الكتاب: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار المؤلف: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي المؤرخ (المتوفى: 1237هـ) الناشر: دار الجيل بيروت عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار الجبرتي الكتاب: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار المؤلف: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي المؤرخ (المتوفى: 1237هـ) الناشر: دار الجيل بيروت عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] المجلد الأول مقدمة ... مقدمة. اعلم أن الله تعالى لما خلق الأرض ودحاها وأخرج منها ماءها ومرعاها وبث فيها من كل دابة وقدر اقواتها احوج بعض الناس إلى بعض في ترتيب معايشهم ومآكلهم وتحصيل ملابسهم ومساكنهم لأنهم ليسوا كسائر الحيوانات التي تحصل ما تحتاج إليه بغير صنعة. فإن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفا لا يستقل وحده بامر معاشه لاحتياجه إلى غذاء ومسكن ولباس وسلاح فجعلهم الله تعالى يتعاضدون يتعاونون في تحصيلها وترتيبها بان يزرع هذا الذاك ويخبز ذاك لهذا وعلى هذا القياس تتم سائر أمورهم ومصالحهم وركز في نفوسهم الظلم والعدل. ثم مست الحاجة بينهم ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة توزن به حركاتهم وسكناتهم وترجع إليه طاعاتهم ومعاملاتهم فانزل الله كتابه بالحق وميزانه بالعدل كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} . قال علماء التفسير المراد بالكتاب والميزان العلم والعدل وكانت مباشرة هذا الأمر من الله بنفسه من غير واسطة وسبب على خلاف ترتيب المملكة وقانون الحكمة فاستخلف فيها من الآدميين خلائف ووضع في قلوبهم العلم والعدل ليحكموا بهما بين الناس حتى يصدر تدبيرهم عن دين مشروع وتجتمع كلمتهم على رأي متبوع ولو تنازعوا في وضع الشريعة لفسد نظامهم واختل معاشهم. فمعنى الخلافة هو أن ينوب أحد مناب آخر في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 التصرف واقفا على حدود أوامره ونواهيه وأما معنى العدالة فهي خلق في النفس أو صفة في الذات تقتضي المساواة لأنها أكمل الفضائل لشمول اثرها وعموم منفعتها كل شيء وإنما الإنسان عادلا لما وهبه الله قسطا من عدله وجعله سببا وواسطة لايصال فيض واستخلفه في ارضه بهذه الصفة حتى يحكم بين الناس بالحق والعدل كما قال تعالى: {يَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} . وخلائف الله هم القائمون بالقسط والعدالة في طريق الأستقامة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والعدالة تابعة للعلم باوساط الأمور المعبر عنها في الشريعة بالصراط المستقيم. وقوله تعالى: {أن رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إشارة إلى أن العدالة الحقيقة ليست إلا لله تعالى فهو العادل الحقيقي الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ووضع كل شيء على مقتضى علمه الكامل وعدله الشامل. وقوله صلى الله عليه وسلم "بالعدل قامت السموات والأرض" اشارة إلى عدل الله تعالى الذي جعل لكل شيء قدرا لو فرض فارض زائدا عليه أو ناقصا عنه لم ينتظم الوجود على هذا النظام بهذا التمام والكمال. اصناف العدل من الخلائق خمسة ورفع الله بعضهم فوق بعض درجات كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} . الأول: الانبياء عليهم الصلاة والسلام فهم ادلاء الأمة وعمد الدين ومعادن حكم الكتاب وأمناء الله في خلقه هم السرج المنيرة على سبيل الهدى وحملة الامانة عن الله إلى خلقه بالهداية بعثهم الله رسلا إلى قومهم وانزل معهم الكتاب والميزان ولا يتعدون حدود ما أنزل الله إليهم من الأوامر والزواجر ارشادا وهداية لهم حتى يقوم الناس بالقسط والحق ويخرجونهم من ظلمات الكفر والطغيان إلى نور اليقظة والايمان وهم سبب نجاتهم من دركات جهنم إلى درجات الجنان وميزان عدالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدين المشروع الذي وصاهم الله باقامته في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} فكل أمر من أمور الخلائق دنيا واخرى عاجلا وآجلا قولا وفعلا حركة وسكونا جار على نهج العدالة ما دام موزونا بهذا الميزان ومنحرف عنها بقدر انحرافه عنه ولا تصح الاقامة بالعدالة إلا بالعلم وهو اتباع احكام الكتاب والسنة. الثاني: العلماء الذين هم ورثة الانبياء فهم فهموا مقامات القدوة من الانبياء وإن لم يعطوا درجاتهم واقتدوا بهداهم واقتفوا آثارهم إذ هم أحباب الله وصفوته من خلقه ومشرق نور حكمته فصدقوا بما اتوا به وسروا على سبيلهم وأيدوا دعوتهم ونشروا حكمتهم كشفا وفهما ذوقا وتحقيقا ايمانا وعلما بكمال المتابعة لهم ظاهرا وباطنا. فلا يزالون مواظبين على تمهيد قواعد العدل واظهار الحق برفع منار الشرع وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى برعاية الاحوط في الفتوى تزهدا للرخص لأنهم امناء لله في العالم وخلاصة بني ادم مخلصون في مقام العبودية مجتهدون في اتباع احكام الشريعة عن باب الحبيب لا يبرحون ومن خشية ربهم مشفقون مقبلون على الله تعالى بطهارة الأسرار وطائرون إليه باجنحة العلم والانوار هم أبطال ميادين العظمة وبلابل بساتين العلم والمكالمة. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وتلذذوا بنعيم المشاهدة ولهم عند ربهم ما يشتهون وما ظهر في هذا الزمان من الاختلال في حال البعض من حب الجاه والمال والرياسة والمنصب والحسد والحقد لا يقدح في حال الجميع لأنه لا يخلو الزمان من محقيهم وإن كثر المبطلون ولكنهم اخفياء مستورون تحت قباب الخمول لا تكشف عن حالهم يد الغيرة الألهية والحكمة الأزلية. وهم آحاد الأكوان وافراد الزمان وخلفاء الرحمن وهم مصابيح الغيوب مفاتيح اقفال القلوب وهم خلاصة خاصة الله من خلقه وما برحوا أبدا في مقعد صدقه بهم يهتدي كل حيران ويرتوي كل ظمآن وذلك أن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مطلع شمس مشارق أنوارهم مقتبس من مشكاة النبوة المصطفوية ومعدن شجرة اسرارهم مؤيد بالكتاب والسنة لا أحصي ثناء عليهم أفض اللهم علينا مما لديهم. الثالث: الملوك وولاة الأمور يراعون العدل والانصاف بين الناس والرعايا توصلا إلى نظام المملكة وتوسلا إلى قوام السلطنة لسلامة الناس في أموالهم وابدانهم وعمارة بلدانهم ولولا قهرهم وسطوتهم لتسلط القوي على الضعيف والدنيء على الشريف. فرأس المملكة واركانها وثبات احوال الأمة وبنيانها العدل والانصاف سواء كانت الدولة اسلامية أو غير اسلامية فهما اس كل مملكة وبنيان كل سعادة ومكرمة. فإن الله تعالى أمر بالعدل ولم تكتف به حتى اضاف إليه الاحسان فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} لأن بالعدل ثبات الأشياء ودوامها وبالجور والظلم خرابها وزوالها فإن الطباع البشرية مجبولة على حب الانتصاف من الخصوم وعدم الإنصاف لهم والظلم والجور كامن في النفوس لا يظهر إلا بالقدرة كما قيل: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم فلولا قانون السياسة وميزان العدالة لم يقدر مصل على صلاته ولا عالم على نشر علمه ولا تاجر على سفره. فان قيل: فما حد الملك العادل قلنا هو مما قال العلماء بالله من عدل بين العباد وتحذر عن الجور والفساد حسبما ذكره رضي الصوفي في كتابه المسمى بقلادة الأرواح وسعادة الافراح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها" وفي حديث آخر: "والذي نفس محمد بيده أنه ليرفع للملك العادل إلى السماء مثل عمل الرعية وكل صلاة يصليها تعدل سبعين ألف صلاة" وكأن الملك العادل قد عبد الله بعبادة كل عابد وقام له بشكر كل شاكر فمن لم يعرف قدر هذه النعمة الكبرى والسعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 العظمى واشتغل بظلمه وهواه يخاف عليه بان يجعله الله من جملة اعدائه وتعرض إلى اشد العذاب كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة وأقربهم منه إمام عادل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى وأشدهم عذابا يوم القيامة إمام جائر" فمن عدل في حكمه وكف عن ظلمه نصره الحق واطاعه الخلق وصفت له النعمى واقبلت عليه الدنيا فتهنأ بالعيش واستغنى عن الجيش وملك القلوب وأمن الحروب وصارت طاعته فرضا وظلت رعيته جندا لأن الله تعالى ما خلق شيئا احلى مذاقا من العدل ولا أروح إلى القلوب من الانصاف ولا أمر من الجور ولا أشنع من الظلم. فالواجب على الملك وعلى ولاة الأمور أن لا يقطع في باب العدل إلا بالكتاب والسنة لأنه يتصرف في ملك الله وعباد الله بشريعة نبيه ورسوله نيابة عن تلك الحضرة ومستخلفا عن ذلك الجناب المقدس ولا يأمن من سطوات ربه وقهره فيما يخالف امره فينبغي أن يحترز عن الجور والمخالفة والظلم والجهل فإنه احوج الناس إلى معرفة العلم واتباع الكتاب والسنة وحفظ قانون الشرع والعدالة فإنه منتصب لمصالح العباد واصلاح البلاد وملتزم بفصل خصوماتهم وقطع النزاع بينهم وهو حامي الشريعة بالإسلام فلا بد من معرفة احكامها والعلم بحلالها وحرامها ليتوصل بذلك إلى ابراء ذمته وضبط مملكته وحفظ رعيته فيجتمع له مصلحة دينه ودنياه وتمتلىء القلوب بمحبته والدعاء له فيكون ذلك اقوم لعمود ملكه وأدوم لبقائه وابلغ الأشياء في حفظ المملكة العدل والانصاف على الرعية. وقيل لحكيم أيما افضل العدل أم الشجاعة فقال من عدل استغنى عن الشجاعة لأن العدل اقوى جيش وأهنأ عيش. وقال الفضيل بن عياض النظر إلى وجه الإمام العادل عبادة وإن المقسطين عند الله على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 سفيان الثوري: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة الملوك والعلماء" والملك العادل هو الذي يقضي بكتاب الله عز وجل ويشفق على الرعية شفقة الرجل على أهله. روى ابن يسار عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما وال ولي من أمر أمتي شيئا فلم ينصح لهم ويجتهد كنصيحته وجهده لنفسه كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار". الرابع أوساط الناس يراعون العدل في معاملاتهم وأروش جناياتهم بالانصاف فهم يكافؤون الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها. الخامس القائمون بسياسة نفوسهم وتعديل قواهم وضبط جوارحهم وانخراطهم في سلك العدول لأن كل فرد من افراد الإنسان مسؤول عن رعاية رعيته التي هي جوارحه وقواه كما ورد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قيل: صاحب الدار مسؤول عن أهل بيته وحاشيته. ولا تؤثر عدالة الشخص في غيره ما لم تؤثر أولا في نفسها إذ التأثير في البعيد قبل القريب بعيد. وقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} دليل على ذلك والإنسان متصف بالخلافة لقوله تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . ولا تصح خلافة الله إلا بطهارة النفس كما أن اشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم فما اقبح بالمرء أن يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه كما قال حكيم لجاهل صبيح الوجه: أما البيت فحسن وأما ساكنه فقبيح. وطهارة النفس شرط في صحة الخلافة وكمال العبادة ولا يصح نجس النفس لخلافة الله تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر النفس قد ازيل رجسه ونجسه. فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة فنجاسة البدن يمكن إدراكها بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة كما اشار له بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} . فان الخلافة هي الطاعة والاقتدار على قدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 طاقة الإنسان في أكتساب الكمالات النفسية والاجتهاد بالاخلاص في العبودية والتخلق باخلاق الربوبية ومن لم يكن طاهر النفس لم يكن طاهر الفعل. فكل إناء بالذي فيه ينضح. ولهذا قيل: من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله وقيل: في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب" أنه أشار بالبيت إلى القلب وبالكلب إلى النفس الأمارة بالسوء أو إلى الغضب والحرص والحسد وغيرها من الصفات الذميمة الراسخة في النفس ونبه بان نور الله لا يدخل القلب إذا كان فيه ذلك الكلب. وإلى الطهارتين اشار بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . وأما الذي تطهر به النفس حتى تصلح للخلافة وتستحق به ثوابه فهو العلم والعبادة الموظفة اللذان هما سبب الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 توضيح. اعلم أن الإنسان من حيث الصورة التخطيطية كصورة في جدار وإنما فضيلته بالنطق والعلم. ولهذا قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهمة مهملة أو صورة فبقوة العلم والنطق والفهم يضارع الملك وبقوة الأكل والشرب والشهوة والنكاح والغضب يشبه الحيوان. فمن صرف همته كلها إلى تربية القوة الفكرية بالعلم والعمل فقد لحق بافق الملك فيسمى ملكا وربانيا كما قال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ومن صرف همته كلها إلى تربية القوة الشهوانية باتباع اللذات البدنية ياكل كما تأكل الأنعام فحقيق أن يلحق بالبهائم إما غمرا كثور أو شرها كخنزير أو عقور ككلب أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا حيلة ومكر كالثحلب أو يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد وإلى ذلك الأشارة بقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} وقد يكون كثير من الناس من صورته صورة إنسان وليس هو في الحقيقة إلا كبعض الحيوان قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} . مثل لبهائم جهلا جل خالقهم ... لهم تصاوير لم يقرن بهن جحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 من نصايح الرشاد لمصالح العباد. اعلم أن سبب هلاك الملوك اطراح ذوي الفضائل واصطناع ذوي الرذائل والاستفاف بعظة الناصح والاغتزار بتزكية المادح من نظر في العواقب سلم من النوائب وزوال الدول اصطناع السفل ومن استغنى بعقله ضل ومن أكتفى برأيه زل ومن استشار ذوي الألباب سلك سبيل الصواب ومن استعان بذوي العقول فاز بدرك المامول من عدل في سلطانه استغنى عن اعوانه عدل السلطان انفع للرعية من خصب الزمان الملك يبقى على الكفر والعدل ولا يبقى على الجور والإيمان ويقال حق على من ملكه الله على عباده وحكمه في بلاده أن يكون لنفسه مالكا وللهوى تاركا وللغيظ كاظما وللظلم هاضما وللعدل في حالتي الرضي والغضب مظهرا وللحق في السر والعلانية مؤثرا وإذا كان كذلك الزم النفوس طاعته والقلوب محبته واشرق بنور عدله زمانه وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه. ولقد صدق من قال: يا ايها الملك الذي ... بصلاحه صلح الجميع أنت الزمان فإن عدلت ... فكله أبدا ربيع وقال عمرو بن العاص ملك عادل خير من مطر وابل من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه. موعظة كل محنة إلى زوال وكل نعمة إلى انتقال: رأيت الدهر مختلفا يدور ... فلا حزن يدوم ولا سرور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وشيدت الملوك به قصورا ... فما بقي الملوك ولا القصور وقال المأمون: يبقى الثناء وتنفد الأموال ... ولكل وقت دولة ورجال من كبرت همته كثرت قيمته. لا تثق الدولة فإنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل. فإن الدنيا لا تصفو لشارب ولا تفي لصاحب. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أنصحني فكتب إليه أن الذي يصحبك لا ينصحك والذي ينصحك لا يصحبك. وسأل معاوية الاحنف بن قيس وقال له: كيف الزمان فقال أنت الزمان أن صلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان. آفة الملوك سوء السيرة وآفة الوزراء خبث السريرة وآفة الجند مخالفة القادة وآفة الرعية مخالفة السادة وآفة الرؤساء ضعف السياسة وآفة العلماء حب الرياسة وآفة القضاة شدة الطمع وآفة العدول قلة الورع وآفة القوي استضعاف الخصم وآفة الجريء اضاعة الحزم وآفة المنعم قبح المن وآفة المذنب حسن الظن والخلافة لا يصلحها إلا التقوى والرعية لا يصلحها إلا العدل فمن جارت قضيته ضاعت رعيته ومن ضعفت سياسته بطلت رياسته ويقال شيئان إذا صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية. ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف. قال وهب بن منبه: إذا هم الوالي بالجور أو عمل به ادخل الله النقص في أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء وإذا هم بالخير أو عمل به ادخل الله البركة على أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء ويعم البلاد والعباد. ولنقبض عنان العبارات النقلية في أرض الأشارات العقلية المقتطفة من نظم السلوك في مسامرة الملوك وغرر الخصائص وغرر النقائص وهو باب واسع كثير المنافع وملاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الأمر في ذلك حسن القابلية وإن تكون مرآة غير صدية كما قيل: إذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الأديب وقيل أن الأخلاق وإن كانت غريزية فإنه يمكن تطبعها بالرياضة والتدريب والعادة والفرق بين الطبع والتطبع أن الطبع جاذب مفتعل والتطبع مجذوب منفعل تتفق نتايجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الأسترسال. وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الاخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوق إلى المنقبة وتتأنف من المثلبة. لكن سلطان طبعه يأبى عليه ويستعصي عن تكليف ما ندب إليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك ما قرره المتكلمون في الاخلاق من أن الطبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه إياها وكثرة اعانته لها. وأما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو الذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم وقد تكتسب الاخلاق من معاشرة الاخلاء أما بالصلاح أو بالفساد فرب طبع كريم افسدته معاشرة الأشرار وطبع لئيم اصلحته مصاحبة الاخيار. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". وقال علي رضي الله عنه لولده الحسن: الأخ رقعة في ثوبك فانظر بمن ترقعه. وقال بعض الحكماء في وصيته لولده: يا بني احذر مقارنة ذوي الطباع المزدولة لئلا تسرق طباعهم وأنت لا تشعر وأما إذا كان الخليل كريم الاخلاق شريف الأعراق حسن السيرة طاهر السريرة فبه في محاسن الشيم يقتدي وبنجم رشده في طريق المكارم يهتدي وإذا كان سيء الأعمال خبيث الاقوال كان المغتبط به كذلك ومع هذا فواجب على العاقل اللبيب والفطن الاريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه. وقال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه أن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت. وقال بعض الحكماء: النفس عزوف ونفور الوف متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أصلحتها صلحت وإن افسدتها فسدت وقال الشاعر: وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت وقالوا من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه والمنهج القويم الموصل إلى الثناء الجميل أن يستعمل الإنسان فكرة وتميزه فيما ينتج عن الاخلاق المحمودة والمذمومة منه ومن غيره فيأخذ نفسه بما استحسن منها واستملح ويصرفها عما استهجن منها واستقبح فقد قيل: كفاك تأديبا ترك ما كرهه الناس من غيرك. اللهم بحرمة سيد الأنام يسر لنا حسن الختام واصرف عنا سوء القضاء وانظر لنا بعين الرضاء وهذا أوان انشقاق كمائم طلع الشماريخ عن زهر مجمل التاريخ. أول خليفة في الأرض. اول خليفة جعل في الأرض آدم عليه الصلاة والسلام بمصداق قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ثم توالت الرسل بعده لكنها لم تكن عامة الرسالة بل كل رسول أرسل إلى فرقة فهؤلاء الرسل عليهم السلام مقررون شرائع الله بين عباده وملزموهم بتوحيد وامتثال أوامره ونواهيه ليترتب على ذلك انتظام أمور معاشهم في الدنيا وفوزهم بالنعيم السرمدي إذا امتثلوا في الأخرى إلى أن جاء ختامهم الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وأمره بالصدع والأعلان والتطهير من عبادة الأوثان. وآمن به من أمن من الصحابة رضوان الله عليهم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزي معه أولئك هم المفلحون. ولم يزل هذا الدين القويم من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينمو ويتع إلى ويسمو حتى تم ميقاته وقربت من. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 النبي وفاته وأنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} . ولما قبض صلى الله عليه وسلم قام بالأمر بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي كرم الله وجهه ولم تصف له الخلافة بمغالبة معاوية رضوان الله عليهم اجمعين في الأمر وبموت علي رضي الله عنه تمت مدة مدة الخلافة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا". وبخلافة معاوية كان ابتداء دولة الامويين وانقرضت بظهور أبي مسلم الخراساني واظهاره دولة بني العباس. فكان أولهم السفاح وظهرت دولتهم الظهور التام وبلغت القوة الزائدة والضخامة العظيمة ثم اخذت في الانحطاط بتغلب الاتراك والديلم ولم تزل منحطة وليس للخلفاء في آخر الأمر إلا الأسم فقط حتى ظهرت فتنة التاتار التي أبادت العالم وخرج هولاكو خان وملك بغداد وقتل الخليفة المعتصم وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد. ملوك مصر بعد ضعف الخلافة العباسية. وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتحت الديار المصرية والبلاد الشامية على يد عمرو بن العاص ولم تزل في النيابة أيام الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية وبني العباس إلى أن ضعفت الخلافة العباسية بعد قتل المتوكل بن المعتصم بن الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين. وتغلب على النواعي كل متملك لها فانفرد أحمد بن طولون بمملكة مصر والشام ثم دولة الاخشيد وبعده كافور أبو المسك. ولما مات قدم جوهر القائد من قبل المعز الفاطمي من المغرب فملكها من غير ممانع واسس القاهرة وذلك في سنة أحدى وستين وثلثمائة. وقد المعز إلى مصر بجنوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وأمواله ومعه رمم آبائه واجداده محمولة في توابيت وسكن بالقصرين وادعى الخلافة لنفسه دون العباسيين. وأول ظهور أمرهم في سنة سبعين ومائتين فظهر عبد الله بن عبيد الملقب بالمهدي وهو جد بني عبيد الحلفاء المصريين العبيديين الروافض باليمن وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كنانة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب فنما شأنه وشأن أولاده من بعده إلى أن حضر المعز لدين الله أبو تميم معد بن إسمعيل بن القائم ابن المهدي إلى مصر وهو أولهم فملكوا نيفا ومائتين من السنين إلى أن ضعف أمرهم في أيام العاضد وسوء سياسة وزيره شاور فتملكت الافرنج بلاد السواحل الشامية وظهر بالشام نور الدين محمود بن زنكي فاجتهد في قتال الأفرنج واستخلاص ما استولوا عليه من بلاد المسلمين وجهز أسد الدين شيركوه بعساكر لأخذ مصر فحاصرها نحو شهرين فاستنجد العاضد بالافرنج فحضروا من دمياط فرحل اسد الدين إلى الصعيد فجبى خراجه ورجع إلى الشام. وقصد الافرنج الديار المصرية في جيش عظيم وملكوا بلبيس وكانت إذ ذاك مدينة حصينة ووقعت حروب بين الفريقين فكانت الغلبة فيها على المصريين وأحاطوا بالاقليم برا وبحرا وضربوا على أهله الضرائب. ثم إن الوزير شاور أشار بحرق الفسطاط فأمر الناس بالجلاء عنها وأرسل عبيدة بالشعل والنفوط فأوقدوا فيها النار فأحترقت عن آخرها واستمرت النار بها أربعة وخمسين يوما وأرسل الخليفة العاضد يستنجد نور الدين وبعث إليه بشعور نسائه فأرسل إليه جندا كثيفا وعليهم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف فارتحل الافرنج عن البلاد وقبض أسد الدين على الوزير شاور الذي أشار بحرق المدينة وصلبه وخلع العاضد على أسد الدين الوزارة فلم يلبث أن مات بعد خمسة وستين يوما فولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 العاضد مكانه ابن أخيه صلاح الدين وقلده الأمور ولقبه الملك الناصر فبذل لله همته وأعمل حيلته وأخذ في إظهار السنة واخفاء البدعة. فثقل أمره على الخليفة العاضد فابطن له فتنة أثارها في جنده ليتوصل بها إلى هزيمة الأكراد واخراجهم من بلاده فتفاقم الأمر وانشقت العصا ووقعت حروب بين الفريقين أبلى فيها الناصر يوسف وأخوه شمس الدولة بلاء حسنا وانجلت الحروب عن نصرتهما فعند ذلك ملك الناصر القصر وضيق على الخليفة وحبس أقاربه وقتل أعيان دولته واحتوى على ما في القصور من الذخائر والأموال والنفائس بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غير ما اصطفاه صلاح الدين لنفسه. وخطب للمستضيء العباسي بمصر وسير البشارة بذلك إلى بغداد ومات العاضد قهرا وأظهر الناصر يوسف الشريعة المحمدية وطهر الاقليم من البدع والتشييع والعقائد الفاسدة وأظهر عقائد أهل السنة والجماعة وهي عقائد الأشاعرة والماتريدية وبعث إليه أبو حامد الغزالي بكتاب ألفه له في العقائد فحمل الناس على العمل بما فيه ومحا من الاقليم مستنكرات الشرع وأظهر الهدي ولما توفي نور الدين الشهيد انضم إليه ملك الشام وواصل الجهاد وأخذ في استخلاص ما تغلب عليه الكفار من السواحل وبيت المقدس بعد ما أقام بيد الافرنج نيفا وإحدى وتسعين سنة وأزال ما أحدثه الافرنج من الآثار والكنائس. ولم يهدم القمامة اقتداء بعمر رضي الله عنه وافتتح الفتوحات الكثيرة واتسع ملكه ولم يزل على ذلك إلى أن توفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة ولم يترك إلا أربعين درهما وهو الذي انشأ قلعة الجبل وسور القاهرة العظيم. وكان المشد على عمائره بهاء الدين قراقوش ثم استمر الأمر في أولاده وأولاد أخيه الملك العادل وحضر الافرنج أيضا إلى مصر في أيام الملك الكامل بن العادل وملكوا دمياط وهدموها فحاربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 شهورا حتى أجلاهم وعمرت بعد ذلك دمياط هذه الموجودة في غير مكانها وكانت تسمى بالمنشية والكامل هذا هو الذي أنشأ قبة الشافعي رضي الله عنه عندما دفن بجواره موتاهم وأنشأ المدرسة الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث. الملوك الايوبية. وفي أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل حضر الافرنج وملكوا دمياط وزحفوا إلى فارسكور واستمر الملك الصالح يحاربهم أربعة عشر شهرا وهو مريض وانحصر جهة الشرق وأنشأ المدينة المعروفة بالمنصورة ومات بها سنة سبع وأربعين وستمائة والحرب قائم وأخفت زوجته شجرة الدر موته ودبرت الأمور حتى حضر ابنه توران شاه من حصن كيفا وانهزمت الافرنج وأسر ملكهم ريدا وكانوا طائفة الفرنسيس والملك الصالح هذا هو أول من اشترى المماليك واتخذ منهم جندا كثيفا وبنى لهم قلعة الروضة واسكنهم بها وسماهم البحرية ومقدمهم االفارس أقطاي. والملك الصالح هو الذي بنى المدارس الصالحية بين القصرين ودفن بقبة بنيت له بجانب المدرستين. ولما انهزم الافرنج ومات الصالح وتملك ابنه توران شاه استوحش من مماليك أبيه واستوحشوا منه فتعصبوا عليه وقتلوه بفارسكور وقلدوا في السلطنة شجرة الدر ثلاثة أشهر ثم خلعت وهي آخر الدولة الأيوبية ومدة ولايتهم أحدى وثمانون سنة. الملوك التركية. ثم تولى سلطنة مصر عز الدين أيبك التركماني الصالحي سنة ثمان وأربعين وستمائة وهو أول الدولة التركية بمصر. ولما قتل ولوا ابنه المظفر علي فلما وقعت حادثة التتار العظمى خلع المظفر وتولى الملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 المظفر قطز وخرج بالعساكر المصرية لمحاربة التتار فظهر عليهم وهزمهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك بعد أن كانوا ملكوا معظم المعمور من الأرض وقهروا الملوك وقتلوا العباد وأخربوا البلاد. وفي سنة أربع وخمسين وستمائة ملكوا سائر بلاد الروم بالسيف وفي البحر. فلما فرغوا من ذلك صميعه نزل هولاكوخان وهو ابن طولون بن جنكيز خان على بغداد وذلك سنة ست وخمسين وهي إذ ذاك كرسي مملكة الإسلام ودار الخلافة فملكها وقتلوا ونهبوا وأسروا من بها من جمهور المسلمين والفقهاء والعلماء والأئمة والقراء والمحدثين وأكابر الأولياء والصالحين وفيها خليفة رب العالمين وإمام المسلمين وابن عم سيد المرسلين فقتلوه وأهله وأكابر دولته وجرى في بغداد ما لم يسمع بمثله في الآفاق. ثم أن هولاكوخان أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة ثم تقدم التتار إلى بلاد الجزيرة واستولوا على حران والرها وديار بكر في سنة سبع وخمسين ثم جاوزوا الفرات ونزلوا على حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة واستولوا عليها وأحرقوا المساجد وجرت الدماء في الازقة وفعلوا ما لم يتقدم مثله. ثم وصلوا إلى دمشق وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب فخرج هاربا وخرج معه أهل القدرة ودخل التتار إلى دمشق وتسلموها بالأمان ثم غدروا بهم وتعدوها فوصلوا إلى نابلس ثم إلى الكرك وبيت المقدس فخرج سلطان مصر بجيش الترك الذين تهابهم الأسود وتقل في أعينهم أعداد الجنود فالتقاهم عند عين جالوت فكسرهم وشردهم وولوا الأدبار وطمع الناس فيهم يتخطونهم. ووصلت البشائر بالنصر فطار الناس فرحا. ودخل المظفر إلى دمشق مؤيدا منصورا واحبه الخلق محبة عظيمة وساق بيبرس خلف التتار إلى بلاد حلب وطردهم وكان السلطان وعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بحلب ثم رجع عن ذلك. فتأثر بيبرس وأضمر له الغدر وكذلك السلطان وأسر ذلك إلى بعض خواصه فأطلع بيبرس فساروا إلى مصر وكل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق. الملك بيبرس. ودخل بيبرس مصر سلطانا وتلقب بالملك الظاهر وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو السلطان ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي النجمي أحد المماليك البحرية وعندما استقر بالقلعة أبطل المظالم والمكوس وجميع المنكرات وجهز الحج بعد انقطاعه اثنتي عشرة سنة بسبب فتنة التتار وقتل الخليفة ومنافقة أمير مكة مع التتار. فلما وصلوا إلى مكة منعوهم من دخول المحمل ومن كسوة الكعبة فقال أمير المحمل لامير مكة أما تخاف من الملك الظاهر بيبرس فقال: دعه يأتيني على الخيل البلق. فلما رجع أمير المحمل وأخبر السلطان بما قاله أمير مكة جمع له في السنة الثانية أربعة عشر ألف فرس أبلق وجهزهم صحبة أمير الحاج وخرج بعدهم على ثلاث نوق عشاريات فوافاهم عند دخولهم مكة وقد منعهم التتار وأمير مكة فحاربوهم فنصرهم الله عليهم وقتل ملك التتار وأمير مكة طعنه السلطان بالرمح وقال له: أنا الملك الظاهر جئتك على الخيل البلق. فوقع إلى الأرض وركب السلطان فرسه ودخل إلى مكة وكسا البيت وعاد إلى مصر واستقر ملكه حتى مات بدمشق سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ومدته سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما وحج سنة سبع وستين وستمائة. ولذلك خبر طويل ذكره العلامة القريزي في ترجمته في تواريخه وفي الذهب المسبوك فيمن حج من الخلفاء والملوك وكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقيادا للشرع وله فتوحات وعمارات مشهورة ومآثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حميدة ومنها رد الخلافة لبني العباس وذلك أنه لما جرى ما جرى على بغداد وقتل الخليفة وبقيت ممالك الإسلام بلا خلافة ثلاث سنوات حضر شخص من أولاد الخلفاء الفارين في الواقعة إلى عرب العراق ومعه عشرة من بني مهارش فركب الظاهر للقائه ومعه القضاة وأهل الدولة فأثبت نسبه على يد قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ثم بويع بالخلافة فبايعه السلطان وقاضي القضاة والشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم ولقب بالمستنصر وركب يوم الجمعة وعليه السواد إلى جامع القلعة وخطب خطبة بليغة ذكر فيها شرف بني العباس ودعا فيها للسلطان وللمسلمين ثم صلى بالناس ورسم بعمل خلعه خليفة إلى السلطان وكتب له تقليدا وقرىء بظاهر القاهرة بحضرة الجمع وألبس الخليفة السلطان الخلعة بيده وفوض إليه الأمور وركب السلطان بالخلعة والتقليد محمول على رأسه ودخل من باب النصر وزينت القاهرة والأمراء مشاة بين يديه ورتب له أتابكيا واستادارا وخازندارا وحاجبا وشرابيا وكاتبا وعين له خزانة وجملة مماليك ومائة فرس وثلاثين بغلا وعشر قطارات جمال إلى امثال ذلك. ثم أنه عزم على التوجه إلى العراق فخرج معه السلطان وشيعه إلى دمشق وجهز معه ملوك الشرق صاحب الموصل وصاحب سنجار والجزيرة وغرم عليه وعليهم ألف ألف دينار وستين ألف دينار وسافروا حتى تجاوزوا هيت فلاقاهم التتار فحاربوهم فعدم الخليفة ولم يعلم له خبر. وبعد أيام حضر شخص آخر من بني العباس وكان أيضا مختفيا عند بني خفاجة فتوصل مع العرب إلى دمشق وأقام عند الأمير عيسى بن مهنا فأخبر به صاحب دمشق فطلبه وكاتب السلطان في شأنه فأرسل يستدعيه فأرسله مع جماعة من أمراء العرب فلما وصل إلى القاهرة وجد المستنصر قد سبقه بثلاثة أيام فلم ير أن يدخل إليها فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ورؤساؤها ومنهم عبد الحليم بن تيمية وجمع خلقا كثيرا وقصد عانة ولقب بالحاكم. فلما خرج المستنصر وافاه بعانة فانقاد له هذا ودخل تحت طاعته وخاصته فلما قدم المستنصر قصد الحاكم الرحبة وجاء إلى عيسى ابن مهنا فكاتب الملك الظاهر فيه فطلبه فقدم إلى القاهرة ومعه ولده وجماعته فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة كما سبق للمستنصر وأنزله بالبرج الكبير بالقلعة. واستمرت الخلافة بمصر وأقام الحاكم فيها نيفا وأربعين سنة وهذه من مناقب الملك الظاهر. ولما مات الملك الظاهر تولى بعده ابنه الملك السعيد ثم أخوه الملك العادل وكان صغيرا والأمر لقلاوون فخلعه واستبد بالملك ولقب بالملك المنصور قلاوون الالفي الصالحي النجمي جد الملوك القلاوونية وهو صاحب الخيرات والبيمارستان المنصوري والمدرسة والقبة التي دفن بها وله فتوحات بسواحل البحر الرومي ومصافات مع التتار وغير ذلك. تولى سنة ثمان وسبعين وستمائة ومات أواخر مدته أحدى عشرة سنة. وتولى بعده ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون وكان بطلا شجاعا ذا همة علية ورياسة مرضية خانه أمراؤه وغدروه وقتلوه بترانة جهة البحيرة سنة ثلاث وتسعين وستمائة ونقل لتربته التي أنشأها بالقرب من المشهد النفيسي بجانب مدرسة أخيه الصالح علي بن قلاوون. مات في حياة أبيه وكان هو أكبر أولاده مرشحا للسلطنة. ولما مات الأشرف تولى بعده اخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون الألفي الصالحي النجمي اقيم في السلطنة وعمره تسع سنين فأقام سنة وخلع بمملوك أبيه زين الدين كنبغا الملك العادل فثار الأمير حسام الدين لاجين المنصوري نائب السلطنة على العادل وتسلطن عوضه ثم ثأر عليه طغى وكبرى فقتلاه وقتلا أيضا. واستدعي الناصر من الكرك فقدم واعيد إلى السلطنة مرة ثانية فأقام عشر سنين وخمسة أشهر محجورا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 والقائم بتدبير الدولة الأميران بيبرس الجاشنكير وسلار نائب السلطنة فدبر لنفسه في سنة ثمان وسبعمائة واظهر أنه يريد الحج بعياله فوافقه الأميران على ذلك وشرعا في تجهيزه وكتب إلى دمشق والكرك برمي الاقامات وألزم عرب الشرقية بحمل الشعير فلما تهيأ لذلك أحضر الأمراء تقاد معهم الخيل والجمال ثم ركب إلى بركة الحاج وتعين معه للسفر جماعة من الأمراء. وعاد بيبرس وسلار من غير أن يترجلا له عند نزوله بالبركة فرحل من ليلته وخرج إلى الصالحية وعيد بها وتوجه إلى الكرك فقدمها في عاشر شوال ونزل بقلعتها وصرح بأنه قد ثنى عزمه عن الحج واختار الاقامة بالكرك وترك السلطنة ليستريح وكتب إلى الأمراء بذلك وسأل أن ينعم عليه بالكرك والشوبك واعاد من كان معه من الأمراء وسلمهم الهجن وعدتها خمسمائة هجين والمال والجمال وجميع التقادم وأمر نائب الكرك بالمسير عنه وتسلطن بيبرس الجاشنكير وتلقب بالملك المظفر وكتب للناصر تقليدا بنيابة الكرك. فعندما وصله التقليد مع آل ملك اظهر البشر وخطب باسم المظفر على منبر الكرك وانعم على البريد الحاج آل ملك واعاده فلم يتركه المظفر وأخذ يناكده ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للإقامة عنده والخيول التي أخذها من القلعة والمال الذي اخذه من الكرك. وهدده فحنق لذلك وكتب إلى نواب الشام يشكو ما هو فيه فاحثوه على القيام لأخذ ملكه ووعدوه بالنصرة فتحرك لذلك وسار إلى دمشق واتت النواب إليه وقدم إلى مصر وفر بيبرس وطلع الناصر إلى القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة فأقام في الملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر ومات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة سنة أحدى وأربعين وسبعمائة وعمره سبع وخمسون سنة وكسور ومدة سلطنته ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وكان ملكا عظيما جليلا كفؤا للسلطنة ذا دهاء محبا للعدل والعمارة وطابت مدته وشاع ذكره وطار صيته في الآفاق وهابته الأسود وخطب له في بلاد بعيدة. ومن محاسنه أنه لما استبد بالملك اسقط جميع المكوس من اعمال الممالك المصرية والشامية وراك البلاد وهو الروك الناصري المشهود وابطل الرشوة وعاقب عليها فلا يتقلد المناصب إلا مستحقها بعد التروي والامتحان واتفاق الرأي ولا يقضي إلا بالحق. فكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة. وفي أيامه كثرت العمائر حتى يقال أن مصر والقاهرة زادا في أيامه أكثر من النصف وكذلك القرى بحيث صارت كل بلدة من القرى القبلية والبحرية مدينة على انفرادها وله ولامرائه مساجد ومدارس وتكايا مشهورة وحضر في أوائل دولته القان غازات بجنود التتار فخرج إليهم بعساكر مصر وهزمهم مرتين. وبعض مناقبه تحتاج إلى طول ونحن لا نذكر إلا لمعا فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات. وفي السيرة الناصرية مؤلف مخصوص مجلدان ضخمان ينقل عنه المؤرخون وللصفي الحلي فيه مرثية رائية بليغة نحو ستين بيتا. ولما مات دفن على والده بالقبة المنصورية بين القصرين. وتولى من أولاده وأولاد أولاده اثنا عشر سلطانا منهم السلطان حسن صاحب الجامع بسوق الخيل بالرميلة ومن شاهده عرف علو همته بين الملوك وهو الذي ألف باسمه الشيخ بن أبي حجلة التلمساني كتبه العشرة التي منها ديوان الصبابة والسكردان وطوق الحمامة وحاطب ليل وقرع سن. ومنهم الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد وهو الذي أمر الأشراف بوضع العلامة الخضراء في عمائمهم وفي ذلك يقول بعضهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 جعلوا لابناء النبي علامة ... أن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخض وفي أيام الأشراف هذا قدمت الإفرنج إلى الأسكندرية على حين غفلة ونهبوا أموالها واسروا نساءها ووصل الخبر إلى مصر فتجهز الأشرف وسار بعساكره فوجدهم قد ارتحلوا عنها وتركوها. ولهذه الواقعة تاريخ اطلعت عليه في مجلدين ويقال أن الفرنساوي الذين يكون في أذنه قرط امه اصلها من النساء المأسورات في تلك الواقعة. وفي أيامه كثر عبث المماليك الأجلاب فأمر باخراجهم من مصر فتجمعوا وعصوا فحاربهم وقاتلهم فانهزموا فقبض على كثير منهم فقتل منهم طائفة وغرق منهم طائفة ونفى منهم طائفة وبقى منهم بمصر طائفة التجأوا إلى بعض الأمراء وهؤلاء المماليك كانوا من مماليك يلبغا العمري مملوك السلطان حسن ومنهم صرغتمش واسند مرو آلجاي اليوسفي وهم كثيرون مختلفوا الأجناس ومنهم من جنس الجركس فلم يزالوا في اختلاف ومقت وهياج وحقد للدولة إلى أن تحيلوا وتراجعوا وتداخلوا في الدولة فاستقر أمرهم على أن طائفة منهم سكنوا بالطباق ودخلوا في مماليك الأسياد أي أولاد السلطان ومنهم من بقي أمير عشرة لا غير ومنهم من انضم إلى المماليك السلطانية ومماليك الأمراء وكانوا أرذل مذكور في الإقليم المصري. فلما عزم الأشرف على الحج وأخذ في أسباب ذلك انتهزوا عند ذلك الفرصة وكتموا أمرهم ومكروا مكرهم وتواعدوا مع أصحابهم الذين بصحبة السلطان أنهم يثيرون الفتنة مع السلطان في العقبة وكذلك المقيمون بمصر يفعلون فعلهم حتى ينقضوا نظام الدولة ويزيلوا السلطان والأمراء. ولما خرج السلطان من مصر خرج في ابهة عظيمة وتجمل زائد بعد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 رتب الأمور واستخلف بمصر وثغورها من يثق به وأخذ بصحبته من لا يظن فيه الخيانة ومنهم جملة من الجلبان وابقى منهم ومن غيرهم بمصر كذلك ولا ينفع الحذر من القدر. فلما خرج السلطان وبعد عن مصر اثاروا الفتنة بعد أن استمالوا طائفة من المماليك السلطانية وفعلوا ما فعلوه ونادوا بموت السلطان وولوا ابنه ووقفوا مستعدين منتظرين فعل أصحابهم الغائبين مع السلطان وثار أيضا أصحابهم على السلطان في العقبة فانهزم بعد أمور طالبا المجيء إلى مصر وصحبته الأمراء الكبار وبعض المماليك ونهبت الخزينة والحج وذهب البعض إلى الشام والبعض إلى الحجاز والبعض إلى مصر صحبة حريم السلطان وجرى ما هو مسطر في الكتاب من ذبح الأمراء واختفاء السلطان وخنقه وتمكن هؤلاء الاجلاب من الدولة ونهبوا بيوت الأموال وذخائر السلطان واقتسموا محاظيه وكذلك الأمراء ووصل كل صعلوك منهم لمراتع الملوك وأزالوا عن الدولة القلاوونية وأخذوا لانفسهم الأمريات والمناصب وأصبح الذين كانوا بالأمس أسفل الناس ملوك الأرض يجبى إليهم ثمرات كل شيء. الجراكسة. ثم وقعت فيهم حوادث وحروب اسفرت عن ظهور برقوق الجركسي أحد مماليك يلبغا العمري واستقراره أميرا كبيرا. وكان غاية في الدهاء والمكر فلم يزل يدبر لنفسه حتى عزل بن الأشرف وأخذ السلطنة لنفسه وهو أول ملوك الجراكسة بمصر وبالأشرف شعبان هذا وأولاده زالت دولة القلاوونية وظهرت دولة الجراكسة. أولهم برقوق وبعده ابنه فرج واستمر الملك فيهم وفي أولادهم إلى الأشرف قانصوه الغوري وابتداء دولتهم سنة أربع وثمانين وسبعمائة وانقضاؤها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فتكون مدة دولتهم مائة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وتسعة وثلاثين سنة. وسبب انقضائها فتنة السلطان سليم شاه ابن عثمان وقدومه إلى الديار المصرية فخرج إليه سلطان مصر قانصوه الغوري فلاقاه عند مرج دابق بحلب وخامر عليه أمراؤه خير بك والغزالي فخذلوه وفقدوه ولم يزل حتى تملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية. وأقام خير بك نائبا بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين مثل مرج الزهور لابن إياس وتاريخ القرماني وابن زقبل وغيرهم. وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام ولما خلص له أمر مصر عفا عمن بقي من االجراكسة وابنائهم ولم يتعرض لاوقاف السلاطين المصرية بل قرر مرتبات الأوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والأنبار ورتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ومصارف القلاع والمرابطين وأبطل المظالم والمكوس والمغارم. ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة وأخذ صحبته ما انتقاه من أرباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث أنه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة. ولما توفي تولى بعده ابنه المغازي السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان فاسس القواعد وتمم المقاصد ونظم الممالك وأنار الحوالك ورفع منار الدين واخمد نيران الكافرين وسيرته الجميلة اغنت عن التعريف وتراجمه مشحونة بها التصانيف. ولم تزل البلاد منتظمة في سلكهم ومنقادة تحت حكمهم من ذلك الأوان الذي استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وولاة مصر نوابهم وحكامها أمراؤهم. وكانوا في صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين واشد من ذب عن الدين واعظم من جاهد في المشركين. فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتحه الله على ايديهم وأيدي نوابهم وملكوا احسن المعمور من الأرض ودانت لهم الممالك في الطول والعرض. هذا مع عدم أغفالهم الأمر وحفظ النواحي والثغور وأقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وتعظيم العلماء وأهل الدين وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك في الأحكام والوقائع بالقوانين والشرائع فتحصنت دولتهم وطالت مدتهم وهابتهم الملوك وانقاد لهم الممالك والمملوك. ومما يحسن ايراده هنا ما حكاه الأسحاقي في تاريخه أنه لما تولى السلطان سليم ابن السلطان سليمان المذكور كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي ولا يخفي ما بين آل عثمان والعجم من العداوة المحكمة الأساس فأقر السلطان سليم شمسي باشا العجمي مصاحبا على ما كان عليه أيام والده وكان شمسي باشا المذكور له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد أن يدخل شيئا منكرا يكون سببا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشا من أرباب الولاة والعمال. فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له: على سبيل العرض عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الآن قصده من فيض انعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع إلى الخزينة كذا وكذا. فلما سمع السلطان سليم ما ابداه شمسي باشا علم أنها مكيدة منه وقصده ادخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه وقال له: يا رافضي مريد أن تدخل الرشوة بيت السلطنة حتى يكون ذلك سببا لإزالتها. وامر بقتله فتلطف به وقال له: يابا دشاه لا تعجل هذه وصية والدك لي فإنه قال لي: إن السلطان سليم صغير السن وربما يكون عنده ميل للدنيا فاعرض عليه هذا الأمر فإن جنح إليه فامنعه بلطف فإن امتنع فقل له هذه وصية والدك فدم عليها ودعا له بالثبات وخلص من القتل. فانظر يا أخي وتأمل فيما تضمنته هذه الحكاية من المعاني. وأقول بعد ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال بمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول وقد اخر سني العجز أن افتح فما افغير الله ابتغى حكما. وفي اثناء الدولة العثمانية ونوابهم وامرائهم المصرية ظهر في عسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق واسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها أهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو أن الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين واحتزبوا بأسرهم حزبين فرقة يقال لها فقارية واخرى تدعى قاسمية ولذلك اصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بايراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة وهو أن السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يوما لبعض جلسائه وخاصته وأصدقائه: يا هل ترى هل بقي أحد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه. فقال له: خيربك نعم أيها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الأمير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما أحد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان. فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد ابوابه بالأحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة. وهو إلى الآن مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته. فقال السلطان هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا أن نذهب لزيارته ونقتبس من بركته واشارته قوموا بنا جملة نذهب إليه على غفلة لكي اتحقق المقال واشاهده على أي حالة هو من الأحوال. ثم ركب في الحال ببعض الرجال إلى أن توصل إليه ودخل عليه فوجده جالسا على مسطبة الايوان وبين يديه المصحف وهو يقرأ القرآن وعنده خدم واتباع وعبيد ومماليك أنواع فعندما عرف أنه السلطان بادر لمقابلته بغير توان وسلم عليه ومثل بين يديه فأمره بالجلوس ولاطفه بالكلام المأنوس إلى أن أطمأن خاطره وسكنت ضمائره فسأله عن سبب عزلته وانجماعه عن خلطته بعشيرته فاجابه أنه لما رأى في دولتهم اختلال الأمور وترادف الظلم والجور وأن سلطانهم مستقل برأيه فلم يضع إلى وزير ولا عاقل مشير واقصى كبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 دولته وقتل أكثرهم بما امكنه من حيلته وقلد مماليكه الصغار مناصب الأمراء الكبار ورخص لهم فيما يفعلون وتركهم وما يفترون فسعوا بالفساد وظلموا العباد وتعدوا على الرعية حتى في المواريث الشرعية فانحرفت عنه القلوب وابتهلوا إلى علام الغيوب فعلمت أن امره في ادبار ولا بد لدولته من الدمار فتنحيت عن حال الغرور وتباعدت عن نار الشرور ومنعت ولدي من التداخل في الأهوال وحبستهما عن مباشرة القتال خوفا عليهما لما اعلمه فيهما من الاقدام فيصيبهما كغيرهما من البلاء العام. فان عموم البلاء منصوص واتقاء الفتن بالرحمة مخصوص. ثم أحضر ولديه المشار اليهما وأخرجهما من محبسهما فنظر اليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة والفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه ولم يتعديا في الجواب فضل التشبيه والتنبيه ثم أحضروا ما يناسب المقام من موائد الطعام فأكل وشرب ولذ وطاب وحصل له مزيد الانشراح وكمال الارتياح. وقدم الأمير سودون إلى السلطان تقادم وهدايا وتفضل عليه الخان أيضا بالانعام والعطايا وأمر بالتوقيع لهم حسب مطالبهم. ورفع درجة منازلهم ومراتبهم ولما فرغ من تكرمه وإحسانه ركب عائدا إلى مكانه وأصبح ثاني يوم ركب السلطان مع القوم وخرج إلى الخلا بجمع من الملا وجلس ببعض القصور ونبه على جميع اصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أمير ولا كبير ولا صغير فطلب الأمير سودون وولديه فحضروا بين يديه فقال لهم: أتدرون لم طلبتكم وفي هذا المكان جمعتكم. فقالوا لا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب فقال أريد أن يركب قاسم واخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار. فامتثلا أمره المطاع لأنهما صارا من الجند والاتباع فنزلا وركبا ورمحا ولعبا واظهرا من أنواع الفروسية الفنون حتى شخصت فيهما العيون وتعجب منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت إدراك. ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب. وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال. فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون إلى نصف حرام والمصريين. وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء. فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار. وقيل غير ذلك وإن اصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتر دار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تابع مصطفى بك والفقارية نسبة إلى ذي الفقار بك الكبير وأول ظهور ذلك من سنة خمسين وألف والله اعلم بالحقائق. واتفق أن قاسم بك المذكور أنشأ في بيته قاعة جلوس وتأنق في تحسينها وعمل فيها ضيافة لذي الفقار بك أمير الحاج المذكور فأتى عنده وتغدى عنده بطائفة قليلة ثم قال له ذو الفقار بك: وانت أيضا تضيفني في غد وجمع ذو الفقار مماليكه في ذلك اليوم صناجق وامراء وااختيارية في الوجاقات وحضر قاسم بك بعشرة من طائفته واثنين خواسك خلفه والسعادة والسراج فدخل عنده في البيت وأوصى ذو الفقار أن لا أحد يدخل عليهما إلا بطلب إلى أن فرشوا السماط وجلس صحبته على السماط. فقال قاسم بك حتى الصناجق والاختيارية. فقال ذو الفقار أنهم يأكلون بعدنا هؤلاء جميعهم مماليكي عندما أموت يترحمون علي ويدعون لي وانت قاعتك تدعو لك بالرحمة الكونك ضيعت المال في الماء والطين. فعند ذلك تنبه قاسم بك وشرع ينشيء اشراقات كذلك وكانت الفقارية موصوفة بالكثرة والكرم والقاسمية بكثرة المال والبخل. وكان الذي يتميز به أحد الفريقين من الآخر إذا ركبوا في المواكب أن يكون بيرق الفقاري ابيض ومزاريقه برمانة وبيرق القاسمية احمر ومزاريقه بجلبة. ولم يزل الحال على ذلك. واستهل القرن الثاني عشر وامراء مصر فقارية وقاسمية فالفقارية ذو الفقار بك إبراهيم بك أمير الحاج ودرويش بك وإسمعيل بك ومصطفى بك قزلار وأحمد بك قزلار بجدة ويوسف بك القرد وسليمان بك بارم ذيله ومرجان جوزبك كان اصله قهوجي السلطان محمد قلدوه صنجقا فقاريا بمصر الجميع تسعة وأمير الحاج منهم والقاسمية مراد بك الدفتر دار ومملوكه ايواظ بك وإبراهيم بك أبو شنب وقانصوه بك وأحمد بك منوفية وعبد الله بك. ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في أوائل القرن حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين وألف وسنة مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وواحد بعد الألف والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن إبراهيم خان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب إمارة الحاج وإسمعيل بك فتردار وذلك سنة تسع وتسعين. وفي أواخر الحجة سنة تسع وتسعين وألف حصلت واقعة عظيمة بين إبراهيم بك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوشي وقتلوا كثيرا من العرب ونهبوا ارزاقهم ومواشيهم وأحضر منهم اسرى كثيرة ووقفت الغرب في طريق الحج تلك السنة بالشرفة فقتلوا من الحاج خلقا كثيرا وأخذوا نحو ألف جمل باحمالها وقتلوا خليل كتخدا الحج فعين عليهم خمسة أمراء من الصناجق فوصلوا إلى العقبة وهرب العربان. وفي أيامه سافر ألفا شخص من العسكر والبسوا عليهم مصطفى بك طكوز جلان وسافروا إلى ادرنه في غرة جمادي الأولى سنة مائة وألف. وفي رابع جمادي الثانية خنق الباشا كتخدا بعد أن أرسله إلى دير الطين على أنه يتوجه إلى جرجا لتحصيل الغلال وذلك لذنب نقمه عليه. وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها. وفي أيامه غلت الأسعار مع زيادة النيل وطلوعه في أوانه على العادة ثم عزل حسن باشا ونزل إلى بيت محمد بك حاكم جرجا المقتول وتولى قيطاس بك قائمقام فكانت مدته هذه سنة واحدة وتسعة أشهر. ثم تولى أحمد باشا وكان سابقا كتخدا إبراهيم باشا الذي مات بمصر وحضر أحمد باشا من طريق البر وطلع إلى القلعة في سادس عشر المحرم سنة مائة واحدى وألف ووصل اغا بطلب الفي عسكري وعليهم صنجق يكون عليهم سر دار فعينوا مصطفى بك حاكم جرجا سابقا وسافر في منتصف جمادي الآخرة. وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة إلى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان وتوجهوا في ثاني عشر جمادي الآخرة وسافر أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 خلفهم إسمعيل بك وجميع الكشاف وكتخدا الباشا واغوات البلكات وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارا ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة فهزم فيها الاحزاب وولوا منهزمين نحو الغرق وأما قيطاس بك وحسن اغا بليغا وكتخدا الباشا فإنهم صادفوا جمعا من العرب في طريقهم فأخذوهم ونهبوا مالهم وقطعوا منهم رؤوساء ثم حضر وإلى مصر. وفي انامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة ومحاربته بها مع محمد بك حاكم جدة فكانت الهزيمة على الشريف. وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد إمارة مكة ونودي بالأمان بعد حروب كثيرة وزينت مكة ثلاثة أيام بلي إليها وذلك في منتصف رجب ومرض أحمد باشا وتوفي ثاني عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بالقرافة فكانت مدته سنة واحدة وستة أشهر. ومن مآثره ترميم الجامع المؤيدي وقد كان تداعى إلى السقوط فامر بالكشف عليه وعمره ورمه. وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتر دار. وفي ثاني يوم حضر قانصوه بك تابع المتوفي من سفره بالخزينة مكان كتخدا الباشا المتولي قائمقام بعد موت سيده فألبس قانصوه بك دفتر دار ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائمقام واذن بالتصرف إلى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه أربعة وتسعين يوما. ثم تولى علي باشا وحضر من البحر إلى القلعة في ثاني عشرى رمضان سنة اثنتين ومائة وألف وحضر صحبته تترخان وأقام بمصر إلى أن توجه إلى الحج ورجع على طريق الشام. وفي ثاني عشري القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم فزينت مصر ثلاثة أيام وضربت مدافع من القلعة. وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث ومائة وألف ورد نجاب من مكة واخبر بان الشريف سعد تغلب على محسن وتولى إمارة مكة فأرسل الباشا عرضا إلى السلطنة بذلك. وفي ثامن ربيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 أول ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشابش والحرمين لاربعة من الصناجق فتولى إبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج حالا عوضا عن اغات مستحفظان ومراد بك الدفتر دار على المحمدية عوضا عن كتخدا مستحفظان وعبد الله بك على وقف الخاصكية عوضا عن كتخدا العزب وإسمعيل بك على اوقاف الحرمين عوضا عن باش جاويش مستحفظان. فالبسهم علي باشا قفاطين على ذلك. وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة وتوجه إلى الحجاز. وفي شهر شوال سافر على كتخدا أحمد باشا المنوفي إلى الروم. وفي تاريخه تقلد إسمعيل بك الدفتردارية عوضا عن مراد بك. وفي ثالث عشر شوال قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم وحصلت في بابهم فتنة اثارها كحك محمد واخرجوا سليم افندي من بلكهم ورجب كتخدا والبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه وابطل كجك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات وابطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والانكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها. وكتب بذلك بيورلدي ونادوا به في الشوارع. وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم افندي وخنقه بالقلعة ونزل إلى بيته محمولا في تابوت وتغيب رجب كتخدا ثم استعفى من الصنجقية فرفعوها عنه وسافر إلى المدينة. وفي ثامن عشر ربيع الأول ورد مرسوم بتزيين الأسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رزقهما السلطان أحمد سمي أحدهما سليان والآخر إبراهيم. وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك أبو يدك بألف نفر من العسكر لاحقا بإبراهيم بك أبي شنب وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد. وفي ثاني عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف الموافق الحادي عشر بشنس هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو وكان الناس في صلاة الجمعة فظن الناس انها القيامة وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون وهدمت دور كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 تمهيد ... بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله القديم الأول الذي لا يزول ملكه ولا يتحول خالق الخلائق وعالم الذرات بالحقائق مفنى الأمم ومحيي الرمم ومعيد النعم ومبيد النقم وكاشف الغمم وصاحب الجود والكرم لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجون واشهد أن لا إله إلا الله تعالى عما يشركون وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى الخلق أجمعين المنزل عليه نبا القرون الأولين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام وتداولت السنين والأعوام. وبعد فيقول الفقير عبد الرحمن بن حسن الجبرتي الحنفي غفر الله له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه إني كنت سودت أوراقا في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه من أوائل الثالث عشر الذي نحن فيه جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن أدركناها وأمور شاهدناها واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين وذكر لمع من أخبارهم وأحوالهم وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم فأحببت جمع شملها وتقييد شواردها في أوراق متسقة النظام مرتبة على السنين والأعوام ليسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ما يرويه من المنفعة ويعتبر المطلع على الخطوب الماضية فيتأسى إذا لحقه مصاب ويتذكر بحوادث الدهر إنما يتذكر أولو الألباب فإنها حوادث غريبة في بابها متنوعة في عجائبها وسميته عجائب الآثار في التراجم والأخبار وأنا لنرجو ممن اطلع عليه وحل بمحل القبول لديه أن لا ينسانا من صالح دعواته وإن يغضى عما عثر عليه من هفواته. اعلم أن التاريخ علم يبحث فيه عن معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائعهم وأنسابهم ووفياتهم وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هي وكيكا كانت وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تغلبات الزمن ليتحرز العاقل عن مثل أحوال الهالكين من الأمم المذكورة السالفين ويستجلب خيار أفعالهم ويتجنب سوء أقوالهم ويزهد في الفاني ويجتهد في طلب الباقى وأول واضع له في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك حين كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر أنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل فقد قرأنا صكا محله شعبان فما ندري أي الشعبانين أهو الماضي أم القابل وقيل: رفع لعمر صك محله شعبان فقال: أي شعبان هذا هو الذي نحن فيه أو الذي هو آت ثم جمع وجوه الصحابة رضي الله عنهم وقال: إن الأموال قد كثرت وما قسمناه غير مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك. فقال له الهرمزان: وهو ملك الأهواز وقد اسر عند فتوح فارس وحمل إلى عمر واسلم على يديه أن للعجم حسابا يسمونه ماه روز ويسندونه إلى من غلب عليهم الأكاسرة فعربوا لفظة ماه روز يمورخ ومصدره التاريخ واستعملوه في وجوه التصريف ثم شرح لهم الهرمزان كيفية استعمال ذلك فقال لهم: عمر ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه وتصير أوقاتهم فيما يتعاطونه من المعاملات مضبوطة فقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 له بعض من حضر من مسلمى اليهود: إن لنا حسابا مثله مسندا إلى الأسكندر فما ارتضاه الآخرون لما فيه من الطول وقال قوم: نكتب على تاريخ الفرس قيل: إن تواريخهم غير مسندة إلى مبدأ معين بل كلما قام منهم ملك ابتدأوا التاريخ من لدن قيامه وطرحوا ما قبله فاتفقوا على أن يجعلوا تاريخ دولة الإسلام من لدن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن وقت الهجرة لم يختلف فيه أحد بخلاف وقت ولادته ووقت مبعثه صلى الله عليه وسلم. وكان للعرب في القديم من الزمان بأرض اليمن والحجاز تواريخ يتعارفونها خلفا عن سلف إلى زمن الهجرة فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وظهر الإسلام وغلت كلمة الله تعالى اتخذت هجرته مبدأ لتاريخها وسميت كل سنة باسم الحادثة التي وقعت فيها وتدرج ذلك إلى سنة عشرة من الهجرة في زمن عمر فكان اسم السنة الأولى سنة الإذن بالرحيل من مكة إلى المدينة والثانية سنة الأمراي بالقتال إلى آخره. وقال أصحاب التواريخ: إن العرب في الجاهلية كانت تستعمل شهور الأهلة وتقصد مكة للحج وكان حجهم وقت عاشر الحجة كما رسمه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن لما كان لا يقع في فصل واحد من فصول السنة بل يختلف موقعه منها بسبب تفاضل ما بين السنة الشمسية والقمرية ووقوع أيام الحج في الصيف تارة وفي الشتاء أخرى وكذا في الفصلين الآخرين أرادوا أن يقع حجهم في زمان واحد لا يتغير وهو وقت إدراك الفواكه والغلال واعتدال الزمن في الحر والبرد ليسهل عليهم السفر ويتجروا بما معهم من البضائع والأرزاق مع قضاء مناسكهم. فشكوا ذلك إلى أميرهم وخطيبهم فقام في الموسم عند إقبال العرب من كل مكان فخطب ثم قال: أنا أنشأت لكم في هذه السنة شهرا ازيده فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا وكذلك أفعل في كل ثلاث سنين أو اقل حسبما يقتضيه حساب وضعته ليأتي حجكم وقت إدراك الفواكه والغلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 فتقصدوننا بما معكم منها. فوافقت العرب على ذلك ومضت إلى سبيلها فنسأ المحرم وجعله كبيسا وآخره إلى صفر وصفر إلى ربيع الأول وهكذا فوقع الحج في السنة الثانية في عاشر المحرم وهو ذو الحجة عندهم. وبعد انقضاء سنتين أو ثلاثة وانتهاء نوبة الكبيس أي الشهر الذي كان يقع فيه الحج وانتقاله إلى الشهر الذي بعده قام فيهم خطيبا وتكلم بما اردا ثم قال: أنا جعلنا الشهر الفلاني من السنة الفلانية الداخلة للشهر الذي بعده ولهذا فسر النسىء بالتأخير كما فسر بالزيادة. وكانوا يديرون النسىء على جميع شهور السنة بالنوبة حتى يكون لهم مثلا في سنة محرمان وفي أخرى صفران ومثل هذا بقية الشهور فإذا آلت النوبة إلى الشهر المحرم قام لهم خطيبا فينبئهم أن هذه السنة قد تكرر فيها اسم الشهر الحرام فيحرم عليهم واحدا منها بحسب رأيه على مقتضى مصلحتهم فلما انتهت النوبة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحجة وتم دور النسىء على جميع الشهور حج صلى الله عليه وسلم في تلك السنة حجة الوداع وهي السنة العاشرة من الهجرة لموافقة الحج فيها عاشر الحجة ولهذا لم يحج صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة حين حج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالناس لوقوعه في عاشر ذي القعدة. فلما حج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع خطب وأمر الناس بما شاء الله تعالى ومن جملته "إلا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" يعني رجوع الحج إلى الموضع الأول كما كان في زمن سيدنا إبراهيم صلوات الله تعالى عليه ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أربعةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أن اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الْكَافِرِينَ} ومنع العرب من هذا الحساب وأمر بقطعه والاستمرار بوقوع الحج في أي زمان أتى من فصول السنة الشمسية فصارت سنوهم دائرة في الفصول الأربع والحج واقع في كل زمان منها كما كان في زمن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم كون حجة الصديق واقعة في القعدة فهو قول طائفة من العلماء وقال آخرون: بل وقعت حجته أيضا في ميقاتها من ذي الحجة وقد روي في السنة ما يدل على ذلك والله اعلم بالحقائق. ولما كان علم التاريخ علما شريفا فيه العظة والاعتبار وبه يقيس العاقل نفسه على من مضى من أمثاله في هذه الدار وقد قص الله تعالى أخبار الأمم السالفة في أم الكتاب فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وجاء من أحاديث سيد المرسلين كثير من اخبار الأمم الماضين كحديثه عن بني اسرائيل وما غيروه من التوراة والانجيل وغير ذلك من اخبار العجم والعرب مما يفضى بمتأمله إلى العجب. وقد قال الشافعي رضي الله عنه: من علم التاريخ زاد عقله. ولم تزل الأمم الماضية من حين اوجد الله هذا النوع الإنساني تعتني بتدوينه سلفا عن سلف وخلفا من بعد خلف إلى أن نبذه أهل عصرنا وأغفلوه وتركوه وأهملوه وغدوه من شغل البظالين وأساطير الأولين ولعمري أنهم لمعذورون وبالاهم مشتغلون ولا يرضون لأقلامهم المتعبة في مثل هذه المنقبة فإن الزمان قد انعكست أحواله وتقلصت ظلاله وانخرمت قواعده في الحساب فلا تضبط وقائعه في دفتر ولا كتاب. واشغال الوقت في غير فائدة ضياع وما مضى وفات ليس له استرجاع إلا أن يكون مثل الحقير منزويا في زوايا الخمول والإهمال منجمعا عما شغلوا به من الأشغال فيشغل نفسه في أوقات من خلواته ويسلي وحدته بعد سيئات الدهر وحسناته. وفن التاريخ علم يندرج فيه علوم كثيرة لولاه ما ثبتت أصولها ولا تشعبت فروعها منها طبقات القراء والمفسرين والمحدثين وسير الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والتابعين وطبقات المجتهدين وطبقات النجاة والحكماء والاطباء وأخبار الانبياء عليهم الصلاة والسلام واخبار المغازي وحكايات الصالحين ومسامرة الملوك من القصص والاخبار والمواعظ والعبر والامثال وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان ومنها كتب المحاضرات ومفاكهة الخلفاء وسلوان المطاع ومحاضرات الراغب وأما الكتب المصنفة فيه فكثيرة جدا ذكر منها في مفتاح السعادة الفا وثلثمائة كتاب قال في ترتيب العلوم: وهذا بحسب إدراكه واستقصائه وإلا فهي تزيد على ذلك لأنه ما ألف في فن من الفنون مثل ما ألف في التواريخ وذلك لانجذاب الطبع إليها والتطلع على لا أمور المغيبات ولكثرة رغبة السلاطين لزيادة اعتنائهم بحسب التطلع على سير من تقدمهم من الملوك مع ما لهم من الأحوال والسياسات وغير ذلك فمن الكتب المصنفة فيه تاريخ ابن كثير في عدة مجلدات وهو القائل شعرا: تمر بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر فلا عائد صفو الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر وتاريخ الطبري وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري مات سنة عشر وثلاثمائة ببغداد وتاريخ ابن الأثير الجزري المسمى بالكامل ابتدأ فيه من أول الزمان إلى أواخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وله كتاب اخبار الصحابة في ست مجلدات وتاريخ ابن الجوزي وله المنتظم في تواريخ الأمم ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أربعين مجلدا وتاريخ ابن خلكان المسمى بوفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان وتواريخ المسعودي اخبار الزمان والأوسط ومروج الذهب ومن اجل التواريخ تواريخ الذهبي الكبير والأوسط المسمى بالعير والصغير المسمى دول الإسلام وتورايخ السمعاني منها ذيل تاريخ بغداد لأبي بكر بن الخطيب نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا والأنساب في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 نحو ثمان مجلدات وتواريخ العلامة ابن حجر العسقلاني وتاريخ الصفدي وتواريخ السيوطي وتاريخ الحافظ ابن عساكر في سبعة وخمسين مجلدا وتاريخ اليافعي وبستان التواريخ ست مجلدات وتواريخ بغداد وتواريخ حلب وتواريخ أصبهان للحافظ أبي نعيم وتاريخ بلخ وتاريخ الأندلس والإحاطة في اخبار غرناطة وتاريخ اليمن وتاريخ مكة وتواريخ الشام وتاريخ المدينة المنورة وتواريخ الحافظ المقريزي وهي التاريخ الكبير المقفى والسلوك في دول الملوك والمواعظ والاعتبار في الخطط والاثار وغير ذلك ونقل في مؤلفاته اسماء تواريخ لم نسمع باسمائها في غير كتبه مثل تاريخ ابن أبي طي والمسيحي وابن المأمون وابن زولاق والقضاعي. ومن التواريخ تاريخ العلامة العيني كي أربعين مجلدا رأيت منه بعض مجلدات بخطه وهي ضخمة في قالب الكامل ومنها تاريخ الحافظ السخاوي والضوء اللامع في أهل القرن التاسع رتبه على حروف المعجم في عدة مجلدات وتاريخ العلامة ابن خلدون في ثمان مجلدات ضخام ومقدمته مجلد على حدة من أطلع عليها رأى بحرا متلاطما بالعلوم مشحونا بنفائس جواهر المنطوق والمفهوم وتاريخ ابن دقاق. وكتب التواريخ أكثر من أن تحصى وذكر المسعودي جملة كبيرة منها وتاريخه لغاية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فما ظنك بما بعد ذلك. قلت وهذه صارت اسماء من غير مسميات فأنا لم نر من ذلك إلا بعض اجزاء بقيت في بعض خزائن كتب الأوقاف بالمدارس مما تداولته أيدي الصحافيين وباعها القومة والمباشرون ونقلت إلى بلاد المغرب والسودان ثم ذهبت بقايا البقايا في الفتن والحروب وأخذ الفرنسيس ما وجدوه إلى بلادهم. ولما عزمت على جمع ما كنت سودته اردت أن اوصله بشيء قبله فلم أجد بعد البحث والتفتيش إلا بعض كراريس سودها بعض العامة من الأجناد ركيكة التركيب مختلة التهذيب والترتيب وقد اعتراها النقص من مواضع في خلال بعض الوقائع. وكنت ظفرت بتاريخ من تلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الفروع لكنه على نسق في الجملة مطبوع لشخص يقال له أحمد حلبي بن عبد الغني مبتدئا فيه من وقت تملك بني عثمان للديار المصرية وينتهي كغيره ممن ذكرناه إلى خمسين ومائة وألف هجرية. ثم أن ذلك الكتاب استعاره بعض الأصحاب وزلت به القدم ووقع في صندوق العدم. ومن ذلك الوقت إلى وقتنا هذا لم يتقيد أحد بتقييد ولم يسطر في هذا الشأن شيئا يفيد فرجعنا إلى النقل من افواه الشيخة المسنين وصكوك دفاتر الكتبة والمباشرين وما انتقش على احجار ترب المقبورين وذلك من أول القرن إلى السبعين وما بعدها إلى التسعين أمور شاهدناها ثم نسيناها وتذكرناها ومنها إلى وقتنا أمور تعقلناها وقيدناها وسطرناها إلى أن تم ما قصدنا باي وجه كان وانتظم ما أردنا استطراده من وقتنا إلى ذلك الأوان. وسنورد أن شاء الله تعالى ما ندركه من الوقائع بحسب الامكان والخلو من الموانع إلى أن يأتي أمر الله وإن مردنا إلى الله ولم اقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير أو طاعة وزير أو أمير ولم أداهن فيه دولة بنفاق أو مدح أو ذم مباين للأخلاق لميل نفساني أو غرض جسماني وأنا استغفر الله من وصفي طريقا لم اسلكه وتجارتي برأس مال لم أملكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 مقدمة . اعلم أن الله تعالى لما خلق الأرض ودحاها وأخرج منها ماءها ومرعاها وبث فيها من كل دابة وقدر اقواتها احوج بعض الناس إلى بعض في ترتيب معايشهم ومآكلهم وتحصيل ملابسهم ومساكنهم لأنهم ليسوا كسائر الحيوانات التي تحصل ما تحتاج إليه بغير صنعة. فإن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفا لا يستقل وحده بامر معاشه لاحتياجه إلى غذاء ومسكن ولباس وسلاح فجعلهم الله تعالى يتعاضدون يتعاونون في تحصيلها وترتيبها بان يزرع هذا الذاك ويخبز ذاك لهذا وعلى هذا القياس تتم سائر أمورهم ومصالحهم وركز في نفوسهم الظلم والعدل. ثم مست الحاجة بينهم ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة توزن به حركاتهم وسكناتهم وترجع إليه طاعاتهم ومعاملاتهم فانزل الله كتابه بالحق وميزانه بالعدل كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} . قال علماء التفسير المراد بالكتاب والميزان العلم والعدل وكانت مباشرة هذا الأمر من الله بنفسه من غير واسطة وسبب على خلاف ترتيب المملكة وقانون الحكمة فاستخلف فيها من الآدميين خلائف ووضع في قلوبهم العلم والعدل ليحكموا بهما بين الناس حتى يصدر تدبيرهم عن دين مشروع وتجتمع كلمتهم على رأي متبوع ولو تنازعوا في وضع الشريعة لفسد نظامهم واختل معاشهم. فمعنى الخلافة هو أن ينوب أحد مناب آخر في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 التصرف واقفا على حدود أوامره ونواهيه وأما معنى العدالة فهي خلق في النفس أو صفة في الذات تقتضي المساواة لأنها أكمل الفضائل لشمول اثرها وعموم منفعتها كل شيء وإنما الإنسان عادلا لما وهبه الله قسطا من عدله وجعله سببا وواسطة لايصال فيض واستخلفه في ارضه بهذه الصفة حتى يحكم بين الناس بالحق والعدل كما قال تعالى: {يَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} . وخلائف الله هم القائمون بالقسط والعدالة في طريق الأستقامة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والعدالة تابعة للعلم باوساط الأمور المعبر عنها في الشريعة بالصراط المستقيم. وقوله تعالى: {أن رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إشارة إلى أن العدالة الحقيقة ليست إلا لله تعالى فهو العادل الحقيقي الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ووضع كل شيء على مقتضى علمه الكامل وعدله الشامل. وقوله صلى الله عليه وسلم "بالعدل قامت السموات والأرض" اشارة إلى عدل الله تعالى الذي جعل لكل شيء قدرا لو فرض فارض زائدا عليه أو ناقصا عنه لم ينتظم الوجود على هذا النظام بهذا التمام والكمال. اصناف العدل من الخلائق خمسة ورفع الله بعضهم فوق بعض درجات كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} . الأول: الانبياء عليهم الصلاة والسلام فهم ادلاء الأمة وعمد الدين ومعادن حكم الكتاب وأمناء الله في خلقه هم السرج المنيرة على سبيل الهدى وحملة الامانة عن الله إلى خلقه بالهداية بعثهم الله رسلا إلى قومهم وانزل معهم الكتاب والميزان ولا يتعدون حدود ما أنزل الله إليهم من الأوامر والزواجر ارشادا وهداية لهم حتى يقوم الناس بالقسط والحق ويخرجونهم من ظلمات الكفر والطغيان إلى نور اليقظة والايمان وهم سبب نجاتهم من دركات جهنم إلى درجات الجنان وميزان عدالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدين المشروع الذي وصاهم الله باقامته في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} فكل أمر من أمور الخلائق دنيا واخرى عاجلا وآجلا قولا وفعلا حركة وسكونا جار على نهج العدالة ما دام موزونا بهذا الميزان ومنحرف عنها بقدر انحرافه عنه ولا تصح الاقامة بالعدالة إلا بالعلم وهو اتباع احكام الكتاب والسنة. الثاني: العلماء الذين هم ورثة الانبياء فهم فهموا مقامات القدوة من الانبياء وإن لم يعطوا درجاتهم واقتدوا بهداهم واقتفوا آثارهم إذ هم أحباب الله وصفوته من خلقه ومشرق نور حكمته فصدقوا بما اتوا به وسروا على سبيلهم وأيدوا دعوتهم ونشروا حكمتهم كشفا وفهما ذوقا وتحقيقا ايمانا وعلما بكمال المتابعة لهم ظاهرا وباطنا. فلا يزالون مواظبين على تمهيد قواعد العدل واظهار الحق برفع منار الشرع وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى برعاية الاحوط في الفتوى تزهدا للرخص لأنهم امناء لله في العالم وخلاصة بني ادم مخلصون في مقام العبودية مجتهدون في اتباع احكام الشريعة عن باب الحبيب لا يبرحون ومن خشية ربهم مشفقون مقبلون على الله تعالى بطهارة الأسرار وطائرون إليه باجنحة العلم والانوار هم أبطال ميادين العظمة وبلابل بساتين العلم والمكالمة. أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وتلذذوا بنعيم المشاهدة ولهم عند ربهم ما يشتهون وما ظهر في هذا الزمان من الاختلال في حال البعض من حب الجاه والمال والرياسة والمنصب والحسد والحقد لا يقدح في حال الجميع لأنه لا يخلو الزمان من محقيهم وإن كثر المبطلون ولكنهم اخفياء مستورون تحت قباب الخمول لا تكشف عن حالهم يد الغيرة الألهية والحكمة الأزلية. وهم آحاد الأكوان وافراد الزمان وخلفاء الرحمن وهم مصابيح الغيوب مفاتيح اقفال القلوب وهم خلاصة خاصة الله من خلقه وما برحوا أبدا في مقعد صدقه بهم يهتدي كل حيران ويرتوي كل ظمآن وذلك أن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مطلع شمس مشارق أنوارهم مقتبس من مشكاة النبوة المصطفوية ومعدن شجرة اسرارهم مؤيد بالكتاب والسنة لا أحصي ثناء عليهم أفض اللهم علينا مما لديهم. الثالث: الملوك وولاة الأمور يراعون العدل والانصاف بين الناس والرعايا توصلا إلى نظام المملكة وتوسلا إلى قوام السلطنة لسلامة الناس في أموالهم وابدانهم وعمارة بلدانهم ولولا قهرهم وسطوتهم لتسلط القوي على الضعيف والدنيء على الشريف. فرأس المملكة واركانها وثبات احوال الأمة وبنيانها العدل والانصاف سواء كانت الدولة اسلامية أو غير اسلامية فهما اس كل مملكة وبنيان كل سعادة ومكرمة. فإن الله تعالى أمر بالعدل ولم تكتف به حتى اضاف إليه الاحسان فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} لأن بالعدل ثبات الأشياء ودوامها وبالجور والظلم خرابها وزوالها فإن الطباع البشرية مجبولة على حب الانتصاف من الخصوم وعدم الإنصاف لهم والظلم والجور كامن في النفوس لا يظهر إلا بالقدرة كما قيل: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم فلولا قانون السياسة وميزان العدالة لم يقدر مصل على صلاته ولا عالم على نشر علمه ولا تاجر على سفره. فان قيل: فما حد الملك العادل قلنا هو مما قال العلماء بالله من عدل بين العباد وتحذر عن الجور والفساد حسبما ذكره رضي الصوفي في كتابه المسمى بقلادة الأرواح وسعادة الافراح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها" وفي حديث آخر: "والذي نفس محمد بيده أنه ليرفع للملك العادل إلى السماء مثل عمل الرعية وكل صلاة يصليها تعدل سبعين ألف صلاة" وكأن الملك العادل قد عبد الله بعبادة كل عابد وقام له بشكر كل شاكر فمن لم يعرف قدر هذه النعمة الكبرى والسعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 العظمى واشتغل بظلمه وهواه يخاف عليه بان يجعله الله من جملة اعدائه وتعرض إلى اشد العذاب كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة وأقربهم منه إمام عادل وإن أبغض الناس إلى الله تعالى وأشدهم عذابا يوم القيامة إمام جائر" فمن عدل في حكمه وكف عن ظلمه نصره الحق واطاعه الخلق وصفت له النعمى واقبلت عليه الدنيا فتهنأ بالعيش واستغنى عن الجيش وملك القلوب وأمن الحروب وصارت طاعته فرضا وظلت رعيته جندا لأن الله تعالى ما خلق شيئا احلى مذاقا من العدل ولا أروح إلى القلوب من الانصاف ولا أمر من الجور ولا أشنع من الظلم. فالواجب على الملك وعلى ولاة الأمور أن لا يقطع في باب العدل إلا بالكتاب والسنة لأنه يتصرف في ملك الله وعباد الله بشريعة نبيه ورسوله نيابة عن تلك الحضرة ومستخلفا عن ذلك الجناب المقدس ولا يأمن من سطوات ربه وقهره فيما يخالف امره فينبغي أن يحترز عن الجور والمخالفة والظلم والجهل فإنه احوج الناس إلى معرفة العلم واتباع الكتاب والسنة وحفظ قانون الشرع والعدالة فإنه منتصب لمصالح العباد واصلاح البلاد وملتزم بفصل خصوماتهم وقطع النزاع بينهم وهو حامي الشريعة بالإسلام فلا بد من معرفة احكامها والعلم بحلالها وحرامها ليتوصل بذلك إلى ابراء ذمته وضبط مملكته وحفظ رعيته فيجتمع له مصلحة دينه ودنياه وتمتلىء القلوب بمحبته والدعاء له فيكون ذلك اقوم لعمود ملكه وأدوم لبقائه وابلغ الأشياء في حفظ المملكة العدل والانصاف على الرعية. وقيل لحكيم أيما افضل العدل أم الشجاعة فقال من عدل استغنى عن الشجاعة لأن العدل اقوى جيش وأهنأ عيش. وقال الفضيل بن عياض النظر إلى وجه الإمام العادل عبادة وإن المقسطين عند الله على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 سفيان الثوري: "صنفان إذا صلحا صلحت الأمة وإذا فسدا فسدت الأمة الملوك والعلماء" والملك العادل هو الذي يقضي بكتاب الله عز وجل ويشفق على الرعية شفقة الرجل على أهله. روى ابن يسار عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما وال ولي من أمر أمتي شيئا فلم ينصح لهم ويجتهد كنصيحته وجهده لنفسه كبه الله على وجهه يوم القيامة في النار". الرابع أوساط الناس يراعون العدل في معاملاتهم وأروش جناياتهم بالانصاف فهم يكافؤون الحسنة بالحسنة والسيئة بمثلها. الخامس القائمون بسياسة نفوسهم وتعديل قواهم وضبط جوارحهم وانخراطهم في سلك العدول لأن كل فرد من افراد الإنسان مسؤول عن رعاية رعيته التي هي جوارحه وقواه كما ورد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قيل: صاحب الدار مسؤول عن أهل بيته وحاشيته. ولا تؤثر عدالة الشخص في غيره ما لم تؤثر أولا في نفسها إذ التأثير في البعيد قبل القريب بعيد. وقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} دليل على ذلك والإنسان متصف بالخلافة لقوله تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . ولا تصح خلافة الله إلا بطهارة النفس كما أن اشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم فما اقبح بالمرء أن يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه كما قال حكيم لجاهل صبيح الوجه: أما البيت فحسن وأما ساكنه فقبيح. وطهارة النفس شرط في صحة الخلافة وكمال العبادة ولا يصح نجس النفس لخلافة الله تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر النفس قد ازيل رجسه ونجسه. فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة فنجاسة البدن يمكن إدراكها بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة كما اشار له بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} . فان الخلافة هي الطاعة والاقتدار على قدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 طاقة الإنسان في أكتساب الكمالات النفسية والاجتهاد بالاخلاص في العبودية والتخلق باخلاق الربوبية ومن لم يكن طاهر النفس لم يكن طاهر الفعل. فكل إناء بالذي فيه ينضح. ولهذا قيل: من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله وقيل: في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب" أنه أشار بالبيت إلى القلب وبالكلب إلى النفس الأمارة بالسوء أو إلى الغضب والحرص والحسد وغيرها من الصفات الذميمة الراسخة في النفس ونبه بان نور الله لا يدخل القلب إذا كان فيه ذلك الكلب. وإلى الطهارتين اشار بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . وأما الذي تطهر به النفس حتى تصلح للخلافة وتستحق به ثوابه فهو العلم والعبادة الموظفة اللذان هما سبب الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 توضيح. اعلم أن الإنسان من حيث الصورة التخطيطية كصورة في جدار وإنما فضيلته بالنطق والعلم. ولهذا قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهمة مهملة أو صورة فبقوة العلم والنطق والفهم يضارع الملك وبقوة الأكل والشرب والشهوة والنكاح والغضب يشبه الحيوان. فمن صرف همته كلها إلى تربية القوة الفكرية بالعلم والعمل فقد لحق بافق الملك فيسمى ملكا وربانيا كما قال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} ومن صرف همته كلها إلى تربية القوة الشهوانية باتباع اللذات البدنية ياكل كما تأكل الأنعام فحقيق أن يلحق بالبهائم إما غمرا كثور أو شرها كخنزير أو عقور ككلب أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا حيلة ومكر كالثحلب أو يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد وإلى ذلك الأشارة بقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} وقد يكون كثير من الناس من صورته صورة إنسان وليس هو في الحقيقة إلا كبعض الحيوان قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} . مثل لبهائم جهلا جل خالقهم ... لهم تصاوير لم يقرن بهن جحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 من نصايح الرشاد لمصالح العباد. اعلم أن سبب هلاك الملوك اطراح ذوي الفضائل واصطناع ذوي الرذائل والاستفاف بعظة الناصح والاغتزار بتزكية المادح من نظر في العواقب سلم من النوائب وزوال الدول اصطناع السفل ومن استغنى بعقله ضل ومن أكتفى برأيه زل ومن استشار ذوي الألباب سلك سبيل الصواب ومن استعان بذوي العقول فاز بدرك المامول من عدل في سلطانه استغنى عن اعوانه عدل السلطان انفع للرعية من خصب الزمان الملك يبقى على الكفر والعدل ولا يبقى على الجور والإيمان ويقال حق على من ملكه الله على عباده وحكمه في بلاده أن يكون لنفسه مالكا وللهوى تاركا وللغيظ كاظما وللظلم هاضما وللعدل في حالتي الرضي والغضب مظهرا وللحق في السر والعلانية مؤثرا وإذا كان كذلك الزم النفوس طاعته والقلوب محبته واشرق بنور عدله زمانه وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه. ولقد صدق من قال: يا ايها الملك الذي ... بصلاحه صلح الجميع أنت الزمان فإن عدلت ... فكله أبدا ربيع وقال عمرو بن العاص ملك عادل خير من مطر وابل من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه. موعظة كل محنة إلى زوال وكل نعمة إلى انتقال: رأيت الدهر مختلفا يدور ... فلا حزن يدوم ولا سرور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وشيدت الملوك به قصورا ... فما بقي الملوك ولا القصور وقال المأمون: يبقى الثناء وتنفد الأموال ... ولكل وقت دولة ورجال من كبرت همته كثرت قيمته. لا تثق الدولة فإنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل. فإن الدنيا لا تصفو لشارب ولا تفي لصاحب. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أنصحني فكتب إليه أن الذي يصحبك لا ينصحك والذي ينصحك لا يصحبك. وسأل معاوية الاحنف بن قيس وقال له: كيف الزمان فقال أنت الزمان أن صلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان. آفة الملوك سوء السيرة وآفة الوزراء خبث السريرة وآفة الجند مخالفة القادة وآفة الرعية مخالفة السادة وآفة الرؤساء ضعف السياسة وآفة العلماء حب الرياسة وآفة القضاة شدة الطمع وآفة العدول قلة الورع وآفة القوي استضعاف الخصم وآفة الجريء اضاعة الحزم وآفة المنعم قبح المن وآفة المذنب حسن الظن والخلافة لا يصلحها إلا التقوى والرعية لا يصلحها إلا العدل فمن جارت قضيته ضاعت رعيته ومن ضعفت سياسته بطلت رياسته ويقال شيئان إذا صلح أحدهما صلح الآخر السلطان والرعية. ومن كلام بعض البلغاء خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف. قال وهب بن منبه: إذا هم الوالي بالجور أو عمل به ادخل الله النقص في أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء وإذا هم بالخير أو عمل به ادخل الله البركة على أهل مملكته حتى في التجارات والزراعات وفي كل شيء ويعم البلاد والعباد. ولنقبض عنان العبارات النقلية في أرض الأشارات العقلية المقتطفة من نظم السلوك في مسامرة الملوك وغرر الخصائص وغرر النقائص وهو باب واسع كثير المنافع وملاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الأمر في ذلك حسن القابلية وإن تكون مرآة غير صدية كما قيل: إذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الأديب وقيل أن الأخلاق وإن كانت غريزية فإنه يمكن تطبعها بالرياضة والتدريب والعادة والفرق بين الطبع والتطبع أن الطبع جاذب مفتعل والتطبع مجذوب منفعل تتفق نتايجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الأسترسال. وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الاخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوق إلى المنقبة وتتأنف من المثلبة. لكن سلطان طبعه يأبى عليه ويستعصي عن تكليف ما ندب إليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك ما قرره المتكلمون في الاخلاق من أن الطبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه إياها وكثرة اعانته لها. وأما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو الذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم وقد تكتسب الاخلاق من معاشرة الاخلاء أما بالصلاح أو بالفساد فرب طبع كريم افسدته معاشرة الأشرار وطبع لئيم اصلحته مصاحبة الاخيار. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". وقال علي رضي الله عنه لولده الحسن: الأخ رقعة في ثوبك فانظر بمن ترقعه. وقال بعض الحكماء في وصيته لولده: يا بني احذر مقارنة ذوي الطباع المزدولة لئلا تسرق طباعهم وأنت لا تشعر وأما إذا كان الخليل كريم الاخلاق شريف الأعراق حسن السيرة طاهر السريرة فبه في محاسن الشيم يقتدي وبنجم رشده في طريق المكارم يهتدي وإذا كان سيء الأعمال خبيث الاقوال كان المغتبط به كذلك ومع هذا فواجب على العاقل اللبيب والفطن الاريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه. وقال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه أن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت. وقال بعض الحكماء: النفس عزوف ونفور الوف متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أصلحتها صلحت وإن افسدتها فسدت وقال الشاعر: وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت وقالوا من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه والمنهج القويم الموصل إلى الثناء الجميل أن يستعمل الإنسان فكرة وتميزه فيما ينتج عن الاخلاق المحمودة والمذمومة منه ومن غيره فيأخذ نفسه بما استحسن منها واستملح ويصرفها عما استهجن منها واستقبح فقد قيل: كفاك تأديبا ترك ما كرهه الناس من غيرك. اللهم بحرمة سيد الأنام يسر لنا حسن الختام واصرف عنا سوء القضاء وانظر لنا بعين الرضاء وهذا أوان انشقاق كمائم طلع الشماريخ عن زهر مجمل التاريخ. أول خليفة في الأرض. اول خليفة جعل في الأرض آدم عليه الصلاة والسلام بمصداق قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ثم توالت الرسل بعده لكنها لم تكن عامة الرسالة بل كل رسول أرسل إلى فرقة فهؤلاء الرسل عليهم السلام مقررون شرائع الله بين عباده وملزموهم بتوحيد وامتثال أوامره ونواهيه ليترتب على ذلك انتظام أمور معاشهم في الدنيا وفوزهم بالنعيم السرمدي إذا امتثلوا في الأخرى إلى أن جاء ختامهم الرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وأمره بالصدع والأعلان والتطهير من عبادة الأوثان. وآمن به من أمن من الصحابة رضوان الله عليهم وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزي معه أولئك هم المفلحون. ولم يزل هذا الدين القويم من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينمو ويتع إلى ويسمو حتى تم ميقاته وقربت من. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 النبي وفاته وأنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} . ولما قبض صلى الله عليه وسلم قام بالأمر بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي كرم الله وجهه ولم تصف له الخلافة بمغالبة معاوية رضوان الله عليهم اجمعين في الأمر وبموت علي رضي الله عنه تمت مدة مدة الخلافة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا". وبخلافة معاوية كان ابتداء دولة الامويين وانقرضت بظهور أبي مسلم الخراساني واظهاره دولة بني العباس. فكان أولهم السفاح وظهرت دولتهم الظهور التام وبلغت القوة الزائدة والضخامة العظيمة ثم اخذت في الانحطاط بتغلب الاتراك والديلم ولم تزل منحطة وليس للخلفاء في آخر الأمر إلا الأسم فقط حتى ظهرت فتنة التاتار التي أبادت العالم وخرج هولاكو خان وملك بغداد وقتل الخليفة المعتصم وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد. ملوك مصر بعد ضعف الخلافة العباسية. وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتحت الديار المصرية والبلاد الشامية على يد عمرو بن العاص ولم تزل في النيابة أيام الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية وبني العباس إلى أن ضعفت الخلافة العباسية بعد قتل المتوكل بن المعتصم بن الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين. وتغلب على النواعي كل متملك لها فانفرد أحمد بن طولون بمملكة مصر والشام ثم دولة الاخشيد وبعده كافور أبو المسك. ولما مات قدم جوهر القائد من قبل المعز الفاطمي من المغرب فملكها من غير ممانع واسس القاهرة وذلك في سنة أحدى وستين وثلثمائة. وقد المعز إلى مصر بجنوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وأمواله ومعه رمم آبائه واجداده محمولة في توابيت وسكن بالقصرين وادعى الخلافة لنفسه دون العباسيين. وأول ظهور أمرهم في سنة سبعين ومائتين فظهر عبد الله بن عبيد الملقب بالمهدي وهو جد بني عبيد الحلفاء المصريين العبيديين الروافض باليمن وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كنانة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب فنما شأنه وشأن أولاده من بعده إلى أن حضر المعز لدين الله أبو تميم معد بن إسمعيل بن القائم ابن المهدي إلى مصر وهو أولهم فملكوا نيفا ومائتين من السنين إلى أن ضعف أمرهم في أيام العاضد وسوء سياسة وزيره شاور فتملكت الافرنج بلاد السواحل الشامية وظهر بالشام نور الدين محمود بن زنكي فاجتهد في قتال الأفرنج واستخلاص ما استولوا عليه من بلاد المسلمين وجهز أسد الدين شيركوه بعساكر لأخذ مصر فحاصرها نحو شهرين فاستنجد العاضد بالافرنج فحضروا من دمياط فرحل اسد الدين إلى الصعيد فجبى خراجه ورجع إلى الشام. وقصد الافرنج الديار المصرية في جيش عظيم وملكوا بلبيس وكانت إذ ذاك مدينة حصينة ووقعت حروب بين الفريقين فكانت الغلبة فيها على المصريين وأحاطوا بالاقليم برا وبحرا وضربوا على أهله الضرائب. ثم إن الوزير شاور أشار بحرق الفسطاط فأمر الناس بالجلاء عنها وأرسل عبيدة بالشعل والنفوط فأوقدوا فيها النار فأحترقت عن آخرها واستمرت النار بها أربعة وخمسين يوما وأرسل الخليفة العاضد يستنجد نور الدين وبعث إليه بشعور نسائه فأرسل إليه جندا كثيفا وعليهم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف فارتحل الافرنج عن البلاد وقبض أسد الدين على الوزير شاور الذي أشار بحرق المدينة وصلبه وخلع العاضد على أسد الدين الوزارة فلم يلبث أن مات بعد خمسة وستين يوما فولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 العاضد مكانه ابن أخيه صلاح الدين وقلده الأمور ولقبه الملك الناصر فبذل لله همته وأعمل حيلته وأخذ في إظهار السنة واخفاء البدعة. فثقل أمره على الخليفة العاضد فابطن له فتنة أثارها في جنده ليتوصل بها إلى هزيمة الأكراد واخراجهم من بلاده فتفاقم الأمر وانشقت العصا ووقعت حروب بين الفريقين أبلى فيها الناصر يوسف وأخوه شمس الدولة بلاء حسنا وانجلت الحروب عن نصرتهما فعند ذلك ملك الناصر القصر وضيق على الخليفة وحبس أقاربه وقتل أعيان دولته واحتوى على ما في القصور من الذخائر والأموال والنفائس بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غير ما اصطفاه صلاح الدين لنفسه. وخطب للمستضيء العباسي بمصر وسير البشارة بذلك إلى بغداد ومات العاضد قهرا وأظهر الناصر يوسف الشريعة المحمدية وطهر الاقليم من البدع والتشييع والعقائد الفاسدة وأظهر عقائد أهل السنة والجماعة وهي عقائد الأشاعرة والماتريدية وبعث إليه أبو حامد الغزالي بكتاب ألفه له في العقائد فحمل الناس على العمل بما فيه ومحا من الاقليم مستنكرات الشرع وأظهر الهدي ولما توفي نور الدين الشهيد انضم إليه ملك الشام وواصل الجهاد وأخذ في استخلاص ما تغلب عليه الكفار من السواحل وبيت المقدس بعد ما أقام بيد الافرنج نيفا وإحدى وتسعين سنة وأزال ما أحدثه الافرنج من الآثار والكنائس. ولم يهدم القمامة اقتداء بعمر رضي الله عنه وافتتح الفتوحات الكثيرة واتسع ملكه ولم يزل على ذلك إلى أن توفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة ولم يترك إلا أربعين درهما وهو الذي انشأ قلعة الجبل وسور القاهرة العظيم. وكان المشد على عمائره بهاء الدين قراقوش ثم استمر الأمر في أولاده وأولاد أخيه الملك العادل وحضر الافرنج أيضا إلى مصر في أيام الملك الكامل بن العادل وملكوا دمياط وهدموها فحاربهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 شهورا حتى أجلاهم وعمرت بعد ذلك دمياط هذه الموجودة في غير مكانها وكانت تسمى بالمنشية والكامل هذا هو الذي أنشأ قبة الشافعي رضي الله عنه عندما دفن بجواره موتاهم وأنشأ المدرسة الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث. الملوك الايوبية. وفي أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل حضر الافرنج وملكوا دمياط وزحفوا إلى فارسكور واستمر الملك الصالح يحاربهم أربعة عشر شهرا وهو مريض وانحصر جهة الشرق وأنشأ المدينة المعروفة بالمنصورة ومات بها سنة سبع وأربعين وستمائة والحرب قائم وأخفت زوجته شجرة الدر موته ودبرت الأمور حتى حضر ابنه توران شاه من حصن كيفا وانهزمت الافرنج وأسر ملكهم ريدا وكانوا طائفة الفرنسيس والملك الصالح هذا هو أول من اشترى المماليك واتخذ منهم جندا كثيفا وبنى لهم قلعة الروضة واسكنهم بها وسماهم البحرية ومقدمهم االفارس أقطاي. والملك الصالح هو الذي بنى المدارس الصالحية بين القصرين ودفن بقبة بنيت له بجانب المدرستين. ولما انهزم الافرنج ومات الصالح وتملك ابنه توران شاه استوحش من مماليك أبيه واستوحشوا منه فتعصبوا عليه وقتلوه بفارسكور وقلدوا في السلطنة شجرة الدر ثلاثة أشهر ثم خلعت وهي آخر الدولة الأيوبية ومدة ولايتهم أحدى وثمانون سنة. الملوك التركية. ثم تولى سلطنة مصر عز الدين أيبك التركماني الصالحي سنة ثمان وأربعين وستمائة وهو أول الدولة التركية بمصر. ولما قتل ولوا ابنه المظفر علي فلما وقعت حادثة التتار العظمى خلع المظفر وتولى الملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 المظفر قطز وخرج بالعساكر المصرية لمحاربة التتار فظهر عليهم وهزمهم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك بعد أن كانوا ملكوا معظم المعمور من الأرض وقهروا الملوك وقتلوا العباد وأخربوا البلاد. وفي سنة أربع وخمسين وستمائة ملكوا سائر بلاد الروم بالسيف وفي البحر. فلما فرغوا من ذلك صميعه نزل هولاكوخان وهو ابن طولون بن جنكيز خان على بغداد وذلك سنة ست وخمسين وهي إذ ذاك كرسي مملكة الإسلام ودار الخلافة فملكها وقتلوا ونهبوا وأسروا من بها من جمهور المسلمين والفقهاء والعلماء والأئمة والقراء والمحدثين وأكابر الأولياء والصالحين وفيها خليفة رب العالمين وإمام المسلمين وابن عم سيد المرسلين فقتلوه وأهله وأكابر دولته وجرى في بغداد ما لم يسمع بمثله في الآفاق. ثم أن هولاكوخان أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة ثم تقدم التتار إلى بلاد الجزيرة واستولوا على حران والرها وديار بكر في سنة سبع وخمسين ثم جاوزوا الفرات ونزلوا على حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة واستولوا عليها وأحرقوا المساجد وجرت الدماء في الازقة وفعلوا ما لم يتقدم مثله. ثم وصلوا إلى دمشق وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب فخرج هاربا وخرج معه أهل القدرة ودخل التتار إلى دمشق وتسلموها بالأمان ثم غدروا بهم وتعدوها فوصلوا إلى نابلس ثم إلى الكرك وبيت المقدس فخرج سلطان مصر بجيش الترك الذين تهابهم الأسود وتقل في أعينهم أعداد الجنود فالتقاهم عند عين جالوت فكسرهم وشردهم وولوا الأدبار وطمع الناس فيهم يتخطونهم. ووصلت البشائر بالنصر فطار الناس فرحا. ودخل المظفر إلى دمشق مؤيدا منصورا واحبه الخلق محبة عظيمة وساق بيبرس خلف التتار إلى بلاد حلب وطردهم وكان السلطان وعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 بحلب ثم رجع عن ذلك. فتأثر بيبرس وأضمر له الغدر وكذلك السلطان وأسر ذلك إلى بعض خواصه فأطلع بيبرس فساروا إلى مصر وكل منهما محترس من صاحبه فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر فقتلوه في الطريق. الملك بيبرس. ودخل بيبرس مصر سلطانا وتلقب بالملك الظاهر وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو السلطان ركن الدين أبو الفتح بيبرس البندقداري الصالحي النجمي أحد المماليك البحرية وعندما استقر بالقلعة أبطل المظالم والمكوس وجميع المنكرات وجهز الحج بعد انقطاعه اثنتي عشرة سنة بسبب فتنة التتار وقتل الخليفة ومنافقة أمير مكة مع التتار. فلما وصلوا إلى مكة منعوهم من دخول المحمل ومن كسوة الكعبة فقال أمير المحمل لامير مكة أما تخاف من الملك الظاهر بيبرس فقال: دعه يأتيني على الخيل البلق. فلما رجع أمير المحمل وأخبر السلطان بما قاله أمير مكة جمع له في السنة الثانية أربعة عشر ألف فرس أبلق وجهزهم صحبة أمير الحاج وخرج بعدهم على ثلاث نوق عشاريات فوافاهم عند دخولهم مكة وقد منعهم التتار وأمير مكة فحاربوهم فنصرهم الله عليهم وقتل ملك التتار وأمير مكة طعنه السلطان بالرمح وقال له: أنا الملك الظاهر جئتك على الخيل البلق. فوقع إلى الأرض وركب السلطان فرسه ودخل إلى مكة وكسا البيت وعاد إلى مصر واستقر ملكه حتى مات بدمشق سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ومدته سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما وحج سنة سبع وستين وستمائة. ولذلك خبر طويل ذكره العلامة القريزي في ترجمته في تواريخه وفي الذهب المسبوك فيمن حج من الخلفاء والملوك وكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقيادا للشرع وله فتوحات وعمارات مشهورة ومآثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حميدة ومنها رد الخلافة لبني العباس وذلك أنه لما جرى ما جرى على بغداد وقتل الخليفة وبقيت ممالك الإسلام بلا خلافة ثلاث سنوات حضر شخص من أولاد الخلفاء الفارين في الواقعة إلى عرب العراق ومعه عشرة من بني مهارش فركب الظاهر للقائه ومعه القضاة وأهل الدولة فأثبت نسبه على يد قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز ثم بويع بالخلافة فبايعه السلطان وقاضي القضاة والشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم ولقب بالمستنصر وركب يوم الجمعة وعليه السواد إلى جامع القلعة وخطب خطبة بليغة ذكر فيها شرف بني العباس ودعا فيها للسلطان وللمسلمين ثم صلى بالناس ورسم بعمل خلعه خليفة إلى السلطان وكتب له تقليدا وقرىء بظاهر القاهرة بحضرة الجمع وألبس الخليفة السلطان الخلعة بيده وفوض إليه الأمور وركب السلطان بالخلعة والتقليد محمول على رأسه ودخل من باب النصر وزينت القاهرة والأمراء مشاة بين يديه ورتب له أتابكيا واستادارا وخازندارا وحاجبا وشرابيا وكاتبا وعين له خزانة وجملة مماليك ومائة فرس وثلاثين بغلا وعشر قطارات جمال إلى امثال ذلك. ثم أنه عزم على التوجه إلى العراق فخرج معه السلطان وشيعه إلى دمشق وجهز معه ملوك الشرق صاحب الموصل وصاحب سنجار والجزيرة وغرم عليه وعليهم ألف ألف دينار وستين ألف دينار وسافروا حتى تجاوزوا هيت فلاقاهم التتار فحاربوهم فعدم الخليفة ولم يعلم له خبر. وبعد أيام حضر شخص آخر من بني العباس وكان أيضا مختفيا عند بني خفاجة فتوصل مع العرب إلى دمشق وأقام عند الأمير عيسى بن مهنا فأخبر به صاحب دمشق فطلبه وكاتب السلطان في شأنه فأرسل يستدعيه فأرسله مع جماعة من أمراء العرب فلما وصل إلى القاهرة وجد المستنصر قد سبقه بثلاثة أيام فلم ير أن يدخل إليها فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ورؤساؤها ومنهم عبد الحليم بن تيمية وجمع خلقا كثيرا وقصد عانة ولقب بالحاكم. فلما خرج المستنصر وافاه بعانة فانقاد له هذا ودخل تحت طاعته وخاصته فلما قدم المستنصر قصد الحاكم الرحبة وجاء إلى عيسى ابن مهنا فكاتب الملك الظاهر فيه فطلبه فقدم إلى القاهرة ومعه ولده وجماعته فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة كما سبق للمستنصر وأنزله بالبرج الكبير بالقلعة. واستمرت الخلافة بمصر وأقام الحاكم فيها نيفا وأربعين سنة وهذه من مناقب الملك الظاهر. ولما مات الملك الظاهر تولى بعده ابنه الملك السعيد ثم أخوه الملك العادل وكان صغيرا والأمر لقلاوون فخلعه واستبد بالملك ولقب بالملك المنصور قلاوون الالفي الصالحي النجمي جد الملوك القلاوونية وهو صاحب الخيرات والبيمارستان المنصوري والمدرسة والقبة التي دفن بها وله فتوحات بسواحل البحر الرومي ومصافات مع التتار وغير ذلك. تولى سنة ثمان وسبعين وستمائة ومات أواخر مدته أحدى عشرة سنة. وتولى بعده ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون وكان بطلا شجاعا ذا همة علية ورياسة مرضية خانه أمراؤه وغدروه وقتلوه بترانة جهة البحيرة سنة ثلاث وتسعين وستمائة ونقل لتربته التي أنشأها بالقرب من المشهد النفيسي بجانب مدرسة أخيه الصالح علي بن قلاوون. مات في حياة أبيه وكان هو أكبر أولاده مرشحا للسلطنة. ولما مات الأشرف تولى بعده اخوه الملك الناصر محمد بن قلاوون الألفي الصالحي النجمي اقيم في السلطنة وعمره تسع سنين فأقام سنة وخلع بمملوك أبيه زين الدين كنبغا الملك العادل فثار الأمير حسام الدين لاجين المنصوري نائب السلطنة على العادل وتسلطن عوضه ثم ثأر عليه طغى وكبرى فقتلاه وقتلا أيضا. واستدعي الناصر من الكرك فقدم واعيد إلى السلطنة مرة ثانية فأقام عشر سنين وخمسة أشهر محجورا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 والقائم بتدبير الدولة الأميران بيبرس الجاشنكير وسلار نائب السلطنة فدبر لنفسه في سنة ثمان وسبعمائة واظهر أنه يريد الحج بعياله فوافقه الأميران على ذلك وشرعا في تجهيزه وكتب إلى دمشق والكرك برمي الاقامات وألزم عرب الشرقية بحمل الشعير فلما تهيأ لذلك أحضر الأمراء تقاد معهم الخيل والجمال ثم ركب إلى بركة الحاج وتعين معه للسفر جماعة من الأمراء. وعاد بيبرس وسلار من غير أن يترجلا له عند نزوله بالبركة فرحل من ليلته وخرج إلى الصالحية وعيد بها وتوجه إلى الكرك فقدمها في عاشر شوال ونزل بقلعتها وصرح بأنه قد ثنى عزمه عن الحج واختار الاقامة بالكرك وترك السلطنة ليستريح وكتب إلى الأمراء بذلك وسأل أن ينعم عليه بالكرك والشوبك واعاد من كان معه من الأمراء وسلمهم الهجن وعدتها خمسمائة هجين والمال والجمال وجميع التقادم وأمر نائب الكرك بالمسير عنه وتسلطن بيبرس الجاشنكير وتلقب بالملك المظفر وكتب للناصر تقليدا بنيابة الكرك. فعندما وصله التقليد مع آل ملك اظهر البشر وخطب باسم المظفر على منبر الكرك وانعم على البريد الحاج آل ملك واعاده فلم يتركه المظفر وأخذ يناكده ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للإقامة عنده والخيول التي أخذها من القلعة والمال الذي اخذه من الكرك. وهدده فحنق لذلك وكتب إلى نواب الشام يشكو ما هو فيه فاحثوه على القيام لأخذ ملكه ووعدوه بالنصرة فتحرك لذلك وسار إلى دمشق واتت النواب إليه وقدم إلى مصر وفر بيبرس وطلع الناصر إلى القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة فأقام في الملك اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر ومات في ليلة الخميس حادي عشري ذي الحجة سنة أحدى وأربعين وسبعمائة وعمره سبع وخمسون سنة وكسور ومدة سلطنته ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وكان ملكا عظيما جليلا كفؤا للسلطنة ذا دهاء محبا للعدل والعمارة وطابت مدته وشاع ذكره وطار صيته في الآفاق وهابته الأسود وخطب له في بلاد بعيدة. ومن محاسنه أنه لما استبد بالملك اسقط جميع المكوس من اعمال الممالك المصرية والشامية وراك البلاد وهو الروك الناصري المشهود وابطل الرشوة وعاقب عليها فلا يتقلد المناصب إلا مستحقها بعد التروي والامتحان واتفاق الرأي ولا يقضي إلا بالحق. فكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة. وفي أيامه كثرت العمائر حتى يقال أن مصر والقاهرة زادا في أيامه أكثر من النصف وكذلك القرى بحيث صارت كل بلدة من القرى القبلية والبحرية مدينة على انفرادها وله ولامرائه مساجد ومدارس وتكايا مشهورة وحضر في أوائل دولته القان غازات بجنود التتار فخرج إليهم بعساكر مصر وهزمهم مرتين. وبعض مناقبه تحتاج إلى طول ونحن لا نذكر إلا لمعا فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات. وفي السيرة الناصرية مؤلف مخصوص مجلدان ضخمان ينقل عنه المؤرخون وللصفي الحلي فيه مرثية رائية بليغة نحو ستين بيتا. ولما مات دفن على والده بالقبة المنصورية بين القصرين. وتولى من أولاده وأولاد أولاده اثنا عشر سلطانا منهم السلطان حسن صاحب الجامع بسوق الخيل بالرميلة ومن شاهده عرف علو همته بين الملوك وهو الذي ألف باسمه الشيخ بن أبي حجلة التلمساني كتبه العشرة التي منها ديوان الصبابة والسكردان وطوق الحمامة وحاطب ليل وقرع سن. ومنهم الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد وهو الذي أمر الأشراف بوضع العلامة الخضراء في عمائمهم وفي ذلك يقول بعضهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 جعلوا لابناء النبي علامة ... أن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخض وفي أيام الأشراف هذا قدمت الإفرنج إلى الأسكندرية على حين غفلة ونهبوا أموالها واسروا نساءها ووصل الخبر إلى مصر فتجهز الأشرف وسار بعساكره فوجدهم قد ارتحلوا عنها وتركوها. ولهذه الواقعة تاريخ اطلعت عليه في مجلدين ويقال أن الفرنساوي الذين يكون في أذنه قرط امه اصلها من النساء المأسورات في تلك الواقعة. وفي أيامه كثر عبث المماليك الأجلاب فأمر باخراجهم من مصر فتجمعوا وعصوا فحاربهم وقاتلهم فانهزموا فقبض على كثير منهم فقتل منهم طائفة وغرق منهم طائفة ونفى منهم طائفة وبقى منهم بمصر طائفة التجأوا إلى بعض الأمراء وهؤلاء المماليك كانوا من مماليك يلبغا العمري مملوك السلطان حسن ومنهم صرغتمش واسند مرو آلجاي اليوسفي وهم كثيرون مختلفوا الأجناس ومنهم من جنس الجركس فلم يزالوا في اختلاف ومقت وهياج وحقد للدولة إلى أن تحيلوا وتراجعوا وتداخلوا في الدولة فاستقر أمرهم على أن طائفة منهم سكنوا بالطباق ودخلوا في مماليك الأسياد أي أولاد السلطان ومنهم من بقي أمير عشرة لا غير ومنهم من انضم إلى المماليك السلطانية ومماليك الأمراء وكانوا أرذل مذكور في الإقليم المصري. فلما عزم الأشرف على الحج وأخذ في أسباب ذلك انتهزوا عند ذلك الفرصة وكتموا أمرهم ومكروا مكرهم وتواعدوا مع أصحابهم الذين بصحبة السلطان أنهم يثيرون الفتنة مع السلطان في العقبة وكذلك المقيمون بمصر يفعلون فعلهم حتى ينقضوا نظام الدولة ويزيلوا السلطان والأمراء. ولما خرج السلطان من مصر خرج في ابهة عظيمة وتجمل زائد بعد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 رتب الأمور واستخلف بمصر وثغورها من يثق به وأخذ بصحبته من لا يظن فيه الخيانة ومنهم جملة من الجلبان وابقى منهم ومن غيرهم بمصر كذلك ولا ينفع الحذر من القدر. فلما خرج السلطان وبعد عن مصر اثاروا الفتنة بعد أن استمالوا طائفة من المماليك السلطانية وفعلوا ما فعلوه ونادوا بموت السلطان وولوا ابنه ووقفوا مستعدين منتظرين فعل أصحابهم الغائبين مع السلطان وثار أيضا أصحابهم على السلطان في العقبة فانهزم بعد أمور طالبا المجيء إلى مصر وصحبته الأمراء الكبار وبعض المماليك ونهبت الخزينة والحج وذهب البعض إلى الشام والبعض إلى الحجاز والبعض إلى مصر صحبة حريم السلطان وجرى ما هو مسطر في الكتاب من ذبح الأمراء واختفاء السلطان وخنقه وتمكن هؤلاء الاجلاب من الدولة ونهبوا بيوت الأموال وذخائر السلطان واقتسموا محاظيه وكذلك الأمراء ووصل كل صعلوك منهم لمراتع الملوك وأزالوا عن الدولة القلاوونية وأخذوا لانفسهم الأمريات والمناصب وأصبح الذين كانوا بالأمس أسفل الناس ملوك الأرض يجبى إليهم ثمرات كل شيء. الجراكسة. ثم وقعت فيهم حوادث وحروب اسفرت عن ظهور برقوق الجركسي أحد مماليك يلبغا العمري واستقراره أميرا كبيرا. وكان غاية في الدهاء والمكر فلم يزل يدبر لنفسه حتى عزل بن الأشرف وأخذ السلطنة لنفسه وهو أول ملوك الجراكسة بمصر وبالأشرف شعبان هذا وأولاده زالت دولة القلاوونية وظهرت دولة الجراكسة. أولهم برقوق وبعده ابنه فرج واستمر الملك فيهم وفي أولادهم إلى الأشرف قانصوه الغوري وابتداء دولتهم سنة أربع وثمانين وسبعمائة وانقضاؤها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فتكون مدة دولتهم مائة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وتسعة وثلاثين سنة. وسبب انقضائها فتنة السلطان سليم شاه ابن عثمان وقدومه إلى الديار المصرية فخرج إليه سلطان مصر قانصوه الغوري فلاقاه عند مرج دابق بحلب وخامر عليه أمراؤه خير بك والغزالي فخذلوه وفقدوه ولم يزل حتى تملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية. وأقام خير بك نائبا بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين مثل مرج الزهور لابن إياس وتاريخ القرماني وابن زقبل وغيرهم. وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام ولما خلص له أمر مصر عفا عمن بقي من االجراكسة وابنائهم ولم يتعرض لاوقاف السلاطين المصرية بل قرر مرتبات الأوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والأنبار ورتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ومصارف القلاع والمرابطين وأبطل المظالم والمكوس والمغارم. ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة وأخذ صحبته ما انتقاه من أرباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث أنه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة. ولما توفي تولى بعده ابنه المغازي السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان فاسس القواعد وتمم المقاصد ونظم الممالك وأنار الحوالك ورفع منار الدين واخمد نيران الكافرين وسيرته الجميلة اغنت عن التعريف وتراجمه مشحونة بها التصانيف. ولم تزل البلاد منتظمة في سلكهم ومنقادة تحت حكمهم من ذلك الأوان الذي استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وولاة مصر نوابهم وحكامها أمراؤهم. وكانوا في صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين واشد من ذب عن الدين واعظم من جاهد في المشركين. فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتحه الله على ايديهم وأيدي نوابهم وملكوا احسن المعمور من الأرض ودانت لهم الممالك في الطول والعرض. هذا مع عدم أغفالهم الأمر وحفظ النواحي والثغور وأقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وتعظيم العلماء وأهل الدين وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك في الأحكام والوقائع بالقوانين والشرائع فتحصنت دولتهم وطالت مدتهم وهابتهم الملوك وانقاد لهم الممالك والمملوك. ومما يحسن ايراده هنا ما حكاه الأسحاقي في تاريخه أنه لما تولى السلطان سليم ابن السلطان سليمان المذكور كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي ولا يخفي ما بين آل عثمان والعجم من العداوة المحكمة الأساس فأقر السلطان سليم شمسي باشا العجمي مصاحبا على ما كان عليه أيام والده وكان شمسي باشا المذكور له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد أن يدخل شيئا منكرا يكون سببا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشا من أرباب الولاة والعمال. فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له: على سبيل العرض عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الآن قصده من فيض انعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع إلى الخزينة كذا وكذا. فلما سمع السلطان سليم ما ابداه شمسي باشا علم أنها مكيدة منه وقصده ادخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه وقال له: يا رافضي مريد أن تدخل الرشوة بيت السلطنة حتى يكون ذلك سببا لإزالتها. وامر بقتله فتلطف به وقال له: يابا دشاه لا تعجل هذه وصية والدك لي فإنه قال لي: إن السلطان سليم صغير السن وربما يكون عنده ميل للدنيا فاعرض عليه هذا الأمر فإن جنح إليه فامنعه بلطف فإن امتنع فقل له هذه وصية والدك فدم عليها ودعا له بالثبات وخلص من القتل. فانظر يا أخي وتأمل فيما تضمنته هذه الحكاية من المعاني. وأقول بعد ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال بمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول وقد اخر سني العجز أن افتح فما افغير الله ابتغى حكما. وفي اثناء الدولة العثمانية ونوابهم وامرائهم المصرية ظهر في عسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق واسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها أهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو أن الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين واحتزبوا بأسرهم حزبين فرقة يقال لها فقارية واخرى تدعى قاسمية ولذلك اصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بايراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة وهو أن السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يوما لبعض جلسائه وخاصته وأصدقائه: يا هل ترى هل بقي أحد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه. فقال له: خيربك نعم أيها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الأمير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما أحد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان. فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد ابوابه بالأحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة. وهو إلى الآن مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته. فقال السلطان هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا أن نذهب لزيارته ونقتبس من بركته واشارته قوموا بنا جملة نذهب إليه على غفلة لكي اتحقق المقال واشاهده على أي حالة هو من الأحوال. ثم ركب في الحال ببعض الرجال إلى أن توصل إليه ودخل عليه فوجده جالسا على مسطبة الايوان وبين يديه المصحف وهو يقرأ القرآن وعنده خدم واتباع وعبيد ومماليك أنواع فعندما عرف أنه السلطان بادر لمقابلته بغير توان وسلم عليه ومثل بين يديه فأمره بالجلوس ولاطفه بالكلام المأنوس إلى أن أطمأن خاطره وسكنت ضمائره فسأله عن سبب عزلته وانجماعه عن خلطته بعشيرته فاجابه أنه لما رأى في دولتهم اختلال الأمور وترادف الظلم والجور وأن سلطانهم مستقل برأيه فلم يضع إلى وزير ولا عاقل مشير واقصى كبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت إدراك. ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب. وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال. فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون إلى نصف حرام والمصريين. وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء. فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار. وقيل غير ذلك وإن اصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتر دار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت إدراك. ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب. وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال. فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون إلى نصف حرام والمصريين. وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء. فكم خربت بلاد وقتلت امجاد وهدمت دور واحرقت قصور وسبيت احرار وقهرت اخيار. وقيل غير ذلك وإن اصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتر دار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 تابع مصطفى بك والفقارية نسبة إلى ذي الفقار بك الكبير وأول ظهور ذلك من سنة خمسين وألف والله اعلم بالحقائق. واتفق أن قاسم بك المذكور أنشأ في بيته قاعة جلوس وتأنق في تحسينها وعمل فيها ضيافة لذي الفقار بك أمير الحاج المذكور فأتى عنده وتغدى عنده بطائفة قليلة ثم قال له ذو الفقار بك: وانت أيضا تضيفني في غد وجمع ذو الفقار مماليكه في ذلك اليوم صناجق وامراء وااختيارية في الوجاقات وحضر قاسم بك بعشرة من طائفته واثنين خواسك خلفه والسعادة والسراج فدخل عنده في البيت وأوصى ذو الفقار أن لا أحد يدخل عليهما إلا بطلب إلى أن فرشوا السماط وجلس صحبته على السماط. فقال قاسم بك حتى الصناجق والاختيارية. فقال ذو الفقار أنهم يأكلون بعدنا هؤلاء جميعهم مماليكي عندما أموت يترحمون علي ويدعون لي وانت قاعتك تدعو لك بالرحمة الكونك ضيعت المال في الماء والطين. فعند ذلك تنبه قاسم بك وشرع ينشيء اشراقات كذلك وكانت الفقارية موصوفة بالكثرة والكرم والقاسمية بكثرة المال والبخل. وكان الذي يتميز به أحد الفريقين من الآخر إذا ركبوا في المواكب أن يكون بيرق الفقاري ابيض ومزاريقه برمانة وبيرق القاسمية احمر ومزاريقه بجلبة. ولم يزل الحال على ذلك. واستهل القرن الثاني عشر وامراء مصر فقارية وقاسمية فالفقارية ذو الفقار بك إبراهيم بك أمير الحاج ودرويش بك وإسمعيل بك ومصطفى بك قزلار وأحمد بك قزلار بجدة ويوسف بك القرد وسليمان بك بارم ذيله ومرجان جوزبك كان اصله قهوجي السلطان محمد قلدوه صنجقا فقاريا بمصر الجميع تسعة وأمير الحاج منهم والقاسمية مراد بك الدفتر دار ومملوكه ايواظ بك وإبراهيم بك أبو شنب وقانصوه بك وأحمد بك منوفية وعبد الله بك. ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في أوائل القرن حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين وألف وسنة مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وواحد بعد الألف والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن إبراهيم خان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب إمارة الحاج وإسمعيل بك فتردار وذلك سنة تسع وتسعين. وفي أواخر الحجة سنة تسع وتسعين وألف حصلت واقعة عظيمة بين إبراهيم بك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوشي وقتلوا كثيرا من العرب ونهبوا ارزاقهم ومواشيهم وأحضر منهم اسرى كثيرة ووقفت الغرب في طريق الحج تلك السنة بالشرفة فقتلوا من الحاج خلقا كثيرا وأخذوا نحو ألف جمل باحمالها وقتلوا خليل كتخدا الحج فعين عليهم خمسة أمراء من الصناجق فوصلوا إلى العقبة وهرب العربان. وفي أيامه سافر ألفا شخص من العسكر والبسوا عليهم مصطفى بك طكوز جلان وسافروا إلى ادرنه في غرة جمادي الأولى سنة مائة وألف. وفي رابع جمادي الثانية خنق الباشا كتخدا بعد أن أرسله إلى دير الطين على أنه يتوجه إلى جرجا لتحصيل الغلال وذلك لذنب نقمه عليه. وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها. وفي أيامه غلت الأسعار مع زيادة النيل وطلوعه في أوانه على العادة ثم عزل حسن باشا ونزل إلى بيت محمد بك حاكم جرجا المقتول وتولى قيطاس بك قائمقام فكانت مدته هذه سنة واحدة وتسعة أشهر. ثم تولى أحمد باشا وكان سابقا كتخدا إبراهيم باشا الذي مات بمصر وحضر أحمد باشا من طريق البر وطلع إلى القلعة في سادس عشر المحرم سنة مائة واحدى وألف ووصل اغا بطلب الفي عسكري وعليهم صنجق يكون عليهم سر دار فعينوا مصطفى بك حاكم جرجا سابقا وسافر في منتصف جمادي الآخرة. وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة إلى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان وتوجهوا في ثاني عشر جمادي الآخرة وسافر أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 خلفهم إسمعيل بك وجميع الكشاف وكتخدا الباشا واغوات البلكات وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارا ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة فهزم فيها الاحزاب وولوا منهزمين نحو الغرق وأما قيطاس بك وحسن اغا بليغا وكتخدا الباشا فإنهم صادفوا جمعا من العرب في طريقهم فأخذوهم ونهبوا مالهم وقطعوا منهم رؤوساء ثم حضر وإلى مصر. وفي انامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة ومحاربته بها مع محمد بك حاكم جدة فكانت الهزيمة على الشريف. وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد إمارة مكة ونودي بالأمان بعد حروب كثيرة وزينت مكة ثلاثة أيام بلي إليها وذلك في منتصف رجب ومرض أحمد باشا وتوفي ثاني عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بالقرافة فكانت مدته سنة واحدة وستة أشهر. ومن مآثره ترميم الجامع المؤيدي وقد كان تداعى إلى السقوط فامر بالكشف عليه وعمره ورمه. وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتر دار. وفي ثاني يوم حضر قانصوه بك تابع المتوفي من سفره بالخزينة مكان كتخدا الباشا المتولي قائمقام بعد موت سيده فألبس قانصوه بك دفتر دار ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائمقام واذن بالتصرف إلى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه أربعة وتسعين يوما. ثم تولى علي باشا وحضر من البحر إلى القلعة في ثاني عشرى رمضان سنة اثنتين ومائة وألف وحضر صحبته تترخان وأقام بمصر إلى أن توجه إلى الحج ورجع على طريق الشام. وفي ثاني عشري القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم فزينت مصر ثلاثة أيام وضربت مدافع من القلعة. وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث ومائة وألف ورد نجاب من مكة واخبر بان الشريف سعد تغلب على محسن وتولى إمارة مكة فأرسل الباشا عرضا إلى السلطنة بذلك. وفي ثامن ربيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 أول ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشابش والحرمين لاربعة من الصناجق فتولى إبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج حالا عوضا عن اغات مستحفظان ومراد بك الدفتر دار على المحمدية عوضا عن كتخدا مستحفظان وعبد الله بك على وقف الخاصكية عوضا عن كتخدا العزب وإسمعيل بك على اوقاف الحرمين عوضا عن باش جاويش مستحفظان. فالبسهم علي باشا قفاطين على ذلك. وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة وتوجه إلى الحجاز. وفي شهر شوال سافر على كتخدا أحمد باشا المنوفي إلى الروم. وفي تاريخه تقلد إسمعيل بك الدفتردارية عوضا عن مراد بك. وفي ثالث عشر شوال قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم وحصلت في بابهم فتنة اثارها كحك محمد واخرجوا سليم افندي من بلكهم ورجب كتخدا والبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه وابطل كجك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات وابطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والانكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها. وكتب بذلك بيورلدي ونادوا به في الشوارع. وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم افندي وخنقه بالقلعة ونزل إلى بيته محمولا في تابوت وتغيب رجب كتخدا ثم استعفى من الصنجقية فرفعوها عنه وسافر إلى المدينة. وفي ثامن عشر ربيع الأول ورد مرسوم بتزيين الأسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رزقهما السلطان أحمد سمي أحدهما سليان والآخر إبراهيم. وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك أبو يدك بألف نفر من العسكر لاحقا بإبراهيم بك أبي شنب وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد. وفي ثاني عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف الموافق الحادي عشر بشنس هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو وكان الناس في صلاة الجمعة فظن الناس انها القيامة وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون وهدمت دور كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 سنة ست ومائة وألف. وقصر مد النيل تلك تلك السنة وهبط بسرعة فشرقت الأارضي ووقع الغلاء والفناء. وفي شهر الحجة سافر اناس من مكة إلى دار السلطنة وشكوا من ظلم الشريف سعد فعين إليه محمد بك نائب جده وإسمعيل باشا نائب الشام فوردا بصحبة الحاج فتحاربوا معه ونزعوه ونهب العسكر منزله وولوا الشريف عبد الله بن هاشم على مكة ثم بعد عود الحاج رجع سعد وتغلب وطرد عبد الله بن هاشم. وفي هذه السنة وقعت مصالحات في المال الميري بسبب الري والشراقي. وفي ثاني عشر جمادي الآخرة حضر الشريف أحمد بن غالب أمير مكة مطرودا من الشريف سعد. وفي ثامن عشري رجب سنة ألف ومائة وستة ورد الخبر بجلوس السلطان مصطفى بن محمد. وفي ثاني عشر شعبان طلع أحمد بك بموكب مسافر اباش على ألف عسكري إلى انكروس وطلع بعده أيضا في سابع عشرينه إسمعيل بك بالف عسكري لمحافظة رودس بموكب إلى بولاق فأقام بها ثلاثة أيام ثم سافر إلى الأسكندرية. وفي رابع شعبان ورد مرسوم بضبط أموال نذير اغا وإسمعيل اغا الطواشيين فسجنوهما بباب مستحفظان وضبطوا أموالهما وختموها. وفي خامس شوال انهى أرباب الأوقاف والعلماء والمجاورون بالأزهر إلى علي باشا امتناع الملتزمين من دفع خراج الأوقاف وخراج الرزق المرصدة على المساجد وما يلزم من تعطيل الشعائر فأمر الملتزمين بدفع ما عليهم من غير توقف فامتثلوا. وفي شوال أرسل الباشا إلى مراد بك الدفتردار بعمل جمعية في بيته بسبب غلال الأنبار فاجتمعوا وتشاوروا في ذلك فوقع التوافق أن البلاد الشرقي تبقى غلالها إلى العام القابل وأما الري فيدفع ملتزموها ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 عليهم. وأخذوا اوراقا بيعت بالثمن اشتراها الملتزمون من أرباب الأستحقاق عن الجراية مائة وخمسون نصفا وغلق الملتزمون ما عليهم بشراء الوصولات. وفي ثاني عشر شوال ورد الخبر من منفلوط بان الشريف فارس بن إسمعيل التيتلاوي قتل عبد الله بن وافي شيخ عرب المغاربة. وفي حادي عشر القعدة ورد اغا بمرسوم بمبيع متاع نذير اغا وإسمعيل اغا المعتقلين وضبط اثمانها ما عدا الجواهر والذخائر التي اختلسوها من السرايا فإنها تبقى بأعيانها وإن يفحص عن أموالهما واماناتهما وإن يسجنا في قلعة الينكجرية ففعل بهم ذلك وبلغ اثمان المبيعات الفا وأربعمائة كيس خلاف الجواهر والذخائر فإنها جهزت مع الأموال صحبة الخزينة على يد سليمان بك كاشف ولاية المنوفية. وفي منتصف المحرم سنة سبع ومائة وألف اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا من الجوع فلم يجبهم أحد فرجموا بالأحجار. فركب الوالي وطردهم فنزلوا إلى الرميلة ونهبوا حواصل الغلة التي بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا وكان ملآنا بالشعير والفول وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء حتى بيع الاردب القمح بستمائة نصف فضة والشعير بثلثمائة والفول بأربعمائة وخمسين والأرز بثمانمائة نصف فضة وأما العدس فلا يوجد. وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها وحضرت أهالي القرى والارياف حتى امتلأت منهم الأزقة واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف ومات الكثير من الجوع وخلت القرى من أهاليها وخطف الفقراء الخبز من الأسواق ومن الأفران ومن على رؤوس الخبازين. ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطيف وبايديهم العصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به. واستمر الأمر على ذلك إلى أن عزل علي باشا في ثامن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 عشري المحرم سنة سبع ومائة ألف. وورد مسلم إسمعيل باشا من الشام وجعل إبراهيم بك أبا شنب قائم قام ونزل علي باشا إلى منزل أحمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل فكانت مدته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأياما ثم تولى إسماعيل باشا وحضر من البر وطلع إلى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء أمر بجميع الفقراء والشحاذين بقراميدان فلما اجتمعوا أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان كل إنسان على قدر حاله وقدرته وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبا وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء إلى أن انقضى الغلاء واعقب ذلك وباء عظيم فامر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن إلى أن انقضى أمر الوباء وذلك خلاف من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار وغيرهم وانقضى ذلك في آخر شوال. وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري وإبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج وغيرهما. ولما انقضى ذلك عمل الباشا مهما عظيما لختان ولده إبراهيم بك وختن معه الفين وثلثمائة وستة وثلاثين غلاما من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار. وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب فطلع عليه ستمائة كيس فختموا منزله وباعوا موجوداته حتى غلق ذلك. وورد أمر بالزينة بسبب نصره فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة أيام. وفي رجب ورد مرسوم بطلب الفين من العسكر واميرهم مراد بك فلبس الخلع هو وأرباب المناصب وسافروا في حادي عشر شعبان. وفي سابع عشر رجب سنة سبع ومائة وألف تقلد قيطاس بك تابع أمير الحاج ذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الفقار بك الصنجقية عوضا عن ابن سيده إبراهيم بك وورد الافراج عن نذير آغا ورتب له خمسمائة عثماني وخمس جرايات وعشر علائف في ديوان مصر واستمر رفيقه إسمعيل اغا في السجن. وفي رابع رجب ورد أحمد بك من السفر وفي سابعه تقلد أيوب بك إمارة الحج. وفي ثاني شعبان ورد إسمعيل راجعا من السفر. وفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ثمان ومائة وألف ورد أمر بتزيين اسواق مصر سرورا بمولود للسلطان وسمي محمودا. وورد ايا الخبر باستشهاد مراد بك. قتل ياسف اليهودي. وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي. قتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة وقامت الرعايا فجمعوا حطبا واحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة. وسبب ذلك أنه كان ملتزما بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل ثم طلب إلى اسلامبول وسئل عن احوال مصر فأملى أمورا والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد وحسن بمكره أحداث محدثات ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق واطلعوه إلى الديوان وقرئت الأوامر التي حضر بها ووافقه الباشا على إجرائها وتنفيذها. واشهر النداء بذلك في شوارع مصر فاغتنم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء وراجعوهم في ذلك فركب الأمراء والصناجق وطلعوا إلى القلعة وفاوضوا الباشا فجاد بهم بما لا يرضيهم فقاموا عليه قومة واحدة وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه فاغلظوا عليه وصمموا على اخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في امره ففعلوا به كما أمرهم. فقامت الجند على الباشا وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع فمضوا إلى السجن واخرجوه وفعلوا به ما ذكر. وفي تاريخه أحضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني أحد شهود المحكمة بسبب أنه كتب حجة وقف منزل آل بيت المال فأمر بحلق لحيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وتشهيره على جمل في الأسواق والمنادي ينادي عليه هذا جزاء من يكتب الحجج الزور. ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة. وفي صفر وردت سكة دينار عليها طرة فجمع الباشا الأمراء واحضر امين الضربخانة وسلمها له وأمره أن يطبع بها وإن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا والوزن كل مائة شريفي مائة وخمسة عشر درهما وسعر أبي طرة مائة وخمسة عشر نصفا. وفي ذلك الشهر لبس عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وتوجه إليها. وفي ثاني عشر ربيع الأول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة إسمعيل باشا سنتين وتقلد مصطفى بك قائمقام مصر إلى أن حضر حسين باشا من صيدا وطلع إلى القلعة في موكب عظيم في منتصف رجب سنة تسع ومائة وألف. وورد مرسوم بطلب تجهيز الفي نفر من العسكر وعليهم يوسف بك المسلماني فقضى اشغاله وسافر في تاسع عشر رمضان. وفي منتصف شهر ذي الحجة خرج إسمعيل باشا إلى العادلية ليسافر وكان قد حاسبه حسين باشا فتأخر عليه خمسون ألف اردب دفع عنها خمسين كيسا وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها وتوجه إلى بغداد. وفي سنة عشر ومائة وألف أخذ أرباب الأستحقاقات الجراية ولعلائف بثمن عن كل اردب قمح خمسة وعشرون نصفا فضة وكل رادب شعير ستة عشر نصفا. وفي آخر جمادي الثانية ظهر رجل من أهل الفيوم يدعى بالعليمي قدم إلى القاهرة وأقام بظهر القهوة المواجهة لسبيل المؤمن فاجتمع عليه كثير من العوام وادعوا فيه الولاية وأقبلت عليه الناس من كل جهة واختلط النساء بالرجال وكان يحصل بسببه مفاسد عظيمة. فقامت عليه العسكر وقتلوه بالقلعة ودفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وفي رابع عشر شوال كانت واقعة المغاربة من أهل تونس وفاس وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة التي تحمل كل سنة للبيت الحرام ويمرون بها في وسط القاهرة وتحمل المغاربة جانبا منها للتبرك بها ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم. فرأوا رجلا من اتباع مصطفى كتخدا القازدغلي فكسروا انبوبته وتشاجروا معه وشجوا رأسه وكان في مقدمتهم طائفة منهم متسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية وقام عليهم أهل السوق. وحضر اوده باشة البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد وطلع بهم إلى الباشا واخبروه بالقضية فأمر بسجنهم بالعرقانة. فاستمروا حتى سافر الحج من مصر ومات منهم جماعة في السجن ثم افرج عن باقيهم. ثم تولى قره محمد باشا وحضر إلى مصر منتصف ربيع الثاني سنة أحدى عشرة ومائة وألف وهو كتخدا إسمعيل باشا المتقدم ذكره. وفي أيامه سنة أربع عشرة حصلت حادثة الفضة المقصوصة والتسعيرة وسيأتي الخبر ذلك في ترجمة علي اغا مستحفظان. وفي سنة خمس عشرة وردت الأخبار بوفاة السلطان مصطفى وجلوس السلطان أحمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها وأمر الباشا بقطع سقائف الدكاكين لاجل توسعة الطرق والاسواق ففعل ذلك ثم أمر بقطع الأرض وتمهيدها فحفروا نحو ذراع أو أكثر من الأسواق ففعل ذلك. ثم أمر بقطع الأرض إلى أن كشفت الجدران. ومكث محمد باشا واليا بمصر خمس سنوات إلى أن عزل في شهر رجب سنة ست عشرة ومائة وألف. ومن مآثره تعمير الأربعين الذي بجوار باب قراميدان وانشأ فيه جامعا بخطبة وتكية لفقراء الخلوتية من الأروام وأسكنهم بها وانشأ تجاهها مطبخا ودار ضيافة للفقراء وفي علوها مكتبا للأطفال يقرأون فيه القرآن ورتب لهم ما يكفيهم. وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حماما فسيحا مفروشا بالرخام الملون وجدد بستان الغوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وغرس فيه الأشجار ورمم قاعة الغوري التي بالبستان وعمر بجوار المنزل سكن اميراخور وبنى مسطبة عظيمة برسم الباس القفاطين وتسليم المحمل لامير الحاج وأرباب المناصب وعمر مسطبة يرمى عليها النشاب وانشأ الحمام البديع بقراميدان ونقل إليه من القلعة حوض رخام صحن قطعة واحدة انزلوه من السبع حدارات وعملوا به فسقيه في وسط المسلخ وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني وجعل به فقراء مجاورين ورتب لهم ما يكفيهم وانشأ صهريجا بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية ورتب فيها خمسة عشر نفرا يقرأون القرآن كل يوم بعد الشمس وهو الذي تسبب في قتل عبد الرحمن بك حاكم جرجا لحزازة معه من اجل مخدومة إسمعيل باشا وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته. وتولى رامي محمد باشا وكان تولي الوزارة في زمن السلطان مصطفى وانفصل عنها وجعل محافظا بجزيرة قبرص ثم حضر منها واليا على مصر فطلع إلى القلعة في يوم الإثنين سادس شعبان سنة ست عشرة ومائة وألف. وفي سبع عشرة تقلد قيطاس بك إمارة الحج عوضا عن أيوب بك. وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة فضج لناس وابتهلوا بالدعاء وطلب الأستسقاء واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الاماكن المعروفة باجابة الدعاء فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت وشذ ذلك من النوازل فروى بعض البلاد وهبط سريعا فحصل الغلاء وبلغ سعر الأردب القمح مائتين وأربعين فضة والفول كذلك والعدس مائتي نصف فضة والشعير مائة نصف فضة والأرز أربعمائة نصف فضة الأردب وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة انصاف فضة والجاموسي والبقري بنصفي فضة والسمن القنطار بستمائة نصف فضة والزيت بثلثمائة وخمسين والدجاجة بثمانية انصاف. وعلى هذا فقس والبيض كل ثلاث بيضات بنصف والرطل الشمع الدهن بثمانية انصاف وكثر الشحاذون في الأزقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وفي سنة ثمان عشرة لم يأت من اليمن ولا من الهند مراكب فشح القماش الهندي وغلا البن حتى بلغ القنطار الفين وسبعمائة وخمسين نصفا وغلا الشاش فبيع الفرحات خان بأربعمائة نصف فضة والخنكاري بسبعمائة نصف. وفي سادس رجب عزل محمد باشا وحضر مسلم علي باشا. وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم وسكن بمنزل أحمد كتخدا العزب سابقا المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران. ووصل علي باشا من طريق البحر وذهبت إليه الملاقاة على العادة وارسى بساحل بولاق يوم الإثنين تاسع شعبان وهو في نحو ألف ومائتي نفس خلاف الاتباع. وفي ثاني عشر شعبان سنة ثمان عشرة ركب بالموكب وطلع إلى القلعة وضربوا المدافع لقدومه. وفي أواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة وسببها أن شخصا من يلك العزب يسمى محمد افندي كاتب صغير سابقا ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة وحصل له تهمة عزل بها من المقابلة ثم عمل سردار بالاسكندرية على طائفة العرب وعمل كتخدا القبودان وركب في المراكب واشيع أنه غرق في البحر فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره. وبعد مدة حضر إلى مصر وطلع إلى الديوان وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها ولم يساعده أهل بابه وأهملوا أمره فتغير خاطره منهم وذهب إلى بلك المتفرقة وانضم إليهم وسألهم أن يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم وجعل يركب معهم كل يوم للديوان ويمر على باب العزب. فبينما هو ذات يوم طالع إلى الديوان إذ وقف له جماعة من العزب وقبضوا على لجام فرسه وأنزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم. وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان وحضر محمد امين بيت المال في العزب وكان في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 اليوم نائبا عن باش جاويش لتمرضه. فعاتبه جماعة التفرقة على ما فعله جماعته فاغلظ عليهم في الجواب فقبضوا عليه من اطواقه وأرادوا ضربه فدخل بينهم المصلحون وخلصوه من أيديهم. فنزل إلى باب العزب وأخبرهم بما فعله المتفرقة فاجتمعت طائفة العزب ووقفوا على بابهم فلما مر عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين إلى منازلهم وهما محمد الأبدال وصاري علي فلما حاذياهم هجم عليهما طائفة العزب هجمة واحدة وضربوهما ضربا مؤلما وانزلوهما عن الخيل وشجوهما ونهبوا ما على الخيل من العدد وأخذوا ما عليهما من الملبوس. فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات وقعدوا في باب الينكجرية وانهوا أمرهم إلى الأغوات والصناجق وأهل الحل والعقد واستمروا على ذلك ثلاثة أيام إلى أن وقع التوافق على اخراج أربعة انفار الذين كانوا سببا لاشعال نار الفتنة ونفيهم من مصر وهم أحمد كتخدا العزب ومحمد أمين بيت المال والشريف محمد باش اوده باشه ومحمد افندي قاضي اوغلي الذي كان الباعث على ذلك. فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه فسفروهم إلى جهة الصعيد. وفي ثاني شهر الحجة عزل على اغا مستحفظان وتولى عوضه رضوان اغا كتخدا الجاوشية سابقا وركب بالشعار المعلوم وقطع ووصل وأمر أهل الأسواق أن يدفعوا الارطال في دار الضرب بالدمغة السلطانية. وجعلوا على كل دمغة نصف فضة فتحصل من ذلك مال له صورة. وفي سابع عشر المحرم سنة تسع عشرة ومائة وألف توفي إسمعيل بك الدفتردار وولي أيوب بك عوضه وهو الذي كان أمير الحاج سابقا. وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان أحمد بان يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا وكانوا يقطعونه على ستة عشر. وفي يوم الخميس ورد أمر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع وملبوس وغيره فحبس بقصر يوسف صلاح الدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وإبطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب. وفيه وصل الحجاج وقد تاخروا إلى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند وشراء ما بها من الأقمشة. وفي شهر ربيع حبس جماعة من اتباع الباشا وهم الكتخدا والخازندار وغيرهم من أرباب الكلمة. وفي ثامن عشر جمادي الآخرة تقلد إبراهيم بك الدفتردارية عوضا عن أيوب بك بموجب مرسوم سلطاني وفيه عزل رضوان اغا مستحفظان وتولى أحمد اغا ابن بكير افندي عوضا عنه. وفيه ورد أمر بابطال نوبة محمد باشا ونفيه إلى جزيرة رودس فنزل من يومه إلى بولاق وأقام بها إلى أن سافر. وفي أوائل رجب ورد أمر بعزل علي باشا وحبسه في قصر يوسف واستخلاص ما عليه من الديون إلى تجار اسلامبول وجعل إبراهيم بك قائمقام وحبس علي باشا وبيعت موجوداته. وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية فعزلوا افرنج أحمد باشا اوده باشا وحسين اوده باشا ثم نفوهم إلى الطينة بدمياط. ووردت الأخبار بولاية حسين باشا على مصر وقدومه إلى الأسكندرية فقدم إلى مصر في ثالث عشري شعبان سنة تسع عشرة. وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات إلى مكة بمرسوم سلطاني. وفيه فر افرنج أحمد اوده باشا وحسين اغا من حبس الطينة ودخلا مصر ليلا فاختبآ عند اغات الجراكسة والتجأ حسين إلى باب التفكجبة. وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا إلى القلعة بالموكب المعتاد على العادة. وفي سادس عشرينه اجتمع الينكجرية بالباب باسلحتهم لما بلغهم قدوم افرنج أحمد إلى مصر وقالوا لا بد من نفيه ورجوعه إلى الطينة فعاند في ذلك طائفة الجراكسة وامتنعوا من التسليم فيه وقالوا لا بد من نقله من وجاقكم. وساعدهم بقية البلكات ولم يوافق الينكجرية على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ومكثوا ببابهم يومين وليلتين وكذلك فعل كل من بلك ببابه. فاجتمع كل العلماء والمشايخ على الصناجق والأعيان وخاطبوهم في حسم الفتنة فوقع الاتفاق على أن يجعلوه صاحب طبلخانة وأرسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وأرباب الدرك واحضروه إلى مجلس الأغا وقرأوا عليه فرمان الصنجقية وإن خالف يكون عليه بخلاف ذلك فامتثل الأمر ولبس الصنجقية وطلع من منزل اغات الجراكسة بموكب عظيم إلى منزله ونزل له الصنجق السلطاني والطبلجانة في غايته. ومن الحوادث أنه حضر كتخدا حسين باشا المذكور من طريق البحر باوامر منها تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطا وإن يضربوا الزلاطة والعثامنة التي يقال لها الاخشاءة بدار الضرب واحضر معه سكة لذلك فامتنع المصريون من ذلك ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط. وفي شهر شوال حضر اغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون فباعوها بالمزاد بالديوان. وفي شهر الحجة ورد اغا بطلب خازندار إبراهيم بك الدفتردار وسببه أنه انهى إلى السلطان أن خليل الخازندار المذكور أتاه رجل دلال بقوس فصار يجذبها ويتصرف فيها وكان بجانبه رجل من العثمانيين فأخذ القوس من يد خليل المذكور وأراد جذبها فلم يستطع فتعجب من قوة خليل المذكور وأخذ منه القوس وسافر بها إلى الديار الرومية ليمتحن بها أهل ذلك الفن فلم يقدر أحد على جذبها واتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع فتعجب من صعوبتها فقال له: الرجل أن بمصر مملوكا عند إبراهيم بك أوترها وصار يجذبها حتى تجمع طرفاها وعنده أيضا مكحلة ثلاثون درهما يرمى بها الهدف وهو رامح على ظهر الحصان فامر السلطان باحضاره فجهزه إبراهيم بك وأرسله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 سنة عشرين ومائة وألف. ورد قبودان يسمى جانم خوجه رئيس المراكب وطلع إلى الديوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ومعه بقية الرؤساء فلما اجتمع بالباشا ابرز له مرسوما بتجهيز علي باشا إلى الديار الرومية فجهز في ثامن عشرينه ونزل بموكب فيه حسين باشا والصناجق والاغوات واتباعهم ونزل في السفائن وسافر في أوائل ربيع الأول. وفي ثامن عشر شوال اجتمع عسكر بالديوان وانهوا إلى الباشا أن محمد بك حاكم جرجا انزل عربان المغاربة وامنهم وهذا يؤدي إلى الفساد فعزلوه وولوا آخر اسمه محمد من اتباع قيطاس بك جعلوه صنجقا والبسوه على جرجا وهو الذي عرف بقطامش وستأتي اخباره. وفي تاسع عشر شوال ورد محسن زاده اخو كتخدا الوزير ادخله حسين باشا بموكب حفل وطلع إلى القلعة وابرز مرسوما بعزل ايواز بك وتولية محمد باشا محسن زاده في منصبه فانزله في غيظ قراميدان إلى أن سافر صحبة الحاج الشريف. ومن الحوادث أن في يوم الإثنين رابع عشر القعدة سنة عشرين ومائة وألف وقف مملوك لرجل يسمى محمد اغا الحلبي على دكان قصاب بباب زويلة ليشتري منه لحما فتشاجر مع حمار عثمان اوده باش البوابة فأعلم عثمان بذلك فأرسل أعوانه وقبضوا على ذلك المملوك واحضروه إليه فأمر بحبسه في سجن الشرطة فلما بلغ محمد جاويش سجن مملوكه حضر هو وأولاده واتباعه إلى باب صاحب الشرطة لخلاص مملكوه فتفاوضا في الكلام وحصل بينهما مشاجرة فقبض عثمان اوده باشا علي محمد جاويش المذكور وأودعه في السجن وركب إلى باش اوده باشا وهو إذ ذاك سليمان ابن عبد الله وطلع إلى كتخدا مستحفظان وعرض القصة فلم يرضوا له بذلك وامروه باطلاقه فرجع واخرج محمد جاويش ومملوكه من السجن وركب. ففي ثاني يوم الحادثة اجتمعت طائفة الجاويشية مع طائفة المتغرفة والثلاث بلكات الأسباهية والأمراء والصناجق والاغوات في الديوان وطلبوا نفي عثمان أوده باشا المذكور فلم توافقهم الينكجرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 على ذلك فطلعوا إلى الديوان وطلبوا عثمان المذكور للدعوى عليه فحضر واقيمت الدعوى بحضرة الباشا والقاضي فأمر القاضي بحبس عثمان كما حبس محمد جاويش فلم يرض الاخصام بذلك وقالوا لا بد من عزله ونفيه فلم توافقهم الينكجرية فطلب العسكر من الباشا أمرا بنفيه فتوقف في ذلك فنزلوا مفغضبين واجتمعوا بمنزل كتخدا الجاويشية وأنزلوا مطبخهم من نوية خاناه إلى منزل كتخدا الجاويشية صالح اغا وأقاموا به ثلاثة أيام ليلا ونهارا وامتنعوا من التوجه إلى الديوان ثم اجتمع أهل البلكات وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واتفقوا على نفي عثمان اوده باشا ثم اجتمعوا على الصناجق واتفقوا أن يكونوا معهم على طائفة الينكجرية لأنهم لم يعتبروهم. وأرسل الأسباهية مكاتبات لانفارهم المحافظين مع الكشاف بالولايات يأمرونهم بالحضور. وفي ذلك اليوم عزل أوده باش البوابة وولي خلافة. وفي يوم الجمعة ثامن عشري الشهر حضر إلى طائفة الينكجرية من أخبرهم أن العسكر يريدون قتالهم فأرسلوا القابجية إلى انفارهم ليحضروا إلى الباب بآلة الحرب فاجتمعوا وانزعج أهل الأسواق وقفل غالبهم دكاكينهم ثم اطمأنوا بعد ذلك وجلسوا في دكاكينهم. واستمر أهل الوجاقات الستة يجتمعون ويتشاورون في أبوابهم وفي منزل محمد اغا المعروف بالشاطر ومنزل إبراهيم بك الدفتردار وأما الينكجرية فإنهم كانوا يجتمعون بالباشا فقط. وفي يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة قدم محمد بك الذي كان بالصعيد في جند كثيف واتباع كثيرة وطلع إلى ديوان مصر على عادة حكام الصعيد المعزولين ولبس الخلع السلطانية ونزل إلى بيته بالصليبة. ثم أن أهل الوجاقات الست اجتمعوا واتفقوا على ابطال المظالم المتجددة بمصر وضواحيها وكتبوا ذلك في قائمة واتفقوا أيضا أن من كان له وظيفة بدار الضرب والأنبار والتعريف بالبحرين أو المذبح لا يكون له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 جامكية في الديوان ولا ينتسب لوجاق من الوجاقات وإن لا يحتمي أحد من أهل الأسواق في الوجاقات وإن ينظر المحتسب في أمورهم ويحرر موازينهم على العادة وإن يركب معه نائب من باب القاضي مباشرا معه وإن يتعرض أحد للمراكب التي ببحر النيل التي تحمل غلال الإنبار وإن يحمل الغلال المذكورة جميع المراكب التي ببحر النيل. ولا تختص مركب منها بباب من ابواب الوجاقات وإن كل ما يدخل مصر من بلاد الامناء باسم الأكل لا يؤخذ عليه عشر وإن لا يباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة إلى جنس الافرنج وإن لا يباع الرطل البن بازيد من سبعة عشر نصفا فضة. وأرسلوا القائمة المكتتبة إلى الباشا ليأخذوا عليها بيورلدي وينادى به في الأسواق. فتوقف الباشا في اعطاء البيورلدي ولما بلغ الانكشارية ما فعل هؤلاء اجتمعوا ببابهم وكتبوا قائمة نظير تلك القائمة بمظالم الخردة ومظالم اسبانية الولايات وغيرها وأرسلوها إلى الباشا فعرضها على أهل الوجاقات فلم يعتبروها وقالوا لابد من اجراء قائمتنا وابطال ما يجب ابطال منها من المظالم. وفي يوم الأحد حادي عشري ذي الحجة اجتمع أهل الوجاقات ومعهم الصناجق بباب الغرب وقاضي العسكر ونقيب الأشراف بالديوان عند الباشا وأرسلوا إلى الباشا أن يكتب لهم بيورلدي بابطال ما سألوه فيه والمناداة به وإن لم يفعل ذلك انزلوه ونصبوا عوضه حاكما منهم. وعرضوا ذلك على الدولة فلما تحقق الباشا منهم ذلك كتب لهم ما سألوه وكتب لهم القاضي أيضا حجة على موجبة ونزل بهما المحتسب وصاحب الشرطة ونائب القاضي واغا من اتباع الباشا ونادوا بذلك في الشوارع. وفي غاية الحجة سنة عشرين كسف جرم الشمس في الساعة الثامنة واستمر سبع عشرة درجة ثم انجلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. وفي يوم السبت رابع محرم سنة أحدى وعشرين ومائة ألف اجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الينكجرية عند اغاتهم وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واجتمع انفارهم جميعا بالغيط المعروف بخمسين كتخدا وتحالفوا كذلك. وفي سابعه اجتمع أهل الوجاقات بمنزل إبراهيم بك الدفتردار وتصالحوا على أن يكونوا كما كانوا عليه من المصافاة والمحبة بشرط أن ينفذوا جميع ما كتب في القائمة ونودي به ولا يتعرضوا في شيء منه فلم يستمر ذلك الصلح. وفي ليلة السبت حادي عشرة وقع في الجامع الأزهر فتنة بعد موت الشيخ النشرتي وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ عبد الله الشبراوي ثم أن الينكجرية قالوا: لا نوافق على نقل دار الضرب إلى الديوان حتى تكتبوا لنا حجة بان ذلك لم يكن لخيانة صدرت منا ولا تخوف عليها فامتنع اخصامهم من اعطاء حجة بذلك ثم توافق أهل البلكات الست على أن يعرضوا في شأن ذلك إلى باب الدولة فإن أقرها في مكانها رضوا به وإن أمر بنقلها نقلت فاجتمعوا هم ونقيب الأشراف ومشايخ السجاجيد وكتبوا العرض المذكور ووضعوا عليه ختومهم ما عدا الينكجرية فإنهم امتنعوا من الختم ثم امضوه من القاضي وأرسلوه من أنفار من البلكات واغا من طرف الباشا في سادس عشري المحرم سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. وأما الينكجرية فإنهم اجتمعوا ببابهم وكتبوا عرضا من عند انفسهم إلى أرباب الحل والعقد من أهل وجاقهم بالديار الرومية وعينوا للسفرية على افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد جربجي وجهزوهم للسفر فسافروا في يوم الإثنين سابع عشرينه. وفي ثالث عشر ربيع الأول تقلد إمارة الحاج قيطاس بك مقررا على العادة في صبيحية المولد النبوي في كل سنة وكان أشيع أن بعض الأمراء سعى على منصب إمارة الحج فلما بلغ الينكجرية ذلك اجتمعوا ببابهم لابسين سلاحهم وجلسوا خارج الباب الكبير على طريق الديوان بناء على أنه أن لبس شخص إمارة الحج خلاف قيطاس بك لا يمكنوه من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فلما رأى الصناجق والأمراء ذلك منهم خافوهم وقالوا هذه أيام تحصيل الخزينة ونخشى وقوع امره من هؤلاء الجماعة يؤدي إلى تعطيل المال فاجتمع رأي الصناجق وأهل الوجاقات الست على نفي ستة أشخاص من الينكجرية الذين بيدهم الحل والعقد ويخرجونهم من مصر إلى بلاد التزامهم تسكينا للفتنة حتى يأتي جواب العرض. فلما بلغ الينكجرية ما دبروه اجتمعوا في بابهم في عددهم وعددهم فلم يلتفتوا إلى فعلهم وقالوا لا بد من نفيهم أو محاربتهم. واجتمعوا كذلك في ابوابهم واستعد الينكجرية في بابهم وشحنوه بالاسلحة والذخيرة والمدافع فحصل لأهل البلد خوف وانزعاج وأغلقوا الدكاكين وذلك سابع عشر ربيع الأول ونقل الجاويشية مطبخهم من القلعة من النوبة إلى منزل كتخدا الجاويشية وأقام طائفة الينكجرية منهم طوائف محافظين على أبواب القلعة وباب الميدان والسحراء الذي بالمطبخ الموصل إلى القرافة خوفا من أن العسكر يستميلون الباشا وينزلونه الميدان لأنهم كانوا أرسلوا له كتخد الجاويشية وطلبوا منه النزول إلى قراميدان ليتداعوا مع الينكجرية على بد قاضي العسكر فلم تمكنهم الينكجرية من ذلك وحصل لكتخدا الجاويشية ومن معه مشبقة في ذلك اليوم من المذكورين عند عودهم من عند الباشا وما خلصوا إلا بعد جهد عظيم. وفي يوم الخميس عشري ربيع الأول اجتمع الصناجق والعسكر واختاروا محمد بك الذي كان بالصعيد لحصار القلعة من جهة القرافة على جبل الجيوشي بالمدافع والعسكر ففعل ما أمروا به وخافت العسكر وقوع نهب بالمدينة فعينوا مصطفى اغا أغات الجراكسة يطوف في اسواق البلد وشوارعها. كما كان يفعل في زمن عزل الباشا. وفي يوم السبت ثاني عشرينه اجتمع الأمراء الصناجق والاسباهية بالرذيلة وعينوا أحمد بك المعروف بافرنج أحمد أغات التفكجية ليحاصروا طائفة الينكجرية من بابهم المتوصل منه إلى المحجر وباب الوزير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ويمنعوا من يصل إليهم بالامداد. واما الينكجرية الذين كانوا بالقاهرة فاجتمعوا بباب الشرطة واتفقوا على أن يدهموا العسكر المحافظين بالباب ويكشفوهم ويدخلوا إلى باب الينكجرية. فلما بلغ الصناجق ذلك والعسكر عينوا إبراهيم الشهير بالوالي ومصطفى اغات الجبجية في طائفة من الأسباهية فنزلوا إلى باب زويلة ولما بلغ خبرهم الينكجرية الذين كانوا تجمعوا في باب الشرشة تفرقوا فجلس مصطفى اغا محل جلوس الأوده باشا وإبراهيم بك في محل جلوس العسس وانتشرت طوائفهم في نواحي باب زويلة والخرق واستمروا ليلة الأحد على هذا المنوال فطلع في صبحها نقيب الأشراف والخلماء وقاضي العسكر وأرباب الأشاير واجتمعوا بالشيخونيتين بالصليبة وكتبوا فتوى بان الينكجرية أن لم يسلموا في نفي المطلوبين وإلا جاز محاربتهم وأرسلوا الفتوى صحبة جوخدار من طرف القاضي إلى باب الينكجرية فلما قرأت عليهم تراخت عزائمهم وفشلوا عن المحاربة وسلموا في نفي المطلوبين بشرط ضمانهم من القتل فضمنهم الأمراء الصناجق وكتبوا لهم حجة بذلك فلما وصلتهم الحجة انزلوا الانفار الثمانية المطلوبين إلى أمير اللواء ايواز بك ورضوان اغا فتوجها بهم إلى بولاق ومن هناك سافروا إلى بلاد الريف. وفي يوم تاسع عشر ربيع الآخر ورد أمير زياده اخوز صغير من الديار الرومية وطلع إلى القلعة وابرز مرسومين فرثا بالديوان بمحضر الجميع أحدهما بابطال المظالم والحمايات بموجب القائمة المعروضة من العسكر ونفي عطاء الله المعروف ببولاق وأحمد جلبي بن يوسف اغا وإن يحاسبوا تجارة القهوة على مرابحة العشرة اثني عشر بعد رأس المال والمصاريف والأمر الثاني بنقل دار الضرب من قلعة الينكجرية إلى حوش الديوان وبناء قنطرة اللاهون بالفيوم وإن يحسب ما يصرف عليهما من مال الخزينة العامرة. وفي يوم تاريخه برز أمر من الباشا برفع صنجقية أحمد بك الشهير بافرنج أحمد بك والحاقه بوجاق الجميلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وفي يوم السبت اجتمع اعيان مستحفظان بمنزل أحمد كتخدا المعروف بشهر اغلان وأرسلوا خلف افرنج أحمد وتصالحوا معه وتعاهدوا على الصدق وإن لا يغدرهم ولا يغدروه. ومضوا معه إلى الباب الجملي وأخذوا عرضه وركب الحمار في يوم الأحد وطلع إلى باب مستحفظان في جم غفير من الأوده باشية وتقرر باش اوده باشا كما كان سابقا وعاد إلى منزله. وفي غاية الشهر رجع الانفار الثمانية المنفيون واخرجوهم من وجاق الينكجرية ووزعوهم على أهل الوجاقات باطلاع الأمراء الصناجق والاغواث. وفي أوائل جمادي الأولى أرسل القاضي فأحضر مشايخ الحرف وعرفهم أنه ورد أمر يتضمن أن لا يكون لاحد من أرباب الحرف والصنائع علاقة ولا نسبة في أحد الوجاقات السبع فأجابوه بان غالبهم عسكري وابن عسكري وقاموا على غير امتثال ثم بلغ القاضي أنهم اجمعوا على ايقاع مكروة به فخافهم وترك ذلك وتغافل عنه ولم يذكره بعد. وفي هذه السنة أبطل الينكجرية ما كانوا يفعلونه من الاجتماع بالمقياس وعمل الأسمطة والجمعيات وغيرها عند تنظيفه. وفي منتصف جمادي الثانية تم بناء دار الضرب التي أحدثوها بحوش الديوان وضرب بها السكة وكان محلها قبل ذلك معمل البارود ونقل معمل البارود إلى محل بجوارها. وفيه لبس إبراهيم بك أبو شنب أميرا على الحاج عوضا عن قيطاس بك وتولى قيطاس بك دفتردارية مصر عوضا عن إبراهيم بك بموجب مرسوم ورد بذلك من الأعتاب. وفي تاسع عشر رمضان ورد الخبر بعزل حسين باشا وولاية إبراهيم باشا القبودان ووردت منه مكاتبة بأن يكون حسين باشا نائبا عنه إلى حين حضوره ولم يفوض أمر النيابة إلى أحد من صناجق مصر كما هو المعتاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وفي شهر شوال الموافق لكيهك القبطي ترادفت الامطار وسالت الأودية حتى زاد بحر النيل بمقدار خمسة اذرع وتغير لونه لكثرة ممازجة الطفل للماء في الأودية واستمرت الامطار تنزل وتسكب إلى غاية الشهر وكان ابتداؤها من غرة رمضان. وفي منتصف ذي القعدة نزل حسين باشا من القلعة بموكب عظيم وإمامه الصناجق والاغوات إلى منزل الأمير يوسف اغا دار السعادة بسويقة عصفور ووصل إبراهيم باشا القبودان وطلع إلى القلعة في منتصف الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. وفي منتصف محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف اجتمع أهل البلكات السبعة بسبيل علي باشا بجوار الإمام الشافعي واتفقوا على نفي ثلاثة انفار من بينهم فنفوا في يوم الخميس من اختيارية الجاويشية قاسم اغا وعلي افندي كاتب الحوالة ومن وجاق المتفرقة علي افندي المحاسبجي وسببه أنهم اتهموهم بانهم يجتمعون بالباشا في كل وقت ويعرفونه بالأحوال وإنهم أغروه بقطع الجوامك المكتتبة باسماء أولاد وعيال المحلول عنهم وأن العسكر راجعوه في ذلك فلم يوافقهم على ذلك وأيضا راجعه الاختيارية المرة بعد المرة فقال لا اسلم إلا الوجاقات السبعة فمن نقل اسمه فإني لا أعارضه فرضوا بذلك وأخذوه منه فرمانا فورد بعد ذلك سلحدار الوزير وعلى يده أوامر بابطال المرتبات وإن من عاند في ذلك يؤدبه الحاكم فاذعنوا بالطاعة فأراد الباشا نفي الثلاثة أنفار من اختيارية العزب فلم توافق العسكر ثم اتفق العسكر على كتابة عرض بالاستعطاف بابقاء ذلك وسافر به سبعة انفار من الأبواب السبعة. وفي يوم الخميس غاية ربيع الأول تقلد الأمير ايواز بك إمارة الحج عوضا عن إبراهيم بك لضعف مزاجه ووهن قوته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وفي أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ورد من الديار الرومية مرسوم قرىء بالديون مضمونه أن وزن الفضة المصرية زائد في الوزن عن وزن اسلامبول والأمر بقطع الزائد وإن تضرب سكة الجنزرلي ظاهرة ويحرر عياره على ثلاثة وعشرين قيراطا. وفي ثاني رجب حصلت زلزلة في الساعة الثامنة. وفيه ورد مرسوم بابقاء المرتبات التي عرض في شأنها كما كانت ولكن لا يكتب بعد اليوم في التذاكر أولاد وعيال ولا ترتب على جهة وقف. وفي خامس عشرة ورد عزل إبراهيم باشا وولاية خليل باشا وأقامة أيوب بك قائمقام ونزل إبراهيم باشا من القلعة إلى منزل عباس اغا ببركة الفيل فكانت مدته ثمانية أشهر ووصل خليل باشا الكوسنج وكان بصيدا من اعمال الشام فقدم بالبر يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. وفي ثاني عشر ذي القعدة ورد أمر بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم صنجق لسفر الموسقو وكانت النوبة على محمد بك حاكم جاجا حالا فتعذر سفره فأقيم بدله إسمعيل بك تابع ذي الفقار بك فقلدوه الصنجقية وأمده محمد بك باربعين كيسا مصرية وجعله بدلا عنه وألبس القفطان ثاني عشر الحجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي سابع شباط الرومي وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت. وفيه نزل إسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة إلى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم. وفي يوم الجمعة سادس عشرة اجتمع طائفة مصطفى كتخدا القزدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفرا واتفقوا أنهم لا يرضون افرنج أحمد باش اوده باشا فإما يلبس الضلمة أو يكون جربجيا في الوجاق وإن لم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يرض باحد الأمرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون إلى أي وجاق شاؤوا. وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا أيضا على رجوع الثمانية انفار الذين كانوا اخرجوهم من باب الينكجرية ومشت الصناجق بينهم والاختيارية وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل إبراهيم بك أمير الحاج سابقا ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية انفار المذكورين ومن انضم إليهم من الوجاقات إلى باب العزب وإن يخرجوا انفارا كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي من الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا فاتفق الأمر على أن من كان منهم مكتوبا لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين ومن لم يكن مكتوبا فيعطى عرضه ويذهب إلى باب العزب. وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر وما عداهم اعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك. ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم اقامتهم بمصر وإن يلحقوا بالمسافرين بثغر الأسكندرية. وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة أمير الحاج ايواز بك. وفيه اجتمع حسن جاويش القزدعلي الذي كان سردار القطار والأمير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وإبراهيم جربجي سردار جداوي وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب إليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم ثم طلب موسى جربجي تابع بن الأمير مرزان أن يخرج أيضا من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان اغا فذهب موسى جربجي إلى إبراهيم بك وأيواز بك وقيطاس بك وسألهم أن يتشفعوا له في ذلك فلم يوافق رضوان أغا فاتفق رأيهم أن يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان اغا المذكور ويتولى علي اغات الينكجرية سابقا وإن يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولى عوضه إسمعيل أغا تابع إبراهيم بك فامتنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الأمراء الصناجق على عزل رضوان أغا فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان أغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش واجتمع أهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك أياما. واما الينكجرية الذين انتقلوا إلى العزب فإنهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة إلى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع إلى باب الينكجرية من العسكر والاتباع ولم يبق في الطريق الموصلة إلى القلعة إلا باب المطبخ ثم توجهوا للسواقي لاجل منع الماء عن القلعة فمنعهم العسكر من الوصول إليها فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الاحبال والقواديس ثم أن نفرا من انفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بافرنج أحمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله فأخذه جماعة منهم وعرضوا أمره على خليل باشا وقاضي العسكر فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد أخافوا الناس وسلبوهم فقد جاز قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر ثم أن أحمد أوده باشا أستاذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك. ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا إلى انقضاء الفتنة مدة سبعين يوما ورجع افرنج أحمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع وذلك من بعد الزوال إلى بعد العشاء وقتل من طائفة العزب أربعة انفار بالمحجر. ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الأمراء الصناجق الأمير ايواز بك أمير الحاج والأمير إبراهيم أبو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار واتفقوا على أن يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا إلى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية فأخبروا أن أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وعلى قلعة الكبش وربما أنهم إذا طلعوا إلى الرميلة يذهب أيوب بك وينهب منازلهم فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفا من طارق. واستمر افرنج أحمد يحارب ثلاثة أيام بلي إليها واجتمع على رضوان اغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سببا لاثارة الفتنة. فقالوا سليم جربجي ومحمد افندي بن طلق ويوسف افندي وأحمد جربجي تو إلى فقالوا: لا نرضي هؤلاء الأربعة بعد اليوم أن يكونوا اختيارية علينا ثم ركبوا وتوجهوا إلى منزل قيطاس بك وأرسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية إلى منزل أيوب بك يطلبون رضوان أغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للاربعة الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لاحد ولا يجتمع بهم أحد. ثم ركب رضوان أغا إلى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لأحمد باشا بابطال الحرب فأبى من الصلح فكتبوا عرضا إلى الباشا عن لسان الصناجق وأغوات الوجاقات الخمس برفع المحاربة فأرسل الباشا إلى الينكجرية فامتثلوا امره وابطلوا الحرب وضرب المدافع ثم أن الصناجق والاغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح فأجابوا إلى الحضور غير أنهم تعللوا إلى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر فأرسلوا إلى حسن كتخدا العزب فأرسل إليهم من أحضرهم وخلت الطريق فاجتمع رأي الينكجرية على ارسال حسن كتخدا سابقا وأحمد بن مقز كتخدا سابقا أيضا فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل إسمعيل بك وحضر معهم جميع أهل الحل والعقد وتشاوروا في اخماد هذه الفتنة وأرسلوا إلى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط أن هؤلاء الثمانية الذين كانوا سببا لاثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون إلى وجاقاتهم الأصلية ولا يقيمون فيه وإن يسلموا الأمير حسن الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه فأرسل الأمراء الصناجق كتخداتهم إلى افرنج أحمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بان الانفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم إلى وجاقاتهم ويعفون من النفي ومن طلب الأمير حسن فلم يوافق افرنج أحمد على ذلك وقال: إن لم يرضوا بشرطي وإلا حاربتهم ليلا ونهارا إلى أن أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح ثم اجتمع الأمراء الصناجق والاغوات في رابع شهر ربيع بمنزل إبراهيم بك بقناطر السباع وتذاكروا في اجراء الصلح على كل حال وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعا. وكلموا أيوب بك أن يرسل إلى افرنج أحمد بصورة الحال وإن يمنع المحاربة إلى تمام الأمر المشروع فبطل الحرب نحو خمسة عشر يوما وأخذ افرنج أحمد مدة هذه الأيام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة ملأوا الصهاريج وحضر في أثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين فأقام ثلاثة أيام ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الأعظم من العرب والمغارية والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف اغات الجراكسة سابقا فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفرا وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواز بك ومماليكه وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع وانتقل من محله وذهب إلى طولون وتترس هناك وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا إلى باب العزب وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح فقام عليه افرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى وأما سكان باب العزب فإنهم أخذوا ما امكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة. وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق ورحل غالب السكان القريبين من القلعة مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر خوفا من هدم المنازل عليهم. وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبها هدم من المدافع واحترق والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار. ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منه جانب وكذلك موضع الأغا لاغير. ثم أن افرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر أغا جراكسة وأحمد أغا تفكجيان ورضوان أغا جمليان فقعدوا بمن انضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الاحمر ليقطعوا الطريق على العزب واختار افرنج أحمد نحو تسعين نفرا من الينكجرية واعطى كل شخص دينارا طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الاماكن المذكورة فأما رضوان أغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب وأما أحمد أغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزدادة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب. وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله فقبض عليه طائفة من الاخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وأرسلوه إلى افرنج أحمد فلما بلغ العزب ذلك أرسلوا طائفة منهم إلى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيى بن بركات ونقبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 منزل عمر كتخدا مستحفظان إذ ذاك وما بجواره من المنازل إلى أن وصلوا منزل مراد كتخدا. فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر أغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة فحصل لأهل تلك الخطة خوف شديد خصوصا من كان بيته بالشارع. فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن انضم إليهم من الينكجرية الذين انقلبوا إلى العزب كأتباع الأمير حسن باشجاويش سابقا والأمير حسن جاويش تابع القزدغلي والأمير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه وملك الأمير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والاماكن فاطمأن الساكنون بها وأما عمر أغا الجراكسة فإنه لما فر من جامع قجماس ذهب إلى جامع المؤيد داخل زويلة ثم أن محمد بك أرسل بطلبه فركب ومر على أحمد أغا التفكجية فأركبه معه وذهبا إلى محمد بك الصعيدي بالصليبية وحصل لأهل خط قوصون خوف عظيم بسبب إقامة أحمد أغا بالسلمانية ورحل غالبهم من المنازل فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة إلى محل أحمد أغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب ومكثوا هناك أياما قلائل ثم رحلوا عنها. فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم أن طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الأمير قرا إسمعيل كتخدا مستحفظان فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا إسمعيل كتخدا فلما وصل الخبر إلى العزب عينوا له بيرقا من عسكر العزب ورئيسهم أحمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب فخرق صدر دكان وتوصل منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 إلى منزل أحمد افندي كاتب الجراكسة سابقا ثم نقبوا منه محلا توصلوا منه إلى منزل إسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب اثاث المنزل المذكور فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بايديهم من السلب ورجعوا القهقرى إلى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك فتبعوهم وتقاتل الفريقان إلى أن كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول إلى منزله ولكونه كان مصادقا لأيوب بك. ثم أن أحمد جربجي المذكور انتقل بمن معه من العسكر إلى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به. وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي إلى الصليبة فانتهز أحمد جربجي فرصة هو أنه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خاليا فدخل فيه فرأى داخله قصدا متصلا بمنزل محمد كتخدا عزبان المعروف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك إذا مر به وإذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب مارا إلى جهة الصليبة فضربوه بالبندق فأصيب أربعة من طائفته فقتلوا فظن أن الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار فوقف على بابه واضرم النار فيه فاحترق أكثر المنزل ونهبوا ما فيه من أثاث ومتاع. ثم أن النار اتصلت بالأماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع الماس إلى تربة المظفر يمينا وشمالا وأفسدت ما بها من الأمتعة والذي لم يحترق نهبته البغاة وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه فأستولى أحمد جربجي على جامع الماس وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية وأما اطراف القاهرة فإنها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة لكون أيوب بك أرسل إلى حبيب الدجوى يستعين به فحضر منهم طائفة وكذلك اخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 محمد بك فاحتاطوا بالاطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد أهل مصر يموتون عطشا وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وإبراهيم بك أمير الحاج سابقا ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الأسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة وأيوب بك ومحمد بك الكبير وأغوات الأسباهية من غير الانفار ومحمد أغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان أغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة افرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة واحتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها من الباب المذكور. واستمر افرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلا ونهارا وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم فلما طال الأمر اجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وأقامة قائمقام من الأمراء فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائبا ولوا اغوات البلكات وهم الأسباهية الثلاثة فولوا على الجملية سالح أغا وعلى الجراكسة مصطفى أغا وعلى التفكجية محمد أغا بن ذي الفقار بك وإسمعيل اغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبد الرحمن أغا متفرقة باشا وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيما وعزله الباشا بعبد الله أغا فلما أحكموا ذلك وبلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا واخبروه بالصورة فكتب لاغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان. ثم اتفق مع افرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة فكتبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ثمانمائة شخص وعلى كل مائة بيرقدار ورئيس يقال له أغات السردن كجدي. ثم محمد بك الصعيدي اتفق مع افرنج أحمد بان يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب. ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريبا من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الاخيرة هجموا على الباب المذكور وكان العزب أحضروا شيأ كثيرا من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار ثم ضربوهم بالبندق ففروا فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر ويرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمنا على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية فأرعد وابرق. ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من اتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه فلما بلغ الخبر عبد الله أغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضا فلما لم تجد العزب أحدا في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبد الله الوالي لينهبوه فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منهم رجلا فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وأيواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان ليتداعوا مع الينكجرية فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع ولولا ذلك لتوجهنا إليه. فلما يئس الباشا منهم اتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فلما كان يوم الأحد ثالث ربيع الأول أرسلوا أيوب بك ومحمد بك إلى العزبان ليأخذوا جمال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الأمراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا إلى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال. فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك مع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فأندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورا عظيما واعطى ذهبا كثيرا. فلما رجع المنهزمون إلى منزل قانصوه بك وأيواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز إليهم فركبوا في يوم الإثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان إلى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالا عظيما تجندلت فيقالا بطل وقتل من الجند خاصة زيادة عن الأربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم. وقصد ايواظ بك محمد بك الصعيدي فأنهزم إلى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد اجلس أنفارا فوق المجراة مكيدة وحذرا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه وأخذ الاخصام رأسه. وبينما القوم في المعركة إذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم إلى منازلهم. ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها إلى محمد بك قال: هذه رأس من قالوا: رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان. فقال أيوب بك: هذه رأس من قال: رأس قليدهم. فبكى أيوب بك وقال: حرم علينا عيش مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 قال محمد بك: هذا رأس قليدهم وراحت عليهم. قال له أيوب بك: أنت ربيت في أين إما تعلم أن ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال. وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والآن جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالا ولا يكون إلا ما يريده الله. ولما ذهبوا بالرأس إلى الباشا فرح فرحا شديدا وظن تمام الأمر له ولمن معه واعطى ذهبا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته. ثم أن أيوب بك كتب تذكرة وأرسلها إلى إبراهيم أبو شنب يعزيه في ايواظ بك ويقول له: إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أيام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح. وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم. وام ما كان من أمر اتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار وأخذ معه إسمعيل بن ايواظ بك المتوفي وأحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده إبراهيم بك وأحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وعليهم الحزن والكآبة. فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار: وما فائدة البكاء دبروا أمركم. قالوا: كيف العمل. قال يوسف الجزار: هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة انتم فقارية في بعضكم واننا الآن انجرحنا ومات منا واحد خلف الفا وخلف مالا اعملوني صنجقا وأمير حاج وسر عسكر واعملوا ابن سيدي إسمعيل صنجقا يفتح بيت أبيه وفيه البركة واعطوني فرمانا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي أقمتموه أيضا على أن الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده. ففعلوا ذلك وراضوا أمورهم في الثلاثة أيام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أيوب بك حصن منزله فاتفق رايهم على محاربة العسكر المجتمعة أولا ثم محاصرة المنزل فخرج أيوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وأمور ثم رجعوا إلى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الأمر وعدم التوصل إلى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلا ونهارا اجمع رأيهم على أن يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بان كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة أيام ينهب بيته. ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته والبسه قانصوه بك قائمقام قفطانا وركب وإمامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي إمامه ينادي بما ذكر إلى أن نزل بيت الوالي واحضروا الأودة باشا المتولي إذ ذاك واجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر. وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وافرنج أحمد فعندما نزل أولهم من البذرم وكان العزب قد اعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد اغا سر كدك والبيرقدار وانفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضا. فأخذت العزب رؤوس المقتولين فأرسلوها إلى قانصوه بك. ثم أن قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي اغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما أرسلوا له أبى أن يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي اغا فلم يجدوه واخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فأتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم إلى قائمقام فالبسه قفطان الأغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد إلى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب. وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر إلى بولاق صحبة أحمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق واغا من المتفرقة عوضا عن اغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا. فاجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الأول من فرش وامتعة وخيل وغير ذلك. وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان إلى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار إلى العصر وقتل من الفريقين من دنا اجله وأيوب بك ومحمد بك بالقصر. ثم تراجع الفريقان إلى داخل البلد وتاخرت طائفة من العزب فأتى إليهم محمد بك الصعيدي واحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فأرسل إليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه إلى قنطرة السد وقد كان أيوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك أنه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فأخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر واخرجوه واحرقوه وعادوا إلى منازلهم. وفي صبيحة يوم الأحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيظ افرنج أحمد الذي بطريق بولاق ثم اجتمعوا في محل الحرب وتحاربوا ولم يزالوا على ذلك وفي كل يوم يقتل منهم ناس كثير. وفي ثاني جمادي الأولى اجتمع الأمراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الأيام ثم اتفقوا على أن ينادوا في المدينة بان من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر إلى بيت اغاته نهب ماله وقتل. وأمهلوهم ثلاثة أيام ونودي بذلك في عصريتها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وكتب قائمقام بيورلدى إلى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والأوده باشية والنفر باننا امهلناكم ثلاثة أيام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثهل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى أمرهم واختلفت كلمتهم. وفي رابعه خرج الأمراء والاغوات إلى محل الحرب وأرسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل أيوب بك فتحارب الفرسان إلى آخر النهار وأما الرجالة فإنهم تسلقوا من منزل إبراهيم بك وتوصلوا إلى منزل عمر اغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه إلى أن اخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلا في نقب الربع المبني على علو منزل أيوب بك فنقبوه وكمنوا فيه. فلما كان صبيحة يوم الأحد خامس عشره حملوا حملة واحدة على منزل أيوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب أيوب بك وخرج هاربا من باب الجبل فلم يعلم اين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في اعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فأرسل له افرنج أحمد بيرقا وعساكر فلم يفده ذلك شيئا ونهبوا أيضا منزل أحمد اغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بايوب بك وفر الجميع إلى جهة الشام وفر محمد بك إلى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان من حزبهم ونهبوا بيت يوسف اغا ناظر الكسوة سابقا وبيت محمد اغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير وأحرقوه وبيت أحمد جربجي القونيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين. فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالاسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الأولى فأرسلوا طائفة إلى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان واحاطوا بالقلعة من اسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق. فنصب الباشا بيرقا أبيض يطلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الأمان وفر من كان داخل القلعة من العسكر. فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فأرسل الباشا القاضي ونقيب الأشراف يأخذان له امانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما وأكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم أن الباشا يقرئكم السلام ويقول لكم: أنا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد أن تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم. فقالوا له: ما اعلموه أن الصناجق والأمراء والاغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وإن قانصوه بك قائمقام وأما الباشا فإنه ينزل ويسكن في المدينة إلى أن نعرض الأمر على الدولة ويأتينا جوابهم. فأرسل القاضي نائبه إلى الباشا يعرفه عن ذلك فأجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله واتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام واغات مستحفظان عن يمينه واغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وإمامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت بشافهونه بالسب واللعن إلى أن دخل بيت على اغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض اسباب حسين اغا مستحفظان. وخرج حسين اغا من باب المطبخ فلما رآه يوسف بك اشار إلى العسكر فقطعوه وقطعوا إسمعيل افندي بالمحجر وكذلك عمر اغات الجراكسة بحضرة إسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل إسمعيل بك بن ايواظ وصار اميرا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل افرنج أحمد وكجك أحمد اوده باشا إلى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما إلى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما إلى بيت ايواز بك. وطلع علي اغا إلى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وإمامه العساكر بالاسلحة إلى باب مستحفظان والبيرق إمامه. ونزل جاويش إلى أحمد كتخدا برمقس فوجده في بيت إسمعيل كتخدا عزبان فأخذه وطلع به إلى الباب فخنقوه وأخذوه إلى منزله في تابوت. وركب علي اغا وإمامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وأمر بتنظيف الاتربة واحجار المتاريس وبناء النقوب والبس قائمقام اغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية إلى بابهم وعدتهم ستمائة إنسان. وفي حادي عشر جمادى الأولى لبس يوسف بك الجزار على إمارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى اغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية. وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب إلى الاثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلثمائة نفر من الخمس بلكات اعطوا كل نفر من المائتين ألف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلثمائة ألف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادي الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فاخبرهم أنه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا إلى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم أن خازندار رضوان اغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقتل ما بها من الكشاف ونهب البلاد وفعل افعالا قبيحة. ثم ذهب إلى اسيوط وأرسل إلى قامئمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وأرسلها إليه نقودا ونزل مختفيا إلى بحري ومر من انيابة نصف الليل ولم يزل سائرا إلى دمياط ونزل في مركب افرنجي وطلع إلى حلب ووصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 خبره إلى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم أنه ركب من حلب وذهب إلى دار السلطنة من البروكان أيوب بك ومحمد اغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان اغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير واعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فاكرمهم وانزلهم في مكان ورتب لهم تعيينا. ثم اتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير أيضا فخلع عليه وولاه منصبا. وأما رضوان اغا فإنه تخلف ببلاد الشام ومحمد اغا الكور صحبته. وفي تاسع عشر جمادى الأولى رجع يوسف بك ومصطفى اغا من الشرقية. وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن إسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم إنهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا ارسال باشا واليا على مصر وذكروا فيه أن الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكاننت أيام فتن وحروب وشرور. تولية والي باشا على مصر. ثم تولى على مصر والي باشا فوصل إلى مصر وطلع إلى القلعة في أواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وفي شوال قلدوا أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم باخراج تجريدة إلى هوارة المفسدين الذين اتوا إلى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته واخربوا اخميم وقتلوا الكشاف وأمير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته ألف عسكري واعطوا كل عسكري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وإن يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاث وعشرين وأربعة وعشرين وقضى اشغاله وبرز خيامه إلى الآثار ثم طلب الوجه البلي إلى أن وصل إلى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين اوده باشا ابن دقماق ثم انتقل إلى منفلوط وهربت طوائف الهوارة بأهلها إلى الجبل الغربي واتت إليه هوارة بحري صحبة الأمير حسن فاخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته إلى جرجا فنزل بالصيوان وابرز فرمانا قرىء بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وأمر بالركوب عليهم إلى اسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم واغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص ثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجأوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه أن ياخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالامان ومكتوبا إلى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فأرسل إلى قيطاس بك تذكرة صحبة أحمد بك الأعسر يترجى عنده فاجاب إلى ذلك وأرسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة. ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وأرسلوا إلى إبراهيم بك مركب غلال وخيولا مثمنة وأغناما. وفي أواخر شوال ورد اغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في أيام الفتنة وكذلك أملاكهم. وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وازدحم المسجد وأكثرهم اتراك ثم انتقل من الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرايح الأولياء وأيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل اعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الأمور السعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 في ابطال ذلك. وذكر أيضا قول الشعراني في طبقاته أن بعض الأولياء اطلع على اللوح المحفوظ أنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن الأولياء على اللوح المحفوظ وانه لا يجوز ذلك ولا تطلع الانبياء فضلا عن والتكايا ويجب هدم ذلك. وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان. فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والاسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون اين الأولياء: فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر واخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى واجاب عليها الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وإن انكاره على اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك. وأخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال: يا ايها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بخلاف ما ذكرت لكم وإني أريد أن أتكلم معهم وأباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق. فقال له الجماعة: نحن معك لا نفارقك. فنزل عن الكرسي واجتمع عليه العامة زيادة عن ألف نفس ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه أحضار المفتين والبحث معهما. فقال القاضي: اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم. فقالوا ما تقول في هذه الفتوى قال باطلة. فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها. فقال أن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم وخرج الترجمان. فقال لهم: فضربوه واختفى القاضي بجريمة. فما وسع النائب إلا أنه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 لهم الواعظ فأخذوا يسألون عن المانع من حضوره. فقال بعضهم اظن أن القاضي منعه من الوعظ. فقام رجل منهم وقال: ايها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معي. فتبعه الجم الغفير فمضى بهم إلى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق إلا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له: اين شيخنا فقال: لا أدري. فقالوا له: قم واركب معنا إلى الديوان ونكلم الباشا في هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا اخصامنا الذين افتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن اثبتوا دعواهم نجوا من ايدينا وإلا قتلناهم. فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وإمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته. فقال: انظر إلى هؤلاء الذين ملأوا الديوان والحوش فهم الذين اتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالامس واليوم وإنهم ضربوا الترجمان وأخذوا مني حجة قهرا وأتوا اليوم واركبوني قهرا. فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما: اسألوا هؤلاء عن مرادهم. فقالوا نريد أحضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما افتيا به عليه فاعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا إلى المؤيد وأتوا بالواعظ واصعدوه إلى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم إلى القاضي وحضهم على الانتصار للدين وقمع الدجالين. وافترقوا على ذلك وأما الباشا فإنه لما اعطاهم البيورلدي أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بك وقيطاس بك بعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سوء الأدب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد. فلما قرأ الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والاغوات ببيت الدفتردار واجمعوا رايهم على أن ينظروا هذه العصبة من أي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وأمروا الأغا أن يركب ومن رآه منهم قبض عليه وأن يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط. فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الأغا وأرسل الجاويشية إلى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم أحدا وجعل يفحص ويفتش على افراد المتعصبين فمن ظفر به أرسله إلى باب اغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 سنة أربع وعشرين ومائة وألف. وفي ثالث المحرم سنة أربع وعشرين ومائة وألف ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المصرية إلى الغزو. وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله ولم يعلم اين ذهب. فوضع الأشراف المقتول في تابوت وطلعوا به إلى الديوان واثبتوا القتل على القاتل. فلما كان يوم عاشره قامت الأشراف وقفلوا اسواق القاهرة وصاروا يرجمون أصحاب الدكاكين بالحجارة ويأمرونهم بقفل الدكاكين وكل من لقوه من الرعية أو من أمير يضربونه. ومكثوا على ذلك يومهم وأصبحوا كذلك يوم الجمعة وأرسلوا خبرا للاشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا واجتمعوا بالمشهد الحسيني ثم خرجوا وإمامهم بيرق وذهبوا إلى منزل قيطاس بك الدفتردار فخرج عليهم ابتاعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم ثم فقرة جديدة. فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم اغوات الأسباهية الثلاث واغات الينكجرية في عددهم وعددهم وطافوا البلد. فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل إلى مكانه ونادوا بالأمن والأمان وفتحت الدكاكين ثم اجتمع راي الأمراء على نفي طائفة من أكابر الأشراف فتشفع فيهم المشايخ والعلماء فعفوا عنهم. وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قطعة منه مقدار نصف رطل واقل وأكثر ثم نزلت صاعقة احرقت مقدارا عظيما من زرع الناحية وقتلت إناسا. وفي يوم الخميس ثامن ربيع الأول سافر مصطفى بك تابع يوسف اغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سردارهم إسمعيل بك ولما عادوا إلى اسلامبول بالنصر وضعوا لهم على رؤوسهم ريشا في عمائمهم سمة لهم. ومات اميرهم إسمعيل بك باسلامبول ودخلوا مصر وعلى رؤوسهم تلك الريش المسماة بالشلنجات. وفي ثاني عشرينه قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف اظلم منها الجو وسقط منها بعض منازل. وفي غرة ربيع الثاني ورد اغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو ورجوع العسكر المصري ولما رجعوا أخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية وأصحاب الدركات. وفي ثامن عشره ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار أميرا على الحاج عوضا عن يوسف بك الجزار وإن يكون إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب دفتردار. فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع ومرسوم آخر بانشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين وإن يجهزوا إلى مكة مائة وخمسين كيسا من الأموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا. ثم أن قيطاس بك اجتمع بالأمراء وشكا إليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته فعرضوا ذلك على الباشا وطلبوا منه أن يمده بخمسين كيسا من مال الخزينة ويعرض في شأنها بعد تسليمها إلى الدولة وإن لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلا عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وفي يوم الأربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يسمى خليل باشا فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم سارجه سليمان وجمال محملة بالاثقال يقدمهم ثلاثة بيارق وخرج لملاقاتة الباشا وقيطاس بك أمير الحاج في طائفة عظيمة من الأمراء والاغوات والصناجق وقابلوه وانزلوه بالغيظ المعروف بحسن بك ومدوا هناك سماطا عظيما حافلا وقدموا له خيولا وساروا معه إلى أن دخلوا إلى المدينة في موكب عظيم إلى أن انزلوه بمنزل المرحوم إسمعيل بك المتوفي في سفر الموسقو بجوار الحنفي فلم يزل هناك حتى سافر في أوائل رجب سنة تاريخه وخرج بموكب عظيم أيضا. وفي منتصف شعبان تقلد أحمد بك الأعسر على ولاية جرجا عوضا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش ثم ورد أمر بتقليد إمارة الحج لمحمد بك قطامش عوضا عن سيده وطلع بالحج سنة أربع وعشرين ورجع سنة خمس وعشرين وذلك من فعل قيطاس بك سرا وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك قزلار. وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع إبراهيم بك أبي شنب الصنجقية وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك أمير الحاج. وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي افندي وتولى كتخدائية والي باشا ومعه تقرير للباشا على ولاية مصر. وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد أيضا مرسوم صحبة اغا معين بطلب ثلاثة الاف من العسكر المصري لسفر الموسقو لنقضهم المهادنة وقرىء ذلك بالديوان بحضرة الجميع فالبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار عوضا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ذيله وقضى اشغاله وسافر في أوائل المحرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 سنة خمس وعشرين ومائة وألف. ورد أيضا اغا باستعجال الخزينة ورجع الحجاج في شهر صفر صحبة محمد بك قطامش وانتهت رياسة مصر إلى قيطاس بك ومحمد بك وحسن كتخدا النجدلي وكور عبد الله وإبراهيم الصابونجي. فسولت لقيطاس بك نفسه قطع بيت القاسمية وأخذ يدبر في ذلك واغرى سالم بن حبيب فهجم على خيول إسمعيل بك ابن ايواز بك في الربيع وجم أذناب الخيول ومعارفها ما عدا الخيول الخاص فإنها كانت بدوار الوسية وذهب ولم يأخذ منها شيئا وحضر في صبحها أمير اخور فاخبروه وكان عنده يوسف بك الجزار فلاطفة وسكن حدته واشار عليه بتقليد حسن أبي دفية قائمقام الناحية ففعل ذلك وجرت له مع ابن حبيب أمور ستذكر في ترجمة ابن حبيب فيما يأتي. ثم أنه كتب عرضحال أيضا على لسان الأمير منصور الخبيري يذكر فيه أن عرب الضعفاء اخربوا الوادي وقطعوا درب الفيوم. وأرسل ذلك العرضحال صحبة قاصد يأمنه فختمه منصور وأرسله إلى الباشا صحبة البكاري خفير القرافة. فلما طلع قيطاس بك في صبحها إلى الباشا واجتمع باقي الأمراء وكان قيطاس بك رتب مع الباشا أمرا سرا وأغراه وأطعمه في القاسمية وما يؤول إليه من حلوان بلاد إبراهيم بك ويوسف بك وابن ايواظ بك واتباعهم فلما استقر مجلسهم دخل البكاري بالعرضحال فأخذه كاتب الديوان وقرأه على اسماع الحاضرين فاظهر الباشا الحدة وقال: أنا أذهب لهؤلاء المفاسيد الذين يخربون بلاد السلطان ويقطعون الطريق. فقال إبراهيم بك أقل ما فينا يخرج من حقهم وانحط الكلام على ذهاب إبراهيم بك وإسمعيل بك ويوسف بك وقيطاس بك وعثمان بك ومحمد بك قطامش. وكان قانصوه بك في بني سويف في الكشوفية وأحمد بك الأعسر في اقليم البحيرة فلما وقع الاتفاق على ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 خلع عليهم الباشا قفاطين ونزلوا فأرسلوا خيامهم ومطابخهم إلى تحت ام خنان ببر الجيزة وعدوا بعد العصر ونزلوا بخيلهم. واتفق قيطاس بك مع عثمان بك أنهم يعدون خلفهم بعد المغرب ويكونون أكلوا العشاء وعلوا على الخيول وعندما ينزلون إلى الصيوان زياده يتركون الخيول ملجمة والمماليك والطوائف باسلحتها. فإذا أتى الينا الثلاثة صناجق نقتلهم ثم نركب على طوائفهم وخيولهم مربوطة فنقتل كل من وقع ونخلص ثأر الفقارية الذين قتلهم خال إبراهيم بك في الطرانة. فلما فعلوا ذلك وعدوا وأوقدوا المشاعل وذلك وقت العشاء ونزلوا بالصيوان قال إبراهيم بك ليوسف بك وإسمعيل بك: قوموا بنا نذهب عند قيطاس بك. قالا له: أنت فيك الكفاية. فذهب إبراهيم بك وهو ماش ولم يخطر بباله شيء من الخيانة. فلما دخل عندهم وسلم وجلس سأله قيطاس بك عن رفقائه. فقال: إنهم جالسون محلهم فلم يتم ما أرادوه فيهم من الخيانة. فعند ذلك قام محمد بك وعثمان بك إلى خيامهما وقلعا سلاحهما وخلعا لجامات الخيل وعلقا مخالي التبن ورجعا اليهما فقال قيطاس بك لإبراهيم بك اركبوا انتم الثلاثة في غد وانصبوا عند وسيم ونحن نذهب إلى جهة سقارة فنطرد العرب فيأتون إلى جهتكم فاركبوا عليهم. فأجابه إلى ذلك. ثم قام وذهب إلى رفقائه فاخبرهم بذلك وباتوا إلى الصباح. وفي الصباح حملوا وساروا إلى جهة وسيم كما اشار إليهم قيطاس بك فنزلت إليهم الزيدية بالفطور فسألوهم عن العرب فقالوا لهم: الوادي في أمن وأمان بحمد الله لا عرب ولا حرب ولا شر. وإما قيطاس بك ومن معه فإنه رجع إلى مصر وأرسل إلى ابن حبيب بأن يجمع نصف سعد وعرب بلي ويرسلهم مع ابنه سالم يدهمون الجماعة بناحية وسيم ويقتلونهم فتلكأ ابن حبيب في جمع العربان لصداقة قديمة بينه وبين إبراهيم بك وحضر لهم رجل من الأجناد كان تخلف عنهم لعذر حصل له فأخبرهم برجوع قيطاس بك ومن معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 إلى مصر فركب إبراهيم بك ويوسف بك وإسمعيل بك ونزلوا بالجيزة عند أبي هريرة وصحبتهم خيالة الزيدية وباتوا هناك وعادوا في الصباح إلى منازلهم سالمين. وفي هذه السنة حصل طاعون وكان ابتداؤه في القاهرة في غرة ربيع الأول وتناقص في أواخر جمادى الآخرة. ووصل عابدين باشا إلى الأسكندرية وتقلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع على ابن سيده إسمعيل بك ولما حضر الباشا إلى الحلى وطلع إلى العادلية واحضر الأمراء تقادمهم وقدم له إسمعيل بك تقدمة عظيمة واحبه الباشا واختص به ومال قلبه إلى فرقة القاسمية فقلدهم المناصب والكشوفيات. وحضر مرسوم بامارة الحج لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وعابدين باشا هذا هو الذي قتل قيطاس بك بقراميدان كما يأتي خبر ذلك في ترجمة قيطاس بك. وهرب محمد بك قطامش تابعه بعد قتل سيده إلى بلاد الروم وأقام هناك مدة ثم عاد إلى مصر وسيأتي خبر ذلك في ترجمته. وفي ولايته تقلد عبد الله كاشف وصاري علي وعلي الأرمني وإسمعيل كاشف صناجق الأربعة ايواظية وتقلد منهم أيضا عبد الرحمن اغا ولجه اغات جملية وإسمعيل اغا كتخدا وأيواظ بك كتخدا جاويشية ومن اتباع إبراهيم بك أبي شنب قاسم الكبير وإبراهيم فارسكور وقاسم الصغير ومحمد جلبي بن إبراهيم بك أبي شنب وجركس محمد الصغير خمستهم صناجق واستقر الحال وطلع بالحج الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ سنة سبع وعشرين و. سنة ثمان وعشرين. في أمن وأمان وسخاء ورخاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 سنة ثمان وعشرين. وفي سنة ثمان وعشرين ورد اغا من اسلامبول وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم أمير فادر وكانت النوبة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 محمد بك جركس الكبير فلما اجتمعوا بالديوان وقرىء المرسوم خلع الباشا على محمد بك جركس القفطان ونزل إلى داره فطوى القفطان وأرسله إلى سيده إبراهيم بك ويقول له: عندك خلافي صناجق كثيرة فإني قشلان. فتكدر خاطره ثم أرسل إليه صحبة أحمد بك الأعسر عشرين كيسا فاستقلها فاعطاه أيضا وصولا بعشرة أكياس على الطرانة فجهز حاله وركب إلى قصر الحلى بالموكب واحضر عنده الحريم فاقام أياما في حظه وصفائه والاغا المعين يستعجل السفر وفي كل يوم يأتيه فرمان من الباشا بالاستعجال والذهاب وهو لا يبالي بذلك. ثم أن الباشا تكلم مع إبراهيم بك في شأن ذلك فلما نزل إلى بيته أرسل إليه أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير فاخبراه بتقريظ الباشا والاستعجال فقال في جوابه جلوسي هنا احسن من أقامتي تحت الطرانة حتى يدفعوا لي العشرة أكياس فلا ارتحل حتى تأتيني العشرة أكياس. ورمى لهم الوصول نرجع أحمد بك إلى إبراهيم بك وأخبره بمقالته ورد إليه الوصول فما وسعه إلا أنه دفع ذلك القدر إليه نقدا وقال: سوف يخرب هذا بيتي بعناده. فلما وصله ذلك نزل إلى المراكب وسافر. ثم ورد مسلم علي باشا واخبر بولايته مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 سنة تسع وعشرين ومائة وألف. فاجتمعوا بالديوان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب قائمقام ونزل إلى بيته وخلع على أحمد بك الأعسر وجعله امين السماط. ونزل عابدين باشا من القلعة عندما وصل الخبر بوصول علي باشا إلى اسكندرية وسافرت إليه أرباب الخدم والعكاكيز وسافر عابدين باشا قبل حضور علي باشا بمصر. وحضر علي باشا وطلع إلى القلعة على الرسم المعتاد واستقر في ولاية مصر والأمور صالحة والفتن ساكنة ورياسة مصر للأمير إبراهيم بك أبي شنب الكبير والأمير إسمعيل بك ابن ايواظ بك ومحمد كتخدا جدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 مستحفظان وإبراهيم جربجي الصابونجي عزبان واتباع حسن جاويش القازدغلي وهم عثمان اوده باشا وسليمان اوده باشا وتابع مصطفى كتخدا وخلافهم من رؤساء باب العزب وباقي البلكات ومات الأمير إبراهيم بك الكبير. سنة ثلاثين. فاستقل بالرياسة إسمعيل بك ابن ايواظ بك وسكن محمد بك ابن إبراهيم بك بمنزل أبيه وفي نفسه ما فيها من الغيرة والحمد لاسمعيل بك ابن خشداش ابيه. وفي أواخر سنة تسع وعشرين ورد قابجي وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من عسكر مصر وعليهم أمير لسفر الجهاد وكان الدور على نمحمد بك ابن ايواظ أخي إسمعيل بك فعلم اخوه أنه خفيف العقل فلا يستر نفسه في السفر فقلد أحمد كاشف صنجقية وجعله أمير العسكر وجعل مملوكه علي الهندي كتخدا إليه وقضوا اشغالهم. وركب الأمير والسدادرة بالموكب ونزلوا إلى بولاق وسافروا بعد ثلاثة أيام وادركوا عسكر الأورام وسافروا صحبتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 سنة ثلاثين. وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده إبراهيم بك توفي وأمير مصر إسمعيل بك فتاقت نفسه للرياسة فضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين أبو يدك وذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من امثالهم واتخذ لهم سراجا قبيحا يقال له الصيفي وكان الدفتردار في ذلك الوقت أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك أبي شنب وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لإثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفيء ناريته. وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر اغا واراد إسمعيل بك قتله أيضا في ذلك اليوم فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل واخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 سيده وهي شركة إسمعيل بك ابن ايواظ ولم يقدر حسن كتخدا أن يذاكر إسمعيل بك في فائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله. فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر انضم إليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه إسمعيل بك فلم يفد ولم يرض أن يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مرارا حتى ضاق خناق ذي الفار من الفشل فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا إليه حاله وفاوضه في اغتيال إسمعيل بك. فقال له: افعل ما تريد. فأخذ معه في ثاني يوم اصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لإسمعيل بك في طريق طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع إلى الديوان فمر إسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار وإسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص فلم يصب منهم إلا رجل قواس ورمح إسمعيل بك ومن بصحبته إلى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس وانه قد جمع عنده المفسدين ويريد اثارة الفتن في البلد وأرسله إلى الباشا صحبة يوسف بك. فأمر علي باشا بكتابة فرمان خطابا للوجاقات باحضار محمد بك جركس وإن ابى فحاربوه واقتلوه. فلما وصل الخبر إلى جركس ركب مع المنضمين إليه فقارية وقاسمية ووصل إلى الرميلة فصادف الموجهين إليه فحاربهم وحاربوه وقتل حسين بك أبو يدك وآخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره. فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل إلى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين. فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم وأخذوا سلاحهم وأتوا بهم إلى بيت إسمعيل بك ابن ايواظ بك وكان عند أحمد كتخدا امين البحرين والصابونجي فاشارا عليه بقتله فلم يرض. وقال: إنه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور واعطاه كسوة وذهبا ونفاه إلى جزيرة قبرص. ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد أمير العسكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أحمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقا عوضا عن مخدومه أحمد بك واعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة واطلقوا له بلاده من غير حلوان. فلما وصلوا إلى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطا بالحلى ثم ركب وطلع إلى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة ونزل إلى بيت إسمعيل بك وانعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا. واستمر صنجقا وناظرا على الخاصكية. وفي هذه السنة اعني سنة ثلاثين حصلت حادثة ببولاق وهو أن سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة اتباع اوسية أمير الحاج فحضر إليهم اميراخور فضربوه ووصل الخبر إلى الأمير إسمعيل بك فأرسل إليهم اغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم واخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين. وكانت حادثة مهولة واستمر الدرب مقفولا ومسمرا نحو سنتين. وفيها كان موسم سفر الخزينة واميرها محمد بك ابن إبراهيم بك أبو شنب. وكان وصل إليه الدور وخرج بالموكب وأرباب المناصب والسدادرة ولما وصل إلى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة اوشى إليهم في حق إسمعيل بك ابن ايواظ وعرفهم أنه أن استمر امره بمصر ادعى السلطنة بها وطرد النواب فإن الأمراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك أبيه. وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء ونفي وابعد كل من كان ناصحا في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به وعمل للدولة أربعة آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة. فأجابوه إلى ذلك. وكان قبل خروجه من مصر اوصى قاسم بك الكبير على أحضار محمد بك جركس فأرسل إليه واحضره خفية واختفى عنده. ثم أن أهل الدولة عينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له عند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 حضوره إلى مصر أن يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ورجع محمد بك ابن أبي شنب إلى مصر وعمل دفتردار وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف قائمقامية إلى أحمد بك الأعسر. وبعد أيام وصل الخبر بوصول رجب باشا إلى العريش وسافرت له الملاقاة وتقلد إبراهيم بك قارسكور أمين السماط وطلع إسمعيل بك اميرا بالحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 سنة أحدى وثلاثين. وهي سنة أحدى وثلاثون ومائة وألف وذبك عند وصول رجب باشا إلى العريش ثم حضر رجب باشا إلى مصر وعملوا له الشنك والموكب على العادة فلما اسقر بالقلعة أحضر إليه ابن علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم قطع رأسه ظلما وسلخها وأرسلها إلى الباب ودفن علي باشا بمقام أبي جعفر الطحاوي بالقرافة ويعرف إلى الآن قبره بعلي باشا المظلوم وأمر بضبط جميع مخلفاته ثم أحضر له محمد جركس خفية وأمر الأغا والوالي بالمناداة عليه وكل من أواه يشنق على باب داره. ثم اختلى به وقال: له: كيف العمل والتدبير في قتل ابن ايواظ بك وجماعته فقال له: الرأي في ذلك أن ترسل إلى العرب يقفون في طريق الوشاوشة فإنهم يرسلون يعرفونكم بذلك فأرسلوا لهم عبد الله بك وبعد عشرة أيام أرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك ابن ايواظ بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن اغا ولجه اغات الجملية فعندما يرتحلون من البركة يقتل إسمعيل بك الدفتردار كتخدا الجاويشية وعند ذلك أنا اظهر ونقلد إمارة الحج إلى محمد بك ابن إسمعيل بك ونرسله بتجريدة إلى ابن ايواظ بك يقتلونه مع جماعته وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 هو الرأي والتدبير. ففعلوا ذلك ولم يتم بل اختفى إسمعيل بك ودخل إلى مصر ثم ظهر بعد أن دبر أموره وعزل رجب باشا وانزلوه إلى بيت مصطفى كتخدا عزبان وفسد تدبيره وكتبوا عرضحال بصورة الواقع وأرسلوه إلى اسلامبول. وسيأتي تتمة خبر ذلك في ترجمة إسمعيل بك. وكان رجب باشا أخذ من مال دار الضرب مائة وعشرين كيسا صرفها على التجريدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 سنة ثلاث وثلاثين. وصل محمد باشا النشانجي سنة ثلاث وثلاثين. فعندما استقر بالقلعة طلب من رجب باشا المائة وعشرين كيسا وقلد إمارة الحج لمحمد بك فطلع بالحج سنة ثلاث وسنة أربع وثلاثين ثم حضر مرسوم بالأمان والعفو لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وقرىء بالديوان وسافر رجب باشا وسكن الحال مع التنافر والحقد الباطني الكامن في نفس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك أبي شنب لاسمعيل بك ابن ايواظ وهو يسامح لهم ويتغافل عن افعالهم وقبائحهم ويسوس أموره معهم وكل عقدة عقدوها بمكرهم حلها بحسن رايه وسياسته وجودة رايه. وجرت بينه وبينهم أمور ووقائع ومخاصمات وجمعيات ومصالحات يطول شرحها ذكرها أحمد جلبي عبد الغني في تاريخه الذي ضاع مني. ولم يزل إسمعيل بك ظاهرا عليهم حتى خانوه واغتالوه وقتلوه بالقلعة على حين غفلة على يد ذي الفقار تابع عمر اغا وأصلان وقيلان ومن معهم وقتلوا معه إسمعيل بك جرجا وعبد الله اغا كتخدا الجاويشية ثم تحيلوا على قتل عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك ابن الجزار وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة وألف في أيام ولاية محمد باشا المذكور. وسيأتي تتمة ذلك في ذكر تراجمهم وقلدوا ذا الفقار قاتل إسمعيل بك الصنجقية وكشوفية المنوفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وانضم إليه من كان خاملا من الفقارية وبدأ أمرهم في الظهور. فممن انضم إليه مصطفى بك يلفيه ومحمد بك أمير الحاج وهو ابن إسمعيل بك الكبير الفقاري وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الأعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وخلافهم اختيارية واغوات من الوجاقلية ونظم أموره وقضى لوازمه واشغاله وجعل مصطفى افندي الدمياطي كاتب تركي وعزم على السفر إلى المنوفية وركب في موكب حافل وصحبته من ذكر من الفقارية. وكان رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية متوجهين إلى بيت محمد بك جركس وكانا خصيصين به وبيدهما باب الينكجرية مع الاقواسي ولهما الكلمة بالباب دون القازدغلية. فصادفا موكب ذي الفقار فوقفا ونظرا إلى الراكبين معه من الفقارية فتغير خاطرهم على جركس وتكدر مزاجهما وترحما على إسمعيل بك ابن ايواظ. ولما دخلا على جركس نظر اليهما فرآهما منفعلين فسألهما عن سبب انفعالهما فاخبراه بما راياه. وقالا أن دام هذا الحال قتلنا الفقارية فقال يكون خيرا. ثم أمر الصيفي بقتل اصلان وقيلان فوظب معه سراجا يثق به وأمره أن يقف في سلالم المقعد فعندما علم بحضورهما أحدث الصيفي مشاجرة مع ذلك السراج وفزع عليه بالطبنجة فهرب السراج من إمامه فجرى الصيفي خلفه فاخرج ذلك السراج طبنجته أيضا ورفع زنادها فقال له: اصلان عيب فافرغها فيه وفرغ أيضا الصيفي طبنجته في قيلان وذلك بسلالم المقعد ببيت جركس ومسح الخدم الدم وأخذوا خيولهما وأرسلوا المقتولين إلى بيوتهما في تابوتين. ثم أن محمد بك جركس طلع إلى القلعة وطلب من الباشا فرمانا بتجريدة يرسلها إلى ذي الفقار ومن معه من الفقارية فامتنع الباشا وقال: رجل خاطر بنفسه بمعرفتكم واطلاعكم كيف إني اعطيكم بعد ذلك فرمانا بقتله. فقام جركس ونزل إلى بيته ولم يطلع بعد ذلك إلى الديوان واهملوا الدواوين والباشا. فلما ضاق خناق الباشا أبرز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مرسوما برفع صنجقية جركس وكتب فرمانات للمشايخ والوجاقلية بذلك ويمنعهم من الذهاب إليه وبلغ إلى جركس فتدارك الأمر وعمل جمعيات ورتب أمورا واجتمعوا بالرميلة وحوالي القلعة وعزلوا الباشا وانزلوه واسكنوه في بيت ابن الدالي وكان ذلك في أواخر سنة سبع وثلاثين فكانت مدته في هذه المدة أربع سنوات وأرسلوا له محمد بك ابن أبي شنب فخلع عليه وجعلوه قائمقام وأخذوا منه فرمانا بالتجريدة على ذي الفقار وجعلوا إبراهيم بك فارسكور أمير العسكر وكاشف المنوفية. ووصل الخبر إلى ذي الفقار بك بما حصل من مصطفى بك بلغيه فوزع طوائفه في البلاد ودخل إلى مصر خفية إلى بيت أحمد اوده باشا مطر باز فلما سافر إبراهيم بك بالتجريدة فلم يجده فضبط موجوداته وتحقق من المخبرين أنه دخل إلى مصر وأرسل الخبر بذلك لجركس فامر لهلوبة الوالي والصيفي بالفحص ولتفتيش عليه وأرسلوا عرضحال محضرا بما نمقوه وبنزول الباشا. وكان محمد باشا أرسل قبل ذلك مكاتبات لرجال الدولة بما حصل بالتفصيل فلما وصل عرض المصريين عينوا علي باشا واليا جديدا إلى مصر بتدبير ومكيدة وصحبته قبودان وقابجي بطلب الأربعة الاف كيس التي جعلها محمد بك ابن أبي شنب حلوانا على بلاد الشواربية. بعض الحوادث في تلك السنة. ومن الحوادث في أيام محمد باشا أن في أول الخماسين طلع الناس على جري العادة في ذلك لاشتنشاق النسيم في نواحي الخلاء وخرج سرب من النساء إلى الازبكية وذهب منهن طائفة إلى غيط الأعجام تجاه قنطرة الدكة فحضر اليهن جماعة سراجون وبأيديهم السيوف من جهة الخليج وهم سكارى وهجموا عليهن وأخذوا ثيابهن وما عليهن من الحلي والحلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ثم أن الخفراء وأوده باشة القنطرة حضروا اليهن بعد ذهاب أولئك السراجين فأخذوا ما بقي وكملوا بقية النهب وجميع من كان هناك من النساء من الأكابر ومن جملة ما ضاع حزام جوهر وبشت جوهر قالوا: إن الحزام قيمته تسعة أكياس والبشت خمسة أكياس. ومن جملة من أن هناك آمنة الجنكية وصحبتها امرأة من الأكابر فعروهما وأخذوا ما عليهما وكان لها ولد صغير وعلى راسه طاقية عليها جواهر وبنادقة وزوجا أساور جوهر وخلخال ذهب بندقي قديم وزنه أربعمائة مثقال. ومن جملة ما أخذوا لباس شبيكة من الحرير الأصفر والقصب الأصفر وفي كل عين من السبيكة لؤلؤة شريط مخيش والدكة كذلك وأخذوا أزرهن وفرجياتهن وأرسلن إلى بيوتهن فتاتين بثياب يستترن بها وذهبن. وكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث. ثم أن في ثاني يوم قدموا عرضحال إلى الباشا وأخذوا على موجبه فرمانا إلى اغات الينكجرية على أنه يتوجه وصحبته الوالي وأوده باشة البوابة فذهبوا إلى محل الواقعة واحضروا أهل الخطة فشهدوا على أن هذه الفعلة من الخفراء بيد اوده باشة مركز القنطرة وهو الذي أرسل السراجين والحمارة فقبضوا على الخفراء والأوده باشا وسئلوا فانكروا فحبس الأوده باشا في بابة والخفراء في العرقانة وأمر الباشا الوالي بعقابهم فلما رأوا آلة العذاب اقروا أن ذلك من فعل الأوده باشا. فأخذوا منه مالا كثيرا ونفوه إلى أبي قير ونادى الأغا والوالي على النساء لا يذهبن إلى الغيطان بعد اليوم ولا يركبن الحمير. ومنها أنه ورد أغا من الديار الرومية في سابع عشر ربيع الآخرة سنة خمس وثلاثين وعلى يده مرسوم بدفع ستين كيسا إلى باشة جدة ليشتروا بها مركبا هنديا لحمل غلال الحرمين عوضا عن مركب غرقت قبل هذا التاريخ. وحضر صحبة ذلك الأغا عظيم من تجار الشوام ومعه اتباعه ووصل الجميع على خيل البريد إلى أن وصلوا إلى بركة الحاج. فنزلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ليأخذوا لهم راحة لكونهم وصلوا أرض الأمان وفارقهم الأغا فنزل عليهم سالم بن حبيب فعراهم وأخذ ما معهم وكذلك كل من صادفه في الطريق. ومن جملة ذلك سبعون جملا لعبد الرحمن بك محملة ذخيرة من الولجة إلى منزله وكذلك جمال عبد الله بك وجمال السقائين وحصل منهم ما لا خير فيه وكان صحبة سالم عرب الجزيرة ومغاربه. وسبب ذلك أنه لما طرد من دجوة وذهب إلى الصعيد فنزل إليه قيحاس بك وجمع عليه عربان القبائل وحاربه وقتل أولاده فرجع من خلف الجبل وقعد بالبركة وقطع الطريق. فلما وصل الخبر بذلك إلى مصر نزل إليه أمير الحاج وكاشف القليوبية حمزة بك تابع ابن ايواظ وعينوا صحبتهم عرب الصوالحة وهم نصف حرام فنزل أمير الحلي بالمسبك وجلس هناك وابن حبيب نازل في المساطب التي بعد البركة وناصب صيوان كاشف شرق اطفيح وكان نهبه وهو متوجه إلى قبلي فإن الكاشف لما أقبل عليه سالم رمح عليه وكان في قلة فهزمه سالم وأخذ صيوانه ونهب الوطاق والجمال وأخذ النقاقير ونزل البركة وربط خيوله هو ومن معه في الغيطان. فأكلوا ستة وثلاثين فدان برسيم في ليلة واحدة. ثم أن الباشا أرسل إلى أمير الحاج بالرجوع وعينوا عبد الله بك وحمزة بك وخليل اغا وأرسل إسمعيل بك صحبتهم خمسمائة جندي من اتباعه ومن البلكات ومعهم فرمان لجميع العرب بالتعمير في اوطانهم ما عدا سالم بن حبيب وإخوته ومن يلوذ به وسافرت لهم التجريدة وارتحل ابن حبيب وسار إلى جهة غزة. ونهبت التجريدة ما في طريقهم من البلاد وأرسل إليهم الباشا فرمانا بالعود فرجعوا من غير طائل. ومنها أنه ورد شاهقتان وهما مركبان من أرض حوران مملؤتان قمح حنطة في كل واحدة عشرة آلاف أردب بيعتا في دمياط وكان سعر الغلة غاليا بمصر لقصور النيل في العام الماضي وتسامعت البلاد بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فهذا هو السبب في ورود هذين المركبين. وفي شهر ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائة وألف تقلدا الصنجقية علي اغا الارمني الذي عرف بابي العزب وكذلك علي اغا صنجقية وامين العنبر وحاكم جرجا وكمل بذلك صناجق مصر أربعة وعشرين صنجقا. وكانوا في المعتاد القديم اثنين وعشرين وكتخدا الباشا وقبطان الأسكندرية فتكرم اباشا بصنجقية كتخداه لعلى بك الارمني أكرما لإسمعيل بك ابن ايواظ بك فكمل بذلك عشرة من اتباع إسمعيل بك وهم إسمعيل بك الدفتردار وعبد الله بك واخوه محمد وحمزة بك وعلي بك الهندي وصاري علي بك وإبراهيم بك خازندار الجزار وعبد الرحمن بك ولجه وعلي بك هذا المعروف بابي العزب وهو عاشرهم ومن بيت أبي شنب محمد بك ابنه وجركس الكبير ومملوكه جركس الصغير وقاسم الكبير وقاسم الصغير والأعسر وإبراهيم بك فارسكور وذو الفقار تابع قانصوه ومصطفى بك القزلار وقيطاس بك تابع قيطاس بك الكبير وابن إسمعيل بك الدفتردار وهو محمد بك وأحمد بك المسلماني ومرجان جور وإبراهيم الوالي تتمة أربعة عشرة. وتقلد كشوفية الغربية محمد بن إسمعيل بك والبحيرة أحمد بك الأعسر وبني سويف قاسم بك الصغير والجيزة محمد بك أبي شنب الدفتردار والشرقية عبد الرحمن بك. ولبس علي القليوبية خليل اغا بعد عزله من اغاوية الجراكسة وتقلد قيطاس بك كشوفية المنوفية بعد عزله من اغاوية التفكجية وتقلد حسين اغا ابن محمد اغا تابع البكري كشوفية الفيوم وإبراهيم بك الوالي على الخزينة والبس إسمعيل بك محمد اغا ابن اشرف علي اغاوية الجملية على ما هو عليه. وكان أراد محمد بك تلبيس مصطفى اغا بلغيه فحصل بين محمد بك ابن أبي شنب وبين إسمعيل بك ابن ايواظ بك غم وكلام في الديوان فلما رأى مصطفى اغا ذلك ما وسعه إلا النزول من باب الميدان وتركهم والبس عبد الغفار أفندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 اغاوية الجراكسة ومصطفى اغا تابع عبد الرحمن بك اغات متفرقة. وركب إسمعيل بك بطائفته ونزل من باب الجبل إلى قصره بمصر القديمة ونزل بن أبي شنب والأعسر وقاسم بك وهم مملؤون من الغيظ. وفي رجب قبل ذلك ورد اغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم وسيف وقفطان للشريف يحيي شريف مكة وتقرير للباشا على السنة واغاوية المتفرقة لعبد الغفار افندي ولم يسبق نظير ذلك. وان اغاوية المتفرقة تاتي من الديار الرومية وسبب ذلك أن حسن افندي والد عبد الغفار افندي كان عنده طواشي اهداه إلى السلطنة فأرسل ذلك الأغا اغاوية المتفرقة إلى ابن سيده فالبسه الباشا القفطان على ذلك فحصل بسبب ذلك فتنة في الوجاق. وسبب ذلك أن وجاقهم فرقتان ظاهرتان بخلاف غيره والظاهر منهما ستة اشخاص من الاختيارية وهم سليمان اغا الشاطر وعلي اغا وعبد الرحمن اغا القاشقجي وخليل اغا وإبراهيم كاتب المتفرقة سابقا وكبيرهم محمد اغا السنبلاوين وهم من طرف محمد بك جركس لكن لما ظهر إسمعيل بك انحطت كلمتهم وظهرت كلمة الذين من طرف إسمعيل بك وهم إسمعيل اغا ابن الدالي وأحمد حلبي بن حسين اغا أستاذ الطالبية وأيوب جلبي. فلما تولى عبد الغفار اغاوية لحق أولئك الحقد والحسد وتناجوا فيما بينهم على أن يملكوا الباب فاجتمعوا بانفارهم وملكوا الباب فهرب عبد الغفار اغا إلى بيت إسمعيل بك وكان عنده الجماعة الآخرون. فدخل عليهم عبد الغفار اغا واخبرهم بما حصل فاشار عليهم إسمعيل بك أن يذهبوا إلى بيت أحمد جلبي ويجعلوه محل الحكم. وأرسل أولئك الطرف فطلبوا محمد اغا ابطال وباكير اغا تابع إسمعيل بك الكبير ومصطفى اغا وكانوا منفيين من بابهم إلى العزب وكانوا كبراءهم وخرجوا منهم في واقعة جركس المتقدمة فآبوا من الحضور اليهم. فلما ابوا عليهم عملوا القاشقجي باش اختيار عوضا عن ابطال وعزلوا وولوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مرادهم وطلع في صبحها إسمعيل بك إلى الديوان وصحبته علي بك وأمير الحاج واخبروا الباشا بما حصل فأرسل اثنين اغوات ومن كل وجاق اثنين اختيارية لينظروا الخبر ففزعوا عليهم فرجعوا وأخبروا الباشا والأمراء فأرسل لهم فرمانا بنفيهم إلى الكشيدة فأبوا وصمموا على عدم ذهابهم إلى الكشيدة. وأقام الأمراء عند الباشا إلى الغروب ثم إنهم نزلوا ووعدوا الباشا أنهم في غد يفصلون هذا الأمر وإن لم يمتثلوا حاربناهم. فلما كان في ثاني يوم عملوا جمعية واتفقوا على توزيع الستة انفار على الست وجاقات وكتبوا من الباشا ست فرمانات لكل فرد منهم فرمان فكان كذلك وتفرقوا في الوجاقات. ونزل إسمعيل بك ابن ايواظ ثالث عشر رجب سنة خمس وثلاثين إلى بيته بعد اقامته في باب العزب ثلاثة أيام في طائفته ومماليكه وصناجقه بحيث أن أوائل الطائفة دخلوا إلى البيت قبل ركوبه من باب العزب وكان خلفه نحو المائتين بالطرابيش الكشف وتمم الأمر على مراده. ثم تحقق الخبر فظهر له أن أصل هذه الفتنة من إسمعيل اغا ابن الدالي فطلع في ثاني يوم إلى الديوان والبس إسمعيل اغا اغاوية العزب واحضر محمد اغا ابطال وباكير أغا ومصطفى اغا من باب العزب وردهم إلى محلهم وعمل ابطال باش اختيارا. وفي ذلك اليوم حضر عبد الله بك وحمزة بك المتوجهان إلى العزب ومعهما أربعامئة وخمسون راسا وسبعة من المقادم بالحياة فأرسل اليهما إسمعيل بك بأن يرميا الرؤوس في الخانقاة ويقتلا الذين بالحياة ويدخلا إلى مصر بالليل ففعلا ذلك والله اعلم بغرضه في ذلك. وفي أيامه أيضا في شعبان سنة خمس وثلاثين ورد عرضحال من مكة بان يحيى الشريف وعلي باشا والي جدة وعسكر مصر الذين عينوا صحبة أحمد بك المسلماني وأهل مكة تحاربوا مع الشريف مبارك شريف مكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 سابقا وكان معه سبعة الاف من العرب اليمانية ووقع بينهم مقتلة عظيمة وسقط علي باشا من على ظهر جواده إلا أن أحمد بك ادركه وانقذه بجواده الجنيب فخلع على أحمد خلعة سمور وسردارية مستحفظان. وكان ذلك في عرفات وقتل من العرب زيادة عن الفين وخمسمائة ومن العسكر نحو الخمسين ومن اتباع الباشا كذلك. ومات علي اغا سردار جمليان وكان الباشا قتل من الأشراف اثني عشر شخصا وكانوا في جيرة الشريف يحيى وقد ابطل الجيرة ثم إنهم رجعوا بعد المعركة إلى جدة وإنهم مجتهدون في جمع اللموم وقادمون علينا بمكة والقصد الاهتمام والتعجيل بارسال قدر ألف وخمسمائة عسكري وعليهم صنجق لأن الذين عندنا عندما ينقضي الحج يذهبون إلى بلادهم وتصير مكة خالية. وقد اخبرناكم وأرسلنا بمثل ذلك إلى الديار الرومية صحبة الشيخ جلال الدين ومفتي مكة فكتب الباشا والأمرااء بذلك أيضا وانتظروا الجواب. ثم ورد الساعي واخبر بوصول علي باشا إلى سكندرية في غليون البليك وحضر بعد يومين المسلم بقائم مقامية لمحمد بك جركس فخلع عليه فروة سمور وانزله بمكان شهر حواله ورتب له تعيينات. وسافرت الملاقاة وأرباب الخدم والجاويشية والملازمون. وقلد محمد بك خازنداره رضوان صنجقية وجعله أمين السماط وأخذ الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها لرضوان المذكور وأبطل الخط الشريف الذي بيده بالخاصكية قيد حياته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 سنة ثمان وثلاثين. ووصل علي باشا في منتصف ربيع أول سنة 1138 وركب إلى العادلية وخلع خلع القدوم وقدموا له التقادم وطلع إلى القلعة بالموكب المعتاد وضربوا له المدافع والشنك وسكن الحال. ثم أن محمد باشا المنفصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أرسل تذكرة على لسان كتخداه خطابا لمصطفى بك بلغيه وعثمان جاويش القازدغلي مضمونها أن حضرة الباشا يسلم عليكم ويقول لكم: لا بد من التدبير في ظهور ذي الفقار وقطع بيت أبي شنب حكم الأمر السلطاني وتحصيل الأربعة آلاف كيس الحلوان المعين بها القابجي. فلما وصلت التذكرة إلى مصطفى بك أحضر عثمان جاويش وعرضها عليه فقال: هذا يحتاج أولا إلى بيت مفتوح تجتمع فيه الناس. فاتفقا على ضم علي بك الهندي اليهما وهو يجمع طوائف الصناجق المقتولين ومماليكهم ثم يدبرون تدبيرهم بعد ذلك. فاحضروه وعرضوا عليه ذلك فاعتذر بخلويدة فقالوا له: نحن نساعدك وكل ما تريده يحضر اليك. واحضر أحمد اوده باشا المطرباز ذا الفقار بك عند علي بك الهندي ليلا ثم أن علي بك الهندي أحضر مصطفى جلبي بن ايواظ فاحضر كامل طوائف أخيه وجماعة الأمراء المقتولين وبلغ محمد بك جركس أن علي بك الهندي عنده لموم وناس. فأرسل له رجب كتخدا ومحمد جاويش يأمره بتفريق الجمعية ووعده برد نظر الخاشكية إليه. فلما وصلا إليه وجدا كثرة الناس والازدحام وأكلا وشربا فقال له رجب كتخدا ايش: هذا الحال وانت اعتقدانها خلي وجمع الناس يحتاج إلى مال. فقال له: وكيف افعل قال: اطردهم. قال: وكيف اطردهم وهم ما بين ابن أستاذي وخشداشي وابن خشداشي حتى إني رهنت بلدا. فقال أقعد مع عائلتك وخدمك ونرد لك نظر الخاصكية واخلص لك البلد المرهونة. قال: يكون خيرا. وانصرفا من عنده ودخل علي بك فاخبر ذا الفقار بذلك فقال له: أرسل الي سليمان اغا أبي دفية يوسف جربجي البركاوي. فأرسل اليهما واحضرهما وادخلهما إليه وتشاوروا فيما يفعلونه. فاتفقوا على قتل إبراهيم افندي كتخدا العزب وبقتله يملكون باب العزب. وعند ذلك يتم غرضنا. فاصبحوا بعدما دبروا أمرهم مع الباشا المعزول والفقارية والشواربية وفرقوا الدراهم. فركب أبو دفية بعد الفجر وأخذ في طريقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يوسف جربجي البركاوي ودخلا على إبراهيم كتخدا عزبان فركب معهم إلى الباب. وتطليس ذو الفقار وأخذ صحبته سليمان كاشف ويوسف زوج هانم بنت ايواظ بك ويوسف الشرايبي ومحمد بن الجزار وأتوا إلى الرميلة ينتظرونهم بعدما ربطوا المحلات والجهات. فعندما وصل إبراهيم كتخدا إلى الرميلة تقدم إليه سليمان كاشف ليسلم عليه وتبعه خازنداره ابن ايواظ وضربه فسقط إلى الأرض ورمحوا إلى الباب فطردوا البكجية وملكوه. وركب في الحال محمد باشا وحضر إلى جامع المحمودية ونزل علي باشا إلى باب العزب واجتمعت كامل صناجق نصف سعد وقسموا المناصب مثل الحال القديم أمير الحلي من الفقارية والدفتردار من القاسمية ومتفرقة باشا من الفقارية وكتخدا الجاويشة من القاسمية ونحو ذلك. وقرأوا فاتحة على ذلك واغات الينكجرية أبو دفية. ومصطفى فندي الدمياطي زعيم وكان القبودان أتى من الأسكندرية ونزل في قصر عثمان جاويش القازدغلي بعسكره فأتى بهم وملك السلطان حسن وكرنك به مع ذي الفقار بك. وخلع محمد باشا على علي بك الهندي دفتردار وعلى ذي الفقار صنجقيته كما كان وعلى علي كاشف قطامش صنجقية وعلى سليمان كاشف صنجقية وحاكم جرجا وعلى مصطفى جلبي ابن ايواظ صنجقية وعلى يوسف اغا زوج هانم صنجقية وعلى يسف الشرايبي صنجقية وسليمان أبي دفية أغات مستحفظان الدمياطي والي. وحضر إليهم محمد بك أمير الحاج سابقا ومصطفى بك بلغيه وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الكور وإسمعيل بك ابن قيطاس وأقاموا في المحمودية. هذا ما كان من هؤلاء وأما محمد بك جركس فإنه استعد أيضا وأرسل إلى بيت قاسم بك عدة كبيرة من الأجناد ومدافع وعملوا متاريس عند درب الحمام وجامع الحصرية هجمت عساكرهم على من بسبيل المؤمن بالبنادق والرصاص حتى اجلوهم وهزموهم وهربوا إلى جهة القلعة وسوق السلاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وأكثرهم لم يدرك حصانه. فلما وقع ذلك عملوا متاريسهم في الحال عند مذبح الجمال ورموا على من بالمحمودية وهرب المجتمعون بالرميلة وبنى طائفة جركس في الحال متاريس عند وكالة الأشكنية وارتبك أمر الفرقة الاخرى. ثم أن يوسف جربجي البركاوي وكان حين ذاك من الخاملين القشلانين وتقدم له الطلوع بالسفر سردار بيرق رمى نفسه في الهلاك وتسلق من باب العزب ونط الحائط والرصاص نازل وطلع عند محمد باشا والصناجق بالمحمودية وطلب فرمانا لكتخدا العزب يعطيه بيرق سردن جشتي ومائة نفر وضمن لهم طرد الذين بسبيل المؤمن وملك بيت قاسم بك وعند ذلك يسير البيارق على بيت جركس. وشرط عليهم أن يجعلوه بعد ذلك كتخدا العزب فكعلوا ذلك ونزل بمن معه من باب الميدان وسار بهم من جانب تكية إسمعيل باشا وهناك باب ينفذ على تربة الرميلة فوقف بهم هناك وطوى البيرق وهجم بمن معه على سبيل المؤمن بطلق رصاص متتابع وهم مهللون على حين غفلة. فاجلوهم وفروا من مكانهم إلى درب الحصرية وهم في أقفيتهم حتى جاوزوا متاريسهم وملكوها منهم ودخلوا بيت قاسم بك وأداروا المدافع على بيت قاسم بك وصعدوا منارة جامع الحصرية ورموا بالبنادق على بيت قاسم بك. فعند ذلك نزلت البيارق من الأبواب وساروا إلى جهة الصليبة وطلع القبودان إلى قصر يوسف ورتب مدفعا على بيت جركس على الرحيل والفرار فخرج معه أحمد بك الأعسر ومحمد بك جركس الصغير واركب خمسة من مماليكه على خمسة من الهجن المحملة بالمال وذهبوا إلى جهة مصر القديمة وعدوا إلى البر الآخر وساروا وتخلف منهم بمصر محمد بك ابن أبي شنب وعمر بك أمير الحاج ورضوان بك وعلى بك وإبراهيم بك فارسكور. وطلع محمد باشا إلى القلعة ثانيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ونزل علي باشا وسافر إلى منصبه بكريد. وترأس ذو الفقار بك وقلد عثمان بك كاشف مملوكه صنجقية وهو عثمان بك الشهير الذي يأتي ذكره وأرسلوه صحبة يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ خلف محمد بك جركس ومعهم عساكر واغات البلكات فصاروا كل من وجدوه من اتباع جركس بالجيزة أو خلافها يقتلونه. ووقعوا بأحمد افندي الروزنامجي فأرسلوه إلى محمد باشا فسجنه مع المعلم داود صاحب العيار بالعرقانة ثم قتلوهما وقتلوا عمر بك أمير الحاج ومحمد بك ابن أبي شنب وجدوه ميتا بالجامع الأزهر وعملوا رجب كتخدا سردار جداوي والاقواسي يمق. وخرجا إلى بركة الحاج ليذهبا إلى السويس فأرسلوا من قتلهما وأتى برؤوسهما ونهبوا بيوت المقتولين والهربانين وبيت جركس الكبير ومن معه. وبعد أيام رجع عثمان بك ويوسف بك والتجريدة فاخبروا ذا الفقار بك وعلي بك الهندي أنهم وصلوا حوش ابن عيسى سألوا العرب عن محمد بك جركس ومن معه فأخبروهم أنهم باتوا هناك. ثم أخذوا معهم دليلا اوصلهم إلى الجبل الاخضر وركبوا من هناك إلى درفه. وكان هروب جركس وخروجه من مصر يوم السبت سابع جمادي الآخرة سنة ثمان وثلاثين ومائة والف. ثم إنهم عملوا جمعية وكتبوا عرضحال بما حصل واعطوه للقابجي وسلموه ألف كيس من أصل حلوان بلاد إسمعيل بك ابن ايواظ أمرائه وبلاد أبي شنب وابنه وامرأته أيضا وذلك خلاف بلاد محمد بك قطامش ورضوان اغا وكور محمد اغا كتخدا قيطامس بك وكتبوا أيضا مكاتبة إلى الوزير الأعظم بطلب محمد بك قطامش تابع قيطاس بك الذي تقدم ذكره وهروبه إلى الروم بعد قتل سيده وختم عليه جميع الأمراء الصناجق والاغوات وأعطاه الباشا إلى قابجي باشا فلما وصل إلى الدولة طلب الوزير محمد بك فلما حضر بين يديه قال له: أهل مصر أرسلوا يطلبونك إليهم بمصر. فاعتذر بقلة ذات يده وانه مديون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فانعموا عليه بالدفتردارية والذهاب إلى مصر وكتبوا فرمانات لسائر الجهات باهدار دم محمد بك جركس اينما وجد لأنه عاص ومفسد وأهل شر وذلك حسب طلب المصريين. ثم أن محمد باشا والي مصر خلع على جماعة وقلدهم امريات فقلد مصطفى بن ايواظ صنجقية وحسن اغات الجملية سابقا صنجقية وإسمعيل بن الدالي صنجقية ومحمد جلبي بن يوسف بك الجزار صنجقية وسليمان كاشف القلاقي صنجقية وذلك خلاف الوجاقات والبلكات والسدادرة وغيرهم. وسكن الحال وانتهت الرياسة بمصر إلى ذي الفقار بك وعلي بك الهندي. وحضر محمد بك إلى مصر من الديار الرومية فلم يتمكن من الدفتردارية لأن علي بك الهندي تقلدها بموجب الشرط السابق وكل قليل يذاكر محمد بك ذا الفقار بك فيقول له: طول روحك. فاتفق أن علي بك المعروف بابي العذب ومصطفى بك بن ايواظ ويوسف بك الخائن ويوسف بك الشرايبي وعبد الله اغا كتخدا الجاويشية وسليمان اغا ابادفية والكل من فرقة القاسمية كانوا يجتمعون في كل ليلة عند واحد منهم يعملون حظا ويشربون شرابا. فاجتمعوا في ليلة عند علي بك أبي العذب فلما أخذ الشراب من عقولهم تأوه مصطفى بك ابن ايواظ وقال: يموت العزيز أخي الكبير والصغير ويصير الهندي مملوكنا سلطان مصر ونأكل من تحت يده والباشا في قبضته. وكان النيل قريب الوفاء فقال علي بك: أنا أقتل الباشا يوم جبر البحر. وقال أبو دفية: وأنا أقتل ذا الفقار. وقال مصطفى بك: وأنا أقتل الهندي. وكل واحد من الجماعة التزم بقتل واحد وقرأوا الفاتحة وكان معهم مملوك أصله من مماليك عبد الله بك ولما قتل سيده هرب إلى الهند وأقام في خدمته أياما فلما تقلد مصطفى بك الصنجقية أخذه من علي بك الهندي. فلما سمع منهم ذلك القول ذهب إلى علي بك الهندي وأخبره. فأرسله إلى ذي الفقار فاخبره أيضا. فبعثه إلى الباشا فاخبره فلما كان يوم الديوان وطلع علي بك أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 العذب قبض عليه الباشا وقتله تحت ديوان قايتباي واحاط بداره ونهب ما فيها وكان شيئا كثيرا. وأرسل في الوقت فرمانا إلى الأغا بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك ابن ايواط واركبوه حمارا وصحبته مقدمه واحضروه إلى الباشا فامر بقتله وقتل معه مقدمه أيضا واختفى الباقون. وأخذ ذو الفقار فرمانا ينفي هانم بنت ابواظ بك وام محمد بك ابن أبي شنب ومحظيته علي بك فمانع عثمان جاويش القازدغلي في ذلك واستقبحه وضمن غائلتهن والزمهن أن لا يخرجن من بيوتهن ورتب لهن كفايتهن. فلما حصل ذلك ضعف جانب القاسمية وانفرد علي بك الهندي وكان ذو الفقار أرسل إلى الشام فاحضر رضوان اغا ومحمد اغا الكور فجعلوا رضوان اغا اغات الجملية ومحمد بك الجزار غائب باقليم المنوفية. فعند ذلك اغتنموا الفرصة وتحرك محمد بك قطامش في طلب الدفتردارية فدبروا أمرهم مع يوسف جربجي عزبان البركاوي ورضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي وقتلوا علي بك الهندي وذا الفقار قانصوه وأرسلوا إلى محمد بك الجزار تجريدة واميرها إسمعيل بك قيطاس وهو باقليم المنوفية وقلدوا مصطفى افندي الدمياطي صنجقية وجعلوه حاكم جرجا. وقبضوا على سليمان بك أبي شنب وقضى إسمعيل بك اشغاله وسافر بالتجريدة إلى المنوفية وأخذ صحبته عربان نصف سعد وساروا إلى محمد بك الجزار. وأن كلما وصله الخبر أخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة فلحقوه هناك وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم أجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أخذ معه مملكوين وبعض احتياجات ونزل في مركب وسار إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا فأخذوا الهجن وساروا ليلا مبحرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك وتخلف عنهم مملوك ماشي فذهب إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس وعرفه بمكانهم فأرسل إليهم كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فاقاموا في خدمته. ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 يزل محمد بك في سيره حتى دخل إلى رشيد واختفى في وكالة ووصل خبره إلى حسين جربجي الخشاب فقبض عليه وقتله بعد أن أستاذن في ذلك وتقلد في نظير ذلك الصنجقية وكشوفية البحيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 سنة أربعين ومائة وألف. ونزل بعد ذلك إلى البحيرة ثم حضر محمد بك جركس من غيبته ببلاد الافرنج وطلع على درنه وأرسل مركبه التي وصل فيها إلى الأسكندرية وحضر إليه أمراؤه الذين تركهم قبل جهة قبلي فركب معهم ونزل إلى البحيرة ليصل الأسكندرية. فصادف حسين بك الخشاب ففر منه وغنم جركس خيامه وخيوله وجماله. ثم رجعا إلى الفيوم ونزل على بني سويف ثم ذهب إلى القطيعة قرب جرجا واجتمع عليه القاسمية المشردون فحاربه حسين بك حاكم جرجا والسدادرة وقتل حسن بك وطائكته واستولى على وطاقهم وعازفهم. ووصلت اخباره إلى مصر فجمع ذو الفقار بك جمعية واخرج فرمانا بسفر تجريدة فسافر إليه عثمان بك وعلي بك قطامش وعساكر فتلاقوا معه بوادي البهنسا. فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد بك جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وحال بينهم الليل ورجع المهزومون إلى مصر. فجمع ذو الفقار الأمراء واتفقوا على التشهيل وإخراج تجريدة اخرى فاحتاجوا إلى مصروف فطلبوا فرمانا من الباشا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري عن السنة القابلة فامتنع عليهم فركبوا عليه وانزلوه وقلدوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا بمطلوبهم وجهزوا أمر التجريدة واهتموا فيها اهتماما زائد ورتبوا اشغالهم. وخرجوا وجرت أمور وحروب وقتل من جماعة جركس سليمان بك ثم وقعت الهزيمة على جركس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 تولية باكير باشا وعزله. ووصل إلى مصر باكير باشا وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وطلع إلى القلعة فمكث أشهرا وعزله العساكر في أواخر السنة وحصل بمصر في أيام هذه التجار يدضنك عظيم وثار جماعة القاسمية المختفون بالمدينة ودبروا مكرهم ورئيسهم في ذلك سليمان اغا أبو دفية. ودخل منهم طائفة على ذي الفقار بك وقت العشاء في رمضان وقتلوه. وكان محمد بك جركس جهة الشرق ينتظر موعدهم معه فقضى الله بموت جركس خارج مصر وموت ذي الفقار داخلها. ولم يشعر أحدهما بموت الآخر وكان بينهما خمسة أيام وثارت اتباع ذي الفقار بالقاسمية وظهروا عليهم وقتلوهم وشردوهم ولم يقم منهم قائم بعد ذلك إلى يومنا هذا. وانقرضت دولة القاسمية من الديار المصرية وظهرت دولة الفقارية وتفرع منها طائفة القازدغلية وسيأتي تتمة الأخبار عند ذكر تراحمهم في وفياتهم. وقد جعلت هذا فضلا مستقلا من أول القرن إلى سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف التي هي آخر دولة القاسمية. ذكر من مات في هذه السنين. من العلماء والاعاظم على سبيل الإجمال بحسب الامكان فإني لم أعثر على شيء من تراجم المتقدمين من أهل هذا القرن ولم أجد شيئا مدونا في ذلك إلا ما حصلته من وفياتهم فقط وما وعيته في ذهني واستنبطته من بعض أسانيدهم واجازات اشياخهم على حسب الطاقة وذلك من أول القرن إلى آخر سنة اثنتين وأربعين ومائة ألف وهي أول دولة السلطان محمود بن عثمان. وأولهم الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ السلام والمسلمين وارث علوم سيد المرسلين الشيخ محمد الخرشي المالكي شارح خليل وغيره ويروى عن والده الشيخ عبد الله الخرشي وعن العلامة الشيخ إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 اللقاني كلاهما عن الشيخ سالم السنهوري المالكي عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ بن حجر العسقلاني بسنده إلى الإمام البخاري توفي سنة أحدى ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن داود بن سليمان العناني نزيل الجنبلاطية أخذ عن علي الحلبي صاحب السيرة والشهاب الغزي والشمس البابلي والشهاب الخفاجي والبرهان اللقاني وغيرهم. حدث عنه حسن بن علي البرهاني والخليفي والبديري وغيرهم توفي سنة ثمان وتسعين وألف. ومات إمام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة السيد أحمد الحموي الحنفي ومن تصانيفه شرح الكنز وحاشية الدرر والغرر والرسائل وغير ذلك. توفي أيضا في تلك السنة رحمه الله ومن شيوخه الشيخ علي الاجهوري والشيخ محمد ابن علان والشيخ منصور الطوخي والشيخ أحمد البشبيشي والشيخ خليل اللقاني وغيرهم كالشيخ عبد الله بن عيسى العلم الغزي. ومات علامة الفنون الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن أحمد بن أمير الدين محمد الضرير بن شرف الدين حسين الحسيني الشهير بالشرنبابلي شيخ مشايخ الأزهر في عصره كذا ذكر نسبه شيخنا السيد مرتضى نقلا عن سبطه العلامة محمد بن بدر الدين أخذ عن شيوخ عدة كالشيخ سلطان المزاحي والشيخ علي الشبراماسي وأجازه البابلي وأخذ عنه اليليدي والملوي والجوهري والشبراوي بواسطة الشيخ عبد ربه الديوي توفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات الشريف المعمر أبو الجمال محمد بن عبد الكريم الجزائري روى عن أبي عثمان سعيد قدورة وابي البركات عبد القادر وابي الوفاء الحسن ابن مسعود البوسي وابي الغيث القشاشي واجازه البابلي والاجهوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ومحمد الزرقاني وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والشبراملسي والشهاب القيلوني والغنيمي والشهاب الشلبي ومحمد حجازي الواعظ ومفتي تعز محمد الحبشي والتجم الغزي والقشاشي والشهاب السبكي والمزاحي توفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات الإمام العالم العلامة أبو الامداد خليل بن إبراهيم اللقاني المالكي أخذ عن والده وعن إخويه عبد السلام ومحمد اللقانيين والنور الاجهوري والشبراماسي والشيخ عبد الله الخرشي والشمس البابلي وسلطان المزاحي والشيخ عامر الشبراوي والشهاب القليوبي والشمس الشوبري الشافعي وأحمد الشوبري الحنفي وعبد الجواد الجنبلاطي ويس العليمي الشامي وأحمد الدواخلي وعلي النبتيتي وعقد دروسا بالمسجد الحرام وأخذ بها عن محمد بن علان الصديقي والقاضي تاج الدين المالكي وبالمدينة عن الوجيه الخياري وغرس الدين الخليلي وأجازوه توفي سنة خمس ومائة وألف. ومات الإمام أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي الإمام الرحالة قرأ بالمغرب على شيوخ منهم اخوه الأكبر عبد الكريم ابن محمد والعلامة أبو بكر بن يوسف الكتاني وإمام المغرب سيدي عبد القادر الفاسي والعلامة أحمد بن موسى الأبار ورحل إلى المشرق فقرأ بمصر على النور الاجهوري والشهاب الخفاجي وإبراهيم المأموني وعلي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي وعبد الجواد الطريني المالكي وجاور بالحرمين عدة سنين فأخذ عن زين العابدين الطبري وعبد الله بن سعيد باقشير وعلي بن الجمال وعبد العزيز الزمزمي وعيسى الثعالبي والشيخ إبراهيم الكردي وأجازوه ورجع إلى بلاده وأقام بها إلى أن توفي سنة تسعين وألف وله رحلة مجلدات وذكر فيها أنه اجتمع بالشيخ حسن العجمي وأجاز كل صاحبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ومات الإمام الحجة عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني المالكي الوفائي ولد سنة عشرين وألف بمصر ولازم النور الاجهوري مدة وأخذ عن الشيخ يس الحمصي والنور الشبراملسي وحضر في دروس الشمس البابلي الحديثية وأجازه جل شيوخه وتلقى الذكر من أبي الاكرام توفي سنة خمس وأربعين وألف وتصدر للاقراء بالأزهر وله مؤلبفات منها شرح مختصر خليل وغيره توفي في رابع عشرين رمضان سنة تسع وتسعين وألف وصلى عليه إماما بالناس الشيخ محمد قوشي. ومات عالم القدس الشيخ عبد الرحيم بن أبي اللطف الحسيني الحنفي المقدسي قرأ بمكة على الإمام زين العابدين بن عبد القادر الطبري وبمصر على الشيخ الشبراملسي والشمس البابلي والشمس الشوبري والفقه على الشهاب الشوبري الحنفي وحسن الشرنبلالي وعبد الكريم الحموي الطرابلسي وبدمشق على السيد محمد بن علي بن محمد الحسيني المقدسي الدمشقي توفي غريبا بأدرنة سنة أربع ومائة وألف. ومات الإمام العلامة شمس الدين محمد بن قاسم بن إسمعيل البقري المقرىء الشافعي الصوفي الشناوي أخذ علم القراآت عن الشيخ عبد الرحمن اليمني والحديث عن البابلي والفقه عن المزاحي والزيادي والشوبري ومحمد المنياوي والحديث أيضا عن النور الحلبي والبرهان اللقاني والطريقة عن عمه الشيخ موسى بن إسمعيل البقري والشيخ عبد الرحمن الحلبي الأحمدي وغالب علماء مصر أما تلميذه أو تلميذ تلميذه وألف واجاد وانفرد ومولده سنة ثماني عشرة وألف وتوفي في رابع عشرى جمادى الثانية سنة أحدى عشرة ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة. ومات الأديب الفاضل الشاعر أبو بكر بن محمود بن أبي بكر بن أبي الفضل العمري الدمشقي الشافعي الشهير بالصفوري ولد بدمشق وبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 نشأ ورحل إلى مصر وتوطنها وأخذ بها عن الشمس البابلي ونظم سيرة الحلبي ولم يتمه وجمع ديوان شعره باسم الأستاذ محمد بن زين العابدين البكري وكان من الملازمين له توفي سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ فرج خارج بولاق عند قصر الأستاذ البكري. ومات السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد كريشه بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف ترجمة صاحب المشرع فقال ولد بمكة وتربى في حجر والده وادرك شيخ الإسلام عمر ابن عبد الرحيم البصري وصحب الشيخ محمد بن علوي وألبسه الخرقة وكذا أبو بكر بن حسين العيدروس الضرير وزوجة ابنته وأخذ عنه العلوم الشرعية وزار جده وعاد إلى مكة وبها توفي ليلة الجمعة سنة أربع ومائة وألف. ومات الأستاذ زين العابدين محمد بن محمد بن محمد ابن الشيخ أبي المكارم محمد ابيض الوجه البكري الصديقي ولد سنة ستين وألف وكان تاريخ ولادته أشرق الافق بزين العابدين توفي سنة سبع ومائة وألف في الفصل ودفن عند اسلافه بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه. ومات السند شيخ الشيوخ برهان الدين إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني المدني ولد بشهران في شوال سنة خمس وعشرين وألف وأخذ العلم عن محمد شريف الكوراني الصديقي ثم ارتجل إلى بغداد وأقام بها مدة ثم دخل دمشق ثم إلى مصر ثم إلى الحرمين والقى عصا تسيارة بالمدينة المنورة ولازم الصيفي القشاشي ويه تخرج وأجازه الشهاب الخفاجي والشيخ سلطان والشمس البابلي وعبد الله بن سعيد اللاهوري وأبو الحسين علي بن مطير الحكمي وقد أجاز لمن ادرك عصره وتوفي ثامن عشرين جمادي الأولى سنة أحدى ومائة وألف. ومات الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 تفقه على الشيخ الاجهوري والشيخ يوسف الفيشي وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل في مجلدات وشرح على العشماوية وشرح على الأربعين النووية وشرح على الفية السيرة للعراقي مات غريقا بالنيل وهو متوجه إلى رشيد سنة ست ومائة وألف. ومات الأستاذ أبو السعود بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي المولد والمنشأ الشافعي الفاضل البارع ولد سنة ألف ةوستين وجود القرآن على العلامة بن المسعودي أبي النور الدمياطي ثم قدم مصر ولازم دروس الشهاب البشبيشي وجد في الأشتغال وقدم مكة وتوفي وهو راجع من الحج بالمدينة في أوائل المحرم سنة تسع ومائة وألف. ومات الإمام العلامة مفتي المسلمين الشيخ حسن بن علي بن محمد ابن عبد الرحمن الجيرتي الحنفي وهو جد الشيخ الوالد أخذ عن أشياخ عصره من أهل القرن الحادي عشر كالبابلي والاجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي والشبراملسي والشهاب الشويري وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير ولازمه ملازمة كلية وكتب تقاريره على نسخ الكتب التي حضرها عليه ومنها كتاب الأشباه والنظائر للعلامة بن نجيم وكتاب الدرر شرح الغرر لملاخسرو وكلا النسختين بخطه الأصلي وما عليهما من الهوامش ثم جرد ما عليهما فصارا تأليفين مستقلين وهما الحاشيتان المشهورتان على الدرر والاشباه للعلامة الشرنبلالي وكلتا النسختين وما عليهما من الهوامش موجودتان عندي إلى الآن بخط المترجم ومن تآليفه رسالة على البسملة. ولما توفي الأستاذ الشرنبلالي في سنة تسع وستين وألف تصدر بعده للافادة والتدريس والافتاء واقرأ ولده الشيخ حسن وتقيد به حتى ترعرع وتمهر وتوفي المترجم في سنة ست وتسعين وألف وترك الجد إبراهيم صغيرا فربته والدته الحاجة مريم بنت المرحوم الشيخ محمد المنزلي حتى بلغ رشده فزوجته ببنت عبد الوهاب افندي الدلجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وعقد عقده عليها بحضرة كل من الشيخ جمال الدين يوسف أبي الارشاد ابن وفي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي الحنفي وشهاب الدين أحمد المرحومي والشيخ شهاب الدين أحمد البرماوي والشيخ زين الدين أبي السعود الدنجيهي الشافعي الدمياطي شيخ المدرسة المتبولية والشيخ شمس الدين محمد الارمناوي وغيرهم المثبتة اسماؤهم في حجة العقد في كاغد كبير رومي محرر ومسطر بالذهب وعليه لوحة مموهة بالذهب مؤرخة بغاية شعبان سنة ثمان ومائة وألف وهي محفوظة عندي إلى الآن بامضاء موسى افندي بمحكمة الصالحية النجمية وبني بها في ربيع أول وحملت منه بالمرحوم الوالد فات الحد بعد ولادة الوالد بشهر واحد وذلك في سنة عشر ومائة وألف وعمره ست عشرة سنة لا غير. ومات الإمام العلامة نور الدين حسن بن أحمد بن العباس بن أحمد ابن العباس بن أبي سعيد المكناسي ولد بها سنة ألف واثنتين وخمسين وقر الفاسي وكثيرين وقدم مصر سنة أربع وسبعين وألف وحضر دروس علي محمد بن أحمد الفاسي نزيل مكناس وحضر دروس سيدي عبد القادر الشبراملسي ومنصور الطوخي وأحمد البشبيشي ويحيى الشهاوي وحج واجتمع على السيد عبد الرحمن المحجوب المكناسي وكانت له مشاركة في سائر العلوم مات بمصر سنة أحدى ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام العلامة إبراهيم ابن محمد بن شهاب الدين بن خالد البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري الأحمدي شيخ الجامع الأزهر قرأ على الشمس الشوبري والمزاحي والبابلي والشبراملسي ثم لازم دروس الشهاب القليوبي واختص به وتصدر بعده بالتدريس في محله توفي سنة ست ومائة وألف روى عنه محمد بن خليل العجلوني وعلي ابن علي المرحومي نزيل مخا ورافقه المليحي في دروس القليوبي وترجمة واثنى عليه وله تآليف عديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ومات عالم المغرب الشيخ الإمام نور الدين حسن بن مسعود اليوسي قدم مكة حاجا سنة اثنتين ومائة وألف وله مؤلفات عديدة مشهورة توفي بالمغرب سنة أحدى عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ شاهين بن منصور بن عامر ابن حسن الأرمناوي الحنفي ولد ببلده سنة ثلاثين وألف وحفظ القرآن والكنز والالفية والشاطبية والرجبية وغيرها ورحل إلى الأزهر فقرأ بالروايات على العلامة المقرىء عبد الرحمن اليمني الشافعي ولازم في الفقه العلامة أحمد الشوبري وأحمد المنشاوي الحنفيين وأحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي وعبد السلام اللقاني وإبراهيم الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي وفي العلوم العقلية شيخ الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ أحمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيرا وبشره باشياء حصلت له وأخذ عن العلامة سري الدين الدروري والشيخ علي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي واجازه جل شيوخه وتصدر للاقراء في الأزهر في فنون عديدة وعنه أخذ جمع من الأعيان كمحمد ابن حسن الملا والسيد علي الحنفي وغيرهما توفي سنة أحدى ومائة وألف. ومات العلامة الشيخ أحمد بن حسن البشتكي أخذ عن البناء وعن الشيخ محمد الشرنبابلي وتوفي سنة عشر ومائة وألف. ومات السيد الشريف عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه التريمي الإمام الفقيه المحدث أخذ عن مصطفى بن زين العابدين العيدروس والسيد محمد سعيد وعنه ولده عبد الرحمن والسيد شيخ بن مصطفى العيدروس واخواه زين العابدين وجعفر توفي ببندر الشحرفي آخر جمادى سنة أربع ومائة وألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ومات خاتمة المحدثين بمصر شمس السنة محمد بن منصور الاطفيحي الوفائي الشافعي ولد سنة اثنتين وأربعين وألف وأخذ عن أبي الضياء علي الشبراملسي وعن الشمس البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشمس محمد عمر الشوبري الصوفي والشهاب أحمد القليوبي توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف تاسع عشر شوال. ومات إمام المحققين الشيخ عبد الحي بن عبد الحق بن عبد الشافي الشرنبلالي الحنفي علامة المتأخرين وقدوة المحققين ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم وأخذ عن الشيخ حسن الشرنبلالي والشهاب أحمد الشوبري وسلطان المزاحي والشمس البابلي وعلي الشبراملسي والشمس محمد العناني والسري محمد بن إبراهيم الدروري والسراج عمر بن عمر الزهري المعروف بالدفري وتفقه بهم ولازم فضلاء عصره في الحديث والمعقول وأخذ أيضا عن الشيخ العلامة يس بن زين الدين العليمي الحمصي والشيخ عبد المعطي البصير والشيخ حسين النماوي وابن خفاجي واجتهد وحصل واشتهر بالفضيلة والتحقيق وبرع في الفقه والحديث وأكب عليهما آخرا واشتهر بهما وشارك في النحو والأصول والمعاني والصرف والفرائض مشاركة تامة. وقصدته الفضلاء وانتفعوا به وانتهت إليه رياسة مصر. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن عند معبد السيدة نفيسة. ومات الشيخ الإمام الفقيه الفرضي الحيسوب صالح بن حسن بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي أخذ عن اشياخ وقته وكان عمدة في مذهبه وفي المعقول والمنقول والحديث وله عدة تصانيف وحواش وتعليقات وتقييدات مفيدة متداولة بايدي الطلبة أخذ عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي ومحمد الخلوتي وأخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني وهو من مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي ولازم عمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الشمس الخلوني وأخذ الحديث عن الشيخ عامر الشبراوي وله الفية في الفقه والفية في الفرائض ونظم الكافي. توفي يوم الجمعة ثامن وعشرين ربيع الأول سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام العلامة محمد فارس التونسي من ذرية سيدي حسن الششتري الاندلسي وهو والد الشيخ محمد ابن محمد فارس من أكابر الصوفية كان يحفظ غالب ديوان جده أقام بدمياط مدة ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة أربع عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف ابن أحمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة وفصاحة العبارة في باقي العلوم ولد بمصر سنة خمس وخمسين وألف وأخذ عن النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده وحدث عنه العلامة السيد محمد بن محمد ابن محمد الاندلسي وعبد الله الشبراوي والملوي والجوهري والسيد زين الدين عبد الحي ابن زين العابدين بن الحسن البهنسي وعمر بن يحيى بن مصطفى المالكي والبدر البرهاني وله المؤلفات النافعة كشرح الموطأ وشرح المواهب واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي ثم اختصر هذا المختصر في نحو كراسين باشارة والده وعم نفعها وكان معيدا لدروس الشبراملسي وكان يعتني بشأنه كثيرا وكان إذا غاب يسأل عنه ولا يفتتح درسه إلا إذا حضر مع أنه أصغر الطلبة فكان محسودا لذلك في جماعته وكان الشيخ يعتذر عن ذلك ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني به. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ رضوان إمام الجامع الأزهر في غرة رمضان سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات الشيخ المجذوب أحمد أبو شوشة خفير باب زويلة وكانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 كراماته ظاهرة وكان يضضع في فمه نحو المائة ابرة ويأكل ويشرب وهي في فمه لا تعوقه عن الأكل والشرب والكلام مات في يوم الثلاثاء سابع عشري جمادي الآخرة سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات السند العمدة الشيخ حسن أبو البقاء بن علي ابن يحيى بن عمر العجمي المكي الحنفي صاحب الفنون ولد سنة تسع وأربعين وألف كما وجدته بخط والده بمكة وبها نشأ وحفظ القرآن وعدة متون وأخذ عن الشيخ زين العابدين الطبري وعلي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير والسيد محمد صادق وحنيف الدين المرشدي والشمس البابلي وبالمدينة علي القشاشي ولبس منه الخرقة وأخذ عن جمع من الوافدين كعيسى الجعفري ومحمد بن محمد العيثاوي الدمشقي وعبد القادر بن أحمد الفضي الغزي وعبد الله بن أبي العياشي واجازه جل شيوخه وكتب إليه بالاجازة غالب مشايخ الأقطار كالشيخ أحمد العجلي وهو من المعمرين والشيخ علي الشبراملسي وعبد القادر الصفوري الدمشقي والسيد محمد بن كمال الدين بن حمزة الدمشقي والشيخ عبد القادر الفاسي واعتنى باسانيد الشيوخ بالحرم وافاد وانتفع به جماعة من الأعلام كالشيخ عبد الخالق الزجاجي الحنفي المكي وأحمد بن محمد بن علي المدرس المدني وتاج الدين الدهان الحنفي المكي ومحمد بن الطيب بن محمد الفاسي والشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي توفي ظهر يوم الجمعة ثالث شوال سنة ثلاث عشرة ومائة وألف بالطائف ودفن بالقرب من ابن عباس. ومات السيد عبد الله الإمام العلامة الشيخ أحمد المرحومي الشافعي وذلك سنة اثنتي عشرة ومائة وألف. ومات الأستاذ المعظم والملاذ المفخم صاحب النفحات والإشارات الشيخ يوسف بن عبد الوهاب أبو الإرشاد الوفائي وهو الرابع عشر من خلفائهم تولى النجادة يوم وفاة والده في ثاني رجب سنة ثمان وتسعين وألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وسار سيرا حسنا بكرم نفس وحشمة زائدة ومعروف وديانة إلى أن توفي في حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بحوطة اسلافه رضي الله عنهم. ومات الفقيه محمد بن سالم الحضرمي العوفي أخذ عن سليمان بن أحمد النجار وعنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس توفي بالهند سنة أحدى عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العلامة المفيد الشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الأصل القاهري الأزهري المعروف بابن الفقي الشافعي ولد سنة أربع وستين وألف وأخذ القراءات عن الشمس البقري والعربية عن الشهاب السندوبي وبه تفقه والشهاب البشبيشي ولازمه السنين العديدة في علوم شتى وكذا أخذ عن النور الشبراملسي وحضر دروس الشهاب المرحومي وكان إماما عالما بارعا ذكيا حلو التقرير رقيق العبارة جيد الحافظة يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة مع طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف ومن تآليفه حاشية علي الأشموني لم تكمل واخرى على شرح أبي شجاع للخطيب ورسالة في بيان السنن والهيئات هل هي داخلة في الماهية أو خارجة عنها واخرى في اشراط الساعة وشرح البدور السافرة ومات قبل تبييضه فاختلسه بعض الناس وبيضة ونسبه لنفسه وكتمه. توفي فجأة قيل: مسموما صبيحة يوم الإثنين سابع عشري شوال سنة ثمان عشرة ومائة وألف. ومات الإمام العالم العلامة الشيخ محمد النشرتي المالكي وهو كان وصيا على المرحوم الشيخ الوالد بعد موت الجد توفي يوم الأحد بعد الظهر وآخر دفنه إلى صبيحة يوم الإثنين وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل وحضر جنازته الصناجق والأمراء والأعيان وكان يوما مشهودا وذلك سنة عشرين ومائة وألف. ومات السيد أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم ولد بتريم وأخذ عن أحمد بن عمر البيتي والفقيه عبد الرحمن بن علو بلفقيه وابي بكر بن عبد الرحمن ابن شهاب العيدروس والقاضي أحمد بن الحسين بلفقيه وأحمد بن عمر عبديد وغيرهم واجازوه وتميز في العلوم وتمهر ودرس وصنفذ في الفقه والفرائض وممن روى عنه شيخ وجعفر وزين العابدين أولاد مصطفى بن زين العابدين بن العيدروس ومصطفى بن شيخ بن مصطفى العيدروس وغيرهم توفي بالشحر سنة ثمان عشرة ومائة وألف. ومات الأديب الاريب الشيخ أحمد الدلنجاوي شاعر وقته له ديوان في مجلد. ومات الشيخ العلامة المفيد سليمان الجنزوري الأزهري توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام المحدث الأخباري مصطفى بن فتح الله الحموي الحنفي المكي أخذ عن العجمي والبابلي والنخلي والثعالبي والبصري والشبراملسي والمزاحي ومحمد الشلبي وإبراهيم الكوراني وشاهين الارمناوي والشهاب أحمد البشبيشي وأكثر عن الشاميين وله رحلة إلى اليمن توسع فيها في الاخذ عن أهلها وألف كتابا في وفيات الأعيان سماه فوائد الارتحال ونتايج السفر في اخبار أهل القرن الحادي عشر توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف حدث عنه السيد عمر بن عقيل العلوي. ومات السيد السند صاحب الكرامات والإشارات السيد عبد الرحمن السقاف باعلوى نزيل المدينة. قال الشيخ العيدروس في ذيل المشرع: ولد بالديار الحضرمية ورحل إلى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبندية عن الأكابر العارفين واشتغل بها حتى لاحت عليه أنوارها وورد الحرمين فقطن بالمدينة المنورة وبها تزوج الشريفة العلوية العيدروسية من ذرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 السيد عبد الله صاحب الرهط وممن أخذ عليه بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندي باشارة بعض الصالحين وكان المترجم يخبر عن نفسه أنه لم يبق بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاب وأنه لم يعط الطريقة النقشبندرية لاحد إلا باذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه اعطى سيف أبي بكر بن العيدروس الأكبر الذي يشير إليه بقوله: وسيفي في غمده ... لدفع الشدائد معدود وقوله: بسيفي يلاقي المهند ... وقائع تشيب الولود ولم يزل على طريقة حميدة حتى توفي بها سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الإمام الهمام عمدة المسلمين والإسلام الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي الضرير الشافعي أحد العلماء مصابيح الإسلام ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل إلى دمياط وجاور بالمدرسة المتبولية فحفظ القرآن وعدة متون منها البهجة الوردية واشتغل هناك على أفاضلها كالشمس ابن أبي النور ولازمه في الفنون وتفقه به وقرأ عليه القرآن بالروايات وأخذ عنه الطريق وتهذب به ثم ارتحل إلى القاهرة فحضر عند الشهاب البشبيشي قليلا ثم لازم الشمس الشرنبابلي في فنون إلى أن توجه إلى الحج فأمره بالجلوس موضعه والتقييد بجماعته فتصدى لذلك وعم النفع وبرعت طلبته وقصدته الفضلاء من الآفاق وكان إماما فاضلا فقيها نحويا فرضيا حيسوبا عروضيا نحريرا ماهرا كثير الأستحضار غريب الحافظة صافي السريرة مشتغل الباطن بالله جميل الظاهر بالعلم توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة ودفن يوم الأحد بعد الصلاة عليه بالأزهر بمشهد حافل عظيم اجتمع فيه الخاص والعام وذلك سنة ست وعشرين ومائة وألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ومات الشيخ الإمام والعمدة الهمام عبد الباقي القليوبي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ العلامة أبو المواهب محمد بن الشيخ تقي الدين عبد الباقي ابن عبد القادر الحنبلي البعلي الدمشقي مفتي السادة الحنابلة بدمشق ولد بها وأخذ عن والده وعمن شاركه ثم رحل إلى مصر وقرأ بالروايات على مقرئها الشيخ البقري والفقه على الشيخ محمد البهوتي الخلوتي والحديث على الشمس البابلي والفنون على المزاحي والشبراملسي والعناني توفي في شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف عن ثلاث وثمانين سنة حدث عنه الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن عمر الدمشقي كتابه وهو عال والشيخ محمد ابن أحمد الحنبلي والسيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي وغيرهم. ومات الإمام العلامة المحقق المعمر الشيخ سليمان بن أحمد بن خضر الخربتاوي البرهاني المالكي وهو والد الشيخ داود الخربتاوي الآتي ذكر ترجمته توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن مائة وست عشرة سنة. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي شارح الرسالة وغيرها ولد ببلدة نفرة ونشأ بها ثم حضر إلى القاهرة فتفقه في مبادىء امره بالشهاب اللقاني ثم لازم العلامة عبد الباقي الزرقاني والشمس محمد بن عبد الله الخرشي وتفقه بهما وأخذ الحديث عنهما ولازم الشيخ عبد المعطي البصير وأخذ العربية والمعقول عن الشيخ منصور الطوخي والشهاب البشبيشي واجتهد وتصدر وانتهت إليه الرياسة في مذهبه مع كمال المعرفة والاتقان للعلوم العقلية لا سيما النحو وأخذ الأعيان وانتفعوا به ومن مؤلفاته شرح الرسالة وشرح النورية وشرح الآجرومية توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن اثنتين وثمانين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ومات الإمام العلامة الشهير الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عطية ابن عامر بن نوار بن أبي الخير الموساوي الشهير بالخليفي الضرير أصله من الشرق وقدم جده أبو الخير وكان صالحا معتقدا وأقام بمنية موسى من اعمال المنوفية فحصل له بها الاقبال ورزق الذرية الصالحة واستمروا بها وولد الشيخ بها ونشأ بها وحفظ القرآن ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم على فضلاء عصره فتفقه على الشمس العناني والشيخ منصور الطوخي وهو الذي سماه بالخليفي لما ثقل عليه نسبة الموسوي فسأله عن أشهر أهل بلده فقال أشهرها من أولياء الله تعالى سيدي عثمان الخليفي فنسبه إليه ولازم الشهاب البشبيشي وأخذ عنه فنونا وحضر دروس الشهاب السندوبي والشمس الشرنبابلي وغيرهما واجازه الشيخ العجمي واجتهد وبرع وحصل واتقن وتفنن وكان محدثا فقيها أصوليا نحويا بيانيا متكلما عروضيا منطقيا آية في الذكاء وحسن التعبير مع البشاشة وسعة الصدر وعدم الملل والسآمة وحلاوة المنطق وعذوبة الألفاظ انتفع به كثير من المشايخ. توفي في عصر يوم الأربعاء خامس عشر صفر ودفن صبيحة يوم الخميس سادس عشره بالمجاورين سنة سبع وعشرين ومائة وألف عن ستة وستين سنة. ومات الإمام العمدة الفهامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي توفي فجأة بعد صلاة العشاء ليلة الأحد سادس عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف. ومات في تلك السنة أيضا الشيخ العلامة أحمد الشرفي المغربي المالكي. ومات الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي وكان مليئا متمول أغنى أهل زمانه بين اقرانه وجعل الشيخ محمد الجداوي وصيا على ولده سيدي موسى فلما بلغ رشده سلمه ماله فكان من صنف الذهب البندقي أربعون الفا خلاف الجنزرلي والطرلي وانواع الفضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والأملاك والضياع والوظائف والجماكي والرزق والاطيان وغير ذلك بدده جمعية ولده موسى وبنى له دارا عظيمة بشاطيء النيل ببولاق انفق عليها أموالا عظيمة ولم يزل حتى مات مديونا في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وترك ولدا مات بعده بقليل وكان للمترجم مماليك وعبيد وجوار ومن مماليكه أحمد بك شنن الآتي ذكره توفي المترجم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف عن سبع وسبعين سنة. ومات العمدة العالم الشيخ أحمد الوسيمي توفي سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الجناب المكرم السيد حسن افندي نقيب السادة الأشراف وكانت لأبيه وجده وعمه من قبله وبموته انقرضت دولتهم. واقيم في منصب النقابة عوضه السيد مصطفى بن سيدي أحمد الرفاعي قائمقام إلى حين ورود الأمر توفي يوم الجمعة تاسع عشر رجب سنة أحدى وعشرين ومائة وألف ثم ورد في شهر جمادى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف السيد عبد القادر نقيبا ونزل ببولاق بمنزل أحمد جاويش الخشاب وهو إذ ذاك باشجاويش الأشراف وبات هناك فوجد في صبحها مذبوحا في فراشه وحبس باشجاويش بسبب ذلك بالقلعة ولم يظهر قاتله وتقلد النقابة محمد كتخدا عزبان سابقا لامتناع السيد مصطفى الرفاعي عن ذلك ووافى تاريخه ذبح عبد القادر. ومات العلامة الفقيه المحدث الشيخ منصور بن علي بن زين العابدين المنوفي البصير الشافعي ولد بمنف ونشأ بها يتيما في حجر والدته وكان بارا بها فكانت تدعو له فحفظ القرآن وعدة متون ثم ارتحل إلى القاهرة وجاور بالأزهر وتفقه بالشهابين البشبيشي والسندوبي والشمس الشرنبابلي والزين منصور الطوخي ولازم النور الشبراملسي في العلوم وأخذ عنه الحديث وجد واجتهد وتفنن وبرع في العلوم العقلية والنقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وكان إليه المنتهى في الحذق والذكاء وقوة الأستحضار لدقائق العلوم سريع الادراك لعويصات المسائل على وجه الحق نظم الموجهات وشرحها وانتفع به الفضلاء وتخرج به النبلاء وافتخرت بالاخذ عنه الأبناء على الآباء. توفي حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وقد جاوز التسعين. ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ محمد الصغير المغربي سلخ رجب سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف. ومات الأجل الفاضل العمدة العلامة رضوان افندي الفلكي صاحب الزيج الرضواني الذي حرره على طريق الدر اليتيم لابن المجدي على أصول الرصد الجديد السمرقندي وصاحب كتاب اسنى المواهب وغير ذلك تآليف وحسابيات وتحقيقات لا يمكن ضبطها لكثرتها وكتب بخطه ما ينوف عن حمل بعير مسودات وجداول حسابيات وغير ذلك وكان بسكن بولاق منجمعا عن خلطة الناس مقبلا على شأنه وكان في أيامه حسن افندي الروزنامجي وله رغبة ومحبة في الفن فالتمس منه بعض آلات وكرات فاحضر الصناع وسبك عدة كرات من النحاس الأصفر ونقش عليها الكواكب المرصوده وصورها ودوائر العروض والميول وكتب عليهما طلاها بالذهب وصرف عليها أموالا كثيرة وذلك في سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائة وألف. واشتغل عليه الجمالي يوسف مملوك حسن افندي المذكور وكلارجيه وتفرغ لذلك حتى انجب وتمهر وصار من المحققين في الفن واشتهر فضله في حياة شيخه وبعده وألف كتابا عظيما في المنحرفات جمع فيه ما تفرق من تحقيقات المتقدمين واظهر ما في مكنون دقائق الأوضاع والرسومات والأشكال من القوة إلى الفعل وهو كتاب حافل نافع نادر الوجود وله غير ذلك كثير ومن تآليف رضوان افندي المترجم النتيجة الكبرى والصغرى وهما مشهورتان متداولتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 بأيدي الطلبة بآفاق الأرض وطراز الدرر في رؤية الأهلة والعمل بالقمر وغير ذلك. توفي يوم السبت ثالث عشري جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح قطب الوقت المشهور بالكرامات معتقد أرباب الولايات الشيخ عبد الله النكاري الشافعي الشهير بالشرقاوي من قرية بالشرقية يقال لها النكارية أخذ عن الشيخ عبد القادر المغربي وكان يحكى عنه كرامات غريبة وأحوال عجيبة. وممن كان يعتقده الشيخ الحفني والشيخ عيسى البراوي والشيخ علي الصعيدي وقد خص كل واحد باشارة نالها كما قال له: وشملتهم بركته وانه تولى القبطانية وكان بينه وبين الشيخ محمد كشك مودة ومؤاخاة. توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ العمدة المنتقد الفاضل الشاعر البليغ الصالح العفيف حسن البدري الحجازي الأزهري وكان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على أهل عصره وابناء مصره سمعت من الشيخ الوالد قال: رأيته ملازما لقراءة الكتب الستة تحت الدكة القديمة منجمعا عن خلطة الناس معتكفا على شأنه قانعا بحاله وله في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة على غيره رفيعة وقلما تجد في نظمه حشوا أو تكلمه. وله ارجوزة في التصوف نحو ألف وحمسمائة بيت على طريق الصادح والباغم ضمنها أمثالا ونوادر وححكايات وديوان على حروف المعجم سماه باسمين تنبيه الافكار للنافع والضار واجماع الاياس من الوثوق بالناس شرح فيه حقيقة شرار الخليفة من الناس المنحرفة طباعهم عن طريقة قويم القياس استشهدت بكثير من كلامه في هذا المجموع بحسب المناسبة وفي بعض الوقائع والتراجم وله مزدوجة سماها الدرة السنية في الأشكال المنطقية ونظم رسالة الوضع للعلامة العضد ونظم لقطة العجلان في تعريف النقيضين والضدين والخلافين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 والمثلين وفي حكم المضارع صحيحا كان أو معتلا ورموز الجامع الضغير وختم ديوانه باراجيز بديعة ضمنها نصايح ونوادر وامثالا واستغاثات وتوسلات للقبول موصلات. ومن كلامه في قافية الباء: كن جار كلب وجار الشرة اجتنب ... ولو أخالك من ام يرى وأب وجانب الدار أن ضاقت مرافقها ... والمرأة السوء لو معروفة النسب ومركبا شرس الاخلاق لا سيما ... أن كان ذا قصر أو ابتر الذنب وله غير ذلك كثير اقتصرنا منه على هذا البعض. توفي سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف رحمه الله. ومات الشيخ الإمام خاتمة المحدثين الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري منشئا المكي مولدا الشافعي مذهبا ولد يوم الأربعاء رابع شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف كما ذكره الحموي وحفظ القرآن وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الجعفري ومحمد بن محمد بن سليمان والشمس البابلي والشهاب البشبيشي ويحيى الشاوي وعلي بن عبد القادر الطبري والشمس محمد الشرنبابلي والبرهان إبراهيم ابن حسن الكوراني ومحدث الشام محمد بن علي الكاملي ولبس الخرقة من يد السيد عبد الرحمن الادريسي والمسلسل بالأولية عن الشهاب أحمد ابن محمد بن عبد الغني الدمياطي. وتوفي يوم الإثنين رابع رجب سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن أربع وثمانين سنة ودفن بالمعلاة بمقام الولي سيدي عمر العرابي قدس سره. حدث عنه شيوخ العصر ابن أخته السيد العلامة عمر ابن أحمد بن عقيل العلوي والشهاب أحمد الملوي والجوهري وعلاء الدين بن عبد الباقي المزجاجي الزبيدي والسيد عبد الرحمن بن السيد عبد الرحمن بن السيد اسلم الحسيني والشبراوي والشيخ الوالد حسن الجبرتي وعندي سنده واجارته له بخطة والسيد المجدد محمد بن إسمعيل الصنعاني المعروف بابن الأمير ذي الشرفين كتابة من صنعاء والسيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 العلامة حسن بن عبد الرحمن باعيديد العلوي كتابة من المخنا والشيخ المعمر صبغة الله بن الهداد الحنفي كتابة من خير آباد ومحمد بن حسن ابن همان الدمشقي كتابة من القسطنطينية والشهاب بن أحمد بن عمر بن علي الحنفي كتابة من دمشق كلهم عنه وحدث عنه أيضا شيوخ المشايخ الشيخ المعمر محمد بن حيوة السندي نزيل المدينة المنورة والشيخ محمد طاهر الكوراني والشيخ محمد ابن أحمد بن سعيد المكي والشيخ العلامة إسمعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الدمشقي والشيخ عيد بن علي النمرسي الشافعي والشيخ عبد الوهاب الطندتائي والشيخ أحمد باعنتر نزيل الطائف والشهاب أحمد بن مصطفى بن أحمد الأسكندرية وغيرهم كذا في المربي الكايلي فيمن روى عن البابلي. ومات الرجل الصالح المجذوب الصاحى أحد صلحاء فقراء السادة الأحمدية بدمياط الشيخ ربيع الشبيال كان صالحا ورعا ناسكا حافظا لأوقاته ورعا ناسكا حافظا لا وقاته مداوما على الصلوات والعبادات والاذكار دائم الإقبال على الله لا يرى إلا في طاعة إذا احرم في الصلاة يصفر لونه وتأخذه رعدة فإذا نطق بالتكبير يخيل لك بان كبده قد تمزق وكان يتكسب بحمل الامتعة للناس بالاجرة مع صرفه جميع جوارحه واعضائه لما خلق لأجله. توفي سنة أحدى وعشرين ومائة وألف. ومات الشيخ المقري الصوفي محمد ابن سلامة بن عبد الجواد الشافعي ابن العارف بالله تعالى الشيخ نور الدين ساكن الصخرية من اعمال فارسكور فارسكور الصخري الدمياطي المعروف بابي السعود بن أبي النور أستاذ من جمع بين طريقي أهل الباطن والظاهر من أهل عصره ولد بدمياط ونشأ بها بين صلحائها وفضلائها فحفظ القرآن واشتغل بالعلوم فتفقه بالشيخ حلال الدين الفارسكوري وتلقى المنهج تسع مرات في تسع سنين عن العلامة مصطفى التلباني وأخذ الطريق عن جمع من أكمل العارفين ثم ارتحل إلى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 القاهرة فلازم الضياء المزاحي فتفقه به وأخذ عنه فنونا وقرأ القارءات السبع والعشر عليه وأخذ عن العلامة يس الحمصي فنونا واجتهد ودأب واتقن وألف في القراءات وغيرها وعم النفع به وأخذ عنه جمع من الأفاضل. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف. ومات أحد الأئمة المشاهير الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد النخلي الشافعي المكي ولد بمكة وبها نشأ وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الثعالبي ومحمد بن سليمان والشمس البابلي وسليمان بن أحمد الضيلي القرشي والسيد عبد الكريم الكوراني الحسيني والشمس الميداني والشهاب أحمد المفلجي الوفائي والشيخ شرف الدين موسى الدمشقي والشيخ إبراهيم الحلبي الصابوتي والشيخ عبد الرحمن العمادي ومحمد بن علان البكري والصفي القشاشي والشيخ خير الدين الرملى وابى الحسن البازوري. توفي بمكة سنة ثلاثين ومائة وألف عن تسعين سنة. روى عنه السيد عمر بن أحمد والسيد عبد الرحمن ابن أسلم الحسيني والسيد عبد الله بن إبراهيم بن حسن الحنفي والشهاب أحمد بن عمر بن علي الدمشقي والملوي والجوهري والشبراوي والحنفي وحسن الجبرتي والسيد سليمان بن يحيى بن عمر الزبيدي والسيد عبد الله ابن علي الغرابي وإسمعيل بن عبد الله الأسكداري والشهاب أحمد بن مصطفى الصباغ. ومات الشيخ الإمام أبو العز محمد بن شهاب أحمد بن أحمد بن محمد ابن العجمي الوفائي القاهري خاتمة المسندين بمصر سمع على الشمس البابلي المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وجملة من الصحيح والجامع الصغير وغير ذلك وذلك بعد عوده من مكة المشرفة كما رأيت ذلك بخط والده الشهاب في نص اجازته لنادرة العصر محمد بن سليمان المغربي. حدث عنه العلامة محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشيخ أحمد بن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الحسن الخالدي وابو العباس الملوي وابو علي المنطاوي وولده المعمر أبو العز أحمد. ومات أبو عبد الله العلامة محمد بن علي الكاملي الدمشقي الشافعي الواعظ انتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا روى عن الشبراملسي وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والمزاحي والبابلي والقشاشي وخير الدين الرملي. توفي في خامس عشر ذي القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف عن سبع وقيل: عن تسع وثمانين روى عنه أبو العباس أحمد بن علي بن عمر العدوى وهو عال والشيخ محمد بن أحمد الحنبلي. ومات العلامة صاحب الفنون أبو الحسن بن عبد الهادي السندي الاثري شارح المسند والكتب الستة وشارح الهداية ولد بالسند وبها نشأ وارتجل إلى الحرمين فسمع الحديث على البابلي وغيره من الواردين. وتوفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة وألف. ومات الأجل العمدة بقية السلف الشيخ عبد العظيم بن شرف الدين بن زين العابدين بن محيي الدين بن ولي الدين أبي زرعة أحمد بن يوسف بن زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي الأزهري من بيت العلم والرياسة جده زكريا شيخ الإسلام عمر فوق المائة وولده يوسف الجمال روى عن أبيه والحافظ السخاوي والسيوطي والقلقشندي وحفيده محيي الدين روى عن جده وحفيده شرف الدين والد المترجم روى عن أبيه وعنه الأئمة أبو حامد البديري وغيره نشأ المترجم في عفاف وتقوى وصلاح معظما عند الأكابر وكان كثير الاجتماع بالشيخ أحمد بن عبد المنعم البكري ومن الملازمين له على طريقة صالحة وتجارة رابحة حتى مات سنة ست وثلاثين ومائة وألف وصلى عليه بالأزهر ودفن عند آبائه. ومات الشيخ العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي أبو محفوظ حفيد أبي الاخلاص شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن الآتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ترجمته في محله كان فقيها فاضلا محققا ذا تؤدة في البحث عارفا بالأصول والفروع. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة وألف. ومات العمدة الفاضل السيد محمد النبتيتي السقاف باعلوي وهو والد السيد جعفر الآتي ذكره أحد السادة الافراد أعجوبة زمانه ولد باليمن ودخل الحرمين وبها أخذ عن السيد عبد الله باحسين السقاف وكان يأخذه الحال فيطعن نفسه بالسلاح فلا يؤثر فيه وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتزيا بزي اشراف مكة. توفي بمكة سنة خمس وعشرين ومائة وألف. ومات الأجل الأوحد السيد سالم بن عبد الله بن شيخ بن عمر بن شيخ ابن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ولد بجدة سنة أحدى وثلاثين وألف تقريبا ثم رحل به والده إلى المدينة وبها حفظ القرآن وغيره ثم إلى مكة وبها سكن واشتغل على علي بن الجمال وعلى محمد بن أبي بكر الشلبي في سنة اثنتين وسبعين وألف إلى وقت تأليف الكتاب وجد في تحصيل المكارم والفضائل حتى بلغ الغايات ولبس الخرقة عن والده وعن المحبوب ولازمه وصحبه مدة وله نظم حسن. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ومات الحسيب النسيب السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ العيدروس ولد بتريم وبها نشأ وأخذ عن السيد عبد الله بافقيه وعن والده وعنه أخذ السيد شيخ العيدروس وغيره. توفي ثامن عشر شوال سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن عبد الرحمن المغربي ناظم كتاب الشفا والمنظومة المسماة درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان. توفي سنة أحدى وأربعين ومائة وألف. ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة الشيخ علي العقدي الحنفي ولد سنة سبع وخمسين وألف أدرك الشمس البابلي وشملته اجازته وأخذ الفقه عن السيد الحموي وشاهين الارمناوي وعثمان النحراوي والمعقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 عن الشيخ سلطان المزاحي وعلي الشبراملسي ومحمد الحبار وعبد القادر الصفوري ولازم عمه العلامة عيسى بن علي العقدي وتفقه به وبالبرهان الوسيمي والشرف يحيى الشهاوي وعبد الحي الشرنبلالي ولازمه في الحديث والعلوم العقلية أكابر عصره كالشهاب أحمد بن عبد اللطيف اليشبيشي والشمس محمد بن محمد الشرنبابلي والشهاب أحمد بن علي السندوبي وأخذ عنه الشمائل وغيرها واجتهد وبرع واتقن وتفنن واشتهر بالعلم والفضائل وقصدته الطلبة من الاقطار وانتفعوا به وكان كثير التلاوة للقرآن وبالجملة فكان من حسنات الدهر ونادرة من نوادر العصر. توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن ست وسبعين سنة وأشهر. ومات الإمام العلامة الشيخ محمد الحماقي الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وألف وتوفي بنخل وهو متوجه إلى الحج في شهر القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف. ومات الإمام المحدث العلامة والبحر الفهامة الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي قرأ عليه الرسالة وشرحها وكان معيدا له فهيما وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن ومولده سنة اثنتين وستين وألف أخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد القادر الواطي وعبد الرحمن الاجهوري والشيخ إبراهيم البرماوي والشيخ محمد الشرنبابلي وآخرين وله شرح على العزية في مجلدين. توفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة. ومات الجناب المكرم والملاذ المفخم محمد الدادة الشرايبي وكان إنسانا كريم الاخلاق طيب الاعراق جميل السمات حسن الصفات يسعى في قضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 حوايج الناس ويؤاسي الفقراء ولما ثقل في المرض قسم ماله بين أولاده وبين الخواجا عبد الله بن الخواجا محمد الكبير وبين ابن أحمد أخي عبد الله كما فعل الخواجا الكبير فإنه قسم المال بين الدادة وبين عبد الله واخيه أحمد وكان المال ستمائة كيس والمال الذي قسمه الدادة بين أولاده وبين عبد الله وابن أخيه وهم قاسم وأحمد ومحمد جربجي وعبد الرحمن والطيب وهؤلاء أولاده لصلبه وعبد الله بن الخواجا الكبير وابن أخيه الذي يقال له ابن المرحوم ألف وأربعمائة وثمانون كيسا خلاف خان الحمزاوي وغيره من الاملاك وخلاف الرهن الذي تحت يده من البلاد وفائظها ستون كيسا والبلاد المختصة به أربعون كيسا وذلك خلاف الجامكية والوكائل والحمامات وثلاث مراكب في بحر القلزم وكل ذلك أحداث الدادة وأصل المال الذي استلمه الدادة في الأصل من الخواجا محمد الكبير سنة أحدى عشرة ومائة وألف تسعون كيسا لما عجز عن البيع والشراء ولما فعل ذلك وقسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه بالثلث غضب عبد الله وقال: هو أخ لنا ثالث فقال أبو عبد الله لا يقسم المال إلا مناصفة له النصف ولك ولاخيك النصف وهذا الموجود كله لسعد الدادة ومكسبه فإني لما سلمته المال كان تسعين كيسا وها هو الآن ستمائة كيس خلاف ما حدث من البلاد والحصص والرهن والأملاك. فكان كما قال: وكان جاعلا لعبد الله مرتبا في كل يوم ألف نصف فضة برسم الشبرقة خلاف المصروف والكساوي له ولأولاده ولعياله إلى أن مات يوم السبت سادس عشر رجب سنة سبع وثلاثين ومائة وألف وحضر جنازته جميع الأمراء والعلماء وأرباب السجاجيد والوجاقات السبعة والتجار وأولاد البلد وكان مشهده عظيما حافلا بحيث أن أول المشهد داخل إلى الجامع ونعشه عند العتبة الزرقاء وكان ذكيا فهيما دراكا سعيد الحركات وعلى قدر سعة حاله وكثرة ايراده ومصرفه لم يتخذ كاتبا ويكتب ويحسب لنفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ومات الشيخ الإمام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الأوان محمد ابن محمد بن محمد الولي شهاب الدين أحمد بن العلامة حسن بن العارف بالله تعالى علي بن الولي الصالح سلامة بن أولي الصالح العارف بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين أبو حامد البديري الحسيني الشافعي الدمياطي مات جده بدير بن محمد سنة ستمائة وخمسين في وادي النسور وحفيده حسن ممن أخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أخذ أبو حامد المترجم عن الشيخ الفقيه العلامة زين الدين السلسلي إمام جامع البدري بالثغر وهو أول شيوخه قبل المجاورة ثم رحل إلى الأزهر فأخذ عن النور أبي الضياء علي بن محمد الشبراملسي الشافعي والشمس محمد بن داود العناني الشافعي قراءة على الثاني بالجنبلاطية خارج مصر القاهرة وإمام شرف الدين بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن يوسف جمال الدين بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والمحدث المقري شمس الدين محمد بن قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر والشيخ عبد المعطي الضرير المالكي وشمس الدين محمد الخرشي والشيخ عطية القهوقي المالكي والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي إمام الجامع الأزهر والشيخ المحدث العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي النقشبندي والمحقق شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد بن العلامة الشيخ عبد القادر المحلي والعلامة الشيخ سلامة الشربيني والعلامة المهندس الحيسوب الفلكي رضوان افندي ابن عبد الله نزيل بولاق ثم رحل إلى الحرمين فأخذ بهما عن الإمام أبي العرفان إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني في سنة أحدى وتسعين وألف والسيدة قريش واختها بنت الإمام عبد القادر الطبري في سنة اثنتين وتسعين وألف روى وحدث وافاد واجاد أخذ عنه الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 محمد الحنفي وبه تخرج واخوه الجمال يوسف والشيخ العارف بالله تعالى السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وهو من اقرانه والفقيه النحوي الأصولي محمد بن يوسف الدنجيهي الشافعي والعلامة عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن البشبيشي الشافعي الدمياطي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي. توفي المترجم أبو حامد بالثغر سنة أربعين ومائة وألف. ومات العلامة الهمام محمد بن أحمد بن عمر الأسقاطي الأزهري نزيل ادلب كان جل تحصيله بمصر على والده وبه تخرج وتفنن وصار له قدم راسخ وله مشايخ آخرون ازهريون وحصل بينه وبين والده نزاع في أمر اوجب خروجه إلى بر الشام فلما نزل ادلب تلقاه شيخ العلماء بها أحمد ابن حسين الكاملي فانزله عنده وأكرمه غاية الاكرام وأرشد الطلبة إليه فانتفعوا به جدا ولم يزل مفيدا على أكمل الحالات حتى مات سنة تسع وثلاثين ومائة وألف. ومات الشيخ العلامة الزاهد الياس بن إبراهيم الكوراني الشافعي ولد بكوران سنة أحدى وثلاثين وألف وأخذ العلم بها عن عدة مشايخ وحج ودخل مصر والشام وألقى بها عصا التسيار عاكفا على اقراء العلوم العقلية والنقلية وكان على غاية من الزهد وروى عنه شيوخ العصر كالشيخ أحمد الملوي والشهاب أحمد بن علي المنيني وله المؤلفات والحواشي. توفي بدمشق بمدرسة جامع العراس بعد العصر من يوم الأربعاء لاربع عشرة ليلة بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من قبر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله. ومات الإمام العالم العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن علي المعمر الكاملي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وأربعين وألف وأخذ العلم عن جماعة كثيرين وروى وحدث وانتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحا وإذا عقد مجلس الوعظ تحت قبة النسر غصت اركانها الأربعة بالناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وكان يحضره في دروس الجامع الصغير كثير من الافاضل وتزدحم عليه الناس العوام لعذوبة تقريره روى عنه ولده عبد السلام ومحمد بن أحمد الطرطوسي والشيخ أبو العباس أحمد المنيني. توفي في منتصف القعدة سنة أحدى وثلاثين ومائة وألف. ومات الأستاذ بقية السلف الشيخ مصلح الدين بن أبي الصلاح عبد الحليم بن يحيى بن عبد الرحمن بن القطب سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس سره جلس على سجادة أبيه وجده وكان رجلا صالحا مهيبا مجذوبا. توفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وألف ولم يعقب إلا ابنته وابن عمة له وهو سيدي عبد الرحمن استخلف بعده وابن اخت له من إبراهيم جربجي باشجاويش الجاويشية جعلوا لكل منهم الثلث في الوقف وحرر الفائظ اثني عشر كيسا. ومات الأستاذ المجذوب الصاحي الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الروحي الضماطي الشناوي الجمال كان والده جمالا من اتباع المشايخ الشناوية وحفظ القرآن بالذكر والعبادة إلى أن حصل له جذبة وربما اعتراه استغراق وكان من أكابر الأولياء أصحاب الكرامات. توفي في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وألف. ومات الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبناء خاتمة من قام باعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية ولد بدمياط ونشأ بها وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره ثم ارتحل إلى القاهرة فلازم الشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسي فأخذ عنهما القراءات وتفقه بهما وسمع عليهما الحديث وعلى النور الاجهوري والشمس الشوبري والشهاب القليوبي والشمس البابلي والبرهان الميموني وجماعة آخرين واشتغل بالفنون من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أحد من أمثاله ثم ارتحل إلى الحجاز فأخذ الحديث عن البرهان الكوراني ورجع إلى دمياط وصنف كتابا في القراءات سماه اتحاف البشر بالقراءات الأربعة عشر ابان فيه عن سعة اطلاعه وزيادة اقتداره حتى أن الشيخ أبو النصر المنزلي يشهد بانه ادق من ابن قاسم العبادي واختصر السيرة الحلبية في مجلد وألف كتابا في اشراط الساعة سماه الذخائر المهمات فيما يجب الايمان به من المسموعات وارتحل أيضا إلى الحجاز وحج وذهب إلى اليمن فاجتمع بسيدي أحمد بن عجيل ببيت الفقيه فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين وتلقن منه الذكر على طريق النقشبندية وحل عليه أكسير نظره ولم يزل ملازما لخدمته إلى أن بلغ مبلغ الكمال من الرجال فاجازه وأمره بالرجوع إلى بلده والتصدي للتسليك وتلقين الذكر فرجع وأقام مرابطا بقرية قريبة من البحر المالح تسمى بعزبة البرج واشتغل بالله وتصدى للارشاد والتسليك وقصد للزيارة والتبرك والاخذ والرواية وعم النفع به لا سيما في الطريقة النقشبندية وكثرت تلامذته وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا ائمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم. ولم يزل في اقبال على الله تعالى وازدياد من الخير إلى أن ارتحل إلى الديار الحجازية فحج ورجع إلى المدينة المنورة فادركته المنية بعد شيل الحج بثلاثة أيام في المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع مساء رحمه الله. واما من مات في هذه الاعوام من الأمراء المشاهير فلنقتصر على ذكر بعض المشهورين مما يحسن ايراده في التبيين إذ الأمر اعظم مما يحيط به المجيد فلنقتصر من الحلى على ما حسن بالجيد ما وصل علمه إلي وثبت خبره لدي إذ! في أحوالهم متعذر والدواء من غير حمية غير متيسر ولم اخترع شيئا من تلقاء نفسي والله مطلع على أمري وحدسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 مات الأمير ذو الفقار بك تابع الأمير حسن بك الفقاري تولى الصنجقية وامارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج أحدى عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة وألف. ومات ابنه الأمير إبراهيم بك تولى الإمارة بعد أبيه وطلع اميرا على الحج سنة ثلاث ومائة وألف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الاحمر وساقوا منهم نحو ألف بعير ونهب بيوتهم واحضر الجمال إلى قراميدان واحضر أيضا بدنة اخرى شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم اغا الصعيدي زعيم مصر اخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في أمن وامان. وتاقت نفسه للرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان وكان بيد القاسمية فاعمل حيلة بمعاضدة حسن اغا بلغيه واغراء علي باشا والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم افندي صناجق ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما راى رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلدوه سردار جداوي وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولدا اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالازبكية المجاور لبيت الدادة أبي القاسم الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك محمد باش اوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفه في باب مستحفظان فعزم على قطع بيت القاسمية فاخرج ايواظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 بك إلى اقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحا ليلا ونهارا لقضاء الحوايج مع مشاركة الأمير حسن اغا بلغيه ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم اميرا على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج خمس مرات. ومات الأمير إسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن اغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر ثم عزل وسافر أميرا على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر واعيد إلى الدفتردارية ثانيا ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف. ومات الأمير حسن اغا بلغيه الفقاري اغات ككللويان واصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثماني وألف ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف وكان أميرا جليلا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بارض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم أمر من الأمور الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركا له وتزوج بابنه إسمعيل بك الكبير المذكور آنفا وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة وثلاثين ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجا عنده وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية وغالب أمراء مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف. ولم يترك أولادا بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك اباظه وشعبان بك أبا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا بعده في فتنة القاسمية بالطرانة. واما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى إمارة الحج عدة سنين وكان رجلا صالحا ملازما للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفا على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات وكان من الفقارية. واما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناشر السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضا عم إبراهيم بك بشناق المعروف بابي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده ازبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بامارة مصر نحو سبعة أشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا بالعيد فغدره وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف ولم يزل حسن اغا بلغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة. ولما مات حسن اغا انفرد بالكلمة بعده صهره إسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف. ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع لامير حسن اغا بلغيه أصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 رومي الجنس حضر إلى مصر وخدم عند حسن اغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش اوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز فأقام بها سنتين إلى أن ترجى حسن إنما عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه إلى مصر فأقام مع كجك محمد خاملا فاغرى به رجلا سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابا فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر فاصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات كجك محمد المذكور باش اوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة. ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد إلى بولاق وجلس بالتكية واحضر الامناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم واجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا يمنكهم زيادة في الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمة ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق مرجوش يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة اخذها معه مع مفتاح الصندوق وسافر إلى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه احبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له: إنه طيب بخير فأخذ شيئا من التمر واللبان والليف ووضعه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل فقال له: من أنت فإني لا اعرفك قبل اليوم حتى تهاديني. فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الامانة فجحد معرفته وانكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في امره وضاق صدره فأخبر بعض أصحابه فقال له: اذهب إلى كجك محمد اوده باشه. فذهب إليه واخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة واعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى بيته وقف عند باب الحريم واعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والامانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلا جواهرجي اودع عندك صندوقا امانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة راسك ليس له أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا اعرفه قبل ذلك ولا يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين ايديهما فامتنع وجه الفيومي واسفر لونه فطلب الأودة باشه صاحب الصندوق فحضر فقال له: هذا صندوقك قال له: نعم. قال له: عندك قائمة بما فيه قال: معي. وأخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال له: خذ متاعك واذهب. فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له: صاحب الامانة اخذها وأيش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 واتفق أن أحمد البغدادي أقم مدة يرصد المترجم يمر من عطفه النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر واخبروه انها من يد البغدادلي فاعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش اوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وارادوا قتله فخرج من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين وألف وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانا خطابا لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد موت أحمد جاويش بعشرة أيام ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش اوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة سبع وتسعين وألف فاستوحش من سليم افندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري واتفق معه على هلاك سليم افندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم افندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوما وسافر اميرا على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية واستمر اميرا إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه. ومات الأمير سليمان بك الارمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة وألف وكان وجيها ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مرارا عديدة ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على فراشه سنة أحدى وعشرين ومائة وألف وخلف ولدا يسمى عثمان جلبي تقلد إمارة والده بعده وكان جميلا وجيها حاذقا يحب مطالعة الكتب ونشد الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسا شجاعا ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة سبع وعشرين ومائة وألف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيا إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة وألف وخرجوا بمشهده جهارا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة. ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة وألف فمكث خمس سنوات اميرا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة وألف ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر وألف. ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف وعمل قائمقام عندما عزل أحمد باشا الدفتردار وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور واليا على مصر في سنة ست وثمانين وألف واشيع عنه بأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قصده أحداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح افندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بانه هو الذي اغرى الباشا على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة وقالوا لهم لا بد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعا. فطلعوا إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم إلى قريب العصر فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي باشا بالصليبة وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا في سادس جمادي الآخرة من سنة سبع وثمانين وألف ولم يزل المترجم اميرا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك الفلاح تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات سنة ثمان ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك تولى الإمارة سنة ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف. ومات الأمير كتخدا عزبان البيرقدار وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في اشغالهم. وظهر في أيامه أحمد اوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه بمنزله ناحية المظفر. ومات أيضا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف. ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغا ويقال له باللغة التركية قيومجي فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان وكان المشارك لأحمد جربجي في الكلمة على جاويش المعروف بظالم علي وإلى إلى أن لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وانزل علي كتخدا إلى الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه جماعة منهم ومن اعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بان يكون اختياريا وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع أحمد كتخدا معززا إلى أن مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة وألف وكان سخيا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج بفخذه الايسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو اوده باشا. ومات الأمير الكبير المقدام ايواظ بك والد الأمير إسمعيل بك وأصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى ايواظ فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد فابدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع ازبك بك أمير الحاج سابقا ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى الإمارة عوضا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطابا لحسين باشا والي مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان واجلائهم عن البلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الأمراء والاغوات وأمرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعا وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على اخراج تجريدة واميرها ايواظ بك وصحبته ألف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة فأجابهم إلى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللامير عشرة أكياس وخلع عليه الباشا قفطانا وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادي الأخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين. فبات به وأصبح متوجها إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الامداد فعمل الباشا ديوانا وجمع الأمراء واتفقوا على ارسال خمسة من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالا وإسمعيل بك الدفتردار وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده واغوات الأسباهية الثلاثة واتباعهم وانفارهم. فتهيأوا وسافروا ونزلوا بالجيزة وأقاموا بها أياما فورد الخبر أن ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وفروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الأمراء إلى مصر. وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكسبهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم أربعة وسبعين رجلا وطلع برؤوسهم إلى الديوان ثم ورد الخبر بان جمع أبي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالاموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى اخربوها واغلوها وانقطعت السيارة فالجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من اسنا وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة. وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك اغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجز منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف فاثخنوهم قتلا ونهبا وأخذوا منهم الفا وسبعمائة جمل باحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا ارضا قاتلهم أهلها إلى أن نزلوا الفيوم بالغرق وافترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى المنوفية. واما ايواظ بك فإنه من حين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك فإذاقهم اضعاف ذلك وحضر ايواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا إلى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية ونزلوا إلى منازلهم في ابهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلاد الحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله واميرها ايواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته السدادرة وسار برا في غير أوان الحج ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة القدم والجدد وحاربوا الشريف سعدا وهزموه وملك دار السعادة واجلس الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان اغا ولده وكان خازنداره وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بانه يكون حاكم جدة وكانت إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئا كثيرا. وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر. وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك أنه اشتدت الفتنة بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه نزل ببيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 آقبراي وحارب المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من انضم إليه من اتباع إبراهيم بك وأيواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وانتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب اماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والاشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وأقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب واغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم افرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام وصار قانصوه بك يرسل بيولديات وتنابيه وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد واشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء والصناجق والاغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج أيوب بك هاربا وكذلك منزل أحمد اغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضا محمد اغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك الكبير وأحمد جربجي القنيلي واحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي اثناء ذلك خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى ايواظ بك فركب مع من معه ورفع القواس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر فقالوا للصنجق كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقا آخر وسار إلى جهة القبر الطويل فظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك اجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن ايواظ بك بتربة أبي الشوارب وكان اميرا خيرا شهما حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد البشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته وما وقع له ولاخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار وغيره. ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في اثارة الفتننة المذكورة وتولى كبرها مع افرنج أحمد وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه معينا ومعه من ذكر من اخلاط العالم وحصل ما حصل وأصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذي الفقار سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربا مع من هرب إلى جهة الشام وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف طريدا غريبا وحيدا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر وخلف من الأولاد الذكور الإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا فقراء لأن ماله انتهب في الفتنة. ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى إمارة الحج سنة سبع عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة أحدى وعشرين ومائة وألف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الدفتردارية واستمر فيها إلى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة وألف قتله عابدي باشا وذلك أنه لما حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان إذ ذاك امين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه فقالوا هذه قضية ليس لاحد فيها جنية وإنما قيطاس بك وأيوب بك من بيت واحد وكان أيوب بك اعظم فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم ايواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضا كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا واراد قتلنا عند ام اخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم اذنابها. فقال الباشا يكون خيرا. ولما استقر الباشا وتقلد إسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله سرا إلى الباشا وكلمه في ادارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا فروة سمور وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فحضر في بعض الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: اين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك. فقال أنا في الخفر بسبيل علام. فقال الباشا وسبيل علام هذا بلد والاقلعة فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء. فقال الباشا احب أن ارى ذلك. فقال حبا وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال: كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وادع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبته. فقال كذلك. فأرسل إبراهيم أبو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك أقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان. فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخداه محمد اغا الكور فقال هذا عدو فلا تأخذ منه نصحية فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف اتباعه وعسكره. فلما حضر قيطاس بك قال له: الباشا من الشباك اطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس فهجم عليه اتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا راسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في الحال وطلع إلى القلعة. فشاله اتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى سبيل علام اخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فاتوا صيوان قيطاس بك الاعور وكان طالعا بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم ياخذون بثأره فأتى وقال: إنه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وانتم فيكم البركة فساروا إلى بيت أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش واحضروا راس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وعثمان بك سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له أمر وهرب محمد بك إلى بلاد الروم وسيأتي خبره في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفا وثارت فتنة عظيمة بعد قتل قيطاس بك بين الينكجرية والعزب وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش أغراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين وإبراهيم باش اوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثأر أخيه حسين وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وانزلوا رممهما في صبحها إلى بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام واحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى راسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف. ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة إسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني. فانه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل عمل عرسا عظيما لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف وهادنه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهما عظيما استمر عدة أيام لم يتفق نظيره لاحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الاحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وانواع الزينة ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية واتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية واغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والاغا والوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي اوسلعهم الحازم الزردخان وابو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلا ونهارا وجنك اليهود بديوان قايتباي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان وابواب القلعة مفتوحة ليلا ونهارا وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم واجناسهم أمراء واعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلا ونهارا. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الأغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشيا. ثم خلع الخلع والفراوي وانعم بحصص وعتامنة على أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وانعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لإبراهيم بك وحسن افندي وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة صنجقين لشخصين يكونان اشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على يوسف اغا المسلماني وعبد الرحمن اغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه واشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما رنك وسعاة ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع. ثم إن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع بلاد من التي أخذها من المحاليل في اقليم البحيرة وهي امانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل الناظر على ذلك خازنداره وارخى لحيته واعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد اغا إلى اسلامبول لتنفيذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ذلك وسافر على الفور. وعندما وصل إلى اسلامبول أرسل مقررا لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير اخور فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وأيواظ بك وقانصوه بك وإسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن اغا بلغيه والاغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على اشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث انهما فعلا ذلك أنا اطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين كيسا. فلاطفه إبراهيم بك وحسن افندي فلم يرجع وأمر بكتابة فرمانين وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل امير. فقال عبد الرحمن بك أنا لم اطلب هذه البلية حتى ياخذ مني عليها هذا القدر. ولما حضر الأغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد الرحمن بك معا إلى حسن اغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان اشتراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة ايواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا واغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك باتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه فإنه هو الذي سعى في عزله وابطال وقفه وانسلخ من الفقارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه ذلك وسعوا في عزله من جرجا ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن اغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه القازدغلي وحسن اغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للاغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف اطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال أنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئا أخذه وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن اغا بلغيه والقازدغلي واضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة فلاعفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم واثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: أنا لست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع إلى المقعد فاصيب أيضا ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم. ومات الأمير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 سنة ثمان ومائة وألف وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا أمر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وإن وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس. فاجتمع أهل الأسواق ودخلوا الجامع الأزهر وشكوا أمرهم للعلماء وألزموهم بالركوب إلى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه إلى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الأشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الأمراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الأشراف وكبار العلماء. وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة. واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف وإن صرف الكلب بثلاثة وأربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الأسعار. وشرط عليهم ابطال. الحمايات وعدم معارضته في شيء. وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الأبواب. وأخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع إلى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة أوراق بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة وأربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة وأربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة وأربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة وأربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين وأربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف وأربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين وأربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف وأربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة أواق بجديدين والكشكار ستة أواق بجديدين. وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الأغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وأمر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر شيخ الصيارفة وأمرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس وأعلمهم أنه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره. وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها. وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وإمامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة. وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 القبانية بان لا أحد يزن في بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا أو قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف أو يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد. ولم يقف أحد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا إلا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة أن تطل من طاقة واتفق أن إسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الأغا فقيل له: أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الأولى سنة تسع عشرة ومائة وألف وتولى أحمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في أيام الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات علي اغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضا وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة وأربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وإن لاتباع الأبرار الضرب وقفل دكاكين الصواغين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ومات الأمير الكبير إبراهيم بك المعروف بأبي شنب وأصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الأمراء الكبار المعدودين تولى إمارة الحج سنة تسع وتسعين وألف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر. وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة أربع وألف. ولما ركب بالموكب خرج إمامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لأنه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد. وكان إذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى يقول له: أخذت نصيبك في المحل الفلاني. ثم رجع إلى مصر في شهر ذي الحجة وطلع إلى الأسكندرية ووصل خبر قدومه إلى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون ألف فضة ولما وصل إلى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه إلى داره وذهبت إليه الأمراء والأعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت إبراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك إلى اقليم البحيرة وقانصوه بك إلى بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. ولما حضر إبراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق إبراهيم بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي إذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر ألف إردب وأربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل إليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا أنذره من الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله. ففات العصر ولم يطلع فأرسل الباشا إلى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة وامره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين وإلى الوالي والعسس وأوده باشا البوابة يجلس عند بيت إبراهيم أبي شنب. واشبع ذلك وضاق خناق إبراهيم بك أبي شنب واغتنم جيرانه وأهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر إليه بعض أصحابه يؤانسه مثل إبراهيم جربجي الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا وأحمد افندي روزنامجي سابقا. فهم على ذلك وإذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره أن مسلم إسمعيل باشا أمير الحاج الشامي ورد إلى العادلية وأرسل جماعة جوخدارية بقائمقامية إلى إبراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم. وفي التذكرة أن كان غدا أول توت ندخل وإلا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان أحمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى إسمعيل باشا حاكم الشام وأرسل مسلمه بقائمقامية إلى إبراهيم بك فسأل الصنجق أحمد افندي عن أول توت فأخبره أن غدا أول توت. فقال لأحمد كاشف الاعسر: خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين واذهبوا إلى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر. ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار: دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله أن الصنجق اختل عقله عارف أنه ميت ويدق النوبة. ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الأغا وطلع إلى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر إليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله إلا الله. وتعجب في صنع الله ثم قال: هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع. ودخلوا إليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل إلى داره ووصل الخبر إلى إسمعيل بك الدفتردار فركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 اسمعيل بك إلى إبراهيم ذي الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الأمراء وذهبوا إلى إبراهيم بك يهنوه وكذلك بقية الأعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط. وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها إلى 1121 ثم عزل وتقلد إمارة الحج ثم أعيد إلى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل إلى أن مات بالطاعون سنة 1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره. ومات افرنج أحمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة. وحاصلها على سبيل الاختصار هو أن افرنج أحمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور أمر المترجم ونفذت كلمته على أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا. فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل إلى مصر والتجأ إلى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا: لا بد من خروجه إلى محل ما كان. ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وإن يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش. وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا إسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف وأحمد جربجي تابع باكير أفندي وإبراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم إلى قرى الأرياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع إلى بابه وركب الحمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ثانيا وصار أوده باشا كما كان. وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول: عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار أكله الحصان. ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم أن المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا إلى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع إلى بابهم وذلك أن الوجاقات الستة وبعض الأمراء الصناجق أرادوا رجوع المذكورين إلى باب مستحفظان وإن افرنج أحمد يلبس حكم قانونهم أو يعمل جربجي وإن كور عبد الله اوده باشا يرجع إلى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج أحمد وعضده أيوب بك وانضم إليهم من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها فرقتين وجرى ما لم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور. وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة أشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية. وقتل في اثنائها الأمير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب أيوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا وإسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم إلى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الأمراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم أرسلوهم عند الغروب إلى منازلهم وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في أيام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من الغلال والابقار والأغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والأوز والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه. ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 غيظ افرنج أحمد عمد هو أيضا إلى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج أحمد ووقع غير ذلك أمور يطول شرحها. ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته إلى مصر فقلدوا ابنه إسمعيل بك في الإمارة عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر. ومات الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان إنسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره أنه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن بماله وأضافها إليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش. ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت إمامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام. توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل. وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف إنسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله. ومات الأمير إبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف وشارك في الكلمة أحمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل أكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة أحمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه إبراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن أرباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الأكابر والأصاغر الغاية وكان يخشاه أمراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره. وسبب تسميته بالصابونجي أنه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته إلى أن مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره. وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان إذ ذاك جربجيا بباب عزبان. ومات الأمير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية في سنة 1123 أيام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام إذ ذاك. وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لأخذ ثأر سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين. وجمع الناس ورتب الأمور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته إسمعيل بن أستاذه واتباعهم وطلع إلى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف دينار وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم إليه إلى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان إلى السواقي. واستمر يخرج إلى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الأمور وينفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الأموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الأمر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم. وتقلد المترجم إمارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا. ولما حقدوا على إسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في أيام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد أن اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الأمر واختفى إسمعيل بك ودخل منهم من دخل إلى مصر سرا ووزع المماليك والأمتعة على أرباب المناصب والسدادرة وأشاع ذهابهم إلى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال أرباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم إليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار إسمعيل بك واخيه إسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي أرباب الحل والعقد وأبرز لهم إسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر إسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من إمارة الحج ثم عزل عنها واستمر أمير مسموع الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار. ولما مات قلدوا مملوكه إبراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه. ومات الأمير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه إلى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الإمارة والصنجقية بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات. ولما حصلت الفتنة في أيام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار إليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام أحدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا إلى مصر فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته لتابعه الأمير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده. ومات الأمير إسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية وأصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات إسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة 1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل إسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته إسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان أصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك جركس. وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان إسمعيل بك المذكور ونزل إلى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله. ومات الأمير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وكان مصاهر لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الا أنه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش إلى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الإمارة أربعا وعشرين سنة. ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين إسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس. فلما هرب جركس هو أيضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131. ومات الأمير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الأقاليم مرارا عديدة وسافر إلى الروم أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر إلى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة. فكانت مدة إمارته ثلاثا وعشرين سنة. واستمر مجاورا بالمدينة أربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن بالبقيع. ومات الأمير يوسف بك المسلماني وكان أصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم إمارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين. ثم رجع وسافر بالعسكر إلى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك دمياط وذهب إليها وأقام بها إلى أن مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان. ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الإمارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116. ومات الأمير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الإمارة بعد سيده سنة 1117 وتولى إمارة جرجا وحكم الصعيد مرتين. وكان من أخصاء أيوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة وأرسل إليه أيوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر إلى مصر ومعه الجم الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك إلى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133. ومات الأمير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الأمير ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف أموال أبيه وكانت كثيرة جدا وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا إلى أن لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع إلى مصر اميرا واستمر في إمارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال. ومات الأمير أحمد بك الدالي تابع الأمير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان الإمارة على العسكر المسافر إلى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع إلى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ومات كل من الأمير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف وإبراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك أنه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك. ومات أيضا كل من الأمير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله وذلك أنه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وإبراهيم الباش كما تقدم وذلك في أواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثأر أخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من أهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما إلى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت. وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة أيام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به إلى عابدي باشا. فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه إلى بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة. وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه إلى بيته بسوق السلاح. ومات أيضا محمد كتخدا كدك المذكور فإنه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132. ومات الأمير أحمد بك المسلماني ويعرف أيضا باسكي نازي وكان أصله كاتب جراكسة وكان يسمى بأحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين إسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ إلى محمد بك جركس. فلما هرب جركس في المرة الأولى اختفى أحمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر أحمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم إلى مكة لاجراء الصلح بين الأشراف فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع إلى مصر ومكث بها مدة إلى 1136 فأرسلوه إلى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه. فلما توجه إلى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا إلى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136. ومات الأمير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الأعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه في جمادى الاخرة سنة 1133. ومات الأمير إبراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان أيضا من الأعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما خرجهما إسمعيل بك بن ايواظ إلى الكشيدة كما تقدم الأشارة إلى ذلك. فلما قتل إسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا إلى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل إبراهيم افندي المذكور إلى دمياط وأهين ومكث هناك أشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر إسمعيل باشا واليا على مصر في سنة ست ومائة وألف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع إبراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين ألف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه. وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من أرباب الصنائع صنعوا له ما أراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك أموالا عظيمة وباقي اثر ذلك إلى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي. ومات الأمير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلاردار السعادة تولى الإمارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل إسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية أربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا إلى أن توفي سنة 1142. ومات الأمير المعظم والملاذ المفخم الأمير إسمعيل بك بن الأمير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والإمارة نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الإمارة الصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها أهلا ومحلا وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 بك فإنه لما أصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما أصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك وأحمد كاشف وأخذوا معهم المترجم وذهبوا إلى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده إبراهيم بك أبا شنب وأحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في أمرهم وما يؤول إليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار إلى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له: لأي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة وأصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وأمير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء. ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته إسمعيل بك ومن معهم إلى بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا أمورهم وركبوا في صبحها إلى باب العزب وأخذوا معهم الأموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في الثلاثة أيام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك. وكان الفاعل لذلك أيوب بك وقصده حتى يرتب أموره في الثلاثة أيام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الأمر ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الأموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج أحمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركا لإبراهيم بك أبي شنب وقيطاس بك في الأمر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول إسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية إلى أن حضر عابدي باشا وأرسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده إسمعيل بك وجعله امين السماط. ولما وصل الباشا إلى العادلية وقدمت له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال بكليته إليه ثم أنه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه أن مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وإن قيطامس بك وأيوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ إليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه أموالا وتجندلت من رجاله أبطال إلى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا. وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد إبراهيم بك الدفتردارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال إلى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك أبي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات باحضار محمد بك جركس وإن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول إلى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه وأكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه أحمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال: إنه دخل إلى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال إلى جركس واحضاره إلى مصر ففعل وحضر إلى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس إليه كلاما في حق المترجم وقال له: إن أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة فإن الأمراء والدفتردارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم بك أحضر محمد جركس واخفاه وكان إسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان خروج إسمعيل بك بالحج من مصر وأرسل رجب باشا مرسوما إلى أحمد بك الاعسر وجعله قائمقام وأمره بانزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها إلى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ. وأما ما كان من أمر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فإنه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا إسمعيل بك الدفتردار وإسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة إلى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الأعسر دفتردار. ولما وصل المتوجهون إلى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن ايواظ وإسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له: لأي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه. فقال لا إله إلا الله كيف أنكم تتركون البلد وتأتون إما تعلموا أن لنا أعداء والعثمانية ليس لهم أمان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا إلى مصر وبعد أيام وصل مرسوم بالأمان والرضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك أنه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند إسمعيل بك فيقول له: اطرد الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي إلى أن ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع إلى كتخدا الباشا وشكا إليه حاله فقال له: وما الذي تريد نفعله قال: اريد أن أقتل ابن ايواظ عندما يأتي إلى هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه إلى مطلوبه على شرط أن لا يدخلنا في دمه. فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب أن يكون ذلك بحضوره هو وإبراهيم بك فارسكور فأجابه إلى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال إلى إسمعيل بك فأخذه وشرع يقرأ فيه وإذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب إسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا أيضا إسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة إلى باب الينكجرية وقطعوا راس الأميرين وشالوا جثثهما إلى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن أبي الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136. ثم أرسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما أيضا وانقضت دولة إسمعيل بك ابن ايواظ. وكانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أيامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في أمن وأمان من قطاع الطريق وأولاد الحرام وله وقائع مع حبيب وأولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الأحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الأمور وله عدة عمائر ومآثر منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط وانشأ مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن. ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر إليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135. ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في أوانها ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في أوانها ويرسل خلافها على هذا النسق. ولما بلغ خبر موته لأهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك أهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع أمير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بأنواع الرخام الملون وصرف عليه أموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة إلى البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت أحداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة أشهر ومات وولدت الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت. ومات الأمير إسمعيل بك جرجا وكان أصله خازندار ايواظ بك الكبير وأمره إسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بك أبي الشوارب. ومات كل من الأمير عبد الله بك والأمير محمد بك بن ايواظ والأمير إبراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك أنه لما قتل الأمير إسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الأمراء المقتولين ومماليكهم إلى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم إسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير. وكان كتخداه في حياته وقلده إسمعيل بك الإمارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين. فلما وقع ذلك انضموا إليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده إسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون أنه أن استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل أمرائهم. وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم إسمعيل بك إلى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الأمرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية. ونزل إلى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها أنه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم. فكتب جركس تذكرة إلى عبد الله بك وأرسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس إلى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي: خذ محمد بك وإبراهيم بك واذهبوا إلى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وارجعوا فأخبروني بما يقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم إلى تنهة المجلس وأرسل في الحال إلى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له: أرسل إلى عبد الله بك واطلبه فإن طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة. فأرسل الكتخدا يقول لجركس أن لا يتعرض لعلي بك الهندي لأن السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لأنه امين العنبر وناصح في الخدمة. وأرسل في الحال تذكرة إلى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه أمر هذه القضية وقتل قاتل المرحوم. فراج عليه ذلك الكلام والتمويه. وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا: اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع إلى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام إلى العصر وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه إلى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه إلى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك وأراد الانصراف فقال له: كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه. وقام يستأذن له ودخل ورجع إليه وقال له: إن الباشا لا يخرج من الحريم إلا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا في الليل. وحسن له ذلك وتركه إلى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن أبي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وإبراهيم بك فرسكور وأحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك إسمعيل وقلده أمير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا إلى بيوتهم. وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى أمر الديوان ولم ينزل. فاستمروا في انتظاره إلى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا له: م أنه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وأرسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي إلى بيت كتخدا الباشا فقعد به إلى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية إلى عبد الله بك فأخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه إلى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان وساروا به إلى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن ايواظ وإبراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياما. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول سنة 1136. ومات عبد الله بك وهو متقلد إمارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن. ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان أصغر من أخيه المرحوم. ومات الأمير قاسم بك الكبير وهو مملوك إبراهيم بك أبي شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الإمارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في أيام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه إلى إسمعيل بك ونفاه إلى قبرص اتفق محمد بك ابن أبي شنب مع قاسم بك سرا على أحضاره إلى مصر وسافر محمد بك إلى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل إسمعيل بك وأرسل في الخفية واحضره إلى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ذكره. ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في بيته أصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر إليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138. ومات الأمير قاسم بك الصغير وهو أيضا من اتباع إبراهيم بك أبي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل إسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه أيضا وفي إسمعيل بك جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137. ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس. ومات الأمير إبراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا أبو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في أيام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس. ومات الأمير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير القاسمي وأمره ابنه إسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل إسمعيل بك في غيابه فلما حضر إلى مصر خلع عليه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر إلى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه إلى ناحية الآثار وخرجت الأمراء والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا إلى منازلهم. ثم أنه قال للطوائف والأتباع: اذهبوا إلى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى. ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة إلى جهة سبيل علام إلى الشرقية ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى بلاد الشام ومنها إلى بلاد الروم هذا ما كان من امره. واما جركس فإنه أحضر علي بك وقاسم بك وعمر بك أمير الحاج وأمرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فأخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل إلى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان وأخذ مكتوبا من أغات دار السعادة خطابا إلى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له الفائظ كل سنة واستمر هناك إلى أن مات. ومات الأمير الشهير محمد بك جركس وأصله من مماليك يوسف بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107 اخذه إبراهيم بك أبو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم إمارة جرجا وسافر إلى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع إسمعيل بك وصناجقة إلى باب العزب وطلب جركس إلى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه أسيرا إلى إسمعيل بك فاشاروا عليه بقتله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فأبى وقال: إنه دخل حيا إلى بيتي فلا سبيل إلى قتله. وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته وأكرمه واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور وألف دينار ونفاه إلى قبرص حسما للشر. واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن أبي شنب ابن أستاذهم واتفقوا على أحضار جركس سرا إلى مصر. وسافر ابن أبي شنب بالخزينة إلى دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم أربعة آلاف كيس على ازالة إسمعيل بك وعشيرته. ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا. وحضر جركس إلى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة إسمعيل بك. ونجا إسمعيل بك أيضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم. ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته. وصفا. وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من أقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول أحد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء والأولاد. وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات وأرسلها إلى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الأشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه أو دخول منزله. ووصل الخبر إلى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وأرسلها إلى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب إليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم: تكونوا معي أو أقتلكم جميعا. فلم يسعهم إلا أنهم قالوا: له جميعا نحن معك على ما تريد. فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار. ثم إنهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان أراد الإفساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم وأخذ أموالهم فم إذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء. فأخذ الفتوى منهم وقام وأخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وإبراهيم كتخدا عزبان ودخل إلى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما أصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة أرسل أحمد بك الاعسر إلى الباشا يقول له: أنت تنزل أو تحارب وكان أرسل قاسم بك الكبير إلى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا إلى مكانا انزل فيه. ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة إلى بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا أحد من المعوقين سوى قاسم بك وأحمد بك. ثم أنه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه أنه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين ألف اردب وختم عليه القاضي أيضا وأرسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137. ولما فعل ذلك أقام محمد بك الدفتردار ابن أستاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع إلى القلعة إلا في يوم نزول الجامكية. ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن أخي قاسم بك الصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية أيضا وكذلك أحمد الخازندار مملوك أحمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع أحمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع قائمقام في بيته. ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع إلى القلعة فلم يقابله جركس إلا في قصر الحلي وكمل له من الأمراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات. ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل إسمعيل بك انضم إليه كثير من الفقارية وسافر إلى المنوفية فاراد أن يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر إلى أن حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا. وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى أنه وجد به من صنف الحديد أكثر من ألف قنطار ومن الغنم ازيد من الألف خروف. وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والأمتعة ونهبوها هدموه وأخذوا اخشابه وشبابيكه وأبوابه. ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره. ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد أقام يعمر فيه نحو أربع سنوات فخرب جميعه من الظهر إلى قبيل المغرب. وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه أيضا ونهبوا دياره. واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الأمراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم إلى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه وأخذوا له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مرسوما بالعودة إلى مصر واخذها أن قدر على ذلك بعد أن عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل. ولم يرض إلا بالعودة إلى مصر فوصل إلى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع إلى درنة فطلع من هناك وأمر الرؤساء بالذهاب بالسفينة إلى ثغر اسكندرية. وحضر إليه بعض أمرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب إلى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب إلى الأسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فأخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع إلى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار إلى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف فأخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل إليه وقابله ثم سار إلى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وأرسل إلى سليمان بك وطلبه للحضور إليه بمن عنده من القاسمية فعدى إليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو. وحضر إليه أحمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر إلى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم إلا من دخل تحت بيارق العسكر. ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم إلى ذي الفقار بك فعمل جمعية وأخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا إلى ام خنان وصحبتهم الخبيري. وساروا إلى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك أن لم تتداركوا امركم وإلا دخلوا عليكم البيوت. فجمع ذو الفقار بك الأمراء واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا إلى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري أو من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرمانا وجهزوا أمر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا أمورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند أبي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة وأخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب وأتى بهم إلى مصر وقطعوا رؤوسهم وأرسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياما ثم عدى إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فإنه خلع لجام الحصان واراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتا وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة وأصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال له: ما خبرك قال: وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين وإلا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر باخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد وقال للثاني: اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج إليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس إمامهم محمولة في صينية فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا. وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 نياتهما فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت أيامه شر الأيام وحصل منهم من أنواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في أواخر رمضان سنة 1142. ومات الأمير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك أحمد بك تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك أنه لما قلد إسمعيل بك بن ايواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والامارة على السفر إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد أحمد بك أمير العسكر المصري. فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع إلى مصر ولم يزل معدودا في الأمراء الكبار مدة دولة إسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل إسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال: إن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وأحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع إليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم. وظهر أمر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني إلى أن حضر المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال: لذلك المملوك اذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره. فذهب إليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال: لا بد من قتلي اياه فقال له: ذو الفقار لا أدخل معك في دمه فإن له في عنقي جميلا فإن كنت ولا بد فاعلا فاذهب إلى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه. فقال محمد قطامش أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك: وأنا كذلك أقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه. وانحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك. فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بهم عند باب االعزب. فلما أقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم: اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة عابدين وحضر إليه طوائفه واغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه إلى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فأرسلوا من طرفهم جاسوسا إلى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا أنا أذهب إليه واحضره بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم. فركب رضوان اغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم أيضا. فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له: بلغني أن ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود اليهم. فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك ذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار. فأرسلوا إليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له أكديشا عريانا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. واركبوه عليه وذهبوا به إلى السلطان حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فلما رآه ذو الفقار بك قال: خذوا هذا أيضا واشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وانفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا اغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فاعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان موت المترجم في أوائل سنة 1140. ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة. ولما حصلت الحوادث وقتل إسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضا وأرسل إليه واحضره إلى جامع السلطان حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لأنجماعه عنهم. فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا أيضا واشار إلى المترجم لحزازة قديمة بينهما أو لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم. فقال لهم: وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما. فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان إنسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى. ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر. ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها إسمعيل بك قيطاس وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل إلى جسر سديمة. فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أحضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج وذهب إلى رشيد وترك أربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين. فأخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك. وتخلف منهم شخص فحضر إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه إلى أن مات. ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع أحد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد. وأرسل حسين جربجي الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط أن يجعلوه صنجقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140. فأجيب إلى ذلك وأرسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وإن يأتي هو إلى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه. ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما. ورجع بهما الأغا المعين إلى مصر. ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي وتقلد الإمارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل إلى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالأقاليم في أيام المرحوم إسمعيل بك ابن ايواظ. وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك أبيه وخصوصا محمد بك جركس. وارادوا اغتياله وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا إلى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وأيده الله عليهم أيضا في تلك المرة. ولما قتل إسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم أيضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في منزله وصار كأنه سلطان. وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر. ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم. ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الأزهر. ومات أيضا عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس. ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له. وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة. ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن. ومات الأمير علي بك المعروف بالارمني ويعرف أيضا بالشامي وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف أيضا بابي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد إسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في المحلول. فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ. ومات أيضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو إسمعيل بك تقلد الإمارة والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الارمني وقتله وأمر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين. ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن أستاذه إسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور ثم اعيد وسافر اميرا بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141. ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة. وكان بينه وبين الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه فلما ظهر إسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم إلى إسمعيل بك وتحابب له وصار من أكبر أصدقائه. وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة. وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل إسمعيل بك رجع إلى خموله. ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب إبراهيم كتخدا افندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير. ثم أرسلوا له فرمانا بالسفر إلى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الأمر له بان يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الأسكندرية. توفي في سنة 1141. ومات الأمير علي قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه. ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به. ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك أنه لما انقضى أمر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا أمورهما واحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس فخرج اليهما صنجق من الأمراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ومات الأمير أحمد افندي كاتب الروزنامة ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه إلى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم أحمد افندي الروزنامجي واتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام. فاخذهم وقتل منهم اناسا وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد افندي بالحياة فحضرواا به إلى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فأرسله علي بك الهندي الدفتردار إلي ذي الفقار لم يلتفت إليه ولم يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة أيام فأرسله الباشا إلى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم أرسله إلى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه إلى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه. ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم يعقب أولادا إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه وأوصى لشخص يقال له عمر اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه ألف دينار ولمجاوري الأزهر خمسمائة دينار. توفي في عشرين رمضان سنة 1138. ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب إليه الجدد الداودية. وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وإن يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة الديوان. وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلى مصر تدارك امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف دينار. فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا: سمعنا واطعنا في أمر السكة وأما صاحب عيار فإن لا يتغير فقال الباشا: كذلك لكن يكون الأغا ناظرا على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الأمر على ذلك. فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب. وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب. فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في أواخر جمادي الاخرة سنة 1138. ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الافرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنه. فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولده وذكر له أنه يتوجه إلى رجل سماه له. فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان فأخبروا الباشا فاحضروا إلى الشرطة وأمره باحضار ابن أحمد بك الاعسر فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن أحمد بك إلى دمياط ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع إليهم جركس وخرجت إليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142. ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا وأخذوا خزانته وما أمكنهم من متاعه وعدوا إلى سليمان بك وانضموا إليه. فلما أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه. وكتب كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه. ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك أنه لما رجع محمد بك جركس وسار إلى ناحية القطيعة ثم انتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى المتجرم يطلب للحضور إليه بمن معه من القاسمية فعدى إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت إليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب. وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون إلى مصر وزحف جركس ومن معة إلى ناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له: هدا اليوم ليس لنا فيه حظ. فقال له: كيف أصبر على القعاد والراية البيضاء إمامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين وهزمهم وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو والطائفة فوقعا. فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو الجبل. ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع إليه الطوائف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 العرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت أبي جرج وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في المراكب وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه. ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة. لما طلع الأمير إسمعيل بك أثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضا وكان إذ ذاك خازنداره فالتجا إلى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم أستاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لأستاذه فأخرج له تقسيطها وأخذ النصف الثاني إسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من إسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع. وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له: أما يكفيك أني تاركه حياء لاجل خاطرك فإن أردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وأرسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد إلى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر الأولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ إسمعيل بك عشرين كيسا وانضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وإنهم نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك أمير الحاج وإسمعيل بك الد إلى وقيطاس بك الاعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له أن غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال: رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرمانا بقتله. فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرمانا وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه إلى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه وهزمها وزحفه على مصر. وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر الوالي والاغا والأوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور. وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة. فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع أبو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وإن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق وجامع الحين وقت إذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الأسلحة وبايديم النبابيت. ولبس خليل اغا هيئة الأودة باشا وزيه وكان شبيا به في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال: أين هو؟ فقال خليل أغا: ها هو وكشفوا رأسه فأراد أن يكلمه ويوبخه فاطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه وإذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر. ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فإنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار إذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك. ثم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فإن القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال أنا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه أقتلوه ثم أحضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجري فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضا صالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع إسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام. وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الأمير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها. ومات الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك وأصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الإمارة والصنجقية إسمعيل بك وعرف بالخائن لأنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه إليهم فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن. ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي وأرسله علي بك إلى الأمير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر رجل عطار إلى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين ونصف في يومين ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الأغا والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا إلى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الأغا وهو يشتم العطار واراد ضربه وإذا بشخص من الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فاخبر الأغا فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى أسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الأغا علي العطار وأخذهم إلى الباشا فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد. ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك أنه لما انقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان. فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى اغات الينكجرية فاخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم وأوقد نارا من أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك فقرأ أحد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الإثنين وقتلوهما ودفنوهما. ومات الأمير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت إذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم. ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا أبو دفية. ففي ذلك الوقت قال أبو دفية: قوموا من هذا المكان فإن قلبي يختلج. فقال يوسف الشرايبي وأنا كذلك. فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشا وأرسله الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره. واما أبو دفية فإنه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له أوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية وذهب مع القافلة إلى غزة ثم إلى الشام وسافر منها إلى اسلامبول. وخرج في السفر وذهب إلى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات. واما يوسف بك الشرايبي فذهب إلى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر. ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه أن حسن افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم إلى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق أنه اهدى إلى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن ايواظ وهرب من الباب. ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك أنه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم إنسان يسمى عبد الغفار اغا قال له: نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل. فقال أرسل إليه بالحضور. فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال أرسل إليه واطلبه للحضور. وطلب الوالي فقال له: إذا انقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه. فلما أحضر المترجم صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار إلى عبد الغفار اغا فجلس وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له: أنت لك صاحب في الدولة قال: نعم كان لأبي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني أنه الآن كتخدا الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام. فقال له: الباشا أنه أرسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج أو المناصب. فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم. واخذ خاطر الباشا ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه إلى باب الأسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث أن الباشا أراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وأمر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. ولما طلع محمد بك قطامش إلى الديوان قال له: الباشا تقتلون الأغوات في بيوتها من غير فرمان. فقال لم نقتله إلا بفرمان فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فأرسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الفصل الثاني في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143. ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور أمر الفقارية وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولاية السلطان محمود خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة إلى كبور بلدة بالروم وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله إلى الأدب وكان إنسانا خيرا صالحا منقادا إلى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك. ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة. عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي. وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبد الله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة. ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبد الله باشا إلى بيت شكريره واستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء وهنوه وخلع علي إسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا إلى العريش وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفا. وحضر مرسوم أيضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة. فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب أنا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وانظروا من يذهب إلى بحري. فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الأغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك. وفي أيامه عمل إسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلا فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وأرباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ومن الحوادث في أيامة أن في أوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره أنه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له: أنت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات. فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أنت مجنون فقال لست بمجنون وإنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع. ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم إنهم أخفوه عن اعين الناس. ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة أيام. من الحوادث الغريبة. في أيامه أيضا في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الإنسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة. وطلع أهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر. ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ذلك ووقع صدقه في نفوسهم. ومن قال لهم: خلاف ذلك أو قال: هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له: احبسني إلى يوم الجمعة وإن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات. واقدم عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر. ولاية باكير باشا. وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة إلى السويس من القلزم لأنه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الأولاد خمسة ركبوا إمامه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك. وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وإن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب. فاقام خارج القاهرة نحو خمسة أشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين. وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل إذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير سفر العجم وطلع إلى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر. وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الأولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وإن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من الديوان وإن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية إلى بيوتهم. فلما قرىء ذلك قال القاضي: أمر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته. فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وإن أمر ولي الأمر بابطاله لا يسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للإمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أيضا. فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان: وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم إنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين ألف عثماني فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا إلى عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وإن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين. الطاعون. ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل. ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء وسببها أن صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا إلى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو إذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له: تريد أن تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبدا ما دمت حيا. وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة إلى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له: اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا. وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة. فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان. فلما تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا وكذا فطلع إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا شربات. وكان ذلك القول هو الأشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك. ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح. فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى اسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام. ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته. فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا أنهم غالبون. وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه فقال له: انزل لاشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب. فنزل إلى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع إلى باب العزب وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد الغروب فإن كان له حاجة يأتي في الصباح. وأما عثمان بك فإنه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا الأمراء وحرقوا باب المسجد. ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي. وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا. وأما صالح بك فإنه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى أيضا محمد بك إسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا. فطرق الباب فلم يجبه أحد فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع النهار ذهبوا إلى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا أيضا بيت رضوان بك وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب. ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له: أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا إلا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية إلى السلطان حسن. ثم إنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار. فحضر مصطفى اغا أمير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا إلى جده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي. فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر إلى سنة 1152. وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل إليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم إذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر. ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وإن يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا. وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان. ثم أن أحمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل أحمد كتخدا. وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد أن يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم. فقالا أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا. فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده. ثم أن حسين بك الخشاب طلع إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب. واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف. فركب وأراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خرابا فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الأغا وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر جمادى الأولى سنة 1153. تولية الوزير علي باشا. ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع. ثم قال الباشا: أنا لم آت إلى مصر لاجل اثارة فتن بين الأمراء واغراء ناس على ناس وإنما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك. وانفض المجلس. ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له: أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة. وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال مطمئنة. ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني. تولية يحيى باشا. ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما الأمراء يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العينى أو المقياس. واقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156. توليةمحمد باشا اليدكشى. وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعه وفي أيامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وابواب البيوت. ونزل الأغا والو إلى فنادوا بذلك وشددوا في الانكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال أو دون وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات. وكل من راى في يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي. وفى أيامه أيضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال في ذمة أي من كان يخلصونها منه. فلما كان في ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة أن بذمة إبراهيم بك قطامش أربعين ألف اردب والمذكور لم يكن في الجمعيه وانتظروه فلم يات. فأرسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال. فقال العسكر نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش. فقال له: الوكيل أي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال: والمراد أى شيء وليس عندى غلال. قال له: الوكيل نجعلها مثمنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بقدر معلوم. فثمنوا القمح بستين نصف فضة الأردب والشعير باربعين. فقال إبراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد. قال الوكيل العسكر: لا يصبروا ويحضل من ذلك أمر كبير. فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم. وكتب بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت أول بدعة ظهرت في تثمين غلال الأنبار للمستحقين. واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى عزل سنة 1158. تولية محمد باشا راغب. ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط. ثم وردالساعى من الأسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب إلى ثغر الأسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر وطلع إلى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له أنه لا يخونه ثم أسر إليه أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب إلى ذلك. واختلى بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له: الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان. فقال له: يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك وإلا فليس لهم جسارة على ذلك. فقال له: أنا اتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي. فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل بك فقال له: لم إذا لم تدخل عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الباشا. فقال له: قد تركناه لك. فقال كأني لم اعجبك. واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك وإذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط. قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة الجاويشية فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم: إنهما مطلوبان للدولة. وأخذهما وقطع رأسيهما أيضا. وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والاغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة. فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي ودخل العساكر إلى بيت إبراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الأزهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته أيضا وذهب إلى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي. ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر. وانقضت تلك الفتنة. ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي: أن نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها. فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما. فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والأودة باشية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا. فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون. فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم أن أبي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا. فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه وإذا بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل إلى بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فأرسلوا له إبراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع إلى بيته وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية. وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد وإسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات. فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته. فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم. وهرب أيضا إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا إلى أرض الحجاز وكان ذلك أواخر سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 1161 فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة. وكان إنسانا عظيما عالما محققا وكان أصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم. ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء. مات الإمام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الأسرار والانوار الشيخ عبد الغنى بن إسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى. ولد سنة 1050 واحواله شهيرة وأوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف. ومن مؤلفاتة المقصود في وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والأصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل في مجلد ضخم في فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح في ازالة القبح والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى في النفس اليمنى وبدبعيتان أحداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر. توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة. ومات إمام الأئمة شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير أخذ عن الشيخ أحمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبد الله التحريري الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم. وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني إذا مر بحلقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الأكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا أكل كثيرا واحفظ كثيرا. وسافر مرة إلى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم وعاد إلى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور أخذ عنه كثير من الأشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم. وكان يقول بحرمة القهوة واتفق أنه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث إليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لأنه يرى حرمة الانتفاع بثمنه أيضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} بأن الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك. توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1146. ومات الإمام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن العلامة البابلي وأخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم توفي في أواخر ربيع الأول سنة 1148. ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ إبراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ أحمد الاهناسي وعن الشيخ أحمد ابن إبراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 إبراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الارمناوي وأخذ أيضا عن الشيخ العقدي والشيخ إبراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير. توفي المترجم في سنة 1143. ومات الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ أيضا عن الشيخ عبد ربه الديوي وأهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان إماما عظيما فقيها نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم. توفي سنة 1158. ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة إمام المحققين شيخ الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الأولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد أن حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم وأكتسى من أنوارهم ثم ارتحل إلى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس وأفاد وانتفع به أهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع إلى الله وعدم مسايرة أحد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا إلى أن توجه عمه إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه. فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه. ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره أشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الأزهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143. ومات الأستاذ الإمام صاحب الأسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن محمد أبو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر اجازه أبو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الأشارة إلى ذلك وعندما ذهب الأستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه. فقيل له: هو المشار إليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل إليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا. توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الإمام الشافعي. ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي أخذ عن الشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه أخذ الأشياخ المعتبرون. توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154. ومات الإمام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى العماوي المالكي أخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ أحمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من أولها إلى آخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من أولها إلى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم. ولم يزل مواظبا وملازما على الأقراء والإفادة واملاء العلوم حتى وافاه الأجل المحتوم. وتوفي سابع جمادي الأولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه أستاذنا الإمام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين. ومات الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان إماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار. تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الإمام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير. قال: وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت أكثر كتب الأدب ولازمته حضرا وسفرا نحو أربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه. وكان يلقبه قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لألفاظها استحضارا شديدا بحيث إذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة. وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية. وحصلت له منه المنفعة التامة قال: وقرأت عليه الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة. وسمع عليه البخاري وثلاثة أرباع مختصر الشيخ خليل من أول البيوع إلى آخر باب السلم ومن أول الإجارة إلى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في ألف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه إلى غير ذلك. قال: وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم. ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه أن مما من الله علي به إني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وإنما ادنى مرتبتي إذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي أن أكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه أو ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها أن أكتب شرحه وحاشيته بدليل أنه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت أهلي وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع أهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الأوطار. ولما أستاذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك وأخذ عنه اشياء كثيرة من علوم الأسرار والرمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وأقام هناك خمسة أشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب. وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست وأربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وأيضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والأوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة. وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا. وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الآفاق. ومن تآليفه بلوغ الأرب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك. توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان يسكن أولا بدرب الأتراك وهو الذي أخذ عنه علم الأوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه. ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والأوصاف السيد علي افندي نقيب السادة الأشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى عليه وكان مختصا بصحبته. وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد إلى مصر ولم يزل على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153. ومات الأستاذ العارف الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد العربي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الأندلسي التلمساني الأزهري المالكي أخذ الحديث عن الإمام أبي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس أحمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب أخذ عنه الشيخ أبو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب. وتوفي سنة 1151. ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الأسكندري المكي البليغ الماهر أخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب أحمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب أحمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي وأخذ أيضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب أحمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات. وقد اجاز الشيخ أبا العباس أحمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن أحمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة 1131 في الطائف وإسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم. توفي في ذي الحجة سنة 1149. ومات الشيخ الإمام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة أبو العباس أحمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري أخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية وأخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الأزهرية وعن الشيخ أبي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض وأخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي وأخوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الشيخ أحمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ إبراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ أبو بكر الدلجي والشيخ أحمد المرحومي والشيخ أحمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ أبو الحسن البكري خطيب الأزهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد وألف وصنف. فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع زيادة احكام وأيضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الأئمة الأربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها. وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى وأربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن أرادها من الانام وجاشية على شرح ابن قاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك. توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151. ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست وأربعين وذلك في أيام الأستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة. وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من أنه كان ازهد أهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقاما. وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الأكابر والأعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من أحد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج. وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الأزهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضي للناس بتقبيل يده ويكره ذلك فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد. وعندما يجلس يقرأ المقري وإذا تم الدرس قام في الحال وذهب إلى داره وهكذا كان دأبه. توفي سنة أربع وخمسين وأقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته. ومات الإمام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني أخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على أصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون وإذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الأربع نسخ أو الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة. وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره. ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما أخذ واحسن وجه مع الدقة والأمن من الخطا وحرر طريقة أخرى على طريق الدر اليتيم يدخل إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل. واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج إليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما. ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الأول وعصر أبي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على أصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والأبعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول. واما كتاباته وحسابياته في أصول الظلال واستخراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 حضره بعض الأعيان من أمراء مصر فيسبهم جهرا ويشير إلى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم. مات في حادي عشري الحجة سنة 1161. ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه إلى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد إلى الحرمين وأخذ عن والده واخيه العلامة علوي ومحمد بن أحمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين. وعنه أخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس. وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والأصل أربعة أبيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن إسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة. توفي بمكة سنة 1160. ومات السيد الأجل عبد الله بن مشهور بن علي بن أبي بكر العلوي أحد السادة أصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات. توفي سنة 1144. ومات الأستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا. قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي وأخذ عنه واجتهد وتمهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على إدراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به وألف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال وألف كتابا أيضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك. واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك. توفي سنة 1153. ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ أحمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ أحمد الشهير بالبناء وأحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى وألف واجاد وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159. ومات الأستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والأنوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد أوانه وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات. توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ومات الأستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الإمام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على أكرم الاخلاق وأكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من أكتساب المعالي والشرف. ولما ارتحل إلى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال. فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب أن تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والاقطاب الأربعة والملائكة الأربعة. فبينما هو في اثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال: ماذا صنعت يا مصطفى فقال له: ما صنعت شيئا. فقال له: الم ترني اتخطى الناس قال: بلى إنما وقع لي إني احببت أن تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة. فقال له: لم يتخلف أحد ممن اردت حضوره وما اتيتك إلا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل. وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة. ورحل أيضا إلى جبل لبنان وإلى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه وأوراده أكثر من ستين واجلها ورده السحري إذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين. وقد شاد اركان هذه الطريقة وأقام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 رسومها وأبدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر. قال الشيخ الحنفى: إنه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو أربعين كراسا تسويدا في الكامل ولم يتم. وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له: "من أين لك هذا المدد" فقال منك يارسول الله. فأشار أن نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان أكرم من السيل وامضى في السر من السيف وأوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له أولياء عصره ومحققوه في مشارق الأرض ومغاربها وأخذ على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا إليه كفاية لمن أراد. واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الأستاذ الحفني وارتحل لزيارته والأخذ عنه إلى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة أحدى وستين ثم رجع إلى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام. ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما. توفي سنة 1161. ومات الأجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالأنيس أحد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار أمير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد أجازه في مجلس حافل. توفي سنة 1159. ومات الإمام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي الأسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر شيوخه أنه أخذ عن إبراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي الزرقاني وأحمد الغزاوي وإبراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي نزيل الأسكندرية وابي العز العجمي وأحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي وأحمد السجيني وإبراهيم الكتبي وأحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي وأحمد بن محمد الدرعي. ورحل إلى الحرمين فأخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد أسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله. وكان المترجم إماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الانتفاع. روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة إلى تغر الأسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع إلى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء. ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان. مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح. فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم إلى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة. ثم أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد وأرسلوا إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في ذلك الوقت. ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم أنا اذهب إليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا أخذ من الدولة شيئا بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين فأجابوه إلى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم. ولما دخل ترت سافر إلى ولاية جرجا فاقام بها أياما ومات هناك بالطاعون. ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية في أيام إسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من صدور مصر أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد إلى أن مات بالطاعون على فراشه سنة 1148. ومات أيضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم ثم رجع إلى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان. فمكث بمصر خاملا إلى سنة ست وثلاثين ثم قلده إسمعيل بك بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما. ولما قتل إسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفا من حصول الفتن فأقام هناك ثم رجع إلى مصر واستمر بها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ان مات في الفصل سنة 1148. ومات كل من إسمعيل بك قيطامس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي وإسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين. ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته. ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا. ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير. تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية. ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له محلا فيه فرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وصلى بجامع ازبك. وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع في ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وأرباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالأزهر ورحبة رواق الاتراك والرواق أيضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة. ولم يزل عثمان كتخدا أميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات في القتل. ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقارى تولى الإمارة والصنجقية فىحياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد أيضا إمارة الحج سنة 1146 و1148 ولما قتل عابدى باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم يتم له أمر وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فأرسل عند ذلك أهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر وأرسلو إلى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية. ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك إشراقه إبراهيم بك. ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وذلك سنة ثلاث وأربعين. وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم وقتل معه أيضا من أمرائه علي بك وصالح بك. ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع إلى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة نفر وأوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى. ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته. وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار. ومات الأمير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الإمارة في أيام أستاذه ولما قتل أستاذه كان المترجم مسافرا بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثأر أستاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة. وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه إلى الديار الرومية واستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا بمصر وتقلد إمارة الحج سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك. ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124. تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع إسمعيل بك بن ايواظ إلى باب العزب وقتل عمر اغا أستاذ ذي الفقار بك وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك إلى ذي الفقار بك فقال له: كل شيء اطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء. وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد اغا مملوك بشير اغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا أستاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية. وسبب قتل المترجم ما ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر. واتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد المذكورين فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ إبراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان وأرسل إبراهيم جاويش إنسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك. وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة. فأخذها الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الأرض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار. وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب إلى بيته وطلع أحمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز إلى الباب. ولما سقط علي كتخدا سحبوه إلى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر. ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ أيضا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله. ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه اشراق يوسف كتخدا البركاوي. وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزل أحمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثأر المرحوم. وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم أحد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت. فقال له: اطلع إلى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة. فطلع إلى المقعد كما أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا. فأرسل عثمان بك إلى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال لهم: الذي مرادكم فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 دخل بيت الطويل فاتوا إلى الباب فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ إبراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا فقتلوه أيضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها إلى الست الجلفية وأخذ منها بقشيشا أيضا. ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ إبراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا. واستمر أحمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع. ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سوى فائظ أربعة أكياس لا غير. وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب إلى باب العزب وحلف أنه لا يرجع إلى باب الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا. وكان المترجم صحبة أستاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة أحدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وأمير الحاج إذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش وأستأذنه في أحضاره وإن يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا إليه وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه. ومات الأمير محمد بك بن إسمعيل بك الدفتردار وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه. وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى مكانه. وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به إلى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته أواخر 1149. ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فإنهم بعد الحادثة وقتل الأمراء المذكورين وانعكاس أمر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم إنهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال عثمان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره أنهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان. فقال له: نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم فقال له: اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة. فأرسل سراجا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه عنده فأرسل إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه. ووصل الخبر إلى ولده ببيت أبي الشوارب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحها إلى الباب فأخبر أغات مستحفظان فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم إلى الباشا فقطع رؤوسهم. واما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخل إلى الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي. ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب إلى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة. ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونزل في مكان. ثم ذهب عند دار السعادة وكان أصله من اتباع والد محمد بك الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له: أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي وأستاذن في قتله فقتلوه بين الأبواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه. ومات الأمير خليل بك قطامش أمير الحاج سابقا تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في إمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم. وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في أموالهم بطريق الحج. وكانت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين. وكان الأمير بك ذو الفقار يكرهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع في إمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى أرسل مكتوبا إلى علماء مصر وأكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله الأرض على الخلائق وتحمل من فيه إيمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها فكيف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها. فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال: فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام. فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد إلا من جنس زرعه في حزن الأرض وسهله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد. ولما تيقنا أن التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء افعاله لأن كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي إلى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة. والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين. فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161. واجاب أيضا الأشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف بالقلعة وقتل معه أيضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة إبراهيم بك وعمر بك وسليمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم. ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور إلى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه. وحضر أيضا بعض الأمراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة. ومات الأجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب موته أنه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية. ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة. وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير. فقال له: قتلتني انج بنفسك. وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى أن عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين. ومات الأمير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة إلى الديار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الرومية فتوفي بعد وصوله إلى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة أيام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه إمارته وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 1148. ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة. الأمير عثمان بك ذو الفقار. هو وإن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات. وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة. ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر. هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة. فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الأقاليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعين خرج إليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلوا إليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت أستاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم أحضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر إلى بلاد الشام والروم ولم يعد إلى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية. ولما حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار إلى باب الينكجرية واجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا. وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من اشراقاته وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة أحدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في أمن وأمان وسخاء ورخاء. ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم أيضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن أستاذه واحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين. ثم ورد أمر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا. وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر إليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وإنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني أو المقياس. وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمان وانتهت إليه الرياسة وشمخ على أمراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبة بنفسه. وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من أخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم. وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الأمراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحدا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم. ولما ورد الأمر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال: هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الاجابة كانت مظلمة وإن لم تحصل كانت مظلمتين. وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد االغيرة. ولم يأت بعد إسمعيل بك ابن ايواظ في أمراء مصر من يشابهه او الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة إذ قال كلاما أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها وألف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الأمراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر إليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد أن يضربه وغير ذلك. السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر. مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك. والثاني أن علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن أبيه ففعل ذلك ووعده إلى أن يذهب منهم شخص إلى مصر ويأتي بالدراهم من الأمين وضمنهم الذي كان السبب في قتل أبيهم فحضر شخص منهم إلى مصر وطلب من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم أيضا في المائة جنزرلي وقد أتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم. فركب إبراهيم جاويش وأتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 عليه القصة وفمهما ثم إنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال إبراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير. فذكر القصة ثم قال له: أرسل اعزل علي كاشف وأرسل خلافه. فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح إني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود. وتراددوا في الكلام إلى أن احتد الصنجق وقال إبراهيم جاويش أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنا استأجرت الحصة. فقال له: الصنجق أنزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل. فقام إبراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا إلى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش وأحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فأحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار. وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لإبراهيم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله. ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له: لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان ارجعوا وعمروا. فنزل الولد وفعل ما قاله له: الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحدا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفا من طرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لأولاد حماد. واستمر علي كتخدا يسعى حتى أصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل: أن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاج كسرها لا يجبر ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الأمراء. وأما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ العرب همام رهن عند إبراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فأرسل همام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له: هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقع فيها فراغه وأرسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فإنهم يوقفون المال والغلال. فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيم جاويش يتواقع على الأمراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له: إما أن تكون معنا وأما أن ترفع يدك من عثمان بك. فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف إني أفوت إنسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان. وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم. فلما ايسوا منه قالوا: له إذا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا إبراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب إلى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك. فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له: اترك هذا الكلام وأشار إلى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له: حيث إنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم. وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت وأخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا إلى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا أمرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته إسمعيل بك أبو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب إلا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب أبو قلنج إلى بيت نقيب الأشراف. وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته إلى البيت وإذا بإبراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت. فلما رأى ذلك الحال أمر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقود مع أعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب إلى بولاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ونزل في جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا وأكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب وأوقدوا النار. وحضر اغات الينكجرية أواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعا. واما عثمان بك فإنه لما نزل بمسجد أبي العلا وصحبته عبد الله كتخدا أقاما إلى بعد الغروب فأرسل عبد الله كتخدا إلى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق أولاد يحيى وغيرهم. واما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه إسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش أمير العسكر. ووعدوه بولاية جرجا إذا قبض على عثمان بك. فجهزوا انفسهم وجمعوا الأسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحية اسيوط فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب. ثم إنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فإنهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه وأخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بك. ووصل الخبر إلى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 كتخدا القازدغلي أنتم لم تفوتوا بعضكم. واشار عليه بان يطلع إلى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم. وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أياما. ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر إليهم السردار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فأرسل إليه علي جاويش الطويل فاحضره إلى إبراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك إلى مصر. ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل اتباعه ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه إلى مصر بعد وفاته. ولما وصل عثمان بك إلى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وإنهم أخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعية في بيت إبراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا. ووصل الخبر إلى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه وأتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا إبراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وارتحل إلى الطور. وأما التجريدة فإنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرا إلى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد افندي المذكور إلى إبراهيم جاويش الذي أحضر رجلا بدويا طوريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وسلمه له فاركبه هجينا وسار به إلى الطور فلما وصل إليه واجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور. فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا إلى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فأرسله إبراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد. ولما وصل المترجم إلى اسلامبول وقابل رجال االدولة أكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء. واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له: من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال: لكوني أقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس. فامر بكتابة مرسوم وطلب أربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك أواخر سنة سبع وخمسين. فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا: في الجواب أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم: يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب. ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته إسمعيل بك أبو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 العرض بحضرة عثمان بك قال: ليس في جهتي هذا القدر ولكن أرسلوا يطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابا إلى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه أن يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة. فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم. فقالوا في الجواب أن من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لأن حساب المبري محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيى كاشف أستاذ علي كتخدا الموجود الآن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر. ثم إنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية. ثم إنهم أرسلوا عثمان بك إلى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع إلى اسلامبول واستمر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190. واما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود إلى الشام وارتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو أول أمرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه إسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي. وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157. وترك المترجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الأمراء واتفق أنه سافر إلى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان. فإذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته. ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرا على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155. ومات أيضا إسمعيل بك أبو قلنج وكان سافر أيضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك. ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع أستاذ محمد بك اجتمع الأمراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم. وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك. ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كان ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين وإذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها. وأرسل رضوان كتحدا فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة. ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشه الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر وإذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله. فقتله والله أعلم بالحقائق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة 1143. ... السموت والدساتير فشيء لا ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة أكيدة ولما حانت وفاته أقامة وصيا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا كبيرا ثم يملأ منه قدورا ديدفنها في الشعير ستة أشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد حان فراغ الطبخة الأولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح إلا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط وإذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته. ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادي الأولى سنة 1158 يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربيني. ومات قاضي قضاة مصر صالح افندي القسطموني. كان عالما بالاصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي قضاء مصر سنة 1154 وبهامات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني. ومات السيد زين العابدين المنوفي المكب أحد السادة المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 1151. ومات اسيد الشريف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي الحسيني المكي أحد اشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة واخلاق رضية ومحاسن مرضية حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة. توفي أيضا سنة 1151. ومات الأجل الفاضل المحقق أحمد افندي الواعظ الشريف التركي كان من أكابر العلماء إمارا بالمعروف ولا يخاف في الله لومة لائم وكان يقرأ الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها. من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والامكان وما لا يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 إلى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في أواخر سنة أحدى وستين ومائة وألف كما تقدم إلى ثغر رشيد. ولاية أحمد باشا المعروف بكور وزير. ووصل حضرة الجناب الافخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك. فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر أحمد باشا المذكور إلى اسكندرية فحضر إليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية أستاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة. ووصل خبر ذلك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل إلى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها أحمد باشا وحضر إلى مصر وطلع بالموكب المعتاد إلى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الأمراء والأعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش. وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الإبراهيمية وإسمعيل وأحمد ومحمد الرضوانية. ثم إن إبراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة أشهر وانفصل عنها. وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير. وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته. وأقام أحمد باشا في ولاية مصر إلى عاشر شوال سنة 1163 وكان من أرباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية. ولما وصل إلى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتي إلى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلى مجلسه وينزل الشيخ إلى داره. فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستاذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتها وجدتها كما قيل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له الشيخ: هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال: وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 له: نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك. فقال: نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال: وأين البعض فقال: موجودون في بيوتهم يسعى إليهم. ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال: التمس منكم ارساله عندي. فقال: يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت امري. فقال: وكيف الطريق إلى حضوره. قال: تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع. ففعل ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا. وكان يتردد إليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته. وكان يقول: لو لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني. ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا. فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره إلى أن حضر إليه الأستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها. فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف أن يقبل يده ثم أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما. ولاية عبد الله باشا. وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى اسكندرية ونزل أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع إلى القلعة فأقام في ولاية مصر إلى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصر بقبة العزب وهاداه الأمراء ثم سافر إلى منصبه. ووصل محمد باشا امين فطلع إلى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه. قصد نصارى القبط الحج إلى بيت المقدس. وفي هذا التاريخ أحضر بطرك الأروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وإن دخلوا فإنهم يدفعون للدولة ألف كيس. فأرسل إبراهيم كتخدا فأخذ أربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال. واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا. ومن الحوادث أيضا في نحو هذا التاريخ أن نصارى الاقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهم إذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية وألف دينار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فكتب له فتوى وجوابا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم أموالا وخلعا وكساوي وانعامات. وشاع أمر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبد الله الشبراوي إلى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل إليه بعوده فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت كيف ترضي وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم القيامة. فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا أيضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء. ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية. وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 واستمر واليا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية. وطلع إلى سكندرية ونزلت إليه الملاقاة وأرباب المناصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 والعكاكيز. ثم حضر إلى مصر وطلع إلى القلعة يوم الإثنين غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الأخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا. واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171. ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والأعيان. مات الإمام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة وإذا دخل الحمام دفع الأجرة عن كل من فيه. توفي سنة 1164. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب أحمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب أحمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ عنه غالب فضلاء العصر. توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين. ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية. وكانت حلقة درسه اعظم الحلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وعليه مهابة وجلالة. توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168. ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشار إليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة أحدى قرى المنصورة وقدم الأزهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وأبي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة. توفي سنة 1169. ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح الشاعر الأديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالأزهر. توفي في رجب سنة 1167. ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون إلى القازدغلية. وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب. وكان خادما لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به إلى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة. ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من أرباب الأموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة. وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين. ومات الأمير إبراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في الحج في إمارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153. وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم وإقدام ونظر في العواقب. ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو أول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي. ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت أيضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم انفصل عنها. وذلك كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق. واشتعل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد. واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167. وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم إلى البحر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل. ومما يحكى عنه أنه رأى في منامه أن يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال: هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس. فان العقرب لدغت النبي صلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره إلا لدغته" وكذا يكون مماليكك. وكان الأمر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضا بمصر القديمة. والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء الأمراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الأمور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168. ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما إبراهيم كتخدا كما تقدم. ولما استقرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية وأصلها بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من الجهة الأخرى. وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها إلى حوض من اسفل ويجري إلى البستان لسقي الأشجار. وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى الاعلاق من ظاهره. فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في أيام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع أولاد البلد. وخرجوا عن الحد في تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للناس في أفاعيلهم. فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما أهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب. وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن. وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني. وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي. ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على إمارة مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه. فيخلص له بهم ملك مصر ويظن أنهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون إلى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد. وكل من أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضا بالبلدة من الأكابر والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنب وعلي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا وإسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وإبراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا وإسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش وإسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ اتباع إبراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع إليه جمع كثير من أمرائه وغيرهم ومن انضم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم إلى رضوان نصحهم لأنه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته أمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه إلى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده. فلما حضر إليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله. ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لأنها كسرت عظم ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا داره ثم ركب وسار إلى جهة الصعيد فمات بشرق أولاد يحيى ودفن هناك. فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة أشهر. ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما. فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخية والأحوال مرضية واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا وأقل والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك. يقول جامعة إني ادركت بقايا تلك الأيام وذلك أن مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما ذكر إلا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة إبراهيم كتخدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد في غيرهم. أن في كل بيت من بيوت جميع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل رجالي والثاني في الحريم. فيوضع في بيوت الأعيان السماط في وقتي العشاء والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره أمير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه. ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلا ويرون أن ذلك من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن له حاجة. فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وإن كان محتاجا واساه بشيء. ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين. ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة. ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم. وكذلك أهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا يوجد في غيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 من أهل قرى الأقاليم. فان أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد. ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف إلى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه. ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله. ومات الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمد الشرايبي وكان من أعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي. وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم. ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا. فكل من دخل إلى بيتهم من أهل العلم إلى أي مكان يقصد الاعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن رده في مكانه رده وإن لم يرده واختص به أو باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة وأوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة. ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 أوضاعهم وطرائقهم أنهم لا يتزوجون الأمن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا أولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم ابيها إلى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته. وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الأوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس إلا اللطفاء من ندمائه وإذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين. وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه. وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته. واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي. وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد النجيب سيدي إبراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي. كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 مكتوب العمر عنوان المسرة. وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر. ومات أحمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم. ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171. وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان. ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الأحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168. وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه. ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها واجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي وأرادفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور سامحهما الله. وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد الله الادكاوي. حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره أنه لما توفي ابوه وأخذ بلاده وبيتهم تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى أيضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد أن يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر إلى الوجه القبلي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء. ولما مات إبراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر اتباع إبراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالإمارة منهم عثمان بك الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة أستاذهم. والذي تقلد الإمارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير. وأما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه وإسمعيل بك أبو مدفع. واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر أمره فهو إسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت أستاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي. فلما استقر أمرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فشكت امرها إلى كبار الاختيارية فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد. ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه. وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير القوم والمشار إليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه إلى نصف حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب إلى إبراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي. ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم أن المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات واخرج خشداشة أيضا عثمان بك الجرجاوي منفيا إلى اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي وأخرجه إلى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من أقرانه وأرسل إلى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة. ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم لينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني. وضم إليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي وإسمعيل كاشف أبو مدفع وآخر يسمى حسن كاشف. وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم رجع صحبتهم إلى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك. وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه انعاما فكتب إلى كل واحد منهم وصولا بالف ريال وألف اردب قمح وغلال ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج. وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح أو ينزل بالمراكب ويعدي إلى البر الآخر ويوهم أنه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله. واستمر على ذلك الحال ثلاثة أيام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات. واتفق معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر. فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا إلى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الأمر فركب معهم ودخلوا إلى مصر وذهب كشكش إلى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وأرسل باحضار خشداشيه المنفيين. وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وأخذوا في طريقهم أكابر الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا أبو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في فمه. فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم إلى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به إلى المدينة فادخلوه إلى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة. وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية وإسمعيل أبو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر: واخوان تخذتهمو دروعا ... فكانوها ولكن للاعادي وخلتهمو سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي واما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم الماهر الشاعر الأديب عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته إجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم إليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي إلى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي. فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل. وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع أحد. ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ أحمد النفراوي إلى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمه بتعديه وأمره بلزوم بيته وأمر بنفي الشيخ محمد شنن إلى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا. واستقر القليني في المشيخة والتدريس. ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات. ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي. ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة إلى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد أن تمكن وحضر الأشياخ كالشيخ خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي. وسمع الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري أيام حجه ولم يزل يترقى في الأحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار لأهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الأمراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها أموالا جمة. وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والاحترام. ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الأشراف وشرح الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة مصر إلى وقت صاحب الأشارة. وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا. ومات الشيخ الإمام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وافتى وألف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على أبي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا. واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية علي الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك. ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى. ومات الشيخ داود بن سليمان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار أهل العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث. توفي في جمادى الثانية سنة 1170. ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي أحمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة أيام واخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ اخبر بوصول المترجم وأودع له امانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للارشاد وأخذ العهود ويقال أنه تولى القبطانية توفي سنة 1170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد الحنفي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في أنواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة. ومال إلى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل إلى الينبع على هيئة رثة وأوى إلى جامعها. واتفق له أنه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر أولاده بسبب قسمة التركة فاتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة إلى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الأجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع أكثرهم ووقعوا في الحيرة. فلما رأى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا. فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مع الركب إلى مكة وأكرم وعاد إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم أحدى قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الأدنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله. ومات الإمام الأديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة وتربى في حجر أبيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء مكة وأخذ عن الورادين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره فاستخرج منه الل إلىء والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي والمرحومي ومن أهل الحجاز الشيخ إبراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في أول اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا. ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم إليه من مكة من طريق البحر فأغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير. ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين مالا وشعرا. ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية. ولما عزل مخدومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 توجه معه إلى الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار إليهم واتخذ دارا واسعة فيها أربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها. ولما عزل الوزير ونفي إلى أحدى مدن الروم سلب المترجم جميع ما كان بيده ونفي إلى الأسكندرية. فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف بعده مثله. وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج أقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية. ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ. ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان إنسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء إلى الآن. ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه وكان إنسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابن أخي الشيخ عبد الخالق ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا. توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر وحمل إلى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين. ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها وأصولا ومعقولا جيد الأستحضار والحفظ للفروع الفقيه. واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الأعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها. والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الأقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير. وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره. توفي سنة 1170. ومات الشيخ الإمام المعمر القطب أحد مشايخ الطريق صاحب الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس بن مدين بن أبي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة إلى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف أحدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم إلى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي أياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به. واجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية. ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه. وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الأولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الأمراء تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الأحيان. وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه. وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله الذي بقصر الشوك. وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الأموات فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع أولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به الرجال والنساء. ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابر الأولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات. ثم إنهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وأرباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما أيضا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون أن ذلك قربة وعبادة. ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين. ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري أحمد بن عبد المنعم ابن محمد بن أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد ابيض الوجه ابن أبي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عوض بن محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيدي أبو بكر البكري شيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 السجادة بمصر ولاه أبوه الخلافة في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود إخوته الذين هم أعمامه وهم أبو المواهب وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم. فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى إليه الوزراء والأعيان والأمراء. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر. ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد أحمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد أحمد مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك إن شاء الله. وكانت وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171. ومات أيضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني. وتولى السلطان مصطفى بن أحمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد باشا في أواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173. وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول. ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي وهو أحد الاخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173. ومات اديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة 1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد إلى وطنه وورد إلى مصر أيضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وذكره في مجموعته واثنى عليه وأورد له من شعره كثيرا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان. وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك. وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له: يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك. ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه. وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك وأولها: يقول عامر هو الانبوطي ... أحمد ربي لست بالقنوطي ومات الأمير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم إلى البحر ولم يرجع منهم إلا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى راي إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له: إبراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج أو تدفع مائتي كيس مساعدة. فحضر عند إبراهيم كتخدا فرأى منه الجد. فقال: إذا كان ولا بد فإني أصرفها واحج ولو إني أصرف ألف كيس. ثم توجه إلى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه إبراهيم هذا بعد هذا اليوم اما إني أموت أو هو يموت. فاستجاب الله دعوته ومات إبراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج إلى مصر بخمسة أيام. وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171. ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الأوسطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 إبراهيم السكاكيني كان إنسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك. وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله. توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ. وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة. مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف وأخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الأمر بالزينة في تلك الأيام. وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر أمرهم وتقلد إمارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته وأقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه إلى فارسكور. فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة وصل إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الخبر فكتم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه بأن الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى قلعة نخل فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار إلى غزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر وأكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فأرسلوا إليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك. ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام. يقال أن بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام. ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل. وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجها إلى جدة فاقام هناك. وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنة 1174. وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة وكيلا عنه. ولما وصل العرض إلى الدولة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلى القلعة وأقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في إمارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم: حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب. وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وأمر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر. فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من إمام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم وقال له: علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال: أنا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل. فطلع أيضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج. فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة. فحج أربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابا وأيابا بعد ذلك. وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج إليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك. وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد إسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الأقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الأمراء الإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك. وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن ذلك الوقت اشتهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضا علي بك المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى إلى ممالأته ومال هو الآخر إلى صداقته ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على أحمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ وأصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم. فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا إلى بيت علي بك وكذلك باقي الأمراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك. ثم إنهم طلعوا أيضا في ثاني يوم إلى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا: وأكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي أيضا. فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض إلى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك. حادثة سماوية. ومن الحوادث السماوية أن في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار. وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في أوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب اغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضا. وانقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والأنبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان. ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وخشداشينه واغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فاما عبد الرحمن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس. ونفوا باقي الجماعة إلى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا بنفيه إلى غزة فوصل إليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك إلى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة أكياس. فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار إلى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم إلى جهة قبلى فوصل إلى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام وأكابر الهوارة وأكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي. واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ أحمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث. فزادوا في المغالطة فما وسعه إلا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه. وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة. وسعت العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه: فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ: يا افندي لأي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت. فقال: أنا اعرف قدرك وانت تعرف قدري. وكان نائبه من الاذكياء أيضا. ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وأمير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك أبو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى إلى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك إلى قبلي فلما ذهب صالح بك إلى قبلي انضم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى انفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب إلى منصبه بجرجا وأقام في المنية فأرسل إليه علي بك فرمانا بنفيه إلى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر إلى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره أن يأكل منه أولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه. فعند ذلك أرسل إليهم يسألهم عن مرادهم فحضر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وأخرجوه منفيا إلى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا إلى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمراء مصر أنه إذا خرج إلى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وإن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه. واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق أولاد يحيى إلى المنية واستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا إلى جهة البساتين. وفي تلك الأيام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فاجتمع الأمراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بان يرسلوه إلى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلك وذهب إلى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك إلى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالح بك فهزمت فأرسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 1180. وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي أنه يراسل علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم إلى جهة بحري وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها. وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلى القلعة ويمشون إمام الباشا من باب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون اتكة ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير الحاج والأمراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الأمراء الصناجق الباشا وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط أكثرهم من حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. وانجرح أيضا إسمعيل بك أبو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا ولكن لم يمت منهم إلا عثمان بك. وباتوا على ذلك فلما أصبحوا اجتمعوا وطلعوا إلى الأبواب وأرسلوا إلى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل إلى بيت أحمد بك كشك بقوصون وعند نزوله ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم إنهم جعلوا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل: إنها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارها وذهبت نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده إلى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع إلى جهة مصر ومر من الجبل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلى مصر. ثم أن علي بك اجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الأسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي فأرسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف. وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. واتفقوا على ذلك بالمواثيق الأكيدة وأرسلوا بذلك إلى شيخ العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر إلى مصر هاربا واستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين. وأرسل علي بك إلى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا إلى المنية فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم الكلام ومانع في ذلك وحلف أنه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير ابدا فقالوا أنه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وإن لم نذهب إليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم: الشيخ أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهم إلا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبث الشيخ بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 هذا المجلس إلا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى إلى رحمة الله تعالى. فيقال أنهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم. ولاية محمد باشا راقم. وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له الملاقاة وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181. وفي حادي عشر جمادى الأولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتردار مصر. وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه أمير الحاج وقاسم أغا صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة إلى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال إلى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الأولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة وإسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال. وفي عشرينه اخرج خلفهم أيضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا أيضا في يومها وبعد ثلاثة أيام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل علي أغا الميجي وخلافه. وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك ثاني يوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الاحد طلعوا إلى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال. وأصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الإثنين بوصول القادمين إلى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال وأرسل الباشا إلى الوجاقلية يقول لهم: كل وجاق يلازم بابه. وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم إلى البساتين فازداد تحيرهم وطلعوا إلى الأبواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والاجناد وخرجوا إلى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشه وإسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك السروجي وجن علي وهو خشداش إبراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم الأوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك. وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الأعيان وغيرهم لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من أمراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها. وفي يوم الأحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك وباقي الأمراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو وإسمعيل بك زوج هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم إلى الديوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضا في إمارتهم كما كانوا ونزلوا إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل المنافقين ووخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقمية ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم على نفي بعض الأعيان واخراجهم من مصر فعلم أنه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبا أيضا إلى بيوتهما لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 وأصبح علي بك مالكا للابواب ورسم بنفي قاسم بك وإسمعيل بك أبي مدفع وعبد الرحمن بك وإسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 مصطفى جاويش الكبير مملوك إبراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر. وفي حادي عشر شهر شوال اخرج أيضا نحو الثلاثين شخصا من الأعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم واستمر هناك إلى أن مات. وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى بلده جناج فلم يزل بها إلى أن مات. وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك. وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك أنهم لما وصلوا إلى غزة جمعوا جموعا وإنهم قادمون إلى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا. ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة دمياط ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة وولوا راجعين. وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان وأحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم يزالوا في هزيمتهم إلى دجوة. فلما وصل الخبر بذلك إلى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا وخرج إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وأرباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا أو عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الأولى وسار الجميع خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا إلى بر الغربية بعد أن هزموا التجريدة فلو قدر الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا إلى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك. وانقضت هذه السنين وما وقع بها. من مات في هذه الاعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء. مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الأشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على أنفسهم ودفعوه من مالهم. فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف. ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 والمطالعة والاذكار والأوراد وولى نقابة الأشراف بمصر في الإثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة لايهاب في الله إمارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الأول سنة 1176 وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الامداد. ومات أيضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والأصول وهو الذي حضر إلى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176. ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من أرباب الأحوال الصادقين والأولياء المستغفرين وأصله من الصعيد. وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري. ثم أقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الأسواق والناس يتبركون به. مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة 1176 وصلوا عليه بالأزهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله. ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي. ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الأولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه أنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة أحد ابواب الحرم الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج إليه وسمع من لفظه المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي في سنة 1174. ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد العدوي الحنفي تفقه على كل من الأسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم. وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق. توفي في ثالث الحجة سنة 1175. ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن. وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة حسنة ودماثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177. ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي أحمد ابن قاسم البوتي حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه أكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة. توفي سنة 1176. ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين أبو المعالي حسن بن علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الأصل المكي ينتهي نسبة إلى الولي الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة إلى سيدي إبراهيم البسيوني ولد بمكة سنة 1142 وبها تنشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ أحمد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر. توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج. ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه إلى الأسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره وألف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الأكبر وتولى نيابة القضاء بالكاملية وكان إنسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلا على شأنه. توفي في ثاني ذي الحجة 1175. ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178. ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها. ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178. ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي. ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الأمير إبراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية. ومات أيضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية في تاسع شوال سنة 1178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة 1178. ومات الأمير الأجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب إلى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة. وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي واتقان الفروسية. ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت إليه الرياسة قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب. توفي يوم الإثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة. ومات الإمام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى وألف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور وكتب حاشية عظيمة على الأشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الإسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الأزهرية لمؤلفها وشرح على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه. توفي في شهر صفر سنة 1178. ومات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي. توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178. ومات الإمام العلامة السيد إبراهيم بن محمد أبي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل الأشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب. توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179. ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك. توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالأزهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين. ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فإنهم كانوا قبل ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا. وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض أصحابه بجمعها واشتهر بينهم أنه كان يعرف الأسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم السلف. توفي ثامن شعبان سنة 1178. ودفن بباب الوزير. ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال له: السعودي نسبة إلى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت. وكان إماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب الحديد أحد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول: ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه. توفي في شعبان سنة 1179. ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الأمراء والأكابر. ولما تولى الشيخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيرا. توفي سنة 1178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان بن عبد الله الرومي الأصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والأوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات. توفي سنة 1179. ومات السيد العالم الأديب الماهر الناظم الناثر محمد بن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الأربعين ونشأ هناك وامه شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وانتسب إليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر وخطه في غاية الجودة والصحة. وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق إليه. وتوجه بآخر امره إلى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله. ومات الإمام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة أبي النجيب من بغداد وبها نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني. ورد مصر سنة 1171. فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام القوم علافان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول: في حقه أنه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عيانا. وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة ثم ورد أيضا إلى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الأزهر. ثم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها. وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه. ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ أحمد بن أحمد السبلاوي الشافعي الأزهري الشهير برزة كان إماما عالما مواظبا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر أخذ عن الأشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان إنسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه. توفي سنة 1180. ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ. أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي وأما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي وأما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على أبي الفضل الأعرج وهو على ابن الصائغ بسنده. وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن الناس وله معرفة في علم الموسيقى والأوزان والعروض. وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في الخط لأناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس. توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180. ومات الإمام العالم أحد العلماء الاذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس واملى. وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها. فقطن بالبهجورة واعتنى به أميرها شيخ العرب إسمعيل بن عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود وأقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى إلى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة شيخه. ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة 1181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 ومات الإمام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري ولد كما أخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وأمه آمنة بنت عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة وأخذ عن الكبار من أولى الأسناد والحق الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب أحمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله أبو جابر علي بن فامر الايتاوي وابو الفيض علي بن إبراهيم البوتيجي وأبو الانس محمد بن عبد الرحمن المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الورزازي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي وابن أبي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني الضرير الشهير باسكندر ورحل إلى الحرمين سنة 1122. فسمع علي البصري والنخلي الأولية وأوائل الكتب الستة واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني في العموم وعاد إلى مصر وهو إمام وقته المشار إليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل. وكان تحريره أقوى من تقريره. وله رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الله عنه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الأجرومية ونظم النسب وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد الحسيني سنة ثلاث وعشرين. ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم. ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها الأشياخ. وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة أنواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس وأقام على هذه الحالة نحو الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول سنة 1181. ومات الشيخ الإمام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم إلى مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشي وحج سنة 1113. والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الأحمدية والشيخ محمد شويخ في الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف. توفي ليلة الإثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة ببولاق وصلي عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق إلى مدافن الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله. ومات الشيخ إمام السنة ومقتدى الأمة عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أبي القاسم النمري الأشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى محمد بن محمد بن أبي القاسم صاحب الشيخ إسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد بأهلة وعياله وكان قبل بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن. ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض المتون ولما ترعرع أخذ عن الإمام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد الفتاح بن إسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا وأجازه من مكة الشيخ حسن العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد إلى الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة. روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والأصول وكان يحثه على قراءة الاخسكيتي ويقول: لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر الكردي سمع منه أوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب الستة وعاد إلى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان يمكث فيه أيام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية وهي خمسة وأربعون مسلسلا. وسمع عليه أيضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه الخرقة ونقبه وحكمه بعد أن صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور. كذا ذكر في ترجمته. قال: وفي اخرى توجه إلى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير الورزازي والشيخ أحمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي وابي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير إليه بالتقدم في العلوم وتوجه إلى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه أكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية وكان مشهورا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني وافاد وأجاز الأشياخ وكان يطلع في كل جمعة إلى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه الحديث. وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه في الأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله. ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن أحمد بن القطب شمس الدين بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو أحد الاخوة الثلاثة وهو أكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد أبيه فسار فيها سيرا مليحا وأحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية وأكرم الوافدين وأقام حلقة الذكر كل يوم وليلة بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته وألف باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الأوسية سماها عقيلة الاتراب في سند الطريقة والاحزاب وفي آخره أتى إلى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة أيام. وتوفي ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الأول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني من جهة أم أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه وكان والده مستوفيا عند بعض الأمراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة إليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها وقرأ بها القرآن إلى سورة الشعراء ثم حجزه ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره أربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا شجاع وغير ذلك. واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرأ الكتب الدقيقة كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق والأصول والحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين أخذ عنهم وتخرج عليهم الشيخ أحمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن المبت أخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الأوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ أبي نعيم وغير ذلك. وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما وأوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم. وكان يتردد إلى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه. واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وع إلى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة أحدى وستين وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم. وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته فمن تآليفه المشهورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة. وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور. وكان كريم العين على أحداهما نقطة وأكثر الناس لا يعلمون ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه إليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم أخلاقه أنه لو سأله إنسان اعز حاجة عليه اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك إنسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه والمنتسبين إليه. وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده. وكان رزقه فيضا الهيا. وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه في خصوص الأستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك. وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية. وهي نسبة إلى سيدي محمد الخلوتي أحد أهل السلسلة ويعرفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 أيضا بالقرباشلية نسبة إلى سيدي علي افندي قره باش أحد رجالها أيضا وهذا هو الأسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد البكري في الالفية: والخلوتية الكرام فرق ... قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا وخيرهم طريقنا العلية ... من قد دعوا بالقربا شليه وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لأن ذكرها الخاص بها لا إله إلا الله وهي أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف. وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين فأخذ على رجل يقال له الشيخ أحمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين يدي السيد بعد الأستئذان وكانت عادة السيد إذا أتاه مريد امره أولا بالاستخارة قبل ذلك إلا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة إلى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة. فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ أحمد الشاذلي المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له السيد: هل لك معه حاجة قال: نعم لي معه أمانة. وإذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له: هذه أمانتك قال: نعم. فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له: خذ امانتك ثم انتبه. فأخبر السيد فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه. وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب من أهل البيت. وقال ابن الفارض في التائيه على لسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الصادق صلى الله عليه وسلم: وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بالأبوة فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنة لأنه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من الحضرة العلية إلا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة. فظهر بهذا أن هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها. ثم سار في طريقة القوم أتم سير حتى لقنه الأستاذ الأسم الثاني والثالث. ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره. فمن ذلك أنه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة وسببه أنه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له: انبسط إلى الناس واستقبلهم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. ومما اتفق له أن شيخه المذكور قال له: مرة تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت. فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له: كيف جئت في هذه الحالة. فقال: يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضا لا عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وإن كنت حافيا. فقال له: أحسنت هذا أول قدم في الكمال إلى غير ذلك. ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه أسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية تلقين الذكر وأخذ العهد كما وجد بخط الأستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما نصه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 هذه صورة أخذ العهد أرسلها إليه السيد البكري الصديقي الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية. ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة أن يجلس المريد بين يدي الأستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له: قل معي استغفر الله العظيم ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم "يا ايها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" إلى "قدير" ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الأشتباه وهي: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {عَظِيماً} ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام باوراد الطريق والدوام على ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر وإذا وقعت الأشارة بتلقين الأسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني. وفتح له باب توحيد الافعال إذ لا غيره فعال وفي الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر الأسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى اعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع. ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين انتهى. هذا ما كتب بخطه الشريف. قال: ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه. ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما نصه إذا أراد الشيخ أن ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول ما يلقيه إليه من الشروط في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 ويبسمل ثم يقول: الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم الذي لا اله إلا هو الحي القيوم واتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال. ثم يقول اللهم: إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك إني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم: إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له ولا تكن عليه. ثم يدعو كأن يقول اللهم: أصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد بنا وأرشدنا وأرشد بنا اللهم: أرنا الحق حقا والهمنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم: اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك انتهى. قلت والمراتب السبعة التي اشار إليها السيد في الكيفية المتقدمة هي مراتب الأسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال عليها الأسم الأول لا إله إلا الله وتسمى النفس فيه إمارة والثاني الله وتسمى النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو أول قدم يحله المريد من الولاية كما مرت الأشارة إليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين. وكلها ما عدا الأول منها تلقن في الاذن اليمنى إلا السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال وأقوال وعالم مثال. واعلم أن سلسلة القوم هذه في كيفية أخذ العهد والتلقين مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز وجل. وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الأربع والنبي صلى الله عليه وسلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب في التوصل إلى المحبوب لسيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 يوسف العجمي أن عليا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله تعالى. فقال: "يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات". فقال علي رضي الله عنه: هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله". فقال علي: كيف اذكر يا رسول الله. قال: غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا اسمع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي: لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع. ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند أهل السلسلة الاخيار من المحدثين. قال الجاحظ السيوطي: الراجح أن البصري أخذ عن علي ومثله عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة في الأسلام. ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن أبا النجيب السهروردي وهو لقن قطب الدين الأبهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن أخي محمد الخلوتي وإليه نسبة أهل الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن أخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي وهو لقن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 شعبان القسطموني وهو لقن إسمعيل الجورومي وهو المدفون في باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره باش أي أسود الرأس باللغة التركية وإليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي: أربعمائة ونيف وأربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر الفقهاء والمتكلمين. من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه أو جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من أن تنسب إليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته. ومنهم علامة وقته وأوانه الولي الصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية إلى الشيخ فأخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر ودعا الناس إليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن. ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من أهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 المجاهدة وحسن السيرة على يد الأستاذ حتى لقنه الأسماء السبعة والبسه التاج وأقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه إلى بلده فتوجه إليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود الانتفاع. ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني والصوفي في العالم الإنساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الأستاذ فأخذ عليه العهد ولقنه الأسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة وأخذ عليه العهد في طريق الخلوتية حتى تلقن الأسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ العهود والتسليك. ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي أخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الأسماء فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين والتسليك فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس. وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كراماته أنه متى أراد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رآه. وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر الآن والإمام الأوحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار إليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح إبراهيم الحلبي الحنفي والسيد الأجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الإمام العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم. ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم الخلف الشيخ محمد سبط الأستاذ المترجم أطال الله بقاءه. ومنهم الشيخ الفهامة الأديب الاريب واللوذعي النجيب الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي. ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ أحمد الغزالي تلقن منه الأسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم العالم العامل الشيخ أحمد القحافي الأنصاري أخذ العهد وانتظم في سلك أهل الطريق وتلقن الأسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس وافتتح مجالس الاذكار. ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الأسماء والبس التاج وصار خليفة حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الأنوار. ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال عجيبة. ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا أيضا لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج. ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 ومنهم العلامة الأوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل أيضا إليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع إلى بلاده باوفر زاد وادار مجالس الذكر وأكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه. ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه. ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك. ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فأخذ العهود ولقن وسلك وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق. ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور. ومنهم شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ أحمد العدوي الملقب بدر دير جذبته العناية إلى نادي الهداية فجاء إلى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم. ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد الرشيدي الشهير بالمعصراوي. ومنهم الإمام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي أحمد الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ سليمان البتراوي ثم الأنصاري. ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ إسمعيل اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الأكيدة وحسن المجاهدة. ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير هؤلاء ممن لم نعرف كثير. في ذكر رحلة الأستاذ المترجم إلى بيت المقدس. وهو أنه لما اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه كله إلى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين. فحن جسمه إلى زيارة شيخه وانشد لسان حاله: أخذتم فؤادي وهو بعضى فما الذي ... يضركم لو كان عندكم الكل ف أرسل إليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر إلى أن وصل بالقرب من بيت المقدس. فقيل له: إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل ركعتين وزر محل كذا فقال لهم: أنا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا إلا أستاذي فلا أدخل إلا من بابه ولا أصلي إلا في بيته. فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه إلى بيت الأستاذ فقابله بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداع يدعوني إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال: أنت صائم قلت نعم فقال: كل فامتثلت امره وأكلت فقال: اسمع ما أقول لك أن كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الأستطاعة وكل واشرب وانبسط قال: فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة غير إني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم: إن طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم: إعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ: أنا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا إلا أن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وأدار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الأرض. وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من أهل عصره إلا أذعن له وحين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الأمر لا يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له: لا تمنع أحدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على يديه خلق كثير من النصارى وأول من أخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي العالم العلامة المرشد الشيخ أحمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان أستاذه السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى أنه قال له: يوما إني اخشى من دعائكم لي بالاخ لأنه خلاف عادة الأشياخ مع المريدين فقال له: لا تخش من شيء وامتدحه أشياخه ومعاصروه وتلامذته. توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع الأول سنة 1181 ودفن يوم الأحد بعد أن صلي عليه في الأزهر في مشهد عظيم جدا وكان يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الأستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء واختلال أحوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب أن وجوده أمان على أهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك أنه لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر أن صلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الأمة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك وأستاذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا أنه لا يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الأستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا وأخرجوا التجاريد وآل الأمر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الأرض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد وأقامة اعلام الهدى والإسلام واحكام مباني التقوى لأنهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. ومات شمس الكمال أبو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين أحمد بن القطب سيدي محمد بن أبي المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده إلى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة المترجم ليلة الأحد غرة ذي القعدة سنة 1181. ومات الشيخ الإمام العلامة المتقن المتفنن الفقيه الأصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي وأصله من فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في المعارف والزهد والورع والتصوف وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي والدمياطي وبآخراته توجه إلى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها. ومات الشيخ الإمام العلامة مفيد الطالبين الشيخ أحمد أبو عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة والتلاميذ توفي سنة 1181. ومات الأمير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك إبراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك إلى النوسات ثم صار يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم إلى أن تحول إلى قبلي وانضم إلى صالح بك فأخذ يستميل متكلمي الوجاقلية إلى أن كانوا يكتبون لأغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات إلى أن حضر علي بك وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار إليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته بالامارة دونه وتحقق علي بك أنه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الأمر لنفسه ما دام حسن بك موجودا فكتم امره وأخذ يدبر على قتله. فبيت مع اتباعه محمد بك وأيوب بك وخشداشينهم وتوافقوا على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 بك وأيوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما تقدم. ومات الأمير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا ابن الأمير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه إليه ونظر فيه بالفراسة مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام أن هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل إليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له الخراج إلا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في أوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي أولا بأول وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق أنه غلا ثمنه في تلك السنة غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال: لا أخذ إلا حقي وأما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها إليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الأمراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله جربجي وإبراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير. وكان رضوان جربجي هذا من الأمراء الخيرين الدينين له مكارم أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر. ثم أن علي بك ذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي رضوان جربجي فقال له: علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك عبد الرحمن كتخدا فقال: ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس فهو يست أهل وأما هذا فهو إنسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال: نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى الأولى في هذه السنة والله سبحانه وتع إلى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف. استهل شهر المحرم بيوم الأربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة إلى بحري بسبب الأمراء المتقدم ذكرهم وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك أبو الذهب. فلما وصلوا إلى ناحية دجوة وجدوهم عدوا إلى مسجد الخضر فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا إلى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم إلى هناك واحاطوا بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا إلى محمد بك وطلبوا منه الأمان فأعطاهم الأمان وارتفع الحرب من بين الفريقين. وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم. وسكن الحال تلك الليلة ثم أن محمد بك أرسل في ثاني يوم إلى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران تابعة فقط. فلما وصلوا إلى مجلسه ودخلوا إليه فلم يجدوه فعندما استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع إلى الأرض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا إلى ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا إلى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا أنهم لاحقون باخوانهم فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر بنفيه إلى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها. ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب النصر في موكب عظيم وإمامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك وإسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم. وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وأمير الحاج خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات والوقائع. وفي ثامن عشر صفر أخرج علي بك جملة من الأمراء من مصر ونفى بعضهم إلى الصعيد وبعضهم إلى الحجاز وأرسل البعض إلى الفيوم وفيهم محمد كتخدا تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان. وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية. وفيه أرسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي أحمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم أموالا عظيمة لا يقدر قدرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام الأحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك. وفي تاسع شهر ربيع الأول حضر قابجي من الديار الرومية بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الأخبار بموت خليل بك الكبير بثغر سكندرية مخنوقا. وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا إلى بيت علي بك باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا. وفي يوم الأحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الأمراء بمنزل علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وأحمد بك بشناق المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا إلى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا أحمد بك بشناق وكملوا قتلته ووقع طريحا على الأرض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم إلى القلعة وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم ضربه معهم صالح بك وقالوا له: لم إذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم فكذبوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال أن سيفي لا يخرج من غمده لأجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم أنهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا يأمن غائلته وذلك أن أحمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وإنما كان أصله من بلاد بشناق حضر إلى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169. فاقام في خدمته إلى سنة 1171. وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن أحمد بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك وأكرمه واحبه والبسه زي المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الأحوال وخدم عند عبد الله بك علي ثم خدم عند علي بك فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الأمراء المعدودين. فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه أن يكون أول ضارب فيه لما يعلمه في من العصبية له فقيل له: أن أحمد بك اسر ذلك إلى صالح بك وحذره غدر علي بك اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا. فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له علي بك بأن ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا إلى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من مصر وذهب إلى الأسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له: إنه متوعك فحضر إليه في ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول إليه فلم يمكنهم منعه فدخل إلى محل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وأرسل علي بيك عبد الرحمن آغا وأمره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده إلى شلقان وسافر إلى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فأرسل بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي وهو أحمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي وطار صيته في الممالك. وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة فنزل محمد بيك بتجريدة إلى عرب الجزيرة وأيوب بيك إلى سويلم فلما ذهب أيوب بيك إلى دجوة فلم يجد بها أحدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه إلى البحيرة والتجأ إلى الهنادي. ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات إلى مصر واحتج عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا إلى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في ازالة أصحاب المظاهر كائنا ما كان. وفي يوم الإثنين تاسع عشرة أمر علي بك بإخراج علي كتخدا الخربطلي منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته إلى السويس ليذهبوا إلى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك الأسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب إلى غزة. وفي يوم الأحد خامس جمادى الأولى طلع علي بك إلى القلعة وقلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد أيوب بك تابعه ولاية جرجا وحسن بك رضوان أمير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم. وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك أحضر سليمان بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172. وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان بك الشابوري أمير السفر الموجه إلى الروم وأخذوا في تشهيله وسافر محمد بك أبو الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها. واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب أنه ولد لمحمد بك مولود فأرسل له بالتجاوز عن برديس أيضا إنعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه إلى مصر. وفيه قبض علي بك على الشيخ أحمد الكتبي المعروف بالسقط وضربه علقة قوية وأمر بنفيه إلى قبرص فلما نزل إلى البحر الرومي ذهب إلى اسلامبول وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم وأقام هناك إلى أن مات وكان المذكور من دهاة العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله. وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان أراد أن يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك إلى علي بك فاصبحوا وملكوا الأبواب والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان إلى بيت أحمد بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وفي يوم الأحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن الباشا. وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان إلى رجل من الأجناد يسمى إسمعيل اغا من القاسمية وأمره بقتله وكان إسمعيل هذا منفيا جهة بحري وحضر إلى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة. وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الأغا حذاء بيته وطلبه ونظر إلى الأغا واقفا باتباعه ينتظره علم أنه يطلبه ليقتله كغيره لأنه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق بابه ولم يكن عنده أحد سوى زوجته وهي أيضا جارية تركية. وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور إليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده. وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم إلى أن فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى. وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء. وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه إلى الروم في تجمل زائد. وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم الديوان ببولاق وأخذ منه أربعين ألف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا كثيرة في أموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات وسلب الأموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده. وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا وأرسلها إلى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 أغا سراج باشا وكتب مكاتبات إلى الدولة ورجالها والتمس من الشيخ الوالد أن يكتب له أيضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام بعض المصريين المطرودين إليه ومعاونته لهم وطلب منه أن يرسل من طرفه أناسا مخصوصين فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك وضع قدمه بالقطر الشامي أيضا. وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الأمراء أيضا وفيهم إبراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة وإسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فأرسل منهم إلى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي أموالهم أولا ثم يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم ونفى أيضا إبراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا إلى رشيد وكان إبراهيم هذا كتخدا ثم عزله وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم. من مات في هذه السنة. ومات الإمام الفقيه المحدث الأصولي المتكلم شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري وإنما قيل: له الجوهري لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالأزهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم الشهاب أحمد بن الفقيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 ورضوان الطوخي إمام الجامع الأزهر والشيخ منصور المنوفي والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد أبو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ عبد الله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ أحمد الهشتوكي والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد النشرتي المالكيون ورحل إلى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة 1124 ثم في سنة 1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد الله الشريف الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض إجازاته تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة والاجازة العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث والتصوف والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة المنطقي وشرحه وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري إلى كتاب الغسل وبعض الحكم العطائية وأجازه علي بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح العقائد للسعد وعقائد السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك إلى آخره وشرح الالفية للمكوي والمطول بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى النفراوي شرح التلخيص مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح المنهج لشيخ الإسلام مرارا وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح ابن عقيل على الالفية وشرح الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح التلخيص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه. واجتمع بالقطب سيدي أحمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه وممن أجازه أبو المواهب البكري وأحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالأولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين بأهله وعياله وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد إلى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله يزار ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية علي عبد السلام ورسالة في الأولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في الغرائق وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى وجهز بصباحه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة رحمه الله. ومات الإمام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة الأصولي النحوي شيخ الإسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن أحمد بن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الشافعي الأزهري ورد الجامع وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل أهل عصره وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع الفقهية حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به طلبة العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء. وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الإثنين رابع رجب وجهز في صباحه وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ أحمد ولازم حضوره تلامذة أبيه رحمه الله. ومات الإمام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الأزهري تفقه على شيخ وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير. والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس بالجامع الأزهر في حياة شيوخه ولما بنى الأمير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله خطيبا وإماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت الشيخ سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة ثم ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الأمراء واشتهر امره ودرس بعدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة المحمودية والشيخ مطهر وغيرها وألف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة. ومات الإمام العلامة أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي وسيدي عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل وألف وأفاد ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم اللغة ومعرفة بالأنساب غير أنه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره وألف عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض أهل العلم فيما يتعلق بذلك فينصحونه ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه وبلغني أنه ألف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله بالنار واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه من التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة ويغض عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم في المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله تعالى. ومات الجناب الامجد والملاذ الأوحد حامل لواء علم المجد وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن إسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لأبيه محمد وكل منهم قد تولى الإمارة والمترجم أمه هي ابنة الأستاذ سيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار إليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة السادة الأشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد أبي هادي فنزل عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان إنسانا حسنا بهيا ذا تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الأمور الدقيقة والأعمال الرياضية وهو الذي حمل الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد إلى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الأدوات الرسمية رغب فيها وحصلها بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة الكبيرة المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة على حوش المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف الدقيقة الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب اجدادهم يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم. وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة الدهر وغرة وجه العصر الإمام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق الأنوار السيد شمس الدين محمد أبو الأنوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز والارتقاء آمين. ومات الإمام العلامة الفقيه النبيه شيخ الإسلام وعمدة الانام الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري شيخ الأزهر وكنيته أبو الجود أخذ عن عمه الشمس السجيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة إلا أنه لم تطل مدته وتوفي رابع عشر شوال وصلي عليه بالأزهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق أنه وقعت له حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر وذلك أن شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من إمامه فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل إلى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه برصاصة فاصابت شخصا من أقارب الشيخ يسمى السيد أحمد فمات وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم وتعصب معه أهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ والقاضي وحضر إليهم جماعة من أمراء الوجاقلية وانضم إليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق الناس فيها الأسواق والحوانيت واعتصم أهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس بهم من كل جهة وحضر أهل بولاق وأهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة أشخاص واستمر الحال على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك أيضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه منفيا واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الأمر على الصلح وانفض الجمع ونودي في صبحها بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن الحال. ومات الشيخ الصالح الخير الجواد أحمد بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على أوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي إليه الواردون فيكرمهم ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الإعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد لائتناس الأصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ومات الإمام الفاضل أحد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ أحمد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني أنه كان يخبر عن نفسه أنه يحفظ اثني عشر ألف بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الأشياخ المتقدمين وأخذ عنهم وكان إنسانا حسنا منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين سنة تقريبا غفر الله له. ومات الأمير خليل بك القازدغلي أصله من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي وتقلد الإمارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف بالصابونجي وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك اميرا بالحج في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما حصل من تعصبهم على علي بك وهروبه إلى غزة كما تقدم وتقلبت الأحوال فلما نفي علي بك جن في المرة الثانية كان هو المتعين للإمارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي بك وصالح بك على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم إلى جهة الشام ورجعوا في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم يجسراو على الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك. فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك أبو الذهب وخشداشينه فخرجوا إليهم وعدوا خلفهم ولحقوهم إلى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ المترجم إلى ضريح سيدي أحمد البلدوي فلم يقتلوه أكراما لصاحب الضريح. وأرسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فأرسل إليه بتأمينه وارساله إلى ثغر سكندرية ثم أرسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك. وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة وأما الظلم فهو قدر مشترك في الجميع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ومات أيضا الأمير حسين بك كشكش القازدغلي وهو أيضا من مماليك إبراهيم كتخدا وهو أحد من تآمر في حياة أستاذه وكان بطلا شجاعا مقداما مشهورا بالفروسية وتقلد إمارة الحج أربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع أوائل سنة 1177 ووقع له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الأقاليم المصرية. وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل طبعه إلى المزاح والخدعة وإذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه وخدمه وضاحكهم. وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك. وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به. قتل المترجم بطندتا وأتى برأسه إلى مصر كما تقدم ودفن هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن أيضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا أيضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة. ومات الأمير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الإمارة عوضه وجيش عليه خشداشينه واشتهر ذكره وتقلد إمارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم ووكله شيخ العرب همام في أموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن لها نظير بمصر. ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا إلى السويس كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه إلى غزة ثم نقل منها إلى رشيد ثم ذهب من هناك إلى الصعيد من ناحية البحيرة وأقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما جرى من توجيه المحاربين إليه وخروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 علي بك منفيا وذهابه إلى قبلي وانضمامه إلى المذكور كما تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه إلى مصر على الصورة المذكورة آنفا وقد ركن إليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده إلى أن غدر به وخانه وقتله كما ذكر. وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب إلى الصعيد ومنهم من ذهب إلى جهة بحري. وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه إلى الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت أحدى ثناياه مقلوعة فإذا تكلم مع أحد جعل طرف سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له. ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان يحبه محبة أكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من الأموال الميرية والغلال. ولما قتل الأمير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي هناك حصة ثم أخذوه في تابوت إلى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله. ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز بالتدريس فدرس وأفاد. واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ عن صاحبه وتنقلت به الأحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار إماما في الأدب يشار إليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وله مدائح وقصائد وغزليات كلها غرر محشوة بالبلاغة تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه. توفي بهذه السنة بالمدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف. فيها في المحرم أخرج علي بك عثمان اغا الوكيل من مصر منفيا إلى جهة الشام وكذلك أحمد أغا اغات الجوالي وأغات الضربخانة إلى جهة الروم. وكان أحمد أغا هذا رجلا عظيما ذا غنية كبيرة وثروة زائدة فصادره علي بك في ماله وأمره بالخروج من مصر فاحضر المطربازية والدلالين والتجار وأخرج متاعه وذخائره وباعها بسوق المزاد بينهم فبيع موجوده من أمتعة وثياب وجواهر وتحف واسلحة وكتب واشياء نفيسة وهو ينظر إليها ويتحسر ثم سافر إلى جهة الأسكندرية. وفيها توفي محمد باشا الذي كان بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطيء النيل ولعله مات مسموعا ودفن بالقرافة الصغرى عند مدافن الباشوات بالقرب من الإمام الشافعي. ونزل الحج ودخل إلى مصر مع أمير الحاج خليل بك بلغيا في أمن وأمان. ووصل باشا من طريق البر وطلع الأمراء إلى العادلية لملاقاته ونصبوا خيامهم ودخل بالموكب وذلك في شهر صفر. وفيها أرسل علي بك تجريدة إلى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحيرة ثم نقل منها إلى المحلة الكبرى فاقام سنين. وفيها أرسل علي بك تجريدة إلى سويلم بن حبيب والهنادي بالبحبر وباش التجربدة إسمعيل بك وذلك أن ابن حبيب لما رحل من دجوة وذهب إلى البحيرة وانضم إلى عرب الهنادي وكان المتولي على كشوفية البحيرة عبد الله بك تابع علي بك فحاربوه وحاربهم حتى قتل عبد الله بك المذكور في المعركة ونهبوا متاعة ووطاقه وكان أحمد بك بشناق لما خرج من مصر هاربا بعد قتل صالح بك كما تقدم ذهب إلى الروم فصادف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 هناك جماعة من الهربانين ومنهم يحيى السكري وعلي أغا المعمار وعلي بك الملط وغيرهم وزيفوا بسبب المغرضين لعلي بك بدار السلطنة فنزلوا في مركبين إلى درنة فوصلوها متفرقين. فالتي وصلت أولا بها يحيى السكري وعلي المعمار والملط فركبوا عندما وصلوا إلى درنة وذهبوا إلى الصعيد ووصلت المركب الأخرى بعد أيام وبها أحمد بك بشناق فطلع إلى عند الهنادي. فلما وصل إسمعيل بك ومن معة بالتجريدة فتحاربوا مع الحبايبة والهنادي ومعهم أحمد بك بشناق ثلاثة أيام وكان سويلم بن حبيب منعزلا في خيمة صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة فذهب بعض العرب وعرف الأمراء بمكانة فكبسوه وقتلوه وقطعوا رأسة ورفعوها على رمح واشتهر ذلك. فارتفع الحرب من بين الفريقين وتفرق الهنادي وعرب الجزيرة والصوالحة وغيرهم وراحت كسرة على الجميع ولم يقم لهم قائم من ذلك اليوم. وتغيب أحمد بك بشناق فلم يظهر إلا بعد مدة ببلاد الشام. وفيها تقلد أيوب بك على منصب جرجا وخرج مسافرا ومعه عدة كبيرة من العساكر والاجناد فوصلوا إلى قرب اسيوط فوردت الأخبار باجتماع الأمراء المنفيين وتملكهم اسيوط وتحصنهم بها وكان من أمرهم أنه لما ذهب محمد بك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام كما تقدم وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدا بدائرتك. فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم اذهبوا إلى اسيوط واملكوها قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا امدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى اسيوط وكان بها عبد الرحمن كاشف من طرف علي بك وذو الفقار كاشف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وقد كانوا حصنوا البلدة وجهاتها وبنوا كرانك والبوابة وركب عليها المدافع فتحيل ليلا وزحفوا إلى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها الكبريت والزيت وأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة فلم يكن له بهم طاقة لكثرتهم وهم جماعة صالح بك وباقي القاسمية وجماعة الخشاب وجماعة الفلاح وجماعة مناو ويحيى السكري وسليمان الجلفي وحسن كاشف ترك وحسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وعبد الرحمن كاشف من خشداشين صالح بك وكان من الشجعان ومحمد كتخدا الجلفي وعلي بك الملط تابع خليل بك وجماعة كشكش وغيرهم ومعهم كبار الهوارة واهالي الصعيد. فملكوا اسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك فعين للسفر إبراهيم بلغيا ومحمد بك أبا شنب وعلي بك الطنطاوي ومن كل وجاق جماعة وعساكر ومغاربة وأرسل إلى خليل بك القاسمي المعروف بالاسيوطي فأحضره من غزة وطلع هو وإبراهيم بك تابع محمد بك بعساكر أيضا وعزل الباشا وأنزله وحبسه ببيت ايواظ يك عند الزير المعلق ثم سافر محمد بك أبو الذهب ورضوان بك وعدة من الأمراء والصناجق وضم إليهم ما جمعه وجلبه من العساكر المختلفة الأجناس من دلاة ودروز ومتاولة وشوام. وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا إلى أيوب بك وهو يرسل خلفهم في كل يوم بالامداد والجبخانات والذخيرة والبقسماط وذهب الجميع إلى أن وصلوا قرب اسيوط ونصبوا عرضيهم عند جزيرة منقباط وتحققوا وصول محمد بك ومن معه وفرحوا بذلك لأنهم كانوا رأوا في زايرجات الرمل سقوطه في المعركة. ثم أجمعوا رأيهم على أن يدهموهم آخر الليل فركبوا في ساعة معلومة وسار بهم الدليل في طوق الجبل وقصدوا النزول من محل كذا على ناحية كذا من العرضي فتاه وضل بهم الدليل حتى تجاوزوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 المكان المقصود بساعتين وأخذوا جهة الع رضي فوجدوه قبليهم بذلك المقدار وعلموا فوات القصد وإن القوم متى علموا حصولهم خلفهم ملكوا البلدة من غير مانع قبل رجوعهم من المكان الذي اتوا منه فما وسعهم إلا الذهاب إليهم ومصادمتهم على أي وجه كان فلم يصلوهم إلا بعد طلوع النهار. وتبقظ القوم واستعدوا لهم فالتطموا معهم وهم قليلون بالنسبة إليهم ووقع العرب واشتد الجلاد وبذلوا جهدهم في الحرب ويصرخ الكثير منهم بقوله اين محمد بك فبرز إليهم محمد بك أبو شنب وهو يقول: أنا محمد بك. فقصدوه وقاتلوه وقاتلهم حتى قتل وسقط جواد يحيى السكري فلم يزل يقاتل ويدافع حصة طويلة حتى تكاثروا علية وقتلوة وعبد الرحمن كاشف القاسمي يحارب بمدفع يضربة وهو على كتفة. وانجلت الحرب عن هزيمتهم ونصرة المصريين عليهم وذلك عند جبانة اسيوط. فتشتتوا في الجهات وانضموا إلى كبار الهوارة وملك المصريون اسيوط ودفنوا القتلى ومحمد بك أبا شنب. واغتم محمد بك أبو الذهب لموته وفرح لوقوع الزايرجة عليه ومفاداته لة لأنه كان يعلم ذلك أيضا. وأقاموا بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلي بقصد محاربة همام والهوارة. واجتمع كبار الهوارة مع من انضم إليهم من الأمراء المهزومين فراسل محمد بك إسمعيل أبا عبد الله وهو ابن عم همام واستماله ومناه وواعده برياسة بلاد الصعيد عوضا عن شيخ العرب همام حتى ركن إلى قوله وصدق تمويهاته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه. ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وبعد عنها مسافة ثلاثة أيام ومات مكمودا مقهورا ووصل محمد بك ومن معه إلى فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوا وأخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربة واتباعه من ذخائر وأموال وغلال. وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 لم يكن ورجع الأمراء إلى مصر ومحمد بك أبو الذهب وصحبته درويش ابن شيخ العرب همام. فانه لما مات أبوه وانكسر ظهر القوم بموته وعلموا أنهم لا نجاح لهم بعده أشاروا على ابنه بمقابلة محمد بك وانفصلوا عنه وتفرقوا في الجهات. فمنهم من ذهب إلى درنه ومنهم من ذهب إلى الروم ومنهم من ذهب إلى الشام. وقابل درويش بن همام محمد بك وحضر صحبته إلى مصر وأسكنه في مكان بالرحبة المقابلة لبيته وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد ويتفرج على مصر ويتفرج عليه الناس ويعدون خلفه وإمامه لينظروا ذاته. وكان وجيها طويلا أبيض اللون اسود اللحية جميل الصورة ثم أن علي بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف بشفاعة محمد بك. وذهب إلى وطنه فلم يحسن السير والتدبير وأخذ امره في الانحلال وحاله في الاضمحلال وأرسل من طالبه بالأموال والذخائر فأخذوا ما وجدوه. وحضر إلى مصر والتجأ إلى محمد بك فاكرمه وانزله بمنزل بجواره فلم يزل مقيما به حتى خرج محمد بك من مصر مغاضبا لاستاذه فلحق به إلى الصعيد وخلص الاقليم المصري بحري. وقبلي إلى علي بك وأتباعه فشرع في قتل المنفيين الذين أخرجهم إلى البنادر مثل دمياط ورشيد والاسكندرية والمنصورة فكان يرسل إليهم ويخنقهم واحدا بعد واحد فخنق علي كتخدا الخربطلي برشيد وحمزة بك تابع خليل بك بزفتا وقتلوا معه سليمان أغا الوالي وإسمعيل بك أبا مدفع بالمنصورة وعثمان بك تابع خليل بك هرب إلى مركب البيليك فحماه وذهب إلى اسلامبول ومات هناك ونفى أيضا جماعة وأخرجهم من مصر وفيهم سليمان كتخدا المشهدي وإبراهيم أفندي جمليان. ومات الباشا المنفصل بالبيت الذي نزل فيه ولحق بمن قبله. ومما اتفق أن علي بك صلى الجمعة في أوائل شهر رمضان بجامع الداودية فخطب الشيخ عبد ربه ودعا للسلطان ثم دعا لعلي بك. فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 انقضت الصلاة وقام علي بك يريد الانصراف أحضر الخطيب وكان رجلا من أهل العلم يغلب عليه البله والصلاح فقال له: من امرك بالدعاء باسمي على المنبر أقيل لك إني سلطان فقال: نعم أنت سلطان وأنا ادعو لك. فاظهر الغيظ وأمر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي فقام بعد ذلك متألما من الضرب وركب حمارا وذهب إلى داره ثم أن علي بك أرسل إليه في ثاني يوم بدراهم وكسوة واستسمحه. من مات في هذه السنة من العلماء والأمراء. مات الإمام الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي الشافعي الخلوتي ثم الأحمدي ولد تقريبا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر دروس الأشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقن الخلوتية من السيد حسين الدمرداشي العادلي وسلك بها مدة ثم أخذ طريق الأحمدية عن جماعة ثم حصل له جذب ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم. وانجذبت إليه الأرواح ومشى كثير من الخلق على طريقته واذكاره وصار له اتباع ومريدون وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكان ذا وأرادات وفيوضات واحواله غريبة. وألف كتبا عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن عطاء الله السكندري وشرح الإنسان الكامل للجيلي وله مؤلفات في طريق القوم خصوصا في طريق الخلوتية الدمرداشية الفه سنة 1144 وشرح الأربعين النووية ورسالة في الحدود وشرح على الصيغة الأحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة وله كلام عال في التصوف وإذا تكلم افصح في البيان وأتى بما يبهر الاعيلان وكان يلبس قميصا أبيض وطاقية بيضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء وصيفا وكان لا يخرج من بيته إلا في كل اسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على بغلة واتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع باحد من الناس. وكانت له كرامات ظاهرة. ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن إلى الضحوة الكبرى قامت عليه العلماء وانكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من اقدام جماعته إذ غالبهم كانوا يأتون حفاة ويرفعون أصواتهم بالشدة وكاد أن يتم لهم منعه بواسطة بعض الأمراء فانبرى لهم الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والأمراء هذا الرجل من كبار العلماء والأولياء فلا ينبغي التعرض له. وحينئذ امره الشيخ بان يعقد درسا بالجامع الأزهر فقرأ في الطيبرسية الأربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه وخمدت نار الفتنة. ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله علي وكرمه إني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي: لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه وسلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض السنين: لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لأبي بكر رضي الله عنه: اسع بنا نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا أقول الله الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الشيخ الكبير يقول لي عند ضريحه: مد يدك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حاضر عندي. ورأيته في خلوة الكردي يعني الشيخ شرف الدين المدفون بالحسينية بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل فخرجت منها هائما فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 على العود إلى الخلوة من الهيبة إلى آخر الليل. وتبسم في وجهي مرة واعطاني خاتما وقال لي: والذي نفسي بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك. ومن كراماته أنه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم عن حالهم فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين وكان تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر وتارة بالشوق في رقبتهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه. وكان إذا ركب ساروا خلفه بالاسلحة والعصي وكانت عليه مهابة الملوك. وإذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى يصير كالوحش النافر في غاية القوة فإذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف. وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة كالغزال. ولما كان بمصر مصطفى باشا مال إليه واعتقده وزاره فقال له: انك ستطلب إلى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له: الشيخ. فلما ولي الصدارة بعث إلى مصر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلا وكتابا وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم ودفن بالقبر الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور. ومات علامة وقته وأوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه والولي الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي رحل من بلدته فوة إلى الجامع الأزهر فطلب العلم وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس حتى قرأ الأشموني والمختصر ونحو ذلك واخبر عن نفسه كان ملازما لولي من أولياء الله تعالى فحين تعلقت نفسه بالمجيء إلى الجامع الأزهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر دمياط. ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير وحديث وغير ذلك حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه. ثم أخذ عن الشيخ الحفني الطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وتلقن الأسماء وسار على حسب سلوكه وسيره والبسه التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الاذكار ودعا الناس إليها في سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار القرآن ويتكلم في الحقائق. نقل عن الشيخ الحفني أنه ورد عليه منه مكتوب فقال: الحمد لله الذي جعل في اتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي. توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وخلف ولده السيد أحمد موجود في الاحياء بارك الله فيه. وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي المعروف بزيادة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به. ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشيء البليغ المجيد محمد أفندي بن إسمعيل السكندري العارف بالالسنة الثلاثة العربية والفارسية والتركية وكان لديه محاورات ولطائف ادبية وميل شديد إلى علم اللغة وبحث عن الأدوات المتعلقة به ورسائله في الالسن الثلاثة غاية في الفصاحة مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند الأمراء وقبول عند الخواص ووالده كان إسرائيليا فاسلم وحسن اسلامه وتولى مناصب جليلة بالثغر وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وادبه حتى صار إلى ما صار واستقر بمصر وما زالت له أملاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد وقد أكتهل وتناهى في السن وابقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة. ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قد احسن في كتابته واتقن في سياقه ومجموعا فيه النوادر من أشعار الالسن الثلاثة. وبالجملة لم يكن في عصره من يدانية في الفنون التي كان تجمل بها. وقد ذكره الأديب الشيخ عبد الله الادكاري في بضاعة الاريب واثنى على محاسنه وكانت بينهما الفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات أدبية. فإن المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في مجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الفضائل أحد ولم يزل حميد المسغى جميل السيرة بهيا وقورا مهيبا عند الأمراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من السنة. ومات الأستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي العربي الفاسي المصري الشهير بالسقاط ولد بفاس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد بن العربي بن الحاج الفاسي سمع منه الأحياء جميعا بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط وعلى ولده أبي العباس أحمد بن محمد العربي ابن الحاج وعلى سيدي محمد بن عبد السلام البناني كتب العربية والمعقول والبيان ولما ورد مصر حاجا لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح إلى الزكاة والشمايل بطرفيه بالجامع الأزهر وكثيرا من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي قراءة بحث وتفهيم واجازه حينئذ باواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على البصري الصحيح كاملا ومسلما بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وذلك خلف المقام المالكي عند باب إبراهيم واجازه وعلى النخلي أوائل الكتب الستة واجازه وعاد إلى مصر فقرأ على الشيخ إبراهيم الفيومي أوائل البخاري وعلى أحمد بن أحمد الغرقاوي واجازه وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع الغوري سنة 1136 وجميع المنح البادية في الأسانيد العالية واضافه على الأسودين وشابكه وصافحه وناوله السبحة واجازه بسائر السلسلات وعلى محمد القسطنطيني رسالة ابن أبي زيد برواق المغاربة وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري وعلى سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق إلى آخره واجازه به يوم ختمه وذلك ثامن شعبان سنة 1113. وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة 1160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 واجازه ابن الميت في العموم واجتمع به شيخنا السيد مرتضى في منزل السيد علي المقدسي كان قد أتى إليه لمقابلة المنح البادية على نسخته وشاركهما في المقابلة واحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان إنسانا مستأنسا بالوحدة منجمعا عن الناس محبا للانفراد غامضا مخفيا ولا زال كذلك حتى توفي في أواخر جمادى الأولى سنة 1183 ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين. ومات الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبيه الهوراي عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار واخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان منها أنه إذا نزل بساحته الوفود والضيفان تلقاهم الخدم وانزلوهم في اماكن معدة لامثالهم واحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغير ذلك ثم مرتب الاطعمة في الغداء والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدة اقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف. فان أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم ولا ينقص راتبهم وإلا قضوا اشغالهم على أتم مرادهم وزادهم أكراما وانصرفوا شاكرين وإن كان الوافد ممن يرتجى البر والاحسان أكرمه واعطاه وبلغه اضعاف ما يترجاه. ومن الناس من كان يذهب إليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة وهذا شأنه في كل من كان من الناس. وأما إذا كان الوافد عليه من أهل الفضائل أو ذوي البيوت قابلة بمزيد الاحترام وحياة بجزيل الأنعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر والغلال والثمر والسمن والعسل وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ورد عليه إنسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه. وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا. وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك إلا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى إلى قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا. وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فإن وجده خمسمائة أو أربعمائة استبش وانشرح وإن وجده ثلثمائة أو أقل أو نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى أن ربما كانت في اعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والابقار الحلابة وغير ذلك. واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة فشيء لا يعد ولا يحد وكان الإنسان الغريب إذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا إليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات. لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل إلى الحريم فينام حصة لطيفة ثم يقوم إلى الصلاة. وإذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء ورد فإذا قرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 منه بعض الاجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بانفه حذرا من رائحتهم وصنانهم. وكان له صلات واغداقات وغلال يرسلها للعلماء وأرباب المظاهر بمصر في كل سنة. وكان ظلا ظليلا بارض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد محمد مرتضى وعرف فضله أكرمه أكراما كثيرا وانعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك كان فعله مع أمثاله من أهل العلم والمزايا. ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر أمر علي بك وحصل ما تقدم شرحه من وقائعه من خشداشينه وذهابه إلى الصعيد وصلحه مع صالح بك وانضمامه إليه وكان المترجم صديقا لصالح بك وعشيرته فامدهما بالمال والرجال مراعاة لسعي صالح بك حتى تم لهما الأمر وغدر علي بك بصالح بك وخرجت رجاله واتباعه إلى الصعيد واعلموه بما اوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديدا. وحمله ذلك على أن أشار عليهم بذهابهم إلى اسيوط وتملكهم اياها فإنها باب الصعيد فذهبوا إليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم وامدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها واخرجوا من كان بها واستوحش منه علي بك بسبب ذلك وتابع ارسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم إلى قبلي على تلك الصورة فعند ذلك علم همام أنه لم يبق مطلوبا لهم سواه وخصوصا مع ما وقع من فشل كبار الهوارة وأقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه إلا الارتحال من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب إلى جهة اسنا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى قمولة فقضى عليه بها رحمه الله. وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم. ولما مات انكسرت نفوس الأمراء ثم أن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشا لكونه أكبر اخوته وأشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل. وأما الأمراء فنهم من أخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 درنه ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد. وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك واعطاه بلاد فرشوط ورجع مكرما إلى بلاده. فلم يحسن السير ولم يفلح وأول ما بدأ في احكامه أنه صار يقبض على خدم أبيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالا عظيمة في عدة أيام على مرار أخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين الفا وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والاقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع والزيت والبن والشركاء في المزارع. ووصلت اخباره بذلك إلى علي بك فعين عليه أحمد كتخدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته وأخذ منه جملة وكذلك اتباعه من بعده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لأجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها واخربوها وحضر درويش المذكور بآخرة إلى مصر جاليا عن وطنه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس. واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا. فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه وخلف ولدا يدعى محمدا. واما عبد الكريم فإنه مات على فراشه قريبا من ذلك التاريخ وترك ولدا يدعى هماما دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من السفار. وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابن عمه محمد المكذور حين أتى إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارا وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سرت بذكره الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من أكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة على شاطيء البحر وهو كبير نصف سعد مثل أبيه حبيب بن أحمد وليس لهم أصل مذكور في قبائل العرب وإنما اشتهروا بالفروسية والشجاعة. وحبيب هذا أصله من شطب قرية قريبة من اسيوط ولما مات حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من أخيه وهو الذي تولى الرياسة بعد أبيه واشتهر بالفروسية وعظم امره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورحاله وخيوله واطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا أمره ونهيه ولا يفعلون شيئا بدون اشارته ومشورته. صار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق إلى رشيد ودمياط. وكان هو وفرسه مقوما على انفراده بالف خيال. وكان ظهور حبيب هذا في أوائل القرن. واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وأمور مع إسمعيل بك ابن ايواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها أن في سنة 1125 أرسل حبيب ولده سالما إلى خيول الأمير إسمعيل بك ابن ايواظ وهجم عليها بالمربع وجم معارفها واذنابها وتركها وذهب ولم ياخذ منها شيئا. وذلك باغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه. وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية. وحضر اميرا خور واخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على الركوب عليه فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه ثم أحضر حسنا أبا دفية زعيم مصر سابقا من القاسمية مشهور بالشجاعة وجعلوه قائمقام الأمانة فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته طوائف ورجال وأمره بان يطلب شر حبيب وإن قدر على قتله فليفعل. وكتب مكاتبات للنواحي بان يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ووضع المدفعين وغطاهما بلباد وأقام رصد خيالة بالطريق وإذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين إلى الجزيرة فنزل بطريقه بغيط الأوسية فحضر الخيالة الرصد إلى الأمير حسن أبي دفية واخبروه فركب برجاله وابقى عند المدافع عشرة من السجمانية وأوصاهم بانهم إذا انهزموا من القوم فإنهم يرمون بالمدفعين سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالا ووقع منهم أيضا عند رمي المدافع والرصاص ثلاثة عشر خيالا وأخذوا منهم نحو ستة قلائع. ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته إلى أبيه وعرفه بما وقع له مع الأمير حسن أبي دفية فأرسل إلى عرب الجزيرة فاحضر منهم فرسانا كثيرة وكذلك من اقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته. ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا إمامه. فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد فانهزم إمامهم فرمحوا خلفه طمعا منهم حتى وصل المدافع فرموا بهم واتبعوهم بطلق الرصاص فولوا هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان. وأخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى ورجع سالم إلى أبيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فأرسل حبيب إلى قيطاس بك يقول له: انك اغريتنا بابن ايواظ وتولد من ذلك أنه وجه علينا قائمقامه حرقنا بالنار وقتل منا اجاويد. فأرسل إليه مكاتبة خطابا للقصاصين بمعاونته ومساعدته فحضر إليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع إليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من المنوفية وركب حبيب وأولاده وجموعه إلى جسر الناحية ونزل هناك وأرسل أولاده بخيول يطلبون شر أبي دفية. وإذا ركب عليهم انهزموا إمامه حتى يصلوا إلى محل رباطهم بالجسر ففعلوا ذلك إلى أن وصلوا إلى الجسر فضربت القصاصة بنادقهم طلقا واحدا فرموا نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذي ما أصيب في بدنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 اصيب حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الأمير حسن أبو دفية بمن بقي معه إلى دار الأوسية فأخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم في مقطع من الجسر وأرسل العبيد اتوابا لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا تكفين. ورجع إلى بلده وخلص ثأره وزيادة وحضرت الأجناد إلى مصر واخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب وأولاده فعزل الأمير حسن أبا دفية من قائمقاميته وولى خلافه وأخذ فرمانا بضرب حبيب وأولاده وركب عليهم من البر والبحر ووصلت النذيرة إلى حبيب فرمى مدافع أبي دفية البحر ووضع النحاس في أشناف والقاها أيضا في البحر. وقيل: إن حبيب قبل هذه الواقعة بأيام أحضر ستة قناديل وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عيارا واحدا وكتب على كل قنديل ورقة باسمه واسم أخيه وأولاده واسم ابن ايواظ واسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذي باسمه أولا ثم انطفأ قنديل ابن ايواظ ثم قناديل أخيه وأولاده شيئا بعد شيء. فقال: أنا أموت في دولة ابن ايواظ. ولما وصل إليه الخبر بحركة ابن ايواظ وركوبه عليه فركب باخيه وأولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن ايواظ إلى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا الرصاص وكانت المراكب وصلت إلى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك وموعدهم سماع البنادق. فعند ذلك عدوا إلى البر الشرقي وطلعوا إليه. فامر ابن ايواظ بهدم دواوير الحبايبة فهدموها بالقزم والفؤوس وانشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضاة وطاحونين وجمع أهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة. ورجع الأمير إسمعيل بك إلى مصر وأخذ الغز والاجناد ابقارا وعجولا واغناما وجواميس وامتعة وفرشا واخشابا شيئا كثيرا ووسقوه في المراكب وحضروا به من البر أيضا إلى مصر. وكتب مكاتبات إلى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من قبولهم حبيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 واولاده وإن لا ينجمع عليه أحد ولا يأويه فلم يسعهم إلا أنهم ذهبوا عند عرب غزة فاكرموهم ولم يزل بها حتى مات وحضر سالم ابنه بعد ذلك إلى قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سرا واخذله مكاتبة من إبراهيم بك أبي شنب خطابا إلى ابن وافي المغربي بأن يوطن أولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم اجازة من أستاذهم فأرسل أحضر عمه واخاه سويلما وعدوا إلى الجبل الغربي وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر وأقاموا بها إلى سنة 1130 فمات إبراهيم بك أبو شنب وكان يؤاسي أولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية. فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم فحضر سالم بن حبيب من عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن ايواظ بالحج سنة أحدى وثلاثين ودخل بيت السيد محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به وشكا له حال غربته وبات عنده تلك الليلة واخذه في الصباح إلى ابن ايواظ فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد للصنجق: عرفت هذا الذي قبل يدك. قال: لا. قال: هذا الذي جم أذناب خيولك. قال: سالم. قال: لبيك. قال: اتيت بيتي ولم تخف قال له: نعم اتيت بكفني اما أن تنتقم وأما أن تعفو فأننا ضقنا من الغربة وها أنا بين يديك. فقال له: مرحبا بك أحضر أهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق الله تعالى وعليكم الامان. وامر له بكسوة وشال وكتب له أمانا وأرسل به عبده. وركب سالم وذهب عند إبراهيم الشواربي بقليوب فاقام عنده حتى وصل العبد بالأمان إلى عمه واخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا إلى قليوب ونزلوا بدار اوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير واماكن ومساكن واتتهم العرنبية ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم. فأقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن إسمعيل بك أمير الحاج فأخذ منه اجازة بعمار البلد الذي على البحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134 واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق إلى البغازين وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمة وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية وانشأ الدواوير الواسعة والبستان الكبير بشاطيء النيل وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به أصناف النخيل والاشجار المتنوعة فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتني بطول السنة واحضر لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك. ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك جركس المتقدم ذكرها وحضر جركس بمن معه من اللموم إلى قرب المنشية وخرجت إليه عساكر مصر وأرسلوا إلى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده إلى ناحية الشيمي وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة وولى جركس ورجعت التجريدة وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة اخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة فكانت الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه كما تقدم ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع إلى بلده واشتهر امره واشترى السراري البيض ولم يزل حتى توفي سنة 1151 وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر أيضا بالفروسية والنجابة والشجاعة ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الاقليم المصري زيادة عن أخيه سالم ووسع الدواوير والمجالس ولما سافر الأمير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة أحدى وخمسين المذكورة فأرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 هدية إلى سويلم المذكور وأرسل له الآخر التقادم ثم أن الأمير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الأسباب فركب عليه على حين غفلة ليلا وتع إلى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس وكان الجاسوس سبق إليهم وعرفهم بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيدا عن البلد فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحدا. فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن أخذ شيء وبلغ خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وإبراهيم بك فركبا خلفه حتى وصلا إليه وسلما عليه فعرفهما أنه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم: لأي شيء تهربون من أستاذكم وعرفهم أنه أتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم فقابل به الأمير وقبل يده ورجع إلى دواره وأحضر أشياء كثيرة من أنواع المآكل حتى أكتفى الجميع. وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الأمراء وذبح لهم أغناما كثيرة وعجلين جاموس وتعشى الجميع واخرجوا لهم في الصباح شيئا كثيرا من أنواع الفطورات ثم قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا إلى منازلهم ولما هرب إبراهيم بك قطامش في أيام محمد راغب باشا وكان سويلم مركونا عليه فجمع سويلم عرب بلي وضرب ناحية شبرا المعدية فوصل الخبر إلى إبراهيم جاويش القازدغلي فأخذ فرمانا بضرب ناحية دجوة والخروج من حق أولاد حبيب فعين عليم ثلاثة صناجق وهم عثمان بك أبو يوسف وأحمد بك كشك وآخر ووصلتهم النذيرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون وهجموا على البلد فوجدوها خالية. ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا إلى ناحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الجبل الشرقي وأرسل إبراهيم جاويش إلى عثمان بك أبي سيف أمير التجريدة بانه ينادي في البلاد عليهم ولم يدع أحدا منهم ينزل الريف فركب عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة إليهم من الريف على الجمال فحجزها واخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بك ومن معه إلى مصر وصحبتهم ما وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل واخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم وكان علي بن سالم لم يذهب مع سويلم إلى الجيل بل أخذ عياله وذهب عند أولاد فودة فلما سمع بالتقريظ على أصحاب الدرك فأتى إلى مصر ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش وعرفه بنفسه وطلب منه الأمان فعفا عنه بشرط أن لا يقرب دجوة ويسكن في أي بلد شاء يزرع مثل الناس ثم أن سويلما ومن معه أرسلوا إلى حسين بك الخشاب بان يأخذ لهم امانا من إبراهيم جاويش ففعل وقبل شفاعة حسين بك بشرط ابطال حماية المراكب واذية بلاد الناس ويكفيهم الخفارة التي أخذوها بالقوة واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك أبو سيف واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دورا عظيما ومقاعد مرتفعة شاهقة في العلو يحمل سقوفها عدة اعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية وجميعه مفروش بالبلاط الكدان وبنى بداخل ذلك الدوار مسجدا ومصلى وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لاجناس الناس الآفاقية وغيرهم وبنى تحت ذلك الدوار بشاطيء النيل رصيفا متينا ومساطب يجلس عليها في بعض الأوقات وانشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد فإذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين البرفان امتثلوا وحضروا وأخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 تلكأوا في الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر وكان له قواعد واغراض وركائز واناس من الأمراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان مقلدية ملآن بالدنانير الذهب وكان لا يبيت في داره ويأتي في الغالب بعد الثلث الاخير فيدخل إلى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر فيعمل ديوانا ويحضر بين يديه عدة من الكتبة ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد واجناد وملتزمين وعرب وفلاحين وغير ذلك والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا باشارته أو باشارة من البلد في حمايته من أقاربه وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم وكان لهم طرائق وأوضاع في الملابس والمطاعم فيقول الناس: سرج حبايبي وشال حبايبي ومركوب حبايبي إلى غير ذلك وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصا أرباب المظاهر وكان إنسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما على قراءة الأوراد والمذاكرة ويحب أهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم وترددنا عليه وتردد الينا بمصر كثيرا وبلونا منه خيرا وحسن عشرة وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه وكان ابوهما على نزل بقليوب بدار فيحاء وكان حسن الخلق والخلق وله حشم واتباع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 كثيرة وله هيبة عندهم وكان طيب السيرة فصيحا مفوها في حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة وكان يفهم المعنى ويحقق الالفاظ ويطالع الكتب ومقامات الحريري ونحو ذلك. ومات الأمير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من مماليك أحمد كتخدا الخربطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذي بخط العقادين وصرف عليه من ماله مائة كيس وذلك في سنة 1148 وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وفي تلك السنة ألبس مملوكه المترجم على أودة باشه الضلمة وجعله ناظرا ووصيا ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الأحد عشر اميرا المتقدم بيانهم وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء دولة عثمان بك الغفاري واستقلال إبراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بامارة مصر وزوج ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحا عظيما ببركة الرطلي عدة أيام كانت من مقترحات مصر وبعد انقضاء أيام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من الرجال والنساء والصبيان للفرجة عليها ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن جلبي المشهور وانشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية وداره المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير ذلك ونفاه علي بك إلى جهة قبلي كما تقدم فلما ذهب علي بك إلى قبلي صالحه وانضوى إليه وكان هو السفير بينه وبين صالح بك في الصلح وبذل جهده في ذلك هو وخليل بك الأسيوطي حتى أتموه على الوجه المتقدم وحضر صحبته علي بك إلى مصر وسكن بداره وأقبلت عليه الناس وقصدوه في الدعاوى والشكاوى وامن جانب علي بك واعتقد صداقته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وظن أنه قلده منته فلم يلبث إلا أياما وأخرجه منفيا إلى رشيد ثم أرسل من خنقه هناك وكان اميرا جليلا وجيها جميل الصورة واسع العينين أبيض اللحية ضخما مهاب الشكل بهي الطلعة ودفن هناك. ومات الأمير محمد بك أبو شنب وهو من مماليك علي بك وقتل في معركة اسيوط كما تقدم ودفن هناك وكان من الشجعان المعروفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 سنة أربع وثمانين ومائة وألف. فيها ورد على علي بك الشريف عبد الله من أشراف مكة وكان من أمره أنه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف أحمد أخي الشريف مساعد منازعة في إمارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد فتغلب عليه الشريف أحمد واستقل بالامارة وخرج الشريف عبد الله هاربا وذهب إلى ملك الروم واستنجد به فكتب له مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه وحضر إلى مصر بتلك المكاتبات في السنة الماضية وكان علي بك مشتغلا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطني وهو طمعه في الأستيلاء على الممالك فانزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته وأقام بمصر حتى تمم اغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري وقتل من قتله وأخرج من أخرجه فالتفت عند ذلك إلى مقاصده البعيده وأمر بتجهيز الذخائر والاقامات وعمل البقسماط الكثير حتى ملأوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الأمراء المنافي الخالية ثم عبوا ذلك وأرسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت والعسل والسكر والاجبان في البر والبحر واستكتب أصناف العساكر اتراكا ومغاربة وشواما ومتاولة ودروزا وحضارمة ويمانية وسودانا وحبوشا ودلاة وغير ذلك وأرسل منهم طوائف في المقدمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 والمشاة أنزلوهم من القلزم وصحبتهم الجبخانات والمدافع وآلات الحرب وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زائد ومهيأ عظيم وساري عسكرها محمد بك أبو الذهب وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم. وفي ثاني عشرين ربيع الأول وردت الأخبار من الاقطار الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين وعرب الينبع وخلافهم من قبائل العربان والاشراف ووقعت الهزيمة على المذكورين وقتل وزير الينبع المتولي من طرف شريف مكة وقتل معه خلائق كثيرة. وفي تاسع شهر ربيع الاخر وصل نجاب إلى مصر من الديار الحجازية وأخبر بدخول محمد بك ومن معه إلى مكة وانهزام الشريف أحمد وخروجه هاربا ونهب المصريين دار الشريف ومن يلوذ به وأخذوا منها أشياء كثيرة من امتعة وجواهر وأموال لها قدر وجلس الشريف عبد الله في إمارة مكة ونزل حسن بك إلى بندر جدة وتولى إمارتها عوضا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم ولذلك عرف بالجداوي وأقام محمد بك أياما بمكة ثم عزل على المسير والرجوع إلى مصر ووصلت الأخبار والبشائر بذلك وأرسلت إليه الملاقاة بالعقبة وخلافها فلما ورد الخبر بوصوله إلى العقبة وخرجت الأمراء إلى بركة الحاج والدار الحمراء لانتظار قدومه فوصل في أوائل شهر رجب ودخل إلى مصر في ثامنه في موكب عظيم وأتت إليه العلماء والأعيان للسلام وقصدته الشعراء بالقصائد والتهاني. وفي منصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان وقلد عوضه سليم اغا الوالي وقلد عوض الوالي موسى أغا من اتباعه وأمر عبد الرحمن اغا بالسفر إلى ناحية غزة وهي أول حركاته إلى جهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 الشام وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة فلم يتحيل عليه حتى قتله هو واخوته وأولاده وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار. وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر من جمع طوائف العساكر وعمل البقسماط والبارود والذخائر والمؤن وآلات الحرب وأمر بسفر تجريدة وأميرها إسمعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي فبرزوا إلى جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوائف العسكر والمماليك والاحمال والخيام والجبخانات والعربات والضوبة وقرب الماء الكثيرة على الجمال والكرارات والمطابخ والطبول والرمور والنقاقير وغير ذلك فلما تكامل خروجهم أقاموا بالادلية أياما حتى قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا إلى جهة الشام. وفي حادي عشرينة برزت تجريدة اخرى وعليها سليمان بك وعمر كاشف وحملة كثيرة من العساكر فنزلوا من طريق البحر على دمياط. وفي عاشر شهر القعدة وردت اخبار من جهة الشام واشيع وقوع حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم. وفي منصفه خرجت تجريدة اخرى وسافرت على طريق البر على النسق. وفي سابع عشره طلب علي بك حسن اغا تابع الوكيل والروزنامجي وباش قلفة وإسمعيل اغا الزعيم وآخرون وصادروهم في نحو أربعمائة كيس بعد ما عوفهم أياما. وفي أواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد مائة ريال وثلاثمائة ريال حق طريق فضجت الناس من ذلك وطلب من النصارى القبط مائة ألف ريال ومن اليهود أربعين الفا وقبضت جميعها في أسرع وقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 من مات في هذه السنة. مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن عبد الله بن سلامة الأدكاوي المصري الشافعي الشهير بالمؤذن ولد بادكو وهي قرية قرب رشيد سنة 1104 كما اخبر من لفظه وبها حفظ القران وورد إلى مصر فحضر دروس علماء عصره وادرك الطبقة الأولى واشتهر بفن الأدب وانضوى إلى فخر الأدباء في عصره السيد على افندي برهان زاده نقيب الساده الأشراف فأنزله عنده في أكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه وصار يعاطيه كؤوس الآداب ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب وحج بصحبته بيت الله الحرام وزار قبر نبيه عليه الصلاة والسلام وذلك سنة 1147 وعاد إلى مصر واقبل على تحصيل الفنون الأدبية فنظم ونثر ومهر وبهر ورحل إلى رشيد وفوة والاسكندرية مرارا واجتمع على اعيان كل منها وطارحهم ومدحهم وفي سنة تسع وثمانين من نظمه بيتين بخطه في جدار جامع بن نصر الله بقوة تاريخ كتابتهما سنة خمس وأربعين وبعد وفاة السيد النقيب تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الأحوال وصار يتأسف على ما سلف من عيشه الماضي في ظل ذلك السيد قدس سره فلجأ إلى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار لا ينفك عنه ومدحه بغرر قصائده وكان يعترف بفضله ويحترمه ولما توفي انتقل إلى شيخ وقته الشمس الحفني فلازمه سفرا وحضرا ومدحه بغرر قصائده فحصلت له العناية والاعانة وواساه بما به حصلت الكفاية والصيانة وله تصانيف كلها غرر ونظم نظامه عقود الدرر فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية والقصيدة للزدية في مدح خير البرية ألفها لعلي باشا الجكيم ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي والفوائح الجنانية في المدائح الرضوانية جمع فيها أشعار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 المادحين للمذكور ثم أورد خاتمتها ماله من الامداح فيه نظما ونثرا وهداية المتهومين في كذب المنجمين والنزهة الزهية بتضمين الرحبية نقلها من الفرائض إلى الغزل وعقود الدرر في أوزان الأبحر الستة عشر التزم في كل بيت منها الاقتباسات الشريفة والدر الثمين في محاسن التضمين وبضاعة الاريب في شعر الغريب وذيلها بذيل يحكي دمية القصر وله المقامة التصحيفية والمقامة القمذية في المجون وله تخميس بانت سعاد صدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفا مستقلا وديوانه المشهور على حروف التهجي وغير ذلك وقد كتب بخطه الفائق كثيرا من الكتب الكبار ودواوين الأشعار وكل عدة أشياء من غرائب الأسفار رأيت من ذلك كثيرا وقاعدة خطه بين أهل مصر مشهورة لا تخفى ورأيت مما كتب كثيرا فمن الدواوين ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الالفاظ الغريبة ونزهة الالباب الجامع لفنون الآداب وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره والواردين على مصر ولم يزل على حاله حتى صار أوحد زمانه وفريد عصره وأوانه ولما توفي الأستاذ الحفني اضمحل حاله ولعب بلباله واعترته الأمراض ونصب روض عزه وغاض وتعلل مدة أيام حتى وافاه الحمام في نهار الخميس خامس جمادى الأولى من السنة واخرج بصباحه وصلى عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين فسرب تربة الشيخ الحفني وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف لما اختلفت خدام المشهد النفيسي وكبيرهم إذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في أمر العنز وذلك أنهم أظهروا عنزا صغيرة مدرة زعموا أن جماعة من الأسرى ببلاد الافرنج توسلوا بالسيدة نفيسة واحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون ويتوسلون في خلاصهم ونجاتهم من الأسر فاطلع عليم الكافر فزجوهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فلما أصبح اعتقهم واطلقهم واعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين ونزلوا في مركب وحضروا إلى مصر وصحبتهم تلك العنز وذهبوا إلى المشهد النفيسي بتلك العنز وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم أنهم يوم كذا أصبحوا فوجدوها عند المقام أو فوق المنارة وسمعوها تتكلم أو أن السيدة تكلمت وأوصت عليها وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وابرزها للناس واجلسها بجانبه ويقول للناس ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك فأقبل الرجال والنساء من كل فج لزيارة تلك العنزة وأتوا إليها بالندور والهدايا وعرفهم انها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو ذلك فأتوه باصناف ذلك بالقناطير وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والاطواق والحلي ونحو ذلك وافتتنوا بها وشاع خبرها في بيوت الأمراء وأكابر النساء وأرسلن على قدر مقامهن من النذور والهدايا وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وازدحمن عليها فأرسل عبد الرحمن كتخدا إلى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضوره إليه بتلك العنز ليتبرك بها هو وحريمه فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ وحوله الجسم الغفير من الناس ودخل بها بيت الأمير المذكور على تلك الصورة وصعد بها إلى مجلسه وعنده الكثير من الأمراء والأعيان فزارها وتملس بها ثم أمر بادخالها إلى الحريم ليتبركن بها وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها فلما أخذوها ليذهبوا بها إلى جهة الحريم ادخلوها إلى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمة وحضر الغداء وتلك العنز في ضمنه فوضعوها بين ايديهم وأكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل منها والكتخدا يقول كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا للرميس السيمن فيأكل منها ويقول: والله أنه طيب ومستو ونفيس وهو لا يعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 أنه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون فلما فرغوا من الأكل وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز فعرفه الأمير انها هي التي كانت بين يديه في الصحن وأكلها فبهت فبكته الأمير ووبخه وأمره بالانصراف وإن يوضع جلد العنز على عمامته ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والاشاير ووكل به من اوصله محله على تلك الصورة ولم يزل المترجم حتى تلعل بالأمراض والاسقام واضمحل منه الجسم والقوى بالآلام حتى وافاه الحمام في يوم الخميس خامس جمادى الأولى من السنة رحمه الله وابنه العلامة السيد أحمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية والسيد هلال الكتبي توفيا بعده بسنين والشيخ صالح الصحاف موجود مع الاحياء أعانه الله على وقته. ومات الإمام الفصيح البارع الفقيه الشيخ جعفر بن حسن بن عبد الكريم ابن محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها ولد بالمدينة وأخذ عن والده والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري وكان يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبا في حسن الالقاء والتقرير ومعرفة فروع المذهب تولى الافتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة كان قوالا بالحق إمارا بالمعروف واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه وله مؤلفات منها البر العاجل باجابة الشيخ محمد غافل والقبض اللطيف باجابة نائب الشرع الشريف وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان توفي في شهور هذه السنة قيل: مسموما والله اعلم. ومات الولي العارف أحد المجاذيب الصادقين الأستاذ الشيخ أحمد ابن حسن النشرتي الشهير بالعريان كان من أرباب الأحوال والكرامات ولد في أول القرن وكان أول امره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو وكانت له في بدايته أمور غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 يضربه بالجريد وكان ملازما للحج في كل سنة ويذهب إلى موالد سيدي أحمد البدوي المعتادة وكان اميا لا يقرأ ولا يكتب وإذا قرأ قارىء بين يديه وغلط يقول له: قف فانك غلطت وكان رجلا جلاليا يلبس الثياب الخشنة وهي جبة صوف وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما على هذه الصفة شتاء وصيفا وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة وتأتي الأمراء والأعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين عليه وانشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا وكذلك لأهله وأقاربه واتباعه واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصا زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه أحدى بناته وهي ام أولاده وبشره بمشيخة الجامع الأزهر والرئاسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته وكان مشهورا بالاستشراف على الخواطر توفي رحمه الله في منتصف ربيع الأول وصلى عليه بالأزهر ودفن بقبره الذي اعده لنفسه في مسجده نفعنا الله به وبعباده الصالحين. ومات الفقيه الصالح الشيخ علي بن أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي روى عن أبيه عن البابلي توفي في غاية ربيع الثاني من السنة. ومات الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش الشيخ أحمد المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر وكان إنسانا حسنا لا باس به مقبلا على شأنه منجمعا عن خلطة كثير من الناس إلا بحسب الدواعي توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروءة التامة شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمة بالمنوفية أخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير الاعتقاد فيه والاكرام له ولاتباعه وله حب في أهل الخير واعتقاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 في أهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان. وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب. توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف أولادا منهم محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه وأحمد وشمس الدين. ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ أحمد سبط الأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان إنسانا حسنا وقورا مالكا منهج الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس إلا بقدر الحاجة. توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ أحمد الذي تزوج بوالدته. ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الأسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان إنسانا حسنا وجيها لا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته بقنطرة الأمير حسين مطلا على الخليج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 سنة خمس وثمانين ومائة وألف. اخرج علي بك تجريدة عظيمة وسر عسكرها واميرها محمد بك أبو الذهب وأيوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وأرباب مناصب ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور والذخائر والأحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا بها السفن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وسافرت من طريق دمياط في البحر. فلما وصلوا إلى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا إلى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية إلى حد حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة ثلاثة أيام بلي إليها وتفاخروا في ذلك إلى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك وذلك في شهر ربيع أول من السنة. وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فأرسل إلى محمد بك يأمره بتقليد الأمراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وإن يستمر في سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك إلى حيث شاء وهو يتابع إليه ارسال الامدادات واللوازم والاحتياجات. ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به. فعند ذلك جمع محمد بك أمراءه وخشداشينه الكبار في خلوة وعرض عليهم الأوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس محمد بك أيضا. ثم قال لهم: ما تقولون قالوا: وما الذي تقوله والرأي لك فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به. فقال: ربما يكون رأيي مخالفا لامر أستاذنا. قالوا: ولو مخالفا لأمره فنحن جميعا لا نخرج عن أمرك واشارتك فقال: لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون بيننا. ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب. ثم أنه قال لهم: إن أستاذكم يريد أن تقطعوا اعماركم في الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الأوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره فرأيي أن نكون على قلب رجل واحد ونرجع إلى مصر ولا نذهب إلى جهة من الجهات وقد فرغنا من خدمتنا وإن كان يريد غير ذلك من المماليك يولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 أمراء غيرنا ويرسلهم إلى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا. فقالوا جميعا ونحن على رايك. وأصبحوا راحلين وطالبين إلى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب على خلاف مراد مخدومهم وبقي الأمر على السكوت. ثم أن علي بك قلد أيوب بك إمارة جرجا وقضى اشغاله وسافر إلى الصعيد بطائفته واتباعه. وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك إلى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك. وبدت بينهما الوحشة الباطنية. فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت له العساكر بالأسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب إلى ناحية البساتين وارتحل إلى الصعيد. فحضر إليه بعض الأمراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات. ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث إلا وقد أحضر عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده إمارته وبلاده وغير ذلك. فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له: تذهب إليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الأكرام فذهب ذلك الساعي وأوصل الكتاب إلى أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض ومترقب حصول الفرصة. فحضر به إلى محمد بك. فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع خاصته وأمرائه بالاستعداد والوثوب وانه إذا حضر إليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب نظراءهم وتحفظوا عليهم. فلما حضر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب بك: يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي تعاقدنا عليه بالشام قال: نعم وزيادة. قال: ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال: يقطع لسانه الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف. فعند ذلك قال له: بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك. فجمد ذلك فقال: لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا. قال: لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه ولا يصح إني أكتمه عنك أو أرد له جوابا. فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر إليه ذلك الرسول فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر. فعند ذلك قال له: حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب إلى سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه إلى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه. فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ ذاك بناحية قبلي وانضم إلى محمد بك فقال له: اذهب إلى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما حكم على نفسه بذلك. فأخذ معه المشاعلي وحضر إليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه إلى البحر فغرق ومات. وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة إلى سيده بمصر. ثم إنهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه. فعندما وقع ذلك أقبلت الأمراء والاجناد المتفرقون بالأقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين عن الحضور إليه ويظنون خلاف ذلك. وحضر إليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم وأكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر لهم وواساهم وقلدهم الخدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته. ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وحضر إليه كثير من مماليك أيوب بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ إلى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر عسكرها إسمعيل بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وأمر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز أمرها في أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في أواخر ذي القعدة. فلما التقى الجمعان خامر إسمعيل بك وانضم بمن معه من الجموع إلى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل إلى مصر. فعند ذلك اشتد الأمر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم إليهم عساكر وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه إلى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر إلى جهة الجبل وانقضت السنة. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الإمام الفقيه الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن أحمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط قرأ بالأزهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع إلى فرشوط فولي افتاء المالكية بها فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته. وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في ملابسه وجيها معتبرا في الاعين. والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من المرويات العوالي وذلك أيام رحلته إلى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ العرب وأكرمه أكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم إلى مصر مع ابن مخدومه وما زال بها حتى توجه إلى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس أياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد. توفي يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان من السنة وكان يوما مطير إذا رعد وبرق فوصل خبره إلى الجامع الأزهر فخرج إليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به إلى الأزهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به إلى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها. ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرائطي ولد في أول القرن الجامع الأزهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالأزهر ونفع الطلبة وكان إنسانا حسنا منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الاخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185. ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد ابن إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه فأجابه إلى ذلك ورحب به وكان عمره إذ ذاك نيفا وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الأستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه ليلا ونهارا ذهابا وأيابا حتى اشتهر بنسبته إليه فكان يرسله في مهماته واسراره إلى أكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم إلى العصر فيذهب إلى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات. تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك كل ذلك بقراءته وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك إلى النوسات أرسل إلى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم فأرسله إليه وأقام عنده أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز. وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر وأعطاها إلى علي بك وقال له: أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها أن كانوا يزعمون أنهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي. والخسة الأسئلة المذكورة الأول في ابطال الجزء الذي لا يتجزأ. الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه. الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه. الرابع في قول البرجلي: إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الأسلام. الخامس في الأستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل. فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الأشعرية والماتريدية. وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الأصول والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة. واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياما بسبب ذلك. ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الأصول والفروع الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى للافادة وأكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب. وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه. ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة. ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل الروم مرارا وحظي بارباب الدولة وأتى إلى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الأزهر وكان يخبر عن نفسه أنه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد اغا امينا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه إلى دار السلطنة وكانت إذ ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالا إلى السلطان مصطفى صورته أن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطان فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الأستغاثة تبركا ففاجاءه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل إلى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكر فأسر مع من أسر وذهب به إلى بلاد موسقو وبقي أسيرا مده ولم يغثه أحد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله. ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل. وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحيانا إلى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالبا. توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض احبابه بعلة البطن وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين. ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشىء الأديب الشيخ عبد الله ابن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبا وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوى. وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبا نفيسة في سائر الفنون وكان سموحا باعارتها لأهلها وكان يعرف مظنات المسائل في الكتب. وكان الأشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابا وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له. ولم يزل حتى فأجاته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفي بالمجاورين رحمه الله. ومات الأمير الجليل إبراهيم افندي الهياتم جمليان مطعونا في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 سنة ست وثمانين ومائة وألف. فيها في المحرم خرج علي بك إلى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع من البحر إلى الجبل واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي الأمراء الذين قلدهم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب وإسمعيل بك ومن معهما. وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل القاسمية وخصوصا أباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك مقيما به فلما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام إلى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره من المغاربة وغيرهم. وحضر محمد بك إلى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه وخيامه تجاهه فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار إلى جهة مصر ودخل من باب القرافة وطلع إلى باب العزب فأقام به حصة من الليل. وأشيع بالمدينة أن مراده المحاصرة بالقلعة. ثم أنه ركب إلى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر وذهب إلى جهة الشام وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم وصحبته علي بك الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه. فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك إلى بر مصر وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه ودخل محمد بك إلى مصر وصار أميرها ونادى أصحاب الشرطة على اتباعه بان لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكاننت مدة غيبته سبعين يوما. وأرسل عبد الرحمن اغا مستحفظان إلى عبد الله كتخدا الباشا فذهب إليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بابطال المعاملة التي ضربها المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشرة أنصاف وخمسة انصاف ونصف قرش. وكان أكثرها نحاسا وعليها علامة علي بك. وأما من مات في هذه السنة من العظماء. فمات السيد الإمام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدري ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكي الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الأكبر ابن الإمام زيد الشهيد ابن الإمام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة ببيت المقدس ولد تقريبا سنة 1125 بيت المقدس وبها نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى الاعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسبة الفضلي المكي وأخذ العلم عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل إلى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي. وكان من الأبدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان الزاوى وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي وعاد إلى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضا وبالسيد مصطفى البكري بحلب حين كان راجعا من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيد علي الضرير الحفني وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوي والجوهري والشمس الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الاطروش والشيخ ابن الطيب في آخرين ورأس في المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه والحديث واشتهر أمره وطار صيته. وكان فقيها في المذهب بارعا في معرفة فنونه عارفا بأصوله وفروعه ويستنبط الأحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه. وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الأسجاع وإذا سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد به الغمام وأغزر من الوبل ساعده نوء النعام. ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة وكان ذا جود وسخاء وكرم ومرؤة ووفاء لا يدخل في يده شىء من متاع الدنيا إلا وبذله لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورد الآملين ومحطا لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لانسابها وعزوه لأربابها وكان اصطبله دائما لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك. ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله إلى ربط الخيول انتقل إلى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على أن الاطراف مساكن الأشراف فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته وصرف عليها مالا كثيرا. وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه إلى دار السلطنة لامور اوجبت رحلته إليها منها أنه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان إذ ذاك محل تدريسه بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمة وانشائه على هذه الصورة ورأي أن هذه البطالة تستمر أشهرا فوجد فرصة وتوجه إليها وقرأ دروسا في الحديث في عدة جوامع واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقي واحبته الأمراء وأرباب الدولة وصارت له هناك وجاهة. الا أنه كان في درسه ينتقل تارة إلى الرد العنيف على أرباب الأموال والاكابر وملوك الزمان وينسبهم إلى الجور والعدوان وانحرافهم عن الحق فوشي به الحاسدون فبرز الأمر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد إلى مصر. فلما وصل إلى بولاق ذهب إليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه. واستقر في منزله وعاد إلى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183 ولم يترك عادته المألوفة من أكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية وإذا خرج إلى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الأغتسال مدة اقامته يوما أو يومين أو أكثر. واتفق له في آخر أمره أنه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة فحادثه الأمير على سبيل المباسطة وقال له: كيف رأيت أهل اسلامبول فقال: لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الأشرار الخلق وأما أهل العلم والاشراف فإنهم يموتون جوعا. ففهم الأمير تعريضه وأمر له بمائة ألف نصف فضة من الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يوما وتعلل بخراج أياما واحضروا له رجلا يهوديا فقصده بمشتر قيل: إنه مسموم فكان سببا لموته. وتوفي عصر يوم الأحد سادس شهر شعبان من السنة وجهز في صبح يوم الإثنين وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك. ولما أحضر له الناس من الأعيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم. وأعطى الأمير محمد بك لأخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والأعيان ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام وأكرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم. ثم أنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به إماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة وانتقل إليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالاجرة وبنى لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة 1205. فلما كانت الحوداث في سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلي البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك. فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة وخرج فارا إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه الجواسيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فلم يدركوه فعند ذلك نهبوا داره ودهموا منها طرفا وكل تخريبها أوباش الناحية وخربوا المسجد وصارت في ضمن الاماكن التي خربها الفرنسيس بهدم ما حول السور من الأبنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك. فلما حضروا ثانيا بمعونة الانكليز وتم الأمر وسافر الفرنسيس إلى بلادهم ورجع المذكور إلى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب أخذ في اسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه. ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي ين شمس الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الشريف الحاج علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة والمنهج إلى الديات والجزرية والجوهرة وسمع على الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة أحدى وأربعين جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروسا بحضرته ومختصر السعد واللقاني على جوهرته وشرح ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الأربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والاشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف النفراوي على الرسالة والبيضاوي إلى قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ} فكلمه بعد موته. وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الاجهوري فقرأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 عليه العصام في الأستعارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمد الادكاوي شرح السيوطي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الإسلام ثم قدم الجامع الأزهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع على الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل واجازه بالافتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين وكان به بارا رحيما شفوقا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة. وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الأشموني وجمع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخاري وتصريف العزى على الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيخ يوسف الأشموني والمختصر ورسالة الوضع وعلى الشيخ عطية الاجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي المنهج كله مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوي المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والأزهرية. ولما رجع إلى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والمنهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة. وكان يقول: لا بد للمبتلي بالافتاء من العباب لوضوحه واستيعابه. وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني. وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح الأربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الاجادة وقد رأيت كلا منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة. ومات الشاب الصالح والنجيب الاريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب إليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهر الليل وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناحي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومات مطعونا في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة وهو ابن عم الإمام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه. ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 الأزهري ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته إليه وحبب إليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدي وغيرهما واجازوه وحج في سنة خمس وثمانين مرافقا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا إلى مصر وتصدر للتدريس والافتاء في حياة شيوخه ودرس وأفاد. وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسا بالصرغتمشية وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتم وكان ذا صلاح وورع وخشية من الله وسكون ووقار. توفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية. ومات الإمام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوي الروحي الأحمدي المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصرى وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الأحمدية في عصره. وانتهت إليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرا حتى جاوز المائة ممتعا بالحواس وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا بين يديها فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره إلى تلك الكوة. وأخبرني أولاده أنه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من مدة طويلة. توفي في أوائل جمادى الأولى من السنة واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والأعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الأحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ومات الأمير خليل بك ابن إبراهيم بك بلفيا تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلا للإمارة ومحلا للرئاسة وتقلد إمارة الحج في سنة أحدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضا في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا. ومات الأجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوى وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينا ومحمدا وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيد الكبار واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى دارا بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجوارى وصار له داربمصر وبجدة ولم يزل حتى توفي بالشام وهو راجع إلى مصر ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله. ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البندارى وكان إنسانا حسنا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به. توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 سنة سبع وثمانين ومائة وألف. فيها تواترت الأخبار والارجافات بمجيء علي بك من البلاد الشامية بجنود الشام وأولاد الظاهر عمر فتهيأ محمد بك للقائه وبرز خيامه إلى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهو صيوان صالح بك وهو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 صاية وبطانته بالاطلس الاحمر وطلائعه وعساكره من نحاس أصفر مموه بالذهب. فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي بك بجنوده إلى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا فكانت الهزيمة على علي بك وأصابته جراحة في وجهه فسقط عن جواده فاحتاطوا به وحملوه إلى مخيم محمد بك وخرج إليه وتلقاه وقبل يده وحمله من تحت ابطه حتى أجلسه بصيوانه. وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخدا وعمر جاويش وغيرهم وذلك يوم الجمعة ثامن شهر ضفر ووصل خبر ذلك إلى مصر في صبح يوم السبت وحضروا إلى مصر وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالازبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الاطباء لمداواة جراحاته. وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر وأمير الحج إبراهيم بك محمد. وفي تلك الليلة توفي الأمير علي بك بعد وصوله بسبعة أيام قيل: إنه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند اسلافه بالقرافة. وفي سابع عشر ربيع الأول وصل الوزير خليل باشا والي مصر واطلع إلى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا من الأبراج. وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع. ومات في هذه السنة الشيخ الإمام الصالح العلامة المفيد الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخادلى الشافعي ولد بمصر سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين. وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معه وجاور سنة وكان انسنا حسنا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة واخلاق لطيفة. توفي بعد أن تعلل أياما في حادي عشري ربيع الأول وصلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. ومات المبجل المفضل الإمام العارف صاحب المعارف علي بن محمد بن القطب الكامل السيد محمد مراد الحسيني البخاري الأصل الدمشقي الحنفي ويعرف بالمرادى نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق الداغستاني وغيره وكان إنسانا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الاعراق كريم الاخلاق منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الواردين وهو والد خليل أفندي المفتي بدمشق نزل عنده السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل حتى توفي في هذه السنة. وتوفي بعده بشهرين أيضا أخوه حسين أفندي المرادى رحمهما الله. ومات الماهر الأديب الشاعر الكاتب المنشىء الشيخ إبراهيم بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الادريسي المنوفي المكي الشافعي ولد في آخر القرن الحادى عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصرى والنخلي وتاج الدين القلعي والعجمي ثم من الطبقة التي تليه مثل علي السخاوى وابن عقيلة في آخرين من الواردين على الحرمين من آفاق البلاد واعلى ما عنده اجازة الشيخ إبراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفر البيثي والسيد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخل الهند بسفارة صاحب مكة فأكرم وعاد إلى مكة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال الدولة على لسانه على إختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالا وربما شرع في كتابة سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى تتما معا وهذا من أعجب ما سمعت. وكان له مهارة ومعرفة في علم الطب وأما إنشاآته فإليها المنتهي في العذوبة وتناسب القوافي. وأما في نظمه فهو فريد عصره لا يجاريه فيه مجار ولا يطاوله مطاول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 ومات البارع المقرىء المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن خليل بن عبد الله الرومي المدني المعروف بكدك زاده ولد بالمدينة سنة 1140 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقرى الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع أكثر كتب الحديث على الشيخين ابن الطيب ومحمد حياة بقراءته عليهما في الأكثر ولازم الشيخ ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الأداء ولي الخطابة وال إمامة بالروضة المطهرة وكان إذا تقدم إلى المحراب في الصلوات الجهرية تزدحم عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد إلى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن سلمان الخربتاى فتلقى منه أشياء واجازه وذلك في سنة 1168 وحضر الشيخ الملوى والجوهرى والحفني والبليدى وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه إلى الروم ثم عاد إلى المدينة فلم يقر له بها قرار ثم أتى إلى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيا وأخذ عنهم وأحبه السيد اسمعل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أياما في منزله الملاصق لجامع قوصون فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة وازدحمت عليه الناس وراج أمره وتزوج ثم توجه إلى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما كان عليه وجلس هناك مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن يكون إماما لديه وكاد أن يتم فاحس إمام السلطان بذلك فدعاه إلى منزله وسقاه شيئا مما يفسد الصوت حسدا عليه فلما أحس بذلك خرج فارا فعاد إلى مصر واشتغل بالحديث وشرع في عمل المعجم لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته إلى البلاد. ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادرى وقرأ عليه شيئا من الصحيح وأجازه وأخذ عن السيد المعمر إبراهيم بن محمد الطرابلسي النقيب ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الاجازة من الشيخ عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم أحدى قرى الروم فاجتمع بالشيخ المعروف بمفتي خادم ورام أن يسمع منه الأولية فلم يجد عنده اسنادا وإنما هو من أهل المعقول فقط ورجع إلى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله وتمهر في الأسناد وجمع من ذلك شيئا كثيرا في مسودات بخطه ثم عاد إلى الحريمن ومنهما إلى أرض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلا من الوزير والإمام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد عبد القادر بن أحمد الحسني من بيت الأئمة ودخل شبام فأجتمع على السيد إبراهيم بن عيسى الحسني واللحية فأجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد إلى مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والاسرار وفي هذه الخطرات التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره وما مدح به الآكابر والأولياء وكان عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر إلى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له في هذه السفرات كلام كثير مفرق لم يلحقه بالديوان وكان كلما نزل في موضع ينشيء فيه قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة الالفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ معاصروه شأوه ولو أقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه ألف الغربة وهانت عنده الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هين وأجازه الشيخ محمد السفاريني أجازه طويلة في خمسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 كراريس فيها فوائد جمة. ولم يزل تتنقل به الأحوال حتى سافر إلى القدس الشريف فمكث هناك قليلا وزار المشاهد الكرام ومراقد الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم ارتحل إلى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو إذ ذاك قاضي البلد فأكرمه وأواه واحترمه. ومرض أياما وانتقل إلى رحمة الله تعالى في سلخ جمادى الثانية منها ووصل نعيه إلى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم الذي جمعه في الشيوخ والاجراء والاماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما أراد. ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي ثم المدني الحنفي الأزهري ولد بمكة إذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين وقدم به إلى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسي مفتي الحنفية ملازمة كلية وانضوى إليه فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن إلى معرفة طرق الفتوى حتى كان معيدا لدروسه وكاتبا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخه. وفي أثناء حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ البيلي والشيخ محمد الأمير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصل طرفا من العلوم وصارت له الشهرة في الجملة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه البخاري وزوجه امرأة موسرة لها بيت بالازبكية. وبعد وفاة شيخه تصدر لللاقراء في محله وصار ممن يشار إليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال أن زوجته سمته. ومات الأمير الكبير علي بك الشهير صاحب الوقائع المذكورة والحوادث المشهورة وهو مملوك إبراهيم كتخدا تابع سليمان جاويش تابع مصطفى كتخدا القازدغلي تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت أستاذه في سنة 1168 وكان قوي المراس شديد الشكيمة عظيم الهمة لا يرضي لنفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الأمور من صغره. واتفق أن بعض ولاة الأمور تشاوروا في تقليده الإمارة فنقل إليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال: أنا لا اتقلد الإمارة إلا بسيفي لا بمعونة أحد. ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم إلى عبد الرحمن كتخدا واظهر له خلوص المحبة واغثر هو أيضا به وظن صحة خلوصه فركن إليه وعضده وساعده ونوه بشأنه ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين. واتفق أنه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا الأمر على عبد الرحمن كتخدا أستاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو إلى ناحية ترسا بالجيزة أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد. فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الأمراء والأعيان على عادتهم قال لهم: أيها الأمراء من أنا اجابه الجميع بقولهم أنت أستاذنا وابن أستاذنا وصاحب ولائنا. قال: إذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا: نعم. قال علي بك: هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وأنا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه. فلم يسعهم إلا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا إلى بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية إليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على ذلك إلا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري كما تقدم ثم غدر به أيضا وأخرجه إلى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك ليوصله إلى ساحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 القلزم فلما شيعه هناك أرسل بنفي صالح بك إلى غزة ثم رد إلى رشيد ومنها ذهب إلى منية ابن خصيب وتحصن بها وجرد عليه المترجم التجاريد ولم يزل ممتنعا بها حتى تعصب على المترجم خشداشينه واخرجوه منفيا إلى النوسات ثم وجهوه إلى السويس بعد قتل حسن بك الأزبكاوى ثم منها إلى الجهة القبلية بعد قتل عثمان بك الجرجاوى وانضم إلى صالح بك وتعاقد معه وحضر معه إلى مصر وقتل الرؤساء من أقرانه ثم غدر بصالح بك أيضا كما تقدم مجمل ذلك ثم نفى باقي الأعيان وفرق جمعهم في القرى والبلدان وتتبعهم خنقا وقتلا وأبادهم فرعا وأصلا وافنى باقيهم بالتشريد وجلوا عن أوطانهم إلى كل مكان بعيد واستأصل كبار خشداشينة وقبيلته واقصى صغارهم عن ساحته وسدته. واخرب البيوت القديمة واخرم القوانين الجسيمة والعوائد المرتبة والرواتب التي من سالف الدهر كانت منظمة وقتل الرجال واستصفى الأموال وحارب كبار العربان والبوادي وعرب الجزيرة والهنادي واعاظم الشجعان ومقادم البلدان وشتت شملهم وفرق جمعهم واستكثر من شراء المماليك وجمع العسكر من سائر الأجناس واستخلص بلاد الصعيد وقهر رجالها الصناديد ولم يزل يمهد لنفسه حتى خلص له ولأتباعه الأقليم من الأسكندرية إلى أسوان ثم جرد عساكره إلى البلاد الحجازية ونفذ اغراضه بها ثم التفت إلى البلاد الشامية وتابع إرسال البعوث والسرايا والتجاريد إليها وقتل عظماءها وكبراءها وولاتها واستولت اتباعه على البلاد الشامية حتى أنهم أقاموا في حصار يافا أربعة أشهر حتى ملكوها وعمر قلاع الأسكندرية ودمياط وحصنها بعساكره ومنع ورود الولاة العثمانيين وكان يطلع كتب الأخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية ويقول لبعض خاصته أن ملوك مصر كانوا مثلنا مماليك الأكراد مثل السلطان بيبرس والسلطان قلاوون وأولادهم وكذلك ملوك الجراكسة وهم مماليك بني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 قلاون إلى آخرهم كانوا كذلك وهؤلاء العثمانية أخذوها بالتغلب ونفاق أهل ها. وينوه ويشير بمثل هذا القول بما في ضميره وسريرته ولو لم يخنه مملوكه محمد بك لرد الأمور إلى أصولها وكان لا يجالس إلا أهل الوقار والحشمة والمسنين مثل محمد افندي كاتب كبير الينكجرية ومصطفى افندي توكلي وعبد الله كتخدا محمد باشا الراقم ومرتضى أغا وأحمد افندي يجالسونه بالنوبة في اوقات مخصوصة مع غاية التحرز في الخطاب والمسامرة بوجيز القول وكاتب انشائه العربي الشيخ محمد الهلباوي الدمنهوري وكاتبه الرومى مصطفى افندي الأشقر ونعمان افندي وهو منجمه أيضا ويجل من العلماء المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ على العدوى والشيخ أحمد الحماقي وكاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في أيامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي فيما رأينا ومن مسقاته كرع المعلم إبراهيم الجوهرى وأدرك ما أدركه بعده في أيام محمد بك واتباعه من بعده وتتبع المفسدين والذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على ابطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والاهانة والقتل والنفي إلى البلاد البعيدة. ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا أو كاتبا أو غير ذلك بمصر أو غيرها من البناذر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق من العرب وأهل الحوف والزم أرباب الادراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما في حوزهم وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن قبائحهم وأيذائهم بحيث أن الشخص كان يسافر بمفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل الدراهم والدنانير إلى أي جهة ويبيت في الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها أبدا. وكان عظيم الهيبة اتفق لأناس ماتوا فرقا من هيبته وكثيرا من كان تأخذه الرعدة بمجرد المثول بين يديه فيقول له: هون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 عليك ويلاطفه حتى ترجع له نفسه ثم يخاطبه فيما طلبه بصدده وكان صحيح الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا يحتاج في التفهيم إلى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرأها ويفهم مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها. وألبس سراجينه قواويق فتلى بالفاء من جوخ أصفر تمييزا لهم عن غيرهم من سراجين أمرائه ولم يزل منفردا في سلطنة مصر لا يشاركه مشارك في رأيه ولا في احكامه وامرؤها وحكامها مماليكه وأتباعه فلم يقنع بما أعطاه مولاه وخوله من ملك بحريها وقبليها الذي افتخرت به الملوك والفراعنة على غيرها من الملوك وشرهت نفسه وغرته أمانيه وتطلبت نفسه الزيادة وسعة المملكة وكلف أمراءه الأسفار وفتح البلاد حتى ضاقت أنفسهم وشموا الحروب والغربة والبعد عن الوطن فخالف عليه كبير أمرائه محمد بك ورجع بعد فتح البلاد الشامية بدون استئذان منه واستوحش كل من الآخر فوثب عليه وفر منه إلى الصعيد وكان ما كان من رجوعه بمن انضم إليه وخامر معه وكانت وكانت الغلبة له على مخدومه وفر منه إلى الشام وجند الجنود وقصد العود لمملكته ومحل سيادته فوصل إلى الصالحية. وخرج إليه محمد بك وتلاقيا وأصيب المترجم بجراحة في وجهه وأخذ أسيرا وقتل من قتل من أمرائه ورجع محمد بك وصحبته مخدومه المذكور محمولا في تخت فأنزلوه في داره بدرب عبد الحق فأقام سبعة أيام ومات والله أعلم بكيفية موته. وكان ذلك في منتصف شهر صفر من السنة. فغسل وكفن وخرجوا بجنازته وصلى عليه بمصلى المؤمنين في مشهد حافل ودفن بتربة أستاذه إبراهيم كتخدا بالقرافة الصغرى بجوار الإمام الشافعي ومدفنهم مشهور هناك وبواجهته سبيل يعلوه قصر مفتح الجوانب. ومن مآثره العمارة العظيمة بطندتا وهي المسجد الجامع والقبة على مقام سيدي أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 البدوي رضي الله عنه والمكاتب والميضأة الكبيرة والحنفيات وكراسي الراحة المتسعة والمنارتان العظيمتان والسبيل المواجه للقبة والقيسارية العظيمة النافذة من الجهتين وما بها من الحوانيت للتجار وسميت هناك بالغورية لنزول تجار أهل الغورية بمصر في حاونيتها أيام مواسم الموالد المعتادة لبيع الاقمشة والطرابيش والعصائب وكان المشد على تلك العمارة المعلم حسن عبد المعطي وكان من الرجال أصحاب الهمم وولاه سدانة الضريح عوضا عن أولاد سعد الخادم لسوء سيرتهم وظلمهم فنكبهم المترجم وأخذ ما امكنه أخذه من مالهم وهو شيء كثير وأنفقه في هذه العمارة ووقف عليها أوقافا ورتب بالمسجد عدة من الفقهاء والمدرسين والطلبة والمجاورين وجعل لهم خبزا وجرايات وشوربة في كل يوم وجدد أيضا قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل الايوبي في القرن الخامس وقد تشعت وصدىء لطول الزمان فجدد ما تحته من خشب القبة البالي بغيره من الخشب النقي الحديث ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت بالمسامير العظيمة وهو عمل كثير. وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والأصباغ وكتب بافريزها تاريخا منظوما صالح افندى. وهدم أيضا الميضاة التي كانت من عمارة عبد الرحمن كتخدا وكانت صغيرة مثمنة الاركان ووسعها وعمل عوضها هذه الميضأة الكبيرة وهي مربعة مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية وبزابيز يصب منها الماء وحول الميضاة كراسي راحة بحيضان متسعة تجري مياهها إلى بعضها وماؤها شديد الملوحة. ومن انشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطىء النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب وهي عبارة عن قيسارية عظمية بباين بين يسلك منها من يجري إلى قبلي وبالعكس وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه حوانيت وشونه غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فحفروا اساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا لها خنازير مثل المنارات من الاحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود والقواصر والاعمدة والاخشاب المتينة. وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين. ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أع إليها. وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لأن النيل انحسر بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع إلى ناحية انبابة ولم تزل الأرض تعلو والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة إلى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة حتى صار لا يركبها الماء إلا في سنين الغرق. ثم فحش الأمر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة وسبحوا إلى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف جريانه وربت الأرض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها. وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير. بعد أن كانت نزهة للناظرين. ولقد ادركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية بولاق التكرور إلى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل الشون ووكالة الأبزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب إلى الجيعانية وينعطف إلى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل النيل شيئاا من التراب فإن اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا شيء قد تودع منه ومن امثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للامور الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فإنه كان يحذو طريق الحكام السالفين إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 إن ضعفت شوكته بتآمر الأصاغر وقيد حكمه بعد الاطلاق وترك هذا الأمر ونسي بموته وتقليد الأغاشم وتضاعف الحال حتى أن بعض الطرق الموصلة إلى بولاق سدت بتراكم الاتربة التي يلقيها أهل الاطارف خارج الدروب ولا يجدون من يمنعهم أو يردعهم وقدرت علو الأرض بسبب هذه العمارة زيادة عن أربع قامات فاننا كنا نعد درج وكالة الأبزاريين من ناحية البحر عندما كنا ساكنين بها قبل هذه العمارة نيفا وعشرين درجة وكذلك سلم قيطون بيت الشيخ عبد الله القمري وقد غابت جميعها تحت الأرض وغطتها الاتربة ولله عاقبة الأمور. ومن إنشاء المترجم داره المطلة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق التي بها والحوض والساقية والطاحون بجوارها وهي الآن مسكن الست نفيسة. وبالجملة فأخبار المترجم ووقائعه وسيرته لو جمعت من مبدأ أمره إلى اخره لكان مجلدات وقد ذكرنا فيما تقدم لمعا من ذلك بحسب الاقتضاء مما استحضره الذهن القاصر والفكر المشوش الفاتر بتراكم الهموم وكثرة الغموم وتزايد المحن واخطلاط الفتن واختلال الدول وارتفاع السفل ولعل العود يخضر بعد الذبول ويقطع النجم بعد الافول أو يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه أو يلحظنا من نظره المتغابي في أيابه: زمن كاحلام تقضى بعده ... زمن نعلل فيه بالأحلام ولله في خلقه من قديم الزمان عادة وانتظار الفرج عبادة نسأله انقشاع المصائب وحسن العواقب. ومات سلطان الزمان السلطان مصطفى بن أحمد خان تولى السلطنة في سنة 1171 فكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وكانت له عناية ومعرفة بالعلوم الرياضية والنجومية ويكرم أرباب المعارف. وكان يراسل المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري ويهاديهما ويرسل اليهما الصلات والكتب وأرسل مرة إلى الشيخ الوالد ثلاثة كتب مكلفة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 خزانته وهي كتاب القهستاني الكبير وفتاوى انقروي ونور العين في اصلاح جامع الفصولين كلاهما في الفقه الحنفي وله مؤلف في الفن دقيق ينسب إليه. وتولى بعده السطان عبد الحميد خان جعل الله أيامه سعيدة. ومات الأمير علي بك الشهير بالطنطاوي وهو من مماليك عي بك المذكور وكان من الشجعان المعروفين والفرسان المشهورين ولم ينافق على سيده مع المنافقين ولم يمرق مع المارقين ولم يزل مع مخدومه فيما وجهه إليه حتى قتل بالصالحية بين يديه. ومات الرئيس المبجل الأمير إسماعيل افندي الروزنامجي رئيس الكتبة بمصر وكان إنسانا حسنا منور الوجه والشيبة ضابطا محررا خيرا أصيب بوجع عينيه فوعده الحاج سليمان الحكاك بشيء من الكحل وأودعه في ورقه وضعها في طي عمامته وكان بها ورقة أخرى فيها شيء من السليماني لم يتذكرها وهو أبيض والكحل أيضا ابيض فلما حضر عندما خرج الورقة التي بها السليماني من عمامته وأعطاها له وأمره أن يكتحل منها وقت النوم يظنها إنها ورقة الكحل ثم انصرف إلى داره. فلما نزع عمامته وقتا النوم رأى ورقة الكحل وتذكر عند ذلك الاخرى فلم يمكنه الذهاب والتدارك ليلا لبعد المكان وفوات الوقت والمسكين صلى العشاء وأكتحل من الورقة فزال بصره في الحال واستمر مكفوفا إلى أن مات سحر ليلة الأحد سادس عشر ذي الحجة من آخر السنة وصلي عليه من الغد بسبيل المؤمنين ودفن بقبره الذي أعده لنفسه بالقرب من بن أبي جمرة عوضه الله الجنة. ومات الرجل الصالح الأمير مراد أغا تابع قيطاس بك القطامشي وكان منجمعا عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ملازما على حضور الجماعة والصلوات في المسجد. توفي يوم الأربعاء سابع عشرين شوال وصلي عليه بمصلى أيوب بك ودفن بالقرافة عند الطحاوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ومات الأمير حسن كتخدا مستحفظان القازدغلي الملقب بقرا وكان من الأمراء الكبار أصحاب الحل والعقد بمصر في الزمن السابق وانقطع في بيته عن المقارشة والتداخل في الأمور وكان مريضا بمرض الأكلة في فمه ولذلك تركه علي بك واهمله حتى مات يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة من السنة عن ذلك المرض وورم في رجليه أيضا ودفن في يومه ذلك بالقرافة. ومات أيضا مصطفى أفندي الأشقر كاتب ديوان علي بك خنقه خليل باشا بالقلعة في سابع عشرين جمادى الأولى بموجب مرسوم من الدولة حضر بطلب رأسه ورأس عبد الله كتخذا ونعمان أفندي ومرتضي أغا فوجد محمد بك امضى الأمر في عبد الله كتخدا وقطع رأسه في منزله بيد عبد الرحمن أغا ونعمان افندي ذهب إلى الحجاز اثر موت علي بك وكذلك مرتضى أغا اختفى وتغيب وذهب من مصر ولم يعلم له مكان واستمر المترجم فطلبه الباشا فلما حضر إليه أمر بخنقه فخنقوه وسلخوا رأسه ودفنوه بالقرافة وأخذ موجوداته الباشا إلى الميرى. ومات الأجل المبجل المجيد الضابط الماهر إسمعيل بن عبد الرحمن الرومي الأصل ثم المصري المكتب الملقب بالوهبي شيخ الخطاطين بمصر كتب الخط وجوده على شيخ عصره السيد محمد النورى وبرع واجتهد واشتغل قليلا بالعلم وكتب بيده المصاحف مرارا. وأما نسخ الدلائل والاحزاب والأوراد السبعة فمما لا يحصى كثرة وكان إنسانا حسنا بشوشا محبا للناس فيه مكارم الأخلاق وطيب النفس كتب عليه غالب من بمصر من أهل الكتابة وكان صاحب نقش وهمة عالية. وكان يلي منصب سيده في الخدمة العسكرية وكتب عدة ألواح كبار وتوجه بها باشارة بعض أمراء مصر إلى المدينة المنورة. فعلقها في المواجهة الشريفة بيده ونال بهذه الزيارة الشريفة والخدمة المنيفة سرورا وشرفا. ولما كانت سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 1181 أتى الأمر من صاحب الدولة بتوجيه بعض عساكر مصرية تقوية للمجهادين فكان هو من جملة المعينين فيهم رئيسا في طائفتهم فتوجه إلى الأسكندرية وركب منها إلى الروم وابلى في تلك السفرة بلاء حسنا. وبعد مدة اذن لهم بالانصراف فعاد إلى مصر وقد وهنت قواه واعترته الأمراض وزاد شكواه وهو مع ذلك يكتب ويفيد ويجيز ويعيد ويحضر مجالس أهل الخط على عادته. وجلس ملازما لفراشه مدة حتى وافاه الحمام ليلة الأحد سادس عشر ذي الحجة فجهز وصلى عليه بمشهد حافل في مصلى المؤمنين ودفن عند ابن أبي جمرة قرب العياشي في قبر كان أعده لنفسه منذ مدة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 سنة ثمان وثمانين ومائة وألف. استهلت ووالي مصر خليل باشا محجور عليه ليس له في الولاية إلا الأسم والعلامة على الأوراق والتصرف الكلي للامير الكبير محمد بك أبي الذهب والأمراء واعيان الدولة مماليكه واشرافاته والوقت في هدوء وسكون وامن والاحكام في الجملة مرضية والاسعار رخية وفي الناس بقية وستائر الحياء عليهم مرخية شعر: ماالدهر في حال السكون بساكن ... ولكنه مستجمع لوثوب ومات في هذه السنة الإمام العلامة والتحرير الفهامة حامل لواء العلوم على كأهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله من تكلحت بحبره عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى وارتفع من حضيض التقليد إلى ذرا الفضائل وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير عمدة الانام وفيلسوف الإسلام سيدى ووالدي بدر الملة أبي التدائي حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الوالي الصالح شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع باراضي الحبشة تحت حكم الخطي ملك الحبشة وهم عدة بلاد معروفة تسكنها هذه الطائفة وهم المسلمون بذلك الاقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي والشافعي لا غير وينسبون إلى سيدنا اسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان اميرهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي المشهور الذي أمن به ولم يره وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغيبة كما هو مشهور في كتب الأحاديث وهم قوم يغلب عليهم التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم ويحجون مشاة ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الأزهر بمصر وللحافظ المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل احوالهم ونسبهم. ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ إسمعيل بن سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق وأوصى عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي الذي كان يعتقده السلطان الأشرف قايتباي وارتحل إلى بحيرة ادكو فيما بين رشيد والاسكندرية وبنى هناك مسجدا عظيما ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة وبساتين ونخيل كثيرة وهو موجود إلى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر الفقير إلا أن غالب اماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها وفيه إلى الآن بقية صالحة. وبنى أيضا مسجدا شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به وقد خرب وانطمست معالمه ولم يبق إلا مدفنه وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ومن كراماته التي أكرمه الله بها أنه يرى على قبره في بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير يري ذلك سكان العمارة وغيرهم وهو أمر مشهور ومنها أن السفار وقوافل الاعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة ويتركونها من غير حارس ليالي وأياما آمنين فلا يتعدى عليها سارق البتة ويعتقدون العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور أيضا مقرر في اذهانهم إلى الآن. ومنهم الإمام الحجة المجتهد الفقيه الأصولي الجدلي صاحب التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى بتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى وغير هؤلاء كثير ببلادهم وبأرض الحجاز ومصر والقصد بذلك التعريف بالنسبة قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} والنجاشي أول من أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الملوك ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب وزوجه أم حبيبة رضي الله عنها وجهزها من عنده وأرسلها للنبي صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلى المدينة ومن أراد الاطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهداياه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهدايا النبي إليه وبعض أخبار الحبشة وما رد فيهم من الآيات الأحاديث والأثار فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن الحبوش للإمام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري خطيب المدينة المنورة ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي وتنوير الغبش في فضائلي السودان والحبش لابن الجوزي وفي تفسير البغوى اخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما مات النجاشي كنا نحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولى أبي بكر الصديق وهو أول من اذن في الإسلام وأول من ثوب في الفجر كما في الأوائل للسيوطي وكان خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت المال كما في تهذيب الأسماء واللغات وكان يبدل الشين بالسين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه: "شين بلال سين عندي وعند الله". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعنى بلالا. وروى عنه كثير من كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم اجمعين. ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما خدامه من الحبشة الاحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من امائه وأهل بيته. ومنهم ام ايمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة السعدية وثويبة وبركة جارية ام حبيبة وبريرة مولاة عائشة رصى الله عنها وتبعة جارية ام هانىء بنت أبي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة. ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب وهو أول من استشهد ببدر وكان من المهاجرين الأولين وعده النبي صلى الله عليه وسلم من سادات أهل الجنة وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة. ومنهم أسلم مولى عمر بن الخطاب وأيمن الحبشي المكي والد عبد الواحد ابن ايمن وبسار مولى المغيرة بن شعبة اخرج الحسن بن محمد الخلال في كرامات الأولياء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا أبا هريرة يدخل علي الساعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 من هذا الباب رجل من أجل السبعة الذين يدفع الله عز وجل عن أهل الأرض بهم الاذى". فإذا حبشى قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة فيها ماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هو هذا". ثم قال: "مرحبا بيسار" ثلاث مرات وكان يرش المسجد ويكنسه ومات في عهده صلى الله عليه وسلم. واما الصحابة الاحرار من الجيوش الاخيار الذين كانوا يخدمون الرسول وأصحابه وأهل بيته فكثيرون جدا لا يمكن استيعابهم في هذا الأستطراد ضبطا وعددا وكذلك ابناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين والخلفاء العباسيين ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن امية بن خلف الجمحي وعمرو ابن العاص وغيرهما مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة بالاتفاق وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء والكرم مشهورة والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة وفي الجيوش أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم من جنس لقمان الحكيم وهم أجناس منهم السحرتي والامحرى وهم أحسن أجناس الحبوش الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول: حبشية سألتها عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى ... قالت فما تبغيه جنسى أمحرى والامحرية تفوق على السحرتية باللطف والظرف والسحرتية تفوق على الامحرية بالشدة والعنف فبينهما عموم وخصوص مطلق وقيل: إن النجاشي منهم رضي الله عنه ويقال أن بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفازوا بخطابه أعني قوله لهم دونكم يا بني ارفدة منهم ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع الدموات وبلين ونوعان آخران وهما قمو وقتر ونوع آخر يسمى ازاره. عود وانعطاف. ان الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه وإليه ينتهي علمنا بالاجداد هو الذي ارتحل من بلاده ووصل الينا خبره سلفا عن خلف فقدم من طريق البحر إلى جدة وانتقل إلى مكة فجاور بها. وحج مرارا وذهب أيضا إلى المدينة المنورة فجاور بها سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الأشياخ وتلقى عنهم ثم رجع إلى جدة وحضر إلى مصر من طريق القلزم فدخل إلى الجامع الأزهر في أوائل العاشر وجاور بالرواق ولازم حضور الأشياخ واجتهد في التحصيل وتولى شيخا على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد له. فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم الصلاح والاشتغال بطلب العلم وتولى مشيخة الرواق كوالده وانجب وقرأ دروسا في الفقه والمعقول بالرواق وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن ولا يبيت عند عياله ليلة أو ليلتين في الجمعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لاجل الأشتغال بالمطالعة أول الليل على السهارة والتهجد آخره. ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض الليالي الشتوية فايقظ النقيب ليسرج له سراجا فقام من نومه متكرها وأخذ قنديلا وذهب ليسرجه فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نورا فستر ذلك القنديل ونظر إليه من بعد لينظر من أين أتاه الأسراج فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة يده اليمنى رافعها وهي تضىء مثل الشمعة المستنيرة ويطالع في نورها. ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار إليه بكتمان سره ولم يعش الشيخ بعد ذلك إلا قليلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وتوفي إلى رحمة الله تعالى. وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضا على قدم اسلافه في ملازمة العلم والعمل وصار له شهرة وتزوج بزينب بنت الإمام العلامة القاضي عبد الرحمن الجويني ولم يزل مواظبا على شأنه وطريقة اسلافه حتى توفي وخلف ولديه الإمام العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر تجرمته المتوفي سنة 1097 وأخاه الشبخ عبد الرحمن ومات في حياة أخيه سنة 1086 وكان لزينب الجوينية اماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي زوجها المذكورين. ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد إبراهيم وضيعا فكفلته والدته الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الأنصاري فنشأ أيضا نشوءا صالحا حتى بلغ الحلم فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي في سنة 1108 وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف ومات والده وعمره شهر واحد وسن والده إذ ذاك ست عشرة سنة فربته والدته بكفالة جدته أم أبيه المذكورة وصاية الإمام العلامة الشيخ محمد النشرتي وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر سنين واشتغل بحفظ المتون فحفظ الألفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن السلم والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك. واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع خادمه بطريق الأزهر فنظر شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ الشرنبلالي فتقدم إليه ليقبل يده كغيره فنظر إليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال من يكون هذا الغلام ومن أبوه فعرفوه عنه فتبسم وقال عرفته بالشبه. ثم وقف وقال: اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على والدي وأحب أن تقرأ علي شيئا وأجيزك وتتصل بيننا سلسلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الاسناد وتلحق الاحفاد بالاجداد. فامتثل اشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه متن نور الايضاح تأليف والده في العبادات وكتب له الاجازة ونصها الحمد لله الذي أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده إلى سواء طريقه وإذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا سريك له المنعم بلطائف الانعام وعظيمه ودقيقه وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الهادي إلى الخير الكامل والجبر الشامل فأصبح كل أحد مغمورا في بحر فضله وجوده محفوظا من كيد الشيطان وجنوده وتعويقه وعلى آله الأطهار وصحابته الاخيار. وبعد فقد حضر لدى الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الأعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي رحم الله اسلافه وبارك فيه وقرأ على متن نور الإيضاح من أوله إلى آخره تأليف والدي المندرج إلى رحمة الله تعالى سيدي وسندى الإمام العلامة الشيخ حسن ابن عمار الشرنبلالي وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته اجازة عامة كما أجازني به وتفقه أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي شارح نظم الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكنز عن القاضي عبد البر بن الشحنة عن المحقق الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارىء الهداية عن علاء الدين السيرامي عن السيد جلال الدين شارح الهداية عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري عن حافظ الدين صاحب الكنز عن شمس الأئمة الكردري عن برهان الدين صاحب الهداية عن فخر الإسلام البزدوى عن شمس الأئمة السرخسي عن شمس الأئمة الحلواني عن القاضي ابن علي النسفي عن الإمام محمد بن الفضل البخاري عن عبد الله السند موني عن الأمير عبد الله بن أبي حفص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 البخاري عن أبيه المذكور عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني عن الإمام أبي يوسف عن الإمام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه عن الإمام حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي عن الإمام علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام عن الله عز وجل. وأوصى الولد الاعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى والله تعالى يوقفه وينفع به وبعلومه ويهدينا وأياه لما كان عليه السلف الصالح في اسساس الدين ورسومه. قال ذلك الفقير إلى الله تعالى: حسن بن حسن الشرنبلالي الحنفي في ثالث ربيع الأول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة وقد جاوز التسعين. واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم وحضر اشياخ العصر وتفقه على الإمام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني والدر المختار وكتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح المنار لابن فرشتة وشرح التحرير للكمال بن الهمام وشرح جمع الجوامع ومختصر السعد وعلى العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي شرح الكنز للعلامة الزيلعي والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض والشنشورى على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة وعلى الشيخ علي العقدي الحنفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار والقلصادى ومنظومة ابن الهائم وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادى الحنفي ملتقى الأبحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء والقدورى وعقود الجمان في المعاني والبيان وأيساغوجي وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصياغ شرح الكبرى وام البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد والكشاف والبيضاوى والشمائل والصحيحين رواية ودراية والأربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الالفية والشيخ خالد على الآجرومية والأزهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على التهذيب وشيخ الإسلام على الخزرجية وعلى الشيخ عيد النمرسي شرح الورقات والسمرقندية وآداب البحث والعضدية والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة والعروض واعمال المناسخات والكسورات والأعداد الصم والغربال والمساحة والحساب وعلى الشيخ شلبي البرانسي تلخيص المفتاح والمطول والتجريد وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير المكودى على الالفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجامي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول وعلى الشيخ أحمد العمادى شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى وشرح مختصر السنوسي والكافي ونوادر الأصول والجامع الصغير وشرح المقاصد وعلى الشيخ حسن المدابغي الأشموني على الالفية وشرح المراح وقواعد الاعراب والمغنى وعلى الشيخ الملوى شرحه على السلم وشرح معراج الغيظي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة والمسلسلات والمسندات وحضر أيضا دروس الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأبو العز العجمي وغيرهما وجد في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول وبالسنانية ببولاق. وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب عندما كان النيل ملاصقا لسدته فساكنها مدة فكان يغدو إلى الجامع ثم يعود إلى بولاق وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود إلى السنانية فيملي هناك درسا ثم احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف فيه اشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم فانتقلت إلى مصر وكانوا يذهبون إلى مكان لها بمصر العتيقة في أيام النيل بقصد النزهة وهي التي أعانته على تحصيل العلوم اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة وكانت جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات ووقفت عليه أماكن ومنها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الاقبغاوية ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لاقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة وربعة تقرأ في كل يوم وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والايتام والفقراء في عيد الأضحية. وتزوج بجدته المذكورة بعد موت جده الأمير علي أغا باش اخيتار متفرقة المعروف بالطورى وتزوج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح وكانت إذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات. ولما مات علي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين تقلد ذلك بعده المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقية عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه حتى مات بعد مدة طويلة وأرسل خادما له يسعى سليمان الحصافي جربجيا على قلعة المويلح فقتلوه هناك فتكدر لذلك وترك هذا الأمر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الأشتغال وماتت زوجته بنت الأمير علي أغا المذكور في حياة ابيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم املاك وعقارات وأوقاف ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل النيل وآخره تجاه جامع مزره جربجي وهو سكن رمضان جلبي المذكور وكان إنسانا حسنا رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة. ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة. وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة أحدى وخمسين وكانت به بارة وله مطيعة. ومن جملة برهالة وطاعتها أنها كانت تشتري له من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 السراري الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن إليه وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك وكان يتزوج عليها كثيرا من الحرائر ويشتري الجوارى فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة. ومن الوقائع الغريبة أنه لما حج المترجم في سنة ست وخمسين واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة الوصي بان يشترى جارية بيضاء تكون بكرا دون البلوغ وصفتها كذا وكذا فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجوارى لينقى منهن المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى يرسلها مع من أوصاه بارسالها صحبته. فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من الزوادة ونحو ذلك فقالت له إني أحببت هذه الوصية حبا شديدا ولا أقدر على فراقها وليس لي أولاد وقد جعلتها مثل ابنتي والجارية بكت أيضا وقالت لا أفارق سيدتي ولا اذهب من عندها أبدا. فقال: وكيف يكون العمل قالت ادفع ثمنها من عندى واشتر أنت غيرها ففعل. ثم انها اعتقتها وعقدت له عليها وجهزتها وفرشت لها مكانا على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت ضرتها وولدت له أولادا. فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت إلى مولاتها وكانت في حالة غطوسها فبكت وزاد بها الحال وماتت تلك الليلة فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها آخر الليل وحبستها بيدها وصارت تقول أن قلبي يحدثني انها ماتت ورأيت في منامي ما يدل على ذلك فلما تحققت ذلك قامت وجلست وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها ورجعت إلى فراشها ودخلت في سكرات الموت وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني. وهذا من أعجب ما شاهدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ورأيته ووعيته وكان سني إذ ذاك أربع عشرة سنة. واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على عبد الله أفندي الانيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك وأجازه الكتبة وأذنوه أن يكتب الاذن على اصطلاحهم ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندى النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها وكتب الديواني والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركي حتى أن كثيرا من الاعاجم والأتراك يعتقدون أن أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم. وفي سنة أربع وأربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المارديني والمجيب والمقنطر ونتيجة اللادقي والرضوانية والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط وإلى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي. وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والأرتفاع والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل وخالط أرباب المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف وحل الرموز وفتح الكنوز واستخرج نتائج الدر اليتيم والتعديل والتقويم وحقق اشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط والزيج والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات والتسهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام والظلال ودقائق الأعمال وانتهت إليه الرياسة في الصناعة واذعنت له أهل المعرفة بالطاعة وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى وشهد له الطوسي والأبهري وتبوأ من ذلك العلم مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا وقدم القدوة العلامة والحكيم الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي وكان متضلعا من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة مثل الشيخ الوسمي والشيخ أحمد الدمنهوري وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فذهب إليه للاخذ عنه فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته عليه فلم يزل به حتى نقله إلى داره وافرد له مكانا وأكرم نزله وقام باوده وطالع عليه الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والمبيدي قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس في الهندسة وتحرير اقليدس والمتوسطات والمبادي والغايات والأكر وعلم الأرتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك. ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الألهية وكان من الواصلين فيها فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الأشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس وكان يحكي عنه أمورا وعبارات واشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء ولم يزل عنده حتى عزم على الرحلة وسافر إلى بلاده. وقدم إلى مصر الإمام العلامة الشيخ محمد الغلاني الكشناوى وسكن بدرب الأتراك فأجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق وقرأ عليه شرح منظومة الجزنائية للقوصاني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك وسافر الشيخ إلى الحج وجاور هناك فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده وكمل عنده غالب مؤلفاته ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته ولقي المترجم في حجاته الشيخ النخلي وعبد الله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندى والسيد محمد السقاف وغيرهم وتلقى عنهم واجازوه وتلقوا هم أيضا عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندى طريق السادة النقشبندية والأسماء الأدريسية. وهذه صورة اجازة الشيخ عمر ابن أحمد بن عقيل ومن خطه نقلت بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 اصطفى خصوصا أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته أجمعين وبعد فإن مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص أن الباحث عن ألسنة الغراء لأتباع هدى سيد الأنبياء الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع إلى المقام الأعلى ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا ما يتداول منها إلا التعلل برسوم الأسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد فذو الهمة هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله الذين عليهم مغناه إلا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل إلى أعلى محل سيدنا وأستاذنا الشيخ حسن المرحوم إبراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده الله بالمدد الألهي فطلب من هذا الفقير أن أجيزه فلما لم أجد بدا من الأمتثال قلت سائلا التوفيق في الأول والفعال أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى السطور أجزل الله تعالى له الأجور ما يجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع وأصول وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الألفاظ وسير الرجال والديانة حسبما أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدي لأمي بعد أن قرأت عليه جانبا كبيرا من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق وغيره من الشيوخ أهل التوفيق وقد سمع مولانا الشيخ حسن منى أوائل البخارى ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذى وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت بي روايته متى أراد رفع سند أو كتاب لمن هو من أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه في غنية عن ذلك ولكن جرت العادة بأخذ الأكابر عن الأصاغر تكثيرا لسوادنا فهي سنة الأوائل والأواخر. وكذلك اجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة اللهم صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله حسبما أجازني بها ملانا الشيخ طاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 ابن الملا إبراهيم الكوراني عن شيخه الشيخ حسن المنوفي مفتي الحنفية بالمدينة سابقا عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي عن بعض اجلاء شيوخه وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين وبالمواظبة عليها يظهر نتائج فتحها خصوصا لمبتغى هذا العلم المجد في طلبه من ذويه نفعه الله تعالى بالعلم وجعله من أهل يه وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الأجور بالاسماء الأربعينية الادريسية السهروردية بقراءتها واقرائها لخل صادق أن وجد كما أجازني بذلك جملة من الشيوخ وقد اتصل سندي بها أيضا عن مولانا وسيدنا الامجد مولانا الشيخ أحمد بن محمد النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي وهو يرويها عن الشيخ حجازي الديربي عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي وأجازه شيخه أيضا بشرحها للشيخ عثمان النحراوى قال الشيخ عثمان: أجازني بالاسماء الادريسية العظام الشيخ كمال الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوى عن السيد صبغة الله أحمد عن السيد وجيه الدين العلوى عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد الغوث عن الحاج حصور عن أبي الفتح هدية الله سيرمست عن الشيخ قاضن الستارى عن الشيخ ركن الدين صينوورى عن الشيخ يابوتاج الدين عن السيد جلال الدين البخارى عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل عن الشيخ أبي البركات بهاء الدين زكريا عن شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردى عن سيدي وجيه الدين المعروف بعمويه عن الشيخ أحمد اسود الدينوري عن الشيخ ممشاد الدينوري عن الشيخ أبي القاسم الجنيد البغدادى عن خاله سرى السقطى عن الشيخ معروف الكرخي عن الشيخ داود الطائي عن الشيخ حبيب العجمي عن سيد التابعين حسن البصري عن إمام المشارق والمغارب سيدنا علي بن أبي طالب عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه وصفيه وخليله النبي الرسول الحاوى لجميع الكمالات الأصلية والفرعية الجامع لكل الصفات السنية والمراتب العلية المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه وسلم قال ذلك بفمه وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوى حفيد مولانا الشيخ عبد الله ابن سالم البصري عفا الله تعالى عنهم أجمعين سائلا من الشيخ المذكور أن لا ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته وجلواته وحركاته وسكناته وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى وكمال الأستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد واسأل الله تعالى الكريم المنان أن يوفقني وأياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل ويجعلنا من العلماء العاملين والهداة الراشدين وإن يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين. وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم وشاركهم وشاركوه مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ إبراهيم الزمزمي وحسن أفندي قطعة مسكين وأحمد افندي الكرتلي والأستاذ عبد الخالق بن وفي وكان خصيصا به وأجازه بالأحزاب وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج الوفائي والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ علي بندق الشناوى الأحمدى وكثير من المشايخ الأزهرية مثل السيد محمد البنوفرى والشيخ عمر الأسقاطي والشيخ أحمد الجوهرى والشيخ أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدى والشيخ إبراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودى محشي ملا مسكين وغيرهم من الآكابر والاخيار وأهل الأسرار والانوار حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالاجلال العيون وعلا شأنه على علماء الزمان وتميز بين الاقران واذعنت له أهل الاذواق وشاع ذكره في الآفاق ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية وأتوا إليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته فمنهم من ينفر بعد اتمام نسكه وبلوغ امنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته وكان رحمه الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للورادين يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي مناه والمقتفى جدواه والراغب أقصى مرماه مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة وعدم رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى مع حسن الاخلاق والصفات التي سجدت لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن النقائص والرذائل وقورا محتشما مهيبا في الاعين معظما في النفوس محبوبا للقلوب لا يعادى أحدا ولا يخاصم على الدنيا فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من الأشياء وأما مكارم الاخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم الغيظ والأنبساط إلى الجليل والحقير كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك ولا يرى لنفسه مقاما أصلا ولا يعرف التصنع في الأمور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على التلاميذ والطلبة ولا يرضي التعاظم ولا تقبيل اليد وله منزلة عظيمة في قلوب الآكابر والأمراء والوزراء والأعيان ويسعون إليه ويذهب إليهم لبعض المقتضيات والشفاعات ويرسل إليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها وله عندهم محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الأشياخ لمعرفته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من المزايا والاسرار والمعارف المختص بها دون غيره وخصوصا أكابر العثمانيين والوزراء وأهل العلوم والفضلاء منهم مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور وغيرهم ويأتون إليه أحيانا في التبديل. وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك. وكان بينه وبين الأمير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة وحج في أيام إمارته على الحج مرافقا له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله ولم يصله منه سوى ما كان يرسله إليه على سبيل الهدية وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقا من أسفل وكثير الدرج فعالجه إبراهيم كتخدا على أن يشترى له أو يبني له دارا واسعة فلم يقبل وكذلك عبد الرحمن كتخدا وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من الأزهر وآخر بالابزارية بشاطىء النيل ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه. وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته وكان يقتني المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود ومات له من الأولاد نيف وأربعون ولدا ذكورا واناثا كلهم دون البلوغ ولم يعش له من الأولاد سوى الحقير وكان يرى الأشتغال بغير العلم من العبثيات وإذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه وأكرمه وخصوصا إذا كان غريبا وربما دعاه للمحاورة عنده وصار من جملة عياله ومنهم من أقام عشرين عاما قياما ونياما لا يتكلف إلى شىء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من غير ملل ولا ضجر. وانجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة مثل الشيخ أحمد الراشدى والشيخ إبراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الاتقان الخياط والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة أحمد العروسي والشيخ إبراهيم الصيحاني المغربي والطبقة الاخيرة التي ادركناها مثل الشيخ أبي الحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني. وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوي والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوى وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده ليلا ونهارا وخصوصا الشيخ محمد النفراوى والصبان ومحمود أفندي النيشي والفرماوى والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد عرفة فإنهم كانوا بمنزلة أولاده خصوصا الأولين فانهما كانا لا يقارفانه إلا وقت اقراء دروسهما وكان يباسط اخصاءه منهم ويمازحهم ويروحهم بالمناسبات والأدبيات والنوادر والأبيات الشعرية والمواليات والمجونيات والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة فيقطعون الأوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى للمفاكهة والمباسطة والنوادر الأدبية. ومن الملازمين على الترداد عليه والأخذ عنه الشيخ محمد الجوهرى والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه السيد عثمان والسيد محمد. وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوى تلقى شرح الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيرا من المسائل الحكمية. ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم: اصبروا مكانكم حتى اذهب إلى من هو أعرف مني بذلك وأعود اليكم. ويأتي إلى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة ويقوم في الحال فيرجع إلى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والانصاف. وقد تكرر منه ذلك غير مرة وكان يقول عنه: لم نر ولم نسمع من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد إيمانه إلا هو رحم الله الجميع. وممن تلقى عنه من أشياخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 العصر العلامة الشيخ محمد المصليحي والعلامة الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد المسودى والشيخ أحمد بن يونس والشيخ محمد الهلباوى والشيخ أحمد السجاعي لازمه كثيرا وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية وألف في ذلك متونا وشروحا وحواشي. وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون واجل الحجازيين الشيخ إبراهيم الزمزمي. وأما ما اجتمع عنده وما اقتناه من الكتب في سائر العلوم فكثير جدا قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم. وكان سموحا باعارتها وتغييرها للطلبة وذلك كان السبب في اتلاف أكثرها وتخريمها وضياعها حتى أنه كان أعد محلا في المنزل ووضع فيه نسخا من الكتب المستعملة التي يتداول علماء الأزهر قراءتها للطلبة مثل الأشموني وابن عقيل والشيخ خالد وشروحه والأزهرية وشروحها والشذور وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى وكتب المنطق والاستعارات والمعاني وكذلك كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك فكانوا يأتون إلى ذلك المكان ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من يهمل التغيير فتضيع الكراريس ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره ومنهم من يهمل آخر الكتاب ويتفق أن الإثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة ولا بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة وخصوصا في أواخر الكتب عندما تفتر هممهم. وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الأوضاع. واقتنى أيضا كتبا نفيسة خلاف المتداولة وأرسل إليه السلطان مصطفى نسخا من خزائنه وكذلك أكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر واجتمع لديه من كتب الاعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وشاه نامه وتواريخ العجم وكليله ودمنه ويوسف زليخا وغير ذلك وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتنى بوضعها حسن افندي الروزنامجي بيد رضوان افندى الفلكي كما تقدم في ترجمتها. ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركته وكذلك غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحبق الارصاد والاسطرلابات والأرباع والعدد الهندسية وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية والمجلدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم ويجتمع به كل متقن وعارف في صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكنا عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي افندي رضوان وكان من أرباب المعارف في كل شيء ومحمد افندى الأسكندراني والشيخ محمد الاقفالي وإبراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والادهان وغير هؤلاء ممن رأيت ومن لم أر وحضر إليه طلاب من الافرنج وقراوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم وآلاتهم اشياء نفيسة وذهبوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت وأخرجوه من القوة إلى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الاثقال واستنباط المياه وغير ذلك. وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في اماكن كثيرة ومساجد شهيرة مثل الأزهر والاشرفية وقوصون ومشهد الإمام الشافعي والسادات. وفي الآثار منها ثلاثة واحدة باعلى القصر وأخرى على البوابة وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقى منها قطعة وكسر باقيها فراشو الأمراء الذين كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الأطعمة الصفر وكذلك بورد أن بالتماس مصطفى أغا الورداني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جرجبي الرزاز رحمه الله ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الأشتغال بذلك واحال الطلاب عليهم فإذا كان الطالب من أبناء العرب تقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوى وإن كان من الاعاجم والاتراك تقيد بمحمود افندي النيشي. واشتغل هو بمدارسة الفقه واقرائه ومراجعة الفتاوى والتحرى في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية وانكب عليه الناس يستفتونه في وقائعهم ودعاويهم. وتقرر في اذهانهم تحرية الحق والنصوص حتى أن القضاة لا يثقون إلا بفتواه دون غيره وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي فانفتحت قريحته وراج أمره وترشح بعده للافتاء. وكان المترجم لا يعتني بالتأليف إلا في بعض التحقيقات المهمة منها نزهة العينين في زاكاة المعدنين ورفع الأشكال بظهور العشر في العشر في غالب الأشكال والاقوال المعربة عن أحوال الأشربة وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف الأول من ذوى الارحام والوشي المجمل في النسب المحمل والقول الصائب في الحكم على الغائب وبلوغ الآمال في كيفية الأستقبال والجداول البهية برياض الخزرجية في علم العروض واصلاح الأسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار ومآخذ الضبط في اعتراض الشرط على الشرط والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية والعجالة على أعدل آلة وحقائق الدقائق على دقائق الحقائق واخصر المختصرات على ربع المقنطرات والثمرات المجنية من أبواب الفتحية والمفصحة فيما يتعلق بالاسطحة والدر الثمين في علم الموازين وحاشية على شرح فاضي زادة على الجغميني لم تكمل وحاشية على الدر المختار لم تكمل ومناسك الحج وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية في الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده وأمثلة وبراهين هندسية شتى. وماله من الرسومات المخترعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة الجهات والسمت والانحرافات باسهل ماخذو أقرب طريق والدائرة التاريخية وبركار الدرجة. واتفق أنه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الأموال وفسد على الصناع تقليدهم الذى درجوا عليه فعند ذلك تحركت همة المترجم لتصحيح ذلك وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار والقرسطونات ورسمها بطريق الأستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي وصرف على ذلك أموالا من عنده ابتغاء لوجه الله ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل الشيخ علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم وبين لهم ما هم عليه من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك وأطلعهم على سر الوضع والصنعة ومكنونها واحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن اصلاحه وابطلوا ما تقدم وضعه وفسدت لقمه ومراكزه وقيدوا بصناعة ذلك الأسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان حتى تحررت الموازين وانضبط أمرها وانصلح شأنها. وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين بإقامتها واستمر العمل في ذلك أشهرا وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا هو ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة المشار إليها بقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} . ولما وصل إلى مصر الشيخ إبراهيم بن أبي البركات العباسي البغدادي الشهير بابن السويدى في سنة 1175 وكان إماما فاضلا فصيحا مفوها ينظم الشعر بالاملاء ارتجالا في أي قافية من أى بحر من غير تكلف فأنزله المترجم وأكرمه واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات. واتفق أنه تمرض أياما فأقام بمنزل بولاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة كلها مدائح في المذكور والرياض والزهور والكوثر والسلسبيل وجريان النيل وتركت بحالها وذهبت كغيرها. وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لأبي أبو الفلاح علي وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة. فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب إلى بولاق وغيرها ونقل العيال من هناك ولازم البيت الذي بالصنادقية واقتصر عليه وفتر عن الحركة إلا في النادر. وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحرى والمراجعة والإستنباط والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات التحقيقات والفوائد وتلقي الوافدين وأكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ القاصد المرام ومراعاة الأقارب والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الاخلاق مع الخلان وال أصحاب والرفاق ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم ايناسه ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله ويلاحظ السنة في أفعاله. ومن أخلاقه أنه كان يجلس بآخر المجلس على اى هيئة كان بعمامة وبدونها ويلبس أى شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة أو شال كشميرى أو محزم ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق وكان أكثر نومه وهو جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح ويجلس كذلك إلى طلوع الشمس فيضطجع قليلا أو ينام وهو جالس مستندا وهذا دأبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 على الدوام. ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يقول: إني صائم وربما ذهب إلى بعض الأعيان أو دعي إلى وليمة فيأتون إليه بالقهوة والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الأكل ويضايع ذلك بالمؤانسة والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين. وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال. وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول: أنا عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل إلى رواقنا وانظر إليه من داخل وأسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الأشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الأستاذ الحفني فتبسم وقال لي: نعم أنه صاحب اسرار. وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه. ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع إلى أن اقتصر على المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي إلا من قيام. ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الأسم العشرين من الأسماء الإدريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في صبحة يوم الأربعاء وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 الشربيني ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة. ومات الإمام العلامة الفقيه المعمر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الإمام الشافعي والشيخ أحمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادى والشيخ أحمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس بالجامع الأزهر مدة سنين ثم تولى مشيخة افتاء الحنفية بعد موت الشيخ حسن المقدسي. وكان إنسانا حسنا دمث الاخلاق حسن العشرة صافي الطوية عارفا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الأسواق والقهاوى وكان اخوانه من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله. ومات الإمام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الأصولي الورع الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعي الأزهري ولد بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الأزهر فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ مصطفى العشماوى وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمرى وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد الوهاب الطندتاوى وسيدى محمد الصغير وله شيوخ كثيرون. ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو أحد أصحابه من الطبقة الأولى ولم يزل محافظا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الازمان السالفة والأيام الماضية وله شيوخ كثيرون. وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره بذلك واعتنى بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو الأداء مع معرفته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 بأصول الموسيقي ولذلك ناطت به رغبة الأمراء فصلى إماما بالأمير محمد بك ابن إسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى أن كثير منهم يود أن يسمع منه حزبا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم اقلع عن ذلك واقبل على إفادة الناس فقرأ المنهج مرارا وابن حجر على المنهاج مرارا وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الأزهر ثم انتقل إلى زاوية قرب المشهد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك وقد انتفع به كثير من الأعلام ولما بنى المرحوم محمد بك أبو الذهب المدرسة تجاه الجامع الأزهر في هذه السنة راوده أن يكون خطيبا بها فامتنع فالح عليه وأرسل له صرة فيها دنانير لها صورة فأبى أن يقبل ذلك ورده فالح عليه فلما أكثر عليه خطب بها أول جمعة وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع إلى منزله محموما يقال فيما بلغني أنه طلب من الله أن لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضا إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوى ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله. وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتىء الجبهة ولا يلبس زى الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقا لطيفا فتلي ويركب بغلة وعليها سلخ شاة أزرق. وأخذ كتبه الأمير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها. ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل في مباديه شيئا كثيرا من العلوم ومال إلى فن الأدب فمهر فيه وتنزل قاضيا في محكمة باب الشعرية بمصر وكان إنسانا حسنا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن مقبول وله قصائد ومدائح في الأولياء وغيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد مرتضى نسبة إلى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان. توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله. ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن المالكي الأزهري قرأ على الشيخ على العدوى وبه تخرج وحضر غيره من الأشياخ ومهر في الفقه والمعقول وألقى دروسا بالأزهر ونفع الطلبة وكان ملازما على قراءة الكتب النافعة للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد والأزهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدا وكان لسانه أبدا متحركا بذكرى الله. توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الأول من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الإمام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن أحمد ابن سالم أبو عبد الله السفاريتي النابلسي الحنبلي ولد كما وجد بخطه سنة 1114 تقريبا بسفارين وقرأ القرآن في سنة أحدى وثلاثين في نابلس واشتغل بالعلم قليلا وارتحل إلى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله إلى آخره قراءة تحقيق والاقناع للشيخ موسى الحجازي وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمه على غيره وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الأربعين النووية وثلاثيات البخارى والإمام أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عموما بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وكتب له اجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخارى وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئا من رسائل اخوان الصفا وعلى ملا الياس الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة أقامته بدمشق وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وشيئا من الجامع الصغير شرحه للمناوى والعلقمي وشيئا من الجامع الكبير وبعضا من كتاب الاحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي والاندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته وعلى الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشرح القطر للفاكهي وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي وقد أجازه بكل ذلك أجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى بعضا من شرح ألفية العراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ أحمد الغزى غالب الصحيح بالجامع الاموى بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الأربعة وعلى الشيخ مصطفى بن سوار أول صحيح مسلم وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالأولية وثلاثيات البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق اللبدى وطه بن أحمد اللبدى ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 محمد الخليلي سمع عليه اشياء والشيخ عبد الله البصروى سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالاصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه بما له وكتب له بذلك وله شيوخ اخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الاحكام للحافظ عبد الغني في مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشرح نونية الصرصرى الحنبلي سماه معارج الأنوار في سيرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى وغذاء الالباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وشرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الاثرية ولوائح الأنوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين إلى أن توفي يوم الإثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الأسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله رحمة واسعة. ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن عبد السلام الشرفي المغربي الأصل المصرى المولد وكان والده شيخا على رواق المغاربة بالجامع الأزهر ومن شيوخ الشيخ أحمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الاخوان ومكارم اخلاق ويدعو الناس والعلماء في المولد النبوي إلى بيته بالازبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب السكر وكان لديه فوائد ومآثر حسنة توفي سابع ربيع الأول من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي تفقه على الشيخ سليمان المنصورى والشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي إلى أن صار يقرأ درسا في المذهب ولم يزل ملازما شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز الثمانين رحمه الله. ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون وكان يعرف بالطويل وكان إنسانا صالحا ناسكا ورعا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر الحجة عن سبع وثمانين سنة. ومات العمدة الفاضل الأديب الماهر الشيخ علي بن أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ أحمد العطشي وكان له مذاكرة حسنة وحضر على الشيخ الحفني وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى الآخرة. ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني الوفائي باش جاويش السادة الأشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي عنه حكايات مستحسنة وغرائب وكان متقيدا بالسيد محمد أبي هادى الوفائي في أيام نقابته على الأشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي في هذه السنة عن نحو ثمانين سنة. ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر الثمانين. ومات الجناب المكرم الأمير أحمد أغا البارودي وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي وتزوج بأبنته التي من بنت البارودي وسكن معها في بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور واناث ومنهم صاحبنا إبراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره ذكره. تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان إنسانا حسنا صافي الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعة مع غاية الأدب والامتثال ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب إليه ويطالع له القدورى وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابع جمادى الأولى من السنة وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الأبهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها. ومات الأمير الصالح خليل أغا مملوك الأمير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو أستاذ الأمير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان إنسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء. ومات الأمير إسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدى وكان إنسانا خيرا صالحا توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية. ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الأشراف بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله. ومات الأمير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والاشراف ويحسن إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 توفي ليلة الإثنين عشرين ربيع الأول وصلى عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين. ومات الأمير مصطفى بك الصيداوى تابع الأمير علي بك القازدغلي. وكان سبب موته أنه خرج إلى الخلاء جهة قصر العيني وركض جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل إلى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة وذلك في منتصف ربيع الأول من السنة. ومات الأمير علي أغا أبو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر ربيع الأول سنة تاريخه. ومات الأمير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق. توفي في رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202. ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر وهو والد عبد الله ومصطفى. توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 سنة تسع وثممانين ومائة وألف. فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمراء والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعدادا عظيما في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في العام الماضي. وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان وإسمعيل بك تابع إسمعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر إبراهيم بك وجعله عوضا عنه في إمارة مصر وإسمعيل بك وباقي الأمراء والباشا الذي بالقلعة وهو مصطفى باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 النابلسي وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقلية. ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جهة غزة وارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم أيضا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا يصعدون إلى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا. فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة. ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والج أهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك. وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمراء بالزينة فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات وأفراح ثلاثة أيام بلي إليها وذلك في أوائل ربيع الثاني. فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وذلك أنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية واذعن الجميع لطاعته وقد أرسل إسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى إلى اسلامبول يطلب امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني. ووافى خبر موته إسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء. ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمراء والأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان. فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر. فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل: وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل إليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث أنه منحرف المزاج. فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضي خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم. واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 ولما تحقق عندهم أنهم أن دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا به طالبين الديار المصرية. فوصلوا في ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة. وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الأزهر فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلا ولما أصبح النهار عملوا له مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى إمامه المشايخ والعلماء والأمراء وجميع الاحزاب والأوراد وأطفال المكاتب وإمام نعشه مجامر العنبر والعود سترا على رائحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعين يوما. واستقرأ تباعه أمراء ورئيسهم إبراهيم بيك ومراد بيك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك وأحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبال ورضوان بيك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الأغا وإبراهيم بيك الوالي وأيوب بيك الصغير وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك الصغير وسليم بيك أبو دياب ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم. من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الإمام الهمام شيخ مشايخ الإسلام عالم العلماء الأعلام إمام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112 ويقال له أيضا المنفيسي لأن أصوله منها وقدم إلى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ إبراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا والشيخ محمد السجبيني والشيخ إبراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ أحمد الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الأسقاطي والبقرى والعماوى والسيد علي السيواسي والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الأحمدية عن الشيخ على بن محمد الشناوى ودرس بالأزهر وغيره. وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر على ثمن الورق ومع ذلك أن وجد شيئا تصدق به. وقد تكررت له بشارات حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ الإسلام وأخرى على شرح شيخ الإسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك. وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وأقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره سفاسف الأمور وينهى عن شرب الدخان ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة أهل العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 تعظيما لهم. وإذا دخل منزل من منازل الأمراء ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الأمراء. وشاع عنه ذلك وعرف في جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم واخفوها عنه ولإن رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم حتى أن علي بك في أيام لإمارته كان إذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله إلى مجلسه فيرفع الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره. واتفق أنه دخل عليه في بعض الأوقات فتلقاه على عادته وقبل يده وجلس فسكت الأمير مفكرا في أمر من الأمور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية. يامين يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل غضبك خير من رضاك. وكرر ذلك وقام قائما وهو يأخذ بخاطره ويقول: أنا لم أغضب من شيء ويستعطفه. فلم يجبه ولم يجلس ثانيا وخرج ذاهبا. ثم سأل علي بك عن القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر بقضائها. واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول إليه مدة حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند بعض الأمراء ومرا ببيت علي بك فقال له: ادخل بنا نسلم عليه فقال: يا شيخنا أنا لا ادخل فقال: لا بد من دخولك معي. فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا كثيرا. ولما مات علي بك واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب إلى الشيخ وأنهى إليه قصته فيكتبها مع غيرها في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب إلى الأمير بعد يومين أو ثلاثة فعند ما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والأمير لا يخالفه ولا ينقبض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 خاطره في شيء من ذلك. ولما بنى الأمير المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين في التدريس بها داخل القبة على الكرسي وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالأزهر ولا بالبرديكية. وكان يقرأ قبل ذلك بمسجد الغريب عند باب البرقية في وظيفة جعلها له الأمير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق. وكان على قدم السلف في الأشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقوى ولا يركب إلا الحمار ويؤاسي أهله وأقاربه ويرسل إلى فقرائهم ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء والعصائب والمداسات وغير ذلك. ولم يزل مواظبا على الأقراء والإفادة حتى تمرض بخراج في ظهره أياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من مراثيه. ومات الإمام العلامة الفقيه الصالح الشيخ أحمد بن عيسى بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر ذكره وانتظم في عداد العلماء. وكان نعم الرجل شهامة وصرامة وفيه صداقة وحب للإخوان. توفي بطندتا ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول فجأة إذ كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به إلى مصر فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفن بتربة والده بالمجاورين. ومات الإمام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الأول كثيرا فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة. توفي وهو متوجه إلى الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال من السنة ودفن هناك. ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرا بالعلم وأرسله والده إلى مصر في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت عليه الناس ثم توجه إلى المدينة. ولما توفي والده أقيم شيخا في محله ولم يزل على طريقته حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة. ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ أحمد الخليلي الشامي أحد المدرسين بالأزهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام عام وألف اعراب الآجرومية وغيره. توفي في عاشر صفر من السنة. ومات الأمير الكبير محمد بك أبو الذهب تابع علي بك الشهير اشتراه أستاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة أياما قليلة وكان إذ ذاك إسمعيل بك خازندار فلما أمر إسمعيل بك قلده الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه إلى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في تلك السنة وتقلد الصنجقية وعرف بأبي الذهب. وسبب تلقبه بذلك أنه لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل إلى منزله فعرف بذلك لأنه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الأمريات واشتهر عنه هذا اللقب وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان لا يضع في جيبه إلا الذهب ولا يعطي إلا الذهب ويقول: أنا أبو الذهب فلا أمسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 إلا الذهب. وعظم شأنه في زمن قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه في أيام أستاذه علي بك وبعده واستكثر من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في الزمن القليل مالا يتفق لغيره في الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والأمريات. فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون ببأس أستاذ خالف عليه وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي أركان الدولة واستلين الجميع جانبه وجنحوا إليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج هاربا من مصر إلى الشام واستقر المترجم بمصر وساس الأمور وقلد المناصب وجبى الأموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم الطاعة وقلد مملوكه إبراهيم بك إمارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان وأرسل الغلال للحرمين والصرر وتحرك علي بك للرجوع إلى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بان جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر إليهم أن يراسلوا علي بك ويستعجلوه في الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه والقيام بنصرته متى حضر وأرسلوها إليه بالشريطة السرية. فراج عليه ذلك واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند ذلك قوى عزم علي بك على الحضور وأقبل بجنوده إلى جهة الديار المصرية فخرج إليه المترجم ولاقاه بالصالحية وأحضره أسيرا كما تقدم. ومات بعد أيام قليلة وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله وجمع باقي الأمراء المطرودين والمشردين وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم وقلدهم المناصب ورد إليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالإحسان والعطايا واستبدلهم العز بعد الذل والهوان وراحة الأوطان بعد الغربة والتشريد والهجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 في البلدان. فثبتت دولته وارتاحت النواحي من الشرور والتجاريد وهابته العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية بالتجارات والمبيعات. وحضر والي مصر خليل باشا وطلع إلى القلعة على العادة القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات والخطابات ووصل إليه سيف وخلعة فلبس ذلك في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه وانفرد بامارة مصر. واستقام أمره وأهمل أمر اتباع أستاذه علي بك وأقام أكثرهم بمصر بطالا. وحضر إلى مصر مصطفى باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ إليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب إلى ذلك ووصلت إليه التقاليد والداقم في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين. ووجه خليل باشا إلى ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى الثانية وتوفي هناك وفي أواخر سنة سبع وثمانين. شرع في بناء مدرسته التي تجاه الجامع الأزهر وكان محلها رباع متخربة فاشتراها من أربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق. فرتب لنقل الاتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها ونقشوا داخل القبة بالألوان والاصباغ وعمل لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الأصفر المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن لمتصوفة الأتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة عظيمة تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في صحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 كبير من الرخام المصنوع نقلوه إليها من بعض الاماكن القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك أيضا من سعده مع أن جميع الآبار والسواقي التي بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس المفتين الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لإفادة الناس بعد املاء الدروس وقرر فيها الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والشيخ حسن الكفراوي مفتي الشافعية. ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها الأبسطة الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق. ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالثلاثة أماكن التي اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة إليهم من المراحيض التي من أسفل واعلموا الأمير بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى وغالب المدرسين بالأزهر مثل الشيخ علي الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ البيلي والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ محمد المصيلحي ودرسا ليحيى أفندي شيخ الاتراك. وتقرر السيد عباس إماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعي الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم مائة وخمسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 نصفا فضة ولمن دونهم خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة. ولما انتهى أمرها وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الأمير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي على الكرسي وأملى حديث من بني لله مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة. فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فألبس الشيخ الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور وباقي المدرسين فراوى نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا ووقف على ذلك امانة قويسنا وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك إلا سنة واحدة فإن المترجم سافر في أوائل سنة تسع وثمانين إلى البلاد الشامية كما تقدم ومات هناك ورجعوا برمته وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها أمانة قويسنا الموقوفة فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك ببولاق لمصرف أجرة الخدمة وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الايراد القليل ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف والخدم إلى أن بطل التوقيت وال إذان بل والصلاة في أكثر الأوقات وأخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الأمراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه لكن لما فقدت منهم القابلية واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف الفشل وتفرق الكلمة من الانحراف عن الأوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الأمور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الموجبة لنظام دولتهم وأقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما بعد. وبالجملة فإن المترجم كان آخر من أدركنا من الأمراء المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب العلماء والصلحاء ويميل بطبعه إليهم ويعتقد فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس بمهدا ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه وجلوسه يباشر الأحكام بنفسه ولولا ما فعله آخرا من الأسراف في قتل أهل يافا باشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته. ولم يتفق لامير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة ومالوا إلى طرق الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا عن سوابقهم وألفوا المظالم وظنوها مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على الفور إلى أن حصل ما حصل ونزل بهم وبالناس ما نزل. وسيتلى عليك من ذلك أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم من الخراب والدمار والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 سنة تسعين ومائة وألف. كان سلطان العصر فيها السلطان عبد الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها إبراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب وخشداشينهما أيوب بيك الكبير ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك الكلارجي وأيوب بيك الصغير ومحمد بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 بيك ولاجين بيك ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى وخليل بيك آل إبراهيمي ومن البيوت القديمة حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا وإبراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد وأحمد جاويش المجنون وإسمعيل أفندى الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وغيرهم والأمرا والنهي للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد إبراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون اطلاع قسيمة مراد بيك وإسمعيل بيك الكبير متنزه ومنعكف في بيته وقانع بايراده وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر داره التي بالازبكية وأقام بها. وفيها في يوم الخميس سابع شهر صفر وصل الحج إلى مصر ودخل الركب وأمير الحاج يوسف بيك. وفي ليلة الجمعة تاسع صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان بيك بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج محمود محرم بحيث أنه لم يأت النيل القابل إلا وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه. وفيها سقط ربع بسوق الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس تحت الردم ثم أن عبد الرحمن أغا مستحفظان أخذ تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن بوكالة الزيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 والبوابة التي يسلك منها من السوق. وفيها حضر جماعة من الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به إلى قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب القصر يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار الناس يأتون إليه بالكعك وقصب السكر ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه وكان الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم كلامهم وإذا أحضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك على يديه ويشير بالسلام بخرطومه. وفيها في شهر رمضان تعصب مراد بيك وتغير خاطره على إبراهيم بيك طنان ونفاه إلى المحلة الكبيرة وفرق بلاده على من أحب ولم يبق له إلا القليل. وفيها شرع الأمير إسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي من زوجته هانم بنت سيدهم إبراهيم كتخدا الذي كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم في أوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة وسببها أن مراد بك أراد أن يأخذ من إسمعيل بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة فسعى في الصلح بينهما إبراهيم بك فاصطلحا على غل وشرع في اثر ذلك إسمعيل بك في عمل الفرح فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل المهم أياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت باستدعاء إلى بيت إسمعيل بك وعندما وصل إلى حارة قوصول نزل الأمراء باسرهم مشاة على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا إمامه على اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 يزالوا كذلك حتى طلع إلى المجلس ووقفوا في خدمته مثل المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة المسمومة ولما انقضت أيام الولائم زفوا العروس إلى زوجها إبراهيم أغا الذي صنجقه إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك من النوادر. ومات في هذه السنة الفقية المتفنن العلامة الشيخ أحمد بن محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد بالسجاعية قرب المحلة وقدم الأزهر صغيرا فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما على زيارة قبور الأولياء ويحيي الليالي بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ الأوحد أحمد الآتي ذكره في تاريخ موته. توفي المترجم رحمه الله تعالى في عصر يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي القعدة. ومات الشيخ الإمام الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور الورد أحدى قرى مصر وقدم مصر فحضر دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه عليها وعلى غيرهما واتقن في الأصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج والتحرير مرارا وكذا جمع الجوامع بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن في بابه جامع لما تشتت من أبوابه وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني على البيقونية في مصطلح الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين واعترفوا بفضله وأنجبوا ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة للمستملين الذين يكتبون ما يقوله ولما بنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 المرحوم عبد الرحمن كتخدا هذا الجامع المعروف الآن بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده. توفي في أواخر رمضان. ومات الشيخ الفاضل النجيب أحمد بن محمد بن العجمي الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على علماء العصر وحصل المعقول والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو عاش لانتظم في سلك أعاظم العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الإثنين حادي عشرين جمادى الآخرة. ومات الشيخ الصالح الورع الناسك أحمد بن نور الدين المقدسي الحنفي إمام جامع قجماس وخطيبه بالدرب الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا عن الناس. توفي ليلة الإثنين سادس عشر ربيع الأول. ومات الفقيه الفاضل الشيخ إبراهيم بن خليل الصيحاني الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون على فضلاء بلده وورد الجامع الأزهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي وتلقى عنه الفقه وبعض العلوم الغريبة ثم عاد إلى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل إلى الوالد في كل سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه ونرفعه في الزجاج لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الأمراض والجروحات ولم يزل على ذلك حتى ارتحل إلى دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير. وتوفي بها في هذه السنة في عشر التسعين رحمه الله. ومات الفقيه الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن هيكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 ابن جامع الشنويهي تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى ودرس بالأزهر وانتفع به الطلبة وكان مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان الأشياخ يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من المقصورة فيخرج إلى الصحن فتملأ حلقة درسه صحن الجامع وفي بعض الأحيان ينتقل إلى مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب بجامع الأشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة وقرأ المنهج مرارا وكان شديد الشكيمة على نهج السلف الأول لا يعرف التصنع وكان يخبر عن نفسه أنه كان كثير الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لما تنزل مدرسا في المحمدية من جملة الجماعة انقطع عنه ذلك وكان يبكي ويتأسف لذلك. توفي في ثامن عشر شعبان وأملى نسبه على الدكة إلى سيدنا علي رضي الله عنه. ومات الأمير الكبير الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر مشهور وإلى الآن بين الناس مذكور حتى أنهم جعلوا سنة خروجه تاريخا يؤرخون به وفياتهم ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك ومات فلان بعد خروج عثمان بك بسنة أو شهر مثلا. ومات الأمير عبد الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش القازدغلي أستاذ سليمان جاويش أستاذ إبراهيم كتخدا مولى جميع الأمراء المصريين الموجودين الآن. وخبره ومبدأ اقبال الدنيا عليه أنه لما مات عثمان كتخدا القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من بابهم وانتقل إلى وجاق العزب وحلف أنه لا يرجع إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في قسمه فإنه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وأستاذن عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش السردارية عوضا عن سليمان جاويش لأنه وارثه ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر الكاتب والدفاتر وتسلم مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب العزب ورجع إلى باب الينكجرية ونما امره من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس وخمسين وأقام هناك إلى سنة أحدى وستين فحضر مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وابطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول عماراته بعد رجوعه السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول النهار وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة لأزبكية سقاية وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ وزاد في مقصورة الجامع الأزهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عامودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا ومنبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة أعمدة من الرخام لتعليم الايتام من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة متسعة وصهريج عظيم وسقاية لشرب العطاش المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة وبها أيضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 رواق مخصوص بمجاورى الصعائدة لطلب العلم يسلك إليه من تلك الرحبة بدرج يصعد منه إلى الرواق وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وعليه منارة أيضا. وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب أيضا وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء إليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية والآقبغاوية والأورقة من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وعمل عند باب القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فيما بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام الملون يسلك إليه الدهليز طويل متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني وعلى لدهليز البرااني من كلتا الجهتين بوابتان. وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال. وبنى أيضا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي على الصفة التي هو عليها الآن ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية. ومسجدا بخط الموسكى وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك المسجد وينفذ إليه من داخل. وعمر المدرسة السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات الزهومة وبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 لوالدته بها مدفنا. وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد أن يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة المكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون الكبير الأصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد ووقف بن الناصر أبي الفدا إسمعيل بل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم أنه وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة. وللمترجم عمائر كثيرة وقناطر وجسور في بلاد الأرياف وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك. وبنى القناطر بطندتا في الطريق الموصلة إلى محلة مرحوم والقنطرة الجديدة الموصلة إلى حارة عابدين من ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الأكسية الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة فيأتون إلى داره أفواجا في أيام معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك المؤذنون يفرق عليهم جملة من الإجرامات الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف والبوابيج القيصرلي على النساء الفقيرات والأرامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان وقت الأفطار عدة من القصاع الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته في يده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وعندما يفرغون من الأكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي فضة برسم سحوره إلى غير ذلك. ومن عمائره القصر الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من الأبنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205 بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر. ومن عمائره أيضا دار سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه واللازورد وأنواع الأصباغ وبديع الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام الأبيض وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في مصر والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا والاسبلة والسقايات والمكاتب والأحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات والمنقطعات. وكان له في هندسة الأبنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة. ولو لم يكن له من المآثر إلا ما أنشأ بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من بلاد الأرز بناحية رشيد وهي تفينة وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة أرزها لمصارف الخيرات وطعام الفقراء والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالأزهر ومطبخهم الهريسة في يومي الإثنين والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة 1220 بسبب استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الأسباب. ولم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 هذا شأنه إلى أن استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا إلى الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على أحضاره صحبته إلى مصر فأحضره في تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى عليه العي والهرم وكرب الغربة فدخل إلى بيته مريضا فأقام أحد عشر يوما ومات فغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته في مشهد حافل حضره العلماء والأمراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التي أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه بالأزهر ودفن بمدفنه الذى أعده لنفسه بالأزهر عند الباب القبلي. ولم يخلف بعده مثله رحمه الله. ومن مساويه قبول الرشا والتحيل على مصادرة بعض الأغنياء في أموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة وكذلك المصالحة على تركات الأغنياء التي لها وارث ومن سيآته العظيمة التي طار شررها وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي بك ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض ويسلط عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات الاقوياء وأكد العداوة بين الأصفياء واشتد ساعد علي بك فعند ذلك التفت إليه وكلب بنابه عليه وأخرجه من مصر وأبعده عن وطنه فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا من الاختيارية كما تقدم. فعند ذلك خلا لعلي بك وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا وامتد شرهم إلى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من المساوىء إلا هذه لكفاه ولما رجع من الحجاز متمرضا ذهب إليه إبراهيم بك ومراد بك وباقي خشداشينهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم. وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم وافعلوا الخير فإن الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وأنا إذ ذاك في سن التمييز قبل أن ينفي إلى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار إليه بالبنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 سنة أحدى وتسعين ومائة وألف. فيها في أوائل شهر ربيع الأول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الأمراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على أحضار إبراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه إمارة ذلك. وفيها في أوائل شهر جمادى الأولى وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر وذلك أنه آل إليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ إلى بعض الأمراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ عباس والأمير الملتجىء إليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الأمير حنق لذلك ونسبهم إلى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة إلى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لأهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما وصلوا إليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس. ووصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في صبحها وأبطلوا الدروس وال إذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الأمراء. وأغلق أهل الأسواق القريبة الحوانيت وبلغ الأمراء ذلك فأرسلوا إلى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل إبراهيم بك من طرفه إبراهيم أغابيت المال فلم يأخذ جوابا وحضر الأغا إلى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب إليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الأغا ورجموه بالأحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة. وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج إلى ثاني يوم فحضر إسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الأشرفية وأرسلوا إلى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب. وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الأزهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ إبراهيم السندوبي ملخصها أن إسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ إبراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهارا وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 قائم على أقدامه. فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية. ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الأغا والوالي والمحتسب من حارة الأزهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء. وعمل إبراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الأغا وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب. وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الأغا وبعده الوالي كذلك فأرسل المشايخ إلى إبراهيم بك يخبروه فقال: إن الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور. وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الأسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه. وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الأغا على إنسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الأغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان إنسانا لا بأس به. وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج إسمعيل بك جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك أن مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف إسمعيل بك وإبراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند إبراهيم بك فتكلم إسمعيل بك كلاما مفحما وقال أنا تارك لكم مصر وإمارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد إلا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام. فحضر في هذه الأيام إلى إسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم أن إسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه أنهم يركبون من الغد إلى إسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 بك بذلك فركب في الصباح وخرج إلى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا إلى إسمعيل بك فوجده قد خرج إلى الأشبكية وكان إبراهيم بك طلع إلى قصر العيني فذهب إلى مراد بك ولما أشيع خروج إسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج إليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وإبراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم. ووصل الخبر إلى إبراهيم بك ومراد بك ومن انضم إليهم فركبوا وحضروا إلى القلعة وملكوا الأبواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الأحد ويوم الإثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا إلى إسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم إسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات الينكجرية سابقا فأرسل أهل القلعة إبراهيم أغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب ونزل الباشا إلى باب العزب. فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة إلى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الإثنين وملكوا باب النصر فأرسلوا إليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا إلى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة إلى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا إلى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة فأنهزموا إلى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ أولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة إلى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم أرسل إليهم أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مرارا. ثم دخل في يوم الأربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل إلى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد وصحبته إبراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة إلى الدرب الاحمر إلى جامع المرداني فجلسوا عنده إلى بعد الظهر ثم زحفوا إلى التبانة إلى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل إليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل إليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه إلى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية إلى جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان. وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين إلى المدينة شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين إلى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وإبراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون إلى إسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الأمان وانضموا اليهم. وعندما أشيع نزول إبراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل إسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا إلى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال. ولما كان يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر إسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع إسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف وإلى الشرطة. وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان إلى بولاق وانزلوه في مكرب منفيا إلى دمياط بعدما صودر في نحو أربعين ألف ريال. وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا أيضا سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والأمير عبد الله أغا وانزلوهم إلى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم إلى بيوتهم. وفي ذلك اليوم طلعوا إلى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك وإبراهيم بك حتى أنه أراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه إسمعيل بك. وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الجداوى وصحبته إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وسليم بك الأسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة فجلس حسن بك إمامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت شماله على المرتبة إسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد أن يهم قائما فداس على ملوطة إسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا إلى خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا إلى إسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع إلى القلعة وأرسل إسمعيل كتخدا عزبان إلى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من هناك وطلع إلى القلعة وجلس بباب العزب صحبة إسمعيل بك فلما بلغ الأمراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا إلى قبلي وهم أحمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وأرسلوا إلى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لأنه صار من المذبذبين. فلما وقع منه ذلك ذهب إليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالامان إلى إسمعيل بك بعدما نزل إلى بيته فأمره أن يأخذه عنده في بيته فلما اصبح أستاذنه في زيارة الإمام الشافعي فأذن له فركب إلى جهة القرافة وذهب إلى جهة الصعيد. وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك. وفي يوم الخميس طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان إمارة الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا إبراهيم أغا خازندار وإسمعيل بك الذى زوجه ابنته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 صنجقية وتلقب بإبراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا حسين أغا خازندار إسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار إسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي. وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك إلى المنصورة. وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا إلى القلعة. وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة إلى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وإبراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسليم بك الأسمعيلي وإبراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر إلى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير. وفيه جاءت الأخبار بأن علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع إسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الأجناد فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته إلى إسمعيل بك فضرب الكاشف عقلة ونفاه. وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات. وفي يوم الإثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة إلى جهة البساتين. وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الأمراء وبرزوا خيامهم. وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا. وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الأخبار بان التجريدة تلاقت مع الأمراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية. فلما وصلت هذه الأخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الأجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وإبراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الإبراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه ووقع فرسه وسقط ميتا. فلما قتل هذان الأميران ولي إبراهيم بك طنان فأنهزم بقية الأمراء لأنه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 ومريض واحتاط الأمراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الأمراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة وكان إسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر أمراء التجريدة. فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الأحد وخرج إلى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الأسواق. وخرج الناس في يوم الإثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك إسمعيل بك وعلم أنهم يحتاجون إلى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الأشاير والفقراء من أهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون إلى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الأستعداد ثانيا. وفي يوم الإثنين أرسل إسمعيل بك عدة من الأجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الاخصام وركب في ليلتها إسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الإبراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته. ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه إلى البحر وغرق ومات. ورجع إبراهيم بك ومراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا إلى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم. ودخل إسمعيل بك والأمراء والاجناد والعسكر إلى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الأربعاء غرة شهر شعبان. وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع إلى بيته وانضم إليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند إسمعيل بك فرقهم على الأمراء. وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار إلى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة. وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الأخبار بان القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى. وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى إلى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الأقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب. وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وإذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة. وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء إسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت إسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد إمامه وخلفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة إلى عطفة حتى وصل إلى عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس إلى أن وصل إلى تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق إسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك إلى بيته وتركه وذهب إلى سيدة فأخبره فخلع عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا إليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه إلى بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه. وكان إسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه. وازدحم الناس على بيته وأقبلت إليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم إليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه إسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر أنه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من أول شهر رمضان ثم سافر في أواخره في النيل لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم رجع وبيت مع اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر. ولما انقضى امره شرع إسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي إليه فأنزلوا إبراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف إلى بولاق وأراد قتل أخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى إبراهيم بك بلفيا إلى المحلة. وفي تلك الأيام قرر إسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته. وفي يوم الأحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير الحاج حسن بك رضوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك. وفي يوم الإثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للأمراء القبالي لأنهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا إلى فوق وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح. وفي يوم الأحد حادى عشرين القعدة خرج إسمعيل بك إلى ناحية دير الطين وعزم على التوجه إلى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر الأمراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما. وفي يوم الجمعة عدى إسمعيل بك إلى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن أغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وإبراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الأبواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع. وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من إسمعيل بك ومن الأمراء الذين بصحبته بأنهم وصلوا إلى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين وإنهم في أسيوط ومعهم إسمعيل أبو علي من كبار الهوارة. وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر أيضا أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند إسمعيل بك بأمان وأستاذنه في التوجه إلى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى إسمعيل بك بعد الأمراء وأراد أن يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الشريف الصالح المرشد الواصل السيد محمد هاشم الأسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد إلى مصر فحضر دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان غالب جلوسه بالأشرفية ومسجد الشيخ مطهر. وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته في الأوراد والاسماء. ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود إلى خلوته وربما مكث عند بعض أصدقائه أياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا. توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين رحمه الله. ومات الشيخ الإمام الأديب الفاضل الفقيه أحد العلماء الأعلام الشيخ محمد بن إبراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس. وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الأزهر. مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع إلى مذهب الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة إلى المسجد فيقرأ وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي إلى رحمة الله تعالى. ومات الأديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الأحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى إلى شيخ الأدب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد إلى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الأحمدية تنشد في الجموع. وبينه وبين الأديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات واخبر أنه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الأعيان بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة. ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان وأهل يه ويذم جني بنيه وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها إلى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه. ومات الأمير يوسف بك الكبير وهو من أمراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك إليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا واسعة وعليها بوابة عظيمة. واراد أن يجعل إمام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقله إلى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس سنوات. واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها وصرف في تلك الدار أموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه فيهدمها إلى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وهكذا كان دأبه واتفق أنه ورد إليه من بلاده القبلية ثمانون ألف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار والاخشاب والحديد وغير ذلك. وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الأمور والحركات ولا يستقر بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الأوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم يتغير ويتعكر من ادنى شيء. ولما مات سيده محمد بك وتولى إمارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لأمور نقمها عليهم منها أن شيخا يسمى الشيخ أحمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة وأصله من سمنود وله شهرة عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما أخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة أكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه أنه من الأولياء وأرباب الأحوال والمكاشفات بل يقول: إنه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الأمراء وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر. فاتفق أن الأمير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته أن المرأة الفلانية ذهبت بها إلى هذا الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها إلى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل إلى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الأشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الأمراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 عن الشيخ الكفراوى. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب إلى ذلك الأمير وشكا له الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل إليه أعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب الجرائم من الفلاحين. فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبوا إليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له: هذا قول في مذهب المالكية معمول به فقال: من يقول: إن المرأة تطلق زوجها إذا غاب عنها وعندها ما تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره. فقالوا له: نحن أعلم بالأحكام الشرعية. فقال: لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح. فقال الشيخ الجداوى: أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبي. فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك. فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له: لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميرا. فتوسط بينهم الحاضرون من الأمراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم. واتفق أيضا أن الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على أولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها وأخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي إلى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له أن الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطا مع أرباب الديون وقاسمهم فيما أخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان إذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات أو قيمتها فعرفه أنه وزعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 على أرباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى أمرها وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة. ثم أحضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات إليه وكلمه في أمره وطلبه من محبسه. فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل إلى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول: امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له: أى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك وأرسل إليه تابعه الشيخ إبراهيم السندوبي فنزل إليه والبسه عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب وأخذه صحبته إلى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر إلى جهة الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع الحج. ووصل الخبر إلى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك إلى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج إلى خارج البلد فسعى إبراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ إلى أن حصل ما حصل وانضم إلى إسمعيل بك ثم قتله إسمعيل بك بيد حسن بك وإسمعيل بك الصغير كما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ومات الأمير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الأبطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال إلى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج إلى الصعيد وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك وأكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع إليه الأمراء والأجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير وأولاد وافي وإسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع إلى جهة مصر كما تقدم. ولما وصلوا إلى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا إلى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس إلى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب. ولما خلصت إمارة مصر إلى محمد بك جعل كتخداه إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه أمورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع إلى شيء ويقول: الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع إلى رأيه في الأمور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل إلى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم والفضل والقرآن ويميل بكليته إليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة. ولما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الأزهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الأستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة. وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم. ومات الأمير إسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وهم خمسة أخوة علي بك وإسمعيل بك هذا وسليم إنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان اخوته الأربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر إليه إسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام إسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل إسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار عند إبراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام. وتزوج إسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب إلى بغداد أرسل يطلبها إليه من مصر وأرسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها إسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية وصار من أرباب الوجاهة. فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة وأراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك أبو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك وأتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وأرسل إليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها أموالا كثيرة واضاف إليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية. وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها. ولما سافر محمد بك إلى الشام ومحاربة الظاهر عمر أرسل المترجم من هناك إلى اسلامبول بهدايا وأموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب إلى ذلك. وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الأمر وأراد المسير بذلك إلى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم إلى مصر وأقام بها في ثروة إلى أن حصلت الوحشة بين إسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده إسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الأمور ونوه بشأنه وأوهمه أنه يريد تفويض الأمور إليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن أن الوقت صفا له. فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه وأخذ في النقض والابرام فعاجله إسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم أيام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من أيام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك. وكذلك فعل معهم مثل ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا بأس به. ومات الأمير قاسم كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن خشداشيته كراهة منه لأفعالهم حتى خرج إلى محاربتهم وقتل غفر الله له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف. في يوم الخميس سابع المحرم حضر إسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق إسمعيل بك وفي يوم السبت تاسعه وصل إسمعيل بك وعدى من معادى الخبيرى ودخل إلى مصر وذهب إلى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره ومن وصل قبله على هذه الصورة. ثم تبين الأمر بأن حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح وأحمد بك شنن وجماعة الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة خامر الجميع على إسمعيل بك والتفوا على إبراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب إسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر والغيظ. وأصبح يوم الأربعاء فأرسل إسمعيل بك ومنع المعادى من التعدية. وفي يوم الإثنين طلعوا إلى القلعة وعملوا ديوانا عند الباشا وحضر الموجودون من الأمراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم يستقر الرأى على شيء ونزلوا إلى بيوتهم وشرعوا في توزيع امتعتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وتعزيل بيوتهم واضطربت احوالهم وطلب إسمعيل بك تجار إليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة القبليين وصلت أوائلهم إلى البساتين وبعضهم وصل إلى بر الجيزة بالبر الآخر. فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من بعد العصر إلى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر المحرم وهم إسمعيل بك وصناجقه إبراهيم بك قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك قفا الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وإبراهيم أوده باشه وعبد الرحمن اغا مستحفظان وإسمعيل كتخدا عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في وجل. واصبح يوم الثلاثاء واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا إلى جهة الشام فكانت مدة إمارة إسمعيل بك واتباعه على مصر في هذه المرة ستة أشهر وأياما بما فيها من أيام سفره إلى قبلي وجوعه. وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك إبراهيم اغا الوالي الذى كان في أيامهم وشق المدينة ونادى بالامان وأرسل إبراهيم بك يطلب من الباشا فرمانا بالأذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده وكتخدائه وهو سعيد بك. فدخل بقية الأمراء يوم الأربعاء ما عدا إبراهيم بك فإنه بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس إلى داره وصحبته إسمعيل أبو علي كبير من كبار الهوارة. وفي يوم الأحد ثامن عشرة طلعوا إلى الديوان وقابلوا الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا إلى بيوتهم. وفي يوم الخميس حادى عشرينه طلعوا أيضا إلى الديوان فخلع الباشا على إبراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما كان واستقر أحمد بك شنن صنجقا كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار إبراهيم بك صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا مصطفى كاشف المنوفية صنجقية أيضا وعلي كاشف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 أغات مستحفظان وموسى اغا من جماعة علي بك واليا كما كان أيام سيده. وفي أواخره وردت اخبار بأن إسمعيل بك ومن معه وصلوا إلى غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا إلى مصر ولا يمكن المحمدية التصرف في شيء إلا بأذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون إلا ما فضل عنهم. وفي يوم الخميس ثامن من جمادى الأولى حضر إلى مصر إبراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ إلى مراد بك وانضم إليه. فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى ركب مراد بك وخرج إلى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في أمره مع العلوية فحضر إليه عبد الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز فلم يروه. فلما ذهبوا ركب وسار مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى في بيته وركب مراد بك وذهب إلى بيته. واجتمع على حسن بك اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان أمير الحاج وحسن بك سوق السلاح وإبراهيم بك بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة. واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب إبراهيم بك من قبة العزب وطلع إلى القلعة وملك الأبواب وضرب المدافع على بيت حسن بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول نهار يوم السبت وغلقت الأسواق والحوانيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 وباتوا على ذلك ليلة الأحد ويوم الأحد والضرب من الفريقين في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون اخرى وينقبون البيوت على بعضهم. فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق والقتل. ثم أن المحمدية تسلق منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا من باب زويلة إلى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا إلى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان أمير الحاج وأحمد بك شنن وإبراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك وكان ذلك وقت القائلة من يوم الأحد وكان يوما شديد الحر. ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى. وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته إلى شيبين الكوم. وأما حسن بك الجداوى فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف وأرسلوا إلى الأمراء بمصر يخبرونهم بالقبض عليه وكان السيد إبراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب إليه وخلصه من تلك الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم ودنانير. فلما بلغ الخبر إبراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا فلما حضر إليه وواجهه لأطفه ثم دخل إلى مصر وسار إلى بولاق ودخل إلى بيت الشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 سنة ثلاث وتسعين وألف . في يوم السبت خامس المحرم وصل إلى مصر إسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة السبت المذكور وركب الأمراء في صبحها وقابلوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 ورجعوا وعدى الآخر وركب إلى العادلية وجلس بالقصر وتولى أمر السماط مصطفى بك الصغير. وفي يوم الثلاثاء من المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من باب النصر وشق القاهرة وطلع إلى القلعة وعملوا له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول إسمعيل بك إلى البحر وسفره من الشام إلى الروم وغاب أمره. وفي أواخر شهر ربيع الأول وقعت حادثة بالجامع الأزهر بين طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا ذهب الاتراك إلى إبراهيم بك وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في ورقة وعرفه أن القاتلين تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم إليه ولما توجه من عنده تفحص إبراهيم بك عن مسميات الأسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل إلى الشيخ أحمد العروسي شيخ الأزهر وأحضر بقية المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه فاغتاظ إبراهيم بك ومراد بك وعزلوه عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه خلعة ليكون مفتي الحنفية عوضا عن الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من البلدة منفيا فشفع فيه شيخ السادات وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الأغا رواقهم ونادوا عليهم. واستمر الأمر على ذلك أياما ثم منعوا المجادلة والطبرية من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر باتفاق المشايخ والأمراء وفتحوا الرواق ومرض الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع جمادى الأولى. وفي أواخر شهر جمادى الثانية توفي الشيخ محمد عبادة المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وفيهه جاءت الأخبار بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم وجمعوا جموعا وحضروا إلى دجرجا والتف عليهم أولاد همام والجعافرة وإسمعيل أبو علي فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى القبالي وصعدوا إلى فوق فأقام مراد بك في دجرجا إلى أوائل رجب وقبض على إسمعيل أبي علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على كشافه وجماعته. وفي منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الأطفال وهو عبارة عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب والاطراف ويوقف حركة الأصابع وبعض ورم ويبقى أثره أكثر من شهر ويأتي الشخص على غفلة فيسخن البدن ويضرب على الإنسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق والحمام وهو من الحوادث الغريبة. وفي عشرين رجب وصل مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات وأبقار وأغنام كثيرة. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة كثيرة حتى علا على السد وجرى الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج جاريا وفيه المراكب فلم تحصل الجمعية ولم ينزل الباشا على العادة. وفي أواخر شهر شعبان وصل إلى مصر قابجي باشا وبيده أوامر بعزل إسمعيل باشا عن مصر ويتوجه إلى جدة وإن إبراهيم باشا والي جدة يأتي إلى مصر وفرمان آخر بطلب الخزينة. وفي شهر شوال وصلت الأخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك سوق السلاح بغزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الأموال وطلب الجمال والبغال والحمير وغصبوا بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها وأخذوها منه قهرا فإن كان من الناس المعتبرين أعطوه ثمنها وإلا فلا وغلت أسعارها جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة في كل شيء. وسافر فيه خلائق كثيرة من سائر الأجناس وسافر صحبة مراد بك أربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر كثيرة وأعيان وتجار. وفيه حضر واحد أغا وعلى يده تقرير لإسمعيل باشا على مصر كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة في غرة رمضان وصام رمضان في مصر العتيقة. ولما انقضى رمضان تحول إلى العادلية ليتوجه إلى السويس ويذهب إلى جدة حسب الأوامر السابقة فقدر الله بموت إبراهيم باشا وحضر التقرير له بالولاية ثانيا فركب في يوم الإثنين سادس القعدة وطلع إلى القلعة من باب الجبل. من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الشيخ الفقيه الإمام الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي الأزهرى ولد بقلعة العريش من اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر عليه الشيخ العرف السيد منصور السرميني في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر فكان ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في الأزهر فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي وغيره في النحو والمعقول. ولما توجه السيد المشار إليه إلى البلاد تركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 ليشتغل بالعلم فلازم الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي. ثم اجتمع بالمرحوم الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة في الفتوى ومراجعة الأصول والفروع وأعانه على ذلك وجد أن الكتب الغريبة عند المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير في الفقه. فأول ما حضرت عليه متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار شرح تنوير الأبصار ومقدار النصف من الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض. وكان له قوة حافظة وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من غير تلعثم ولا تركيز. وحج في سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ عن حاله وصار يأوى إلى الزوايا والمساجد ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام سيدي محي الدين والغزالي. ثم تراجع قليلا وعاد إلى حالته الأولى ولما توفي مفتي الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الأزهر وهي التي كانت سكن الشيخ الحفني في السابق وتعرف بدار القطرسي. وتردد الأكابر والأعيان إليه وانكبت عليه أصحاب الدعاوى والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون وغير ذلك. وسافر إلى اسلامبول بعد موت الأمير محمد بك لقضاء بعض الأغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع إلى مصر وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى وتبين قرب وفاته وفراغ اجله تاقت نفس المترجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 لمشيخة الأزهر إذ هي أعظم مناصب العلماء فاحب الأستيلاء عليها والتوصل إليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ البلد إبراهيم بك إلى الجامع الأزهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم أن الشيخ أحمد الدمنهورى اقامه وكيلا عنه وبعد أيام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده استمالة الأمراء وكبار الأشياخ والشيخ أبو الأنوار السادات وما مهده معهم في تلك الأيام وكاد يتم الأمر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين وذهبوا إلى الشيخ محمد الجوهرى وساعدهم وركب معهم إلى بيت الشيخ البكرى وجمعوا عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسي والشيخ أحمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وغيرهم وكتبوا عرضحال إلى الأمراء مضمونه أن مشيخة الأزهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد أبدا وخصوصا إذا كان آفاقيا وليس من أهل البلدة. فان الشيخ عبد الرحمن كذلك وموجود في العلماء الشافعية من هو أهل لذلك في العلم والسن وإنهم اتفقوا على أن يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه إلى إبراهيم بك ومراد بك فتوقفوا وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم وخرجوا إلى القرافة وجلسوا بجامع الإمام الشافعي وباتوا به. وكان ذلك ليلة الجمعة واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول إليه هذا الأمر وكان للامراء اعتقاد وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم بسبب تعففه عنهم وعدم دخول بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين. فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر إليهم علي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 أغا كتخدا الجاويشة وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على الحنفية كما أن الشيخ أحمد الدردير شيخ المالكية والبلد بلد الإمام الشافعي وقد جئنا إليه وهو يأمرك بذلك وإن خالفت يخشى عليك. فما وسعه إلا أنه أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا إلى إبراهيم بك ولم يكن الأمراء رأوا الشيخ العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم يتكلم إبراهيم بك بكلمة. فذهب الشيخ العروسي إلى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور. واحتد العريشي وذهب إلى الشيخ السادات والأمراء فألبسوه فروة أيضا فتفاقم الأمر وصاروا حزبين وتعصب للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن القلعي معه من أول الأمر وتوعدوا من كان مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية ويستميل الأمراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك نحو سبعة أشهر إلى أن اسعفت العروسي العناية ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام والأتراك واحتد الأمراء الاتراك للجنسية وأكدوا في طلب المحاققة وتصدى العريشي للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل لأجل خلاصهم. فعند ذلك انطلقت عليه الألسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف عنه الأمراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء أيضا. وحضر الأغا وصحبته الشيخ العروسي إلى الجامع للقبض على الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين فأغلقوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة والذكر وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه من القهر فأشاروا عليه بالفصد وفصدوه فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى الأولى من السنة وجهز بصباحه وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير من الأمراء وعلي أغا كتخدا الجاويشية ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة بتسعة وثلاثين يوما رحمه الله تعالى. ومن آثاره رسالة ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي الأنوار بن وفي أجاد فيها ووصلت إلى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان وله غير ذلك. ومات الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان إماما في الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق المغاربة مرتين والأولى استمر فيها مدة وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من طرف بعض الأمراء وتحزبت له العلماء وكادت أن تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم. توفي بعد أن تعلل كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي المرة الثانية وكان له باع في النظم والنثر فممنها مدائحه في الأمير رضوان كتخدا الجلفي له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في الفوائح الجنانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 ومات الإمام الفهامة الألمعي الأديب واللوذعي النجيب الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم حتى صار إماما يقتدى به ثم اشتغل بالطريق وتلقن الأسماء وأخذت عليه العهود وصار خليفة مجازا بالتلقين والتسليك وحصل به النفع. وكان فقيها دراكا فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك بعد موت شيخه الحفني طلبه إليه وجعله كاتب انشائه ومراسلاته وأكرمه أكراما كثيرا ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا إليه مدة دولته. ومات السيد قاسم بن محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الحسن بن إسمعيل الديباج بن إبراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أحد الأشراف الصحيحي النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة في لسانه وحفيده الحسين بن إبراهيم يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد مدفون بالصعيد في بلد يقال له: دمشاو باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين إسمعيل وإبراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على شأنه رحمه الله تعالى. ومات الإمام العارف الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 ذهنه وسرعة إدراكه وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في اثناء درسه. وقد بلغ المترجم من الصلاح والتقوى إلى الغاية واشتهر أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله إلا لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده وكان المرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كل سنة قائمة إلى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له مطلوبه وكان يكاتبه ويراسله كثيرا. ومات الفقيه الأديب الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة الادكاوى نزيل الأسكندرية وأمه شريفة من ذرية السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من الأشياء منها المقامات الحريرية وغيرها من دواوين الشعر. وناب عن القضاء في الثغر مدة وكان يتردد إلى مصر احيانا وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما لم يملكه. ولم يزل على حالة مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه. ومات الشيخ الصالح المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي ثم ورد مصر ولازم حضور الأشياخ بمصر والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع شيجون في سنة 1190 وفي الأمالي والشمائل في جامع أبي محمود الحنفي وأخبر أنه دخل دمشق وحضر دروس الشيخ إسمعيل العجلوني وأجازه وأدرك جلة الأشياخ بديار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 بكر والرها وازروم. وكان رجلا صالحا منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع في بيته ومات في رابع جمادى الأولى. ومات الشيخ الفقيه الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء الأعلام وأوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه إلى علي علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي قدم إلى مصر سنة 1164 وجاور بالأزهر وحفظ المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه ملازمة كلية وانتسب إليه حسا ومعنى وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار وسليفة. ومن تآليفه حاشية على شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدى الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله عليه وسلم للغيطي وابن حجر والهدهدى وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث وحاشية عجيبة على جمع الجوامع وعلى السعد والقطب وعلى أبي الحسن وحاشية على شرح الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة محررة على الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب البحث والاستعارات. ولم يزل يملي ويقرىء ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة بعد أن تعلل بعلة الأستسقاء سنين وكان يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه الشيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 علي الصعيدى العدوى ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة العلم والعامة رحمه الله. ومات الأمير علي بك السروجي وهو من مماليك إبراهيم كتخدا واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا بخط السروجية. ولما أمره علي بك هو وأيوب بك مملوكه ركب معهما إلى بيت خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك وهي ابنة إبراهيم بلفيا الكبير وعقد عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى إلى الزوج. ولما حصلت الوحشة بين المحمدية وإسمعيل بك انضم إلى إسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج إلى الشام صحبته فلما سافر إسمعيل بك إلى الديار الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام كما ذكر. ومات أيضا الأمير حسن بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية جارية الشيخ أبي المواهب البكرى وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي المواهب إلى أن مات فسلك في طريق الأجناد وخدم علي بك إلى أن جعله كاشفا في جهة من الجهات القبلية فأقام بها إلى أن خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب إلى قبلي واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان حسن هذا من جملة من حضر إليه بماله ونواله وخيامه وحضر محمد بك إلى مصر وملكها من سيده علي بك. ولم يزل حسن هذا في خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في الخدم والمناصب وصنجقه ولم يزل في الإمارة مدة محمد بك وأتباعه إلى أن خرج مع من خرج صحبة إسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 سنة أربع وتسعين ومائة وألف . فيها في يوم الخميس حادى عشر صفر دخل الحجاج إلى مصر وأمير الحاج مراد بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو الأجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال والحج أسفل كل ذلك والحج سائر. وفي يوم الخميس ثالث شهر رجب اجتمع الأمراء وأرسلوا إلى الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من القلعة معزولا فركب في الحال ونزل إلى مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل إبراهيم بك قائمقام مصر. فكانت مدة ولاية إسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب باسلامبول من أرباب الأقلام. وكان مراد بك هذا أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في معارضة وحضر إلى مصر ولم يزل حتى صار أميرها. وحضر سيده هذا في أيام إمارته وهو الذي عزله من ولايته ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات إلا بكليته إلا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب طبيعة ويحب المؤانسة والمسامرة. ولما حضر إلى مصر وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به آنسا وقلده أمين الضربخانة. ولما أخذ العهد على الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه بظروفه وقلل من استعمال الدخان. وكان عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 أصناف الطيور المليحة الأصوات وعمل بستانا لطيفا في الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف الزهور والغراس والورود والياسمين والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع الأصفر وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل لهم أوكارا يأوون إليها ويطيرون صاعدين هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما في الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها بديعة الشكل والصنعة. ولما أنزلوه على هذه الصورة انتهب الخدم تلك الطيور والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على الناس. وفي يوم الجمعة عاشر شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت بحضرة إبراهيم بك قائمقام مصر والأمراء. وفي أواخر شعبان شرع الأمراء في تجهيز تجريدة وسفرها إلى جهة قبلي لاستفحال أمر حسن بك ورضوان بك فإنه انضم إليهم كثير من الأجناد وغيرهم وذب إليهم جماعة إسمعيل بك وهم إبراهيم بك قشطة وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته سليمان بك أبو نبوت وعثمان بك الأشقر ولاجين بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الأموال من التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا المراكب وعطلوا الأسباب وبرزوا بخيامهم إلى جهة البساتين. وفيه حضر من الديار الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا وأنزلوه في بيت بسويقه العزى. وفي يوم الخميس عشرين شوال وكان خروج المحمل والحجاج صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 من مات في هذه السنة. مات السيد الأجل الوجيه الفاضل السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة ونشأ بها ولما توفي والده السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع الأبهة والوقار وتردد الأفاضل إليه على عادة اسلافه. وكان يعاني طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولي إلا أن في مطالعة الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا بالأزهر وعلى الأشياخ المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الأمير والشيخ محمد العروسي والشيخ محمد بن إسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان إنسانا حسن العشرة والمودة. توفي في رابع عشر رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند اسلافهم. ومات الفقيه النبيه المتقن المتفنن الأصولي النحوى المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس البولاقي الحنفي كان في الأصل شافعي المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الأسقاطي والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما توفي لازم ولده السيد إبراهيم ولم تطل أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن الجبرتي ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه ولاحظه بأنظاره وأخذ له تدريس الحنفية بجامع السنانية وجامع الواسطي وعاونه في أمور من الأحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته مثل المحكمة في القضايا والدعاوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 والمناكحات والخصومات وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة رحمه الله تعالى وعفا عنه. ومات الوالي الصالح الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين سنة وانتفع به طلبة المدينة واشتهرت بركنه. فكل من قرأ عليه شيئا فتح الله عليه وصار من العلماء وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة. ومات الشيخ الصالح الوجيه أحمد بن عبد الله الرومي الأصل المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف الثياب حسن الأخلاق مهذبا متواضعا. توفي عشية يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 سنة خمس وتسعين ومائة وألف . في منتصف المحرم قبض إبراهيم بك على إبراهيم أغا ببيت المال المعروف بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به إلى بيته وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك سبب. وفي يوم السبت سادس عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا إلى مصر صحبة المحمل وأمير الحاج مصطفى بك في يوم الثلاثاء تاسع عشرة. وفيه جاءت الأخباريات إسمعيل بك وصل من الديار الرومية إلى ادرنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 وطلع من هناك ولم يزل يتحيل حتى خلص إلى الصعيد وانضم إلى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة. وفي أواخر شهر صفر وصلت الأخبار من ناحية قبلي بان مراد بك خنق إبراهيم بك أوده باشا قيل: إنه اتهمه بمكاتبات إلى إسمعيل بك وحبس جماعة آخرين خلافه. وفيه وصلت الأخبار بورود باشا إلى ثغر سكندرية واليا على مصر وهو محمد باشا ملك. وفي سادس جمادى الأولى وصل مراد بك ومن معه إلى مصر وصحبته إبراهيم بك قشطة صهر إسمعيل بك وسليم بك أحد صناجق إسمعيل بك بعد ما عقد الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم. وفي منتصف شهر جمادى الأولى سافر علي أغا كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم لملاقاة الباشا. وفي غرة شهر رجب وصل الباشا إلى بر انبابه وبات هناك وعدت الأمراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب إلى العادلية. وفي يوم الإثنين ركب الباشا بالموكب من العادلية ودخل باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع إلى القلعة وضربوا له المدافع من باب الينكجرية وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة. وفي يوم الخميس عملوا الديوان وحضر الأمراء والمشايخ وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع المعتادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وفي يوم الأحد المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة صبح يوم الإثنين. من مات في هذه السنة من الأئمة والأعيان. توفي شيخنا الإمام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة السالكين صاحب الكرامات الظاهرة والاشارات الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود الكردي الخلوتي حضر إلى مصر متجردا مجاهدا مجتهدا في الوصول إلى مولاه زاهدا كل ما سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من الأستاذ شمس الدين الحفني وقطع الأسماء وتنزلت عليه الأسرار وسطعت على غرته الأنوار وأفيض على نفسه القدسية أنواع العلوم المدنية. وله رسالة في الحكم ذكر أن سبب تأليفه لها أنه رأى الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام أعطاه مفتاحا وقال له: افتح الخزانة. فاستيقظ وهي تدور على لسانه ويرد على قلبه أنه يكتبها. قال: فكنت كلما صرفت الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما هي تملي على لساني من قلبي وقد شرحها خليفته شيخ الإسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز معانيها ما اخفاها فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه الأستاذ العلامة السيد عبد القادر بن عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي الطرابلسي شكر الله صنيعهما ذكر في أولها ترجمة الأستاذ كما سمعه من لفظه أن مولده ببلدة صاقص من بلاد كوران ونشأ في المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي الليل كله في مسجد ببلدته معروف حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك المكان وصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد. وأخبرني غير مرة أنه كان لا يغمه بالليل إلا سماع صوت الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار. وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ. وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة. وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به قبل أن أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير معلم. وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته. ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة أكثر من نصف غرارة من الشعير. ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد الحفناوى فقيل له: هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد أن كان على طريقة القصيرى رضي الله عنه. وقال له في مبدأ أمره: يا سيدي إني أسلك على يديك ولكن لا أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك. فأجابه الشيخ إلى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة في قطع مقاماتها وكتب له إجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين. فكان الشيخ في آخر أمره إذا أراد أحد أن يأخذ عنه الطريق يرسله إلى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فإني لولا اعلم من نفوسكم ما أعلم لأمرتكم كلكم بالأخذ عنه والانقياد إليه. ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 عنه كثيرا من علم الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له أيليق بك: أن تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد غيرنا إما أن تقرأ أورادنا وأما أن تتركنا. فقال: يا سيدي أنتم جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف من الشيخ القصيرى أن تركت أوراده وشيء لازمته في صغرى لا أحب أن اتركه في كبرى. فقال له السيد البكرى: استخر الله وانظر ماذا ترى لعل الله يشرح صدرك. قال: فاستخرت الله العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن يساره وأنا تجاههم فقال القصيرى للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أليست طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن منه أن يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال الرسول عليه السلام لهما: "اعملا فيه القرعة" واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد البكرى فقال له السيد معنى القرعة: انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله عنه: ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول لي يا محمود خليك مع ولدى السيد مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين السماء والأرض بالنور المجسم كل حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد القصيرى ما استطاع. وأخبر رضي الله عنه أنه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة مباركة وذكر الله تعالى بهم إلى الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه وأراد زهد ففرق ما كان معه على المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ يقول الله بحال قوى فلما فرغوا قال للشيخ: يا سيدى سمعت هاتفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 يقول يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى قال: ثم إني بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى أجازيك فأخذ صلى الله عليه وسلم بيد الشيخ والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد أن أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ فرحا بذلك فلم يلبث إلا يسيرا ورسول السيد البكرى يطلبه فتوضأ وذهب إلى زيارته وكان من عادته أنه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه إلا على طهارة فلما رآه قال له: ما أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له: يا سيدي سهرنا البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم فقال له السيد: هل من بشارة أو إشارة فقلت يا سيدى البشارة عندكم فقال: قل ما رأيت قال: متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا فقال: يا ملا محمود منامك حق وهذه مبشرة لنا ولك فإنه صلى الله عليه وسلم ناج قطعا ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي الله عنه كثيرة لا تحصر. وكان كثير المرأى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما تمر به ليلة إلا ويراه فيها وكثيرا ما يرى رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له: يا محمود إني احبك وأحب من يحبك فكان رضي الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة. وقد أذن لي أن اتكلم بذلك وأما مجاهداته فالديمة المدرار كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى الله عليه وسلم كان عمله ديمة وأيكم يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبلغ من مجاهداته رضي الله عنه أنه لما ضعف عن القيام في الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف التي عليه مرتبة في حال من الأحوال وكان لا ينام من الليل إلا قليلا وكان ربما يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر عليه الليلة كلها وهو يردد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 آية من كتاب الله تعالى. وكثيرا ما كان يقتصر على الخبز والزيت ويؤكل في بيته خواص الأطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة بالسمن البقرى وقل ما تراه في خلوته أو مع أصحابه إلا وهو مشغول في وظائف أوراد. وقال لي: مرة ربما أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي في العالم العلوى في السماء الدنيا أو الثانية أو الثالثة أو العرش وكثيرا ما كان تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه وتع إلى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه. وقلت يوما للعارف بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير القدسي من كرامات الأستاذ أنه لا يسمع شيئا من العلم إلا حفظه ولا يزول من ذهنه ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه: بل الذي يعد من كرامات الشيخ أنه لا يسمع شيئا من العلم النافع إلا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه. فقلت صدقت هذا والله حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين لليافعي فلما أكملته قال لي: بمحضر من أصحابه هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له بعض الحاضرين: الخير موجود يا سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال الشيخ: قد وقع لي في الطريق أبلغ من ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ في أورادي فعطشت وكان الزمن مصيفا والوقت حارا وأم الأولاد نائمة فكرهت أن اوقظها شفقة عليها فما استتم هذا الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في غدير من الماء وما زال يعلو حتى وصل إلى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم أنه هبط حتى لم يبق قطرة ماء ولم يبتل مني شيء. وبردت ليلة في ليالي الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان إذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن يرفعه بيده لضعف يده قال: فأردت أن أوقظ أم الأولاد فأخذتني الشفقة عليها فما تم هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع بين يدى وبقى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 عندي حتى دفىء بدني وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى ثم رفعت. والحاصل أن مناقبه رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان لكلامه وقع في النفوس عظيم إذا تكلم كأنما كلماته خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق إلا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية أو حكاية تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير التواضع كثير الاحسان للفقراء والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة ينفقة في طاعة الله. ما امسك بيده درهما ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع أموره ليس له هم إلا أمور الآخرة لا يهتم لشأن الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة: خدمته نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك لابناء الملوك وهي صورة مكتوب من املائه أرسله إلى رجل من أعيان المغرب يقال له ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله عنه أرسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب عليه كثير من العلماء وكانت وفاة الأستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل وصلي عليه بالأزهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد مصطفى البكرى رضي الله عنهما. ومات الأديب الماهر واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر الرشيدى كان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 متضلعا فصيحا مفوها له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في الطويل: أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا. ... ولا تبدلن وعد الكئيب بضده. فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن. ... ولا تحسبن الله مخلف وعده. وقال في المديد ومنه الاكتفاء: في مديد الهجر قال اللواحي. ... دع هواه فالغرام جنون. فاعلاتن فاعلن فاعلاتن. ... واصطبر عن حبه قلت كونوا. وقال في الرجز: كملت محاسن منيتي فهديت في. ... روض غدا في وجنتيه نضيرا. متفاعلن متفاعلن متفاعلن. ... وكفى بربك هاديا ونصيرا. وقال في الرجر: ارجزفاني في هوى حلو اللما. ... مسى الورى أضحيت صبا هائما. مستفعلن مستفعلن مستفعلن. ... أن قل صبرى قال صبرى وما. وقال في الوافر: بوافر لوعتي صل يا غزالي. ... فكل متيم فإن وبالي. مفاعلتن مفاعلتن فعولن. ... ويبقى وجه ربك ذو الجلال. وقال في البسيط: بسطت في شادن حلو اللما غزلى. ... وقلت جدلي بوصل منك يا أملي. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن. ... فقال لي خلق الإنسان من عجل. وقال في الرمل: قد رملت الوصف فيه قائلا. ... مذبدا الهندى من أهدا به. فاعلاتن فاعلاتن فاعلن. ... قل هو الرحمن آمنا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 وقال في الخفيف: خفف الهجر عن فؤاد كليم. ... وامل كاس الوصال لي يانديمي. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... وتوكل على العزيز الرحيم. وله ديوان شعر مشهور ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع الأول من السنة. ومات الشيخ الصالح الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه الجذب والصلاح والسلوك على طريق أهل الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة وصلي عليه بالجامع الأزهر بمشهد حافل ودفن اسلافه قرب مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه. ومات الإمام الفصيح المعتقد الشهير الذكر الشيخ إبراهيم بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد بمكة سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن أحمد بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ عطاء الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ أحمد الأشبولي الجامع الصغير وغيره وأخذ عن السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من أطراف البلاد كالشيخ عبد الله الشبراوى والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن العيدروس بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف بأسمه رسالة سماها البيان والتعليم لمتبع ملة إبراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية وجعله خليفته في فتح مجالس الذكر وفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 ورد سحر ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية وأخذ عنه علم الفلك والأوفاق والاستخراجات والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من بعده وباعوها بأبخس الاثمان. وكان عنده من جملة كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا الكتاب في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار. وتحت ذلك اسمه وختمه. فلما كان في سنة ست وتسعين ورد علينا بعض الحجاج الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج المذكور وأرغبني في زيادة الثمن فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر إلى الحج ورجع وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج المذكورة وفرجني عليها وقال: أيهما أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه. وكنت لم أرها قبل ذلك فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات كثيرة بداخلها في المسائل المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك وجميعها بحسن الخط والوضع فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وإنما هي المعشوقة بالسماع فقلت له كيف وصلت إلى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر والقيمة. فأخبرني أنه اشتراها من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك وكلها بمثل ذلك الثمن البخس. فقضيت أسفا وأخذ الجميع مع ما أخذ وذهب إلى بلاده. وهكذا حال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 الدنيا ولم يزل المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا والمراسلات من جميع الأطراف والجهات حتى لحق بربه عز وجل سابع عشر ربيع الأول من السنة. ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي النابلسي سمع الأولية من محمد بن محمد الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه من أهل البلد وأجازه السيد مصطفى البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة في بلاده ثم عاد إلى بلاده فتوفي في ثالث جمادى الثانية. ومات الأجل المفوه الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد أبي ثور ابن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه الملك العزيز عثمان بن يوسف بن أيوب ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة وأربعة وتسعين وجده الأدنى زين العابدين أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم ارتحل إلى دمشق فحضر دروس الشيخ إسمعيل العجلوني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 ولازمه وأجازه بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في رواق الشوام بالأزهر واقبل على تحصيل العلم والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر إلى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم وعاشر الأكابر وعرف اللسان وصار منظورا إليه عند الأعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى إلى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير السن فألفه وأحبه وادبه وصار يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا إليه في الأمور معولا عليه في المهمات. ولما تولى نقابة السادة الأشراف مضافة إلى خلافة الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا عليه في أفعاله وأقواله وداوم على ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع المقال حسن الحركات والأحوال إلى أن توفي الشيخ المشار إليه فضاقت مصر عليه فتوجه إلى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم بالاعادة. وبلغني أنه كتب في تلك الأيام شرحا على بعض متون الفقه في مذهب الإمام وصار مرجع الخواص والعوام مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة. ومات الفقيه العلامة الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الأزهر فأخذ عن فضلاء عصره وهو أحد من يشار إليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية التحرى وبلغني من تواضعه أنه كان يأتي إليه أحد العوام فيقول له: حاجتي في بلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 كذا فقم معي تقضيها. فيطيعه ويذهب معه الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة والميقات وعند آلات لذلك. وكان إنسانا حسنا جامعا لادوات الفضائل. توفي يوم الجمعة حادى عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد كشك وإليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا. وكان يصلي إماما بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد صارت له مريديون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه توفي في يوم الإثنين ثالث عشرين شعبان من السنة. ومات من الأمراء الأمير إبراهيم بك أوده باشه خنقه مراد بك عفا الله عنه والمسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 سنة ست وتسعين ومائة وألف . فيها في صفر نزل مراد بك وسرح بالأقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب منهم أموالا وفرض عليهم مقادير من المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا يوصف ثم نزل إلى الغربية وفعل بها كذلك ثم إلى المنوفية. وفي منتصف شعبان ورد اغا بطلب محمد باشا ملك إلى الباب ليتولى الصدارة فنزل من القلعة إلى قصر العيني وأقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة رمضان وسافر إلى سكندرية. فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 شهرا ونصفا. وهاداه الأمراء ولم يحاسبوه على شيء ونزل في غاية الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من سائر الفنون ويحب المذاكرة والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين وكلام القوم وكان طاعنا في السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في أواسط رمضان ونزل إليه الملاقاة وحضر إلى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر من جهة الصليبة وطلع إلى القلعة وذلك على خلاف العادة. وفيه جاءت الأخبار على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول بأنه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله واحترق منها نحو الثلاثة أرباع واحترق خلق كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت محمد باشا وبعض رجال الدولة. وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة هرب سليم بيك وإبراهيم بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل وذهبوا إلى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك فأرتبك إبراهيم بيك ومراد بيك ونادى الأغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء. من توفي في هذه السنة من الأعيان. توفي الأستاذ الوجيه العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب السادة الأشراف بالديار المصرية كان وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الأشراف سيرا حسنا مع الإمارة وسلوك الانصاف وعدم الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ أحمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع الخاص والعام مضافة لنقابة الأشراف فحاز المنصبين وكمل له الشرفان. ولم يقم في ذلك إلا نحو سنة ونصف. وتوفي يوم السبت عاشر شعبان فحضر مراد بيك إلى منزله وخلع على ولده السيد محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 افندى ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة الأشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة. ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل الليل الحسيني باعلوى التريمي الأصل نزيل الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف. ورد إلى مصر سنة 1181 هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده إلى أمور مهمة وسافر صحبته لزيارة الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام. ثم توجه إلى الحرمين الشريفين وأقام هناك واجتمع به الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر إلى الديار الهندية وبها توفي في هذه السنة. ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي إمام جامع شيبون وخطيبه وخازن كتبه وكان إنسانا حسنا عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها مستحضرا المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا معتقدا ولما توقف الأمير أحمد باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 سنة سبع وتسعين ومائة وألف . فيها تسحب أيضا جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا إلى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الأموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في أموالهم وسلبوا ما بأيديهم. فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد. وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه إلى جهة البساتين وخرج صحبته الأمير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد أيام. وفي أواخر جمادى الثانية وردت الأخبار بان رضوان بيك قرابة علي بك حضر إلى مراد بك وانضم إليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا إلى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر. وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وإبراهيم بك على نفي جماعة من خشداشينهم وهم إبراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الأغا ورسموا لايوب بك أن يذهب إلى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب إليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج إلى غيظ مهمشة ثم سافر إلى المنصورة. وأما إبراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى إلى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه إلى قصر العيني ثم سفروه إلى ناحية السرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 ورأس الخليج. واما سليمان بك فإنه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع إلى منوف فحضر إليه المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب إلى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل إلى مسجد الخضر فاجتمع بأخيه إبراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا إلى جهة البحيرة. وفي يوم الأحد غاية شهر رجب طلع الأمراء إلى الديوان وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار إبراهيم بك سابقا وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق إبراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك. وفي شهر شعبان وردت الأخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا إلى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة إلى القصر بشاطىء النيل. وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لإبراهيم بك. وفيه وصلت الأخبار بأن سليمان بك وإبراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة إلى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات إلى الأمراء بمصر بذلك وإنهم يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به. وفيه أرسلوا خلعة إلى عثمان بك الشرقاوى بأن يستقر حاكما بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الأشقر للحضور إلى مصر فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا. وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا إلى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا إلى جهة الصعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك إلى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد. وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب إلى الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة وأحمد اغا جمليان وطلبوهم إلى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح إلا أن رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم. فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الأمراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي إبراهيم وغيره فجمعوا بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا. وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها إبراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الأموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان إبراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وأنه وأصل صحبتهم جميعا. وفي سادس عشر ذى القعدة حضر إبراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا إلى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فإنهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الأسماعيلية فلم يعجب مراد بك ما فعله إبراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 وركب للسلام على إبراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب إلى أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع إبراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب إليه فذهبوا إليه وسلموا عليه ثم ركب هو الآخر إليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه ثم أنه ركب في يوم الجمعة وعدى إلى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل إلى بولاق وأخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له إبراهيم بك لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم أنه عدى إلى ناحية الشرق وذهب إلى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر. وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الأراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الأمراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح إلى عشرة ريالات الأردب واشتد جوع الفقراء. ووصل مراد بك إلى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة. من مات في هذه السنة من الأعيان. توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الأزهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه. ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء أحمد الأسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ أحمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه أن يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت أنه أن شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه اعناق الأسود. وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك. ومن فوائد المترجم أنه رأى في المنام قائلا يقول له: من قال: كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون. توفي ليلة الإثنين سادس عشر صفر من السنة بعد أن تعلل بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الأزهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى. ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي أحمد بن علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلا على علماء بلاده ثم ورد إلى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب إلى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال. وورد إلى مصر في سنة أحدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل إلى كتب الشيخ الأكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه. أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الأول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى. ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الأزهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوى والشيخ عبد الله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبد الرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار إليهم بالأزهر وفي الجمعيات والمجالس عند الأمراء ونظار الأزهر وفي الأخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع إلا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة. توفي في أواخر القعدة. ومات الإمام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الأزهرى أحد العلماء المحصلين والأجلاء المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة وإليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 البراوى ودرس الفقه والمعقول بالأزهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار إليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم يتداخل كغيره في الأمور المخلة. ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الأولى من السنة. ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الأمير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب إليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني. وكان إنسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الأحد تاسع عشرين رجب بعد أن تعلل بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء. وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى. ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم أمورا غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم. وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه إلى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي أحمد البدوى إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد بن أحمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه وحضر درس العشماوى والعزيزى والجوهرى والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس وأكب على اقراء الحديث وألف في الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء مع سكون الاخلاق والانجماع عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان يخبر عن والده أن جنازته كانت خفيفة رحمه الله. ومات الفاضل المبجل سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة وملازمة لحضور دروس الأشياخ وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الأمير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما واقتنى كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه وكان نعم الرجل مودة وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 سنة ثمان وتسعين ومائة وألف . فيها في المحرم سافر مراد بك إلى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك. وفيه حضر إلى مصر محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم عملوا له موكبا وطلع إلى القلعة من تحت الربع على الدرب الأحمر. وفي منتصفه اتفق رأى إبراهيم بك والأمراء الذين معه على إرسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الأنوار شيخ السادات والشيخ أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 العروسي شيخ الأزهر إلى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه للصلح مع خشداشينه ويرجع إليهم ويقبلوا شروطه ما عدا اخراج أحد من خشداشينهم. فلما سافروا إليه وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار واخبر أنه لم يخرج من مصر إلا هروبا خوفا على نفسه فإنه تحقق عنده توافقهم على غدره فإن ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان أنه لا يحصل لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح وإلا فدعوني بعيدا عنهم. فقالوا له: لسنا نطلع على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد بالحضور بعد أيام وقال لهم: إذا وصلتم إلى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي فإن قبلوها توجهت معهم وإلا عرفت خلاصي معهم. وانفصلوا عنه على ذلك وودعوه وسافروا وحضروا إلى مصر في ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر. وفي ذلك اليوم وصل الحجاج إلى مصر ودخل أمير الحج مصطفى بك بالمحمل في يوم الأحد. وفي يوم السبت مستهل ربيع الأول خرج الأمراء إلى ناحية معادي الخبير وحضر مراد بك إلى بر الجيزة وصحبته جمع كبير من الغز والاجناد والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر الآخر فأرسل إليه إبراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وآخرين في مركب فلما عدوا إليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم ونزل أيضا كتخدا الباشا وصحبته إسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا إليه أيضا لجريان الصلح فلما توسطوا البحر ووافق رجوع الأولين ضربوا عليهم بالمدافع فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم لا يصدقون بالنجاة. فلما رأى ذلك إبراهيم بك ونظر امتناعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 عن الصلح وضربه بالمدافع أمر هو الآخر بضرب المدافع عليهم نظير فعالهم. وكثر الرمي بينهم من الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل من الفريقين عن التعدية إلى الجهة الاخرى وحجزوا المعادى من الطرفين. واستمر الحال بينهم على ذلك من أول الشهر إلى عشرين منه واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت الطرق القبلية والبحرية برا وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الأسعار وشح وجود الغلال وزادت أسعارها. وفي تلك المدة كثر عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات ولم يتركوا على وجه الأرض عودا اخضر وعين لقبض الأموال من الجهات وغرامات الفلاحبن وظن الناس حصول الظفر لمراد بك واشتد خوف الأمراء بمصر منه. وتحدث الناس بعزم إبراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة الخميس المذكور أرسل إبراهيم بك المذكور خمسة من الصناجق وهم سليمان بك الأغا وسليمان أبو نبوت وعثمان بك الأشقر وإبراهيم بك الو إلى وأيوب بك فعدوا إلى البر الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا طابورا فضربوا عليهم بالبندق فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع متصل من عرضي إبراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من عرضي مراد بك وضربوا على الع رضي بالمدفعين فلم يجبهم أحدا فباتوا على ذلك وهم على غاية من الحذر والخوف. وتتابع بهم طوائفهم وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا فوجدوا الع رضي خاليا وليس بة أحد وارتحل مراد بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة فذهبوا إلى الع رضي وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة ونهب اوباشة المراكب التى كانت محجوزة للناس. وعدى إبراهيم بك وتتابعوا في التعدية وركبوا خلفهم إلى الشيمى فلم يجدوا أحدا فأقاموا هناك السبت والاثنين والثلاثاء ورجع إبراهيم بك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 وبقية الأمراء إلى مصر ودخلوا بيوتهم. وانقضت هذة الفتنة الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة يهلكون الزرع حصادا ويسعون في الأرض فسادا. وفي أواخر شهر جمادى الأولى اتفق رأى إبراهيم بك على طلب الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك أن عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك وإبراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم وأخذوا ينقضون على إبراهيم بك الكبير واستخفوا بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا جاوجان بحضرة إبراهيم بك وسبه وشتمه وأمسك عمامته وحل قولانه وقال له: ليس هذا المنصب مخلدا عليك فاغتاظ إبراهيم بك لذلك وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لأنه كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد بك فاجتمع إليه الأمراء وتكلموا معه فقال: نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس ويكون كواحد منا وإن حصل منه خلل أكون أنا وأنتم عليه. وتحالفوا على ذلك وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك إلى مصر واجتمع بإبراهيم بك ورجع ثانيا وأرسل إبراهيم بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه الدادة والمرضعة فلما وصلوا إلى مراد بك أجاب بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان. وفي عاشر رجب حضر مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان فأوصله إلى أبيه ورجع ثانيا إلى مراد بك وشاع الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك وليمة وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب واستمروا على ذلك إلى آخر النهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وفي ثاني يوم اجتمعوا عند إبراهيم بك وقالوا له: كيف يكون قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال لهم: حتى يأتي فإن استقام معنا فيها وإلا أكون أنا وأنتم عليه. فتحالفوا وتعاهدوا وأكدوا المواثيق. فلما كان يوم الجمعة وصل مراد بك إلى غمازة فركب إبراهيم بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته وطائفته وخرج إلى ناحية البساتين ورجع من الليل وطلع إلى القلعة وملك الأبواب ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة والتبانة وأرسل إلى الأمراء الخمسة يأمرهم بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون إليها فمنهم من يذهب إلى دمياط ومنهم من يذهب إلى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من الخروج واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم يجدوا لهم خلاصا بسبب أن إبراهيم بك ملك القلعة وجهاتها ومراد بك وأصل يوم تاريخه وصحبته السواد الأعظم من العساكر والعربان ثم إنهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم إلى ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة الإمام الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب من فوره من خلف القلعة ونزل على الصحراء واسرع في السير حتى وصل إلى قناطر أبي المنجا ونزل هناك وأرسل خلفهم جماعة فلحقوهم عند شبرا شهاب وادركهم مراد بك والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه واركبوه غيره فعند ذلك ولى راجعا وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة نفذت من كتفه ولم يمت ورجع مراد بك ومن معه إلى مصر على غير طائل وذهب الأمراء الخمسة المذكورون وعدوا على وردان وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له: طرهونة يدلهم على الطريق الموصلة إلى جهة قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا حشيش يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا عنهم شيئا فشيئا إلى أن وصلوا إلى ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الأبرام فضاق خناقهم وظنوا الوقوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 فأحضروا الهجن وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف تذهبون وتتركونا مشتتين. وصار كل من قدر على خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب وانتقلوا من مكانهم إلى مكان آخر. وفي وقت الكبكبة ركب مملوك من مماليكهم وحضر إلى مراد بك وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة إلى الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا فرجعوا واغتم أهل مصر لذهابهم إلى جهة قبلي لما يترتب على ذلك من التعب وقطع الجالب مع وجود القحط والغلاء. وبات الناس في غم شديد. فلما طلع نهار يوم الأربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر بالقبض عليهم وكان من أمرهم أنهم لما وصلوا إلى ناحية الأبرام ووجدوا أنفسهم مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له: انظر لنا طريقا تسلك منه فركب لينظر في الطريق وذهب إلى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك الكمين ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال وحضروا بهم إلى مراد بك بجزيرة الذهب فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد بك مراكب وأنزل كل أمير في مركب وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا إلى جهة بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك إلى المنصورة ومصطفى بك إلى فارسكور وإبراهيم بك الوالي إلى طندتا وأما سليمان بك فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه. وفي منتصف شهر رمضان اتفق الأمراء المنفيون على الرهوب إلى قبلي فأرسلوا إلى إبراهيم بك الوالي ليأتي إليهم من طندتا وكذلك إلى مصطفى بك من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر إبراهيم بك إلى عثمان بك وأيوب بك خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في المراكب وعدى إلى البر الشرقي بعد الغروب وركب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وسافر فركب خلفه رجل يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الأشقر في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا القتال. فأراد الصنجق أن يذهب بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا ما كان معهم وساقوهم مشاة إلى البحر وانزلوهم المراكب وردوهم إلى مكانهم محتفظين عليهم. وأرسلوا الخبر إلى مصر بذلك. واما الجماعة الذين في المنصورة فإنهم انتظروا مصطفى بك في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له فركب عثمان بك وإبراهيم بك وساروا وتخلف أيوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر سبقتهم الرسل إلى سليمان بك فركب من الجيزة وذهب اليهما وذهبوا إلى قبلي وأرسل مراد بك محمد كاشف الالفي وأيوب كاشف فأخذا مصطفى بك من فارسكور وتوجها به إلى ثغر سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير. وعرف من اجل ذلك بالاسكندراني. واحضروا أيوب بك إلى مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد أيام ردوه إلى بيته الكبير وردوا له الصنجقية أيضا في منتصف شوال. وفي يوم الإثنين سادس شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم الثلاثاء في عربة وكسر السد على العادة. وفي يوم الإثنين حادى عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب إلى البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من إبراهيم بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى طرفه وطرف اتباعه واحال عليه أمير الحاج وركب من البركة راجعا إلى مصر وتركه وأياه فلم يسع مراد بك إلا الدفع وتشهيل الحج وعاد إلى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وخرج إلى قصره بالروضة وأرسل إلى الجماعة الذين بالوجه القبلي فلما علم إبراهيم بك بذلك أرسل إليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر إلى بعد العشاء ونظر إبراهيم بك فلم يجد عنده أحدا من خشداشينه. واجتمه وأكلهم على مراد بك فضاق صدره وركب إلى الرميلة فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب إلى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه الأربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع إلى مصر وأصبح منفردا بها وقلد قائد اغا اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا ومصطفى بك محتسب وأرسل إلى محمد كاشف الالفي ليحضر مصطفى بك من محبسه بثغر اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر باخراج الغلال المخزونة لتباع على الناس. وفي ليلة الثلاثاء خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان. وفيه قلد مراد بك مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا. وفي يوم الأحد سابع عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي وسليمان بك أبو نبوت وكان مراد بك أرسل يستدعيهم كما تقدم. فلما حضروا إلى مصر سكنوا بيوتهم كما كانوا على إمارتهم. وفي أواخره وصل واحد أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا على السنة الجديدة فطلب الباشا الأمراء لقراءاته عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل ذلك مراد بك ولم يلتفت إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وفي يوم الجمعة رابع عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على إسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر صحبة مراد بك كما تقدم وانضم إليه وصار من خاصته فلما خرج إبراهيم بك من مصر اشيع أنه يريد صلحه مع إسمعيل بك وحسن بك بك فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد بك بنفيه فسافر من ليلته إلى الأسكندرية. وفي يوم السبت خامس عشرة أرسل مراد بك إلى الباشا وأمره بالنزول فأنزلوه إلى قصر العيني معزولا وتولى مراد بك قائم مقام وعلق الستور على بابه فكانت ولاية هذا الباشا أحد عشر شهرا سوى الخمسة أشهر التي أقامها بثغر سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء. وفي أواخر شهر الحجة شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه وبين إبراهيم بك فأرسل له سليمان بك الأغا والشيخ أحمد الدردير ومرزوق بك ولده فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه. وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الأمراء وانتشار أتباعهم في النواحي لجبي الأموال من القرى والبلدان واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات ودفع المظالم والفردة حتى أهل كوا الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه وتو إلى طلب السلف من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقيلة. ولما تحقق التجار عدم الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة الأسعار ثم مدوا أيديهم إلى المواريث فإذا مات الميت أحاطوا بموجوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 سواء كان له وارث أولا. وصار بيت المال من جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما الكليات فيختص بها الأمير. فحل بالناس مالا يوصف من أنواع البلاء إلا من تداركه الله برحمته أو اختلس شيئا من حقه فإن اشتهروا عليه عوقب على استخراجه. وفسدت النيات وتغيرت القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات أخيه ويدلي به إلى الظلم حتى خرب الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد الأمن ومنعت السبل إلا بالخفارة وركوب الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي والظلم وانتشروا في المدينة بنسائهم وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط في الطرقات من قشور البطيخ وغيره فلا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم الحال حتى أكلوا الميتات من الخيل والحمير والجمال فإذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله نيئا من شدة الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع. هذا والغلاء مستمر والأسعار في الشدة وعز الدرهم والدينار من أيدى الناس وقل التعامل إلا فيما يؤكل وصار سمر الناس وحديثهم في المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لا غير ولولا لطف الله تعالى ومجيء الغلال من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع. وبلغ الأردب من القمح ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل أن توجد. واستمر ساحل الغلة خاليا من الغلال بطول السنة والشون كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج إلى جهة قبض أموالها وغلالها. وإذا سئل المستقر في شيء تعلل بما ذكر. ومحصل هذه الافاعيل بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب الأموال والبلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 وفخاخ ينصبونها ليصيدوا بها إسمعيل بك. وفي أواخره وصلت مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء بعضها وتغوفل عنها وبقي الأمر على ذلك. رجع لخبر العجلة التي لها رأسان. وهو أنه لما أرسل إبراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الأمير مراد بك واعطاه هدية ومن جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما إلى مصر وشاع خبرها فذهبت بصحبة أخينا وصديقنا مولانا السيد إسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب فوصلنا إلى بيت ام مرزوق بك الذى بحارة عابدين ودخلنا إلى اسطبل مع بعض السواس فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي تأكل بفم أحدى الرأسين وتشتر بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع خلقته فكانت من العجائب الغريبة المؤرخة. من مات في هذه السنة من أعيان الناس. مات الشيخ الفقيه الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصورى والشيخ محمد الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس وكان إنسانا حسنا لا بأس به توفي في هذه السنة. ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة المفوه المتكلم المتفقه النحوى الأصولي الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الأزهرى أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 المتصدرين في العلماء الأزهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس وختم الختوم وتنزل أياما عند الأمير إبراهيم كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس وعند الأمراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في المجالس العلمية والعرفية. وسافر مرة إلى اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد. ومات الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية ورد إلى مصر وجاور بالجامع الأزهر وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد الأسكندرى وغيره وتولى مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي فسار فيها سيرا حسنا. ولم يتزوج حتى مات. ومن آثاره ما كتبه على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الادكاوى. ولم يزل مواظبا على التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر. ومات الشيخ الفاضل العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ علم الأداء عن كل من الشيخ محمد بن علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد ربه ابن محمد السجاعي إجازة في سنة أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن يوسف القسطنطيني جود عليه إلى قوله المفلحون بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل حين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 ورد مصر حاجا في سنة ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن السماح البقرى والشهاب الأسقاطي وآخرين وأخذ العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى والشيخ أحمد الأسكندراني ومحمد بن محمد الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية والأوراد السرية ودخل الشام فسمع الأولية على الشيخ إسمعيل العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد إلى مصر فحضر على السيد البليدى في تفسير البيضاوى بالأزهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به ويعرف مقامه. وله سليقة تامة في الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في الأربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ عليهما علماء عصره. ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويجيد ودرس بالأزهر مدة في أنواع الفنون واتقن العربية والأصول والقراءات وشارك في غيرها وعين للتدريس في السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا. وتوفي المترجم رحمه الله تعالى في سابع عشرين رجب. ومات الأجل المبجل والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد محمد ابن أحمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد القادر الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت الجيزى من بيت العز والسيادة والكرامة والمجادة جدهم تاج العارفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 تولى الكتابة بباب النقابة ولا زالت في ولده مضافة لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر الموسكي مشهور بالثروة والعز وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة واحتشام وانجماع عن الناس ولهم منزل ببركة جناق يذهبون إليه في أيام النيل وبعض الأحيان للنزاهة توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد الخالق. ومات السيد الفاضل السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن أحمد ابن عبد الله بن حسن بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم بن أحمد ابن أبي بكر بن سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم القناوى الشريف الحسيني ولد بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الأستاذ الحفني ثم حبب إليه السياحة فورد الحرمين وركب من جدة إلى سورت ومنها إلى البصرة وبغداد وزار من بهما من المشاهد الكرام ثم دخل المشهد فزار أمير المؤنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم دخل جراسان ومنها إلى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان أحمد شاه فأكرمه واجزل له العطاء ثم عاد إلى الحرمين وركب من هناك إلى بحر سيلان فوصل إلى بنارس واجتمع بسلطانها وذهب إلى بلاد جاوة ثم رجع إلى الحرمين ثم سار إلى اليمن ودخل صنعاء واجتمع بإمامها ودخل زبيد واجتمع بمشايخها وأخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد لهم حلق الذكر على طريقته وأكرموه ثم عاد إلى الحرمين ثم إلى مصر وذلك سنة اثنتين وثمانين وكانت مدة غيبته نحو عشرين سنة. ثم توجه في آخر هذه السنة إلى الصعيد واجتمع بشيخ العرب همام رحمه الله تعالى فأكرمه أكراما زائدا ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك شهورا ثم رجع إلى مصر وتوجه إلى الحرمين من. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 القلزم وسافر إلى اليمن وطلع إلى صنعاء ثم عاد إلى كوكبان وكان إمامها إذ ذاك العلامة السيد إبراهيم بن أحمد الحسيني وانتظم حاله وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل زبيد واستمال بحسن مذاكرته ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر. وهي بلدة باليمن بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه وأقام حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من هناك إلى جدة وركب من القلزم إلى السويس. ووصل مصر سنة أربع وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت إليه بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل في بعض الأحيان إلى بولاق ويقيم أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر إلى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء ثم تزوج بمصر وأتى إليه ولده السيد مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في عبادة وحسن توجه إلى الله مع طيب معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى تمرض بعلة الأستسقاء مدة حتى توفي ليلة الثلاثاء غرة جمادى الأولى من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بالقرافة بين يدى شيخه الحفني. وكان ابنه غائبا فحضر بعد مدة من موته فلم يحصل من ميراثه إلا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث ذهب. ومات الوجيه النبيل والجيلي الأصيل السيد حسين باشيجاويش الأشراف بن إبراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى افندى الخطاط كان إنسانا حسنا جامعا للفضائل واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في الفنون وخصوصا في التاريخ وكان مألوف الطباع ودودا شريف النفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 مهذب الاخلاق فلم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى. ومات الأمير محمد كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام مماليكه معدودا من الأمراء وله عزوة مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة. ومات التاجر الخير الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد الوهاب الطرابلسي الأصل الدمياطي سكن دمياط مدة وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان يأتي إليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب أكرامهم وكان من عادته أنه لا يأكل مع الضيوف قط إنما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل مع الخدم وهذا من كمال التواضع والمروءة. وإذا قرب شهر رمضان وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام بالأزهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر الصوم في الإكرام ثم يصلهم بعد ذلك بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين. وفي سنة ثلاث وثمانين حصلت له قضية مع بعض أهل الذمة التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر إلى مصر وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله إلى الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال رفع للشيخ خير الدين الرملي في مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك النصراني في اثر حضور الحاج عمر خوفا على نفسه وكان إذ ذاك شوكة الإسلام قوية فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار النصارى بمصر بعد أن تحققوا حصول الانتقام وفتنوهم بالمال فأدخلوا على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 الشيخ شكوكا وسبكوا الدعوى في قالب آخر وذلك أنه لم يسبه بالألفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال الأول بذلك واحضروه إلى الوالد فامتنع من الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده فيه وسافر إلى دمياط ولم يبلغ قصده من النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل. وانتهت رياسة مصر إلى علي بك وارتفع شأن النصارى في أيامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم إبراهيم الجوهرى فعملوا على نفي المترجم من دمياط فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا أمواله من حواصله وداره ووضعوا في رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع نسائه وأولاده في مركب وأرسلوه إلى طرابلس الشام فاستمر بها إلى أن زالت دولة علي بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر الميل إلى نصرة الإسلام فكلم السيد نجم الدين الغزى محمد بك في شأن رجوعه إلى دمياط فكان أن يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس والمعلم مخاييل الجمل والمعلم يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الأمير بالاشارة في عدم الاجابة لأنه من المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد نجم الدين بعد أن كان قرب من الاجابة. فلما تغيرت الدولة وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه لم يكن شيئا مذكورا رجع إلى الثغر وورد علينا مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته وصار شيخا هرما ثم رجع إلى الثغر واستمر به حتى توفي في السنة وكان له مع الله حال يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا يشتغل إلا بما يهمه رحمه الله تعالى. ومات الأمير الجليل إبراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده وتولى في مناصب وجاقهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 وقرأ القرآن في صغره وجود الخط وحبب إليه العلم وأهله. ولما مات سيده كان هو المتعين في رئاسة بيتهم دون خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم إليه خشداشينه واتباعه واشترى المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك محاسن الزمن الماضي. وكان بيته مأوى الفضلاء وأهل المعارف والمزايا والخطاطين واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى أن الكتاب المعدوم إذا احتيج إليه لا يوجد إلا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب للانتفاع في المطالعة والنقل وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة النوافل إلى أن توفي في هذه السنة وتبردت كتبه وذخائره رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 سنة تسع وتسعين ومائة وألف . استهل العام بيوم الإثنين فكان الفال بالمنطق واخذت الأشياء في الانحلال قليلا. وفي سابعه جاءت الأخبار بان الجماعة المتوجهين لإبراهيم بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير وسليمان بك الأغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بإبراهيم فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب بشروط منها أن يكون هو على عادته أمير البلد وعلى أغا كتخدا الجاويشية على منصبه. فلما وصل الرسول بالمكاتبة جمع مراد بك الأمراء وعرفهم ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب الرسالة وأرسلوها صحبه الذى حضر بها. وسافر أيضا أحمد بك الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في حادى عشرة. وفي عشرينه وصلت الأخبار بأن إبراهيم بك نقض الصلح الذى حصل وقيل: إن صلحه كان مداهنة لأغراض لا تتم له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر ونقض ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 وفي سادس صفر حضر الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وإن سليمان بك وسليم اغا استمروا معه. وفي منتصفه وصل الحجاج مع أمير الحاج مصطفى بك وحصل للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من الجوع وانقطع منهم جانب عظيم. ومنهم من نزل في المراكب إلى القلزم وحضر من السويس إلى القصير ولم يبق إلا أمير الحج واتباعه ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم إلا نحو عشرة انفار. وفي اثناء نزول الحج وخروج الأمراء لملاقاة أمير الحج هرب إبراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الأغا وذهب إلى أخيه بالمنية وذهب صحبته من كان بمصر من اتباع أخيه وسكن الحال أياما. وفي أواخر شهر صفر سافر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا إلى بني سويف حضر إليهم سليمان بك الأغا وعثمان بك الأشقر باستدعاء منهم ثم اجاب إبراهيم بك إلى الصلح ورجعوا جميعا إلى المنية. وفي أوائل ربيع الأول حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات بذلك وفي اثر ذلك حضر أيوب بك الصغير وعثمان بك الأشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد بك لعثمان بك تقادم ثم رجع أيوب بك إلى المنية ثانيا. وفي يوم الإثنين رابع ربيع الثاني وصل إبراهيم بك الكبير ومن معه من الأمراء إلى معادى الخبيرى بالبر الغربي فعدى إليه مراد بك وباقي الأمراء والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا إلى مصر وعدى في أثرهم إبراهيم بك ثم حضر إبراهيم بك في يوم الثلاثاء إلى مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 ودخل إلى بيته وحضر إليه في عصريتها مراد بك في بيته وجلس معه حصة طويلة. وفي يوم الأحد عاشره عمل الديوان وحضرت لإبراهيم بك الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والأمراء والمشايخ وعند ذلك قام مراد بك وقبل يده وكذلك بقية الأمراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية كما كان وتقلد علي أغا اغات مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه مراد بك وحصل له قلق عظيم وصار يترامى على الأمراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار يقول أن لم يردوا إلى منصبي وإلا قتلت علي أغا. وصمم إبراهيم بك على عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا وخاف على نفسه من قائد أغا ثم أن إبراهيم بك قال: إن عزل علي أغا لا يتولاها قائد أغا أبدا. ثم إنهم لبسوا سليما أغا امين البحرين وقطع منها امل قائد أغا وما وسعه إلا السكوت. وفي منتصف جمادى الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه وأجناده مسافرا إلى الصعيد بنفسه ولم يسمع لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع. وفيه كثر الموت بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر الغلاء. وفي يوم الخميس مات علي بك أباظة الإبراهيمي فأنزعج عليه إبراهيم بك وكان الأمراء خرجوا بأجمعهم إلى ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من ذلك. فلما مات علي بك وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا إلى بيوتهم. وفي يوم الأحد طلعوا إلى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه حاكم جرجا ورجع إبراهيم بك إلى بيته أيضا وكان إبراهيم بك إذ ذاك قائمقام. وفيه مات أيضا سليمان بك أبو نبوت بالطاعون. وفي منتصف رجب خف أمر الطاعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 وفي منتصف شعبان ورد الخبر بوصول باش مصر الجديد إلى ثغر سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات. وفيه أيضا وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة إلى إبراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك وأخذهم صحبته ونزل إلى البحيرة فتواطأ معه الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم في غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم واغنامهم ثم رجع إلى مصر بالغنائم. وفي غاية شعبان حضر باشة جدة إلى ساحل بولاق فركب علي أغا كتخدا الجاويشية وأرباب العكاكيز وقابلوه وركبوا صحبته إلى العادلية ليسافر إلى السويس. وفي غرة رمضان ثارت فقراء المجاورين والقاطنين بالأزهر وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات. وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة. وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة واستمروا على ذلك إلى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان إلى مدرسة الأشرفية وأرسل إلى مشايخ الاروقة والمشار إليهم في السفاهة وتكلم معهم ووعددهم والتزم لهم باجراء رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وفي يوم الأحد ثامن شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في هذه التسعة أيام فقط ولم يزد قبل ذلك واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن أبي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس. وفي يوم الخميس خرج أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج وذلك ثاني عشر شوال. وفي يوم الإثنين ثامن عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية وصحبته أرباب الخدم إلى الأسكندرية لملاقاة الباشا والله تعالى اعلم. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الشيخ الإمام العارف المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الأحمدى ثم الخلوتي السمنودى الأزهرى المعروف بالمنير ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم الجامع الأزهر وعمره عشرون سنة فجود القرآن على الإمام المقرىء علي بن محسن الرملي وتفقه على جماعة منهم الشيخ شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي الصفا الشنواني وسمع الحديث على أبي حامد البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه كذلك الشيخ محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة ببلده على سيدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 علي زنفل الأحمدى ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى إلى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض منه فلم يكن ينتسب في التصوف إلا إليه. وحصل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والأوفاق على عدة من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو المعروف بالمئيني ويتنافس الأمراء والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث. وكان سنده عاليا فتنبه بعض الطلبة في الأواخر فأكثروا الأخذ عنه. وكان صعبا في الاجازة لا يجيز أحدا إلا إذا قرأ عليه الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى أن جماعة من أهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه الطريقة في مثل هذه الأزمان عسرة جدا. وفي أواخره انتهى إليه الشأن وأشير إليه بالبنان وذهبت شهرته في الآفاق وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق وكف بصره وانقطع إلى الذكر والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز وخلف وربما كتب الاجازات نظما على هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر ويفيد إلى أن وافاه الأجل المحتوم في هذه السنة وجهز وكفن وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل وأعيد إلى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر عليه الأسف. ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الأزهرى أدرك الطبقة الأولى من المشايخ كالشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى والملوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 واضرابهم وتفقه ودرس بالجامع الأزهر وانتفع به الطلبة وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في بولاق ويأتي كل يوم إلى مصر لإلقاء الدروس. وكان إنسانا حسنا صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في أهل الله. توفي تاسع ربيع الثاني سنة تسع وتسعين هذه. ومات الإمام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن عمر الأسقاطي وبه تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الأزهر وبرواق الأروام وانتفع به الطلبة طبقة بعد طبقة. وكان لع معرفة ببعض الأسرار والروحانيات وغير ذلك. ومات الاختيار المفضل المبجل علي بن عبد الله الرومي الأصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش اختيار وجاق الجاويشية كان لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه فعمل له مجلسا في منزل المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه أرباب الفن من الخطاطين واجازه حسن افندى الرشدى مولى علي أغا المشار إليه وكان يوما مشهودا. ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع بالحرمين على الأفاضل وتلقى منهم اشياء وعاد إلى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعناية بالأدب وصار في محفوظيته جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء أهل بدر وكان دائما يتلوها. ولاجله ألف شيخنا السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 معنى لفظ درويش كراسا. ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي وجود عليه شيخنا المذكور في الخط وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة والمصاهرة حولته بعياله إلى منزلي لتعب الوقت وتعطيل أسباب المعايش. ولما عاشرته بلوت منه خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من الليل إلا قليلا ويتبتل إلى مولاه تبتيلا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على حضور الجماعة حريصا على إدراك الفضائل. توفي في جمادى الأولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار الإمام أبي جعفر الطحاوى لأنه كان ناظرا عليه رحمه الله. ومات الأستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات والاشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده أصله من توقاد وولد. هو في مصر سنة 1173 وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء عاناه في أقل زمن بحيث أنه إذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيرا من شرحه على القاموس وكتب عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان وثمانين وسمع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 أيضا الصحيح مرة ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس إلى بعد كل عصر وصحيح مسلم في ستة مجالس مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة وكتب الامالي والطباق وضبط الأسماء وقلد خط الصلاح الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في التصريف وغير ذلك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته. وسمع المسلسل بالعيد وبالاسودين التمر والماء. وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الأشجعي وبلدانيات السلفي وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشيخنا السيد العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال إليه وصار ينطق بالشعر وأقبل على الأدب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام عال. والف كتابا في علم الأوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب مفيد وامتزج بالروحانية حتى إني رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان وإذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك ابدا. ومارس في علم الرمل أياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا لخص فيه قواعده من غير مشقة. ومارس في الفلكيات مع سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي غيره. وبآخرة انجمع عن خلطة الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف أورادا واحزابا واسماء على طريقة الأسماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 السهروردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام لا يطرق الأسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع الأول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والانصاف أنه كان من آيات الله الباهرة. ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه ورحمنا أجمعين. ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه بن أبي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ القرآن وقدم الجامع الأزهر وطلب العلم وحضر الأشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى العزيزى خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الاجهوزى المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر في فقه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل وبالأولية بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع اجزاء البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك. وله تآليف وجمعيات ورسائل في علوم شتى. ولما اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعداد لأمه على ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له: هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والأولى أن تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات وغيرها فإن مثلك لا يقتصر على فن من الفنون والاقتصار ضياع. فقبل منه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الأشتغال عن كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف على كل منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك إلى الانقطاع الكلي. ولما مات الشيخ العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان إنسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه إلى أن وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله. ومات أوحد الفضلاء وأعظم النبلاء العلامة المحقق والفهامة المدقق الفقيه النبيه الأصولي المعقولي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم إلى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم الخواجا المعروف بمدينة وأقامت معه نحو الأربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي ولما عزل راغب وذهب إلى دار السلطنة وتولى الصدارة سافر إليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكية بالضربخانة بمصر ورجع إلى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات بشهامة وصرامة زائدة. وسبب عزله في المرة الوسطى أن بعض المغاربة تشاجر مع الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ علي واشتكاه إلى علي بك في أيام إمارته فأحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة الأمير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ علي بالله على ذلك فقال له المترجم: احلف بالطلاق فاغتاظ منه الأمير علي بك وصرفهما وأرسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف باله لذلك ثم اعيد بعد مدة إلى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة ووقار إذا مر راكبا أو ماشيا قام الناس إليه وبادروا إلى تقبيل يده حتى صار ذلك لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم. وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للإمام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي تلقاها من أفواه الأشياخ وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك. وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف والهداية للابهرى والهيئة والهندسة. ولم يزل مواظبا على تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما فيه من الحدة إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة رحمه الله. ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن إبراهيم بن أخي الشيخ الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب فلما توفي عمه في سنة أحدى وستين اجلس مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر الجامع الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا يدخل دار أحد وفيه الأستئناس وعنده فوائد يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة والمذاكرة واعتقده الخاص والعام. ولما سافرنا إلى دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة وطلعناها ذهبنا إلى جامعها الكبير ودخلنا إليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه قراقيش وكعك وشريك وخبز يابس ولبن وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعا لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت. ولم أره غير هذه المرة. وهو إنسان حسن جامع للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده مثله. ومات السيد الإمام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد أبي السعود والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر المعقول على علماء العصر كالشيخ عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام إلا أنه لم يكن له حظ في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده ساعة ثم يقوم ويذهب إلى بيته بسويقة العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضي كثير الأغنياء والفقراء توفي في السنة رحمه الله. ومات العلامة المتقن والفهامة المتفنن أحد الأعلام الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الأصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الأزهرى الشافعي البهوتي نسبة إلى قبيلة البهتة جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى والجوهرى والطحلاوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 والبراوى والبليدى والصعيدى والشيخ علي قايتباى والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية. وكان مهذب النفس جدا لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه ملازما على الأشتغال والافادة والمطالعة. ومما اتفق له أنه قرأ البخارى والمنهج صبيحة النهار والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر وابن عقيل بعد العصر والشنشورى بعد المغرب كل ذلك في أن واحد ويحضره في ذلك جل الأفاضل وهذا لم يتفق لغيره من أقرانه ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه من الإفادة وملازمة الاقراء أعانه الله على وقته ونفع به. ومات الشيخ الإمام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم يلدن إلا الإناث حتى قيل: إنه ولد له نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب. ولما ترعرع أراد الانتقال إلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه على الشيخ سالم النفراوى واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة وغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 ذلك وأخذ عليه أيضا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الجزرية لشيخ الإسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى والشيخ الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله بن محمد المغربي القصرى الكنكسي. وكان المترجم على قدم السلف لا يتداخل في أمور الدنيا ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم والديانة. وسمعت منه المسلسل بالأولية وأجازني بمسموعاته ومروياته وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190. وكان يجيئني ويودني ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي ووالدته من السرارى. وصنف حاشية على الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى. ومات السيد الأجل المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الأولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى أخي سيدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 بكرى الصديقي فأولدها محمد أفندى نقيب السادة الأشراف وهو والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض المناصب ثم توجه إلى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الأعيان نقابة الأشارف بمصر وحضر إلى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم له الأمر فلم يمكن من ذلك بتقوية بعض الأمراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر إلى الروم خفية ولم يأخذ منهم عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعا عنها. وكان سيدا محتشما فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العز والرفاهية ببيتهم المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان إنسانا حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا عن الناس إلا لمقتضيات لا بد له منها. توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب. ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما. وكان المترجم إنسانا بشوشا منور الشيبة ولديه آداب ونوادر ومناسبات وحج مرارا أو أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته إلى أن توفي في هذا العام ولم يخلف بعده مثله. ومات الشريف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالأزهر ودفن عند والده بمقام العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع الأول من السنة رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 سنة مائتين وألف . كان أول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك اليوم وصل الباشا الجديد إلى برانبابة واسمه محمد باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك وفي الصباح ذهب إليه الأمراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به إلى قصر العيني فجلس هناك إلى يوم الإثنين رابعه وركب بالموكب وشق من الصليبة وطلع إلى القلعة واستبشر الناس بقدومه. وفي يوم الخميس ثاني عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في هذه السنة مثل العام الماضي بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة المدينة وإن أحمد باشا أمير الحاج الشامي أكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من المال والعليق والذخيرة فاعتل بان الأمراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام واستمر على امتناعه. وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال: إذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الأمراء وتضع عليه خطك وختمك وللسلطان النظر بعد ذلك. فأجاب إلى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر إليهم الجاويش في صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج الأمراء في ثاني يوم إلى خارج باجمعهم ونصبوا خيامهم. وفي يوم الإثنين وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر ونزل أمير الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة أولا على العادة وركب في يوم الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل إلى الباشا. وفي يوم الأربعاء اجتمع الأمراء ببيت إبراهيم بك وأحضروا مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه إبراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 وكتابة العرضحال وادعوا أنه تسلم جميع الحمائل وطلبوا منه حساب ذلك واستمروا على ذلك إلى قرب المساء. ثم أن مراد بك أخذ أمير الحاج إلى بيته فبات عنده وفي صبحها حضر إبراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير الحاج إلى بيته ووضعه في مكان محجورا عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في طرفه مائة ألف ريال وثلاثة آلاف وذلك خلاف ما على طرفه من الميرى. وفي يوم الجمعة طلع إبراهيم بك إلى القلعة واخبر الباشا بما حصل وأنه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته فاستمر أياما وصالح وذهب إلى بيته مكرما. وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاورو الأزهر بسبب أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر إليهم سليم أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا. وفي ليلة خروج الأمراء إلى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك الأسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا إلى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وافحشوا في ظلم العباد. وفي منتصف ربيع الأول شرع مراد بك في السفر إلى جهة بحرى بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم بإحضارهما فأعتذروا إليه فحبسهم ثم أطلقهم على مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار إلى طملوها وطالب أهلها برسلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 ثم نهب القرية وسلب أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالأرض وفرق كشافه في مدة اقامته عليها في البلاد والجهات لجبي الأموال وقرر على القرى ما سولته له نفسه ومنع من الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فإذا استوفوها طلبوا حق طرقهم فإذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا وإلا أحرقوا البلدة ونهبوها عن آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل إلى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها وعين على اسكندرية صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل إلى اسكندرية هربت تجارها إلى المراكب وكذلك غالب النصارى فلم يجد إلا قنصل الموسقو فقال: أنا أدفع لكم المطلوب بشرط أن يكون بموجب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع وارتحل مراد بك من رشيد. ولما وصل إلى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق واستمر هو ومن معه يعبثون بالأقاليم والبلاد حتى أخربوها واتلفوا الزروعات إلى غرة جمادى الأولى. فوصلت الأخبار بقدومه إلى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية وأما صناجقه الذين تركهم بمصر فإنهم تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى فإنه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة. وفي عصرية يوم الخميس المذكور ركب حسين بك المذكور بجنوده وذهب إلى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى أحمد سالم الجزار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر إليه. وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب إلى إبراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها إليه. وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا إلى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم: أنا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في حالة منكرة واغلقوا الحوانيت. وقال لهم الشيخ الدردير: في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا إبراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ أكتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون. واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في صبحها إلى إبراهيم بك وأرسل إلى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال: في الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك. وانفض المجلس وبردت القضية. وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 وخلافه فأرسل سليمان بك الأغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى أن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك لاولاد وافي وإنما هو لجماعة يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا إلى بيت إبراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما. فاحتج سليمان بك بأن ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم وإنما هؤلاء ربابه ناس فقراء فإن كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه. وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى قدم مراد بك من ناحية الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال والأغنام والأبقار والجواميس وغير ذلك كثير يجل عن الحصر. وفيه سافر أيوب بك إلى ناحية قبلي لمصالحة الأمراء الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك الشرقاوى ولاجين بك لأنهم بلغوا قصدهم من البلاد وظلم العباد. وفي منتصف جمادى الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية قبلي. وفيه أنعم مراد بك على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا. وفيه اجتمع الناس بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جارى العادة وكاشف الغربية من طرف إبراهيم بك الوالي المولى أمير الحاج فحصل منه عسف وجعل على كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة فاغار اعوان الكاشف على بعض الأشراف وأخذوا جمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 وكان ذلك في آخر أيام المولد فذهبوا إلى الشيخ الدردير وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا إليه ما حل بهم فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب إليه فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة. فلما وصل إلى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر إليه والشيخ راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له: أنتم ما تخافون من الله. ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت. وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف المنوفية وهو من جماعة إبراهيم بك الكبير وحضر إلى كاشف الغربية وأخذه وحضر به إلى الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالأمان. وانفض المولد ورجع الناس إلى أوطانهم وكذلك الشيخ الدردير فلما استقر بمنزله حضر إليه إبراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية. وفي سابع عشرة ركب حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر إلى بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد إليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك أن هذا البيت كان لرجل زيات في السنين الخالية فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط ووضعها فيه وبنى عليها وسواها بالجبس. وكانت هذه المرأة ابنة صغيرة تنظر إليه ومات ذلك الرجل وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها وتداولت الاعوام وآل البيت إلى وقف المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 على ذلك نحو الأربعين عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول إلى ذلك المكان بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت فذهبت إلى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية واخبر الأمير بذلك فقال: لعل بعض الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى. فأرسل إلى ساكن الدار واحضره وقال له: أخل دارك في غد وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق وصحبته المرأة فارته الموضع فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب وركب أيضا قبل ذلك وذهب إلى بيت رجل يقال له: الشيخ عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى شيخ عرب الحويطات يقال أن فيه شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم أيضا على بيت بالقرب من المشهد الحسيني في وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع الباب وطلع إليه وأخذه منه عشرة أكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب هو ومماليكه والاكياس في أحضانهم على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا إمامه والناس تنظرهم. وفي هذا الشهر ثقب الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة متخربة فتسلق إليها بعض الحرامية ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي أيضا ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر. وبعد أيام قبضوا على رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا منهما شيئا واستمرا محبوسين. وفي عشرينه حضر أيوب بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية قبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 ودخلوا بيوتهم بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو واستمرت من الظهر إلى الغروب. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه حضر مصطفى بك أيضا. وفي غرة شهر رجب عزم مراد بك على التوجه إلى سد خليج منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس واندفع إليه الشرقي حتى تهور وشرق بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الأرز. وفيه وصلت الأخبار من ثغر الأسكندرية بانه ورد إليها مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك أن مراكب البيليكات لا تخرج إلا بعد روز خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه أحمد باشا والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه غلال كثيرة نقلوها إلى الثغر وشرعوا في عملها بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك. وفي عاشره ورد ططرى من البر وقابجي من البحر ومعهما مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة. وفيه الحث والوعد والوعيد والأمر بصرف العلوفات وغلال الانبار. وفيه المهلة ثلاثون يوما. فكثر لغط الناس والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر إلى ثغر سكندرية وإن حسن باشا القبطان وأصل أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون. وفيه حضر معلم ديوان الأسكندرية قيل: إنه هرب ليلا ثم أن إبراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد الفرعونية ثم بعث إليه علي أغا كتخدا جاووجان والمعلم إبراهيم الجوهرى وسليمان اغا الحنفي وحسن كتخدا الجربان وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان حالا فأحضروه إلى مصر في يوم الثلاثاء ولم يتم سد الترعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 بعد أن غرق فيها عدة مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الأموال وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير فائدة. ثم أن الأمراء عملوا جمعيات وديوانا ببيت إبراهيم بك وتشاوروا في تنجيز الأوامر. وفي أثناء ذلك تشحطت الغلال وارتفع القمح من السواحل والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز من الأسواق واغلقت الطواجين. فنزل سليم اغا وهجم المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين والمتسببين ومنعهم من زيادة الأسعار فظهر القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت الاقاويل. وفي هذا الشهر أعني شهر رجب حصلت عدة حريقات منها حريقتان في ليلة واحدة. احداهما بالازبكية واخرى بخطتنا بالصنادقية. وظهرت النار من دكان رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج الناس والسكان وأسرعوا بالهدم وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت. وفيه أيضا من الحوادث المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من المجاذيب يقال له: الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد عند العوام وهو رجل طويل حليق اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية. ويمشي حافيا فصارت هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه إلى البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا أن الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الأولياء ثم ارتقت في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته أينما توجه ويتبعهما الأطفال والصغار وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما أيضا ونزع ثيابه وتخجل في مشيه وقالوا أنه اعترض على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 وأن الشيخ لمسه فصار من الأولياء. وزاد الحال وكثر خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا يخطفون اشياء من الأسواق ويصير لهم في مرورهم ضجة عظيمة وإذا جلس الشيخ في مكان وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا تعترض بشيء. فمر الشيخ في بعض الأوقات على مثل هذه الصورة والضجة ودخلوا من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد يقال له: جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله إلى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه وأدخل المرأة والمجاذيب إلى الحبس وأطلق الشيخ لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة إلى المارستان وربطها عند المجانين وأطلق باقي المجاذيب بعد أن استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم. واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجمعيات وموالد واشباه ذلك. وفيه ورد الخبر من الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في بلادهم حصل عندهم أيضا قحط وغلاء في الأسعار. وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته إلى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت أسفله والبناء الذى بصدر الباب وكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 مدة سده في هذه المرة أحدى وخمسين سنة وكان سببها المقتلة التي قتل فيها الأحد عشر اميرا ببيت محمد بك الدفتردار في سنة تسع وأربعين وتقدم ذكرها في أول التاريخ. وسبب فتحه أن بعض أهل الخطة تذاكر مع الأغا في شأنه واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول إليه من باب الرميلة وربما فاتهم حضور الجماعة في مسافة الذهاب وإن الأسباب التي سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت ونسيت فاستأذن سليم أغا إبراهيم بك ومراد بك في فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل يوم يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا إليه من الاماكن البعيدة. وفي يوم الجمعة خامسة توفي مصطفى بك المرادى المجنون. وفي عشرين شعبان كثر الارجاف بمجيء مراكب الأسكندرية وعساكر وغير ذلك. وفي يوم السبت خامس رمضان حضر واحد أغا من الديار الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات المتقدم ذكرها فطلع الأمراء إلى القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم كلاما كثيرا وقال: مراد بك للباشا ليس لكم عندنا إلا حساب أمهلونا إلى بعد رمضان وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا نورده وأرسل إلى من وصل الأسكندرية يرجعون إلى حيث كانوا وإلا فلا نشهل حجا ولا صرة ولا ندفع شيئا. وهذا آخر الكلام كل ذلك وإبراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية والمشايخ ويذكر فيه أنهم أقلعوا وتابوا ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان باشا والوزير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وباشة جدة وقدرها ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيوتهم. وفي ليلة الإثنين جمع إبراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الأسكندرية. وفي صبحها وردت مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى باسكندرية ومراكب وصلت إلى دمياط فزار اللغط والقال والقيل. وفيه ركب سليم أغا مستحفظان ونادى في الأسواق على الأروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون إلى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل. وفيه اتفق رأى إبراهيم بك ومراد بك أنهم يرسلون لاجين بك ومصطفى بك السلحدار إلى رشيد لاجل المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد باشا والي جدة ليأتي إلى مصر ويذهب إلى منصبه. فسافر وافي ليلة الخميس عاشر رمضان. وفي تلك الليلة ركب إبراهيم بك بعد الافطار وذهب إلى مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا إلى القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء من الأمراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه العرضحالات. وكان المنشي لبعضها الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من انشاء غيره. وانخضع مراد بك في تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه وركبتيه ويقول له: يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين هذا الأمر ودفعه عنا ونقوم بما علينا ونرتب الأمور وننظم الأحوال على القوانين القديمة. فقال الباشا: ومن يضمنكم ويتكفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 بكم قال: أنا الضامن لذلك ثم ضماني على المشايخ والاختيارية. وفي ليلة الأحد ثالث عشرة وصلت الأخبار بوصول حسن باشا القبطان إلى ثغر الأسكندرية وكان وصوله يوم الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط. فتمموا أمر العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم ألف ريال وسافروا من يومهم. وفيه وردت الأخبار بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا إلى الأسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل دمنهور. وفيه حضر صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الأزهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة. وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره أنه حضرت إلى رشيد أحد القباطين وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع إلى بيت السردار المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن باشا خطابا للامراء بمصر وأمره بالتوجه بها فحضر بتلك المكاتبة مضمونها التطمين ببعض ألفاظ. وفيه اتفق رأى الأمراء على ارسال جماعة من العلماء والوجاقلية إلى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد الحريري ومن الوجاقلية إسمعيل افندى الخلوتي وإبراهيم أغا الورداني وذهب صحبتهم أيضا سليمان بك الشابورى وأرسلوا صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر بقج ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر رمضان على أنهم يجتمعون به ويكلمونه ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 له امتثالهم وطاعتهم وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن من الضرر والتلف. وفي يوم السبت حضر تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب إلى إبراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى حافظ من طرف إبراهيم بك أرسله الأمراء قبل بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب الأحوال ثم أن ذلك التفكجي جلس مع إبراهيم بك حصة من الليل وذهب إلى محله وحضر علي أغا كتخدا الجاويشية فركب مع إبراهيم بك وطلعا إلى الباشا في سادس ساعة من الليل ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته الحافظ. وكان فيما جاء به ذلك التفكجي طلب إبراهيم بك أمير الحاج فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا إلى عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم سنتين وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في شأن ذلك. وفي تلك الليلة ذهب سليم أغا إلى ناحية باب الشعرية وقبض على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب الجرائم من أسافل الناس وذهب به إلى بولاق فلحقه مصطفى بك الأسكندراني ورده. وفي يوم الإثنين وصلت الأخبار بورود حسن باشا إلى ثغر رشيد يوم الأربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات بالعربي وأرسلها إلى مشايخ البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل قولهم أنهم يقرروا مال الفدان سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك. وأنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 يرفع الظلم ويمشي على قانون دفتر السلطان سليمان وغير ذلك. وكان الناس يجهلون أحكامهم فمالت جميع القلوب إليهم وانحرفت عن الأمراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم. وصورة ذلك الفرمان وهو الذي أرسل إلى أولاد حبيب من جملة ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى حسن باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية وزادت رتبته العلية إلى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى نعرفكم أنه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس وإن سبب هذا خائنون الدين إبراهيم بك ومراد بك واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله وقد وصلنا إلى ثغر اسكندرية ثم إلى رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان لتحضروا تقابلونا وترجعوا إلى أوطانكم مجبورين مسرورين أن شاء الله تعالى فحين وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم. ثم أن الأمراء زاد قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت إبراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الأمر الذى دهمهم وتحققوا اتساع الخرق والنيل أخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة وعزموا على المحاربة واتفق الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون إلى جهة فوة ويمنعون الطريق ويرسلون إلى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث أتى. فان امتثل وإلا حاربناه وهذا آخر الكلام. ثم جمعوا المراكب وعبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 الذخيرة والبقسماط وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار إلى اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني والشنواني والأزهر وعطلوا القناديل والتعاليق المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف وكثر اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال المخزونة عندهم. وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج مراد بك والأمراء المسافرون معه إلى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا في ليلتها إلى برانبابة ونصبوا وطاقهم هناك. وتعين للسفر صحبة مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف بالاسكندراني ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت ويحيى بك وسليمان بك الأغا وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الأشقر وركب إبراهيم بك بعد المغرب وذهب إليهم وأخذ بخاطرهم ورجع فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما احتاجه من ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في ليلتها على أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا الحنفي إلى الباشا وطلبوا منه الدراهم التي كانوا استخلصوها من مصطفى بك أمير الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم بتمامها. وفي يوم السبت سادس عشرينه سافر مراد بك من برانبابة وأصحب ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا. وفي ليلة الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى بك الكبير أيضا ولحق بمراد بك. وفي ليلة الثلاثاء حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد فوصلوا إلى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا إلى بيوتهم في الصباح. فأخبروا أنهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات الأولى للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 الطعام المهيأ في الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي: يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت الأمراء مختلطة ببيوت الناس. فقال: لا تخشوا من شيء فإن أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني بالرعية وقال: أن الرعية وداعة الله عندى وأنا استودعتك ما أودعنيه الله تعالى. فدعوا له بخير ثم قال: كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم لم إذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم من بينكم. فأجابه إسمعيل أفندى الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة شديد والباس ويد واحدة. فغضب من قوله ونهره وقال: تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال: إنما أعني بذلك انفسنا لأنهم بظلم أضعفوا الناس. ثم أمرهم بالانصراف. واجتمعوا عليه مرة ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات. وفي غاية رمضان أرسل الباشا عدة أوراق إلى افراد المشايخ وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى فانهما لما وصلا إلى اسكندرية واطلع عليها حسن باشا حجزها ومنع المراسلة إلى اسلامبول وقال: أنا دستور مكرم والأمر مفوض الي في أمر مصر. وسأل السلحدار عن الأوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها الباشا إلى أربابها فأخبره أنه خاف من اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله خائن منافق. فلما رجع السلحدار في تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك أرسلها كما تقدم. وفي ثاني شوال اشيع مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه أخذ المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر صحة ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 وفي يوم السبت نزلت الكسوة من القلعة على العادة إلى المشهد الحسيني وركب إبراهيم بك الكبير وإبراهيم بك أمير الحاج إلى قراميدان ونزل الباشا كذلك وأكد على أمير الحاج في التشهيل فأعتذر إليه بتعطيل الأسباب فوعده بالمساعدة. وفي يوم الأحد اشاعوا اشاعة مثل الأولى مصطنعة واظهروا البشر والسرور وركب إبراهيم بك في ذلك اليوم وذهب إلى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم إلى الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم. وتصاغر في نفسه جدا وأوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن أمر يحدثوه أو قومة أو حركة في مثل هذا الوقت فإنه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما اشيع أمر الفرمانات التي أرسلها الباشا للمشايخ وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب إبراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير من الأوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من الآخر ويختلقون أنواعا من الأكاذيب. فلما رجع إبراهيم بك إلى داره أرسل من طرد الناس وفحصوا عن أصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه دراهم. وفيه أرسل مراد بك بطلب ذخيرة وبقسماط وركب أيوب بك الصغير وذهب إلى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي إلى بولاق ونزلوا جملة مدافع ومنها الغضبان وابو مايلة وكان أيوب هذا متمرضا مدة شهور ومنقطعا في الحريم فغرق وشفي في ساعة واحدة. وفي يوم الإثنين كان مولد السيد أحمد البدوى ببولاق وكراء مشايخ الأشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 ووسقوها وأرسلوا منها جملة. وفي ليلة الثلاثاء حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك ومن معه وأصبح الخبر شائعا في المدينة وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا عما وقع وهو أنه لما وصل مراد بك إلى الرحمانية عدى سليمان بك الأغا وعثمان بك الشرقاوى والالفي إلى البر الشرقي فحصل بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان ذلك أول الفشل. ثم تقدموا إلى محلة العلويين فأخلوا منها الأورام فدخلوا إليها وملكوها وأرسلوا إلى مراد بك يطلبون منه الامداد فأمر بعض الأمراء بالتعدية إليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت تحت اقدامك فحنق منهم وأرسل عوضهم جماعة من العرب ثم ركبوا وقصدوا أن يتقدموا إلى فوة فوجدوا إمامهم طائفة من العسكر ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم العرب ينهبونهم. فعدوا إلى البر الآخر وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل إليه من طريق ضيقة لاتسع إلا الفارس بمفرده فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات. وما زالوا في نقض وابرام إلى الليل ثم أمر بالاتحال فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت الأخبار بالكسرة وتيقن الناس أن هذا أمر الهي ليس بفعل فاعل. وفي ذلك اليوم حصلت كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين بالاشرفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 والغورية والعقادين وغير ذلك ثم تبين أن لا شيء ففتح الناس الدكاكين. وفي ذلك اليوم حضر أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف فنزل الباشا وقت الغروب إلى باب العزب واراد إبراهيم بك أن يملك أبواب القلعة فلم يتمكن من ذلك. وأرسل الباشا فطلب القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره من بقية المشايخ فلما أصبح نهار الأربعاء طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية ونصب الباشا البيرق على باب العزب ونزل جاويش مستحفظان وجاويش العزب وإمامهم القابجية والمناداة على الالضاشات وغيرهم وكل من كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات والتجار وأهل خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس المخفيون والمستضعفون والذين أنحلهم الدهر والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا وسلاحا حتى امتلأت الرميلة وقراميدان من الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا في سرعة القدوم ويخبره بما حصل وكان قصد حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي العساكر البرية فاقتضى الحال ولزم الأمر في عدم التأخر. وأما إبراهيم بك فإنه اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول الليل في بيوته الصغار فلم يترك إلا فرش مجلسه الذى هو جالس فيه ثم أنه جلس ساعة وركب إلى قصر العيني وجلس به. وأما إبراهيم بك أمير الحج فإنه طلع إلى باب العزب وطلب الأمان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له في الدخول وكذلك حضر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك الشابورى وعبد الرحمن بك وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر لطلب الأمان فإن كان من الأمراء الكبار فإنه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الأمان ويستمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 واقفا حتى يأتيه فرمان الأمان ويؤذن له في الدخول من غير سلاح وإن كان من الأصاغر فإنه يستمر بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب. فلما تكامل حضور الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب إبراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من يطلب الامان. واستمر أمير الحج على منصبه ثم أنه خلع على حسن كاشف تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع على محمد كتخدا أزثور وقلده الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا إلى المدينة ونادوا بالامان والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا إبراهيم بك أمير الحاج فإن الباشا عوقه عنده ذلك اليوم. وكذلك اذنوا للناس بالتوجه إلى اماكنهم بشرط الأستعداد والإجابة وقت الطلب ولم يتأخر إلا المحافظون على الأبواب. واما مراد بك فإنه حضر إلى برانبابة واستمر هناك ذلك اليوم ثم ذهب في الليل إلى جزيرة الذهب وركب إبراهيم بك ليلا وذهب إلى الآثار. وفي عصر ذلك اليوم نزل الأغا ونبه على الناس بالطلوع إلى الأبواب. وفيه حضر سليمان بك الأغا وطلب الأمان فأعطوه فرمان الأمان وذهب إلى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت القابجية ونبهت على الناس بالطلوع فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الأول وحضر أهالي بولاق ونزل الأغا فنادى بالامن والأمان. وفي ذلك اليوم قبل العصر ركب عثمان خازندار مراد بك سابقا وذهب إلى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا بالامان فلما نزل إلى داره أخذ ما يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من فعله. ثم أن الباشا تخيل من إبراهيم بك أمير الحاج فأمره بالنزول إلى بيته فنزل إلى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب إلى منزله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 فذهب. وفي صباح ثاني يوم ركب سليمان بك وأيوب بك الكبير والصغير وخرجوا إلى مضرب النشاب وركب إبراهيم بك أمير الحاج وذهب إلى بولاق واحب أن يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا بأخوانهم فلما حصل ذلك اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا وصحبتهم جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل البندق والقرابينات وفتائلها موقودة فوصلوا إلى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا إلى ناحية الصليبة ونزلوا إلى باب زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب النصر وإمامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم إبراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت الناس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط. ولما بلغ الباشا هروب المذكورين حصن القلعة والمحمودية والسلطان حسن وأرسل الأغا فنادى على الالضاشات بالطلوع إلى القلعة. وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى إلى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية من عند رصيف الخشاب. وفي يوم السبت ركب إبراهيم بك وحسين بك وأتوا إلى المناخ أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل: أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وأرسل الباشا قبل المغرب فطلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 تجار المغاربة فأجتمعوا وطلعوا بعد العشاء وباتوا بالسبيل الذى في رأس الرميلة وشدد الباشا في اجتماع الالضاشات ومن ينتسب للوجاقات فقيل له: إن منهم من لا يملك قوت يومه وسبب تفرقهم الجوع وعدم النفقة فطلب أغات مستحفظان وأعطاه أربعة آلاف ريال لينفقها فيهم. وفيه عدى مراد بك من جزيرة الذهب إلى الآثار وكان إبراهيم بك ركب إلى حلوان وضربها وأحرقها بسبب أن أهل حلوان نهبوا مركبا من مراكبه ولما عدى مراد بك إلى البر الشرقي أرسل إلى إبراهيم بك فحضر إليه واصطلح معه لأن إبراهيم بك كان مغتاظا منه بسبب سفرته وكسرته فإن ذلك كان على غير مراد إبراهيم بك وكان قصده أنهم يستمرون مجتمعين ومنضمين وإذا وصل القبطان اخلوا من وجهه أن لم يقدروا على دفعه أو مصالحته وتركوا له البلد ومصيره الرجوع إلى بلاده فيعودون بعد ذلك باى طريق كان. وكان ذلك هو الرأى فلم يمتثل مراد بك وأخذ في أسباب الخروج والمحاربةة ولم يحصل من ذلك إلا ضياع المال والفشل والانهزام الذى لا حقيقة له وكان الكائن. ولما اصطلحا تفرقت طوائفهما يعبثون في الجهات وبخطفون ما يجدونه في طريقهم من جمال السقائين وحمير الفلاحين وبعضهم جلس في مرمى النشاب وبعضهم جهة بولاق ونهبوا نحو عشرين مركبا كانت راسية عند الشيخ عثمان وأخذوا ما كان فيها من الغلال والسمن والاغنام والتمر والعسل والزيت. وفي يوم الأحد حادى عشرة زاد تنطيطهم وهجومهم على البلد من كل ناحية ويدخلون احزابا ومتفرقين ودخل قائد أغا وأتى إلى بيته الذى كان سكن فيه وسكنه بعده حسن أغا المتولي وهو بيت قصبة رضوان فوجد بابه مغلوقا فأراد كسره بالبلط فأعياه وخاف من طارق فذهب إلى باب آخر من ناحية القربية فضرب عليه الحراس بنادق فرجع بقهره يخطف كل ما صادفه ولم يزالوا على هذه الفعال إلى بعد الظهر من ذلك اليوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح في أطراف الحارات من الحرامية والسراق والمناسر نهارا والاغا والوألي والمحتسب مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها إلى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد من أوباشها. وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع ورخصت أسعارها والاخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيع وصول مراكب القبطان إلى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والاسطحة العالية ينظرون إلى البحر فلم يروا شيئا. فأشتد الانتظار وزاغت الأبصار فلما كان بعد العصر سمع صوت مدافع على بعد ومدافع ضربت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الأطمئنان وصعدوا أيضا على المنارات فرأوا عدة مراكب ونقاير وصلت إلى قرب ساحل بولاق ففرح الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقة وامرائه قد ذهبوا إلى بولاق وشرعوا في عمل متاريس جهة السبتية واحضروا جملة مدافع على عجل وجمعوا الاخشاب وحطب الذرة وافرادا وغيرها فوردت مراكب الأروام قبل اتمامهم ذلك فتركوا العمل وركبوا في الوقت ورجعوا. وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل المدافع. وفي هذا اليوم أرسل الأمراء مكاتبة إلى المشايخ والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح وإنهم يتوبون ويعودون إلى الطاعة فقرئت تلك المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا: سبحان الله كم يتوبون ويعودون ولكن أكتبوا لهم جوابا معلقا على حضور قبطان باشا. فكتبوه وأرسلوه. وفي وقت العشاء من ليلة الإثنين وصل حسن باشا القبطان إلى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومه واستبشر الناس وفرحوا وظنوا أنه مهدى الزمان فبات في مراكبه إلى الصباح يوم الإثنين ثاني عشر شوال وطلع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 بعض اتباعه إلى القلعة وقابلوا الباشا ثم أن حسن باشا ركب من بولاق وحضر إلى مصر من ناحية باب الخرق ودخل إلى بيت إبراهيم بك وجلس فيه وصحبته اتباعه وعسكره وخلفه الشيخ الاترم المغربي ومعه طائفة من المغاربة فدخل بهم إلى بيت يحيى بك. وراق الحال وفتحت أبواب القلعة واطمأن الناس ونزل من بالقلعة إلى دورهم وشاع الخبر بذهاب الأمراء المصرية إلى جهة قبلي من خلف الجبل فسافر خلفهم عدة مراكب وفيها طائفة من العسكر واستولوا على مراكب من مراكبهم وأرسلوها إلى ساحل بولاق وأنقذ حسن باشا رسلا إلى إسمعيل بك وحسن بك الجداوى يطلبهما للحضور إلى مصر. وفيه خرجت جماعة من العسكر ففتحوا عدة بيوت من بيوت الأمراء ونهبوها وتبعهم في ذلك الجعيدية وغيرهم فلما بلغ القبطان ذلك أرسل إلى الوالي والآغا وأمرهم بمنع ذلك وقتل من يفعله ولو من أتباعه. ثم ركب بنفسه وطاف البلد وقتل نحو ستة أشخاص من العسكر وغيرهم وجد معهم منهوبات فأنكفوا عن النهب. ثم نزل على باب زويلة وشق من الغورية ودخل من عطفة الخراطين على باب الأزهر وذهب إلى المشهد الحسيني فزاره ونظر إلى الكسوة ثم ركب وذهب إلى بيت الشيخ البكرى بالازبكية فجلس عنده ساعة وأمر بتسمير بيت إبراهيم بك الذى بالازبكية وبيت أيوب بك الكبير وبيت مراد بك. ثم ذهب إلى بولاق ورجع بعد الغروب إلى المنزل وحضر عنده محمد باشا مخفيا واختلى معه ساعة. وفي يوم الثلاثاء ذهب إليه مشايخ الأزهر وسلموا عليه وكذلك التجار وشكوا إليه ظلم الأمراء فوعدهم بخير واعتذر إليهم باشتغاله بمهمات الحج وضيق الوقت وتعطل أسبابه. وفيه عمل الباشا الديوان وقلد حسن أغا مستحفظان صنجقية وخلع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 على علي بك جركس الأسماعيلي صنجقية كما كان في أيام سيده إسمعيل بك وخلع على غيطاس كاشف تابع صالح بك صنجقيه وخلع على قاسم كاشف تابع أبي صنجقية أيضا وخلع على مراد كاشف تابع حسن بك الازبكاوى صنجقية وخلع على محمد كاشف تابع حسين بك كشكش صنجقية وقلد محمد أغا ارنؤد الوالي أغات الجمليان وقلد موسى أغا الوالي تابع علي بك اغات تفكجية وخلع على باكير أغا تابع محمود بك وجعله أغات مستحفظان وخلع على عثمان أغا الجلفي وقلده الزعامة عوضا عن محمد آغا ولما تكامل لبسهم التفت إليهم الباشا ونصحهم وحذرهم وقال للوجاقلية: الزموا طرائقكم وقوانينكم القديمة ولا تدخلوا بيوت الأمراء الصناجق إلا لمقتضى وأكتبوا قوائمكم بتعلقاتكم وعوائدكم أمضيها لكم. ثم قاموا وانصرفوا إلى بيوتهم ونزل الأغا وإمامه المناداة بالتركي والعرببي بالأمان على اتباع الأمراء المتوارين والمخفيين وكل ذلك تدبير وترتيب الاختيارية وقلدوا من كل بيت أميرا لئلا يتعصوا لانفسهم ولا تتحد أغراضهم. وفيه أرسل حسن باشا إلى نواب القضاء وأمرهم أن يذهبوا إلى بيوت الأمراء ويكتبوا ما يجدونه من متروكاتهم ويودعوه في مكان من البيت ويختمون عيه ففعلوا ذلك. وفي تلك الليلة وردت خمس مراكب رومية وضربوا مدافع وأجيبوا بمثلها من القلعة. وفي يوم الأربعاء ركب حسن باشا وذهب إلى بولاق وهو بزى الدلاة وعلى رأسه هيئة قلبق من جلد السمور ولابس عباءة بطراز ذهب وكان قبل ذلك يركب بهيئته المعتادة وهي هيئة القباطين وهي فوقانية جوخ صاية بدلاية حرير على صدره وعلى رأسه طربوش كبير يعمم بشال أحمر وفي وسطه سكينة كبيرة وبيده مخصرة لطيفة هيئة حربة بطرفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 مشعب حديد على رسم الجلالة. وفيه نادى الأغا على كل من كان سراجا بطالا أو فلاحا أو قواسا بطالا يسافر إلى بلده ومن وجد بعد ثلاثة أيام يستحق العقوبة. وفيه أيضا نودى على طائفة النصارى بان لا يركبوا الدواب ولا يستخدموا المسلمين ولا يشتروا الجوارى والعبيد ومن كان عنده شيء من ذلك باعه أو أعتقه وإن يلزموا زيهم الأصلي من شد الزنار والزنوط. وفيه أرسل حسن باشا إلى القاضي وأمره بالكشف عن جميع ما أوقفه المعلم إبراهيم الجوهرى على الديور والكنائس من أطيان ورزق وأملاك والمقصود من ذلك كله استجلاب الدراهم والمصالح. وفي يوم الخميس نودى على طائفة النصارى بالامان وعدم التعرض لهم بالايذاء وسببه تسلط العامة والصغار عليهم. وفيه كثر تعدى العساكر على أهل الحرف كالقهوجية والحمامية والمزينين والخياطين وغيرهم فيأتي أحدهم إلى الحمامي أو القهوجي أو الخياط ويقلع سلاحه ويعلقه ويرسم ركنه في ورقة أو على باب دكان وكأنه صيره شريكه وفي حمايته ويذهب حيث شاء أو يجلس متى شاء ثم يحاسبه ويقاسمه في المكسب وهذه عادتهم إذا ملكوا بلدة ذهب كل دى حرفة إلى حرفته التي كان يحترفها في بلده ويشارك البلدى فيها فثقل على أهل البلدة هذه الفعلة لتكلفهم مالا ألفوه ولا عرفوه. وفيه أجلسوا عى أبواب المدينة رجلا أوده باشا ومعه طائفة من العسكر نحو الثلاثين أو العشرين. وفيه اعني يوم الخميس الموافق لسادس مسرى القبطي نودى بوفاء النيل فأرسل حسن باشا في صبح يوم الجمعة كتخداه والوالي فكسر السد على حين غفلة وجرى الماء في الخليج ولم يعمل له موسم ولا مهرجان مثل العادة بسبب القلقة وعدم انتظام الأحوال والخوف من هجوم الأمراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 المصرية فإنهم مقيمين جهة حلوان. وفيه نودى بتوقير الأشراف واحترامهم ورفع شكواهم إلى نقيب الأشراف وكذلك المنسوبون إلى الأبواب ترفع إلى وجاقة وإن كان من أولاد البلد فإلى الشرع الشريف. وفيه مرت جماعة من العسكر على سوق الغورية فخطفوا من الدكاكين امتعة واقمشة فهاجت أهل الدكاكين والناس المارون وأغلقوا الحوانيت وثارت كرشة إلى باب زويلة وصادف مرور الوالي فقبض على ثلاثة أنفار منهم واستخلص ما بأيديهم وهرب الباقون وكان الوالي والاغا كل منهما صحبته ضابطان من جنس العسكر. وفيه نودى بمنع القواسة وأسافل الناس من لبس الشيلان الكشميرى والتختم أيضا. وفيه وصلت مراكب القباطين الواردين من جهة دمياط إلى ساحل بولاق وفيهم إسمعيل كتخدا حسن باشا فضربت لهم مدافع من القلعة. وفيه قبضوا على ثلاثة من العسكر أفسدوا بالنساء بناحية الرميلة فرفعوا أمرهم وأمر الخطافين إلى القبطان فأمر بقتلهم فضربوا اعناق ثلاثة منهم بالرميلة وثلاثة في جهات متفرقة. وفيه نودى بأبطال شركة العسكر لأهل الحرف ومن أتاه عسكرى يشاركه أو أخذ شيئا بغير حق فليمسك ويضرب وتوثق أكتافه ويؤتى به إلى الحاكم وحضر الوالي وصحبته الجاويش وقبض على من وجده منهم بالحمامات والقهاوى وطردهم وزجرهم وذلك بسبب تشكي الناس فلما حصل ذلك اطمأنوا وارتاحوا منهم. وفيه عدى الأمراء إلى البر الغربي. وفي يوم السبت خلعوا على محمد بك تابع الجرف وجعلوه كاشفا على البحيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 وفيه جاء الخبر عن الأمراء أن جماعة من العرب نحو الالف اتفقوا أنهم يكبسون عليهم ليلا ويقتلونهم وينهبونهم فذهب رجل من العرب وأخبرهم بذلك الاتفاق فأخلوا من خيامهم وركبوا خيولهم وكمنوا بمرآى من وطاقهم فلما جاءت العربان وجدوا الخيام خالية فأشتغلوا بالنهب فكبس عليهم الأمراء من كمينهم فلم ينج من العرب إلا من طال عمره. وفيه نودى على طائفة النساء أن لا يجلسن على حوانيت الصياغ ولا في الأسواق إلا بقدر الحاجة. وفي يوم الأحد عملوا الديوان وقلدوا مراد بك أمير الحاج وسماه حسن باشا محمدا كراهة في اسم مراد بك فصار يكتب في الامضاء محمد بك حسن وكان هذا اليوم هو ثاني يوم ميعاد خروج المحمل من مصر فإن معتادة في هذه العصور سابع عشر شوال. وفي يوم الثلاثاء كتبت فرمانات لشيخ العرب أحمد بن حبيب بخفر البرين والموارد من بولاق إلى حد دمياط ورشيد على عادة اسلافه وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام علي بك ونودى له بذلك على ساحل بولاق. وفيه أخرجت خبايا وودائع للأمراء من بيوتهم الصغار لهم ولاتباعهم وختم أيضا على أماكن وتركت على ما فيها ووقع التفتيش والفحص على غيرها وطلبوا الخفراء فجمعوهم وحبسوهم ليدلوا على الأماكن التي في العطف والحارات وطلبت زوجة إبراهيم بك وحبست في بيت كتخدا الجاويشية هي وضرتها أم مرزوق بك حتى صالحا بجملة من المال والمصاغ خلاف ما أخذ من المستودعات عند الناس وطولبت زليخا زوجة إبراهيم بك بالتاج الجوهر وغيره وطلبت زوجة مراد بك فاختفت وطلب من السيد البكرى ودائع مراد بك فسلمها. وفي يوم الخميس عمل الباشا ديوانا وخلع على علي آغا كتخدا الجاويشية وقلده صنجيقا ودفتردار وشيخ البلد ومشير الدولة فصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 صاحب الحل والعقد وإليه المرجع في جميع الأمور الكلية والجزئية وقلد محمد أغا الترجمان وجعله كتخدا الجاويشية عوضا عن المذكور وخلع على سليمان بك الشابورى وقلده صنجقا كما كان أيضا في الدهور السالفة وخلع على محمد كتخدا ابن اباظة المحتسب وجعله ترجمانا عوضا عن محمد أغا الترجمان وخلع على أحمد إنما بن ميلاد وجعله محتسبا عوضا عن بن اباظه. وفي يوم الجمعة ركب المشايخ إلى حسن باشا وتشفعوا عنده في زوجة إبراهيم بك وذلك باشارة علي بك الدفتردار فأجابهم بقوله تدفع ما على زوجها للسلطان وتخلص أزواجهن لهم مدة سنين ينهبون البلاد ويأكلون أموال السلطان والرعية وقد خرجوا من مصر على خيولهم وتركوا الأموال عند النساء فإن دفعن ما على ازواجهن تركت سبيلهن وإلا اذقناهن العذاب. وانفض المجلس وقاموا وذهبوا. وفيه ورد الخبر عن الأمراء أنهم ذهبوا إلى اسيوط وأقاموا بها. وفي يوم السبت حصل التشديد والتفتيش والفحص عن الودائع ونودى في الأسواق بان كل من عنده وديعة أو شيء من متاع الأمراء الخارجين ولا يظهر ولا يقر عليه في مدة ثلاثة أيام قتل من غير معاودة أن ظهر بعد ذلك. وفيه طلب حسن باشا من التجار المسلمين والافرنج والاقباط دراهم سلفة لتشهيل لوازم الحج وكتب لهم وثائق وأجلهم ثلاثين يوما ففردوها على افرادهم بحسب حال كل تاجر وجمعوها. وفيه حصلت كائنة على بن عياد المغربي ببولاق وقتله إسمعيل كتخدا حسن باشا. وفيه نادوا على النساء بالمنع من النزول في مراكب الخليج والازبكية وبركة الرطلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 وفيه كتبوا مكاتبات من حسن باشا ومحمد باشا الوالي والمشايخ والوجاقات خطابا لاسمعيل بك وحسن بك الجداوى باستعجالهم للحضور إلى مصر. وفي يوم الأحد خامس عشرينه نودى على النساء أن لا يخرجن إلى الأسواق ومن خرجت بعد اليوم شنقت فلم ينتهين. وفيه أحضر حسن باشا المطربازية واليسرجية واخرج جوارى إبراهيم بك وباقي الأمراء بيضا وسودا وحبوشا ونودى عليهن بالبيع والمزاد في حوش البيت فبيعوا بأبخس الاثمان على العثمانية وعسكرهم وفي ذلك عبرة لمن يعتبر. وفي يوم الإثنين أحضروا أيضا عدة جوار من بيوت الأمراء ومن مستودعات كن مودعات وأخذوا جوارى عثمان بك الشرقاوى من بيته ومحظيته التي في بيته الذى عند جيضان المصلى فأخرجوها بيد القلبونجية وكذلك جوارى أيوب بك الصغير وما في بيوت سليمان اغا الحنفي من جوار وأمتعة وكذلك بيوت غيره من الأمراء واحاطوا بعدة بيوت بدرب الميضاة بالصليبة وطيلون ودرب الحمام وحارا المغاربة وغيرهم في عدة اخطاط فيها ودائع وأغلال فأخذوا بعضها وختموا على باقيها وأحضروا الجوارى بين يدى حسن باشا فأمر ببيعهن وكذلك أمر ببيع أولاد إبراهيم بك مرزوق وعديله والتشديد على زوجاته ثم أن شيخ السادات ركب إلى الشيخ أحمد الدردير وأرسلوا إلى الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الحريرى فحضروا وتشاوروا في هذا الأمر ثم ركبوا وطلعوا إلى القلعة وكلموا محمد باشا وطلبوا منه أن يتكلم مع قبطان باشا فقال لهم: ليس لي قدرة على منعه ولكن اذهبوا إليه واشفعوا عنده. فالتمسوا منه المساعدة فأجابهم وقال: اسبقوني وأنا أكون في اثركم فلما دخلوا على القبطان وحضر أيضا محمد باشا وخاطبوه في شأن ذلك وكان المخاطب له شيخ السادات فقال له: أنا سررنا بقدومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 إلى مصر لما ظنناه فيك من الانصاف والعدل وإن مولانا السلطان أرسلك إلى مصر لاقامة الشريعة ومنع الظلم وهذا الفعل لا يجوز ولا يحل بيع الاحرار وأمهات الأولاد ونحو ذلك من الكلام فاغتاظ وأحضر افندى ديوانه وقال: أكتب أسماء هؤلاء لأرسل إلى السلطان واخبره بمعارضتهم لاوامره ثم التفت إليهم وقال: أنا أسافر من عندكم والسلطان يرسل لكم خلافي فتنظروا فعله أما كفاكم إني في كل يوم أقتل من عساكرى طائفة على أيسر شيء مراعاة وشفقة ولو كان غيري لنظرتم فعل العسكر في البيوت والاسواق والناس. فقالوا له: إنما نحن شافعون والواجب علينا قول الحق. وقاموا من عنده وخرجوا وتغير خاطره من ذلك الوقت على شيخ السادات. وفيه قبض إسمعيل كتخدا حسن باشا على الحاج سليمان بن ساسي التاجر وجماعة من طيلون وألزمه بخمسمائة كيس فولول واعتذر بعجزه عن ذلك فلم يقبل ولطمه على وجهه وشدد عليه فراجعوه وتشفعوا فيه إلى أن قررها مائة كيس فحلف أنه لا يملك إلا ثلثمائة فرق بن وليس له غيرها فأرسل وختم عليها في حواصلها واستمر في الاعتقال حتى غلق المائة كيس على نفسه منها خمسون ومثلها على الطولونية وسبب ذلك حادثة ابن عياد لأنهم أولاد بلاده. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج محمد بك المبدول بالموكب على العادة ما عدا طائفة الينكجرية والعزب خوفا من اختلاط العثمانية بهم وحضر حسن باشا القبطان إلى مدرسة الغورية لأجل الفرجة والمشاهدة ولم يزل جالسا حتى مر الموكب والمحمل. ولما مرت عليه طوائف الأشاير فكانت تقف الطائفة منهم تحت الشباك ويقرأون الفاتحة فيرسل لهم ألف نصف فضة في قرطاس ولما انقضى أمر ذلك ركب بجماعة قليلة وازدحمت الناس للفرجة عليه وكان لابسا على. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 هيئة ملوك العجم وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد مخروط الشكل وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجوهر ولها ذوائب على إذانه وحواجبه وعليه عباءة لطخ قصب أصفر. وفي يوم الأربعاء نودى على النصارى واليهود بان يغيروا أسماءهم التي على أسماء الانبياء كإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف واسحق وإن يحضروا جميع ما عندهم من الجوارى والعبيد وإن لم يفعلوا وقع التفتيش على ذلك في دورهم واماكنهم فصالحوا على ذلك بمال فحصل العفو وأذنوا لهم في أن يبيعوا ما عندهم من الجوارى والعبيد ويقبضوا اثمانهم لانفسهم ولا يستخدموا المسلمين فأخرجوا ما عندهم وباعوا بعضه وأودعوه عند معارفهم من المسلمين. وفيه حضر مبشر بتقرير الباشا على السنة الجديدة. وفيه حضر القاضي الجديد إلى بولاق. وفي يوم الخميس أرسل حسن باشا القبطان جملة من العسكر البحرية وصحبتهم إسمعيل كتخدا إلى عرب البحيرة لكونهم خامروا مع المصرلية ووقع الخلف بينهم وبين قبيلتهم ثم حضروا مع أخصامهم بين يدى القبطان واصطلحوا ثم نكثوا وتحاربوا مع بعضهم فحضر الفرقة الأولى واستنجدوا بحسن باشا فأرسل لهم إسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في المراكب فهربوا ورجع إسمعيل كتخدا ومن معه على الفور. وفي يوم الجمعة غاية شوال وصلت العساكر البرية صحبة عابدى باشا ودرويش باشا إلى بركة الحج وكان أمير الحاج مقيما بالحجاج بالعادلية ولم يذهبوا إلى البركة على العادة بسبب قدوم هؤلاء. وفي يوم السبت غرة القعدة ارتحل الحجاج من العادلية وحضر عابدى باشا ودرويش باشا إلى العادلية وخرج حسن باشا إلى ملاقاتهم ودخلت طوائف عساكرهما إلى المدينة وهم بهيئات مختلفة وأشكال منكرة وراكبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 خيولا وأكاديش كأمثال دواب الطواحين وعلى ظهورها لبابيد شبه البراذع متصلة بكفل الاكديش وبعضهم بطراطير سود طوال شبه الدلاة والبعض معمم ببوشية ملونة مفشولة على طربوش واسع كبير مخيط عليه قطعة قماش لابسها في دماغه والطربوش مقلوب على قفاء مثل حزمة البراطيش وهم لابسون زنوط وبشوت محزمين عليها وصورهم بشعة وعقائدهم مختلفة وأشكالهم شتى وأجناسهم متفرقة ما بين أكراد ولاوند ودروز وشوام. ولكن لم يحصل منهم ايذاء لاحد وإذا اشتروا شيئا أخذوه بالمصلحة فياتوا بالخيام عند سبيل قيماز تلك الليلة. وفي يوم الأحد ركب عابدى باشا ودرويش باشا وذهبوا إلى البساتين من خارج البلد فمروا بالصحراء وباب الوزير وأجروا عليهم الرواتب من الخبز واللحم والارز والسمن وغيره. وفيه نودى على النصارى بأحضار ما عندهم من الجوارى والعبيد ساعة تاريخه ثم نزلت العساكر وهجمت على بيوت النصارى واستخرجوا ما فيها فكان شيئا كثيرا وأحضروهم إلى القبطان فأخرجوهم إلى المزاد وباعوهم واشترى غالبهم العسكر وصاروا يبيعونهم على الناس بالمرابحة فإذا أراد إنسان أن يشترى جارية ذهب إلى بيت الباشا وطلب مطلوبة فيعرض عليه الجوارى من مكان عند باب الحريم فإذا أعجبته جارية أو أكثر حضر صاحبها الذى اشتراها فيخبره برأس ماله ويقول له: وأنا أخذ مكسي كذا فلا يزيد ولا ينقص فإن أعجبه الثمن دفعه وإلا تركها وذهب. ثم وقع التشديد على ذلك وأحضروا الدلالين والنخاسين القدم والجدد واستدلوا منهم على المبيوعات. وفيه القبطان المهندسين ليستخبر منهم عن الخبايا والدفائن التي صنعوها في البيوت وغيرها. وفيه يوم الإثنين أمر القبطان الأمراء والصناجق والوجاقلية أن يذهبوا للسلام على عابدى باشا ودرويش باشا فذهب الصناجق أولا بسائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 أتباعهم وطوائفهم وتلاهم الوجاقلية فسلموا ورجعوا من البساتين وكلاهما في جمع كثير. وفي يوم الثلاثاء رابعه حضر عابدى عند القبطان وسلم عليه ثم طلع إلى القلعة وسلم على محمد باشا المتولي ثم نزل وخرج إلى مخيمه بالبساتين. وفيه قرر على بيوت النصارى الذين خرجوا بصحبة الأمراء المصرية مبلغ دراهم مجموع متفرقها خمسة وسبعون ألف ريال. وفيه أمر أيضا بإحصاء بيوت جميع النصارى ودورهم وما هو في ملكهم وإن يكتب جميع ذلك في قوائم ويقرر عليها أجرة مثلها في العام وإن يكشف في السجل على ما هو جار في املاكهم. ثم قرر عليهم أيضا خمسمائة كيس فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر الزائد وقيل: إنهم حسبوا لهم الجوارى المأخوذة منهم من أصل ذلك على كل رأس أربعون ريالا. وقرر أيضا على كل شخص دينارا جزية العال كالدون وذلك خارج عن الجزية الديوانية المقررة. وفي يوم الخميس عمل محمد باشا ديوانا وخلع على مصطفى اغا تابع حسن أغا تابع عثمان أغا وكيل دار السعادة سابقا وقلده وكيل دار السعادة كأستاذ أستاذه وكانت شاغرة من أيام علي بك. وفيه أيضا سمحوا في جمرك البهار والسلخانة لباب الينكجرية كما كان قديما وكان ذلك مرفوعا عنهم من أيام ظهور علي بك. وفيه انتقل عابدى باشا ودرويش باشا من ناحية البساتين إلى قصر العيني بشاطىء النيل وجلسوا هناك. وفيه دفع قبطان بعض دراهم السلفة التي كان اقترضها من التجار فدفع ما للافرنج وجانبا لتجار المغاربة ووعدهم بغلاق الباقي. وفيه قبض القبطان على راهب من رهبان النصارى واستخلص منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 صندوقا من ودائع النصارى. وفيه أيضا قبض على شخص من الاجناد من بيته بخشقدم واخرجوا من داره زلعتين مسدودتين كل واحدة منهما يرفعها ثمانية من الرجال العتالين بالآلة لا يعلم ما فيها. وفي يوم الجمعة عمل شيخ السادات عزومة لحسن باشا عند تربة أجداده بالقرافة. وفيه حضر قاصد من طرف إسمعيل بك وعلى يده مكاتبات من المذكور يخبر فيها بانه وصل إلى دجرجا وقصده الاقامة هناك لاجل المحافظة في تلك الجهة حتى تسافر العسكر فإذا التقوا مع الأمراء وكسروهم وهزموهم يكون هو ومن معه في أقفيتهم وقت الحرب ومانعا عند الهزيمة. وفي يوم السبت قبض القبطان على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بالاموال وواصف هذا أحد الكتاب المباشرين المشهورين ويعرف الايراد والمصاريف وعنده نسخ من دفاتر الروزنامة ويحفظ الكليات والجزئيات ولا يخفى عن ذهنه شيء من ذلك ويعرف التركي. وفي يوم الأحد تاسعه قبض على بعض نساء المعلم إبراهيم الجوهرى من بيت حسن أغا كتخدا علي بك امين احتساب سابقا فأقرت على خبايا اخرجوا منها أمتعة وأواني ذهب وفضة وسروجا وغير ذلك. وفي يوم الإثنين حصلت جمعية بالمحكمة بسبب جمرك البهار وذلك أن إبراهيم بك شيخ البلد أخذ من التجار في العام الماضي مبلغا كبيرا من حساب الباشا وذلك قبل حضوره من ثغر سكندرية فلما حضر دفعوا له البواقي وحاسبهم وطالبهم بذلك المبلغ فماطلوا ووعدوه إلى حضور المراكب فلما حضرت المراكب في أوائل شهر رمضان من هذه السنة أحضرهم وطالبهم فلم يزالوا يستوفونه ويعتذرون له وذلك خوفا من إبراهيم بك ويعيدون القول على إبراهيم بك فيقول لهم: لا تفضحوني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 ويلاطفهم ويداهنهم كما هي عادته والباشا يطالبهم فلما ضاق خناقهم أخبروه أن إبراهيم بك يطلب ذلك ويقول أنا محتاج لذلك في هذا الوقت ووالدى الباشا يمهل وأنا أحاسبه به بعد ذلك ولم يخبروه أنه أخذه فلم يرض ولم يقبل وصار يرسل إلى إبراهيم بك يشكو له من التجار ومطلهم فيرسل إبراهيم بك مع رسوله معينين من سراجينه يقولون للتجار ادفعوا مطلوبات الباشا فإذا حضر إليه التجار تملق لهم ويقول اشتروا لحيتي واشتروني فلم يزل التجار في حيرة بينهما وقصد إبراهيم بك أن التجار يدفعون ذلك القدر ثانيا إلى الباشا وهم يثاقلونه خوفا من أن يقهرهم في الدفع. ثم حصلت الحركات المذكورة وحضور القبطان وخروج إبراهيم بك واخوانه فبقي الأمر على السكوت. فلما راق الحال واطمأن الباشا أرسل يطالب التجار بالمبلغ وهو أربعة وأربعون ألف ريال فرانسة فعند ذلك أفصحوا له عن حقيقة الأمر وإنهم دفعوا ذلك لإبراهيم بك قبل حضوره إلى مصر فاشتد غيظه وقال: ومن أمركم بذلك ولا يلزموني ولا بد من أخذ عوائدى على الكامل. ثم إنهم ذهبوا إلى حسن باشا واستجاروا به فأمرهم أن يترافعوا إلى الشرع فأجتمعوا يوم الأحد في المحكمة وأقام الباشا من جهته وكيلا وأرسله صحبة أنفار من الوجاقلية واجتمعت التجار حتى ملأوا المحكمة وطلبوا حضور العلماء فلم يحضروا وانفض المجلس بغير تمام ثم حضر التجار في ثاني يوم وحضر العلماء ولم يحضر وكيل الباشا ثم ابرز التجار رجعة بختم إبراهيم بك وتسلمه المبلغ مؤرخة في ثاني عشر شعبان أيام قائمقاميته ووكالته عن الباشا وابرزوا فتاوى أيضا وسئل العلماء فأجابوهم بقولهم حيث أن الباشا أرسل فرمانا لإبراهيم بك أن يكون قائما مقامه ووكيلا عنه إلى حين حضوره فيكون فعل الوكيل كالاصيل وتخلص ذمة التجار وليس للباشا مطالبتهم ومطالبته على إبراهيم بك على أن ذلك ليس حقا شرعيا. وكتب القاضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 اعلاما بذلك وأرسله إلى الباشا وانفض المجلس على دماغ الباشا. وفي يوم الخميس تعين للسفر عدة من العساكر البحرية في المراكب ولحقت بالمراكب السابقة. وفي يوم الجمعة حضر أحمد باشا والي جدة الذى كان مقيما بثغر الأسكندرية إلى ثغر بولاق فذهب لملاقاته على بك الدفتردار وكتخدا الجاويشية وأرباب الخدم فركب صحبتهم وتوجه إلى ناحية العادلية وجلس هناك بالقصر. وفي يوم السبت حضر حسن باشا وعابدى باشا ودرويش باشا إلى بيت الشيخ البكرى بالازبكية باستدعاء وجلسوا هناك إلى العصر وقدم لهم تقادم وهدايا وحضروا إليه في مراكب من الخليج. وفي يوم الأحد أحضروا عند حسن باشا رجلا من الاجناد يسمى رشوان كاشف من مماليك محمد بك أبي الذهب فأمر برمي عنقه ففعلوا به ذلك وعلقوا رأسه قبالة باب البيت. قيل: إن سبب ذلك أنه كان بجرجا أيام الحركة فلما خرج رفقاؤه حضر إلى مصر وطلب الأمان فأمنوه ولم يزل بمصر إلى هذا الوقت فحدثته نفسه بالهروب إلى قبلي فركب جواده وخرج فقبض عليه المحافظون وأحضروه إلى حسن باشا فأمر برمي عنقه وقيل: إن السبب غير ذلك. وفيه وصلت مراسلة من كبير العساكر البحرية وأخبروا أنهم وقع بينهم وبين الأمراء القبالي لطمة ورموا على بعضهم مدافع وقنابر من المراكب فانتقل المصريون من مكانهم وترافعوا جهة الجبانة وصار البلد حائلا بين الفريقين وساحل أسيوط طرد لا يحمل المراكب ومن الناحية الأخرى جزيرة تعوقهم عن التقرب إليهم. وصوروا صورة ذلك وهيئته في كاغد لاجل المشاهدة وأرسلوها مع الرسول. وفيه عمل الديوان بالقلعة وتقلد قاسم بك أبو سيف ولاية جرجا وسارى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 عسكر التجريدة المعينة صحبة عابدى باشا ودرويش باشا ومعهم من الصناجق أيضا علي بك جركس الأسمعيلي وغيطاس بك الصالحي ومحمد بك كشكش ومن الوجاقلية خمسمائة نفر وأخذوا في التجهيز والسفر. وفي يوم الإثنين سابع عشر حضر إلى ساحل بولاق آغا من الديار الرومية وهو أمير اخور وعلى يده مثالات وخلع وهو جواب عن الرسالة بالاخبار الحاصلة وخروج الأمراء فركب أغات مستحفظان ومن له عادة بالركوب لملاقاته وطلع حسن باشا وعابدى باشا وأحمد باشا الجداوى ودرويش باشا والأمراء والصناجق والوجاقات والقاضي والمشايخ واجتمعوا بالقلعة وحضر الأغا من بولاق بالموكب والنوبة خلفه وبقية الأغوات وهم يحملون بقجا على أيديهم والمكاتبات في أكياس حرير على صدورهم ولما دخلوا باب الديوان قام الباشوات والأمراء على أقدامهم وتلقوهم ثم بدأوا بقراءة المرسوم المخاطب به حسن باشا فقرأوه ومضمونه التبجيل والتعظيم لحسن باشا وحسن الثناء عليه بما فعله من حسن السياسة والوصية على الرعية وصرف العلائف والغلال. وفيه ذكر إسمعيل بك وحسن بك والتحريض والتأكيد على القتل والانتقام من العصاة ولما فرغوا من قراءة ذلك أخرجوا الخلعة المخصوصة به فلبسها وهي فروة سمور وقفطان أصفر مقصب مفرق الاكمام فلبسه من فوق وسيف مجوهر تقلد به ثم قرأوا المرسوم الثاني وهو خطاب لمحمد باشا يكن المتولي ومعه الخطاب للقاضي والعلماء والأمراء والوجاقلية والثناء على الجميع والنسق المتقدم في المرسوم السابق. ثم لبس الخلعة المخصوصة به وهي فروة وقفطان ثم قرأوا المرسوم الثالث وهو خطاب لأحمد باشا والي جده بمثل ذلك ولبس خلعته أيضا وهي فروة وقفطان. ثم قرىء المرسوم الرابع وفيه الخطاب لعابدى باشا ومضمونه ما تقدم ولبس أيضا خلعته وفروته. ثم قرىء المرسوم الخامس ومضمونه الخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 لدرويش باشا وذكر ما تقدم ولبس خلعته وهي فروة على بنش لأنه بطوخين ثم مرسوم بالخطاب لعلي بك الدفتردار ومضمونه الثناء عليه من عدم التأخر عن الاجابة والنسق. ثم فرمان ثان وهو خطاب لامير الحاج والوصية بتعلقات الحج. فما فرغوا من ذلك إلا بعد الظهر ثم ضربوا مدافع كثيرة ودخلوا إلى داخل وجلسوا مع بعضهم ساعة ثم ركبوا ونزلوا إلى أماكنهم. وكان ديوانا عظيما وجمعية كبيرة لم تعهد قبل ذلك ولم يتفق أنه اجتمع في ديوان خمسة باشوات في أن واحد. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانا وخلع على باكير آغا مستحفظان وقلده صنجقا وخلع على عثمان أغا الوالي وقلده اغات مستحفظان عوضا عن باكير أغا. وفي يوم الخميس خلع الباشا على إسمعيل كاشف من اتباع كشكش وقلده واليا عوضا عن عثمان أغا المذكور وأقر أحمد افندى الصفائي في وظيفته روزنامجي افندى على عادته وكانوا عزموا على عزله وأرادوا نصب غيره فلم يتهيأ ذلك. وفيه وصل إبراهيم كاشف من طرف إسمعيل بك وحسن بك واخبر بقدومهما وأنهما وصلا إلى شرق أولاد يحيى وأرسلا يستأذنان في المقام هناك بالجمعية حتى تصل العساكر المعينة فيكونوا معهم فلم يجبه حسن باشا إلى ذلك وحثه على الحضور فيقابله ثم يتوجه من مصر ثانيا. ثم أجيب إلى المقام حتى تأتيهم العساكر وأخبر أيضا أن الأمراء القبليين لم يزالوا مقيمين بساحل أسيوط على رأس المجرور وبنوا هناك متاريس ونصبوا مدافع وإن المراكب راسية تجاههم ولا تستطيع السير في ذلك المجرور إلا باللبان لقوة التيار ومواجهة الريح للمراكب. وفيه استعفى علي بك جركس الأسماعيلي من السفر فأعفي وعين عوضه حسن بك رضوان وانفق حسن باشا على العسكر فاعطى لكل أمير خمسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 عشر ألف ريال وللوجاقلية سبعة عشر ألف ريال وأنفق عابدى باشا في عسكره النفقة أيضا فاعطى لكل عسكرى خمسة عشر قرشا فغضبت طائفة الدلاة واجتمعوا بأسرهم وخرجوا إلى العادلية يريدون الرجوع إلى بلادهم وحصل في وقت خروجهم زعجة في الناس واغلقت الحوانيت ولم يعرفوا ما الخبر. ولما بلغ حسن باشا خبرهم ركب بعسكره وخرج يريد قتلهم وخرج معه المصريون وركب عابدى باشا أيضا ولحق به عند قصر قايماز وكان هناك أحمد باشا الجداوى فنزل إليه أيضا واجتمعوا إليه واستعطفوا خاطره وسكنوا غضبه وأرسلوا إلى جماعة الدلاة فأسترضوهم وزادوا لهم في نفقتهم وجعلوا لكل نفر أربعين قرشا وردوهم إلى الطاعة. ورجع حسن باشا وعابدى باشا إلى اماكنهم قبيل الغروب. وفي صبح ذلك اليوم سافر إسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في البحر إلى جهة قبلي. وفيه اعني يوم الخميس اخرجوا جملة غلال من حواصل بيوت الأمراء الخارجين فأخرجوا من بيت أيوب بك الكبير وبيت أحمد اغا الجملية وسليمان بك الأغا وغيرهم. وفيه أيضا اخذت عدة ودائع من عدة اماكن وتشاجر رجل جندى مع خادمه وضربه وطرده ولم يدفع له اجرته فذهب ذلك الخادم إلى حسن باشا ورفع إليه قصته وذكر له أن عنده صندوقا مملوءا من الذهب من ودائع الغائبين فأرسل صحبته طائفة من العسكر فدلهم على مكانه فأخرجوه وحملوه إلى حسن باشا وامثال ذلك. وفي يوم الجمعة فتحوا بيت المعلم إبراهيم الجوهرى وباعوا ما فيه وكان شيئا كثيرا من فرش ومصاغ وأوان وغير ذلك. وفي يوم السبت برز عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما إلى البساتين قاصدين السفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 وفيه ركب علي بك الدفتردار وذهب إلى بولاق وفتح الحواصل واخرج منها الغلال لاجل البقسماط والعليق. وفي يوم الأحد نودى على الغز والاجناد والاتباع البطالين أن يخدموا عند الأمراء. وفي يوم الإثنين سافر عابدى باشا ودرويش باشا واخرجوا خيامهما إلى البساتين واخرج الأمراء الصناجق خيامهم ونصبوا مكان المرتحلين. وفيه حضر باشا من ناحية الشام وهو أمير كبير من أمراء شين اغلي وصحبته نحو ألف عسكري فنزل بهم بالعادلية يومه ذلك. وفي يوم الثلاثاء دخلت عساكر المذكور إلى القاهرة وأميرهم توجه إلى ناحية البساتين من نواحي باب الوزير. وفي يوم الخميس سافر أمير شين اغلي بعساكره إلى جهة قبلي. وفي يوم السبت ثامن عشرين القعدة نودى بفرمان بمنع زفاف الأطفال للختان في يوم الجمعة بالطبول وسبب ذلك أن حسن باشا صلى بجامع المؤيد الذى بباب زويلة فعند ما شرع الخطيب في الخطبة وإذا بضجة عظيمة وطبول مزعجة فقال الباشا: ما هذا فأخبروه بذلك فأمر بمنع ذلك في مثل هذا الوقت. وفي غرة الحجة اشيعت أخبار وروايات ووقائع بين الفريقين وإن جماعة من القبالي حضروا بأمان عند إسمعيل بك. وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر الحجة حضر إلى مصر فيض الله افندى رئيس الكتاب فتوجه إلى حسن باشا فتلقاه بالاجلال والتعظيم وقابله من أول المجلس ثم طلع إلى القلعة وقابل محمد باشا أيضا ثم نزل إلى دار أعدت له ثم انتقل إلى دار بالقلعة عند قصر يوسف. وفي يوم الخميس حضر اغا وعلى يده تقرير لمحمد باشا على السنة الجديدة فركب من بولاق إلى العادلية وخرج إليه أرباب الخدم والدفتردار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 واغات مستحفظات وأغات العزب والوجاقلية ودخل بموكب عظيم من باب النصر وشق القاهرة وطلع إلى القلعة. وفي يوم السبت نودى بان من كانت له دعوة وانقضت حكومتها في الأيام السابقة لاتعاد ولا تسمع ثانيا وسبب ذلك تسلط الناس على بعضهم في التداعي. وفيه ردت السلفة التي كانت أخذت من تجار المغاربة وهي آخر السلف المدفوعة. وفي يوم الأربعاء عاشر الحجة كان عيد النحر وفيه وردت أخبار من الجهة القبلية بوقوع مقتلة عظيمة بين الفريقين وقتل من المصرلية عمر كاشف الشرقية وحسن كاشف وسليمان كاشف ثم انحازت العسكر إلى المراكب ورجع الأمراء إلى وطاقهم فأغنم حسن باشا لتمادى أمرهم وكان يرجو انقضاءه قبل دخول الشتاء ويأخذ رؤسهم ويرجع بهم إلى سلطانه قبل هبوط النيل لسير المراكب الرومية حتى أنه منع من فتح الترع التي من عادتها الفتح بعد الصليب كبحر أبي المنجاومويس والفريقين خوفا من نقض الماء فتتعوق المراكب الكبار. وفيه حضر واحد ططرى وعلى يده مرسوم فطلب حسن باشا محمد باشا المتولي فنزل إليه وجمع الديوان عنده فقرأ عليهم ذلك المرسوم وحاصله الحث والتشديد والاجتهاد في قتل العصاة والفحص عن أموالهم وموجوداتهم والانتقام ممن تكون عنده وديعة ولا يظهرها وعدم التفريط في ذلك وطلب حلوان عن البلاد فائظ ثلاث سنوات. وفي أواخر الحجة أرسل عابدى باشا مكاتبة حضرت له من الأمراء القبالي وهي جواب عن رسالتهم وهي باللغة التركية وحاصل ما فهمته من ذلك انكم تخاطبونا بالكفرة والمشركين والظلمة والعصاة واننا بحمد الله تعالى موحدون واسلامنا صحيح وحججنا ببيت الله الحرام وتكفير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 المؤمن كفر ولسنا عصاة ولا مخالفين وما خرجنا من مصر عجزا ولا جبنا عن الحرب إلا طاعة للسلطان ولنائبه فإنه أمرنا بالخروج حتى تسكن الفتن وحقنا للدماء ووعدنا أنه يسعى لنا في الصلح فخرجنا لاجل ذلك ولم نرض باشهار السلاح في وجوهكم وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ففعلتم بهم ما فعلتم ونهبتم أموالنا وبيوتنا وهتكتم اعراضنا وبعتم أولادنا واحرارنا وامهات أولادنا وهذا الفعل ما سمعنا ببه ولا في بلاد الكفر وما كفاكم ذلك حتى أرسلتم خلفنا العساكر يخرجونا عن بلاد الله وتهددونا بكثرتكم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله وإن عساكر مصر أمرها في الحرب والشجاعة مشهور في سائر الأقاليم والأيام بيننا. وكان الأولى لكم الاجتهاد والهمة في خلاص البلاد التي غصبها منكم الكفار واستولوا عليها مثل بلاد القرم والودن وإسمعيل بك وغير ذلك. وأمثال هذا القول وتخشين الكلام تارة وتليينه اخرى وفي ضمن ذلك آيات واحاديث وضرب امثال وغير ذلك. فأجابهم عابدى باشا ونقض عليهم ونسب كاتبهم إلى الجهل بصناعة الانشاء وغير ذلك مما يطول شرحه وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الغريبة. من مات في هذه السنة. توفي الشيخ العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ محمد ابن موسى الجناجي المعروف الشافعي وهو مالكي المذهب أحد العلماء المعدودين والجهابذة المشهورين تلقى عن مشايخ عصره ولازم الشيخ الصعيدى ملازمة كلية وصار مقرئه ومعيدا لدروسه وأخذ عن الشيخ خليل المغربي والسيد البليدى وحضر على الشيخ يوسف الحفني والملوى وتمهر في المعقول والمنقول ودرس الكتب المشهورة الدقيقة مثل المغني لابن هشام والاشموني والفاكهي والسعد وغير ذلك وأخذ علم الصرف عن بعض علماء الأروام وعلم الحساب والجبر والمقابلة وشباك بن الهائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 عن الشيخ حسين المحلاوى واشتهر فضله في ذلك وألف فيها رسائل وله في تحويل النقود بعضها إلى بعض رسالة نفيسة تدل على براعته وغوصه في علم الحساب وكان له دقائق وجودة استحضار في استخراج المجهولات واعمال الكسورات والقسمة والجذورات وغير ذلك من قسمة المواريث والمناسخات والأعداد الصم والحل والموازين ما انفرد به عن نظائره. وكتب على نسخة الخرشي التي في حوزه حواشي وهوامش مما تلقاه ولخصه من التقارير التي سمعها من افواه اشياخه ما لو جرد لكان حاشية ضخمة في غاية الدقة وكذلك باقي كتبه وله عدة رسائل في فنون شتى وكتب حاشية على شرح العقائد ومات قبل اتمامها كتب منها نيفا وثمانين كراسا. وتلقى عنه كثير من اعيان علماء العصر ولازموا المطالعة عليه مثل العلامة الشيخ محمد الأمير والعلامة الشيخ محمد عرفة الدسوقي والمرحوم الشيخ محمد البناني واجتمع بالمرحوم الوالد سنة ست وسبعين واستمر مواظبا لنا في كل يوم وواظب الفقير في اقرائي القرآن وحفظه فأحفظني من شورى إلى مريم وينسخ للوالد ما يريد من الكتب الصغيرة الحجم. ولم يزل على حاله معنا في الحب والمودة وحسن العشرة إلى آخر يوم من عمره وحضرت عليه في مبادى الحضور الملوى على السلم وشرح السمرقندية في الأستعارات والفاكهي على القطر في دروس حافلة بالأزهر والسخاوية والنزهة في الحساب خاصة بالمنزل وكان مهذب الاخلاق جدا متواضعا لا يعرف الكبر ولا التصنع أصلا ويلبس اى شيء كان من الثياب الناعمة والخشنة ويذهب بحماره إلى جهة بولاق ويشترى البرسيم ويحمله عليه ويركب فوقه ويحمل طبق العجين إلى الفرن على رأسه ويذهب في حوائج إخوانه. ولما بنى محمد بك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تقرر في وظيفة خزن الكتب نيابة عن محمد افندى حافظ مضافة إلى وظيفة تدريس مع المشايخ المقررين فلازم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 التقييد بها وينوب عنه اخوه الشيخ حسن في غيابه وكان اخوه هذا ينسخ اجزاء القرآن بخط حسن في غاية السرعة ويتحدث مع الناس وهو يكتب من حفظه ولا يغلط. ولم يزل المترجم يملي ويفيد ويبدى ويعيد مقبلا على شأنه ملحوظا بين أقرانه حتى وافاه الحمام في سابع عشرين جمادى الثانية من السنة مطعونا وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين. ومات الإمام الفاضل المحدث الفقيه البارع السيد محمد بن أحمد ابن محمد أفضل صفي الدين أبو الفضل الحسيني الشهير بالبخارى ولد تقريبا سنة 1160 وقرأ على فضلاء عصره وتكمل في المعقول والمنقول وورد إلى اليمن حاجا في سنة ثلاث وسبعين فسمع بالنجائي السيد عبد الرحمن ابن أحمد باعيديد وذاكر معه في الفقه والحديث ثم ورد زبيد فأدرك الشيخ المسند محمد بن علاء الدين المزجاجي فسمع منه أشياء وكذلك من السيد سليمان بن يحيى وغيرهما ثم حج وزار واجتمع بالشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان فأحب طريقته ولازمه ملازمة كلية واجازه فيها وورد الينبع فجلس فيه مدة وأحبه أهل هـ. وورد مصر سنة 1182 واجتمع بعلمائها وذاكر بانصاف وتؤده وكمال معرفة ولم يصف له الوقت فتوجه إلى الصعيد فمكث في نواحي جرجا مدة وقرأ عليه هناك بعض الافراد في أشياء ثم رجع إلى مصر سنة سبع وثمانين وسافر منها إلى بيت المقدس فأكرم بها وزار الخليل وأحبه أهل بلده فزوجوه. ثم أتى إلى مصر سنة ثمان وثمانين واجتمعت حواسه في الجملة ثم ذهب إلى نابلس واجتمع بالشيخ السفاريني فسمع عليه أشياء وأجازه وأحبه وكان المترجم قد اتقن معتقد الحنابلة فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد ودفع ما يرد على أقوالهم من الأشكالات بحسن بيان والبلد أكثر أهله حنابلة فرفعوا شأنه وعظم عندهم مقداره. ثم ورده مصر سنة تسعين واجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 بشيخنا السيد مرتضى لمعرفة سابقة بينهما وكان ذلك في مبادى طنطنة شيخنا المذكور فنوه بشأنه وكان يأتي إلى درسه بشيخون فيجلسه بجانبه ويأمر الحاضرين بالاخذ عنه ويجله ويعظمه فراج أمره بذلك فأقام بمصر سنة في وكالة بالجمالية واشتهر ذكره عند كثير من الأعيان بسبب مدح شيخنا المذكور فيه وحثهم على أكرامه فهادوه بالملابس وغيرها ثم عزل على السفر إلى نابلس فهرعوا إليه وزودوه بالدراهم واللوازم وأداوت السفر وشيعوه بالاكرام وسافر إلى نابلس ثم إلى دمشق وأخذ عنه علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله. وكان إنسانا مجموع الفضائل رأسا في فن الحديث يعرف فيه معرفة جيدة لا نعلم من يدانيه في هذا العصر يعد شيخنا المذكور واسع الاطلاع على متعلقاته مع ما عنده من جودة الحفظ والفهم السريع وادراك المعاني الغريبة وحسن الايراد للمسائل الفقهية والحديثية. ثم عاد إلى نابلس وسافر بأهله إلى الخليل فأراد أن يسكن بها فلم يصف له الوقت ولم ينتظم له حال لضيق معاش أهل البلد فعاد إلى نابلس في شعبان وبها توفي سحر ليلة اأحد سابع عشرين رمضان من السنة مطعونا بعد أن تعلل يوما وليلة ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني وتأسف عليه الناس وحزنوا عليه جدا وانقطع الفن من تلك البلاد بموته رحمه الله وعوض في شبابه الجنة ولم يخلف إلا ابنة صغيرة وله مؤلفات في فن الحديث. ومات العمدة المبجل الفقيه الوجيه والحبر اللوذعي النبيه السيد نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله التمرتاشي الغزى الحنفي قدم إلى مصر في حدود الستين وحضر على مشايخ الوقت وتفقه وقرأ في المعقولات والمنقولات وتضلع ببعض العلوم ثم شغف بأسباب الدنيا وتعاطى بعض التجارات وسافر إلى اسلامبول وتداخل في سلك القضاء ورجع إلى مصر ومعه نيابة قضاء أبيار بالمنوفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 ومرسومات بنظارات أوقاف فأقام بأبيار قاضيا بضع وعشر سنين وهو يشترى نيابتها كل دور وابتدع فيها الكشف على الأوقاف القديمة والمساجد الخربة التي بالولاية وحساب الواضعين أيديهم على ارزاقها وأطيانها حتى جمع من ذلك أموالا ثم رجع إلى مصر واشترى دارا عظيمة بدرب قرمز بين القصرين واشترى المماليك والعبيد والجوارى وترونق حاله واشتهر أمره وركب الخيول المسومة وصار في عدادا لوجها وكان يحمل معه دائما متن تنوير الأبصار يراجع فيه المسائل ويكتب على هامشه الوقائع والنوادر الفقهية. ثم تولى نيابة القضاء بمصر في سنة ست وثمانين فأزدادت وجاهته وانتشر صيته وابتكر في نيابته أمورا منها تحليف الشهود وغير ذلك ثم سافر إلى اسلامبول في سنة اثنتين وتسعين وعاد. ثم سافر في سنة تسع وتسعين واجتمع هناك بحسن باشا ووشى إليه أمر مصر وسهل له امرها وأمراءها حتى جسره على القدوم إليها وحضر صحبته إلى ثغر اسكندرية وكان بينه وبين نعمان افندى قاضي الثغر كراهة باطنية فوشى به عند حسن باشا حتى عزله من وظيفة القضاء وقلدهم للمترجم وكاد أن يبطش بنعمان افندى فهرب منه إلى رشيد ولم يلبث المترجم أن أصابه الفالج ومات سابع عشرين رمضان عن نيف وتسعين سنة. ونقم عليه بعد ذلك حسن باشا أمورا وعلم براءة نعمان أفندى مما نسبه إليه وأحضر نعمان أفندى وأكرمه ورد له منصبه وأجله وأكرمه وصاحبه مدة إقامته بمصر ورجع معه إلى اسلامبول وجعله منجم باشا. وكانت له يد طولى في علم النجامة ثم نفاه بعد ذلك إلى اماصيه بسبب توسطه مع صالح أغا للامراء المصريين كما ذكر في موضعه. وخلف المترجم ابنه صالح جلبي الموجود الآن ومملوكه علي أفندى الذى كان يتولى نيابات القضاء في المحلة ومنوف وغيرهما. ومات الشيخ الصالح أحمد بن عيسى بن عبد الصمد بن أحمد بن فتيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 ابن حجازى القطب السيد علي تقي الدين دفين رأس الخليج بن فتح ابن عبد العزيز بن عيسى بن نجم خفير بحر البرلس الحسيني الخليجي الأحمدى البرهاني الشريف الشهير بأبي حامد ولد برأس الخليج وحفظ القرآن وبعض المتون ثم حبب إليه السلوك في طريق الله تعالى فترك العلائق وانجمع عن الناس واختار السياحة مع ملازمته لزيارة المشاهد والأولياء والحضور في موالدهم المعتادة. وكان الأغلب في سياحته سواحل بحر البرلس ما بين رشيد ودمياط على قدم التجريد. ووقعت له في أثناء ذلك اشارات واجتمع فيها باكابر أهل الله تعالى وكان يحكي عنهم أمورا غريبة من خوارق العادات وأقام مدة يطوى الصيام ويلازم القيام واجتمع في سياحته ببلاد الشرق على صلحاء ذلك العصر ورافق السيد محمد ابن مجاهد في غالب حالاته فكانا كالروح في جسد وله مكارم اخلاق ينفق في موالد كل من القطبين السيد البدوى والسيد الدسوقي أموالا هائلة ويفرق في تلك الأيام على الواردين ما يحتاجون إليه من المآكل والمشارب وكان كلما ورد إلى مصر يزور السادة العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم الشيخ الدمياطي وشمس الدين الحنفي وغيرهما وكان له شيخنا السيد مرتضى مزيد اختصاص وألف بأسمه رسالة المناشي والصفين وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيرى البرهاني على تفسير سورة يونس وبأسمه أيضا كتب له تفسيرا مستقلا على سورة يونس على لسان القوم وصل فيه إلى قوله تعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} وذلك في أيام سياحته معه وكمله بعد ذلك. وفي سنة 1199 ورد إلى مصر لأمر اقتضى فنزل في المشهد الحسيني وفرش له على الدكة وجلس معه مدة وتمرض أشهرا بورم في رجليه حتى كان في أول المحرم من هذه السنة زاد به الحال فعزم على الذهاب إلى فوة. فلما نزل إلى بولاق وركب السفينة وافاه الحمام وأجاب مولاه بسلام وذلك في يوم عاشوراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 وذهب به اتباعه إلى فوة بوصية منه وغسل هناك ودفن بزاوية قرب بيته وعمل عليه مقام يزار. ومات الشيخ الفاضل النبيه اللوذعي الذكي المفوه الناظم الشاعر اللبيب الشيخ محمد المعروف بشبانه كان من نوادر الوقت اشتغل بالمعقول وحضر على أشياخ العصر فأنجب وعانى علم العروض ونظم الشعر وأجاد القوافي وداعب أهل عصره من الشعراء وغيرهم واشتهر بينهم وأذعنوا لفضله إلا أن سليقته في الهجو أجود من المدح. ومات الأجل المركم أحمد بن عياد المغربي الجربي كان من أعيان أهل تونس وتولى بها الدواوين واثرى فوقع بينه وبين إسمعيل كتخدا حمودة باشة تونس أمور أوجبت جلاءه عنها فنزل في مركب بأهله وأولاده وماله وحضر إلى اسكندرية فلما علم به القبطان أراد القبض عليه وأخذ أمواله فشفع فيه نعمان افندى قاضي الثغر وكان له محبة مع القبطان فأفرج عنه فأهدى بن عياد لنعمان أفندى ألف دينار في نظير شفاعته كما اخبرني بذلك نعمان افندى المذكور. ثم حضر إلى مصر وسكن بولاق بشاطيء النيل بجوار دارنا التي كانت لنا هناك وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومعه ابنه صغيرا ونحو اثنتي عشرة سرية من السرارى الحسان طوال الأجسام وهن لابسات ملابس الجزائر بهيئة بديعة تفتن الناسك وكذلك عدة من الغلمان المماليك كأنما أفرغ الجميع في قالب الجمال وهم الجميع بذلك الزى. وصحبته أيضا صناديق كثيرة وتحائف وامتعة فأقام بذلك المكان منجمعا عن الناس لا يخرج من البيت قط ولا يخالط أحدا من أهل البلدة ولا يعاشر إلا بعض افراد من أبناء جنسه يأتونه في النادر فأقام نحو ثمان سنوات ومات أكثر جواريه ومماليكه وعبيده وخرج بعده من تونس إسمعيل كتخدا أيضا فارا من حموده باشا ابن علي باشا وحضر إلى مصر وحج ورجع إلى اسلامبول واتصل بحسن باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 ولازمه فاستوزره وجعله كتخدا. فلما حضر حسن باشا إلى مصر أرسل إليه بن عياد تقدمة وهدية فقبلها وحضر أيضا في أثره إسمعيل كتخداه المذكور فأغراه به لما في نفسه منه من سابق العداوة والظلم كمين في النفس القوة نظهره والضعف يخفيه فأرسل حسن باشا يطلب ابن عياد للحضور إليه بامان فاعتذر وامتنع فسكت عنه أياما ثم أرسل يستقرض منه مالا فأبى أن يدفع شيئا ورد الرسل أقبح رد فرجعوا وأخبروا إسمعيل كتخدا وكان بخان الشرايبي بسبب المطلوب من التجار فحنق لذلك وتحرك كامن قلبه من العداوة السابقة وركب في الحال وذهب إلى بولاق ودخل إلى بيته وناداه فأجابه بأحسن الجواب وأبى أن ينزل إليه وامتنع في حريمه وقال له: أما كفاك إني تركت لك تونس حتى أتيتني إلى هنا. وضرب عليه بنادق الرصاص فقتل من أتباعه شخصين فهجم عليه إسمعيل كتخدا وطلعوا إليه وتكاثروا عليه وقتلوه وقطع رأسه وأراد قتل ولده أيضا فوقعت عليه أمه فتركوه وأخرجوا جثته خارج الزقاق فألقوها في طريق المارة واخرجوا نساءه وخدمه واحتاطوا بالبيت وختموا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 المجلد الثاني سنة إحدى ومائتين وألف ... سنةإحدى ومائتين وألف. في يوم الإثنين سابع المحرم حضر إسمعيل بك في تجريدة إلى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير وأستاذ نه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب إلى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت أيوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة أنه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر العمثانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب إسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزما وألقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر إلى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وأرسل حسن باشا الرسل لإحضار العساكر التي بالاسكندرية وكذلك أرسل إلى بلاد الروم. وفي يوم السبت ثاني عشرة حضر حسن بك الجداوي وجماعة من الرجاقات والعساكر فذهب حسن بك إلى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع عليه فروة ثم ذهب إلى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الأمراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع إلى قصر العيني وأقام به. وفيه حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية عابدي باشا مكانه وأن محمد باشا يتوجه إلى ولاية ديار بكر عوضا عن عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله إلى بولاق فتحدث الناس أن ذلك من فعل حسن باشا لأن بينهما أمورا باطنية. وفي يوم الإثنين عمل حسن باشا ديوانا في بيته اجتمع فيه جميع الأمراء والصناجق والمشايخ وألبس إسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا وأسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة زردة من زرد الزرخ فإن الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالالة واحدة بعد واحدة بغاية المشقة والألم ثم عالجه بالادهان والمراهم حتى برىء في أيام قليلة. وفيه حضر إلى إسمعيل بك رجل بدوي وأخبر أن الجماعة القبليين زحفوا إلى يجري ووصلت أوائلهم إلىبني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا ونحو خمسة عشر أميرا من الكشاف وأن نفوسهم قويت على الحرب. وفي يوم الثلاثاء حضر إسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 عند القلبين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب أن لم يجابوا في ذلك. وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب إلى بولاق. وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والأجناد والمماليك بأن يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالا ولم يكن معه ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف. وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم إلى ناحية دير الطين قريبا من التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع أيضا وكان أشيع طلوع عابدي باشا إلى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه كلاما كثيرا وقال كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والأعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى أخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع إلى قصر العيني. وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج إلى القلزم وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالأمن والراحة. وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلغيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين. وفيه عمل حسن باشا ديوانا وخلع على ثلاثة أشخاص من أمراء حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان. وفيه حضر إلى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة. وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء إلى ناحية البساتين وورد الخبر عن القبليين أنهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف. وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى إسمعيل بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفا ولكل صنجق عشرة آلاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 ولكل طائفة وجاق أربعة آلاف فاستقل الينكجرية حصتهم وكتبوا لهم عرضحال يطلبون الزيادة في نفقتهم. وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا أيضا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والأماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدا وغلت أثمانها. وفي يوم الإثنين قبض حسن باشا على إسمعيل اغا كمشيش المتقدم ذكره وأمره بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرا خطابا لبعض أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع. وفيه عمل حسن باشا ديوانا عظيما جمع فيه الأمراء والأعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والأمان ويذكرون العابدي باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال عابدي باشا لحسن بك الجداوي: ما تقول في هذا الكلام؟ قال أقول: لا نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على أن يكتبوا لهم جوابا عن رسالتهم ملخصة أن كان قصدهم الصلح والأمان وقبول التوبة فإنهم يجابون إلى ذلك ويحضر إبراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانا شافيا من مولانا السلطان اينما يريدون في غير الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاؤوا من مماليكهم واتباعهم وأما بقية الأمراء فإن شاؤوا حضروا إلى مصر وأقاموا بها وكانوا من جملة عسكر السلطان وأن شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وأن أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال. وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام وعلي محمد أغا البارودي وأمر بحبسهما عند إسمعيل بك وسبب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع إسمعيل آغا كمشيش. وفي يوم الأربعاء سافر محمد أفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة إلى القبليين. وفي يوم الخيس نزل الاغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب إلى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته إستحق العقوبة وطاف الاغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا إلى بولاق ومنهم من طلع إلى الأبواب حسب الأمر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم أنهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والارز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فإن اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة أن وجد والجاموسي بثمانية انصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت. وفي يوم الأحد سابع عشرينه حضر محمد أفندي المكتوبجي من عند الجماعة وصحبته علي أغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر إلى غير مصر فإن فراق الوطن صعب ويذكر عنهم أنه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخصامهم من البلاد أعني إسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد أن يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا أو علينا فإن كانت علينا وظفروا بنا استحقوا الإمارة دوننا وأن كانت لنا وظفرنا بهم فالأمر لكم بعد ذلك أن شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا شروطكم فقمنا بها قياما لا نتحول عنه أبدا ما بقينا وأن شئتم وجهتمونا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 إلى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال لعلي أغا أنا ما جئت إلى مصر لا عمل لهم على قدر عقولهم وإنما السلطان امرني بما أمرت به فإن كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر وإلا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي أغا جوابا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع إلى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد أفندي المكتوبجي انعموا عليه وأكرموه واعطاه مراد بك خاصة ألف ريال فجعل يثني عليهم ويمدح مكارم أخلاقهم. واستهل شهر صفر الخير أوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر اسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والأمراء. وفيه وصل الخبر أن الأمراء القبالي زحفوا إلى بحري ووصلت أوائلهم إلى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة. وفيه طلب إسماعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا إلى الحجاز ولم يدفعوا له شيئا وادعى على تجار البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار. وفي يوم الجمعة نودى على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون إلى إسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديا أو أميرا أو مملوكا ومن تأخر استحق العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين. وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وقعت حادثة لشخص من الأجناد يقال له إسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئا من ذلك وكان جبارا ظالما معدودا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية ذهب إلى إسمعيل بك وقابله فطرده وأمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب إلى بتيه وأرسل إلى إسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لاحد مماليكه وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل إلى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج مقهورا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه إلا الاذى ولا نرى منه احسانا ولاحلاوة لسان كذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل معنا خيرا عاجلا ولا آجلا وحملهم الغيظ على أنهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها أيضا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منها فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة وأصبح الخبر شائعا بين الناس بذلك. وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر أن العرب وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح أمير الحاج وقتل غالب أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو الثلث ونهبوا غالب حمولهم بسبب عوائدهم القديمة. وفي يوم الإثنين شق الاغا وإمامه المنادى يقول أن إبراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيا أو غائبا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الأمان ولا بأس عليه ومن خألف فلا يلومن إلا نفسه. وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا إلى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فإنهم اخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها بأجمعها إلى البر وتركوا المراكب ذهبت إلى حال سبيلها وانحازوا جميعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 عند الأهرام. وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة. وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرا شنيعا جدا ثم أن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة أرسل إلى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها أيضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أجد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 إلى غير ذلك وأخذوا المحمل أيضا ولم يردوه. وفي يوم الإثنين ثاني عشرة هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا أن يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم أن الأمراء والباشا ذهبوا إلى مصر واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب إلى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته إلى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر إلى شروق الشمس فرجعوا إلى مكانهم من غير طائل ثم هجموا أيضا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا. وفي يوم الأربعاء ركب الأمراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا إلى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الأجناد بأمان وانضموا إلى البحريين. وفي أواخره أمر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه أرباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والافندية وذهبوا إليه ببولاق وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الأمراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال: أن كان له شيء عند أجد يأخذه منه ولا بد من أحضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج إلى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي الرئيس بينهما في إزالة ذلك ثم ذهب محمد باشا إلى حسن باشا واجتمع معه في قصر الآثار. وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا إلى ذلك ويختاروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 مكانا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي الأمراء والعسكر إلى مصر بالأمان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم. واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططرى من الدولة وعلى يده مثال لحسن باشا بأن يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظا في المدينة فتحقق الناس إقامته عدم سفره. وفيه شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من جديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو أربعمائة وخمسين ذراعا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعا ومدورا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب. وفي يوم الإثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم تتابعوا في التعدية. وفي ليلة الخميس رابع عشرة كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع ساعة إلى ثامن ساعة من الليل. وفي منتصفة حضرت عساكر من الاضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر عن الأمراء القبالي أنهم وصلوا إلى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك والاتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر إلى مصر ومنهم من اختفى في البلاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وفيه اشتكت الناس من غلاء الأسعار وتكلم الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له في زمن العصاة: كان الأمراء ينهبون ويأخذون الاشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الأمر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال: أنا لا أعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جميعة في باب الينكجرية وأحضار الاغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون بها ومن خألف أو احتكر شيئا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشرة اجتمعوا في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي أيضا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن وغير ذلك وركب الاغا وبجنبه المحتبسب ونادوا في الأسواق فجعلوا اللحم الضاني بثمانية انصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشر آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الاشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة. وفي أواخره وصل الخبر بأن رضوان بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا إلى عرضي التجريدة وأخذوا الأمان من إسمعيل بك وعابدي باشا وأنهم قادمون إلى مصر وأن القبالي استقروا بوادي طحطأ مكانهم الأول الذي قاتلوا فيه. شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكور إلى مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا إلى بيوتهم. وفي يوم الأحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه أن التجريدة نصرت وقتل من القبالي أناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الأكاذيب والأقاويل ثم تبين أن لا شيء وأنها بسبب رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 قلة ماء النيل ومن عادتهم أنهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها. وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الاشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصاريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارا كثيرة وأخبر أن التجريدة وصلت إلى دجرجا وأن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا إلى قوق وتباعدوا عن البلد نحو ست ساعات ثم انقطعت الأخبار. واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول المدة. وفيه عين حسن باشا على محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم وضايقوه حتى باع امتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها حزنا شديدا مع ماهو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر عند قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فإنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فإنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول: إياكم والعناد وإياكم أن توقعوا حربا فانكم تخربون بلادكم وتكونون سببا في هلاك أهلها فإنه بلغني أنه تعين مع حسن باشا كذا كذا الفا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفا من جنس العسكر الفلاني وأنهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور ومائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورا ونحو ذلك حتى ادخل عليهم الوهم وظنوا صدقة وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصا بما منا هم به من إقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم وتحولوا عن الأمراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل وصول حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك. وفي يوم الأربعا ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا إلى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين الآخر عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادى وقبض على كبيرهم أسيرا ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم على جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين ما لا يحصى وكان حضور هذا النحاب على الفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورا كثيرا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين إلى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعا للتهنئة. وفي سادسة حضرت عدة مكاتبات من أمراء التجريد فأخبروا فيها بتلك الواقعة وأن القبالي صعدوا بعد الهزيمة إلى عقبة الهو على جرائد الخيل فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والاثقال وأنهم منتظرون حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا لإحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل إلى خلف العقبة واخبروا أيضا أنهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 من الحوادث في هذه الأيام. وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط في الطرقات ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورا وقس على ذلك. وفي عاشره طلب الباشا حوضا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بأحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فأزدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع وثبت في أذهانهم من أن تحته كنزا وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك وأن الباشا يريد الكشف عن أمره فلما حصل ذلك الإزدحام ووجده الحمالون ثقيلا جدا وهم لا يعرفون صناعة جر الاثقال وحركوه عن مكانه يسيرا وبلغ الباشا ما حصل من إزدحام العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أكاذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول: إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيا ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرة وصل نيف وثلاثون رأسا من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة أيام ثم دفنوهم ووجد فيهم راس عزوز كتخدا عزبان. وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى إلى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلما على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية. وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة إلى القبالي من نسائهم فركبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 خلفهم فلم يدركوهم واشاعوا أنهم قبضوا عليهم من غير أصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الاغا والوالي وأمرهما بالذهاب إلى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الاغوات الطواشية والسقائين وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة إبراهيم بك إلى بيت شيخ السادات ثم أن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم إلى البر الشرقي. وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا إلى اسنا وأن القبالي ذهبوا إلى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون. وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر إسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا إلى إبريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من اتباعهم فمنهم من حضر إلى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات. وفي يوم الإثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة آلاف نصف قضة ونزلا إلى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي. وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الإقليم البحري ووصل إلى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الأرض منه فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 ورخص سعر اللحم البقري جدا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال وبيعت البقرة بما خلعها بدينار وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والاجبان بسبب ذلك لقلتها. شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الأربعاء وكان ذلك يوم النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل. وفي يوم الإثنين سافر حمامجي اوغلي بالجوابات إلى الجهة القبلية وفيها الأمر بحضور عابدي باشا وأسمعيل بك وباقي الأمراء إلى مصر وأن حسن بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون باسنا محافظين. وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن إلى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الإثنين صبيحة عيدهم. وفي عشرينه نودي بأبطال المعامله بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن إلى الأسواق وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر منها أنهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالاسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهن مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الاطلاق وسومحن في الخروج. وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر أيضا حمامجي اوغلي وأخبروا أن الباشا والأمراء وصلوا إلى دجرجا. شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على أحمد قبودان المعروف بحمامجي اوغلي وحبسه وحبس أيضا تابعه عثمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث وكذلك رجل يقال له مصطفى خوجة. وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء انهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك أنهن يربطن الشاشيات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك دينارا أو أكثر أو أقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود. وفي يوم الأحد حادي عشرة حضر عابدي باشا وأسمعيل بك وعلي بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية إلى مصر وذهبوا إلى بيوتهم وبات الباشا في مصر القديمة. وفي صبحها يوم الإثنين ركب عابدي باشا وطلع إلى القلعة من غير موكب وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر بها ضربوا له مدافع من الأبراج وبعد انقضاء المدافع ارعدت السماء رعودا متتابعة إلى العصر وأمطرت مطرا غزيرا وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان الرومي وأما حسن بك الجداوي فإنه تخلف بقنا هو واتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك الإسماعيلي باسنا وعلي بك جركس بارمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسيني ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لأجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا وأراد الباشا وأسمعيل بك أن يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من العسكر فأبوا وقالوا: حتى نذهب إلى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وفي ذلك اليوم وصل الخبر بأن القبالي رجعوا إلى اسوان وشرعوا في التعدية إلى أسنا فأرسل إسمعيل بك إلى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك أيضا وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالأول. وفي أواخره وصل الخبر أنهم زحفوا إلى بحرى وأن حسن بك تأخر عنهم. شهر شعبان المكرم في أوائله جاء الخبر أنهم وصلوا إلى دجرجا وأن حسن بك والأمراء وصدوا في التأخر إلى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والأمراء واستقر الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وأنهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد إسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الاشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد أفندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي. وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم وكان حسن باشا عندما قدم إلى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات إلى البلاد فلما حضر إسمعيل بك حسن له اعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والأقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانيا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف المشاق الطارىء عليهم أيضا بسبب موت البهائم في الدراس وادارة السواقي بأيديهم وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها وغلت أثمانها بسبب ذلك إلى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعا على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا حرمةالمصر وأهله إلى الغاية. وفي خامسه يوم الأربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضا عنه. وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي اوغلي بعد أن عوقب بانواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الأموال التي كان يملكها واختلسها ودل على غيرها حمامجي اوغلي واستمر حمامجي اوغلي في الترسيم. وفيه قبض على سراج متوجه إلى قبلي ومعه دراهم وامتعة وغير ذلك فأخذت منه ورمي عنقه ظلما بالرميلة. واستهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد فيه اختصرت الأمراء من وقدة القناديل في البيوت عن العادة وعبى إسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها إلى حسن باشا وهي سبع فروق وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الاجناس وأربعة آلاف تصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك فأعطى للشيالين على سبيل الانعام أربعة عشر قرشا رومية عنها خمسمائة وستون نصفا فضة. وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الأشراف وذلك أنه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا المحمل بقي عندهم إلى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالا شديدا وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله إلى مصر صحبة ذلك الشريف وقيل أن الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب بأربعمائة ريال فرانسة فلما حضر خرج إلى ملاقاته الإشاير والمحملدارية وأرباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وإمامه الإشاير والطبول والزمور وذلك الشريف راكب إمامه أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وفي ذلك اليوم بعد أذان العصر بساعتين وقعت حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك أن رجلا عطارا يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت فحضر إليه جماعة من أهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منه شيئا اليروه ويجربوه فأحضر البطة وصب منها شيئا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد وأحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها إلى ناحية اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الأبنية والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارا وسقطت بمن فيها من السكان على من كان أسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كوما يظن من لم يكن رآه قبل ذلك أنه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث أن الواقف في ذلك السوق أو المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه أما من النار أو الردم وكان السوق في ذلك الوقت مزدحما بالناس خصوصا وعصرية رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لأجل التسلي والحاصل أن كل من كان حاصلا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عاليا أو متسفلا أو مارا أو واقفا لحاجة أو جالسا أصيب البتة وكان ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 العطار يبيع غالب الأصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان خان البهار مقفولا متخربا وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبا وسلم أسرع يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجا شديدا وارتجت الأرض واتصلت الرجة إلى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل فإن النار تطايرت إليه من ظاهره وحضرالاغا والوالي فتسلم الاغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك لخط وأرسلوا ختموا بيت أحمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد أن أخرجوا منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمر اسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الأسباب والأمتعة وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئا كثيرا حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون ومن طلب شيئا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب ويصغى إليه وقيامه قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت اتباعهم بالنبابيت من كل جهة يطرودن الناس ولا يمكنون أحدا من أخذ شيء جملة كافية وأما القتلى فإن من كان في السوق أو قريبا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وأنهرس باقيه وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه وأن كانت امرأة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 جردوها وأخدوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعا مثل الفحم فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئا كثيرا من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم والتراب وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتا وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضا وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش واخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفا عن مائة نفس وذلك خلاف من بقي تحت الردم منهم إمام الزاوية المجاورة لذلك فإنها انخسفت أيضا على الإمام وبقى تحت الردم ولم يجدوا بقية اعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا اعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين وتركوها كما هي مدة أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة. وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن إبراهيم بك فذهبوا إلى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا: هؤلاء ليسوا المطلوبين ولم يأت إلا أيوب بك الكبير من المطلوبين ولم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير فاتفق الرأي على أعادة الجواب فكتبوا جوابات أخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا. وفي هذا الشهر اخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها أناس من اتباع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الدولة وأعيانها ووصل الخبر بوقوع حريق عظيم ببندر جدة وتوفي أحمد باشا وإليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل إلى إسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصنادق والأمراء حتى لحريمهم وأتباعهم وأرسل أيضا لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموسقو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا. وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة الفليونجية والفلاحين باعة البطيخ وذلك أن شخصا قليونجيا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الآخر على رفقائه فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتله كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين إنسانا ومن القليونجية نحو أربعة. وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الأرياف أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة وعشرون ألف نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والادنى تسعة آلاف وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق. وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان بك على خمسين كيسا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب فإنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالا وأشياء فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر ولما رجع نزل إليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه علىامتناع أبيه من مقابلته وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر المذكور وطريقة العثمانية الميل إلى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرمانا بذلك. وفي ثاني شوال برزت الأمراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك الإسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لأقليم المنصورة علي بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 الحسيني لإقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الإسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الإسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة. وفي ثامنة حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات إلى الأمراء القبليين وذلك أنهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما عينوا لهم وقالوا: إن هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد أخرى فقال إسمعيل بك: اطلبوا منهم حلوانها فقال إسمعيل كاشف قنبور اجعلوا ما أخذ من بيوتهم في نظير الحلوان فقال: كذلك. وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل. ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وأن الحرب قائمة بينهم وبين الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر ألفا وفي منتصفه كمل عمارة التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها أن هذه التكية موقوفة على طائفة من الأعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى أمرها وآلت إلى الخراب وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه إلى الأمراء وسافر إلى اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم يميلون لذلك النوع وصار من اخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته إلى مصر وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لأربابها مع حسن باشا فعمرها وبنى اسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها صهريجا في فسحة القبة ورتب لها تراتيب ومطبخا وأنشأ خارجها مصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم واتباعهم وهم بالاسلحة متحذرين فمد لهم سماطا وجلسوا عليه واوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموما وقاموا وتفرقوا في خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحرافة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا في حصة من الليل وذهبوا إلى بيوتهم. وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا إلى الحصوة وأقاموا هناك ولم يذهبوا إلى البركة. وفي يوم الثلاثاء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة إلى البركة بعد العصر وارتحلوا في ضحوة يوم الأربعاء غرة شهر القعدة. شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه ونودى بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه. وفي سادسه نودى على المماليك أن لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين أبدا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي أيديهم شبكات الدخان من غير انكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم انكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور فإذا مات بعض الأعيان بادر أجد المماليك إلى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه أن ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه إلى ذلك ثم تراه ركب في الوقت والساعة ذهب إلى بيت المتوفي ولو قبل خروج جنازته ونزل في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا رأته شابا مليحا قويا وكان زوجهاالمقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات فيصبح أميرا من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدام والفراشون والأصحاب ويركب ويذهب ويجيء إلى بيت سيده وفي حاجاته وغير ذلك فجرى يوما بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في الأسواق بحضرة بعض الاختيارية فقالوا أنه قلة أدب وخلاف العادة القديمة التي رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا: اكتبوا فرمانا بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ. وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته. وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر. وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا: من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا الجامكية ثم ندفعها لكم في المال الشتوي فانحط الرأي على كتابة رجع الجامكية وفرح الناس بذلك ثم تبين له لا أجد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري وأن زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وأن لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدا فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه لأجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك النسبة له بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الافندية يكشفون على الدفاتر ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه. وفي عشرينه ذهب الأمراء إلى حسن باشا وهم إسمعيل بك وحسن بك وعلي وباقي الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 والميري المطلوب منهم ومن اتباعهم وقال لهم أنا مسافر بعد الأضحى ولا بد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم: أنتم وجوهكم مثل الحيط وأمثال ذلك فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك باغراء إسمعيل بك ولما ذهب إسمعيل بك إلى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف أن كل من تبقى عليه شيء ولو ألف درهم سلمه للباشا يقطع رأسه. وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري أيضا وشنع عليهم وخصوصا قاسم بك أباسيف وحلف أنه يحبسهم حتى يدفعوا ما عليهم. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة وفيه حضر الاغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة. وفيه أيضا قوى عزم حسن باشا على السفر إلى بلاد الروم وأعطى لإسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونا صغيرا وقرر ألفا وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر. وفي يوم الخميس رابع عشرة عمل حسن باشا ديوانا بالقصر وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الأمراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا إلى الديار الرومية بسبب حركة السفر إلى الجهاد وأن الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرهم والثاني فيه ذكر العفو عن إبراهيم بك ومراد بك من القتل وأن يقيم إبراهيم بك بقنا ومراد بك باسنا ولا أذن لهم في دخول مصر جملة كافية. وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان وصل إلى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الأمراء باسرهم لوداع حسن باشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الإبراهيمي ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحا وهم خلفه حتى دخل بيت حسن بك الجداوي ودخل إلى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر واخبروا الباشا بحضرة إسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله إسمعيل بك فقال: إن كان في بيتي خذوه فأرسلوا وأحضروه ووضعوه صحبة المقيدين. وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن وسافر صحبته إبراهيم بك قشطة ليشيعه إلى رشيد وزار في طريقه سيدي أحمد البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه إلى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فإنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها إلى الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الأمال والظنون وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير لأنه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه التحرير فجعله مظلمة زائدة وبقى يقال: رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهاد وغير ذلك ولو مات حسن باشا بالاسكندرية أو رشيد لهلك عليه أهل الإقليم اسفا وبنوا على قبره مزارا وقبة وضريحا يقصده للزيارة. من مات في هذه السنة من الأعيان. توفي الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 أهل الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولي عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتيه من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الاخلاق وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الاجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الاخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الأستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريف اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 الخلائق والتوجه الأسني بنظم الأسماء الحسنى ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحا على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الآية وله غير ذلك ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخا على المالكية ومفتيا وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق بل شيخا على أهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكبيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الآضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغا وللشيخ المترجم قدرا معينا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفذ ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من ذلك فقال: والله هذا لا يجوز وكيف اننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي فأعطاه ذلك ولما رجع رسول ابيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة امثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقى ودفن بها رحمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 الله ولم يخلف بعده مثله. ومات الشيخ الإمام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أجد العلماء أدرك الطبقة الأولى وأخذ عن شيوخ الوقت وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ أحمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه إلى بيوت الأمراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الاشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وتقدم الشيخ أحمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبا في الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من اغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى أنه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ أحمد العروسي وتركها له حسما للشر وخوفا من ثوران الفتن والتزم له الاغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى أنه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة بلى قرر فيها تلميده العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين وأستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الالقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الأستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره أنه وردت فتوى في مسالة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن وتعبوا فيها يوما وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا: دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للأفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب: ولو بالمهلة ففعلوا ذلك وأرسلوها للشيخ المترجم مع بعض الناس وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يوما وليلة فقضعوا عجبا من جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه إلا أنه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الأمور اتفق أنه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارا في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ أحمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه إلى أن مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلت وجاهته بين نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وغفر لنا وله. ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الأحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالاثرم ولد بقربه انكوان من اعمال طرابلس في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده إلى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي أحمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادىء أمره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما أخبرنا أنه توجه إلى تونس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله. ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير. ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله. ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 رجع وكان وقتا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرا وقد رآه اصحابه بعد موته في منامات عدة تدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله. ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وانجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير. ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد ابن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفي قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد اخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية واحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة وكان إنسانا حسنا كثير الحياء متجمعا عن الناس مقبلا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله. ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله: وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الآغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرا إلى سوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 الكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى كتبا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين. ومات الأمير المبجل أحمد كتخدا المعروف بالمجنون أجد الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدغلي ثم انضوى إلى عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة ونفى من نفى في أمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين إلى بحري ثم إلى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادا بالحرم المدني ثم رجع إلى الشام وأحضره محمد بك أبو الذهب إلى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فإنه كان يخلط الهزل بالجد ويأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلد ترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرا وانشأ بجانبه بستانا عظيما زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من ثماره إلى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه في بعض الاحيان ولما حضر حسن باشا إلى مصر ورأى هذا البستان اعجبه فاخذه لنفسه واضافه إلى أوقافه وبنى المترجم أيضا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارا على الخليج المرخم اسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون واتباع وإبراهيم بك أوده باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمة في المدد السابقة يقال له: المقدم فوده له شأن وصوله بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشا فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى أن توفي في خامس شعبان من السنة. ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا وهاربا من مصر مع من خرج وباشر الحروب باسيوط وذهب إلى الشام وغيرها لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر إلى مصر في أيام أبي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم بسوق الخشب خاملا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة اغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 سنة اثنتين ومائتين وألف . استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف اغا الخربتاوي وتولى عثمان بك طبل الإسماعيلي على دجرجا وفيها انفرد إسمعيل بك الكبير في إمارة مصر وصار بيده العقد والحل والابرام والنقض واستوزر محمد اغا البارودي وجعله كتخداه واستمر إسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض بواقي المطلوبات وسكن ببيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق. وفيه قبض إسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد اغا البارودي وصادره في خمسين كيسا. وفي خامسه طلب إسمعيل بك دراهم قرضة مبلغا كبيرا فوزعوا منها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 جانبا على تجار البن والبهار وجانبا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان. وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا إلى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم إلى جهة رواق الشوام فمنع عنه المجاورون وأدخلوه إلى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضا إلى إسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من إسمعيل بك مضمونها الأمان والعفو عن الطوائف المذكورة. وفيها أن هذا المطلوب إنما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا: هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنه بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق إلى أن وصل إلى باب زويلة فنزل بجامع المؤيد وأرسل إلى إسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق إسمعيل بك وظن أنها مفتعلة من الشيخ وأنه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده إلا الخلاص منهم فقال: أنا ارسلت إليهم بالأمان ودعوهم ينفضوا وما أجد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يوما فأرسلوا إلى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال إلى باقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة. وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة إلى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في أماكنهم ولم يتحركوا. وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا أيضا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به. ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها إسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها أحدى وعشرين حانوتا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من انشاء سيده إبراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل إليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لإسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى. وفيه اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال إلى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك. وفي سابعه سافر محمد باشا وإلى جدة إلى السويس. وفي يوم السبت ثالث عشره طلع إسمعيل بك والأمراء إلى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخدا محمد اغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدا وفي الحقيقة هي راجعة إلى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه فشرع أولا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفا ثم ادعى أن حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف أخرى وطلب المال الصيفي أيضا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وأخرج قوائم مزادهم إلى الديوان واستخلصها من ملتزميها. وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية واخبروا أن الأمراء القبالي حضرو إلى أسيوط وأوائلهم تعدي منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا إلى مصر فلما تحققت هذه الأخبار طلع في صبحها إسماعيل بك إلى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ فتكلم إسمعيل بك وقال يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء يا وجاقلية أن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من أماكنهم وزحفوا على البلاد فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا نعم فقال: إن المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال إلى قتالهم يصرف على المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه إسمعيل أفندي الخلوتي وقال ونحن أي شيء تبقى عندنا حتىنصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئا فقال له الباشا هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذاالكلام والأولى أن تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد أن جعت جوعوا معي وأن شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضا للدولة والأخبار عن نقضهم وعرضا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والأجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى إسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف إسماعيل بك وأرسلوا إلى محمد باشا المسافر إلى جدة بالرجوع من السويس إلى مصر بأمر من الدولة. وفي ذلك اليوم أعني يوم الحد رابع عشرة حضر جاويش الحاج من العقبة. وفي يوم الأربع سابع عشرة نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدماص عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم وأما علي بك الدفتردار فإنه لم يسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فيمن عنده وكان منقطعا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين. وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم إلى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الإزدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا الدينة الشريفة. وفيه نزل الاغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيا من اتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أجد بعد ثلاث أيام فإنه يستأهل الذي يجري عليه. وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل. وفيه شرع إسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره. وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والأجناد وهم الذين كانوا في الترسيم وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم إلى ثغر اسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين إليه فلم يزل به إسمعيل بك حتى سلم فيهم. وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب أيضا وبعضهم أنزله عريانا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين عل الأبواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منه دراهم ولو كان بنفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الاغا وإمامه الوالي وأوده باشة البوابة وإمامهم المناداة على جميع الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بأنهم يأخذوا لهم أوراقا من أبوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد من الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا. وفيه ركب إسمعيل بك ونزل إلى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بأن ركبه على عجل يجروه وزاد في اتقانه وسبك جللا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره. وفي يوم الإثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف إسمعيل بك وعلى يدهما جوابان احدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات وملخصها انكم نسبتونا لنقض العهد والحال أن النقض حصل منكم بتسفير أخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا إلى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا إلى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والأعتذار وأرسلوها وأخذوا في الاهتمام والتشهيل. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الأسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الالضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على إفرادهم وقال لهم: في غد أحضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه. وفيه عزل أحمد أفندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد أحمد أفندي المعروف بأبي كلية قلفة الانبار روزنامجي عوضا عنه. وفي سادسه ارسلوا بجوابات الرسالة الشيخ أحمد بن يونس وكتبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 لهم أيضا سمهود وبرديس وزيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال أن الجميع بأيديهم. وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا وأسمعيل بك إلى بيت الشيخ البكري باستدعاء بسبب المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسمعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفا وباقيها على الكتبه. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع أبوابهم وحضور الغائبين منهم والاستعداد للخروج. وفي ثالثه انفق إسمعيل بك على الأمراء الصناجق وأرسل لهم الترحيله فأرسل إلى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدا كتخدا البارودي وركب مغضبا وخرج إلى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها إسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع إسمعيل بك في تشديده على الرعية والالضاشات. وفي يوم الخميس ثامنه سافر إمام الباشا وعلي كاشف من طرف إسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها أما الرجوع إلى أماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط أن تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن أيضا ننقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بأن إبراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر إلى المنية عند قسيمة مراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 بك وأن مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على اتباعه واتباع أمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في أمر التجريدة وحصل التواني والاهمال والترك وخرجت الخيول إلى المرعى. وفي يوم الجمعة سادس عشرة نزل عابدي باشا إلى بولاق وركب إليه إسمعيل بك وبقية الأمراء وإمامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا إمامه الثلاث غلايين إلى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع إلى القلعة. وفي يوم الثلاثاء عزل أحمد أفندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان أفندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد أفندي ما دفعه من الرشوة. وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر إمام الباشا وعلي كاشف وأخبرا أن إبراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وأن جماعة من صناجقهم وأمرائهم وصلوا إلى بني سويف وبحريها وأنهم قالوا في الجواب: إننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فإن قاتلونا عليها قاتلناهم وأن انكفوا عنا فلسنا واصلين إليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك فيرسلوا لنا بعض المشايخ والأختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على إرسال جواب صحبه قاصد من طرف الباشا مضمونه أنهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به. وفي يوم الإثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشاخطابا إلى الباشا وأسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك وأسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر ارنؤدا إلى ثغر الأسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية إلى الأمراء. وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له إسمعيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 بك: فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم اننا نرسل إلى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال: أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والأمراء والأجناد وأنت من جملتهم وما صادرت أحدا في نصف فضة فاغتاظ إسمعيل بك وقال: اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وأنا اعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانيةوتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم السبت فيه حضر ططرى وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين أن كانوا مقيمين بالأماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وأن كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا فأخرجوا إليهم وقاتلوهم وأن احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والانبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ. وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المفصل من ولاية مصر. وفي يوم الإثنين ثالثه حضر المرسل من الجهة القبلية وصحبته صالح اغا الوالي بجوابات حاصلها أنهم يطلبون من طحطا إلى قبلي ويطلبون حريمهم وأن يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين أرسلوهم إلى الأسكندرية فإن أجيبوا إلى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال إسمعيل بك للباشا: لا يمكن ذلك ولا يتصور أبدا وإلا افعلوا ما بدالكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانا فأني أخاف على نفسي أن زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولا بد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابا وسافر به صالح أغا المذكور وآخرمن طرف إسمعيل بك. وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 إفسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الأشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من أهل بولاق وخرجوا إلى خارج البلدة يريدون الذهاب إلى الباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا إليهم وقاتلوهم وأنهزم القليونجية فنزل الاغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم. وفي يوم الإثنين سابع عشرة حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الأمراء القبليين على أن يكون لهم من اسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميرى البلاد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وأنهم يطلبون اناسا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانا وأحضر الأمراء والمشايخ واتفقوا على إرسال الشيخ محمد الأمير وأسمعيل أفندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الأربعاء تاسع عشره. وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يوما. واستهل شهر جمادى الثاني بيوم الأحد فيه ورد الخبر بأن جماعة من الأمراء القبليين حضروا إلى بني سويف. وفي ثالثه وصل الخبر بأن مراد بك حضر أيضا إلى بني سويف في نحو الأربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم إلى ناحية البساتين. وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الباشا وتكلموا معه واخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة إلى بحرى وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم: حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا إلى رأيه فكتب مكتوبا مضمونه إنكم طلبتم الصلح مرارا واجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا انكم زحفتم ورجعتم إلى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفون عن قصدكم وكيفية حضوركم أن كنتم نقضتم الصلح والا لا فترجعوا إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من طرفه. وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها إلى الوطاق. وشرع إسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبني أبراجا من حجر وحيطانا لنصب المدافع والمتاريس في البرين. وفي يوم الخميس ثاني عشرة حضر الشيخ محمد الأمير ومن بصحبته واخبروا أنهم تركوا إبراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الأمراء وهم سليمان بك الاغا وإبراهيم بك لوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم أن يكن صلح فليكن كاملا ونقعد معهم بالبلد عند عيالنا ونصير كلنا اخوة ونقيم ثأرنا في ثأرهم ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فإن لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك إلى المشايخ وعلى أنهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب. وفي هذه الأيام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن وقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الأسفار برا وبحرا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون إلى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر إسمعيل بك بذلك فدبج أمرا وصور حضور ططرى من الدوله وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والأمر والتشديد على محاربة الأمراء القبالي وطردهم وابعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي قال: خبرونا عن حاصل هذا الكلام فإننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال: ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أجد من الناس أن يصل إلى بحر النيل وقربه الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضره إسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 المصريين في الحروب بل طريقتهم المصادمة وانفصال الحرب في ساعة أما غالب أو مغلوب وأما هذا الحال فإنه يستدعي طولا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا: أنا ما قلت لكم هذا الكلام أولا وثانيا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الإثنين وأنا قبلكم. وفي ليلة الإثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا انهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسومات حاصلهما الأخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك أيضا لا أصل ونودى في ذلك اليوم بالخروج إلى المتاريس وكل من خرج يطلع أولا إلى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالا فطلع منهم حملة وأخذوا نفقاتهم وخرجوا إلى المتاريس بالجيزة. وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية واخبروا فيها بوفا الشريف سرور شريف مكة وولاية أخيه الشريف غالب. وفي ليلة الأحد تاسع عشرينه مات إبراهيم بك قشطة صهر إسمعيل بك مطعونا. وفيه عزل إسمعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه إلى بلاد الافرنج وقيل: إنه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين ألف ريال دفعها. واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء وفي كل يوم ينادي المنادى بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الأمراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك إلى أن ضاق الحال بالناس وتعطلت الأسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وأرسل إسمعيل بك إلى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم واخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد إلى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفا وثلثمائة إنسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برا وبحرا ولو بالخفارة حتى أن الإنسان يخاف أن يذهب من المدينة إلى بولاق أو خارج باب النصر. وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلا نصرانيا روميا صائغا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه أياما وقلع عينيه واسنانه وقطع انفه وشفتيه واطرافه حتى مات بعد أن استاذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه أرسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد أن أراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك. وفي يوم الأحد أخذ إسمعيل بك فرمانا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك أمير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريال وجملا. وفي يوم الثلاثاء اجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم إسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية وأغلظوا عليه ومانعوا في ذلك. وفي يوم الخميس سابع عشرة وصل نحو الألف من عسكر الارنؤد إلى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى إسمعيل باشا فخرج إسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقاته ومدوا له سماطا عند مكان الحلي القديم. وفي يوم الجمعة ثامن عشرة امطرت السماء من بعد الفجر إلى العشاء واطبق الغيم قبل الغروب وأرعد رعدا قويا وابرق برقا ساطعا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برمودة وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وفي يوم الأحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفرد المذكورة وسافر لقبضها سليم بك امين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في أبطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال: إذا كان كذلك فاننا نقبضها من البلاد فلم يسعهم إلا الاجابة. وفي يوم الإثنين حضر إلى ثغر بولاق اغا اسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعه لشريف مكة فطلع عابدي باشا إلى القلعة وعمل ديوانا في يوم الثلاثاء واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الاغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالأزهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر. وفي يوم الأربعاء قتل إسمعيل باشا كبير الارنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل أنه أراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم إلى الأمراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له: إن لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به وأغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته. وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وآدنى فخص الأعلى عشرون قرشا والأوسط عشرة والادنى أربعة وكذلك طوائف الاروقة بحسب الكثرة والقلة ثم أحضروا اجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة. وفي يوم الإثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن أفندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى أفندي ميسو كاتب اليومية. وفيه توفي أيضا خليل أفندي البغدادي الشطرنجي. واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء فيه عدى بعض الأمراء بخيامهم إلى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 ذلك أيهامات بالسفر وتمويهات من إسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة. وفي خامسه حضر إلى مصر رجل هندي قيل أنه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب إلى اسلامبول بهدية إلى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة انفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وأنه طلب منه امداد يستعين على حرب أعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات إلى الجهات بالأذن لمن يسير معه فسار إلى الأسكندرية ثم حضر إلى مصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الأعناق وقد مات العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الافرنج وأكثرها من شيث هندي مقمطة على أجسامهم وعلى رأسهم شقات افرنجية. وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الأمراء بعد الغروب وأشيع وصول القبليين وهجومهم على المتاريس. وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودى بالخروج فلم يخرج أجد ثم برد هذا الأمر. وفي تلك الليلة ضربوا اعناق خمسة أشخاص من اتباع الشرطة يقال لهم: البصاصون وسبب ذلك أنهم أخذوا عمله واخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم. وفي سابع عشرينه مات محمد اغا مستحفظان المعروف بالمتيم. وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة أرباع وأظلم الجو إلا يسيرا ثم انجلى ذلك عن الزوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة ووافق ذلك أول بؤنة القبطي. وفي ثالثه قلدوا إسمعيل بك خازندار إسمعيل بك الذي كان زوجه باحدى زوجات أحمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليا عوضا عن إسمعيل اغا الجزايرلي لعزله. وفي ثاني عشرة حضر إبراهيم كاشف من اسلامبول وكان إسمعيل بك ارسله بهدية إلى الدولة فأوصلها ورجع إلى مصر بجوابات القبول وأنه لما وصل إلى اسلامبول وجد حسن باشا نزل إلى المراكب مسافرا إلى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو أربع ساعات فذهب إليه وقابله ورجع معه في شكتربة إلى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن إبراهيم بك ومراد بك دخلا إلى مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل إبراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر. وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدا من أموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجار خاصة ستة آلاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لآصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانا أو قتل وترك مرميا. وفي خامس عشرينه وقع بين طائف المغاربة الحجاج النازلين بشاطىء النيل ببولاق بين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك أن المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون إسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصا في مثل هذا الشهر أو أنهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب الفليونجية إلى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ورموه إلى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة وأغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ إسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل إلى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا إلى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الاغا والوالي وناديا في الأسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا: كيف نخرج إلى العادلية ونموت فيها عطشا وذهب منهم طائفة إلى إسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل إلى إسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام قتله فتجمعوا أحزابا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة إلى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع إسمعيل بك فنادى عليهم بالأمان. وفي أواخره ورد خبر من دمياط بأن النصارى أخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبا. واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه أرسل الآغا بعض اتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السوربن بسبب شكوى رفعت إليه فيهما فضرب احدهما أجد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه أيضا بجانبه. وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة إلى مصر وهم من العيايدة وقابلوا إسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الأكابر والتجار وذهبوا إلى إسمعيل بك وشكوا إليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ. وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة إلى المشهد الحسيني على العادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الأمراء وخرجوا إلى المتاريس وأشيع أن الأمراء القبليين عدوا إلى جهة الشرق وركب الوالي والأغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الأجناد من بيوتهم إلى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والالضاشات والأجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهران بعضهم عدي إلى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس في غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا إلى بياضة وشرعوا في بناء متاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا إلى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا إسمعيل بك فإنه رجع بعد يومين لأجل تشهيل الحاج. ثم استهل شهر القعدة بيوم الإثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري إلى المنصورة وتقاسموا بلاده. وفيه رجع الأمراء من المتاريس إلى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها إلا المرابطون قبل ذلك. وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشرام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع إلى رواق المغاربة وجلس به إلى الغروب ثم تخلص منهم وركب إلى بيته ولم يفتحوا الجامع وأصبحوا فخرجوا إلى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ إلى إسمعيل بك وتكلم معه فقال له أنت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون إلى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب أيضا وصحبته بعض المتعممين إلى الباشا بحضرة إسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤد بهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ذهبوا إلى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح إسمعيل بك واجروا لهم الأخبار بعد مشقة وكلام من جنس ماتقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية. وفي يوم الأحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج. وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر إسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لأنه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها والزمه بسدها فاعتذر بعدم الأمكان وخصوصا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه واخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه. شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان إلى بحر النيل ببولاق يشتمل أحدهما على أجد وعشرين مدفعا والثاني أقل منه اشتراهما إسمعيل بك. وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب. وفي رابع عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين. وفي يوم الأربعاء سادس عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني جمع به سائر الأمراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل إلينا وهو أن قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الأمر على مصر أرسل مكاتبة إلى أمراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر سكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل إلى مصر واختلى بهم واطلعهم على ذلك فأهملوه ولم يلتفتوا إليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا إلى قبلي وكاتبوا القنصل فأعاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الرسالة إلى قراله وركب هجانا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان أرسل لنجدتهم عسكرا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر إلى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الأمر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع إلى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وأن من بمصر الآن من جنسهم أيضا وأن العثمنلي لم يزل مقهورا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وإمدادهم فكتب إليهم وأرسلها صحبة هذاالالجي وحضر إلى دمياط وأنقذ الخبر سرا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فاعلموا الباشا بذلك سرا وأرسلوا إليه بالحضور فلما وصل إلى شلقان خرج إليه إسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أجد وأعد له منزلا ببولاق وحضر به ليلا وأنزله بذلك القناق ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل إليهم عند ذلك جماعة من اتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك باشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه إلى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي وملخصها خطاب إلى الأمراء المصرية أنه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده أن بعضكم يقتل بعضا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائده من الظلم والجور والخراب فإنه لا يضع قدمه في قطر إلا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لأنفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل اليكم منهم إلا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكاما بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرىء ذلك اتفقوا على إرسالها إلى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والأمراء وانزلوا ذلك الالبي في مكان بالقلعة مكرما. وفي يوم الإثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية إلى جهة قبلي وابقوا اثنين وأرسلوا بها عثمان بك طبل الإسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم وانقضت هذه السنة. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات الإمام العلامة أجد المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضا وينزل إلى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أياما ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى حضوره ولا يثقون إلا بقوله ثم يرجع إلى مصر بما اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله إلى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده لنفسه رحمه الله تعالى. ومات الإمام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر إلى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة جناق أيضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الافتاء وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه إلا قليلا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والانصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران. ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا إلى مصر وكان يحسن الثناء على المشار إليه واشتهر أمره وصارت له في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم أمره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله. ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي عشر شعبان مطعونا. ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة. ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والأوراد مواطبا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه أنوار الأسم الشريف وظهرت فيه أسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها إلى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته. ومات أيضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد اخونا في الله خليل أفندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار إلى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أجد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أجد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته العيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي إلى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغدق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الاريب السيد إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه إلى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون وأخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرا من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء متوكلا توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح لنا ولهم الأيام. ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد أجد أعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وأفاد وكان إنسانا حسنا جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله. ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الالوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه أوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج إلى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام وارتحل إلى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله. ومات أيضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر إسمعيل أفندي فكان لها أهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه أميرا مع الأمراء ورئيسا مع الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان أفندي المتوفي سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن أفندي الموجود الآن وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضا إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 في المنصب دون الشهرين ومات أحمد أفندي فسمى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة. ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها واتقنوا أمرها وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع إلى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أياما وتوفي إلى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حموده أفندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا. ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الأحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس الأحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار أمنا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الاخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه إلى داره فينام إلى الضحوة ثم يجلس للنظر في الأحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على اقرب الناس إليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان وأولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وأيامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه إلا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف . فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد إسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن حواصل وأنشأ حيطانا وابراجا وكرانك وابنية ممتدة من القلعة إلى الجبل واخرج إليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك. وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان إلى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة. وفي رابع عشرينه سافر إسمعيل باشا باش الارنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت إلى أول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند أول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم إلى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الأول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها أهل المراكب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وفي سادس عشرينه سافر أيضا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وايابهم إلى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الاراضي من غير نقص إلى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الأراضي. وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى أنهم يرجعون إلى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فإنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع اخصامهم فلم يخرجوا إليهم فلا يكونون سببا لقطع ارزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للاجابة لمطلوبهم بشرط إرسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وإبراهيم بك الوالي ومحمد بك الألفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا. شهر صفر. في غرته حضر جماعة مجاريح. وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف إسمعيل باشا الارنؤدي وأحبروا أن الجماعة لم يرضوا بإرسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة: كلامهم لعلمكم تظنون أن طلبنا في الصلح عجزا واننا محصورون وتقولون بينكم في مصر أنهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية إلى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الأمر كذلك فنحن لا نرضى إلا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانا إلى إسمعيل باشا بمحاربتهم فبرزا إليهم بعساكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وجميع العسكر التي بالمراكب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فاخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الأحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينصب الشباك على الآخر ويكمن ليلا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء. وفي منتصفه شرع إسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الأعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والادنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام. واستهل شهر ربيع الأول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد اسيوط إلى فوق شرقا وغربا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر اسكندرية بالبشارة لإسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وأن اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وأرباب المناصب وصلوا إلى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة إلى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضرالمرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك واعادوه بالجواب. وفي رابعه حشر أحمد أغا اغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانا اجتمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية وتكلم أحمد أغا وقال: نأخذ من أسيوط إلى قبلي شرقا وغربا بشرط أن ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والاسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات إلا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم إلى الدولة وننظر ما يكون الجواب فإن حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخألف ذلك ولا تتعدى الأوامر السلطانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا إلى ذلك كله ورجع أحمد اغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبد الله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الأخبار بأن القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي إلى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس واحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون وأسمعيل باشا الارنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته. وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم وهي قطعة من قميصه وقطعةعصا وميل فاحضر مباشر الوقف وطلب منه أحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الاتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها إلى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة. وفي يوم الإثنين سابع عشرة حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بأنهم لما وصلوا إلى الجماعة تركوهم ستة أيام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا إليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم أن عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الأيام أنه معزول من الولاية وكيف يكون معزولا ونعقد معه صلحا هذا لا يكون إلا إذا حضر إليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الأمور وارتفعت الغلال ثانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وغلا سعرها وشح الخبز من الأسواق. وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة عمل الباشا ديوانا جمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حال ولا دينا ولا قاعدة ولا عهدا ولا عقدا أنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب واننا اجبناهم إلى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء اسيوط إلى منتهى النيل شرقا وغربا ثم أنهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت أنا معزولا فإن الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلى ولا يبطله ويقولون في جوابهم: نحن عصاة وقطاع طريق وحيث اقروا على أنفسهم بذلك وجب قتالهم أم لا فقال القاضي والمشايخ: يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال: إذا كان الأمر كذلك فإني اكتب لهم مكاتبة وأقول لهم أما أن ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح وأما أن أجهز لكم عساكر وانفق عليهم من أموالكم ولا أجد يعارضني فيما افعله وإلا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعا نحن لا نخألف الأمر فقال: أضع القبض على نسائهم وأولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم واجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وأن لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا: سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابا لهم بذلك وختم عليها الباشا والأمراء وأرسلوها. وفي يوم الأحد ثالث عشرينه نزل الاغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للامراء القبليين يردها لاربابها فإن ظهر بعد ثلاثة أيام عند أجد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير إسمعيل بك. وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين إبراهيم بك وأخبر أن الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 اسمعيل بك وكتبوا محضرا بذلك وختموا عليه وأرسلوه صحبة مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الأسعار قليلا. واستهل شهر ربيع الثاني. فيه حضر شيخ السادات إلى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة إلى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب وأحمال قناديل ومشاعل وطبولا وزمورا واستمر ذلك خمسة عشر يوما وليلة. وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب إلى قصر العيني. وفي ذلك اليوم وصل ططرى من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون احدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الافرنجي المرهون إلى الديار الرومية فلما قرىء ذلك عمل عابدي باشا شنكا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال إسمعيل كتخدا بعد أن حضر إليه المبشر بالمنصب واظهر البشر والعظمة وانفذ المبشرين ليلا إلى الأعيان ولم يصبر إلى طلوع النهار حتى أنه أرسل إلى محمد أفندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل واعطاه مائة دينار وحضر إليه الأمراء والعلماء في صبحها للتهنئة وثبت ذلك عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه إلى القلعة. وفي يوم الجمعة ثاني عشرة رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن إبراهيم بك الكبير ترفع إلى قبلي وصحبته إبراهيم بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 الوالي وسليمان بك الاغا وأيوب بك وملخص الجوابات أنهم طالبون من حد المنية. وفي يوم الأحد رابع عشره عمل الباشا ديوانا حضره المشايخ والأمراء فلم يحصل سوى سفر الافرنجي. وفي أواخره حضر سراج باشا إبراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا إلى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور. واستهل شهر جمادى الأولى. في غرته قلدوا غيطاس بك إمارة الحج. وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية إسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر واخبروا أن حسن باشا دخل إلى اسلامبول في ربيع الأول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا والبس قابجي كتخدا إسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعين قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططر بيومين وحضر الططر في مدة ثلاث وعشرين يوما فلما وصل الططر سر إسمعيل كتخدا سرورا عظيما وانقذ المبشرين إلى بيوت الأعيان. وفيه ورد الخبر بانتقال الأمراء القبليين إلى المنية وسافر رضوان بك إلى الموفية وقاسم بك إلى الشرقية وعلي بك الحسني إلى الغربية. وفي عشرينه جمع إسمعيل بك الأمراء والوجاقلية وقال لهم: أيا إخواننا أن حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف إسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساوطلع على طرف حسن بك واتباعه نحو أربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسا وكانوا أرسلوا إلى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك: أي شيء هذا العجب والأغراض بلاد علي بك فارسكور وبأرنبال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم إسمعيل بك ونزل وركب إلى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج إلى قبة العزب وعلي بك ذهب إلى قصر الجلفي بالشيخ قمر وأصبح علي بك وركب إلى الباشا ثم رجع إلى بيته ثم أن علي بك قال لا بد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا إلى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعي أمير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعو ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلا عن مخدومه ومصطفى اغا الوكيل وكيلا عن إسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيسا وطلع له بواق في البلاد نيف واربعون كيسا. شهر جمادى الآخرة. فيه حضر فرمان من الدولة بنفي أربع اغوات وهم عريف أغا وعلي اغا وادريس اغا وأسمعيل اغا فحنق لذلك جوهر اغا دار السعادة وشرع في كتابه مرافعة. وفي عاشره وصل فرمان لإسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة. وفي يوم الأحد عمل إسمعيل باشا المذكور ديوانا في بتيه بالازبكية وحضر الأمراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الأمر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان أمر الروزنامجي والافندية بالذهاب إلى عابدي باشا وتحرير حساب الستة اشهر من أول توت إلى برمهات لأنها مدة إسمعيل باشا وما أخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها إلى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح. وفي عصريتها أرسل إلى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم إسمعيل باشا: بلغني أنكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا: دفعناها إلى عابدي باشا وصرفها على العسكر فقال: لأي شيء قالوا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 لقتل العدو قال: والعدو قتل قالوا: لا قال حينئذ: إذا احتاج الحال ورجع العدو اطلب منكم كذلك قدرها قالوا: ومن اين لنا ذلك قال: إذا اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج. وفيه تواترت الأخبار باستقرار إبراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها داراوصحبته أيوب بك وأما مراد بك وبقية الصناجق فإنهم ترفعوا إلى فوق. وفي يوم الإثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان إسمعيل بك أرسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد اغا البارودي وعلى أنه لم يكن من هذه القبيلة لأنه مملوك حسن بك أبي كرش وحسن بك مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية ولما حضر أخبر أن الأمراء الرهائن ارسلوهم إلى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الأمراء القبالى إلى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم وأسقط رواتبهم وكانوا في منزله واعزاز ولهم رواتب وجاميكة لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر. وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لإسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الأمراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه إلى بركة الحج. وفي اواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الاطواخ لإسمعيل باشا واليرق والداقم إلى ثغر الأسكندرية. شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت. في ثالثه يوم الإثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام إلى ديار بكر ليجمع العساكر إلى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته إسمعيل باشا الارنؤدي وابقى إسمعيل باشا من عسكر القليونجية والانؤدية من اختارهم لخدمته وأضافهم إليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وفي عاشره وصلت الاطواخ والداقم إلى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الأزبكية وحضر الأمراء إلى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب إلى مقام الإمام الشافعي فزاره ورجع إلى قبة العزب خارج باب النصر ونودى في ليلتها على الموكب فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الأمراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب إمامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الاطلس وإمامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب إمامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب عظيم ولما طلع إلى القلعة ضرب له المدافع من الأبراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه إلى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الأمراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي. وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الأمراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرىء التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والأمراء الكبار فقط ثم أن إسمعيل بك التفت إلى المشايخ الحاضرين وقال: تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا. وفي يوم الخميس عشرينه أمر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الأسعار فنقضوا سعر اللحم نصفه فضة وجعلوا الضاني بستة انصاف والجاموسي بخمسة فشح وجوده بالأسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الاردب الغلة إلى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الاذان في كل وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان. وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الأزهر بالنورة والمغرة. وفي يوم الأحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوسا عاما وقرأوا اجزاء من البخارى واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر إسمعيل بك أيضا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون أيضا البخاري نظير لعشرة الأولى وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الأعمدة وبطل ذلك الترتيب. شهر شعبان المكرم. في ثانيه نودي بأبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وأن الصيارفة يتخدون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالا ولا يتعامل به وإنما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ إلى دار الضرب ليعاد جديدا فلم يمتثل الناس لهذا الأمر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لأن غالب الذهب على هذا النقص وأكثر وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريبا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم. وفي أوائله أيضا تواترت الأخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الإشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة أول جمعة في شعبان المذكور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه إليها أن أولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل إليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا إلى الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه إلى دجوة لم يجدوا أحدا ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وأمانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا إلى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها. وفيه أرسل الباشا سلحداره بخطاب للامراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق. واستهل شهر رمضان وشوال. في رابعه وصل إلى مصر أغا معين باجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزل والتولية وورد الخبر أيضا بعزل حسن باشامن رياسة البحر إلى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا أيضا بقتل بستحي باشا. وفي أوائله أيضا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة. وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الأمراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الأمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بأن يكونوا مع إسمعيل بك بالمساعدة والاذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة. وفي عاشره وصل ططري وعلى يده اوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطا ويصرف بمائة وعشرين نصفا بنقص أربعة انصاف عن الواقع في الصرف بين الناس ولاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشر والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة أيضا والمغربي بخمسةوتسعين بنقص خمسة أيضا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشر بنقص خمسة عشر فنزل الاغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم. وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج. وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك اذرع الوفاء ونزل الباشا إلى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الأزدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوار بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الأمراء الخارجين عليها ووجه إسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي اثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقرر على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الإنسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والأسلحة بوجوه عابسة فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالإكرام فلا يزدادون إلا قسوة وفظاظة فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافرا فيدخلون الدار وليس فيها إلا النساء ويحصل منهم ما لا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان أو هربن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 إلى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير إلى المنوفية وأنزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفا عينفا قبيحا بأخذ البلص والتساوين وطلب الكلف الخارجة عن المعقول إلى أن وصل إلى رشيد ثم رجع لاى مولد السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد إسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والايبين إلى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة أو منحدرة إلا طلبها إليه وأمر باخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثياب وغيرها أو إرسالهم أشياء أو دراهم لبيوتهم فإن وجد بالسفينة شيئا من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم إلا بمصلحة وأن لم يجد شيئا فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم إلا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر إلى قبلي بتجارة أو متاع يذهب إليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين إلى تحت القلعة ويطلع إليه الريس والمسافرون فيصالحونه وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الأثمان وكذلك فعل نساء سائر الأمراء القبليين وهادينه وارشونه عن إرسالهن إلى أزواجهن من الملابس والأمتعة سراحتى كانوا في الآخر يرسلن إليه ما يرمن إرساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي اجوبتهم على يده إلى بيوتهن خفية واتخذ له يدا وجميلا وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الارنؤد وجبال الروملي رغبة إسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه باشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وأجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون واجناس غير معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصا على مقاومة الأعداء وتكثير الجيش وتابع إرسال الهدايا والأموال والتحف إلى الدولة وأحضر السروجية والصواع والعقادين فصنعوا ستة سروج للسلطان وأولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقه وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة كلفة ثمينة أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد اغا البارودي واشترى كثيرا من الأواني والقدور الصيني الأسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماءالورد والمربيات الهندية مثل مربي القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد واقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وارزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لأحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فإن نهاية ما رأينا أن الأشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة انصاف أو عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان وأما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار وأكثر من ذلك. ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي أبو الاتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة ادرك الطبقة الأولى من أرباب الفن مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 رضوان أفندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي وأخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها ودلائل الأحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج أوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ واقر له أشياخه ومعاصروه بالاتقان والمعرفة وانفرد بعد أشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وانجبوا واجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني اطال الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى: فريد عصره في الحسابيات والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن أفندي قطه مسكين في دلائل الأحكام وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والأهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها لخاص والعام يعلمون منها الاهلة وأوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الأستاذ سيدي أبو الأمداد أحمد بن وفا تحريك الكواكب الثابته لغاية سنة ثمانين ومائة وألف فأجابه إلى ذلك واشتغل به أشهرا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي وقام له الأستاذ باوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك واجازه على ذلك إجازة سنية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن أحمد خان وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ودخلت سنة أربع ومائتين والف. في المحرم وصلت الأخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع ومسالك اسلامية منها جهات الاوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على مصر وأن اسلامبول واقع بها غلاء عظيم. وفي أواخره حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الأمراء القبليين بأنهم أن كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وأن لم يمتثلوا يخرجوا إليهم ويقاتلوهم فإن السلطان اقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الاغا القادم بها وآخر من طرف الباشا. وفي أوائل ربيع الأول رجع الرسل بجوابات من الأمراء القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا إلا بأوامر من عابدي باشا فإنه حدد لنا من منفلوط ثم إسمعيل بك بنى حاجزا وقلاعا وأسوارا بطرا وذلك دليل وقرينة على أن ما وراء ذلك يكون لنا وأنه اختص بالإقاليم البحرية وترك لنا الأقاليم القبلية ولا مزية للامراء الكائنين بمصر علينا فإنه يجمعنا واياهم أصل واحد وجنس واحد وأن كنا ظلمة فهم أظلم منا وأما الغلال والمال فإننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي ارسلناها ثانيا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نبيعها ونرسلها وذكروا أيضا أنهم أرسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا إلى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخألف أمر السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وفي شهر جمادى الأولى وردت أخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الإسلام وأغات الينكجرية ونفيهم وأن حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وأنه محصور بمكان يقال له إسمعيل لأن الموسقو أغاروا على ما وراء إسمعيل وأخذوا ما بعده من البلاد ثم إنه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر إلى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الأمراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الإبراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فإنه مات بليميا ولما حضروا أنزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الأحيان إلى الميدان ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر إليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم أنعاما وورد الخبر أيضا أن صالح أغا وصل إلى اسلامبول فصالح على الأمراء القبالي وتم الأمر بواسطة نعمان أفندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالأوراق إلى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان أفندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما واخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان أفندي إلى أماسيه ومحمود بك إلى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر صالح اغا من اسلامبول. وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه مات مقهورا من الموسقو. وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في ساس ساعة من الليل. وفيه أيضا وصل ثلاثة أشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا. وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت إسمعيل بك عن آخره. وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن أغا أنه كان متكفلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 بجراية الجامع الأزهر فإن كان المتولي يتكفل بها مثله استمر فيها وإلا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان اغا: ذلك فلم يسمعه إلا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فإن أخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن اغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري أو من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع إليه المنصب ومعلوم أن المتولي لم يتقلد ذلك إلا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين اقرانه فما وسعه إلا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاوزون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات. وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والأمراء على العادة وجرى الماء في الخليج. وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والارنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا احزابا فكان كل من واجه حزبا من الطائفة الأخرى أو انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم ما لا خير فيه وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الإنسان مارا بالطريق فلا يشعر إلا وكرشه وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم أنهم في طريق من الطرق واستمر هذا الأمر بينهم نحو خمسة أيام ثم ادرك القضية إسمعيل بك وصالحهم. وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد إلى بيت محمد أغا البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة انفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال. ذكر من مات في هذه السنة. ومات في هذه السنة العلامة الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشننت ولد بمنية عجيل أحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الأسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل للشيخ عطية الاجهوري ولازم دروسه كثيرا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله اماما وخطيبا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس بالاشرفيه والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من املائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر أمره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطيلسانا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرا لزيارات المشايخ والأولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة. ومات الإمام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الأزهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتا فتديرها ودرس العلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 بالمسجد المجاور وللمقام الأحمدي وانتفع به الطلبة وآل به الأمر إلى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد إلى طندتا وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول من السنة ولم يتعلل كثيرا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في مقام مبنى عليه رحمه الله تعالى. ومات الفاضل النحرير الذي وقف الأدب عند بابه ولاذت أربابه باعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الأديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والألفية وغيرهما واشتهر بفن الأدب والتوشيح والزجل وكان يعرف أولا بالزجال أيضا لاتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه أجد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ فإليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه. ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج أحمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لاحبابه ومن يلوز بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشما في نفسه مبجلا بين أبناء جنسه توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله. ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشيء حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أجد أخوة حسن أفندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في لفصاحة واستحضار المسائل الغربية والنكات والفوائد الفقهية والطبية وعنده حرص على صيد الشوارد وأدرك بمصر أوقاتا ولذات في الأيام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم إلى الحجاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يوما وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلى عليه بمصلى أيوب بك ودفن عند اسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الآن بارك الله فيه ورحم سلفه. ومات العمدة المفضل والملاد المبجل الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والاحزاب ووردة مصر مرارا وفي آخره انتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع إكرامهم له ثم توجه إلى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى. ومات الأمير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب إليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن أفندي الضيائي والأنيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة أو مرتين وكان مترهفا في مأكله وملبسه معتبرا في ذاته وجيها منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد ومصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارا عاليا ويستند على اتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وأنقضت هذه السنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 واستهلت سنة خمس ومائتين وألف . في حادي عشر المحرم ورد أغا وعلى يده تقرير لإسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبا وطلع إلى القلعة وقرىء المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع. وفي ذلك اليوم قبض إسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل. وفي صبحها نفوا صالحا أغا أغات الارنؤد قيل أن السبب في ذلك أنه تواطأ مع الأمراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على أنه يملكهم المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغا من المال التزم به الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكا بذلك. وفيه كثر تعدى أحمد أغا الوالي علىأهل الحسينية وتكرر قبضه وايذاؤه لأناس منهم بالحبس والضرب وأخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم إليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول وقفلوا أبواب الجامع وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال لهم الشيخ العروسي أنا أذهب إلى إسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي وتخلص منهم بذلك وذهب إلى إسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض اتباعه بالذهاب إليه واخباره بجمع الناس والمشايخ وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 وقال: إن كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الآخر الاغا تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر القليونجية والارنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج إلى ناحية العادلية مثل المغضب وصار أحمد أغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا إلى بيت محمد أفندي البكري وحضر هناك إسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية إلى يوم الثلاثاء ثالث صفر ثم طلع إسمعيل بك والأمراء إلى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الاغا من طرف إسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك ونزل الوالي الجديد من الديوان إلى الأزهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم ركب إلى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارا ركب فرسا. وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيما مطبقا وسحت امطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان يخطف بالابصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والأمطار نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج باب النصر وهدمت التراب وخسف القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج إلى المدينة فحصل لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 إلى بركة الحج وكذلك خيام الأمراء وغيرهم وسالت السيول من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت أناس في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالامواج وأنهدم من دور الحسينية أكثر من النصف وكان امرا مهولا جدا. وفيه حصل أيضا كائنة عبد الوهاب أفندي بشناق الواعظ وذلك أنه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكان قد جعله وصيا على تركته فاستولى عليها واستأصلها وكان للرجل المتوفي شركة بناحية الأسكندرية فسافر المذكور إلى الأسكندرية وحاز باقي التركة أيضا ورجع إلى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئا نزرا فذهب الوارث إلى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له أنا وصي مختار وأنا مصدق وليس عندي عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي أنه يدعى عليك بكذا وكذا وعنده اثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي إلى الباشا وشكا له فأمر باحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده إلى أن نسب الكل إلى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه إلى الأرض وحبسوه في مكان وصادف أيضا ورود مكتوب من ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور إليه لسبب من الأسباب وذكر فيه الباشا بقوله التعيس الحربي وكذلك الأمراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض الناس إلى إسمعيل بك حقدا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصلة إسمعيل بك أيضا إلى الباشا فازداد غيظا وأرعد وأبرق وأحضر بشناق أفندي من محبسه وقت القائلة وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وامر بمحاسبته على ما أخذه من التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفي ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار وخلصه من الترسيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقي بلبيس وعلي بك جركس المنوفية وصار جماعة أحمد بك واتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الأسواق وخيول الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم ما لا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو معلوم من أفعالهم. وفي شهر ربيع الأول كمل بناء بيت إسمعيل بك وبياضه وأتمه على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل إليه قطع الأعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدا عظيما متسعا ليس له مثيل في مقاعد بيوت الأمراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه بستانا عظيما وظن أن الوقت قد صفا له. وفي اواخر شهر جمادى الأولى أشيع في الناس أن في ليل السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسوا هذا القول إلى أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلا عن العامة وصمموا على حصوله من غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس إلى الصحراء وإلى الأماكن المتسعة مثل بركة الازبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك إلى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم. وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم. وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة وشرعوا في تشهيله واجتهد إسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة فأراد إسمعيل بك اعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله بذل وعاجله الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوى عمله بطول شهر رجب وشعبان وخرج عن حد الكثرة ومات به ما لا يحصى من الاطفال والشبان والجواري والعبيد والمماليك والأجناد والكشاف والأمراء ومن أمراء الالوف الصناجق نحو اثنى عشر صنجقا ومنهم إسمعيل بك الكبير المشار إليه وعسكر القليونجية والارنؤد الكائنون ببولاق ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الأمير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل أو المغسلة الخمسة والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه فلا تجد إلا مريضا أو ميتا أو عائدا أو معزيا أو مشيعا أو راجعا من صلاة جنازة أو دفن أو مشغولا في تجهيز ميت أو باكيا على نفسه موهوما ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات ولا يصلي إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة وندر جدا من يشتكي ولا يموت وندر أيضا ظهور الطعن ولم يكن بحمي بل يكون الإنسان جالسا فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق إلا مخلطا أو يموت من نهاره أو ثاني يوم وربما زاد أو نقص أو كان بخلاف ذلك وكان شبيها بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله إلى أوائل رمضان ثم ارتفع ولم يقع بعد ذلك إلا قليلا نادرا ومات الاغا والوالي في اثناء ذلك فولوا خلافهما فماتا بعد ثلاثة أيام فولوا خلافهما فماتا أيضا واتفق أن الميراث انتقل ثلاث مرات في جمعة واحدة ولما مات إسمعيل بك تنازع الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار ثم اتفقوا على تامير عثمان بك طبل تابع إسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم أنهم أظهروا الخوف والتوبة والاقلاع وابطإل الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضا عن المقبورين من مماليكهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وفي غرة رمضان حضر ططرى وعلى يده مرسوم بعزل إسمعيل باشا ولن يتوجه إلى الموره وأن باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي المعروف بعزت هو وإلى مصر فعملوا الديوان وقرئت المرسومات فقال الأمراء لا نرضى بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال: وكيف يكون العمل ولا يمكن المخالفة فقالوا: نكتب عرضحال إلى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال: لا يتم ذلك فإن المتولي كأنكم به وصل إلى الأسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم أنهم اتفقوا على كتابه عرضحال بسبب تركة إسمعيل بك خوفا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد الأمير. وفي يوم الخميس خامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة إلى بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعة ويرقه فلما رأوا منه العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره إلى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في الثاني فعارضهم وعاندهم وصمم على السفر من الغد فاغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال: إن الباشا أخذ مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لا بد من عمل حساب فإن الحساب لا كلام فيه ولا بد من التاني حتى نعمل الحساب فقال: أنا ابقى عندكم الكتخدا فحاسبوه نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال: أنا لا بد من سفري أما اليوم أو غدا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والأغا يناديان على ساحل البحر على المراكب بأن كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من اتباعه يستاهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب إلا شخصا واحدا نوتيا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسا. وفيه حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه إلى ثغر الأسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة إلى الأمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 بعدم سفر الملاقة وأربا الخدم على العادة وأخبر أنه واصل إلى رسيد في البحر بالنقاير فنزل لملاقاته اغات المتفرقة فقط. وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ البلده. وفيه أشيع بأن عبد الرحمن بك الإبراهيمي حضر من طريق الشام ومر من خلف الجبل وذهب إلى سيده بالصعيد. وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد إلى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الأمراء وعدوا إلى برأنبابة وسلموا عليه وعدي صحبتهم وركب إلى قصر العيني واوكب في يوم الإثنين رابعة في موكب أقل من العادة بكثير إلى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة. وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الأمير بالعرضحال وكانوا آخروا سفره إلى أن وصل الباشا الجديد وغيره بعد أن عرضوا عليه الأمر ثم أنهم عملوا حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع عشر رجب وللامراء مبلغ أيضا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانا حضر فيه المشايخ والأمراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تاداه من ابتداء المدة فعند ذلك ارسلوا ثانيا وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك في سادس عشره. وفيه تواردت الأخبار بأن الأمراء القبالي تحركوا إلى الحضور إلى مصر فإنه لما حصل ما حصل من موت إسمعيل بك والأمراء حضر مراد بك من اسيوط إلى المنية وانتشر باقي الأمراء في المقدمة وعدي بعضهم إلى الشرق ووصلت أوائلهم إلى كفر العياط وأما إبراهيم بك فإنه لم يزل مقيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 بمنفلوط ومنتظرا ارتحال الحجاج ثم يسير إلى جهة مصر فأرسلوا علي بك الجديد إلى طرا عوضا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك إلى الجيزة وأخذوا في الاهتمام. وفيه حفر خندق من البحر إلى المتاريس وفردوا فلاحين على البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين. وفي يوم الأحد رابع عشرينه حضر السيد عمر أفندي مكرم الأسيوطي بمكاتبة من الأمراء القبليين خطابا إلى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرا. وفيه سافر إسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن ادى ما عليه. وفي يوم الإثنين خامس عشرنيه خرج المحمل صحبة أمير الحاج حسن بك قصبة رضوان. وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت المكاتبات الواصلة عن الأمراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع أخواننا والصفح عن الأمور السالفة فأبى المرحوم إسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا وكل شيء نصيب والأمور مرهونة بأوقاتها والآن اشتقنا إلى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا الغربة وعزمنا على الحضور إلى مصر علىوجه الصلح وبيدنا أيضا مرسوم من مولانا السلطان وصل إلينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد اليوم وأن أسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا إلى المشايخ العروسي أن كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن فاننا نترجى عندهم وأن كان ذلك بينهم وبين السلطان فالأمر لنائب مولانا السلطان ثم اتفق الرأي على كتابة جواب حاصله أن الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه وذكرتم أنكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارا ولم نر له أثرا فإن شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 في هذه المدة فإن كان الأمر كذلك فترجعوا إلى أماكنكم وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال إلى الدولة بالاذن لكم فإن الأمراء الذين بمصر لم يدخلوا بسيفهم ولا بقوتهم وإنما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك فأننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ وسلموه إلى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم الأحد غرة ذي القعدة. وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان مقيما بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان إلى طندتا وكتبوا فرمانا بخروج الغريب وفرمانا آخر بالأمن والأمان وأخذهما الوالي والأغا ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل ابواب الاطراف وأجلسوا عند كل مركز حراسا. وفي يوم الخميس نزل الاغا وإمامه المناداة بفرمان على الأجناد والطوائف والمماليك بالخروج إلى الخلاء. وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو اغا معين بطلب تركة إسمعيل بك وباقي الأمراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا المناداة بالخروج إلى ناحية طراوكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة. وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الأمراء إلى الباشا وأشاروا عليه بالنزول والتوجه إلى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج إلى ناحية طرا كما أشاروا عليه وكذلك خرج الأمراء وطاف الاغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بالصعود إلى القلعة والباقي بالخروج إلى متاريس الجيزة وطلع الاوده باشا الاختيارية وجلسوا في الأبواب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وفي يوم السبت أشيع أن الأمراء القبليين يريدون التخريم من وراء الجبل إلى جهة للعادلية فخرج أحمد بك وصالح بك تابع رضوان بك إلى جهة العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا أيضا إلى غرب العائذ فحضروا أيضا هناك. وفيه وصل القبليون إلى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا. وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ إلى ناحية طرا وسلموا على الباشا والأمراء ورجعوا وذلك باشارة الأمراء ليشاع عند الاخصام أن الرعية والمشايخ معهم وبقي الأمر على ذلك إلى يوم الثلاثاء التالي. وفي صبح يوم الأربعاء نزل الاغا والوالي وإمامهم المناداة على الرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا يتأخر أجد وحضر الشيخ العروسي إلى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جميعة وخرج الاغا من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أجد من الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أجد من الناس وأشيع أن الأمراء القبليين نزلوا اثقالهم في المراكب وتمنعوا إلى قبلي ويقولون أن قصدهم الرجوع وبقي الأمر عل السكوت بطول النهار والناس في بهتة والأمراء متخيلون من بعضهم البعض وكل من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع إسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه في إمارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا والأمراء وخرجوا إلى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا متاريس فما فرغوا من عمل ذلك إلا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون على الخيول فلم يشعروا إلا والأمراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية من الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس إمامهم فتشاور المصريون مع بعضهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الاقدام ورجعوا جميع الحملة إلى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا إلى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الألفي وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب إلى سيده ثم ركب محمد بك المبدول أيضا باتباعه وذهب إلى مراد بك لأنه في الأصل من اتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو أخو عثمان بك طبل شيخ البلد وذهب أيضا إليهم واستوثق لاخيه فكتب له إبراهيم بك بالحضور فلم يتمكن من الحضور إلا بعد العشاء الاخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك وفارقهما سقط في أيديهما وغشى على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضا عن علي بك الحبشي ومحمد بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضا عن سليم بك الإسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا إلى قبلي حيث كانت اخصامهم فسبحان مقلب الأحوال ولما حضر عثمان بك وقابل إبراهيم بك ارسله مع ولده مرزوق بك إلى مراد بك فقابله أيضا ثم حضرت إليهم الوجاقلية والاختيارية وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع اتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدا ثم دخل إبراهيم وشق المدينة ومعه صناجقة ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان بك والأغا واخوه إبراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي وأحمد بك الكلارجي وأيوب بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي أغا وسليم أغا وقائد أغا وعثمان بك الاشقر الإبراهيمي وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الموسقو وكشافهم وأغواتهم وأما مراد بك فإنه دخل من على طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الإسماعيلي شيخ البلد وامراؤه وهم محمد بك الألفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول أيضا وكشافهم وأغواتهم واستمر انجرارهم إلى بعد الظهر خلاف من كان متاخرا أو منقطعا فلم يتم دخولهم إلا في ثاني يوم وأما مصطفى أغا الوكيل فإنه التجأ إلى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا فأخذهما الباشا صحبته وطلعا إلى القلعة ودخل الأمراء إلى بيوتهم وباتوا بها ونسوا الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الأمراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن وجددوا فراشهم وعملوا اعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة أن كان بقي منها شيء واورثهم الله ارضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم. وفي يوم الأحد ركب سليم أغا ونادى على طائفة القليونجية والارنؤذ والشوام بالسفر ولا يتأخر أجد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل به ثم أن المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع منهم طائفة وذهبوا إلى الباشا فأرسل معهم شخصا من الدلاة أنزلهم إلى بولاق في المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد بك ببيت إسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله. وفي يوم الإثنين أيضا طاف الأغا وهو ينادي على القليونجية والارنؤد. وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الأمراء إلى القلعة وقابلوا الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده وشرعوا في تجهيز تجريدة إلى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 واحد ططرى إلى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة إبراهيم بك الولي وعثمان بك المرادي متقلدا امارة الصعيد وعثمان بك الاشقر وأحضر مراد بك حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي أغا مستحفظان سابقا وجعلوه كتخدا الجاويشية. وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي أوفي النيل أذرعه ونزل الباشا إلى قصر السد وحضر القاضي والأمراء وكسر السد بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرىالماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد الوفاء إلا شيئا قليلا ثم نقص واستمر يزيد قليلا وينقص إلى الصليب فضجت الناس وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت الوائح الغلاء. وفيه أيضا شرع الأمراء في التعدي على أخذ البلاد من أربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج. وفيه صالح الباشا الأمراء على مصطفى أغا الوكيل وأخلوا له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الاشقر فاخلاه له إبراهيم بك ونزل من القلعة إليه ولازم إبراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان يطرا لازم مراد بك واختص به وصار جليسه ونديمه. من مات في هذه السنة من الأعيان. ومات شيخنا علم الأعلام والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والاقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 الشيخ أبو القبض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس واربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه ورايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن أحمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه إلى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرا من مؤلفاته واجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية والبسه الخرقة واجازه بمروياته ومسموعاته قال وهوالذي شوقني إلى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وأمرائها وادبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ عليه طرفا من الاحياء واجازه بمروياته ثم ورد إلى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة وألف وسكن بخان الصاغة وأول من عشرة وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقي عنهم واجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه واعتنى بشأنه إسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه وأكرمه شيخ العرب همام وإسمعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاده نصير وأولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارا حين كانت مزينة بأهلها عامره بأكابرها وأكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظما نثرا لو جمعت كانت مجلدا ضخما وكناه سيدنا السيد أبو الأنوار بن وفا بابي الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلدا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه وأغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرا ونظما فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ أحمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الأمير والشيخ حسن الجداوي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقرى والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرا وكتبه نظما ارتجالا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة أربع وتسعين ومائة وألف. ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا إليه شرح القاموس هذا وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الإنسان والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة ثم انتقل إلى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندي بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفي وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان فأحدقوا به وتحبب إليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد واحزاب فأقبلوا عليه من كل جهة واتوا إلى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه غريبا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل وبعض لسان الكرج فأنجذبت قلوبهم إليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في املاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالاولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب له سندا بذلك وإجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم أن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة فقال لهم: لا بد من قراءة أوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الإثنين والخميس تباعدا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني إمام المسجد وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيرها وتناقل في الناس سعى علماء الأزهر مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الأكراشي وغيرهم للأخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والاكابر والأعيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية إلى الدراية وصار درسا عظيما فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية وقد استغنى عنهم هو أيضا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثا من المسلسلات أو فضائل الأعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسا آخر في مسجد الحنفي وقرأ الشمائل في غير الأيام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته وأقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير من الأعيان إلى بيوتهم وعملوا من اجله ولائم فاخرة فيذهب إليهم مع خواص الطلبة والمقرىء والمستملي وكاتب الأسماء فيقرأ لهم شيئا من الاجزاء الحديثية كثلاثيات البخاري أو الدارمي أو بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل واصحابه واحبابه وأولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على النسق المعتاد ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق كما رأيناه في الكتب القديمة. يقول الحقيراني كنت مشاهدا وحاضرا في غالب هذه المجالس والدروس ومجالس آخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية وبولاق وأماكن آخر كنا نذهب إليها للنزاهة مثل غيط المعدية والازبكية وغير ذلك فكنا نشغل غالب الأوقات بسرد الأجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات على النسخ وفي أوراق كثيرة موجودة إلى الآن وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك الأسكندراني وأيوب بك الدفتردار فسعوا إلى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل الاطعمة للضيوف وأكرم الواردين والوافدين من الافاق البعيدة وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية إلى مصر وسمع به فحضر إليه والتمس منه الاجازة وقراء مقامات الحريري فكان يذهب إليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده واصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينا من كلاره لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبر ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الانبار وأنهى إلى الدولة شانه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا فضة في كل يوم وذلك في سنة احدى وتسعين ومائة وألف فعظم أمره وانتشر صيته وطلب إلى الدولة في سنة أربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الافق وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة وأرسلوا إليه من أغنام فزان وهي عجيبة الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها راس العجل وأرسلها إلى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعا وكذلك ارسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان يرسل من طرائف الناحية إلى الناحية المستغرب ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها اضعافها وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة وماء الكادي والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالارطال وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى أن احدهما إذا ورد إلى مصر حاجا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملا فإذا ورد عليه احدهم سأله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته وأولاده وحفظ ذلك أو كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فإذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقا أو عرف جاره أو قريبه فيقول له فلان طبيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن اخيه فلان وولده فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد ويقبل الأرض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في أيام طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح إلى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين يدي نجواه شيئا ما فضة أو تمرا أو شمعا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الاجوبة فمن ظفر منم بقطعة ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى أنه قد قبل حجه والا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته إلى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب إحياء العلوم للغزالي وبيض منه اجزاء وأرسل منها إلى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنا كثيرا ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقاما ومقصورا وستورا وفرشا وقناديل ولازم قبرها أياما كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم الأطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة وعمره بيتا صغيرا وفرشه واسكن به امها ويبيت به احيانا وقصده الشعراء بالمراثي فيقبل منهم ذلك ويجيزهم عليه. ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها واحرزت ما جمعه من مال وغيره ولما بلغ ما لا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الاقطار وأقبلت عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن اصحابه الذين كان يلم بهم قبل ذلك إلا في النادر لغرض من الاغراض وترك الدروس والأقراء واعتكف بداخل الحريم وأغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من أكابر المصريين ظاهره وأرسل إليه مرة أيوب بك الدفتردار مع نجله خمسين أربا من البر وإحمالا من الأرز والسمن والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوى أقمشة هندية وجوخا وغير ذلك فردها وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الأسكندراني وغيرهما وحضر إليه فاحتجب عنهما ولم يخرج إليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشاالصور التي حضر فيها إلى مصر لم يذهب إليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانا معدودا مرختا بسرج وعباءة قيمته ألف دينار أعده وهياه قبل ذلك وكانت شفاعته عنده لا ترد وأن أرسل إليه إرسالية في شيء تلقاها بالقبول والاجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها على رأسه ونفذ ما فيها في الحال وأرسل مرة إلى أحمد باشا الجزار مكتوبا وذكر له في أنه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس إلى الأماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الإحراز والتمائم فكان يسر بذلك إلى بعض من يرد عليه ممن يدعى المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك ومن قدم عليه من جهة مصر واجمع سأله عن المترجم فإن أخبره وعرفه أنه اجتمع به وأخذ عنه وذكره بالمدح والثناء احبه وأكرمه وأجزل صلته وأن وقع منه خلاف ذلك قطب منه وأقصاه عنه وابعده ومنع عنه بره ولو كان من أهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق أن مولاي محمدا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الأخير وتزهده وهو يقبلها ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة احدى ومائتين صلة لها قدر فردها وتورع عن قبولها وضاعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 ولم ترجع إلى السلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل إليه مكتوبا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الأوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة ويقول له: إنك رددت الصلة التي ارسلناها اليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك اجر ذلك إلا انك رددتها وضاعت ويلومه أيضا على شرحه كتاب الإحياء ويقول له: كان ينبغي أن تشغل وقتك بشيء نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلاما مفحما مختصرا مفيدا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الاحياء تأليفات كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في اصول ادلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مما وافق فيه الأئمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روى عنه في الأعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد الثمين في طرق الالباس والتلقين وحكمة الأشراق إلى كتاب الآفاق وشرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسا ألفها لعلي أفندي درويش وألف بأسمه أيضا التفتيش في معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى إلى وفا وابى الوفا وبلغة الاريب في مصطلح آثار الحبيب وأعلام الأعلام بمناسك حج بيت الله الحرام وزهر الأكمام المنشق عن جيوب الإلمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام الشاذلي أبي الحسن ولقط اللالى من الجوهر الغالي وهي في اسانيد الأستاذ الحفني وكتب له إجازته عليها في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه إلى مصر والنوافح المسكية علىالفوائح الكشكية وجزء في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 حديث نعم الأدام الخل وهدية الاخوان في شجرة الدخان ومنح الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من أسرار الصفة الالهية واتحاف سيد الحي بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربى الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني على تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري الفاكهي من أوله فكمله للشيخ أحمد البكري ومقامة سماها إسعاف الأشراف وارجوزة في الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرام إلى آخره وعقيلة الأتراب في سند الطريقة والاحزاب صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب اصحاب الحديث وكشف اللثام عن آداب الايمان والاسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج الفها باسم الأستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما اكمل شرح القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل إليه كراريس من أوله حين كان بمصر وذلك في سنة اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الاجهوري ويكتب عليها تقريظا ففعل ذلك وكتب إليه يستجيزه فكتب إليه أسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب بالطاعون في شهر شعبان وذلك أنه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل إلى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الأحد فأخفت زوجته وأقاربها موته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 حتى نقلوا الاشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب المكلفة ثم اشاعوا موته يوم الإثنين فحضر عثمان بك طبل الإسماعيلي ورضوان كتخدا المجنون وادعى أن المتوفي أقامه وصيا مختارا وعثمان بك ناظرا بسبب أن زوج اخت الزوجة من اتباع المجنون يقال له: حسين أغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى أفندي صادق أخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن بقبر أعده لنفسه ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالامارة لموت سيده أيضا واهمل أمر تركته فأحرزت زوجته وأقاربها متروكاته ونقلوا الأشياء الثمينة والنفيسة إلى دراهم ونسى أمره شهورا حتى تغيرت الدولة وتملك الأمراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الأجناد من اتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من الثياب وبعض الأمتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضره الجمع فبلغت نيفا ومائة ألف نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئا واحرز الباقي مع الأول وكانت مخلفاته شيئا كثيرا جدا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته أنه حضر إليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه إليه فوجده راقدا معتقل اللسان وزوجته واصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل الخبايا والصناديق إلى الليوان ورأيت كوما عظيما من الاقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال: ورأيت عدد كثيرا من ساعات العبب الثمينة مبددا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال: فجلست عند رأسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي إمام القاعة قدرا كثيرا من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم اره ولم التفت إليه ولم يترك ابنا ولا ابنة ولم يرثه أجد من الشعراء. وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الأعضاء معتدل اللحية قد وخطه الشيب في أكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية على قفاه وله حبكه وشراريب حرير طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات بشوشا بسوماوقورا محتشما مستحضرا للنوادر والمناسبات ذكيا لوذعيا فطنا المعيا روض فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران. ومات الإمام العلامة والحبر المدفق الفهامة ذو الفضائل الجمة والتحقيقات المهمة الذكي الألمعي النحوي المعقولي الفقيه النبيه الشيخ عمر لبابلي الشافعي الأزهري تفقه على علماء العصر وحضر الشيخ عيسى البراوي والشيخ الصعيدي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عبد الباسط السنديوني وتمهر في العلوم وقرأ الدروس وأخذ طريق الخلوتية على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولقنه الأسماء ولازمه في مجالسه وأوراده ملازمة كلية ولوحظ بأنظاره وتزوج بزوجة الشيخ أحمد اخي الشيخ حسن المقدسي الحنفي وكانت مثرية فترونق حاله وتجمل بالملابس وعرفته الناس وماتت زوجته المذكورة لا عن عصبة فحاز ميراثها والتزم بحصة كانت لها بقرية يقال لها: دار البقر فعند ذلك اتسعت عليه الدنيا وسكن دارا واسعة واقتنى الجواري والخدم ومواشي وابقارا وأغناما واستأجر أرضا قريبة يزرعها بالبرسيم تغدو إليها المواشي وتروح كل يوم من أيام الربيع ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 تزوج ببنت شيخه الشيخ محمود بعد وفاته وأقام منعما معها في رفاهية من العيش مع ملازمته للاقراء والافادة إلى أن ادركه الأجل المحتوم وتوفي في هذه السنة بالطاعون وكان إنسانا حسنا جم الفرائد ولفوائد مهذب الاخلاق لين الطباع حسن المعاشرة جميل الاوصاف رحمه الله تعالى. ومات العمدة الفاضل الواعظ عبد الوهاب بن الحسن البوسنوى السراى المعروف ببشناق أفندي قدم مصر سنة تسع وستين ومائة وألف ووعظ بمساجدها وأكرمه الأمراء للجنسية ثم توجه إلى الحرمين وقطن بمكة ورتب له شيء معلوم على الوعظ والتدريس ومكث مدة ثم حصلت فتنة بين الأشراف والاتراك فنهب بيته وخرج هاربا إلى مصر فالتجأ إلى علمائها فكتبوا له عرضا إلى الدولة بمعرفة ماجرى عليه فعين له شيء في نظير ما ذهب من متاعه وتوجه إلى الحرمين فلم يقر له بمكة قرار ولم يمكنه الاتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل من دب ودرج فتوجه إلى الروم ومكث بها أياما حتى حصل لنفسه شيئا من معلوم آخر فأتى إلى مكة وصار يطلع على الكرسي ويتكلم على عادته في الحط على اشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى اتباعهم وذكر مساويهم وظلمهم فأمر شريف مكة بالخروج منها إلى المدينة فخرج إليها وقد حنق غيظا على الشريف فلما استقر بالمدينة لف عليه بعض الاوباش ومن ليس له ميل إلى الشريف فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهرا وغره مرافقة أولئك معه وأن الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة فتعصبوا وزادوا نفورا واخرجوا الوزير الذي هو من طرف الشريف وكاتبوا إلى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقا وأنه لا يحكم فيهم أبدا وإنما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط وأرسلوا بالعرض مفتي المدينة فكتب لهم على مقتضى طلبهم خطابا إلى أمير الحاج الشامي وإلى الشريف ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه الحادثة وعرف أن اصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم واستعد للقاء أمير الحاج بعسكر جرار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 على خلاف عادته ورام مناواته أن برز منه شيء خلاف ما عهد منه فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده وانكر أن يكون عنده شيء من الاوامر في حقه ومضى لنسكه حتى إذا رجع إلى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل على يده من التندم والحسرة وذهب إلى الشام ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكرا على العرب فقاتلوه وصبر معهم حتى ظفر بهم ودخل المدينة فجأة ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما وسعهم إلا أنهم خرجوا للقائه فآنسهم وأخبرهم أنه ما أتى إلا لزيارة جده عليه الصلاة والسلام وليس له غرض سواه فاطمأنوا بقوله وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده حتى دخل من باب السلام وتملى من الزيارة وأقبلت عليه أرباب الوظائف مسلمين فأكرمهم وكساهم فلما أنس منهم الغفلة أمر بأمساك جماعة من المفسدين الذين كانوا يحفرون وراءه فاختفى باقيهم وتسللوا وهرب منهم خفية بالليل جماعة وكان المترجم أجد من اختفى في بيته ثلاثة أيام ثم غير هيئه وخرج حتى أتى مصر ومشى على طريقته في الوعظ وعقد له مجلسا بالمشهد الحسيني وخالط الأمراء وحضر درسه الأمير يوسف بك ومال إليه والبسه فروة ودعاه إلى بيته وأكرمه وتردد إليه كثيرا وكان يجله ويرفع منزلته ويسمع كلامه وينصت إلى قوله: ولديه بعض معرفة بالعلم على طريقة بلادهم واستمر بمصر وسكن بحارة الروم ورتب له بالضربخانة مائة ونصف فضة في كل يوم لمصروفه وصار له وجاهة عند ابناء جنسه إلى أن وقع له ما وقع مع إسمعيل باشا بسبب الوصاية على التركة كما مر ذلك آنفا وحط من قدره واهانه وحبسه نحو ثلاثة اشهر ثم افرج عنه بشفاعة علي بك الدفتردار وانزوى خاملا في داره إلى أن مات في أوائل شعبان بالطاعون سامحه الله تعالى. ومات الجناب المكرم المبجل المعظم جامع المعارف وحاوي اللطائف الأمير حسن أفندي بن عبد الله الملقب بالرشيدي الرومي الأصل مولى المرحوم علي اغا بشير دار السعادة المكتب المصري اشتراه سيده صغيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وهذبه ودربه وشغله بالخط فاجتهد فيه وجوده على عبد الله الانيس وكان ليوم إجازته محفل نفيس جمع فيه المرؤس والرئيس ثم زوجه ابنته وجعله خليفته ولم يزل في حال حياة سيده معتكفا على المشق والتسويد معتنيا بالتحرير والتجويد إلى أن فاق أهل عصره في الجودة في الفن وجميع كل مستحسن ولما توفي شيخ المكتبين المرحوم إسمعيل الوهبي جعل المترجم شيخا باتفاق منهم لما اعطى من مكارم الشيم وطيب الاخلاق وتمام المروءة وحسن تلقي الواردين وجميل الثناء عليه من أهل الدين وألف من اجله شيخنا السيد محمد مرتضى كتاب حكمة الأشراق إلى كتاب الافاق جمع فيه ما يتعلق بفنهم مع ذكر أسانيدهم وهو غريب في بابه يستوقف الراتع في مريع هضابه ولم يزل شيخا ومتكلما على جماعة الخطاطين والكتاب وعميدهم الذي يشار إليه عند الأرباب نسخ بيده عدة مصاحف وأحزاب وأما نسخ الدلائل فكثرتها لا تدخل تحت الحساب إلى أن طافت به المنية طواف الوداع ونثرت عقد ذلك الاجتماع وبموته انقرض نظام هذا الفن. ومات صاحبنا الأديب الماهر والنبيه الباهر نادرة العصر وقرة عين الدهر عثمان بن محمد بن حسين الشمسي وهو أجد الاخوة الأربعة أكثرهم معرفة وأغزرهم أدبا وأغوصهم في استخراج الدقائق واستنتاج الرقائق وامهم جميعا الشريفة رقية بنت السيد طه الحموي الحسيني ولد المترجم بمصر وربى في حجر ابويه وتعلق من صغره بمعرفة الفنون الغريبة فنال طرفا منها حسنا يليق عند المذاكرة وعرف الفرائض واستخرج منها طرقا غريبة في استحقاق المواريث في قسم الغرماء في شبابيك وله سليقة شعرية مقبولة وله معرفة باللغة جيدة يطالع كتبها ويحل عقدها ويسأل عن غرائب الفن ويغوص بذهنه على كل مستحسن ولقد نظم فرائض الدين وأسماء أهل بدر وغير ذلك وبالجملة أنه كان من محاسن الزمان توفي رحمة الله في اواخر شعبان مطعونا وخلف ولديه محمد جربجي وحسن جربجي احياهما الله حياة طيبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 ومات الأجل المبجل بقية السلف ونتيجة الخلف الوجيه الصالح النبيه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد شيخ سجادة جده سيدي عبد الوهاب الشعراني مات ابوه أحمد في سنة أربع وثمانين وتركه صغيرا دون البلوغ فكفلته امه فتولى السجادة الشيخ أحمد من اقاربه وتزوج بأمه وسكن بدارهم ولما شب المرتجم وترشد اشترك معه بالمناصفة ثم توفي الشيخ أحمد المذكور فاستقل بذلك ونشأ في عز وعفاف وصلاح وحسن حال ومعاشرة ومودة وعمر البيت حسا ومعنى وأحيا مآثر اجداده واسلافه وكان شديد الحياء والحشمة والتواضع والانكسار والخشية والحلم والتؤدة ومكارم الاخلاق ولما تم كماله بدا زواله واخترمته في شبابه يد الأجل فقطعت شمس عمره منطقة الأمل وخلف ابنا صغيرا يسمى سيدي قاسما بارك الله فيه. ومات أعز الإخوان واخص الأصدقاء والخلان النجيب الصالح والاريب الناجح شقيق النفس والروح وصحبته باب الخير والفتوح المتفنن النبيه سيدي إبراهيم بن محمد الغزالي بن محمد الدادة الشرايبي من اجل أهل بيت الثروة والمجد والعز والكرم وهو كان مسك ختامهم وبموته انقرض بقية نظامهم وقد تقدم استطراد بعض اوصافه في ترجمة المرحوم سيدي أحمد رفيق المرحوم رضوان كتخدا الجلفي ومنها حرصه على فعل الخير ومكارم الاخلاق وتقيد الزاد ليوم المعاد والصدقات الخفية والأفعال المرضية التي منها تفقد طلبة العلم الفقراء والمنقطعين ومواساتهم ومعونتهم وكان يشتري المصاحف والألواح الكثيرة ويفرقها بيد من يثق به على مكاتب أطفال المسلمين الفقراء معونة لهم على حفظ القرآن ويملأ الأسبلة للعطاش ولا يقبل من فلاحينه زيادة على المال المقرر ويعاون فقراءهم ويقرضهم التقاوي واحتياجات الزراعة وغيرها ويحسب لهم هدايا هم من أصل المال وكان يتفقه على العلامة الشيخ محمد العقاد المالكي ويحضر دروسه في كل يوم وبعد وفاته لازم حضور الشيخ عبد العليم الفيومي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وكان ينفق عليه وعلى عياله ويكسوهم ولم يزل سمح السجية بسام الثنية إلى أن بغته الطاعون حالا وكان موته ارتجالا فنضبت جداوله واستراحت حساده وعواذله وكان الله حسنة في صحائف الأيام والليالي وروضة تنبت الشكر في رياض المعالي. فلو بعت يوما منه بالدهر كله لفكرت دهرا ثانيا في ارتجاعه. ومات أيضا من بيتهم الأجل المكرم أحمد حلبي بن الأمير علي وكان شابا لطيف الذات مليح الصفات مقبول الطباع مهذب الاوضاع. ومات أيضا من بيتهم الأمير عثمان بن عبد الله معتوق المرحوم محمد جربجي وأن من أكابر بيتهم وبقية السلف من طبقتهم ذا وجاهة وعقل وحشمة وجلالة قدر. ومات أيضا من بيتهم الأمير رضوان صهر أحمد جلبي المذكور وكان إنسانا لا بأس به أيضا. ومات من بيتهم عدد كثير من النساء والصبيان والجواري في تلك الأيام المبددة منهم ومن غيرهم عقد النظام. ومات الصنو الفريد والعقد النضيد الذكي النبيه من ليس له في الفضل شبيه صاحبنا الأكرم وعزيزنا الافخم إبراهيم جلبي بن أحمد اغا البارودي نشأ مع اخويه علي ومصطفى في حجر والدهم في رفاهية وعز ولما مات والدهم في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف تزوجت والدتهم وهي ابنة إبراهيم كتخدا القزادغلي بمحمد خازندار زوجها وهو محمد اغا الذي اشتهر ذكره بعد ذلك فكفل أولاد سيده المذكورين وفتح بيتهم وعانى المترجم تحصيل الفضائل وطلب العلم ولازم حضور الدروس بالأزهر في كل يوم وتقيد بحضور الفقه على السيد أحمد الطحطاوي والشيخ أحمد الخانيوشي وفي المعقول على الشيخ محمد الخشني والشيخ علي الطحان حتى ادرك من ذلك الحظ الاوفر وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار ما يحتاج إليه من المسائل النقلية والعقلية وترونق بالفضائل وتحلى بالفواضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 إلى أن اقتنصه في ليل شبابه صياد المنية وضرب سورا بينه وبين الأمنية. ومات أيضا بعده بيومين أخوه سيدي علي وكان جميل الخصائل مليح الشمائل رقيق الطباع يشنف بحسن الفاظه الأسماع اخترمته المنية وحالت بساحة شبابه الرزية. ومات الصاحب الأمثل والاجل الأفضل حاوي المزايا المنزه عن النقائص والرزايا عبد الرحمن أفندي بن أحمد المعروف بالهلواتي كاتب كبير باب تفكشيان من أعيان أرباب الاقلام بديوان مصر كان اشتغل بطلب العلم ولازم حضور الاشياخ وحصل في المعقول والمنقول ما تميز به عن غيره من أهل ضناعته مع حسن الاخلاق وجميل الطباع وحضر علي الشيخ مصطفى الطائي كتاب الهداية في الفقه مشاركا لنا وأخذ أيضا الحديث عن السيد مرتضى وسمع معنا عليه كثيرا من الأجزاء والمسلسلات والصحيحين وغير ذلك وألف حاشية على مراقي الفلاح واقتنى كتبا نفيسة وكان يباحث ويناضل مع عدم الأدعاء وتهذيب النفس والسكون والتؤدة والأمارة والسيادة إلى أن أجاب الداعي ونعته النواعي واضمحل حال أبيه بعده وركبته الديون وجفاه الاخدان والمجنون وصار بحالة يرثى لها الشامت ويبكي حزنا عليه من يسمع ذكره من الناعت إلى أن توفي بعد بنحو سنتين. ومات الأمير المبجل والنبيه المفضل علي بن عبد الله الرومي الأصل مولى الأمير أحمد كتخدا صالح اشتراه سيده صغيرا فتربى في الحريم وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه وتعلم الفروسة ورمى السهام وترقى حتى عمل خازندار عنده. وكان بيته موردا للافاضل فكان يكرمهم ويحترمهم ويتعلم منهم العلم ثم أعتقه وأنزله حاكما في بعض ضياعه ثم رقاه إلى أن عمله رئيسا في باب المتفرقة وتوجه أميرا على طائفته صحبة الخزينة إلى الأبواب السلطانية مع شهامة وصرامة ثم عاد إلى مصر وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيرا وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وأتقن فن رمي النشاب إلى أن صار أستاذا فيه وانفرد في وقته في صنعة القسى والسهام والدهانات فلم يلحقه أهل عصره واضر بعينيه وعالجها كثيرا فلم يفده فصبر واحتسب ومع ذلك فيرد عليه أهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسى تركيبا وشدا ولقد اتاه وهو في هذه الضرارة رجل من أهل الروم اسمه حسن فانزله في بيته وعلمه هذه الصنعة حتى فاق في زمن قليل اقرانه وسلم له أهل عصره وسمع المترجم على شيخنا المذكور أكثر الصحيح بقراءة كل من الشريفين الفاضلين سليمان بن طه الأكراشي وعلي بن عبد الله بن أحمد وذلك بمنزله المطل على بركة الفيل وكذلك سمع عليه المسلسل بالعيد بشرطه وحديثين مسلسلين بيوم عاشوراء تخريج السيد المذكور أو أشياء آخر ضبطت عند كاتب الأسماء وأخذ الاجازة من الشيخ إسمعيل بن أبي المواهب الجلبي وكان عنده نفيسة في كل فن رحمه الله. ومات الشاب اللطيف المهذب الظريف الذي يحكي بادبه سنا الملك وابن العفيف محمد بن الحسن بن عبد الله الطيب ابوه مولى للقاسم الشرايبي مات أبوه في حداثته وكان مولد سنة أربع وستين ومائة وألف وكفله صهره سليمان بن محمد الكاتب أجد كتاب المقاطعة بالديوان ونشأ في الرفاهية والنعم وعانى طلب العلم فنال منه ما اخرجه من ربقة الجهل وتعلق بالعروض واخذه عنه الشيخ محمد بن إبراهيم العوفي المالكي فبرع فيه ونظم الشعر إلا أنه كان يعرض شعره للذم بالتزامه فيه ما لا يلزم توفي في غرة شعبان من السنة. ومات الصنو الفريد والنادرة الوحيد النبيه اللبيب والمفرد العجيب الفاضل الناظم الناثر سيدي عثمان بن أحمد الصفائي المصري تقدم ذكره في ترجمة والده أحمد أفندي كاتب الروزنامة بديوان مصر ونشأ هو في ظل النعمة والرفاهية وقرأ النحو المنطق على كل من الشيخ علي الطحان والشيخ مصطفى المرحومي حتى مهر فيهما وكان يباحث ويناضل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 ويناقش أهل العلم في المسائل العقلية والنقلية وقرأ علم العروض وأتقن نظم الشعر وجمع الظروف وكان فيه نوع من الخلاعة واللهو وله وله تخميس على البردة واشعار كثيرة ولم يزل رافلا في حلل السعادة حتى حلت بساحة شبابه الشهادة وتوفي مطعونا بمليج وهو ذاهب لموسم المولد الاحمدي بطندتا في شهر رجب وقد ناهز الأربعين وحضروا به إلى مصر محمولا على بعير فغسل وكفن ودفن عند والده رحمه الله. ومات الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد أحمد ابن السيد عبد السلام المغربي الفاسي نشأ في حجر والده وتربى في العز والرفاهية حتى كبر وترشد وأخذ واعطى وباع واشترى وشارك وعامل واشتهر ذكره وعرف بين التجار ومات أبوه واستقر مكانه في التجارة عرفته الناس زيادة عن أبيه وصار يسافر إلى الحجاز في كل سنة مقوما مثل ابيه وبنى داره ووسعها وأضاف إليها دكة الحسبة التي بجوار الفحامين وانشأ دارا عظيمة أيضا بخط الساكت بالازبكية وانضوى إليه السيد أحمد المحروقي واحبه واتحد به اتحادا كليا وكان له أخ من ابيه بالحجاز يعرف بالعرايشي من أكابر التجار ووكلائهم المشهورين ذو ثروة عظيمة فتوفي وصادف وصول المترجم حينئذ إلى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته وتزوج بزوجته وأخذ جواره وعبيده ورجع إلى مصر واتسع حاله زيادة على ما كان عليه وعظم صيته وصار عظيم التجار وشاه النبدر وسلم قياده وزمامه في الأخذ والعطاء وحساب الشركاء إلى السيد أحمد المحروقي وارتاح إليه لحذقه ونباهته ونجابته وسعادة جده ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية وحالت بينه وبين الأمنية وتوفي في شعبان مطعونا وغسل وكفن وصلى عليه بالمشهد الحسيني في مشهد حافل بعد العشاء الاخيرة في المشاغل ودفن عند أبيه بزاوية العربي بالقرب من الفحامين والتجأ السيد أحمد المحروقي إلى محمد اغا البارودي كتخدا إسمعيل بك فسعى إليه واقره مكانه وأقامه عوضه في كل شيء وتزوج بزوجاته وسكن داره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 واستولى على حواصله وبضائعه وامواله ونما أمره من حينئذ وأخذ واعطى ووهب وصانع الأمراء واصحاب الحل والعقد حتى وصل إلى ما وصل إليه وادرك ما لم يدركه غيره فيما سمعنا وراينا كما قيل: وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان ومات الأمير الكبير إسمعيل بك وأصله من مماليك إبراهيم كتخدا وانضوى إلى علي بك بلوط قبان فجعله اشراقه وأقره ونوه بشأنه وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم وزوجه بهانم ابنة إبراهيم كتخدا وعمل لهما مهما عظيما ببركة الفيل شهرا كاملا في سنة أربع وسبعين كما تقدم ذكر ذلك وكان من المهمات الجسيمة والمواسم العظيمة التي لم يتفق نظيرها بعده بمصر ولم يزل منظورا إليه في الأمارة مدة علي بك وأرسله في سرياته واعتمده في مهماته وبعثه إلى سويلم بن حبيب بتجريدة فلم يزل يحاربه حتى هزمه وفر إلى البحيرة فلحقه هناك ولم يزل يتبعه ويرصده حتى قتله وحضر برأسه إلى مخدومه وذلك في أواخر سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف. وسافر إلى الشام صحبة محمد بك أبي الذهب لمقاتلة عثمان باشا ابن العظم وأغاروا على البلاد الشامية وحاربوا يافا أربعة اشهر حتى ملكوها وسافر قبل ذلك في تجاويد الصعيد وحضر غالب مواقف الحروب مع محمد بك ومستقلا إلى أن بدت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك وخرج مع محمد بك إلى الصعيد وجرى بينهما الدم بقتله أيوب بك فأخرج إليه علي بك جردة عظيمة احتفل بها احتفالا زائدا وأميرها المترجم فلما التقى الجمعان القى عصاه وخامر على مولاه وانضم بمن معه إلى محمد بك فشد عضده وخان مخدومه وحصل ما حصل من تقلبهم واستيلائهم كما ذكر واستمر مع محمد بك يراعي حرمته ويقدمه على نفسه ولا يبرم أمرا إلا بعد مشاورته ومراجعته وتقلد الدفتردارية وأميرا على الحج سنتين بشهامة وسير حسن ولما مات محمد بك لم تطمح نفسه للتصدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 في الرياسة والأمارة بل تركها لاتباعه وقنع بحاله واقطاعه ولزم داره التي عمرها بالازبكية فناكدوه وطمعوا فيما لديه وقصد مراد بك اغتياله فخرج إلى خارج وتبعه المغرضون له ويوسف بك وغيره وحصل ما هو مسطر ومشروح في محله من تملكه وقتله يوسف بك وأسمعيل بك الصغير بمساعدة العلوية ثم غدروا به حتى آل الأمر به إلى الخروج إلى البلاد الشامية وافتراق جمعه ثم سافر إلى الروم مع بعض أتباعه ومماليكه وذهب منه غالب ما اجتمع لديه من الأموال وذهب إلى اسلامبول فأقام بها مدة ثم نفوه إلى شنق قلعة وخرج منها بحيلة تحيلها على حاكمها ثم ركب البحر إلى درنة ووصل خبر ذلك إلى الأمراء بمصر فخرج مراد بك ليقطع عليه الطريق الموصلة إلى قبلي وأرصد له عيونا ينتظرونه بالطريق وأقام على ذلك شهورا فلم يقفوا له على خبر وهو يتنقل عند العربان حتى أنه اختفى عند بعضهم نيفا وأربعين يوما في مغارة ثم إنه تحيل وأرسل من القى إلى مراد بك أنه مر من الجهة الفلانية بمعرفة الرصد المقيمين فحنق مراد بك وركب في الحال ليقطع عليه الطريق وتفرق الجمع من ذلك المكان فعند ذلك اجتاز إسمعيل بك ذلك الموضع وعداه في زي بعض العربان وخلص إلى القضاء الموصل للبلاد القبلية وذهب مراد بك في نهاية مشواره فلم ير أثرا لذلك الخبر فرجع إلى المكان الذي عرفوه سلوكه فوجد المرابطين على ماهم عليه من التيقظ إلى أن تحقق عنده أنه تحيل بذلك ومر وقت ارتحال مراد بك من ذلك الموضع فرجع بخفي حنين ولم يزل حتى كان ما كان ووصل حسن باشا على الصورة المتقدمة ورجع إلى مصر وتملكها واستقل بإمارتها بعد ثغر به تسع سنين ومقاساته الشدائد وظن أن الوقت قد صفا له واستكثر من شراء المماليك واحترقت داره وبناها احسن مما كانت عليه وحصن المدينة وسورها من عند طرا والجيزة وحصنها تحصينا عظيما من الجبل إلى البحر من الجهتين حتى أنه لما اصيب بالطاعون أحضر أمراءه وقال لعثمان بك: طبل بحضرتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 أنت كبير القوم الباقية فافتح عينك وشد حيلك فاني حصنت لكم البلد وصيرتها بحيث لو ملكتها امرأة لم يقدر عليها عدو وتمرض يومين ومات في الثالث سادس عشر شعبان من السنة وكان أميرا جليلا كفؤا للامارة جهوري الصوت عظيم الهمة بعيد الغور كبير التدبير يحب الصلحاء والعلماء ويتادب معهم ويواسيهم ويقبل شفاعتهم ويكرمهم وله فيهم اعتقاد عظيم حسن ولما مات غسل وكفن وصلي عليه في مصلى المؤمنين ودفن بتربة علي بك مع سيدهما إبراهيم كتخدا بالقرب من ضريح الإمام الشافعي بالقرافة ولم يفلح بعده خليفته عثمان بك واضاع مملكته وسلمها لاخصامه وأخصام سيده. ومات الأمير رضوان بك وهو ابن اخت علي بك الكبير أمره وقلده الصنجقية وجعله من الأمراء الكبار فلما مات خاله واستقل بالمملكة محمد بك انزوى وارتفعت عنه الأمرية وأقام بطالا هو وحسن بك الجداوي مدة أيام محمد بك فلما مات محمد بك وظهر بالإمارة إبراهيم بك ومراد بك لم يزل على خموله إلى أن وقع التفاقم بينهم وبين إسمعيل بك فانضم هو وحسن بك إلى إسمعيل بك وساعداه فرد لهما أمرياتهما ونوه بشأنهما ثم نافقا عليه وخذلاه عندما سافر معهما إلى قبلي وكانا هما السبب في غربته المدة الطويلة كما ذكر ثم وقع لهما ما وقع مع المحمدية وذهبا إلى الجهة القبلية وأقاما هناك فلما رجع إسمعيل بك من غيبته انضم إليهما ثانيا ولم يزل معهما وافترق منهما المترجم وحضر إلى مصر وانضم إلى المحمدية ولما حضر حسن باشا وخرج معهم رجع ثانيا بامان واستمر بمصر حتى حضر إسمعيل بك وحسن بك فأقام معهم أميرا ومتكلما وتصادق مع علي بك كتخدا الجاويشية وعقد معه المؤاخاة ونزل مرارا إلى الأقاليم وعسف بالبلاد ولما سافر حسن باشا وخلالهما الجو فجر وتجبر وصار يخطف الناس ويحبسهم ويصادرهم في اموالهم تعدى شره لكثير من الفقراء ولم يزل هذا شأنه حتى أطفأ صرصر الموت شعلته وحل بساحته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 الطاعون ولم يفلته وأراح الله منه العباد وكان أشقر خبيثا. ومات الأمير الأصيل رضوان بك بن خليل بن إبراهيم بك بلفيا من بيت المجد والعز والسيادة والرياسة وبيتهم من البيوت الجلية القديمة الشهيرة بمصر ولم يكن بمصر بيت عريق في الأمارة والسيادة إلا بيتهم وبيت قصبة رضوان وجميع أمراء مصر تنتهي سلسلتهم إليهما وبيت القازغلية أصل منشتهم ومغرس سيادتهم من بيت بلفيا كما تقدم لأن إبراهيم بك بلفيا جد المترجم مملوك مصطفى بك ومصطفى بك مملوك حسن اغا بلغيا وهو سيد مصطفى كتخدا القازدغلي ومصطفى هذا كان سراجا عند حسن اغا ورقاه وأمره حتى جعله كتخدا باب مستحفظان ونما أمره وعظم شأنه وباض وأفرخ فجميع طائفة القازدغلية تنتهي نسبتهم إليه كما ذكر ذلك غير مرة ولما توفي خليل بك والد المترجم في سنة خمس وثمانين بالحجاز في امارته على الحج وترك اخاه عبد الرحمن اغا وولده رضوان هذا ورجع بالحج عبد الرحمن اغا المذكور وبعد استقرارهم اجتمعت أعيان بيتهم وأرادوا تقليد عبد الرحمن أغا صنجقا عوضا عن أخيه فأبى ذلك فاتفقوا على تقليد ابن أخيه رضوان المذكور فكان كذلك وقلدوه الأمارة وفتح بيتهم وأحيا مآثرهم وانضم إليه أتباعهم وسار سيرا حسنا بعقل ورياسة لولا لثغة في لسانه وتقلد أمير الحج سنة 1192 وكان كفؤا لها وطلع ورجع في أمن وراحة ورخاء ولم يزل في سيادته حتى توفي في هذه السنة واضمحل بيتهم بموته وماتت أعيانهم وعظماؤهم وخرب البيت بالكلية وانمحت آثارهم وانطفأت انوارهم وبطلت خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما رأيته من خيراتهم في أيام رضوان بك هذا مائة قارىء من الحفظة يقرأون القرآن كل يوم في الأوقات الخمسة في كل وقت عشرون قارئا وقس على ذلك. ومات الأمير سليمان بك المعروف بالشابوري وأصله من مماليك سليمان كاويش القازدغلي فهو خشداش حسن كتخدا الشعراوي تقلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 الإمارة والصنجقية سنة تسع وستين ونفى مع حسن كتخدا المذكور وأحمد جاويش المجنون كما تقدم في سنة ثلاث وسبعين فلما كانات أيام علي بك وورد من الديار الرومية طلب الأمداد من مصر للغز وأرسل علي بك فاحضر المترجم وقلده امارة السفر فخرج بالعسكر في موكب على العادة القديمة وسافر بهم إلى الديار الرومية وذلك سنة ثلاث وثمانين ورجع بعد مدة وأقام بطالا محترما مرعي الجانب ينافق كبار الدولة وانضم إلى مراد بك فكان يجالسه ويسامره ويكرمه المذكور فلما حضر حسن باشا كان هو من جملة المتآمرين فلما استقر إسمعيل بك في إمارة مصر اعتنى به وقدمه ونظمه في عداد الأمراء لكبر سنه واقدميته وكان رجلا سليم الباطن لا بأس به توفي بالطاعون في هذه السنة. ومات الأمير الجليل عبد الرحمن بك عثمان وهو مملوك عثمان بك الجرجاوي الذي قتل في واقعة قراميدان أيام حمزة باشا سنة تسع وسبعين كما تقدم فقلدوا عبد الرحمن هذا عوضه في الصنجقية فكان كفؤا لها وكان متزوجا ببنت الخواجا عثمان حسون التاجر العظيم المشهور المتوفي في أيام الأمير عثمان بك ذي الفقار وخلف منها ولده حسن بك وكان المترجم حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل الصورة وجيه الطلعة وكان محمد بك أبو الطهب يحبه ويجله ويعظمه ويقبل قوله ولا يرد شفاعته وكان يميل بطبعه إلى المعارف ويحب أهل العلم والفضائل ويجيد لعب الشطرنج ومن مآثره أنه عمر جامع أبي هريرة الذي بالجيزة على الصفة التي هو عليها الآن وبنى بجانبه قصرا وذلك في سنة ثمان وثمانين ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع علماء الزهر على كرسي وأملى حديث من بنى لله مسجدا بحضرة الجمع وكان شيخنا السيد محمد مرتضى حاضرا وباقي العلماء والمشايخ والحقير في جملتهم وكنت حررت له المحراب على انحراف القبلة ثم انتقلنا إلى القصر ومدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 الاسمطة وبعدها الشربات والطيب وكان يوما سلطانيا توفي رحمه الله في شعبان بمنزله الذي بقيسون جوار بيت الشابوري ودفن عند سيده بالقرافة. ومات في أثره ولده حسن بك المذكور وكان فطنا نجيبا ويكتب الخط الجيد ويميل بطبعه إلى الفضائل ودويها منزها عما لا يعنيه من النقائص والرذائل عوض الله شبابه الجنة. ومات الأمير سليم بك الإسماعيلي من مماليك إسمعيل بك قلده الأمارة في سنة احدى وتسعين وخرج مع سيده إلى الشام ثم رجع إلى مصر بعد سفر سيده إلى الروم وأقام بها بطالا في بيته بجوار المشهد الحسيني ببعض خدم قليلة ويذهب إلى المسجد في الأوقات الخمسة فيصلى مع الجماعة ويتنفل كثيرا ولم يزل على ذلك حتى رجع سيده إلى مصر فرد له إمارته ورجع إلى داره الكبيرة وتقلد امارة الحج في سنة اثنتين ونزل إلى إقليم المنوفية وجمع المال والجمال ورجع وطلع بالحج وعاد في أمن وأمان ولم يزل في امارته حتى توفي بالطاعون في هذه السنة وكان طوالا جسيما خيره أقرب من شره. ومات الأمير علي بك المعروف بجركس الإسماعيلي وهو من مماليك إسمعيل بك أيضا وقلده الأمارة في مدته السابقة واسكنه ببيت صالح بك الذي بالكبش ولما تغرب سيده حضر إلى مصر وأقام خاملا وسكن بالكعكين وكان لطيفا مهذبا خفيف الروح ضحوك السن يحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم ويكرمهم ولما مات خشداشة إبراهيم بك قشطة تزوج بعده بزوجته بنت إسمعيل بك ولم يزل حتى توفي بعد سيده بأيام قليلة. ومات الأمير غيطاس بك وهو من بيت صالح بك تابع مصطفى بك القرد وكان يعرف أولا بغيطاس كاشف تقلد الأمارة في سنة مائتين وتولى امارة الحج في سنة 1201 فسار فيها سيرا حسنا وطلع بالحد ورجع مستورا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 واستمر أميرا إلى أن مات على فراشه بالطاعون في بيته بخط باب اللوق فقلدوا بعده مملوكه صالح امارته وهو موجود إلى الآن في الاحياء وكان المترجم أميرا جليلا محتشما قليل التبسم من رآه ظنه متكبر السكون جاشه وكان لا بأس به في الجملة. ومات الأمير علي بك الحسني وهو من مماليك حسن بك الجداوي قلده الأمارة في أيام حسن باشا وتزوج بزوجة مصطفى بك الداودية المعروف بالاسكندراني وكان لطيف الذات جميل الطباع سهل الانقياد قليل العناد توفي في رجب من السنة بالطاعون ودفن بالمشهد الحسيني بمدفن القضاة ووجدت عليه زوجته وجدا كثيرا. ومات الأمير رضوان كتخدا وهو من مماليك أحمد كتخدا المجنون تنقل في المناصب حتى تولي كتخدائية الباب بحشمة وشهامة وعقل وسكون ولما استقل إسمعيل بك في امارة مصر نوه بشأنه واحبه وصار في تلك الأيام أجد المتكلمين المشار إليهم في الأمر والنهي ونفاذ الكلمة والرياسة وكان قريبا إلى الخير واشتهر أكثر من سيده وصار له أولاد وعزوة واتباع ومماليك وبنى لأكبر أولاده دارا بدرب سعادة وسكن هو في بيت أستاذه توفي في اواخر شهر شعبان وكذلك أولاده وجواريه ومماليكه وخربت بيوتهم في أقل من شهر. ومات الأمير عثمان آغا مستحفظان الجلفي وأصله من مماليك رضوان كتخدا الجلفي وتربى عند خليل بك شيخ البلد القازدغلي ولم يزل يتنقل في خدم الأمراء ومعاشرتهم حتى تقلد الاغاوية في أيام إسمعيل بك ثم عزل عنها وتولاها ثانيا أياما قليلة ومات أيضا بالطاعون وخلف شيئا كثيرا من المال والنوال أخذه جميعه حسن بك الجداوي لأنه كان منضوبا إليه وفي طريقتهم أنهم يرثون من يكون منتسبا إليهم أو جارا لهم وكان إنسانا لا بأس به ومحضره خير ويحب اقتناء للكتب والمسامرة في الأخبار والنوادر مع ما فيه من نوع البلادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 ومات الأمير المبجل حسن أفندي شقبون كاتب الحوالة وأصله مملوك أحمد أفندي مملوك مصطفى أفندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الأعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن النادرة الوجود وكان قريبا إلى الخير محتشما في نفسه توفي أيضا بالطاعون وتبددت كتبه وذخائره. ومات الأمير محمد آغا البارودي وهو مملوك أحمد أغا مملوك إبراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت إبراهيم كتخدا من الست البارودية وهي أم أولاده إبراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الأمراء والأكابر وانضوى إلى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح إليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن الخدمة والسياسة وتنميق الأمور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الأمور الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما أمره واتسع حاله وانفتح بيته وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له ندماء وجلساء من اللطفاء وأولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك أكبر محاظية أم ولده أيوب وأتت إلى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد بك وزادت شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 معه واستمر بمصر وقبض عليه إسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف ببيته ثم نقلهما إلى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه وأفرج عنه وتقيد بخدمة إسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى على عقله فسلم إليه قياده في جميع اشغاله وارتاح إليه وجعله أمين الشون والضربخانة وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الإزدحام ببابه وجبيت إليه الأموال وصار الإيراد إليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لأحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء سأل عنه مخدومه أو أشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل أمراء الحاج في زمن إسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم والهجن والبغال وأرباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في أماكن بعيدة عن داره تحت أيدي مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث إذا اقتضى لأحدهم شيئا أتاه وأسر له في أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر أجد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج المحمل فلا يرى أمير الحاج إلا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة أيام وحضر إسمعيل بك والأمراء والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام أيام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع أربا الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز وأرباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الأيام من العظمة ما لم يبلغه أجد من نظرائه وكان إذا توجهت همته إلى أي شيء اتمه على الوجه الذي يريده ويقبل الرشوة وإذا أحب إنسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات مخدومه إسمعيل بك وتعين في الأمارة بعده عثمان بك طبل استوزره أيضا وسلمه قيادة في جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الأمراء القبليين عندما تضايق خناقه من حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور وتمكينهم من مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد إسمعيل بك بأربعة عشر يوما. ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد أفندي بن سليمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي بن مصطفى أفندي ككليويان ويقال لها: في اللغة العامية جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في ذلك وانتظم في عدد أرباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة بأهلتها وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الآلات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الأدعاء جميل الصحبة وقورا مات أيضا بالطاعون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 في شعبان وتبددت كتبه وآلاته. ومات أيضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب الأمير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الأرباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في ذلك واشتهر ذكره إلى أن قطعت يد الأجل نواره واطفأت رياح المنية أنواره. ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الأمير إسمعيل أفندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205 بالطاعون. ومات أيضا الجناب المكرم محمد أفندي باشقلفة وهو مملوك يوسف أفندي باشقلفة وخشداش محمد أفندي ثاني قلفة وعبد الرحمن أفندي وكان مليح بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه إلى أن وافاه الحمام وسارت نواعيه. ومات أيضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف أحمد أفندي الوزان بالضربخانة وكان إنسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا محبوبا لجميع الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 سنة ست ومائتين وألف استهل شهر محرم بيوم الأربعاء وفيه عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية إلى السفر إلى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات وأشياء وصالح إنما هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لاجراء الصلح على يد نعمان أفندي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ومحمود بك وكاد أن يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفى نعمان أفندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة أيام فلما رجعوا إلى مصر في هذه المرة عينوه أيضا لللإرسالية لسابقته ومعرفته بالاوضاع وكان صالح اغا هذا عندما حضروا إلى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب الأمراء لوداعه ونزل من مصر القديمة. وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في أيام الصليب ووقف جريان الخليج والترع وشرقت الاراضي فلم يرو منها إلا القليل جدا فارتفعت الغلال من السواحل والرقع وضجت الناس وايقنوا بالقحط وايسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من ريالين إلى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الاغا يركب إلى الرقع والسواحل ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار إبراهيم بك يركب إلى بولاق ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الاردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم ينجع وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الأمتثال وقت مرورهم فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك مع كثرة ورود الغلال ودخول المراكب وغالبها للأمراء وينقلونها إلى المخازن والبيوت. وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن الأمراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك أنه لما حضر السيد عمر أفندي بمكاتبتهم السابقة إلى الباشا يترجون وساطته في اجراء الصلح أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها أن من بمصر من الأمراء لا طاقة لهم بهم ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وأنهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم جوابا عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والاذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم وبين اخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكا ومدافع. وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الأمير الى مصر من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابا للباشا والأمراء فركب المشايخ ولا قوه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 بولاق وتوجه إلى بيته ولم يأت للسلام عليه أجد من الأمراء وانعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة قرش في كل يوم وقرأ هنا البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة. وفي شهر ربيع الأول عمل المولد النبوي بالازبكية وحضر مراد بك إلى هناك واصطلح مع محمد أفندي البكري وكان منحرفا عنه بسبب وديعته التي كان اودعها عنده واخذها حسن باشا فلما حضر إلى مصر وضع يده على قرية وكان اشتراها الأفندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه مراد بك منهما وحضر مراد بك إلى الشيخ في المولد وعمل له وليمة واستمر عنده حصة من الليل وخلع على الشيخ فروة سمور. وفيه عملوا ديوانا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل الميري بسبب شراقي البلاد. وفيه سافر محمد بك الألفي إلى جهة شرقية بلبيس. وفيه حضر إبراهيم بك إلى مسجد أستاذه للكشف عليه وعلى الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور إليه ثلاثة أيام وأخذ مفتاح الخزانة من محمد أفندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي وأعاد لها بعض وقفها المرصد عليها بعد أن كانت آلت إلى الخراب ولم يبق بها غير البواب إمام الباب. وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على انفار انزلوهم إلى التكية ببولاق ليلا في المشاغل ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم من فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضا وهرب كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية وضج الخلائق من ذلك. وفي مستهل جمادى الأولى كتبوا فرمانا بقبض مال الشراقي ونودي به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الاراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت الفيران جدا حتى اكلت الثمار من أعلى الاشجار والذي سلم من الدودة من الزرع اكله الفار ولم يحصل فيه هذه السنة ربيع للبهائم إلا في النادر جدا ورضي الناس بالعليق فلم يجد والتبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الأصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي خمسة انصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس واتباع الأجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان تسفين إلى غير ذلك. وفيه حضر صالح اغا من الديار الرومية. وفي شهر شوال سافر أيضا بهدية ومكاتبات إلى الدولة ورجالها. وفي شهر القعدة وردت الأخبار بعزل الصدر الأعظم يوسف باشا وتولية محمد باشا ملكا وكان صالح اغا قد وصل إلى الأسكندرية فغيروا المكاتبات وأرسلوها اليه. وفيه حضر اغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع بمكب إلى القلعة وعملوا له شنكا. وفي اواخر شهر الحجة شرع إبراهيم بك في زواج ابنته عديلة هانم للامير إبراهيم بك المعروف بالوالي أمير الحج سابقا وعمر لها بيتا مخصوصا بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من الأواني والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري إمام البيوت الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الأمراء والأكابر والتجار ودعا إبراهيم بك الباشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم له إبراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 هندية وشبقات دخان مجوهره وعملوا الزقة في رابع المحرم يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من غير ملاعيب ولا خزعبلات والأمراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها. وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون. وفيه وصلت الأخبار بأن علي بك انفصل من حسن بك ومن معه وسافر على جهة القصير وذهب إلى جدة. وأما من مات في هذه السنة. مات الإمام الذي لمعت أفق الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الإغراق ولا تلحقه حركات الافكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر أشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح المكودي على الألفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الأعراب وحضر على الشيخ حسن المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي عياض وجامع الترمذي وسنن أبي داود وعلى الشيخ أحمد الجوهري شرح أم البراهين لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي وصحيح مسلم وشرح العقائد النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الرجيبه ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الإسلام وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة وشرح الشريف الحسيني علىهداية الحكمة قال وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به وقرأت فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير الأبصار وشرح ملا مسكين على الكنز وعلى الشيخ عطية الاجهوري شرح المنهج مرتين بقراءته لاكثر وشرح جمع الجوامع للمحلى وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الاشموني على الألفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الإسلام والعصام على السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصى وشرح الاجرومية لريحان اغا وعلى الشيخ على العدوى مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الإسلام على ألفية المصطلح بقراءته لاكثره وشرح بن عبد الحق على البسملة لشيخ الإسلام ومتن الحكم لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال: وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على منهج السادة الشاذلية على الأستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة الطويلة وانتفعت بمدده ظاهرا وباطنا قال وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من رحيق شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الأكابر والأصاغر ومطمح انظار أولى الأبصار والبصائر أبي الأنوار محمد السادات ابن وفا نفحنا الله واياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة اسلافه بأبي العرفان وكتب لي سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الأشراق عن عمه السيد أبي الخير عبد الخالق عن أخيه السيد أبي الارشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب عن ولد عمه السيد بحيى أبي اللطف إلى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه الله تعالى ولم يزل المترجم يخدم العمل ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم العقلية والنقلية وقرأ الكتب المعتبرة في حياة أشياخه وربى التلاميذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازما له مع الجماعة ليلا ونهارا وأكتسب من اخلاقه ولطائفة وكذلك بعد وفاته لم يزل على حبه ومودته مع الحقير وانضوى إلى أستاذ نا السيد أبي الأنوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وآشرقت عليه أنواره ولاحت عليه مكارمه وأسراره ومن تآليفه حاشيته على الاشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفنها أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض وشرحها ونظم أسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان ورسالتان على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري ومسلم وكان في مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقا للخمول والأملاق متكلا على مولاه الرزاق يستجدي مع العفة ويستدر من غير كلفة وتنزل أياما في وظيفة التوقيت بالصلاحية بضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد بك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تنزل المترجم أيضا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانا بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل أمر وقفة تركه واشترى له منزلا صغيرا بحارة الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله أفندي القاضي المعروف بططر زاده وكان متضلعا من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ محمد الجناجي واجتمعا به اعجب بهما وشهد بفضلهما وأكرمهما وكذلك سليمان أفندي الرئيس فعند ذلك راج أمر المترجم وأثرى حاله بالملابس وركب البغال وتعرف أيضا باسمعيل كتخدا حسن باشا وتردد إليه قبل ولايته فلما أتته الولاية بمصر زاد في إكرامه وأولاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 بره ورتب له كفاتيه في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا من كلاره من لحم وسمن وارز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوى وفراء وأقبلت عليه الدنيا وازداد وجاهة وشهرة عمل فرحا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا لدعوته وأنعم عليه الباشا بدراهم لها صورة وألبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا أرسل إليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادىء ظهور الطاعون في العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي الأكام وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الأولى من السنة وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل الصالح الشيخ علي بارك الله فيه. ومات السيد السند الإمام الفهامة المعتمد فريد عصره ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد بأحكام شريعة جده حتى ابان صبح يقينها السيد العلامة أبي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي الدمشقي اعاد الله علينا من بركاته علومهم في الدنيا والاخرة من بيت العلم والجلالة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وأن لم نره لكن سمعنا خبره ووردت علينا منه مكاتبات ووشى طروسة المحبرات وتناقل إلينا أوصافه الجميلة ومكارم اخلاقه الجليلة وكان شامة الشام وغرة الليالي وأيام اورق عوده بالشام واثمر ونشأ بها في حجر والده والدهر أبيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع في العلوم والادبيات واللغة التركية والانشاء والتوقيع ومهر وانجب واجتمعت فيه المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع الطف خلق يسعى اللطف لينظر إليه ورقيق محاسن يقف الكمال متحيرا لديه وأنا وأن لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الأخبار احدى الروايتين ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 الإشراف باجماع الخاص والعام وسار فيها احسن سير وزين بمآثره العلوم النفلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والأيام فلا تزال تصدح ورق الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرما بصيد الشوارد وقيد الاوابد واستعلام الأخبار وجمع الاثار وتراجم العصريين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء البلدان البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم أهل بلاده وأخبار أعيان أهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب الأعظم الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فإنه كان راسل شيخنا السيد محمد مرتضى والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات واتحفه بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم يذكر السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير أيضا ما تيسر جمعه وذهبت به يوما وعنده بعض الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرا وطار حتى وطارحته في نحو ذلك بمسمع من المجالس ولم يلبث السيد إلا قليلا وأجاب الداعي وتنوسي هذا الأمر شهورا ووصل نعي السيد إلى المترجم والصورة الواقعة وكانت أوراق السيد مختوما عليها فعند ذلك أرسل إلي كتابا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه السيد من اوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه أيضا وإرساله وانتقل المترجم بعد ذلك لامور اوجبت رحلته منها إلى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسلاته في سنة خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردي يانع غصنه الرطيب فاحتضر وأحضر بأمر الملك المقتدر لا زال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في اواخر صفر من هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة ولم يخلف بعده في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الفضائل والمكارم مثله. ومات الإمام المفوه من غذى بلبان الفضل وليدا وعدلبيد إذا قيس بفصاحته بليدا من له في المعالي ارومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والانشاء ويعرف بالمتقي من أولاد الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من أكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله ميرغني ولد بالطائف بها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الاحسانية وأحبه السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الأوهام وأخذ بالحرمين عن عدة علماء كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم إلا أنه غلب عليه التصوف وعرف منه ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة ومحاورات ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 1174 وسكن ببيت الشيخ محسن علي الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض الانس نضيرا وماء المصافاة نميرا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم السيد إسمعيل المواهبي فقد عده من شيوخه واثنى عليه ودخل بلاد الروم وانعم بالمروم وعاد إلى الحرمين وقوض عن الأسفار الخيام. وللسيد العيدروس قصيدة بائية أرسلها له وهي بليغة مطولة وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجا كأصلها علىلسان القوم ولما حج الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل إليه مع الركب والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال وأولئك الذين رأوا كلامه فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول والاتحاذ وهو أن شاء الله تعالى مبرأ مما نسب إليه ولما اجتمع به العلامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان أنيسا له في سائر احواله قال اختبرته حق الاختبار فلم اجد له إلا لسانا وهو مثار وبعد اشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي من اموره أشياء غريبة والمترجم معذور فإن ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع كلام مثل كلامه لانهم الفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على أذهانهم نوادر أهل العرفان ولا تسوروا حصونها المنيعة ولأهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل إليه في كل قليل وكان له ولد يسمى جعفرا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين وأقام معنا برهة يغدو إلينا ويبيت ويروح لزيارة بعض احباب ابيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات إذ ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 سنة سبع ومائتين وألف . استهل المحرم بيوم الخميس والأمر في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات أهلها وانتشارهم بالمدينة حتى ملؤا الأسواق والازقة رجالا ونساء وأطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع. وفيه أيضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة أيام وكان ناقصا عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الأحوال وانقطعت الأمال وكان الناس ينتظرون الفرج بزيادة النيل فلما نقص انقطع أملهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الإردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر ريالا والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الأوقية من الخبز بنصف فضة ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الأمر إلى أن صار الناس يفتشون على الغلة فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الأعيان وغيرهم إلا مذاكرة القمح والفول والأكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 تكاد تقع الارجل الأعلى خلائق مطروحين بالازقة وإذا وقع حمارا وفرس تزاحموا عليه وأكلوه نيا ولو كان منتنا حتى صاروا يأكلون الاطفال ولما انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت اكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب اصحاب المقدرة الأرض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقم والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوى بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود أيضا ولم ينزل من السماء قطرة ولا أندية ولا صقيع بل كان في أوائل كيهلك شرودات واهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالارياف إلا القليل من الفلاحين وعمهم الموت والجلاء. وفي أواخر شهر ربيع الأول حضر صالح اغا من الديار الرومية وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع احداها للباشا والاخريان لإبراهيم بك ومراد بك فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع وأحضر صحبته صالح آغا وكالة دار السعادة وانتزعها من مصطفى اغا واستولى على ملابلها. وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان وسكون ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر إلى أربعة عشر ريالا الإردب وأما التبن فلا يكاد يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على ايصاله لداره أو دابته بل يبادر لخطفه السواس واتباع الأجناد في الطريق وإذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في مكان كبسوا عليه وأخذوه قهرا فكان غالب مؤنة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير من الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس والنجيل الناشف ويأتون به ويطوفون به الأسواق ويبيعونه بأغلى الأثمان ويتضارب على شرائه الناس وأن صادفهم السواس والقواسة خطفوه من على رؤوسهم وأخذوه قهرا. وفيه وصلت الأخبار بأن علي بك الدفتردار لما سافر من القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب إلى غزة وأرسل سرا إلى مصر وطلب رجلا نصرانيا من اتباعه فذهب إليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 احتياجات ولما وصل إلى جهة غزة أرسل إلى أحمد باشا الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلا ورجالا فذهب إليه وصحبته نحو الثلاثين نفرا لا غير فلما وصل إلى قرب عكا خرج إليه أحمد باشا ولاقاه ووجهه إلى حيفا ورتب لهم بها رواتب وأما مراد بك فإنه خرج إلى بر الجيزة من أول السنة وجلس في قصر إسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب الصناع والحدادين وشرع في انشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه وانشأ به بستانا عظيما وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي إلى ثغر الأسكندرية وجبى الأموال في طريقه من البلاد. وفي يوم الأربعاء سابع عشرين ربيع الآخر وخامس كيهك القبطي امطرت السماء مطرا متوسطا وفرح به الناس. وفي يوم السبت غرة جمادى الأولى عدى مراد بك من بر الجيزة فدخل إلى بيته واخبروا عن عثمان بك الشرقاوي أنه رجع إلى رشيد ثم في رابعه حضر المذكور إلى مصر. وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وإبراهيم بك وباقي أمرائهم إلى جهة العادلية فأقاموا أياما قليلة ثم ذهب مراد بك إلى ناحية أبو زعبل وكذلك إبراهيم بك الوالي وصحبته جماعة من الأمراء إلى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب اتباعهم ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما يجدونه من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبا فأما مراد بك فإنه لما وصل إلى أبو زعبل وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لاجنية لهم فنهبهم وأخذ اغنامهم ومواشيهم وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصا ما بين غلمان وشيوخ وأقام هناك يوما وقبض على مشايخ البلد أبى زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة أجد عشر ألف ريال ولم يقبل فيهم شفاعة أستاذ هم وشتمه وضربه بالعصا وأما عرب الجزيرة فإنهم ارتحلوا من أماكنهم. وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب احتراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة من حد المقياس إلى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلول جدول تخوضه الأولاد الصغار ولا يمر به إلا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي إلا ما تحمله المراكب الصغار باضعاف الاجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا إلى سد الترعة رجلا مسلماني وصحبته جماعة من الافرنج وأحضروا الاخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبا من كفر الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما أتموا ذلك كانت الصناع فرغت من تطبيق الواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي مسمرة بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة علىما يوازيها من نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فإذا نزلوا ببوابة آلحموها بتلك الخوابير وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوأة بالحصا والرمل من إمام ومن خلف وتبع ذلك الرجال الكثيرة بغلقان الأتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم يبق إلا اليسير ثم حصل الفتور في العمل بسبب أن المباشر على ذلك أرسل لمراد بك بالحضور ليكون اتمامها بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الانعام فلم يحضر مراد بك وغلبهم الماء وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرا وفي نفسه أن لا يتم ذلك لأجل بلاده فأصبح مرتحلا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في ذلك من أوائل شعبان إلى اواسط شوال ثم نزل إليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب موسوقة بالاحجار وشرعوا في عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا أيضا خوابير كثيرة وألقوا احجارا عظيمة وفرغت الاحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون فشرعوا في هدم الأبنية القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا احجار الطواحين التي بالبلاد القريبة من العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل ورجعوا كالاول وذهب في ذلك من الأموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 والاخشاب والحديد ما لا يحد ولا يعد. وفي أوائل شوال ورد الخبر بأن علي بك سافر من عند أحمد باشا إلى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول ارسلوا من وجهه إلى برصا ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي. من مات في هذه السنة ممن له ذكر. مات السيد الإمام العارف القطب عفيف الدين أبو السيادة عبد الله ابن إبراهيم بن حسن بن محمد امين بن علي ميرغني بن حسن بن مير خوردابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن أحمد بن علي بن إبراهيم ابن يحيى بن عيسى بن أبي بكر بن علي بن محمد بن إسمعيل ابن ميرخورد البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن محمدالجوار الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد يوسف المهدلي وكان إذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب إليه ولازمه حتى رقاه وبعد وفاته جذبته عناية الحق وارته من المقامات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان اويسيا تلقيه من حضر جده صلى الله عليه وسلم كما أشار إلى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة 1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه إليه من صندوق قال وطلبت منه الاجازة واسناد كتب الحديث فقال غنى عنه قال فعلمت أنه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة والسلام وانتقل إلى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر شهيرة ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء وأحوله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة ومن مؤلفاته كتاب فرائض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وواجبات الإسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره احدهما المسمى بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه وسلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز الحقائق والبدر المنير وهو في أربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري وقرأه دروسا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق الأنوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة. ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن يوسف الشنواني المصري الشافعي المكني بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف أيضا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية ابنة القاضي جلبي بن أحمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان الغرف بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ المقرى حجازي بن غنام تلميذ الزميلي وجود الخط المنسوب على الشيخ أحمد بن إسمعيل الافقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده كثيرا من المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الأحياء للغزالي والأمثال للميداني وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ كالشهابين الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي ومحمد بن النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد إلى مصر ولازم معنا كثيرا على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخارى بطرفيه ومسلما بطرفيه وسنن أبي داود إلى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري وثلاثيات الدرامي والحلية لأبي نعيم من أوله إلى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة بحدودها في ضمن إجازته باسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظا للنوادر من الاشعار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي سابع عشرين جمادى الأولى من السنة. ومات الإمام الفقيه المحدث البارع المتبحر علام المغرب الشيخ أبو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة 1128 وأخذ عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارع الأكتفاء والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب أحمد بن عبد العزيزالهلالي السجلماسي قرأ عليهما الموطا وغيرها والشهاب أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق والكلام والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارىء بين يديه مدة مديدة وأذن له في اقراء الصحيح في حياته فألقى دروسا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين ومائة وألف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال وكلمته يوما في شأن الحج متمنيا له ذلك فقال لي مشيرا إلى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ أن الناس قالوا لي جعلناك في حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج واعطيك ألف دينار وألف مثقال إن شاء الله تعالى قال: ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع صاحب التآليف أبو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبا منها رسالة بن أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعه شروح وحواش والحكم والشمائل وجميع الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي أبو البقاء يعيش بن الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفا من الصحيح توفي سنة 1150 كان منزله بالدوخ في أطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلا فدافع عن حريمه وقاتلهم حتى قتل شهيدا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الأنام أبو العباس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 أحمد بن أحمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي من أوله إلى الوديعة أو العارية وسمع عليه بعض التفسير من أوله ومنهم الفقيه الزاهد القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد والحكم والتفسير من أوله إلى سورة النساء ومنهم الإمام الناسك الزاهد أبو عبد الله محمد بن جلون قرأ عليه الاجرومية وختم عليه الألفية مرتين والمختصر الخليلي من أوله إلى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والاتقان والتحرير وهو أول شيخ أخذ عليه وذلك قبل البلوغ وكان إذا قام من دروسه عرض على نفسه ماقاله فيجده لا يدع منه حرفا واحدا ومنهم سيبويه زمانه أبو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه الألفية فكان يملي من حفظه في اثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل والرضي والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص ومن انصافه أنه لما قرب اواخره بلغه أن الشيخ بن مبارك يريد أن يقرأه فقام مع جماعة وذهب إليه ليسمع منه وهذا من حسن انصافه واعترافه بالحق ومنهم أبو العباس أحمد بن علال الوجاري قرأ عليه الألفية بلفظة ثلاث مرات وشيئا من التسهيل والمغنى وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام أنه قرأ الألفية ألف مرة فقال له بعض من سمعه وكم قرأتها قال أما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من إجازة المترجم للشيخ أحمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث وألف وحج المترجم فقدم مصر سنة أحدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسا حافلا بالجامع الأزهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من العلماء واجاد في تقريره وافاد وسمع عليه الكثير أوائل الكتب الستة والشمائل والحكم وغيرها واجاز ولقي بمكة أبا زبد عبد الرحمن بن اسلم اليمني وأبا محمد حسين بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ إبراهيم الزمزمي وغيرهم وبالمدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 أبا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وابا الحسن السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم واجازوه واجازهم وعاد إلى مصر واجتمع بفاضلها كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو الأكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرا وتلقى عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة إقامته بمصر فكنا نطالع معهما سوية صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ أحمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي المطالع والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل علينا فهمه وهو معنا في ناحية أخرى واوقفت سيدي أبا بكر على طريق رسم ربع الدائرة المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1193 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وارخه إلى آخره ابتداء التاريخ من الزاي من زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة المغاربة إلا أنه يزيد واحدا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة أربع وتسعين ومائة وألف كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في أربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارح خليل وشرحان على الأربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن عاصم في القضاء والأحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما ينتظم منه بيت المال وحاشية علي بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح المشارق للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة 1203 فقبلها كرها وكانت فتاويه مسددة واحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة والاتقان وبالجملة فكان عين الأعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب الصورة يغلب دلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع الاختلاف والاضطراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 بين أولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأى المترجم فاختار المولى سليمان وبايعه على الأمر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصره الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده ابنه سيدي أبو بكر في سنة عشر ومائتين وألف. ومات الإمام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ أحمد بن محمد بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الاخير يعرف بأبي شوشة وله مقام بزار بام خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد البليدي وصار معيدا لدروسه بالأزهر والاشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا كليا وانتسب إليه وأجازه إجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر لإقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازما لحضور شيخه من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب إليهم وواسوه بالصلاة والزكوات النذور وواظب الاقراء بالأزهر أيضا وزيارة مشاهد الأولياء واحياء لياليها بقراءة القرآن والذكر ويقوم دائما من الثلث الأخير من الليل ويذهب إلى المشهد الحسيني ويصلي الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على استجلابها وامسكاها وبآخرة اشترى دارا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الأزهر وانتقل إليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع إلى بين الكيمان فأراد الهروب وكان جسيما فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل إلى داره وعالج نفسه شهورا حتى عوفي قليلا ولم يزل تعاوده الأمراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط إلا وهو يتلو قرآنا أو يطالع كتابا سامحه الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 ومات الإمام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ محمد ابن أحمد بن خضر الخربتاوي المالكي الأزهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وانجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر والنظم وحصل كتبا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل البيت ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظا بديعا ولم يزل المترجم مقبلا على شأنه مواظبا على دروسه حتى توفي في هذه السنة رحمه الله. ومات الأجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن عبد الحافظ أفندي أبو ذاكر الخلوتي الحنفي أخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ أحمد الحماقي وأدرك الأسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته احدى وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء مطلقا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائما وعنده الأغنام والدجاج والأوز والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم واطعامهم وسقيهم الماء بنفسه ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بأن الجن تخدمه وليس ببعيد لأنه كان من أهل المعارف والاسرار ويأتي إليه الكثير من الطلبة للأخذ عنه والتلقي منه وكان له يد طولي في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والأسماء والروحانيات والأوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير ويعرفها بالواحد بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانه وهذه كمونة بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة إلى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من هذه السنة. ومات الإمام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وجوده وحضر إلى مصر المتون وتفقه على الاشياخ المتقدمين كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول والمنقول وأملى الدروس بالأزهر وجامع أزبك وانتفع به الناس كان يتردد إلى بيوت بعض الأعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار للمناسبات والأشعار واللطائف لا يمل حديث ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله. ومات الإمام العلامة الفقيه النحوي الأصولي الجدلي النحرير الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الأزهري المصري حضر شيوخ العصر ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الاخيروبه وبه تخرج وكان يقرأ الكتب ويقرر الدروس بدون مطالعة إلا أنه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة غالب ايامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وأن قلت وكانت سليقته جيدة في النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض ومنظومة في البان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكات لامية بن الوردي كبرى الملوي على السمرقندية توفي في اواخر شعبان من السنة. ومات الإمام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ يوسف ابن عبد الله بن منصور السنبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ أحمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي وغيرهم من الاشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الاقراء وكان إنسانا وجيها محتشما ساكن الجاش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الاحيان لبعض الأمور الضرورية ولم يزل حتى تعلل وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى. ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الإمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ القرآن وحضر الاشياخ وتفقه في مذهب ابيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرا من الفروع الغريبة في المذهب والرياضيات وأقراني في حال الصغر شيئا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض رعوته فانتقل إلى مذهب أبي حنيفة واخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 1187 واملق حاله وتكدر باله وسافر بآخرة إلى دمياط وأقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره هناك لشغور الثغر عن مثله ثم قدم مصر لامر عرض له فأقام بمصر وأراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان إنسانا حسنا يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في هذه السنة وحيدا في داره وهو جالس. ومات المجذوب المعتقد السيد علي البكري أقام سنينا متجردا ويمشي في الأسواق عريانا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب أوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون إلى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على حسب أغراضهم ومقتضيات احولهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا إليه الهدايا والنذور وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بالجوع طاويا من غير أكل بالازقة في الشتا والصيف وقيد به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولا يزال يحدث نفسه ويخلط في الفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الألفاظ لما في نفس بعض الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم ويحتمل أن يكون كذلك فإنه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب نسبتهم هذه أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا أنهم من البكرية ولم يزل هذه حالة حتى توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق ويختلط النساء بالرجال ومات أخوه أيضا بعده بنحو سنتين. ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق أفندي اللازجي الحنفي ولد سنة 1174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره وحفظ في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على ابيه وقرأ عليه علم الصرف وحضر على بعض الأشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي وأخذ عنه النحو وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالأزهر ثم تصدر للإفادة والمطالعة لطلبة الأتراك المجاورين برواق الأورام ولبس له تاجا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيما جسيما بهي الطلعة أبيض اللون رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من ابناء العرب والأتراك والأمراء والأجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره علي أغا مستحفظان وهام فيه وأحبه وصار يتردد إليه كثيرا ويذهب هو أيضا إلى داره كثيرا وكان والده متوليا على وقف اسكند ومشيخة التكية بباب الخرق فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق أنه حاسب المباشر على ذلك وهو الشيخ أحمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا المذكور فطلب الشيخ أحمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم وهابه الناس وأكثر من الترداد إلى بيوت الأمراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى أفندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة وذهب إلى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب أهل الرواق وأبو مشيخته عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا إلى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي إلى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من وقف رواقهم ودعا إليه الأعيان والأكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله وأقبلت عليه الدنيا من كل جهة ومات أبوه في سنة أربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته أيضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق أنه لما حضر حسن باشا إلى مصر فحضر مرة إلى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن أحواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب إلى حسن باشا وكلمه فرق له ورحم شيبته وأمر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى أحضر حسن باشا إلى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق أنه حاسب المباشر على ذلك وهو الشيخ أحمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا المذكور فطلب الشيخ أحمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم وهابه الناس وأكثر من الترداد إلى بيوت الأمراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى أفندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة وذهب إلى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب أهل الرواق وأبو مشيخته عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا إلى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي إلى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من وقف رواقهم ودعا إليه الأعيان والأكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله وأقبلت عليه الدنيا من كل جهة ومات أبوه في سنة أربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته أيضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق أنه لما حضر حسن باشا إلى مصر فحضر مرة إلى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن أحواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب إلى حسن باشا وكلمه فرق له ورحم شيبته وأمر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى أحضر حسن باشا إلى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 سنة ثمان ومائتين وألف . فيها أوفى النيل أذرعه في سادس عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الأسعار وبورك في رمي الغلال حتى أن الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل إلى الزيادة المتوسطة وثبت إلى أول بابه وشمل الماء غالب الأرض بسبب التفات الناس لسد المجارى وحفر الترع واصلاح الجسور. وفي أوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا. ومن الحوادث أن الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا لحضوره ولم يذهب إليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل إبراهيم بك هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر أن العرب تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل واحرقوه وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة أيام ثم أحضره العرب وهو عريان في أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه إلى قلعة العقبة وتركهم الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة ما لا مزيد عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الألفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من الطوابين والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع والتعب فلما وصلوا إلى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج ذهب إلى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الأمان ولم يزوروا المدينة في هذه السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة من الأموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا أن مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم لم يتفق مثله من مدة مديدة. وفي يوم الإثنين غرة ربيع الأول دخل باقي الحجاج على مثل حالة من وصل منهم قبل ذلك. وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة آلاف واربعمائة كيس وعشرة آلاف وخمسة واربعون نصفا فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير. وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين ألف ريال وأرسلوا إلى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لأنه قتل في معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك مراد بك وهي بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وأرسلت جماعة لاحضار رمته من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت. وفيه شرع الأمراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الأموال المطلوبة وقرروها عال وهو أربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم. وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا أيوب بك بامان لعثمان بك ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وفي عشرين جمادى الأولى وصل عثمان بك طبل الإسماعيلي أمير الحاج إلى مصر مكسوف البال ودخل إلى بيته. وفيه حضر الصدر الأعظم يوسف باشا إلى الأسكندرية ليتوجه إلى الحجاز فاعتنى الأمراء بشأنه وأرسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر العيني ووصل إلى مصر وطلع من المراكب إلى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على إبراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم لهما حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع إلى القلعة وأقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الإبراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا. وفي يوم الأحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا إلى القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده إلى بعد الظهر ونزل في موكب حافل إلى محله بقصر العيني وأرسل له إبراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك وأقام بالقصر أياما وقضوا أشغاله وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الأخرى. من مات فيها من الأعيان ومن سارت بذكرهم الركبان. مات نادرة الدهر وغرة وجه العصر إنسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده الحسيب النسيب والنجيب الأريب السيد محمد أفندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية ونقيب السادة الأشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع حسن منظر تتزاحم عليه وفود الأبصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الأمثال وأخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الأمكان زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر: أما الكمال فلك ولم يزل كذلك إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند أجداده بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الأيام ولما مات تولى سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل أفندي وتقلد النقابة السيد عمر أفندي الأسيوطي. ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الأداب الوريقة وظلها الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الإمام العلامة الشيخ أحمد ابن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي الشافعي الأزهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وقدم الأزهر فسمع على الشيخ أحمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن أبي جمرة والشمائل وابن حجر على الأربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها إلى الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ إبراهيم الحلبي وإبراهيم بن محمد الدلجي ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي عصره الشيخ أحمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه إحدى بناته وبشره بأنه سيسود ويكون شيخ الجامع الأزهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ أحمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الإشارة عليه واجتمعوا بمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير حق الصحبة القديمة والمحبة الأكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا مهذبا إذا تحدث نفت الدر وإذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بمدفن صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك وخلف أولاده الأربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله بالأزهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه النبيه الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم. ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر وتعاطى التجارة وسافر إلى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى ظهرت فيه نجابة وسعادة حتى كان إذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد الأمور فاشتهر ذكره ونسا أمره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية والرومية وعرف بالصدق والأمانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله ورأيه واحبه الأمراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات وتؤدة وسياسة ولطف وأدب وحسن تخلص في الأمور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي أحمد الموجود الآن وعمل له مهما عظيما دعا إليه الأكابر والأعيان والتجار وتفاخر فيه إلى الغاية وعمر مسجدا بجوار بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الإتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان إنسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع مليح الأوضاع ظاهر العفاف كامل الأوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع الحجاج في إمارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في أحمال مجملة وهيئة زائدة مكملة فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله. ومات الأمير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك واعطاه لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الأمور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده على تعلقاته وبلاده ونما أمره وانتظم في سلك الأمراء المحمدية لكونه في الأصل مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا شديدا وأرسلت مع العرب ونقلته إلى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة هي الآن زوجة لسليمان بك المرادي. ومات الأمير شاهين بك الحسني وقد تقدم أنه كان حضر إلى مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي أمره أيام حسن باشا وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار من جملة الأمراء المعدودين ولما مات إسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده وأقام بمصر وكان سبب موته أن إنسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والأفراح وأن من أكل من أصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من أتى له بشي منها من البستان وأكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات وتسكين فعلها إذا بلغت غايتها أن يمتص شيئا من الليمون المالح فإنها تسكن في الحال ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء. ومات الأمير أحمد بك الوالي بقبلي وهو أيضا مملوك حسن بك الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع أهل الحسينية وغيرهم في أيام زعامته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 سنة تسع ومائتين وألف ... سنة تسع ومائتي وألف. لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية سوى جور الأمراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح اغا أيضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك. وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والأمراء وجرى الماء في الخليج. وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا وإلى مصر إلى اسكندرية وأخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر إلى جهة اسكندرية. وفي عشرين شهر ربيع الأول وصل صالح باشا إلى مصر وطلع القلعة. وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة إلى محمد باشا عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب صحبته ليشيعه إلى اسكندرية فأنعم إليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف فضة في كل يوم. وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي. وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث أن الشيخ الشرقاوي له حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر إليه أهلها وشكوا من محمد بك الألفي وذكروا أن اتباعه حضروا إليهم وظلموهم وطلبوا منهم ما لا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ وحضر إلى الأزهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك وإبراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وأمروا الناس بغلق الأسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم وذهبوا إلى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 بحيث يراهم إبراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله أيوب بك الدفتردار فحضر إليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا له نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها واحدثتموها فقال: لا يمكن الإجابة إلى هذا كله فاننا أن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث على الأكثار من النفقات وشراء المماليك والأمير يكون أميرا بالاعطاء لا بالأخذ فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ إلى الجامع الأزهر واجتمع أهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وأرسل إبراهيم بك إلى المشايخ بعضدهم ويقول لهم أنا معكم وهذه الأمور على غير خاطري ومرادي وأرسل إلى مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم إلى جميع ما ذكرتموه إلا شيئين ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا إلى منزل إبراهيم بك واجتمع الأمراء هناك وأرسلوا إلى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير وكان المرسل إليهم رضوان كتخدا إبراهيم بك فذهبوا معه ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الأمر على أنهم تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على أن يدفعوا سبعمائة وخمسين كيسا موزعة وعلى أن يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وأن يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم إلى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم عليها إبراهيم بك وأرسلها إلى مراد بك فختم عليها أيضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ وحول كل واحد منهم وإمامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الأسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك إلى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك. ومات الإمام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم الجامع الأزهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركا للشيخ الوالد والشيخ إبراهيم الحلبي وعاد إلى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم أتى إلى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد إلى الأكابر والأمراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى إلى الشيخ أبي الأنوار السادات ويأتي إليه في كل يوم وكان إنسانا حسنا بهي الشكل لطيف الطباع عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد أن تعلل دون شهر عن مائة وست عشرة سنة كامل الحواس إذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم سني عمره رحمه الله. ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الأصولي الشيخ أحمد بن يونس الخليفي الشافعي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الأزهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الأزهر وتقلد وظيفة الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ الشيخ أحمد أبا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الإسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى على شرح الملوي في الأستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق وأخرى على شرح شيخ الإسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على أسماء التراجم ورسالة متعلقة بالأبحاث الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود أفندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في التحرير ويميل بطبعه إلى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالأسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الأحيان على تلك الصورة في الأوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة إلى جهة قبلي في سفارة بين الأمراء أيام عابدي باشا ولم يزل على ذلك إلى أن توفي في أوائل رجب من هذه السنة سامحه الله. ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فأكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم إلى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الأنوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه وتردد إلى الأمراء وأشير إليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه إلى الحظ والخلاعة وسماع الالحان والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ سالم بن مسعود. ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد السماليجي الشافعي الأحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر إلى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ أحمد الدردير ورجع إلى طندتاء فاتخذها سكنا وأقام بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من أهالي البلاد فراج أمره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله وأتوه افواجا بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه أحمد كأنما أفرغ في قالب الجمال وأودع بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على أبيه في الفقه والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير قراءة شيء في علم العروض أول ما رأيته في سنة 1189 في أيام زيارة سيدي أحمد البدوي فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وأنجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر إلى مصر مع والده مرارا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة إلى أن اخترمته في شبابه المنية وحالت بينه وبين الأمنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو أيضا في هذه السنة رحمهما الله تعالى. ومات الأجل المعظم والملاذ المفخم الأمير حسين بن السيد محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد أفندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو ابن حسين أفندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور منصب والده في بابه وكان إذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الأعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها ولم يزل حتى صار من أرباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة مصر اخرجه هو واخوته من مصر ونفاهم إلى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات إلى أن استقل محمد بك بالامارة فأحضرهم وأكرمهم ورد إليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الأولى مع الوجاهة والحرمة الوافرة وكان إنسانا حسنا فطنا يعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو إلى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا في الطب والعلوم الغريبة ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى أن لا يخرجوا جنازته على الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون إمامه في المشهد وهم يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك. ومات الأمير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم أنه كان تولى الحسبة في أيام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم وزجرهم واتفق أنه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 ناقصا وأخبره عن جزاره فذهب إليه وكملها بقطعة من جسد الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك إلى أن مات رضوان بك ولم يزل معدودا في عداد الأمراء الأكابر إلى أن توفي في هذه السنة. ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد السقاط الخلوتي المغربي الأصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر إلى مصر وجاور بالأزهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول وأخذ الطريق على شيخنا الشيخ محمود المذكور ولقنه الأسماء على طريق الخلوتية والأوراد والاذكار وانسلخ من زي المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث أنه لا يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الأنوار وتحلى بحلل الأبرار وأذن له الشيخ بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه إلى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب إليه واشتهر ذكره وأقبلت عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل. ومات الذمي المعلم إبراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من أيام المعلم رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في أيام محمد بك فلما انقضت أيام محمد بك وترأس إبراهيم بك قلده جميع الأمور فكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الإيراد والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده وإشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الأمور ويداري كل إنسان بما يليق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع إلى بيوت الأمراء وعند دخول رمضان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر والكساوى وعمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الأوقاف الجلية والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدارة والغلال وحزن إبراهيم بك لموته وخرج في ذلك اليوم إلى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به إلى المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 سنة عشرة ومائتين وألف . لم يقع بها شيء من الحوادت التي يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الأمراء والمظالم. وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل إلى قصر العيني ليسافر فأقام هناك أياما وسافر إلى اسكندرية. ومات بها الإمام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري لشدة نسبته إلى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الأزهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الإمام الشافعي في كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان إنسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه مقاما يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به إلى الفران ويعود به إلى عياله فإن اتفق أن أجد رآه ممن يعرفه حمله عنه وإلا ذهب به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي إلى رحمة الله تعالى غفر الله له. ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي أجد طلبة شيخنا الشيخ الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الأزهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز والإتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش أو خشية لوم مخلوق أو خوف خالق وأوقف اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لأجل التبرك أما قهرا أو محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن خألف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل إلى الأزهر ومن عذلهم أو لامهم كفروه ونسبوه إلى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل العلم والشريعة وزاد الحال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الأمر إلى أن نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى. ومات الإمام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات ودرس الفقه في عدة مواضع وبالأزهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه أهل المدينة وتزوج وولد له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي إلى رحمه الله تعالى في هذه السنة. ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود الأديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي السبريائي نسبة إلى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع إلى القطب سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب أبي تيج من قرى الصعيد تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ الأوفر ومال إلى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والأصول ودقائق الحساب ونهج مسلك الأدب والتاريخ والشعر ففاق فيه الأقران ومدح الأعيان وصاحبناه وساجلناه كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع دماسة الاخلاق وطيب الأعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الأسانيد العلية آلفه سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين أبي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه وسلم سماه عقود القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الأول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 سنة إحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين وألف . لم يقع فيهما من الحوادث التي تتشوف لها النفوس أو تشتاق إليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى ما تقدمت إليه الإشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع الانذارات الفلكية والآيات المخوفة السماوية وكلها أسباب عادية وعلامات من غير أن ينسب لتلك الآثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والأرض يستدلون وبالنجم هم يهتدون فمن أعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة بطالع مشرق الجوزاء المنسوب إليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس أثر ذلك في أوائل السنة التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا أن شاء الله تعالى. من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة. مات العمدة العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الشافعي كان والده أجد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز طريفه وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الأزهر وأخرى عظيمة بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الأزهر وكان بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها إلا نادرا ويقبض معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111. ومات الأديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد إبراهيم بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود الخط على الشيخ أحمد بن إسمعيل الأفقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والأحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير إليه بالرياسة في الفن وكان إنسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة إحدى عشرة رحمه الله تعالى. ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه إسمعيل أفندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي المكتب كان إنسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه على أحمد أفندي الشكري وكتب بخطه الحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه الله تعالى سنة 1211. ومات الأجل الأمثل والوجيه الاوحد المبجل حسين أفندي قلفة الشرقية والده الأمير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند محمد أفندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر في ذلك فلما توفي محمد أفندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد أفندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج أمره واشترى بيتا جهة الشيخ الظلام وانتقل إليه وسكن به وساس أموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الأعيان واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان إنسانا لا بأس به جميل الاخلاق حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله أيضا سنة 1211. ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن أحمد بن أحمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل المغربي وأخذ أيضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله إمام مسجد العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ الخطب البديعة وغالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على طريقة لم يسبق إليها وانضوى إلى الشيخ أبي الأنوار السادات وشملته انواره ومكارمه ويصلى به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم أيام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف . وهي أول سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الأمور وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الاهوال واختلاف احوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الأسباب وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون. في يوم الأحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الأسكندرية ومضمونها أن في يوم الخميس ثامنه حضر إلى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبا أيضا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير وأصل من عندهم وفيه عشرة انفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك فيها والمشار إليه بالإبرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم عن غرضهم فأخبروا أنهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لانهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون علىدفعهم ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا القول وظن أنها مكيدة وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على الثغر لا نحتاج منكم إلا الأمداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وقالوا: هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز واقلعوا في البحر ليمتاروا من غير الأسكندرية وليقضى الله امرا كان مفعولا ثم أن أهل الثغر أرسلوا إلى كاشف البحيرة ليجمع العربان وياتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت المكاتبات بمصر حصل بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والاراجيف. ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الأول مكاتبات مضمونها أن المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال وأما الأمراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادا على قوتهم وزعمهم أنه إذا جاءت جميع الافرنج لا يقفون في مقابتلهم وأنهم يدوسونهم بخيولهم. فلما كان يوم الأربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بأن في يوم الإثنين ثامن عشره وردت مراكب وعمارات للفرنسيين كثيرة فأرسوا في البحر وأرسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض أهل البلد فلما نزلوا إليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب إلى جهة العجمي وطلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر أهل الثغر وقت الصباح إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج أهل الثغر وما انظم إليهم من العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا امكنهم ممانعتهم ولم يثبتوا لحربهم وأنهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر إلى التترس في البيوت والحيطان ودخلت الافرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك وأهل البلد لهم بالرمي يدافعون عن أنفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا أنهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الأبراج من آلات الحرب والبارود وكثرة العدو وغلبيته طلب أهل الثغر الأمان فآمنوهم ورفعوا عنهم القتال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ومن حصونهم انزلوهم ونادى الفرنسيس بالأمان في البلد ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فالزمهم بجمع السلاح وأحضاره إليه وأن يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ أو حرير أو غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض بحيث تكون كل دائرة أقل من التي تحتها حتى تظهر الالوان الثلاثة كالدوائر المحيط بعضها ببعض ولما وردت هذه الأخبار مصر حصل للناس انزعاج وعول اكثرهم على الفرار والهجاج وأما ما كان من حال الأمراء بمصر فإن إبراهيم بك ركب إلى قصر العيني وحضر عنده مراد بك من الجيزة لأنه كان مقيما بها واجتمع باقي الأمراء والعلماء والقاضي وتكلموا في شأن هذا الأمر الحادث إلى اسلامبول وأن مراد بك يجهز العساكر ويخرج لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وأرسلها بكر باشا مع رسوله على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الأستعداد للثغر وقضاء اللوازم والمهمات في مدة خمسة أيام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون إليه بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه إلى الجسر الأسود فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فإنهم كانوا من اخصائه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار من البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الالداشات القلينجية والأروام والمغاربة فإنهم ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الأمير المذكور ولما ارتحل من الجسر الأسود أرسل إلى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن والمتانة وطولها مائة ذراع وثلاثون ذراعا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر إلى البر لتمنع مراكب الفرنسيين من العبور لبحر النيل وذلك باشارة علي باشا وأن يعمل عندها جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنا منهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 أن الافرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وأنهم يعبرون في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وأنهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى تأتيهم النجدة وكان الأمر بخلاف ذلك فإن الفرنسيس عندما ملكوا الأسكندرية ساروا على طريق البر الغربي من غير ممانع وفي اثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في الأسواق وكثر الهرج بين الناس والارجاف وانقطعت الطرق واخذت الحرامية في كل ليلة تطرق اطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والأسواق من المغرب فنادى الاغا والوالي بفتح الأسواق والقهاوي ليلا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين وذلك لأمرين الأول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الأستئناس والثاني الخوف من الدخيل في البلد. وفي يوم الإثنين وردت الأخبار بأن الفرنسيس وصلوا إلى دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا إلى فوة نواحيها والبعض طلب الأمان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين فلولهم بالاسكندرية كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا إلى البلاد التي يقدمون عليها تطمينا لهم ووصل هذا المكتوب مع جملة من الأسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم جملة إلى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم أو بيومين ومعهم منه عدة نسخ منهم مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطه ويعرفون باللغات. وصورة ذلك المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بأنواع الايذاء والتعدي فحضر الآن ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الأبازة والجراكسة يفسدون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 في الإقليم الحسن الأحسن الذي لا يوجد في كرة الأرض كلها فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انقضاء دولتهم يا أيها المصريون قد قيل لكم: إنني ما نزلت بهذا الطرق إلا بقصد إزالة دينكم فذلك كذب صريح فلا تصدقوه وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم وقولوا أيضا لهم: إن جميع الناس متساوون عند الله وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فإن كانت الأرض المصرية التزاما للماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه تعالى من الآن فصاعدا لا ييأس أجد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب الساميةوعن اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الأمور وبذلك يصلح حال الأمة كلها وسابقا كان في الاراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان الواسعة والمتجر المتكاثر وما إزال ذلك كله إلا الظلم والطمع من المماليك أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجربجية وأعيان البلد قولوا: لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي الباب الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الإسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطرودا منها الكوا للرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني وأعداء أعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من إطاعة السلطان غير ممتثلين لامره فما أطاعوا أصلا إلا لطمع أنفسهم طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 حلهم وتعلو مراتبهم طوبى أيضا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لاحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالاكثر تسارعوا إلينا بكل قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقا إلى الخلاص ولا يبقى منهم أثر. المادة الأولى: جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها أن ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء كيما يعرف المشار إليه أنهم أطاعوا وأنهم نصبوا علم الفرنساوية الذي هو أبيض وكحلي واحمر. المادة الثانية: كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار. المادة الثالثة: كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي أيضا تنصب صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه. المادة الرابعة: المشايخ في كل بلد يختمون حالا جميع الارزاق والبيوت والأملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع أدنى شيء منها. المادة الخامسة: الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة الأئمة أنهم يلازمون وظائفهم وعلى كل أجد من أهالي البلدان أن يبقى في مسكنه مطمئنا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي أن يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي ادام الله اجلال السلطان العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية. تحريرا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من اقامه الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه بحروفه. وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الأخبار بأن الفرنسيس وصلوا إلى نواحي فوة ثم إلى الرحمانية. واستهل شهر صفر سنة 1213 وفي يوم الأحد غرة شهر صفر وردت الأخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 المصري مع الفرنسيس فلم تكن إلا ساعة وأنهزم مراد بك ومن معه ولم يقع قتال صحيح وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردل وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله أن علقت نار بالقلع وسقط منها نار إلى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزم وترك الاثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب ورجعوا طالبين مصر ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب إبراهيم بك إلى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق إلى شبرا ويتولى الإقامة ببولاق إبراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرأو البخارى وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وأرباب الإشاير ويعملون لهم مجالس بالأزهر وكذلك أطفال المكاتب ويذكرون الأسم اللطيف وغير من الأسماء. وفي يوم الإثنين حضر مراد بك إلى برانبابة وشرع في عمل متاريس هناك ممتدة إلى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقة وامراؤه وجماعة من خشداشينه واحتفل في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا وأحضروا المراكب الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة واوقفها على ساحل انبابة وشحنها بالعساكر والمدافع فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة والمشاة ومع ذلك فقلوب الأمراء لم تطمئن بذلك فإنهم من حين وصول الخبر لهم من الأسكندرية شرعوا في نقل امتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 إلى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول الليالي ينقلون الأمتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد الارياف وأخذوا أيضا في تشهيل الأحمال واستحضار دواب للشيل وادوات الارتحال فلما رأى أهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الأغنياء وأولوا المقدرة للهروب ولولا أن الأمراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من أراد النقلة لما بقى بمصر منهم أحد. وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والأسواق وخرج الجميع لبر بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خياما أو يجلسون في مكان خرب أو مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث أن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت أجد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وأرباب الإشاير بالطبول والزمور وأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد السيد عمر أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وإمامه وحوله الوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر فإنها باقية خالية الطرق لا تجد بها أحدا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فإنهم مستترون مع النساء في بيوتهم والأسواق مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع الرطل البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس أنواع السلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون إلى الله بالنصر وأقام غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام. ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول إلى بولاق وأقام بها من حين نصب إبراهيم بك العرضي هناك إلى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس الذي لا يجدون لهم مكانا ولا ماوى فيرجعون إلى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون إلى بولاق وأرسل إبراهيم بك إلى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع ويعظم الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما لتعطيل الأسباب واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم. وأما بلاد الارياف فإنها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا وكذلك العرب غارت على الاطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله إلى آخره في قتل ونهب وإخافة طريق وقيام شر وأغارة على الأموال وافساد المزارع وغير ذلك من أنواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الافرنج بمصر فحبسوا بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الأمراء وصاروا يفتشون في محلات الافرنج على الأسلحة وغيرها وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والاقباط والاروام والكنائس والاديرة على الأسلحة والعامة لا ترضى إلا أن يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الإشاعة بقرب الفرنسيس إلى مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول أنهم واصلون من البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين هذا وليس لاحد من أمراء العساكر همة أن يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 دخولهم وقربهم ووصولهم إلى فناء المصر بل كل من إبراهيم بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير واهمال أمر العدو. ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس إلى الجسر الأسود وأصبح يوم السبت فوصلوا إلى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الأجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم مغترون بجمعهم محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس أن يأتوا من البرين بل أشيع في عرضي إبراهيم بك أنهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا إلا من البر الغربي. ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر الغربي وتقدموا إلى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وابلى الفريقان وقتل أيوب بك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرف وعدة كثير من كشاف محمد بك الألفي ومماليكهم وتبعهم طابور من الافرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولى علي الصعيد بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد الهزيمة وكان بعيدا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر الارنؤد من دمياط وطلعوا إلى انبابة وانضموا إلى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما غاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك ويقولون لهم: أن الرسول والصحابة والمجاهدين إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب لا برفع الأصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الأمراء والأجناد من العرض الشرقي ومنهم إبراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية إلى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا إلى البر الآخر حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أجد أن يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب الهزيمة كما هو منصوص عليه. ثم أن الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وإمامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الأسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس أن الأرض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لاحاطة العدو بهم وظلام الدنيا والبعض وقع أسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك ومن معه إلى الجيزة فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب إلى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والأمتعة والاسلحة والفرس ملقاة على الأرض ببرانبابة تحت الارجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف بالاغا وأخوه إبراهيم بك الوالي فأما سليمان بك فنجا وغرق إبراهيم بك الصغير وهو صهر إبراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها وتحقق أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال إبراهيم بك والباشا والأمراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الأثقال والخيام كما هي لم يأخذوا منها شيئا فأما إبراهيم بك والباشا والأمراء فساروا إلى جهاة العادلية وأما الرعايا فهاجوا وماجوا ذاهبين إلى جهة المدينة ودخلوها أفواجا أفواجا وهم جميعا في غاية الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون إلى الله من شهر هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى اصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب فلما استقر إبراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الأمراء فاركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل أجد عن أجد بل كل واحد مشغول بنفسه عن أبيه وابنه فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم الأكثر وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركه ممتثلا للقضاء متوقعا للمكروه وذلك لعدم قدرته وقلة ذاته يده وما ينفقه على حمل عياله وأطفاله ويصرفه عليهم في الغربة فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الأمور والذي أزعج قلوب الناس بالأكثر أن في عشاء تلك الليلة شاع في الناس أن الافرنج عدوا إلى بولاق وأحرقوها وكذلك الجيزة وأن أولهم وصل إلى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب في هذه الإشاعة أن بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي انبابة لما تحقق الكسرة أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل من الجيزة أمر بانجرار الغليون الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه إلى جهة قبلي فمشوا به قليلا ووقف لقلة الماء في الطين وكان به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه أيضا فصعد لهيب النار من جهة الجيزة بولاق ظنوا بل أيقنوا أنهم أحرقوا البلدين فماجوا واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج أعيان الناس وأفندية الوجاقات وأكابرهم ونقيب الأشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية ذلك اشتد ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال أن الجميع لا يدرون أي جهة يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من كل حدب ينسلون وبيع الحمار الأعرج أو البغل الضعيف باضعاف ثمنه وخرج أكثرهم ماشيا أو حامل متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر عل مركوب أركب زوجته أو ابنته ومشى هو على اقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهم على اكتافهن يبكين في ظلمة الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الأحد وصبحها وأخذ كل إنسان ما قدر على حمله من مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئا كثيرا يفوق الحصر بحيث أن الأموال والذخائر التي خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لأن معظم الأموال عند الأمراء والأعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس واصحاب المقدرة أخرجوا أيضا ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ أعطاه لجاره أو صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة والمسافرين فذهب ذلك جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه وسلبوا ثياب النساء وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والأعيان فمنهم من رجع من قريب وهم الذين تأخروا في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلا عل كثرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وعزوته وخفارته فسلم أو عطب وكانت ليل وصباحها في غاية الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ المتقدمين فما راء كمن سمعا ولما أصبح يوم الأحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في أسوأ حال من العري والفزع فتبين أن الافرنج لم يعدو إلى البر الشرقي وأن الحريق كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الأزهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة إلى الافرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعادا فاخبرا انهما قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانة ومضمونها الأستفهام عن قصدهم فقال على لسان الترجمان وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور إلينا لنرتب لهم ما يكون فيه الراحة وظمنهم وبش في وجوههم فقالوا نريد أمانا منكم فقال أرسلنا لكم سابقا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وأيضا لأجل اطمئنان الناس فكتبوا لهم ورقة أخرى مضمونها من معسكر الجيزة خطاب لأهل مصر اننا أرسلنا لكم في السابق كتابا فيه الكفاية وذكرنا لكم اننا حضرنا إلا بقصد إزالة المماليك الذين يستعملون الفرنساوية بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا إلى البر الغربي خرجوا إلينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في طلبهم حتى لم يبق أجد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات والرعية فيكونوا مطمئنين وفي مساكنهم مرتاحين إلى آخر ما ذكرته ثم قال لهم: لا بد أن المشايخ والشربجية يأتون إلينا لنرتب لهم ديوانا ننتخبه من سبعة أشخاص عقلاء يدبرون الأمور ولما رجع الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي وآخرون إلى الجيزة فتلقاهم وضحك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 لهم وقال: أنتم المشايخ الكبار فاعلموه أن المشايخ الكبار خافوا وهربوا فقال: لأي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانا لأجل راحتكم وراحة الرعية واجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والأمان ثم انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا إلى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الأمان إلى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ الشرقاوي والمشايخ ومن انضم إليهم من الناس الفارين من ناحيةالمطرية وأما عمر أفندي نقيب الأشراف فإنه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والافندية وفي ذلك اليوم اجتمعت الجعيدية وأوباش الناس ونهبوا بيت إبراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة قوصون وأحرقوهما ونهبوا أيضا عدة بيوت من بيوت الأمراء وأخذوا ما فيها من فرش ونحاس وامتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان. وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية إلى بر مصر وسكن بونابارته ببيت محمد بك الألفي بالازبكية بخط الساكت الذي أنشأه الأمير المذكور في السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه اموالا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه وسكناه فيه حصلت هذه الحاثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه إنما كان يبنيه لأمير الفرنسيس وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن بالازبكية كما ذكر استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة إلا القليل منهم ومشوا في الأسواق من غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون إليه بأغلى ثمن فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسا على اسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم واطمأنوا لهم وخرجوا إليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وأنواع المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 بما أحبوا من الأسعار وفتح غالب السوقة الحوانيت والقهاوي. وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر ارسلوا بطلب المشايخ والوجاقلية عند قائمقام صارى عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في تعيين عشرة انفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات. فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ أحمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس أيضا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد اغا المسلماني أغات مستحفظان وعلي أغا الشعراوي وإلى الشرطة وحسن اغا محرم امين احتساب وذلك باشارة أرباب الديوان فإنهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك فعرفوهم أن سوقة مصر لا يخافون إلا من الأتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون من بقايا البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار كتخدا محمد بك كتخدا بونابارته ومن أرباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء الفرنساوي ووكيل الديوان حنا بينو. وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال: لأي شيء يفعلون ذلك وقد أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا: هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وإنما ذلك من وظيفة الحكام فأمروا الاغا والوالي أن ينادوا بالأمان وفتح الدكاكين والأسواق والمنع من النهب فلم يسمعوا ولم ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والأسواق معطلة والناس غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للأمراء ودخلوها وأخذوا منها أشياء وخرجوا وتركوها مفتوحة فعند ما يخرجون منها يدخلها طائفة الجعيدية ويستأصلون ما فيها واستمروا على ذلك عدة أيام ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 أنهم تتبعوا بيوت الأمراء وأتباعهم وختموا على بعضها وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية أو من أهل البلد يعلق له بنديرة على باب داره أو يأخذ له ورقة من الفرنسيس بخطهم يلصقها على داره. وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صارى عسكر وإمامه عدة من طوائف الأجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين اخذه بما فيه من فر ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الاروام العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الألفي وله حانوت بخط الموسكي يبيع فيه القوارير الزجاج أيام البطالة وقلدوا أيضا شخصا افرنجيا وجعلوه أمين البحرين وآخر جعلوه اغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد اغا بالازبكية قرب الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت إبراهيم بك الوالي المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت إبراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده النصارى القبط كل يوم طلبوا الدفاتر من الكتبة ثم أن عساكرهم صارت تدخل المدينة شيئا فشيئا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا على أجد ويأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا اقراص الخبز وطحنوه بترابه وفتح الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها اصناف المأكولات مثل الفطير والكعك والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الاورام عدة دكاكين لبيع أنواع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الأشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الافرنج البلديين بيوتا يصنع فيها أنواع الأطعمة والأشربة على طرائفهم في بلادهم فيشتري الأغنام والدجاج والخضارات والأسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون أنواع الاطعمة والحلاوت ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فإذا مرت طائفة بذلك المكان تريد الأكل دخلوا إلى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون وأعلى وعلى كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون إلى ما يريدون من المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم. وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا شفاعتهم وأطلقوهم فدخل الكثير منهم إلى الجامع الأزهر وهم في أسوأ حال وعليهم الثياب الزرق المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون المارين وفي ذلك عبرة للمعتبرين. وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج أيضا فسالوا التخفيف فلم يجابوا فأخذوا في تحصيلها. وفيه نادوا من أخذ شيئا من نهب البيوت يحضر به إلى بيت قائمقام وأن لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا أيضا على نساء الأمراء بالأمان وأنهن يسكن بيوتهن وأن كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فإن لم يكن عندهن شيء من متاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة زوجة مراد بيك وصالحت عن نفسها واتباعها من نساء الأمراء والكشاف بمبلغ قدره مائة وعشرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 ألف ريال فرانسا وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيره ووجهوا عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام والافرنج البلدين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن ارصاهات وتخويفات وكذلك مصالحات على الغز والأجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك أموالا كثيرة وكتبوا للغائبين اوراقا بالأمان بعد المصالحه ويختم على تلك الأوراق المتقيدون بالديوان. وفي يوم الأحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئا كثيرا وكذلك الأبقار والأثوار فحصل فيها أيضا مصالحات وأشاعوا التفتيش على ذلك وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره وأخذوا ما وجدوه فيها من الأسلحة هذا وفي كل يوم ينقلون على الجمال والحمير من الأمتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين يعرفون بيوت اسيادهم بل يذهبون بأنفسهم ويدلونهم على أماكن الخبايا ومواضع الدفائن ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها غراضهم. وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما بالرصاص ببركة الأزبكية ثم على آخرين أيضا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من الأمتعة التي نهبوها عند ما داخلهم الخوف ودل على بعضهم البعض. وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالأسواق وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغا يعجزون عنه وأجلوا لها اجلا مقداره ستون يوما فضحوا واستغاثوا وذهبوا إلى الجامع الأزهر والمشهد الحسيني وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها إلى نصف المطلوب ووسعوا لهم في أيام المهلة. وفيه شرعوا في تكسير ابواب الدروب والبوابات النافذة وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون ابواب الدروب والعطف والحارات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فاستمروا على ذلك عدة أيام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف شديد وظنوا ظنونا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بالفاظ نطقوا بها وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم أن عساكر الفرنسيس عازمون على قتل المسلمين وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد أن كان حصل عندهم بعض اطمئنان وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانيا وارتجفت قلوبهم. وفي عشرينه حضرت مكاتب الحجاج من العقبة فذهب أرباب الديوان إلى باش العسكر وأعلموه بذلك وطلبوا منه أمانا لأمير الحاج فامتنع وقال: لا أعطيه ذلك إلا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له: ومن يوصل الحجاج فقال لهم أنا أرسل لهم أربعة آلاف من العسكر يوصولونهم إلى مصر فكتبوا لأمير الحاج مكاتبة بالملاطفة وأنه يحضر بالحجاج إلى الدار الحمراء وبعد ذلك يحصل الخير فلم تصل إليهم الجوابات حتى كاتبهم إبراهيم بك يطلبهم للحضور إلى جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك أياما وكان إبراهيم بك ومن معه ارتحل من بلبيس إلى المنصورة وأرسلوا الحريم إلى القرين. وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي إلى جهة العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد أخرى ويذهبون إلى جهة الشرق فلما كان ليل الأربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت إلى الخانكة وأبى زعبل وطلبوا كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها وارتحلوا إلى بلبيس وأما الحجاج فإنهم نزلوا ببلبيس وأكترت حجاج الفلاحين مع العرب فأوصلوهم إلى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من الحجاج فتفرقوا في البلاد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس وأما أمير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الحاج صالح بك فإنه لحق بإبراهيم بك وصحبته جماعة من التجار وغيرهم. وفي ثامن عشرنيه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها إلى مصر وصحبتهم طائفة من عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الأحد غايته جاء الرائد إلى الأمراء بالمنصورة وأخبرهم بوصول الافرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا إلى جهة القرين وتركوا التجار واصحاب الاثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا معهم على أنهم يحملونهم إلى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على أنهم لا يخونونهم فلما توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حمولهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من ثيابهم وفيهم كبير التجار السيد أحمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال فرانسة نقودا ومتجرا من جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم ما لا خير فيه ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد أحمد المحروقي إلى صارى عسكر وواجهه وصحبته جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وبإخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم إلى المماليك والعرب ثم قبض على بي خشبة شيخ بلد القرين وقال له: عرفني عن مكان المنهوبات فقال: أرسل معي جماعة إلى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الأحمال فأخذها الافرنج ورفعوها ثم تبعوه إلى محل آخر فأوهمهم أنه يدخل ويخرج إليهم احمالا كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربا فرجع أولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير وقالوا هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صارى عسكر لا بد من تحصيل ذلك فطلبوا منه الإذن في التوجه إلى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم إلى مصر وإمامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم أيضا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة الحادثة وهن أيضا في اسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 واستهل شهر ربيع الأول بيوم الإثنين سنة 1213. في ثانيه وصل الفرنساويه إلى نواحي القرين وكان إبراهيم بك ومن معه وصلوا إلى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر وأخذ معه الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى إبراهيم بك بذلك أيضا فركب هو وصالح بك وعدة من الأمراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم على الخيول وإذا بالخبر وصل إلى إبراهيم بك بأن العرب مالوا على الحملة يقصدون نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا إلى قطيا ورجع صارى عسكر إلى مصر وترك عدة من عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه. وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج إلى النزهة في النيل والمقياس والروضة على عادتهم وأرسل صحارى عسكر أوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته وعساكره وطبوله وزموره إلى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع إلى داره وأما أهل البلد فلم يخرج منهم أجد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها. وفيه تواترت الأخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز إلى ثغر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 الاسكندرية وأنهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية بالمينا وكانت أشيعت هذه الأخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية واتفق أن بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد أحمد الزر ومن أعيان التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال: أنا حكيت ما سمعته من فلان النصراني فأحضروه أيضا وأمروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ فلم يقبلوا فقال بعضهم: أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا إليه وقال: فرقها على الفقراء كما أشار وردها إلى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك والواقع أن الانكليز حضروا في أثرهم إلى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا بالنحاس الأصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الأسكندرية يغدون ويروحون يرصدون الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم إلى بحري وإلى الشرقية ولما جرى الماء في الخليج منعوا دخول الماء إلى بركة الأزبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم وآلتهم التي فيها. وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال فلم يقبل وقال: لا بد من ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وأمر بتعلق تعاليق وإحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة إلى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الأصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة وسواريخ تصعد في الهواء. وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة الأشراف ونودي في المدينة بأن كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها إلى النقيب. وفيه ورد الخبر بأن إبراهيم بك والأمراء المصرية استقروا بغزة. وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية إلى جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الأمور ويطلعهم على المخباءات. وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية بمكاتبات وهدية إلى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من سفائن أحمد باشا فلما وصلوا إلى عكا وعلم بها أحمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه إلى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته. وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية إلى بيت رضوان كاشف بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر إليها الجماعة المذكورون قالوا لها: بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك فقالوا: لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا إلى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك ثم نزلوا إلى تحت السلالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وفجروا الأرض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة أيام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا عليها أربعة آلاف ريال أخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت إلى دارها وبسبب هذه الحادثة شددوا في طلب الأسلحة ونادوا بذلك وأنهم بعد ثلاثة أيام يفتشون البيوت وقال الناس: إن هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك. وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج فحضروا إلى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا. وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم فطلبوا منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والأملاء وقالوا كل من كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام. وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك أوراقا وذكروا فيها أنها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط. وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به إلى الأرض واستعفى وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتفع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان: يا مشايخ أنتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فإن تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قولهم فقالوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 له: لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين أنه قال عن الشيخ الشرقاوي أنه لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال: إن لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها: الوردة فقالوا: أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما. وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه الترجمان وأهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على أن ذلك لا يخل بالدين. وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي إشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من وضعها وبعضهم رأى أن ذلك لا يخل بالدين إذ هو مكره وربما ترتب على عدم الأمتثال الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بأبطالها من العامة والزموا بعض الأعيان ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها إذا حضرا عندهم ويرفعونها إذا انفصلوا عنهم وذلك أيام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت. وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الأعتدال الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الأزبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا أخشابا وحفروا حفرا وأقاموا بوسط بركة الأزبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الأكان ولبسوا باقيه على سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي أعلى القوصرة طلاء أبيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت إلى خلف وعلى موازاة ذلك من الجهة الأخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء إلى البركة مثال بوابة أخرى على غير شكلها لأجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة منها إلى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود أيضا وأقاموا في عمل ذلك عدة أيام. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء سنة 1213 فيه وردت الأخبار بأن مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا إلى جهة الفيوم وأن عثمان بك الأشقر عدى إلى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل إلى أستاذه إبراهيم بك بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية إلى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم. وفي ثالثه حضرت مكاتبة من إبراهيم بك خطابا للمشايخ وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على أنفسكم والرعية وأن حضرة مولانا السلطان وجه لنا عساكر وإن شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك: كذابون ووافق أيضا أنه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا: هذا رسول الحي حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك أن بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس أنه ورد مكتوب إلى المشايخ أيضا وأخفوه فركب من فوره وحضر إلى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل إليه وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن ذلك المكتوب فقال: لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله أمر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت عال الفاتحة فشخص إليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له: إنهم يدعون لك وذهب إلى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها فتنة. وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة أيضا ونقلوا الجميع إلى بركة الأزبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين ويرفعونها بالعتالين إلى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب إلى قريب وسط البركة. وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك أن بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس أنه ورد مكتوب إلى المشايخ أيضا وأخفوه فركب من فوره وحضر إلى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل إليه وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن ذلك المكتوب فقال: لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله أمر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت عال الفاتحة فشخص إليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له: إنهم يدعون لك وذهب إلى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها فتنة. وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة أيضا ونقلوا الجميع إلى بركة الأزبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين ويرفعونها بالعتالين إلى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب إلى قريب وسط البركة. وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فقالوا: وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك بالمرة فانتظروا حضور الفراش إلى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب إلى بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا تذهب فقالوا له: دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض أيضا وعالجوا في ذلك بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما أصبح النهار ركب المشايخ إلى كتخدا الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا إلى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها إلى القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة وذهبت إلى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته. وفي يوم الخميس نادوا في الأسواق بأن كل من كان عنده بغلة يدهب بها إلى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها وإذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان أحضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين ريالا قلت قيمتها أو كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والأسواق وأن يكون على كل دار قنديل وعلى كل ثلاثة دكاكين قنديل وأن يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات. وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين والبطالين ليسافروا إلى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة أيام يستأهل الذي يجري عليه وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة إلى صارى عسكر وقالوا له: أرنا طريقا للذهاب فإن طريق البرغير مسلوكة والانكليز واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الأسكندرية من الغلاء وعدم الماء بها فتركهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وفيه جعلوا إبراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا إبراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم إلا القليل وفيه أهمل أمر الديوان الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا أياما يذهبون فلم يأتهم أجد فتركوا الذهاب فلم يطلبوا. وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند أيوب بك الدفتردار وفوضوا إليهم القضايا في أمور التجار والعامة والمواريث والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك كثيرة ارسلوا منها إلى الأعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف وأبواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا أخرى بتعبيرات سخيفة يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله التحيل على أخذ الأموال كقولهم بأن أصحاب الأملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة لهم بالتمليك فإذا أحضروها وبينوا وجه تملكهم لها أما بالبيع أو الانتقال لهم بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم بقدر عينوه في ذلك الطومار فإن وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت ويدفع على ذلك الأشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فإن لم يكن له حجة أو كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فإنها تضبط لديوان الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك أن الناس إنما وضعوا أيديهم على أملاكهم أما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم أو نحو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 ذلك بحجة قريبة أو بعيدة العهد أو بحجج اسلافهم ومورثيهم فإذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت أو الأسفار أو ربما حضرت الشهود فلم تقبل فإن قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم إذا مات الميت يشاورون عليه ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت أكثر من ذلك ضبطت للديوان أيضا ولا حق فيها للورثة وأن فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على ذلك الأذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر أو يأخذ له ورقة يستلم بها دينه فإذا استلمه رفع مقررا أيضا ومثل ذلك في الرزق والأطيان بشروط وأنواع وكيفية أخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر إلا بورقة ويدفع عليها قدرا وكذلك المولود إذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الأملاك وغير ذلك. وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون أو منهزمون لا يسخرون بهم ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم. وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند الأمراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية وأخذوا متاعهم ومتاع شركائهم محتجين بأنهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم. وفيه أحضروا محمد كتخدا أباسيف الذي كان سردارا بدمياط من طرف الأمراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في القلعة وحبسوا معه فراشا لإبراهيم بك. وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول إلى المدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا إلى القلعة مدافع ركزوها بعدة مواضع وهدموا بها أبنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا أبنية عالية وأعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء وما كان في الأبواب العظام من الأسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان الشاهقة والأعمدة الباسقة. وفيه عينت عساكر إلى مراد بك وذهبوا إليه ببجر يوسف جهة الفيوم. وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بأن كل من تشاجر مع نصراني أو يهودي يشهد أجد الخصمين على الآخر ويطلبه لبيت صارى عسكر. وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما وهم ينادون عليهما ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك أو يذهب إليهم بمكاتيب. وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب القريبة من المساكن كتربة الأزبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى إلا في القرافات البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون في تسفيل الحفر ونادوا أيضا بنشر الثياب والأمتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون أن العفونة تنحبس باغوار الأرض فإذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والأمطار والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالأرض من الأبخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل الوباء والطاعون ومن قولهم أيضا أن مرض مريض لابد من الأخبار عنه فيرسلون من جهتهم حكيما للكشف عليه أن كان مرضه بالطاعون أو بغيره ثم يرون رأيهم فيه. وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين يخدمون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر بتربة الأزبكية وتمهيدها بالأرض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الأمير حسين وقلعة الكلاب إلى أن صاروا كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر فنزل لهم المترجمون واعتذروا بأن صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وإنما أمر بمنع الدفن فقط فرجعوا إلى أماكنهم ورفع الهدم عنهم. وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه إلى السلطان وآخر إلى شريف مكة ثم أنهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وأن جماعة من العلماء ذهبت إليهم بالبر الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه أنهم من اخصاء السلطان العثماني وأعداء اعدائه وأن السكة والخطبة بأسمه وشعائر الإسلام مقامة على ما هي عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم أنهم مسلمون وأنهم محترمون القرآن والنبي وأنهم اوصلوا الحجاج المتشتتين وأكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق رأينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة العلية وهم أيضا مجتهدون في إتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام. وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو أن رجلا صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه أنه قال السيد أحمد البدوي بالشرق والسيد إبراهيم الدسوقي بالغرب: يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب إلى دبوى وأخبره بالقصة فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه إلى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب أو يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية المسجونين. وفي يوم الإثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وأمروهم أن لا يسكنوا أحدا من الاغراب ولا يطلقوا أحدا بلا أذن من اغات مستحفظان. وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك أنه وقعت المذاكرة بأن من المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته: ولم لم يعملوه فقال ذلك المنافق: غرض الشيخ السادات عدم عمله إلا إذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع إلى داره بعد العشاء. وفيه حضر علماء الأسكندرية وأعيانها وكذلك رشيد ودمياط وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام الذي سبقت الإشارة اليه. وفيه سافر أيضا جماعة من الفرنسيس إلى جهة مراد بك ومن معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم إلى اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم وأكمنوا لهم وثبتوا معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة. وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الأزبكية المقابلة لباب الهواء التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب سقوطها أنهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في أرض البركة وتخلخلت الأرض فسقطت تلك البوابة. وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والأعيان التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور إلى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الأخبار بأن قطر مصر هو المركز الوحيد وأنه اخصب البلاد وكان يجلب إليه المتاجر من البلاد البعيدة وأن العلوم والصنائع والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الأول ولكون قطر مصر بهذه الصفات طمعت الأمم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب والترك الآن إلا أن دولة الترك شددت في خرابه لأنها إذا حصلت الثمرة قطعت عروقها فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس إلا القدر اليسير وصار الناس لأجل ذلك مختفين تحت حجاب الفقر وقاية لأنفسهم من سوء ظلمهم ثم أن طائفة الفرنساوية بعدما تمهد أمرهم وبعد صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها من تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا لأحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وأن غرضهم تنظيم أمور مصر واجراء خلجانها التي دثرت ويصير لها طريقان طريق إلى البحر الأسود وطريق إلى البحر الأحمر فيزداد خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من أهلها ترك الشغب وإخلاص المودة وأن هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها أمور جليلة لأنهم أهل خبرة وعقل فيسألون عن أمور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى عسكر من ذلك ما يليق صنعه إلى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب إلا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد إلى آخر العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا ورئيسا عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين: الشيخ الشرقاوي فقال نونو: وإنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة بأوراق فطلع الأكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ: يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الأمر حتى زالت الشمس فأدنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم. وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر الطرابلسي وهو أنه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى إلى عظماء الفرنسيس أنه ذو مال وأنه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه فذهب إلى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا: لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه ويتداعى معه فإن توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس إلى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم أنه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي والدواخلي إلى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب فقالوا: من خوفه فقال: لولا أن جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما فقال نذهب معكما من يختم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما من البضائع والأمانات. وفي يوم الأحد ذهبوا إلى الديوان وعملوا مثل عملهم الأول حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق. وفي يوم الإثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك اليوم بالأسواق على الناس باحضارهم حجج أملاكهم إلى الديوان والمهلة ثلاثون يوما فإن تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع ملطي في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من الزمن وكتبوا هذه الأربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين ذلك له مهلة وانفض المجلس. واستهل شهر جمادى الأولى يوم الخميس الموعود سنة 1213 م واجتمعوا بالديوان ومعهم مالخصوه واستأصلوه في الجملة فأما أمر المحاكم والقضايا فالأولى ابقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك إلا أنهم قالوا: يحتاج إلى ضبط المحاصيل وتقريرها على أمر لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو أنه إذا كان عشرة آلاف فما دونها يكون على كل ألف ثلاثون نصفا وإذا كان المبلغ مائة يكون على الألف خمسة عشر فإن زاد على ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات فإنه أمر شاق طويل الذيل فالمناسب فيه والأولى أن يجعلوا عليها دراهم من بادىء الرأي ليسهل تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا القدر المناسب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 بتفصيل الأماكن وكتبوه وابقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الأسواق بنشر الثياب والأمتعة خمسة عشر يوما وقيدوا على مشايخ الاخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة إلى أعلى الدار وتخبرهم عن صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أرواقا لصقوهم بحيطان الأسواق على عادتهم في ذلك. وفيه حضر إلى بيت البكري جم غفير من أولاد الكتاتيب والفقهاء والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضي بالمرستان المنصوري وأوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لأن الأوقاف تعطل ايرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام وجعلوا ذلك مغنما لهم فواعدهم على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين وفيه قدمت مراكب من جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين. وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر ببارق بيضا فأكثر الناس من اللغط ولم يعلموا سبب ذلك. وفي يوم الأحد اجتمعوا في الديوان وأخذوا فيما هم فيه فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبره بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض آيات المواريث فقال الافرنج: نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا بحسب تحسين عقولهم لأن الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي وهو من أهل الديوان أيضا: نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من المشايخ أن يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك وانفضوا وفي ذلك اليوم عزلوا محمد أغا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 المسلماني أغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج واستقروا بمصطفى أغا تابع عبد الرحمن أغا مستحفظان سابقا عوضا عنه ونودي بذلك. وفي يوم الإثنين عملوا لهم ديوانا وكتبوا لهم كيفية قسمة المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك. وفي يوم السبت عاشر جمادى الأولى عملوا الديوان وأحضروا قائمة مقررات الأملاك والعقار فجعلوا على الأعلى ثمانية فرانسة والأوسط ستة والأدنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخا للاعيان وعينوا المهندسين ومعهم أشخاص لتمييز الأعلى من الأدنى وشرعوا في الضبط والاحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم وضبط أسماء أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم للقضاء فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي لم ينظر في عواقب الأمور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الأحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاء وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في الكلام نصر الله دين الإسلام فذهبوا إلى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم نحو الألف والاكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه واوقف حجابه فرجموه بالحجارة والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الأكبر وفي ذلك الوقت حضر دبوى بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف على خط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الصنادقية وذهب إلى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا إليه وضربوه واثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وأبطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا الاطراف الدائرة بمعظم اخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية إلى باب زويلة وباب الشعرية وجهة البندقانيين وما حاذاها ولم يتعد جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا احجارها متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من الناس وأما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم أجد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الأكبر قربهم من مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الأزقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية إزالوهم عند ذلك زاد الحال وكثر الرجف والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم إلى النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والاروام وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والأمانات وسبوا النساء والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الأمتعة والموجودات وأكثروا من المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحل مستمرين وأما الافرنج فإنهم أصبحوا مستعدين وعلى تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع الآلات من المدافع والقنابر والبنبان ووقفوا مستحضرين ولأمر كبيرهم منتظرين وكان كبير الفرنسيس أرسل إلى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص بالجامع الأزهر وجروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من أماكن المحاربين كسوق الغورية والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من هذه الآلام يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق وتتابع الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الأركان وهدمت في مرورها حيطان الدور وسقطت في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم هذا الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب خدعة وسجال فلما ذهبوا إليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير وأتهمهم في التقصير فاعتذروا إليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالأمان في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن أن القضية لهاذيل وأما أهل الحسينية والعطوف البرانية فإنهم لم يزالوا مستمرين وعلى الرمي والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والافرنج اثخنوهم بالرمي المتتابع بالقنابر والمدافع إلى أن مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من عندهم الأدوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل دخل الافرنج المدينة كالسيل ومروا في الأزقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم الشياطين أو جند ابليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية ومشوا إلى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين أن لا دافع لهم ولا كمين وتراسلوا إرسالا ركبانا ورجالا ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول وبينهم المشاة كالوعول وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأورقة والحارات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فأصطف منهم خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلا يراهم فيكر راجعا ويسارع وتفرقت طوائفهم بتلك النواحي افواجا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجا وأحاطوا بها احاطة السوار ونهبوا بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك الجهة يهرعون وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع والفرنساوية لا يمرون بها إلا في النادر ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر فانقلب بهذه الحركة منها الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في الأسواق ووقفوا صفوفا مئينا والوفا فإن مر بهم أجد فتشوه وأخذوا ما معه وربما قتلوه ورفعوا القتلى والمطروحين من الافرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس ونظفوا مراكز المتاريس وإزالة ما بها من الأتربة والاحجار المتراكمة ووضعوها في ناحية لتصير طرق المرور خالية وتحزبت نصارى الشوام وجماعة أيضا من الاروام الذين انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا لكبير الفرنسيس مالحقهم من الرزية وأغتنموا الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين وضربوا فيهم المضارب وكأنهم شاركوا الافرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون ونهبوا ما لديهم إلا لكونهم منسوبين إليهم مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم الذعر أيضا وسلبوهم وكذلك خان الملايات المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع المسلمين وودائع الغائبين فسكت المصاب على غصته واستعوض الله في قضيته لأنه إن تكلم لا تسمع دعواه ولا يلتفت إلى شكواه وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 أو اختلس وبث اعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات فيقبضون على الناس بحسب أغراضهم وما ينهبه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده ويعمل برأيه واجتهاده ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين يديه بالحبال ويسحبهم الأعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم على بعض فيضعون على المدلول عليهم أيضا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الاغا وتجبر في أفعاله وطغى وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها إلا الله وطال بالكفرة بغيهم وعنادهم ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم وأصبح يوم الأربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا لبيت صارى عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولأطفوه والتمسوا منه أمانا كافيا وعفوا ينادون به باللغتين شافيا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية فوعدهم وعدا مشوبا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في إثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان الترجمان: نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في اخراج العسكر من الجامع الأزهر فأجابهم لذلك السؤال وأمر باخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين اسكنوهم في الخطة كالضابطين ليكونوا للأمور كالراصدين وبالأحكام متقيدين ثم أنهم فحصوا على المتهمين في إثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ إسمعيل البراوي وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فإنه تغيب وسافر إلى جهة الشام وفحصوا عليه فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم أيضا إبراهيم أفندي كاتب البهار بأنه جمع له جمعا من الشطار وأعطاهم الأسلحة والمساوق وكان عنده عدة من المماليك المخفيين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الاغا. وفي يوم الأحد ثامن عشرة توجه شيخ السادات وباقي المشايخ إلى بيت صار عسكر الفرنسيس وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الاغا وقائمقام والقلعة فقيل لهم: وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا. وفيه نادوا في الأسواق بالأمان ولا أجد يشوش على أجد مع استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بادنى شبهة ورد بعضهم الأمتعة التي نهبت للنصارى. وفيه توسط عمر القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صارى عسكر فأختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وإمامهم الطبل الشامي على عادة عسكر المغاربة وسافروا إلى جهة بحرى بسبب أن بعض البلاد قام على عسكر الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا أيضا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربوهم وقاتلوهم فلما ذهب أولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشما وقتلوا كبيرها المسمى بأبن شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئا كثيرا جدا وأحضروا إخوته وأولاده وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن ابيهم وسكن العسكر المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون إليهم في كل يوم ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى أشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم والمتعلمون مقابلون له صفا وبأيديهم بنادقهم فيشير إليهم بألفاظ بلغتهم كان يقول مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش: فيمشون صفوفا إلى غير ذلك. وفيه سافر برطلمين إلى ناحية سرياقوس ومعه جملة من العسكر بسبب الناس الفارين إلى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في تحصيها ورجع بعد أيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وفي يوم الأربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صارى عسكر في أمر إبراهيم أفندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الاغا الىداره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق بالمماليك بدفتر البهار. وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الأربعين بها عسكر الفرنسيس إلى جهة بحرى. وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام وعلىيده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر باشا إلى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من إبراهيم بك خطابا للمشايخ وذلك كله بالعربي ومضمون ذلك بعد براعة الأستهلال والآيات القرآنية والاحاديث والاثار المتعلقة بالجهاد ولعن طائفة الافرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم وكذلك قية المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها إلى صارى عسكر فلما اطلع عليها قال هذا تزوير: من إبراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة وأما أحمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليا بالشام ولا مصر لأن والي الشام إبراهيم باشا وأما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فانا أعلم بذلك وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة وورد خبر أيضا بانفصال محمد باشا عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه الأيام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات وبنوا ابنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا أماكن بالجيزة وحصنوها تحصينا زائدا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الآن بأولاد عنان على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلا كثيرة واشجار الجيزة التي عند أبي هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورا كثيرة وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك. وفي ليلة الأحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس إلى بيت البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صارى عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم إلى بيت قائمقام بدرب الجماميز وهو الذي كان به دبوىا قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه فلما وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم إلى القلعة فسجنوهم إلى الصباح فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس أياما وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ إلى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب معهم إلى صارى عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنا منهم أنهم في قيد الحياة فركب معهم إليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان أصبروا ما هذا وقته وتركهم وقام ليذهب في بعض أشغاله فنهض الجماعة أيضا وركبوا إلى دورهم. وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة الأزهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا إلى الهروب وذهبوا إلى البيوت والمساجد واختلفت اراؤهم ورأوا في ذلك اقضية بحسب تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ إلى صارى عسكر واخبروه بذلك وتخوف الناس فأرسل إليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الاغا والوالي وبرطلمين ينادون بالأمان وسكن الحال وقيل أن بعض كبرائهم حضر عند القلق الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا اتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدا للتخويف والارهاب خشية من قيام فتنة لما اشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الأرجح. وفيه كتبوا اوراقا والصقوها بالأسواق تتضمن العفو والتحذير من اثارة الفتنة وأن من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وفيه شرعوا في احصاء الأملاك والمطالبة بالمقرر فلم يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه. وفيه أيضا قلعوا ابواب الدروب والحارات الصغيرة الغير النافذة وهي التي كانت تركت وسومح اصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على ابقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها إلى ما جمعوه من البوابات بالازبكية ثم كسروا جميعها وفصلوا اخشابها ورفعوا بعضها على العربات الىحيث اعمالهم بالنواحي والجهات وباعوا بعضها حطبا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره. وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها وعبروا منها إلى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع. وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ إلى صارى عسكر وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل ابوه وكان معوقا ببيت البكري فشفعهم فيه واطلقوه. واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213. فيه كتبوا عدة أوراق على لسان المشايخ وأرسلوها إلى البلاد والصقوا منها نسخا بالأسواق والشوارع. وصورتها نصيحة من كافة علماء الإسلام بمصر المحروسة نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ إلى الله من الساعين في الأرض بالفساد نعرف أهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية واشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا اصحابا واحبابا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت الطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند أمير الجيوش يونابارته وارتفعت هذه البلية لأنه رجل كامل العقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة إلى الفقراء والمساكين ولولاه لكانت العساكر احرقت جميع المدينة ونهبت جميع الأموال وقتلوا كامل أهل مصر فعليكم أن لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام المنافقين ولا تتبعوا الأشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقرأون العواقب لأجل أن تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فإن الله سبحانه وتعالى يؤتى ملكه من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم أن كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قتلوا من آخرهم وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم أن لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واشتغلوا باسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي عليكم الدين النصيحة والسلام. وفيه امروا بقية السكان على بركة الأزبكية وما حولها بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم يكون الكل في حومة واحدة وذلك لما داخلهم من المسلمين حتى أن الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد أن كانوا من حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلا إلا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ بيده عصا أو سوطا أو نحو ذلك وتنافر قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف المسلمون عن الخروج والمرور بالأسواق من الغروب إلى طلوع النهار ومن جملة من انتقل من الدرب الأحمر إلى الأزبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين ويصعد الدرج ويهبط منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة وكان من جملة المشار إليهم فيهم والمدبر لامور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية عظيمة واهتمام زائد كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار العامة ونهبوها وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون فأخبروا من بالقلعة الكبيرة فنزل منهم عدة وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها وضربوهم بالبندق ودخل الباقون فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة وكان بتلك الدار شيء كثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 من آلات الصنائع والنظارات الغربية والآلات الفلكية والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعا وصعب ذلك على الفرنسيس جدا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الالآت ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار. وفي خامسة افرجوا عن إبراهيم أفندي كاتب البهار وتوجه إلى بيته. وفي ثامنه قتلوا أربعة أنفار من القبط منهم اثنان من النجارين قيل أنهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة. وفيه كتبوا عدة أوراق وأرسلوا منها نسخا للبلاد والصقوا منها بالاخطاط والأسواق ذلك على لسان المشايخ أيضا ولكن تزيد صورتها عن الأولى. وصورتها نصيحة من علماء الإسلام بمصر المحروسة نخبركم يا أهل المدائن والأمصار من المؤمنين ويا سكان الارياف من العربان والفلاحين أن إبراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات إلى سائر الاقاليم المصرية لأجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا السلطان ومن بعض وزراءه بالكذب والبهتان وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد وأغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم ويتركوا عيالهم وأوطانهم فارادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية لأجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الأوراق صادقين بانها من حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارا مع اغوات معينين ونخبركم أن الطائفة الفرنساوية بالخصوص عن بقية الطوائف الافرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم ويبغضون المشركين وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من اجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة والطائفة الفرنساوية يعاونون حضرة السلطان على أخذ بلادهم أن شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم أيها الأقاليم المصرية إنكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسين ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم ناديم وإنما عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى أموالكم وعيالكم آمنين مطمئنين لأن حضرة صارى عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته اتفق معنا على أنه لا ينازع أجد في دين الإسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الأحكام ويرفع عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة من المغارم فلا تعلقوا آمالكم بإبراهيم ومراد وراجعوا إلى مولاكم مالك الملك وخالق العباد فقد قال نبيه ورسوله الأكرم: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الأمم" عليه أفضل الصلاة والسلام وفي ثالث عشره قتلوا شخصين عند باب زويلة أحدهما يهودي لم يتحقق السبب في قتلهما. وفيه اخرجوا من بيت نسيب إبراهيم كتخدا صناديق ضمنها مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة. وفي خامس عشرة حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرا وضاع على أصحابه. وفيه دلوا على إنسان عنده صندوقان وديعة لأيوب بك الدفتردار فطلبوه وأمروه باحضارهما فأحضرهما بعد الانكار والحجد عدة مرار فوجدوا ضمنهما أسلحة جواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك. وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالأسواق مضمونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبا ببركة الأزبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الافرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم فرأيت قماشا على هيئة الأدية على عمود قاتم وهو ملون احمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الأدهان وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك من حديد منها إلى الدائرة وهي مشدودة ببكر واحبال واطراف الاحبال بأيدي أناس قائمين باسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك الفتيلة فصعد دخانها إلى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان الصعود إلى مركزه فلم يجد منفذا فجذبها معه إلى العلو فجذبها بتلك الاحبال مساعدة لها حتى ارتفعت عن الأرض فقطعوا تلك الحبال فصعدت إلى الجو مع الهواء ومشت هنيهة لطيفة ثم سقطت طارتها الفتيلة وسقط أيضا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من نسخ الأوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما قالوه من أنها على هيئة مركب تسير في البلاد البعيدة لكشف الأخبار وإرسال المراسلات بل ظهر أنها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والافراح. وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالأسواق ومعهم مقاطف بها لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس الكلاب مرمية وطرحى بالأسواق وهي موتى فأستأجروا لها من أخرجها إلى الكيمان وسبب ذلك أنهم لما كانوا يمرون بالأسواق في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها. وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر إلى جهة مراد بك وكذلك إلى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك إلى السويس الصالحية وأخذوا جمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم أجرتهم فشح الماء وغلا وبلفت القرية عشرة انصاف فضة. وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل به من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها. منها أنهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للازبكية ابنية على هيئة مخصوصة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة وجعلوا على كل من يدخل إليه قدرا مخصوصا يدفعه أو يكون مأذونا وبيده ورقة. ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا أماكن بالجيزة ومهدوا التل المجاور لقنطرة الليمون وجعلوا في أعلاه طاحونا تدور في الهواء عجيبة وتطحن الأرادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونا أخرى بالروضة تجاه مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة الأزبكية وهدموا الأماكن المقابلة لبيت صارى عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا الأماكن المقابلة لها من الجهة الاخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا اشجارها وردموا مكانها بالأتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد ببيت صارى عسكر إلى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت إلى السقوط وفعلوا بعدها كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقم من الأزبكية إلى بولاق قسمين قسم إلى طريق أبي العلا وقسم يذهب إلى جهة التبانة وساحل النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري إلى ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه إلى منتهاه خندقين وغرسوا بجانبه اشجارا وسيسبانا واحدثوا طريقا أخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند المكان المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسر ممتدا ممهدا مستطيلا يبتدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 من الحد المذكور وينتهي إلى جهة المذبح خارج الحسينية وازلوا ما يتخلل بين ذلك من الأبنية والغيطان والاشجار والتلول وقطعوا جانبا كبيرا من التل الكبير المجاور لقنطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي وقطعوا اشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي واشجار الجسر أيضا والابنية التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض بحيث صارت طريقا ممتدة من الأزبكية إلى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة العادلية على خط مستقيم من الجهتين وقيدوا بذلك انفارا منهم يتعاهدون تلك الطرق ويصلحون ما يخرج منها عن قالب الأعتدال بكثرة الدروس وحوافر الخيول والبغال والحمير وفعلوا هذا الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا أحدا في العمل بل كانوا يعطون الرجال زيادة عن اجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة ويستعينون في الأشغال 2 وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول المساعدة في العمل وقلة الكلفة. كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابا أو طينا أو احجارا من مقدمها بسهولة بحيث تسع مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها إمامه فتجرى على عجلتها بأدنى مساعدة إلى محل العمل فيمليها باحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشق وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا يقطعون الأحجار والأخشاب إلا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجا ووضعوا علىأسواره مدافع واسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة مدة طويلة وباع نظاره منه أنقاضا وعمدا كثيرة. ومنها أنهم احدثوا على التل المعروف بتل العقارب الناصرية ابنية وكرانك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وأبراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر المرابطين فيه. وهدموا عدة دور من دور الأمراء وأخدوا أنقاضها ورخامها لابنيتهم وأفردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخرفه وصرف عليه اموالا عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر وإذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول إلى أعز أماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وأظهار السرور بمجيئه إليهم وخصوصا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعا للنظر في المعارف بذلوا له مودته ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والأقاليم والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الأمم وقصص الانبياء بتصاويرهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث اممهم مما يحير الافكار ولقد ذهبت إليهم مرارا واطلعوني على ذلك فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرا إلى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة أخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الاخرى صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه وسلم راكب عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 من صخوره بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الأئمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما بها من المساجد العظام كأياصوفي وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية اصناف الناس لذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبى أيوب الانصاري وهيئة صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والأهرام وبرابي الصعيد والصور والاشكال والافلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات والأعشاب وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الاثقال وكثير من الكتب الإسلامية مترجم بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف والبردة للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورا من القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت إلى لغتهم في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بها الآلات الفلكية الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب براريم مصنوعة محكمة كل آلة عدة قطع تركب مع بعضها البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث إذا ركبت صارت آلة كبير أخذت قدرا من الفراغ وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها إلى المرئي وإذا انحل تركيبها وضعت في ظرف صغير وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وارصادها ومعرفة مقاديرها واجرامها وارتفاعاتها واتصالاتها ومناظرتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منهم بيت إبراهيم كتخدا السنارى وهم المصورون لكل شيء ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الأدميين تصويرا يظن من يراه أنه بارز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى أنه صور صورة المشايخ كل واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الأعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صارى عسكر وآخر في مكان آخر يصور الحيوانات والحشرات واخر يصور الأسماك والحيتان بانواعها وأسمائها ويأخذون الحيوان أو الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنا طويلا. وكذلك أفردوا أماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم رويا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والأدهان واستخراج الأملاح وقدورا عظيمة وبرامات وجعل له مكانا أسفل وأعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الاطباء والجرايحية. وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع والات تصاعيد الارواح وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الارمدة المستخرجة من الأعشاب والنباتات واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج البلوري المختلف الأشكال والهيئات على الرفوف والسدلات وبداخلها أنواع المستخرجات. ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان أن بعض المتقيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئا في كأس ثم صب عليها شيئا من زجاجة أخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف ما في الكأس وصار حجرا أصفر فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق وباخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا وأخذ مرة شيئا قليلا حدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة القسم فغمسها في ماء قراح موضوع في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها أخرى على غير هيئتها وأنزلهما في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وآتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة إليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء المحبوس وفرقع بصوت هائل أيضا وغير ذلك أمور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من اجتماع العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاج فيتولد من حركتها شرر يطير بملاقاة أدنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة وإذا مسك علاقتها شخص ولو خيطا لطيفا متصلابها ولمس آخر الزجاجة الدائرة أو ما قرب منها بيده الأخرى ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس هذا اللامس أو شيئا من ثيابه أو شيئا متصلا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفا أو أكثر ولهم فيه أمور وأ وال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول أمثالنا. وأفردوا أيضا مكنا للنجارين وصناع الالآت والأخشاب وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في اشغالهم وهندساتهم وأرباب صنعائهم ومكانا آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا كثيرا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد العظيمة ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالاقلام المتينة الجافية وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية الحادثة من الأصطكاك وباعلى هذه الأمكنة صناع الأمور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 شهر رجب سنة.1213 استهل بيوم الأحد في ثالثه قتلوا شخص من الأجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين ثم رجع من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى أغا مستحفظان ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل إلى مصر بغير أذن الفرنسيس. وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل أنهم عثروا له على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة إلى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام ويأمرهم بالحضور وقت أن يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه أربعة من الأجناد أيضا. وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لأن ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم. وفي يوم الأربعاء عاشره نادوا في الأسواق بأن من أراد أن يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالأسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية أن في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري كل من أراد أن يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة أنه يقتنى كما يريد ويشاء. وفي يوم الإثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته إلى السويس وأخذ صحبته السيد أحمد المحروقي وإبراهيم أفندي كاتب البهار وأخذ معه أيضا بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل الذخيرة والماء والقومانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم آخر وعينوا له ستين نفرا منهم أربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي وأحمد محرم ومن النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة وأرسلوا منها نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالأسواق على العادة وأرسلوا اللذين عينوا بالديوان أوراقا بأسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك وقد أوردت ذلك وأن كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه. بسم الله الرحمن الرحيم من أمير الجيوش الفرنساويه خطابا إلى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم أن بعض الناس الضالين العقول الخليين من المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب تحريك هذه الفتنة بينكم ولأجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا إلى ترتيب الديوان كما كان لأن حسن احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة إنسانا ذنوب الأشرار وأهل الفتنة التي وقعت سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بأن الذي يعاديني ويخاصمني إنما خصامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى وإرادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة وأعلموا أيضا امتكم أن الله قدر في الأزل هلاك اعداء الإسلام وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الأزل أني اجيء من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها واجراء الأمر الذي امرت به ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وارادته وقضائه وأعلموا أيضا أمتكم أن القرآن لعظيم صرح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل وأشار في آيات أخرى إلى أمور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا يتخلف إذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا إلى صفاء النية واخلاص الطوية فإن منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة سطوتي ولم يعلموا أن الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور والذي يفعل ذلك يكون معارضا لأحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله غلام الغيوب وأعلموا أيضا أني أقدر على إظهار ما في نفس كل أجد منكم لانني أعرف احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وأن كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة أن كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا يرد وأن اجتهاد الإنسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام. ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع إليهم نظير تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين. وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون فرسا أخذوها. وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من السويس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وكان سارى عسكر ذهب إلى ناحية بلبيس فأستاذ ونه في ذهابهم إلى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم إلى مصر فلما حضروا حكوا أن أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا إلى الطور وذهب البعض إلى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والأمتعة وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرا عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة بالمنهوبات ثم إنه وجد مركبان حضرا إلى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت إحداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا إليها في الغاطس وأخرجوها بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الأثقال وفي مدة إقامته بالسويس صار يركب ويتأمل في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الأدم في هذه السفرة ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح معلق في عنقه. وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا أيضا عدة من أولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم إلى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم أيضا ثلاثة حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج. وفي ليلة الإثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس إلى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم إلى القاهرة وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب ومعه أيضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة إلى الرميلة على يد الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية. منها أن في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة إلى دار الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا إلى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء الخدامات وابنة خدامة أيضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا قد انتقلوا إلى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا ومصاغا ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان سارى عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص عمن فعل ذلك وقتله. ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل بالازقة هم من أهل البلد وإذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته سمروا الحانوت أو الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لأجل ذلك واتفق أن المطراطفا عدة قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق وأصبح أهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الأزقة والعطف الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل إلا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل الشتاء الطويل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 شهر شعبان المعظم سنة 1213. استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل أنهم من المتسلقين على الدور. وفيه أخبر السفار بأن مراد بك ومن معه ترفعوا إلى قبلي ووصلوا إلى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال. وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق. وفي يوم الأحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والأسواق لأجل مولد الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة له على ذلك وكان السبب في ذلك والأصل فيه أن هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن شفاه الله تعالى فحصلت له بعض إفاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم إليهم كثير من أهل البدع كجماعة العفيفي والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون إلى شيخ من أهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم أنهم يجلسون قبالة بعضهم صفين ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة أخرى قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الأرض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام إلا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم من جماعة الفقراء كل أجد له طريقة وكيفية تباين الأخرى هذا مع ما ينضم إلى ذلك من جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والاضاحيك والتلفت إلى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمى قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات علىالناس فيه وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقا بالأسواق الممتهنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال على ذلك بقدوم جماعة الإشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون أنه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم أو يعترضهم إلى الأعتزال والخروج والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه أو يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم يقطع ليلته تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن أنه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك إلا مرضا ومقتا واستجلب خدمة الضريح مالاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لاكل أموال الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور إلى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا بالليل أيضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان أسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر فلما أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وأمرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من الليل كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة ووافق ذلك هوى العامة لأن أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك الضابط ومعه زوجته وهي من أولاد البلد المخلوعين أيضا فانساق الحديث لذكر هذا المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك. وفي يوم الأربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة الأزبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت إلى الأعلى ومرت إلى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الأعين لتمت الحيلة وقالوا أنها سافرت إلى البلاد البعيدة بزعمهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وفيه سافر الخواجة مجلون إلى الصعيد واليا على جرجا لتحرير البلاد وقبض الأموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز. وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات وصناديق قيل أنهم ارسلوها إلى الطور وصحبتهم عدة من العسكر. وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما وجدوه بها من الأمتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الأتراك والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم. وفيه تواترت الأخبار أن علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن إلى جهة الشام وصحبتهم جماعة إبراهيم بك وكان ذهابهم في اواخر رجب. وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على البيوت والدكاكين وأن يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع أربع قناديل بين كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الأغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة. وفيه نادوا أيضا أن كل من كان له دعوى شرعية أو ظلامة فليذهب إلى العلماء والقاضي. وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والأوز والحمير وغير ذلك. وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب أمانا للست فاطمة زوجة مراد بك ولابنة المرحوم محمد أفندي البكري وزوجها الأمير ذي الفقار وخشداشينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى عنده فكتب له امان بحضورهم وأرسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض الاحتياجات واخبر ذلك الرسول أن عبد الله باشا ابن العظم بغزة وإبراهيم بك ومن معه خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد. وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية إلى قطبا وشرعوا في بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر إلى جهة الشام والأغارة عليها. وفي ليل الأحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو وهو أول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند كل انتقال الشمس من برج إلى برج. وفي يوم الإثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة. وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر الفرنساوية واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر إلى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر منصور وبلاد أخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي عصى عليهم ضربوه ونهبوه أيضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص أيضا ودخلوا بذلك المدينة فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى القبط. وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت. وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بأن كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر. وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس إلى جهة الشام وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك. وفي يوم الإثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها بالأسواق على العادة ونصها. الحمد لله وحده وهذا خطاب إلى جميع أهل مصر من خاص وعام من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الإسلام والوجاقات والتجار الفخام نعلمكم معاشر أهل مصر أن حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت قائد اغا بالازبكية ورتبه من أربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لأجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة لأهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام وأحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل المذكور كل يوم لأجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي إلى أدنى مقام لأن الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فإن ذلك قبيح عندهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 لا يفعله إلا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني مكاس لأنه بلغه أنه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل من بحر النيل إلى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر إلى قطر الحجاز الافخم وتحفظ البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الأستقامة لأجل خلاصكم من أسباب العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة فليأت إلى الديوان بقلب سليم إلا من كان له دعوى شرعية فليتوجه إلى قاضي العسكر المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام. وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم التعرض لهم ولحميرهم. وفي ليلة الأربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر وطلب كبير الفرنساوية بونابارته أن يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج ويأخذ أيضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة أيضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط والشوام. وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالأمان وفتح الأسواق ليلا في رمضان حكم المعتاد. وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو بيت إبراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا جميعهم إلى بركة الأزبكية. وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر أمر ركوبه المعتاد لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة أيام أولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في أول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والأعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا أيضا أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالأبهة الكاملة زيادة عن العادة وإمامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وأمير الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب إلى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا هلال رمضان ليلة الأربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وإمامه المشاغل الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهول وانقضى شهر شعبان وحوادثه. فمنها أن أهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا إليها وأنهمكوا في عمل مواليد الأضرحة التي يرون فرضيتها وأنها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم إلى الله زلفى في المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الأسر وكساد غالب البضائع وغلوها وانقطاع الأخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر والوارد حتى غلت اسعار جميع الأصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا إلى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والأكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى وأما أرباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الأزقة خصوصا جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فإن للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث أن الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى أن يجري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم المكارية في ذلك كما أن لهم العناية وبذل الأموال والتردد إلى حانات الراح والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح. ومن طبعهم في الشرب أنهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس فإن زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج إلى السوق ووقع منه أمر مخل عاقبوه وعزروه. ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومنها تواتر الأخبار من ابتداء شهر رجب بأن رجلا مغربيا يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت أخبار الفرنسيس إلى الحجاز وأنهم ملكوا الديار المصرية انزعج أهل الحجاز ويدعوهم إلى الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا اموالهم وأنفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا البحر إلى القصير مع ما انضم إليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره أنه انضم إليهم جملة من أهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند وقعة انبابة وركب الغز معهم أيضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وأنهزموا وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك إلى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل. ومنها أن الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار أياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وأن هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها والله أعلم. ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الأربعاء سنة 1213. وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر إلى جهة الشام وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة. وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا وأحضر المشايخ والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وأنهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد واجلوا باقيهم إلى اقصى الصعيد وأنهم متوجهون إلى الفرقة الاخرى بناحية غزة فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لأجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا وبحرا لعمار القطر وصلاح الأحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر إلى جهة العادلية وخرج أيضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الأسرة والفرش والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من بيوت الأمراء وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك. وفي يوم الأحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج أيضا إلى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 زحل وأبقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة. وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى الشوام وعرفوهم أن المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل قائمقام خلف المهدي والأغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له وإنما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الأعتقال ثم أن نصارى الشوام رجعوا إلى عادتهم القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا أيضا بالمنادة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين أولا ولا يتجاهرون بالأكل ولا يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى أن بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما إلى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه أن من عادتهم القديمة أنه إذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الأسواق ولا بمرأى من المسلمين أبدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله. وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا ومعه آخر من الأجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وفي خامس عشرينه ورد الخبر بأن الفرنساويه ملكوا قلعة العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الأسواق أن الفرنساوية ملكوا قلعة العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فإذا سمعتم ذلك فلا تفزعوا فلما أصبح يوم الأحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا إلى خارج القاهرة حيث الجامع الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا معهم إلى الأزبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم إلى بيت قائمقام فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا إلى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الأشقر وآخر يقال له: حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي وأسمعيل كاشف تابع أحمد كاشف المذكور وكان من خبرهم أنهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو ألف عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر إليهم سارى عسكر بجموعه بعد أيام والحوا في حصارهم فأرسل من بالعريش إلى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول إلى القلعة لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وأنهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الأمان فأمنوهم ومن القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم إلى مصر مع الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا إلى مصر كما ذكر وأخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش فبعضهم انضاف إليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم إلى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس إلى ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالأسواق والدور وأولموا في بيوتهم الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة. وفي يوم الأربعاء تدفي أحمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا إلى بيت قائمقام بالازبكية فلما أصبح يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها أن الفرنسيس أخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة. منها أنهم وجدوا إبراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم إلى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وأنهزموا وفي ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة أيضا ببرانيط ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش إلى أن وصلوا إلى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ الشرقاوي فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الأزهر فنصبوا بيريقين ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة أخرى بيرقا ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع أيضا أعلاما بالعيد وبعد العشاء الاخير طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالأمان وبخروج الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة العيد وأن يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا أوراقا وأرسلوها إلى البلاد ونصها فرمان عام موجه من أمير الجيوش إلى أهالي الشام قاطبة. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية إلى حضرة المفتين والعلماء وكافة أهالي نواحي غزة والرملة ويافا حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم أننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا حضرنا في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم وإلى أي سبب حضور عسكر الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه وإلى أي سبب أيضا أرسل عساكره إلى قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده أجراء الحروب معنا ونحن حضرنا لنحاربه فأما أنتم يا أهالي الأطراف المشار إليها فلم نقصد لكم أذية ولا أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجا عن محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الأمان الكافي والحماية التامة ولا أجد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا أن القضاة يلازمون خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص أن دين الإسلام لم يزل معتزا ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين إذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم أن جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلا ولا نفع لهم به لأن كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى الخصوص من كوننا متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين. ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالأسواق وصورته. بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين نخبر أهل مصر وأقاليمها أنه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 برتبه خطابا إلى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر يخبره فيه بأن العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي فجر تلك الليلة توجهوا سائرين إلى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه إليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها إلا شخصان من الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية إلى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد أخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في أحكام مولاكم الذي خلقكم وسواكم والسلام ختام. وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الأخبار من السكون والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم إلا في النادر واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الأسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية والنقول وترجي المأمول وانحلال الأسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار. ومنها أن الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم أيضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل. شهر شوال سنة 1213. استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والأزهر واتفق أن إمام الجامع الأزهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم اعاد الصلاة بعد ما شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور فانتبذ بعض الحرافيش نواحي تربة باب النصر وأسرع في مشيه وهو يقول نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى أن بعض النساء مات تحت الارجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وإنما ذلك من مخترعا الاوباش لينالوا اغراضهم من الخطف بذلك. وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة أيضا. وفي أوائله وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية القبليين تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون إلى نواحي إبراهيم بك ومنهم من ذهب إلى ناحية أسوان والألفي عدي بجماعته إلى البر الشرقي. وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين متمرضا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم أن كبير الفرنسيس لما ارتحل من الصالحية أرسل إلى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم يأمرهم بالحضور إلى الصالحية لانهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما أرادوا ذلك بلغهم وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور فذهبوا إلى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر الفرنسيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي فحصل للدواخلي توعك فحضر إلى مصر وبقي رفيقاه في حيرة. وفي سابعه أحضر الاغا رجلا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق امرأة علىشباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك أن الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة الركيبة ويسى دلوى أحضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي فاجتمعوا وذهبوا إلى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا إليه وكان الأمير ذو الفقار حاضرا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ البلد إلى دلوى فأنتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره اتباعه أن ذا الفقار هو الذي عضدهم وأنهى شكواهم إلى كبيرهم فقام دلوى المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام ودهب إلى كبيرهم واخبره بفعل دلوى معه فأمر باحضاره وحبسه بالقلعة ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد أن العرض الذي وقع من دلوى لباعة الغلة إنما هو باغراء خادمة وعرفه أن خادمه المذكور مولع بأمرأة رقاصة من الرميلة تأتيه باشكالها هو واضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي بخطهم ليلا ونهارا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل. وفي ثامنه يوم الجمعة نودى في الأسواق بموكب كسوة الكعبة المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الإشاير وخلافهم على العادة في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الأسواق وطريق المرور وجلسوا للفرجة فمروا بذلك وامامها الوالي المحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع الإشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وإمامه نفر الينكجرية من المسلمين نحو المائتين أو أكثر وعدة كثيرة من نصارى الاروام بالاسلحة والملازمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة من أغرب المواكب واعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الأشكال وتنوع الأمثال واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الأضداد ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة من نسجها بالقلعة. وفي يوم الأربعا ثالث عشرة حضر عدة من الفرنسيس وهم راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأعلام بعد المهر وأخبروا أن الفرنسيس ملكوا قلعة يافا وبيدهم مكاتبة من سارى عسكرهم بالأخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها علىهذه الكيفية وهي عن لسان رؤساء الديوان إلى الكافة وذلك بالزامهم وأمرهم بذلك. وصورتها بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مالك الملك يفعل في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الاقطار الشامية نعرف أهل مصر وأقاليمها من سائر البرية أن العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان ووصلوا إلى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر أحمد باشا الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار ثم أن الفرنساوية وجدوا في الرملة ومدينة لد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفا وخمسمائة قربة مجهزة جهزها الجزار يسير بها إلى إقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده أن يتوجه إليها باشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصدا سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لأنه تربية المماليك الظلمة المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره أن الأمر لله كل شيء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية إلى بندر يافا من الاراضي الشامية واحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية وأرسلوا إلى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به ويعسكره الدمار فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخألف قانون الحرب والصواب. وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير الطابور الأول توجه على طريق عكا بعيدا عن يافا ربع ساعات وفي السابع والعشرين من الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لأجل أن يعملوا متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينه لأنه وجد سور يافا ملآنا بالمدافع الكثيرة ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة. وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق إلى السور مقدار مائة وخمسين خطوة أمر حضرة سارى عسكر المشار إليه أن ينصب المدافع على المتاريس وأن يضعوا اهوان القنبر بأحكام وتأسيس وامر بنصب مدافع آخر بجانب البحر لمنع الخارجين إليهم من مراكب المينا لأنه وجد في المينا بعض مراكب اعدها عسكر الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون بالقلعة المحاصرون أن عسكر الفرنساوية قلائل في رأى العين للناظرين لمداراة الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين مهرولين وظنوا أنهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة في تلك الواقعة والجؤهم للدخول ثانيا في القلعة. وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند سارى عسكر شفقة قلبية وخاف على أهل يافا من عسكره إذا دخلوا بالقهر والإكراه فأرسل إليهم مكتوبا من رسول مضمونه لا اله إلا الله وحده لا شريك له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتية كتخدا العسكر الفرنساوي الىحضرة حاكم يافا نخبركم أن حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته امرنا أن نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره إلى هذا الطرف اخراج عسكر الجزار فقط من هذه البلدة لأنه تعدى بإرسال عسكره إلى العريش ومرابطته فيها والحال أنها من إقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الإقامة بالعريش لانها ليس من أرضه فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا أن بندركم حاصرناه من جميع أطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي مقدرا ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبكرم أن حضرة ساري عسكر المشار إليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره المحاربين إذا دخلوا عليكم بالقهر أهلكوكم اجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب أمانا كافيا لأهل البلد والأغراب ولأجل ذلك آخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم ساعة فلكية واحدة واني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المحمدية وحالا في الوقت والساعة هيج سارى عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر الموجب للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس وانقلب عسكر الجزار في وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء الله ولا مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت الفرنساوية جميع البندر والابراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج وحصل النهب فيها تلك الليلة. وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضر ساري عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 الأمان وأمرهم برجوعهم إلى بلدهم مكرمين وكذلك أمر أهل دمشق وحلب برجوعهم إلى أوطانهم سالمين لأجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد اتقانه وتحصينه في هذه الواقعة قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم إلا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير وسبب ذلك سلوكهم إلى القلعة من طريق امينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة وأموالا غزيرة وأخذوا المراكب التي في المينة وأكتسبوا امتعة غالية ثمينة ووجدوا في القلعة أكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله أن آلات الحرب لا تنفع فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على أحكام الله وعليكم بتقوى الله وأعلمو أن المك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله. فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل يتيقنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة ولكن المقضي كائن. وفي يوم الجمعة خامس عشرة شق جماعة من اتباع الشرطة في الأسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق الفرنسيس ويقولون لهم من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام في ذلك فإن ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم أنه أن بلغ الحاكم من المتجسسين عن أجد تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم. وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس لبرج الحمل وهو أول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار الخلاعة نساء ورجالا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجا وشموعا وغير ذلك وأظهر الاقباط والشوام مزيد الفرح والسرور. وفي يوم السبت المذكور ارسلوا الأعلام والبيارق التي أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار إلى الجامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الأزهر وكانوا انزلوا أعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من أعلى المنارات وأرسلوا بدلها أعلام يافا وعملوا لها موكبا بطائفة من العسكر بقدمهم طبلهم وخلفهم الاغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبروا الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون عليه بأزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على اكتافهم كالطائفة الأولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الأعلام الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على حمير المكارية فلما وصلوا إلى باب الجامع الأزهر رتبوا تلك الأعلام وضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الآخر من الجهة الاخرى عند حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية ولم يصعدوا منها عل المنارات كما صنعوا في أعلام العريش. وفي يوم الأحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق مبصومة والصقوها بالأسواق أحداها بسبب مرض الطاعون وأخرى بسبب الضيوف الاغراب ومضمون الأولى بتقاسيمه ومقالاته خطابا لأهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها انكم تمتثلون هذه الأوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد من الانتقام والعقاب الاليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو ظننتم أو توهمتم أو شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع يلزمهم ويتحتم عليكم أن تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة أو السوق الذي فيه ذلك أن يخبر حالا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط القلق يخبر شيخ البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورا وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها وجوانبها والأطباء إذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب إلى قائمقام ويخبره ليأمر بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار الاخطاط أو مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام ويجازى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم أيضا من اصابه هذا التشويش أو حصل في بيته لغيره من عائلته أو عشيرته وانتقل من بيته إلى آخر أن يكون قصاصة الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط إذا لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه أو بمن مات بها أيضا حالا فوريا كان عقاب ذلك الرئيس وقصاصة الموت والمغسل أن كان رجلا أو امرأة إذا رأى الميت أنه مات بالكبة اوشك في موته ولم يخبر قبل مضي أربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصةالموت وهذه الاوامر الضرورية بلزوم اغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والإسلامية تنبيه الرعية واستيقاظهم لها فإنها أمور مخفية وكل من خألف حصل له مزيد من الانتقام من قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لأجل الصيانة والحفظ لأهل البلد والحذر من المخالفة والسلام. ومضمون الثانية الخطاب السابق من سارى عسكر دوجا الوكيل وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان أنهم يشهرون الاوامر وينتبهوا لها وكل من خألف يحصل له مزيد الانتقام وهو أنه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة أو وكالة أو بيت الذي يدخل في محله ضيف أو مسافر أو قادم من بلدة أو اقليم أن يعرف عنه حالا حاكم البلد ولا يتأخر عن الأخبار إلا مدة أربعة وعشرين ساعة يعرفه عن مكانه الذي قدم منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة أو ضيفا أو تاجرا أو زائرا أو غريما مخاصما لا بد لصاحب المكان من أيضاح البيان والحذر ثم الحذر من التلبيس والخيانة وإذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الأربعة وعشرين ساعة باظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديا ومذنبا وموالسا مع المماليك. ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل أن تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالا فرانسة في المرة الأولى وأما في المرة الثانية فإن الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم أن الأمر بهذه الأحكام مشترك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل والسلام. وفيه اجتمعوا الديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا الباشا المولى أمير الحاج وهو أنه لما ارتحل مع سارى عسكر وصحبته القاضي والمشايخ الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو إلى الصالحية ثم أنهم انتقلوا إلى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا إلى الجمال فأخذوا جمالهم فلما واصل سارى عسكر إلى وطنه أرسل يستدعيهم إلى الحضور فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم سارى عسكر ثم أن الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الأمر ففارقوهم وذهبوا إلى القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر إلى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية إلى كفور نجم وأقاموا هناك أياما واتفق أن الصاوي أرسل إلى داره مكتوبا وذكر في ضمنه أن سبب افتراقهم من الجماعة أنهم رأوا من كتخدا الباشا أمور غير لائقة فلماحضر ذلك المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الأمور اللائقة فأولها بعض المشايخ أنه قصر في حقهم والأعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص فظهر لهم خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة وأكرمهم وخلع عليهم وانتقل بصحبتهم إلى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الأموال وحين كانوا علىالبحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق إلى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهرا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانا بإعلام سارى عسكرهم بذلك فرجع إليهم بالجواب يأمرهم فيه بأن يرسلو له عسكرا ويرسلوا إلى داره جماعة ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته. وفي يوم الأحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرا وأرسلوا إلى داره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرا على الكسوة وعلى ابن أخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما تركه مخدومه بكر باشا بقائمة واودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب أمتعة الباشا وبرقة وملابسه وعبى الخيل والسروج وغيرها شيئا كثيرا وجدوا بعض خيول وجمال أخذوها أيضا فانقبض خواطر الناس لذلك فإنهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم أنهم ارسلوا أمانا للمشايخ الوجاقلية والتجار بالحضور إلى مصر مكرمين ولا بأس عليهم. وفيه ورد الخبر بأن السيد عمر أفندي نقيب الأشراف حضر إلى دمياط وصحبته جماعة من أفندية الروزنامة الفارين مثل عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب اشهر ومحمد أفندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك أنهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا للمصريين وطلبهم إليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في مركب وأرسلهم إلى دمياط من البحر. وفي يوم الإثنين نادوا في الأسواق على المماليك والغز والأجناد الاغراب بأنهم يحضرون إلى بيت الوكيل ويأخذون لهم ارواقا بعد معرفتهم والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستاهل الذي يجري عليه وسبب ذلك اشاعة دخول الكثير منهم إلى مصر خفية بصفة الفلاحين. وفي يوم الثلاثاء نادوا في الأسواق والشوارع بأن من أراد الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد أن عملوا مشورة في ذلك. وفيه حضر إمام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وأنه مستمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 على مودته ومحبته معهم ويطلب منهم الاجازة بالحضور إلى مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فإن الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب وأن بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرىء كتابه بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا إليه وقالوا أن خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه هذا الأعتذار ثم كتبوا له جوابا وأرسلوه صحبة إمامه مضمونه أن كان صادقا في مقالته فليذهب إلى جهة سارى عسكر بالشام وامهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب إليه وأن تأخر زيادة عليها كان كاذبا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه. وفيه كتبوا أوراقا ونادوا بها في الشوارع وهي يا أهل مصر نخبركم أن أمير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وأن أهل مصر علماء ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الأمر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ أهل مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من أهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم أن تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين. وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما خلا القاضي فإنه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من الحوادث التي منها أن الفرنساوية عملوا جسرا من مراكب مصطفة وعليها اخشاب مسمرة من بر مصر بالقرب العيني إلى الروضة إلى الجيزة. ومنها أن توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفة فضل الدائر لنصف النهار على البلاط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة بثقب عديدة في أعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرا شهرا وعلى كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم أيضا مزولة بالحائط الأعلى على حوش المكان الأسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وامثال ذلك لأجل تحقيق أوقات العبادة وهم لا يحتاجون إلى ذلك فلم يعانوه ورسم أيضا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله أقل من قامة قايم بوسط الجنينه وشاخصها مثلث من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرا في النحاس وفيها تنازيل الفضة على طريق أوضاع العجم وغير ذلك. ومنها أنهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على اتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة اتمامها صاحبنا السيد إسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب أجد العدول بالمحكمة فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك واظهروا أيضا الاهتمام بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الإرسالية خاصة. واستهل شهر القعدة بيوم الأحد سنة 1213. في سادسه يوم الجمعة حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها أنهم أخذوا حيفا وبعدها ركبوا على عكا وضربوا عليها وهدموا جانبا من سورها وأنهم بعد أربعة وعشرين ساعة يملكونها وأنهم استعجلوا في إرسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 لأصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة أيام نحضر عندكم السلام. وفيه حضرت مغاربة حجاج إلى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر لغطهم وتقولوا بأنهم عشرون ألفا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فآذنوا لهم في تعدية بعض أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم إلى الفرنسيس ووشى إليهم أنهم قدموا لمحاربتهم والجهاد فيهم وأنهم اشتروا خيلا وسلاحا وقصدهم اثارة فتنة فأرسل الفرنسيس إليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا إليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن الذي نقل عنهم فقالوا إنما جئنا بقصد الحج لا لغيره ثم رجعوا وصحبتهم كبير المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال: أنا لم نأت إلا بقصد الحج فقيل له ولاي شيء تشترون الأسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له أنه نقل عنكم انكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد افضل من الحج فقال: هذا كلام لا أصل له فقيل له أن الناقل لذلك رجل منكم فقال: إن هذا رجل حرامي أمسكناه بالسرقة وضربناه فحمله الحقد على ذلك وأن هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها ولا يصح أن نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا إلا نصف قنطار وبارود ثم اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدي جماعته ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم إلى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر إلى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا البحر ويمشوا معهم إلى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا أن الفرنسيس خرجت لقتال المغاربة وأغلقوا غالب الأسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 إلى العادلية وهم يضربون الطبول وامامهم مدفع وخلفهم مدفع مع جملة من العساكر. وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس إلى عرب الجزيرة فإن مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب إليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك العساكر. وفي يوم الأربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الأرمني الذي كان رئيس مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية. وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيا فأعطوه الأمان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام. وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية وصحبته اموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها. وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام من العسكر إلى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الألفي. وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا إلى عرب الجزيرة فضربوهم ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل أنه ذهب إلى الشام. وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابا للمشايخ مضمونها أنهم يعرفون أكابر الفرنسيس أنه متوجه إلى ساري عسكرهم بالشام ويرجون الافراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الأمتعة التي أخذوها فإنها من متعلقات الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا: لا يمكن الافراج عن المذكورين حتى تتحقق أنه ذهب إلى سارى عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فإنه من الجائز أنه يكذب في قوله. وفيه ثبت أن محمد بك الألفي مر من خلف الجبل وذهب إلى عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 الغز والماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له العربان التقادم والكف فأرسل له الفرنسيس عدة من العسكر. وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارا قرىء بالديوان وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالأسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب انقطاع الأخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والأشراف الذين معه وغير ذلك. وصورتها من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من حضرة ساري عسكر الكبير خطابا منه إلى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه تاسع القعدة سنة تاريخه يخبر فيه اننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الأولى ارسلناها في خمسة وعشرين شوالا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا إرسال جانب جليل وذخائر إلى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لأجل زيادة المحافظة والصيانة وأما من قبل العرضي فإن الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب والخيرات غزيرة حتى أنها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الأعداء فكأن اعداءنا أعانونا وتخبركم اننا عملنا لغما مقدار عمقه ثلاثون قدما وسرنا به حتى قربناه إلى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدما وقد قربت عساكرنا من الجهة التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية وأربعون قدما بمشيئة الله تعالى عند وصول كتابنا اليكم وقبل إتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا اجمعين فاننا تهيأنا إلى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب وأما بقية إقليم الشام وما يلي عكا من البلاد فإنهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل خير عظيم ويحضرون لنا افواجا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم أيضا أن الجنرال يونوت انتصر على أربعة آلاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 فقابلتهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة المذكورة وأوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب أن ثلثمائة نفس تهزم نحو أربعة آلاف نفس فعلمنا أن النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا آخر كتاب سارى عسكر الكبير إلى وكيله بدمياط وأرسل إلينا بالديوان حضرة الوكيل سارع عسكر دوجا الوكيل بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا أننا نلزم الرعايا من أهل مصر والأرياف أن يلزموا الأدب والانصاف ويتركوا الكذب والخراف فإن كلام الحشاشين يوقع الضرر للناس المعتبرين فإن حضرة سارى عسكر دوجا الوكيل بلغة أن أهل مصر وأهل الارياف يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الأشراف والحال أن الأشراف الذين يذكرونهم ويكذبون عليهم جاءت أخبارهم من حضرة سارى عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بأن الأشراف المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وأنهزموا وتفرقوا فلم يكن الآن في بلاد الصعيد شيء يخألف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل الأرياف اتركوا الأمور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا أدبكم قبل أن يحل بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والأولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وأن يترك الكذب وأن يسلم لأحكام الله وقضاه فإن العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب هذا شأن أهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون باصلاح الأحوال ويرجعون إلى الكبير المتعال والسلام. وفي هذا الشهر كتبوا أوراقا بأوامر ونصها من محفل الديوان العمومي إلى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة إننا قد تأملنا وميزنا أن الواسطة الأقرب والأيمن لتلطيف أو لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع النساء المشهورات لانهن الواسطة الأولى للتشويش المذكور فلاجل ذلك حتمنا ورتبنا ومنعنا إلى مدة ثلاثين يوما من تاريخه أعلاه لجميع الناس أن كان فرنساويا أو مسلما أو روميا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أو نصرانيا أو يهوديا من أي ملة كان كل من أدخل إلى مصر أو بولاق أو مصر القديمة النساء المشهورات أن كان في بيوت العسكر أو كل من كان داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر أن دخلن من أنفسهن أيضا يقاصصن بالموت. ومن حوادث هذا الشهر أنه حضر إلى القلزم مركبان انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس إلى مصر واخبروا بذلك وأنهم صادفوا بعض داوات تحمل البن التجارة فحجزوها ومنعوها من الدخول إلى السويس. ومنها أن طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا إلى الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد والزروعات. ومنها أن الكيلاني المذكور آنفا توفي رحمه الله تعالى وتفرقت طائفته في البلاد حتى أنه حضر منهم جملة إلى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم أهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم. ومنها أنه حضر إلى مصر الأكثر من عسكر الفرنسيس الذين كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي بلدة من بلاد الصعيد مشهورة وكان أهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في أنفسهم الكثرة والقوة والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلا عاليا وضربوا عليهم بالمدافع فأتلفوهم واحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير أهل البلاد القبلية لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة 1213. في ثانيه خرج نحو الألف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الألفي وكذلك تجمع الكثير من الفرنسيس وذهبوا إلى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب أنه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرا فكان يكاتب أهل البلاد ويدعوهم إلى الجهاد فاجتمع عليه أهل البحيرة وغيرهم وحضورا إلى دمنهور وقاتلوا من بها من الفرنساوية واستمر أياما كثيرة تجتمع عليه أهل تلك النواحي وتفترق والمغربي المذكور تارة يغرب وتارة يشرق. وفيه اشيع أن الألفي حضر إلى بلاد الشرقية وقاتل من بها من الفرنسيس ثم ارتحل إلى الجزيرة. وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام إلى الكرنتيلة بالعادلية وفيهم مجاريح واخبر عنهم بعضهم أن الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد باشا بعكا وأن مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا لموته لأنه كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال واقدام عند المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الأبنية وكيفية وضعها وكيفية أخذ القلاع ومحاصرتها. وفي يوم الأربعاء كان عبد النحر وكان حقه يوم الخميس وعند الغروب من تل الليلة ضربوا مدافع من القلعة أعلاما بالعيد وكذلك عند الشروق ولم يقع في ذلك العيد اضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجوزة في الكرنتيلة والناس في شغل عن ذلك. ومن الحوادث في ذلك اليوم أن رجلا روميا من باعة الرقيق عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع إلى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدا بسلاح ومتزيبا بمثل ملابس القليونجية فقال له: من أين لك هذا اللباس فقال: من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك فلم يستمع له ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فوجد عند سيده ضيفا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج وأغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق إلى سطح آخر ثم تدلى بحبل إلى اسفل الخان وخرج إلى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس ونحو ذلك من الكلام ومر إلى جهة الغورية فصادف ثلاثة أشخاص من الفرنسيس فقتل منهم شخصا وهرب الإثنان ورجع على أثره والناس يعدون خلفه من بعد إلى أن وصل إلى درب بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر إلى دار وجدها مفتوحة وربها وأقف على بابها والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونا آخر وبادروا إلى القلاع وحضرت منهم طائفة من القلق يسألون عن ذلك الممولك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا حتى وصلوا إلى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر وأخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في فعله ذلك فقال أنه يوم الأضحية فاحببت أن أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال أنه سلاحي فحبسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض جماعة من أهل الخان ثم أطلقوهم بدون ضرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر الاغا وبرطلمين إلى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا إلى الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئا وأرادوا فتح الحواصل فمنعهم السيد أحمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة أنفار وحبسوهم أيضا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس إلى أن أطلقوهم بعد أيام عديدة من الحادثة. وفي ذلك اليوم أيضا مر نصراني من الشوام على المشهد الحسيني وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد الله فأمره بالنزول اجلالا للمشهد على العادة فامتنع فانتهزه وضربه والقاه على الأرض فذهب ذلك النصراني إلى الفرنسيس وشكا إليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني أنه كان بعيدا عن المشهد وأحضر من شهد له بذلك وأن السيد عبد الله متهور في فعله وادعى أنه ضاع له وقت ضربه دراهم كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسا حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم. وفيه أرسل فرنسيس مصر إلى رئيس الشام ميرة على جمال العرب نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها إلى بلبيس ورجعوا بعد يومين. وفيه حضر إلى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم الشريف فأطلقوهم بعد أن حددوا عليهم أياما مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم عشورا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لأنه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية قبل وصول المراكب إلى السويس بنحو عشرين يوما وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها بالأسواق وهي خطاب لبوسليك. من مات في هذه السنة من الأعيان ومن له ذكر في الناس. مات الإمام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن المتفنن المتجر عين أعيان الفضلاء الأزهرية الشيخ أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة احدى وأربعين ومائة وألف وبها نشأ فقرأ القرآن وقدم الجامع الأزهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في تقريره خلاصة ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع من تقاريره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 على عدة كتب كان يقرأها حتى صارت مجلدات وانتفع بها الطلبة انتفاعا عاما ودرس في حياة شيخه سنينا عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان فيه اتصاف زائد وتؤدة ومروءة وتوجه إلى الحق ولديه أسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الأوفاق والوفق المئيني العددي والحرفي وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس باشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ أحمد الدردير ولي مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت على الإمام وغير ذلك ولم يزل على حالته وافادته وملازمه ودروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة ودفن في تربة المجاورين رحمه الله تعالى عليه. ومات العلامة الفاضل الفقيه الشيخ أحمد بن إبراهيم الشرقاوي الشافعي الأزهري قرأ على والده وتفقه وانجب ولم يزل ملازما لدروسه حتى توفي والده فتصدر للتدريس في محله واجتمعت عليه طلبة ابيه وغيرهم ولازم مكانه بالأزهر طول النهار يملي ويفيد ويفتي على مذهبه ويأتي إليه الفلاحون من جيزة بلادهم بقضاياهم وخصوماتهم وانكحتهم فيقضي بنيهم ويكتب لهم الفتاوي في الدعاوي التي يحتاجون فيها إلى المرافعة عند القاضي وربما زجر المعاند منهم وضربه وشتمه ويستمعون لقوله ويمتثلون لاحكامه وربما اتوه بهدايا ودراهم واشتهر ذكره وكان جسيما عظيم اللحية فصيح اللسان ولم يزل على حالته حتى اتهم في فتنة الفرنسيس المتقدمة ومات مع من قتل بيد الفرنساوية بالقلعة ولم يعلم له قبر. ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح القانع الشيخ عبد الوهاب الشبراوي الشافعي الأزهري تفقه على أشياخ العصر وحضر دروس الشيخ عبد الله الشبراوي والحفني والبراوي وعطية الاجهوري وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس والافادة بالجوهرية وبالمشهد الحسيني ويحضر درسه فيه الجم الغفير من العامة ويستفيدون منه ويقرأ به كتب الحديث كالبخارى ومسلم وكان حسن الالقاء سلس التقرير جيد الحافظة جميل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 السيرة مقبلا على شأنه ولم يزل ملازما على حالته حتى اتهم في اثارة الفتنة وقتل بالقلعة شهيدا بيد الفرنسيس في اواخر جمادى الأولى من السنة ولم يعلم له قبر. ومات الشاب الصالح والنبيه الفالح الفاضل الفقيه الشيخ يوسف المصيلحي الشافعي الأزهري حفظ القرآن والمتون وحضر دروس أشياخ العصر كالشيخ الصعيدي والبراوي والشيخ عطية الاجوري والشيخ أحمد العروسي وحضر الكثير على الشيخ محمد المصيلحي وأنجب وأملى دروسا بجامع الكردي بسويقة اللالا وكان مهذب النفس لطيف الذات حلو الناطقة مقبول الطلعة خفيف الروح ولم يزل ملازما على حاله حتى اتهم أيضا في حادثة الفرنسيس وقتل مع من قتل شهيدا بالقلعة. ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنواني تولى شيخا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوي وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم اموالا عظيمة وعقارات فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالأبعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا ومن عصى عليه أرسل إليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدا من الدفع وأن كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن وله أعوان يرسلهم إلى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها في سني الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته في البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة في طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالأسواق والازقة وتغنيهم بالمدائح الخرافات وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضا في ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 واتفق أن الشيخ الحفني نقم عليه في شيء فأرسل إليه من أحضره موثوقا مكشوف الرأس مضروبا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته إلى بيت الشيخ بالموسكي بين ملأ العالم ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان الصدور المشار إليهم في المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته ويقال قال الشيخ كذا وأمر الشيخ بكذا وصار يلبس الملابس والفراوي ويركب البغال واتباعه محدقة به وتزوج الكثير من النساء الغنيات الجميلات واشتر السراري البيض والحبش والسود وكان يفرض الأكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم الفضل والمنة ولم يزل حتى حمله التفاخر في زمن الفرنسيس على تولية كبر أثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر وكان ابنه معوقا ببيت البكري فلما علم بموته قلق وكاد يخرج من عقله خوفا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص في ثاني يوم بشفاعة المشايخ ولم يكن مقصودا بالذات بل حضر ليعود أباه فحجزه القومه عليهم زيادة في الاحتياط. ومات الأجل المفوه العمدة الشيخ إسمعيل البراوي بن أحمد البراوي الشافعي الأزهري وهو ابن اخي الشيخ عيسى البراوي الشهير الذكر تصدر بعد وفاة والده في مكانه وكان قليل البضاعة إلا أنه تغلب عليه النباهة واللسانة والسلاطة والتداخل وذلك هو الذي أوقعه في حبائل الفرنساوية وقتل مع من قتل شهيدا ولم يعلم له قبر غفر الله لنا وله. ومات الوجيه الأجل الأمثل السيد محمد كريم وخبره أنه كان في أول أمره قبانيا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فلم يزل يتقرب إلى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم من تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في ابناء جنسه حتى أحبه الناس واشتهر ذكره في ثغر الأسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلا بدار السعادة وله الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 أمرها لعثمان خجا فاتحد وبمخدومه السيد محمد المذكور واتصل بمراد بك بعد صالح أغا فتقرب إليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على اقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته واحكامه وتصدر لغالب الأمور وزاد في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الأسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في مركب ولما حضروا إلى مصر وطلعوا إلى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه إلى مصر وحبسوه فتشفع فيه أرباب الديوان عدة مرار فلم يمكن إلى أن كانت ليلة الخميس فحضر إليه مجلون وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرا يعجز عنه واجله اثنتي عشرة ساعة وأن لم يحضر ذلك القدر والا يقتل بعد مضيها فلما أصبح أرسل إلى المشايخ وإلى السيد أحمد المحروقي فحضر إليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث وصار يقول لهم اشتروني يا مسلمون وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل إنسان مشغول بنفسه ومتوقع لشيء يصيبه وذلك في مبادىء أمرهم فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الأجل اركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة إلى أن ذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبرت وطافوا بها بجهات الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخألف الفرنسيس ثم أن اتباعه أخذوا رأسه ودفنوها مع جثته وانقضى أمره وذلك يوم الخميس خامس عشرى ربيع الأول. ومات الأمير إبراهيم بك الصغير المعروف بالوالي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد الزعامة بعد موت أستاذه ثم تقلد الإمارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 والصنجقية في أواخر جمادى الأولى سنة 1192 وهو أخو سليمان بك المعروف بالاغا وعندما كان هو واليا كان أخوه أغات مستحفظان وأحكام مصر والشرطة بينهما وفي سنة سبع وتسعين تعصب مراد بك وإبراهيم بك على المترجم واخرجوه منفيا هو واخوه سليمان بك وأيوب بك الدفتردار ولما أمروه بالخروج ركب في طوائفه ومماليكه وعدى إلى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظه ولاجين بك ولحقوا حملته عند المعادى فحجزوها وأخذوها وأخذوا هجنه ومتاعه وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه إلى قصر العيني ثم سفروه إلى ناحية السرو ورأس الخليج فأقام بها أياما وكان أخوه سليمان بك بالمنوفية فلما أرسلوا بنفيه إلى المحلة ركب بطوائفه وحضر إلى مسجد الخضيري وحضر إليه أخوه المترجم وركبا معا وذهبا إلى جهة البحيرة ثم ذهبا إلى طندتا ثم ذهبا إلى شرقية بلبيس ثم توجها من خلف الجبل إلى جهة قبلي وكان أيوب بك المنصورة فلحق بهما أيضا كان بالصعيد عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك فالتفا عليهما وعصى الجميع وأرسل مراد بك وإبراهيم بك محمد كتخدا اباظة وأحمد اغا شويكار إلى عثمان بك ومصطفى بك يطلبانهما إلى الحضور فأبيا وقالا: لا نرجع إلى مصر إلا بصحبة اخواننا والا فنحن معهم أينما كانوا ورجع المذكوران بذلك الجواب فجهزوا لهم تجريدة وسافر بها إبراهيم بك الكبير وضمهم وصالحهم وحضر بصحبة الجميع إلى مصر فحنق مراد بك ولم يزل حتى خرج مغضبا إلى الجيزة ثم ذهب إلى قبلي وجرى بينهما ما تقدم ذكره من إرسال الرسل ومصالحة مراد بك ورجوعه واخراج المذكورين ثانيا فخرجوا إلى ناحية القليوبية وخرج مراد بك خلفهم ثم رجعوهم إلى جهة الاهرام وقبض مراد بك عليهم ونفيهم إلى جهة بحرى وأرسل المترجم إلى طندتا ثم ذهبوا إلى قبلي خلا مصطفى بك وأيوب بك ثم رجعوا إلى مصر بعد خروج مراد بك إلى قبلي واستمر أمرهم على ما ذكر حتى ورد حسن باشا وخرج الجميع وجرى ما تقدم ذكره وتولى المترجم إمارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 الحاج ولم يسافر به ولما رجعوا إلى مصر بعد الطاعون وموت إسمعيل بك ورجب بك صاهره إبراهيم بك الكثير وزوجه ابنته كما تقدم ولم يزل في سيادته وإمارته حتى حضر الفرنساوية ووصلوا إلى بر انبابة ومات هو في ذلك اليوم غريقا ولم تظهر رمته وذلك يوم السبت سابع صفر من السنة. ومات الأمير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية وأصله مملوك سليمان أفندي من خشداشين كتخدا إبراهيم القازدغلي وكان سيده المذكور رغب عن الأمارة ورضي بحاله وقنع بالكفاف ورغب في معاشرة العلماء والصلحاء وفي الانجماع عن ابناء جنسه والتداخل في شؤونهم وكان يأتي في كل يوم إلى الجامع الأزهر ويحضر دروس العلماء ويستفيد من فوائدهم ولازم دروس الشيخ أحمد السليماني من الفقه الحنفي إلى أن مات فتقيد بحضور تلميذه الشيخ أحمد الغزي كذلك واقترن في حضوره بالشيخ عبد الرحمن العريشي وكان إذ ذاك مقتبل الشبيبة مجردا عن العلائق فكان يعيد معه الدروس فاتحد به لما رأى فيه من النجابة فجذبه إلى داره وكساه وواساه واستمر يطالع معه في الفقه ويعيد معه الدروس ليلا وزوجه وأغدق عليه وكان هو مبدأ زواجه ولم يزل ملازما حتى توفي سليمان أفندي المذكور في سنة 1175 فتزوج المترجم بزوجة سيده واستمر هو وخشداشه الأمير أحمد بمنزل أستاذ هما وتتوق نفس المترجم للترفع والأمارة فتردد إلى بيوت الأمراء كغيره من الأجناد فقلده علي بك الكبير كشوفية شرق أولاد يحيى في سنة 1182 فتقلدها بشهامة وقتل البغاة واخاف الناحية وجمع منها أموالا واستمر حاكمها بها إلى أن خألف محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك وخرج من مصر إلى الجهة القبلية فلما وصل إلى الناحية كان المترجم أول من أقبل عليه بنفسه وما معه من المال والخيام فسر به محمد بك وقربه وادناه ولم يزل ملازما لركابه حتى جرى ما جرىوتملك محمد بك الديار المصرية فقلده اغاويه المتفرقة أياما قليلة ثم خيره في تقليده الصنجقية أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 كتخدا الجاويشية فقال له: حتى استخير في ذلك وحضر إلى المرحوم الشيخ الوالد وذكر له ذلك فأشار عليه بأن يتقلد كتخدا الجاويشية فإنه منصب جليل واسع الايراد وليس على صاحبه تعب ولا مشقة غفر ولا سفر تجاريد ولا كثرة مصايف فكان كذلك وذلك في سنة ست وثمانين وسكن ببيت سليمان اغا كتخدا الجاويشية بدرب الجماميز على بركة الفيل ونما أمره واتسع حاله واشتهر وانتظم في عداد الأمراء ولم يزل على ذلك إلى أن مات محمد بك فاستقل بأمارة مصر إبراهيم بك ومراد بك فكان المترجم ثالثهما واتحد بابراهيم بك اتحادا عظيما حتى كان إبراهيم بك لا يقدر على مفارقته ساعة زمانية وصار معه كالاخ الشقيق والصاحب الشفيق وصار في قبول ووجاهة عظيمة وكلمة نافذة في جميع الأمور ولم يزل على ذلك حتى حضر حسن باشا بالصورة المتقدمة وخرج إبراهيم بك ومراد بك وباقي الأمراء فتخلف عنهم المترجم وقد كان راسل حسن باشا سرا فلما استقر حسن باشا أقبل عليه وسلمه مقاليد الأمور وقلده الصنجقية واضاف إليه الدفتردارية وفوض إليه جميع الأمور الكلية والجزئية فانحصرت فيه رياسة مصر وصار عزيزها وأميرها ووزيرها وقائدها جيوشها ولا يتم أمر إلا عن مشورته ورأيه واجتمعت ببيته الدواوين وقلد الأمريات والمناصب كما يختار وقرب وادنى وابعد واقصى من يختار واشتهر ذكره في اقليم مصر والشام والروم واشار بتقليد مراد كاشف الصنجقية وإمارة الحاج وسموه محمد بك المبدول كراهة في اسم مراد واشتهر بالمبدول ونجزله لوازم الحاج والصرة في أيام قليلة وسافر بالحاج على النسق المعتاد وشهل أيضا التجاريد والعساكر خلف الأمراء المطرودين واستمر مطلق التصرف في مملكة مصر بقية السنة. ولما استهل رمضان أرسل لجميع الأمراء والأعيان البلكات والكساوي لهم ولحريمهم ومماليكهم بالأحمال وكذلك إلى العلماء والمشايخ حتى الفقهاء الخاملين المحتاجين وظن أن الوقت قد صفا له ولم يزل على ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 حتى استقر إسمعيل بك وسافر حسن باشا وظهر له أمر حسن بك الجداوي وخشداشينه أخذ يناكد المترجم ويعارضه في جميع اموره وهو يسامح له في كل ما يتعرض له فيه ويساير حاله بينهم ويكظم غيظه ويكتم قهره وهو مع ذلك وافر الحرمة واعتراه صداع في راسه وشقيقة زال ألمه بها ووجعه أشهرا وأتلف احدى عينيه وعوفى قليلا واستمر على ذلك حتى وقع الطاعون بمصر سنة خمس ومات ابن له مراهق احزنه موته وكذلك ماتت زوجته وأكثر جواريه ومماليكه ومات إسمعيل بك وامراؤه ومماليكه ورضوان بك العلوي وبقي