعدها فقلت: ب يا رجل، فإن ثنيت قلت على التحقيق: ابأيا، وعلى التخفيف: بيا. وللجماعة على التحقيق: ابأؤا، وعلى التخفيف: بوا. وللمراة على التحقيق: ابأي بوزن ابعي، وعلى التخفيف: بي، وللمرأتين كالرجلين، ولجماعة النساء على التحقيق ابأين بوزن ابعين، وعلى التخفيف: بين، فاعرفه، أنشدنا أبو علي1: أقول والعيسُ تَبا بِوَهْد2   1 اللسان "بأي" "14/ 64" والتاج "بأو" "10/ 30". 2 العيس: الإبل البيض مع شقرة يسيرة. اللسان "6/ 152" مادة/ عيس. الوهد: المكان المنخفض كأنه حفرة. اللسان "3/ 470-471" مادة/ وهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 أي: تبأى، أي تتعالى في السير، وتتسامى فيه، فخفف الهمزة على ما ذكرنا. التاء: لغة لبعض العرب تقول في الأمر من أتى يأتي: تِ زيدا، فتحذف الهمزة تخفيفًا كما حذفت من: خذ، وكل، ومر. قال شاعرهم1: تِ لي آلَ زيد فاندُهُم لي جماعةً ... وسل آل زيد أيُّ شيء يضيرها وتقول على هذه اللغة للاثنين: تيا، وللحماعة: توا، وللمؤنث: تي، وتيا، وتين. الثاء: يقال: ثأى الخرز يثأى إذا غلظ الإشْفَى ودَقَّ السير، وأصل الثأْي الفساد على ما ذكرناه. فإذا أمرت قلت: اثْأَ يا خرز، فإن خفضت قلت: ثِ يا خرز، وثيا، وثوا، وثين وثيا، وثين على ما قدمناه من حال التخفيف في باب الباء. الجيم: يقال: جَئِيَ الفرس يجأى جأى وجؤوة، إذا ضرب لونه إلى لون صدأ الحديد، قال ذو الرمة، أنشدناه أبو علي: تنازعها لونان وَرْدٌ وجُؤْوةٌ ... ترى لإياء الشمس فيه تَحَدُّرا2 فإذا أمرت قلت: اجأ يا فرس، فإن خففت قلت: جِ يا فرس، وجيَا وجَوْا، وجي، وجيا، وجين على ما تقدم في باب الباء والثاء. ولغة لبعض العرب "جا يجي" بغير همز، فإذا أمرت قلت: جِ يا رجل، وجيا، وجوا، وجي يا امرأة، وجيا، وجين، فاعرفه. الحاء: يقال: وحى إليه يحيى، وأوحى إليه يوحي، قال العجاج3: وحى لها القرار، فاستقرت ... ومدها بالراسيات الثبت4   1 لم نجده. 2 سبق شرحه. 3 البيتان في ديوانه "ص266". 4 تم تخرجيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وقال الله عز وجل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] وهو كثير. فإذا أمرت من "وحى" قلت: حِ يارجل، وحيا، وحوا، وللمؤنث "حي، وحيا، وحين" على ما قدمناه في باب الهمزة. الخاء: يقال: وخيت الشيء أخيه، أي: قصدته وتعمدته، ومنه: توخيت كذا قال1: ...................... ... أنَّى وَخَى فإذا أمرت قلت: خِ يا رجل، وخيا، وخوا، وخي يا امرأة، وخيا، وخين، على ما تقدم. الدال: يقال: وَدَى العرق يدي إذا سال، ومنه قيل "الوادي" لأنه مسيل الماء، أنشدنا أبو علي2: كأن عِرْق أيْره إذا ودى ... حبل عجوز ضَفَرَت سبع قُوى3 فإن أمرت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي يا امرأة، وديا، ودين، على ما سلف. ويقال أيضًا: دأيت للشئ أدأى، إذا ختلته، قال4: كالذئب يدأى للغزال يخْتِلُه5 فإن أمرت قلت: ادْأَ يا رجل، فإن خففت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي يا امرأة، وديا، ودين، على ما سلف من التصريف. الذال: يقال: ذأى الفرس يذأى ذأيا إذا كان كثير الجري سريعه خفيفه، وفرس مذأى، قال العجاج6:   1 لم نعثر على قائله. 2 سبق تعريفه. 3 البيت جاء في اللسان ونسبه صاحبه إلى الأغلب "15/ 384". 4 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 517" واللسان "دأى" "14/ 248". 5 البيت للعجاج حيث جاء في ديوانه "ص385" والشاهد في قوله "يدأى" 6 ديوانه "ص385". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 بَعيد نضْحِ الماء مذْأى مِهْرَجا1 فإذا أمرت قلت: اذْأَ يا فرس. فإن خففت قلت: ذَهْ، وذيا، وذوا، وذي يا امرأة، وذيا، وذين، على ما تقدم عليه القول. الراء: يقال: رأيت الرجل إذا أبصرته، ورأيته إذا ضربتَ رئته، إلا أن العرب اجتمعت على تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقالوا: أرى، والأصل: أرأى، فخففوا الهمزة بأن حذفوها وألقوا فتحتها على الراء، ولم يأت التحقيق في المضارع إلا شاذا، أنشدنا أبو علي لسراقة البارقي2: أُري عينيَّ ما لم تَرأَيَاهُ ... كلانا عالمٌ بالترَّهات3 وقرأت عليه في الهمز عن أبي زيد4: ثم استمر بها شيحانُ مُبْتَجِحٌ ... بالبَين عنك بما يرآك شَنآنا فإن أمرت على شائع اللغة فيها -وهو التخفيف- قلت: رِ يا زيد، وريا، وروا، وري يا هند، وريا، ورين. وإن أمرت من رأيت الصيد على التحقيق -وهو المعروف فيه- قلت: ارْأَ. فإن خففت جرى مجرى تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقلت: رَهْ، ورَيا، ورَوا، ورَيْ، وريا، ورين. ويقال أيضًا: وَرَتْ بك زنادي، ووراه الله، أي: أدوى جوفه. قال سيحم5: ورَاهُنَّ ربي مثل ما قد وَرَيتَني ... وأحمَى على أكبادهن المكاويا6 فإن أمرت منهما جميعًا قلت: رِ يا رجل، ورِيا، ورُوا، وري يا امرأة، وريا، ورين، على ما تقدم.   1 سبق شرحه. 2 سبق تخريجه. 3 سبق شرحه. 4 سبق تخريجه. 5 هو سحيم عبد بني الحسحاس. ديوانه "ص24". 6 الشاهد في قوله "ورينني". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 الزاي: يقال: وَزَى الشيء يزي إذا اجتمع وتقبض. فإن أمرت قلت: زِ يا رجل، وزيا، وزوا، وزي يا امرأة، وزيا، وزين، على التفسير الفارط. السين: يقول بعض العرب "سا يسو" بحذف الهمزة البتة تخفيفًا، فتقول على هذا الأمر: س يا رجل، وسوا، وسوا، وسي يا امرأة، وسوا، وسون. والأصل في "سي" لملؤنث: "سُوِي" ووزنه "فُعِي" لأن لامه محذوفة البتة على غير قياس، فثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى السين، وحذفت الواو لسكونها وسكون الياء بعدها، فصار "سي". الشين: يقال: وشيت الثوب أشيه إذا نقشته وحسنته، ووشيت الحديث أشيه، أي: نمقته وزينته، فإذا أمرت قلت: ش يا رجل، وشيا وشوا، وشي يا امرأة، وشيا، وشين. ويقال: شأوت الرجل، أي: سبقته، وشأوته: حَزَنته، ومضارعهما: يشأى، فإذا أمرت قلت: اشْأَ. فإن خففت قلت: شِ يا رجل، وشيا، وشوا، وشي يا امرأة، وشيا، وشين. الصاد: يقال: وصى الشيء يصي فهو واص، أي: متصل. قال ذو الرمة1: بين الرجا والرجا من جَيْبِ واصيةٍ ... يهماءُ خابطها بالخوف معكوم وقال الآخر2: يأكلن من قُرَّاص ... وحمصيصٍ واص3 فإن أمرت قلت: صِ يا رجل، وصيا، وصوا، وصي يا امرأة، وصيا، وصين.   1 البيت ينسب لذي الرمة. وهو في ديوانه "ص407". 2 لم نعثر على قائله. 3 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "حمص" "7/ 17"، وكذا صاحب المنصف "3/ 89". والشاهد في قوله "واص". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 ويقال أيضًا: صأى الفرخ1 يصئي صئيا. فإذا أمرت قلت: اصء. فإن خففت قلت: ص، وصيا، وصوا، وصي، وصيا، وصين، فوزن "ص" من هذا المهموز "فل" لأن العين محذوفة للتخفيف، ووزنه من الأول وهو وصى يصي "عل" لأن الفاء محذوفة كما تحذف من وعد يعد، فاللفظان على هذا متفقان من أصلين مختلفين. الضاد: غفل لم يأت فيها شيء. الطاء: مثله. الظاء: مثله. العين: يقال: وعيت العلم إذا حفظته، ووعيت الكلام، أي: حفظته، قال الله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: من الآية 12] فإذا أمرت قلت: ع يا رجل، وعيا، وعوا، وعي يا امرأة، وعيا، وعين. الغين: غفل. الفاء: يقال: وفى بالعهد يفي، وأوفى يوفي، قال2: أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها3 فجمع بين اللغتين. فإن أمرت من "وفيت" قلت: فِ يا رجل، وفيا، وفوا، وفي يا امرأة، وفيا، وفين، على قياس ما مضى. القاف: يقال: وقيت الرجل أقيه. فإذا أمرت قلت: قِ يا رجل، وقيا، وقوا، وقي يا امرأة، وقيا، وقين، قال الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: من الآية 6] 4 وقياسه ما سبق ذكره.   1 صأى الفرخ: صاح. اللسان "14/ 449" مادة/ صأى. 2 قيل هو طفيل الغنوي وهو في ديوانه "ص113". 3 والشاهد في قوله "أوفى". 4 الشاهد في قوله "قوا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 الكاف: يقال: أوكيت السقاء ووكيته إذا شددته بالوكاء. فإن أمرت من "وكيته أكيه" قلت: كِ يا رجل، وكيا، وكوا، وكي يا امرأة، وكيا، وكين، وشرحه على ما تقدم في وفيت ووقيت. اللام: يقال: وليت الأمر أليه. فإذا أمرت قلت: لِ يا رجل، وليا، ولوا، ولي يا امرأة، وليا، ولين. قال ذو الرمة1: لني ولية تمرع جنابي فإنني ... لو سمي ما أوليت من ذاك شاكر2 الميم: يقال: مأت الهرة تمؤو، فإن أمرت قلت: امؤ يا هر. فإن خففت ألقيت ضمة الهمزة على الميم، وحذفت الهمزة، ثم حذفت همزة الوصل من أول الكلمة لتحرك ما بعدها، فقلت: م يا هر، وموا، وموا، ومي يا هرة، وموا، كالمذكرين، ومون. وهذا حف غريب، وقياسه ما ذكرت. النون: يقال: ونيت في الأمر أني ونيا. فإن أمرت قلت: نِ يا رجل، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين، قال الله سبحانه: {تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: من الآية 42] 3. قال العجاج4: فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر5 ويقال أيضًا: نأيت حول البيت نؤيا6، وأنانيت، وأنايت، وأنايت أيضًا حوله نؤيا، حكاهما جميعًا أبو زيد في كتاب همزه. فإن أمرت من "نأيت أنأى" قلت: انأ يا زيد نؤيا مثل انع نعيا. فإن خففت قلت: نِ نؤيا، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين.   1 سبق تعريفه. 2 سبق تخريجه. 3 الشاهد في قوله تعالى "تنيا". 4 ديوانه "ص8". 5 الشاهد في قوله "ونى". 6 نؤيا: نأيت نؤيا: عملته، والنؤى: مجرى يحفر حول الخيمة أو الخباء يقيها السيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وحكى أبو زيد في كتاب همزه المقيس أن من العرب من يقول: يا زيد نِ نؤيك، أخرجه على التخفيف الذي قدمنا ذكره. الهاء: يقال: وَهَى الأمر يهيي، فهو واه. قال زهير1: .................................. ... فأصبح الحبل منها واهيًا خلقا2 فإن أمرت قلت: هِ يا رجل3، وهيا، وهوا يا رجال، وهي، وهيا، وهين. الواو: غفل. المدة: غفل. الياء: غفل.   1 سبق تعريفه. 2 سبق تخريجه. 3 هِ يا رجل: أي افعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 هذا آخر كتابنا الموسوم بسر الصناعة. ونرجو أن يكون الله تعالى قد وفقنا فيه للصواب. ولم يذهب بنا وبه عن طريق الرشاد. وعند الله نحتسب ما أودعناه. وإياه نسترعي من محاسنه وبدائعه ما تسمحنا به فضمناه. إنه كافينا، وعليه توكلنا، وهو حسبنا. وصلى الله على خيرته من خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى الكتاب والحمد لله أولا وآخرًا1.   1 تنبيه: لقد استعنا في تحقيق الجزء الثاني في كتاب سر صناعة الإعراب بلسان العرب لابن منظور طبعة دار صادر "1/ 15"، وكنا قد حققنا الجزء الأول من سر صناعة الإعراب من نسخة المعارف المرتبة "1/ 6". طلب العلم/ محمد فارس. في 7/ رمضان/ 1419 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الفهرس : الموضوع الصفحة باب اللام 5 باب لحاق اللام الأفعال 63 باب الميم 89 باب النون 107 باب الهاء 203 إبدال الهاء من الألف 207 إبدال الهاء من الياء 209 إبدال الهاء من الواو 213 إبدال الهاء من التاء 215 زيادة الهاء 215 حرف الواو 223 إبدال الواو 223 إبدال الواو من الألف 227 إبدال الواو من الألف المبدلة 229 إبدال الواو من الألف الزائدة 230 إبدال الواو من الياء المبدلة 233 إبدال الواو من الياء الزائدة 240 زيادة الواو 241 حرف الألف الساكنة 241 كون الألف أصلا 295 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 الموضوع الصفحة إبدال الألف 304 إبدال الألف عن الهمزة 305 إبدال الألف عن الياء والواو 307 إبدال الألف عن النون الساكنة 314 زيادة الألف 325 حرف الياء 361 إبدال الياء 363 إبدال الياء من الواو 364 إبدال الياء من الهمزة 368 إبدال الياء من الهاء 371 إبدال الياء من السين 371 إبدال الياء من الباء 372 إبدال الياء من الرا 372 إبدال الياء من النون 383 إبدال الياء من اللام 384 إبدال الياء من الصاد 384 إبدال الياء من الضاد 385 إبدال الياء من الميم 386 إبدال الياء من الدال 387 إبدال الياء من العين 387 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 الموضوع الصفحة إبدال الياء من الكاف 388 إبدال الياء من التاء 388 إبدال الياء من الثاء 389 إبدال الياء من الجيم 389 زيادة الياء 391 فصل في تصريف حروف المعجم واشتقاقها وجمعها 405 فصل في مذهب مزج العرب الحروف بعضها ببعض 427 فصل في إفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم 435 الفهرس 445 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447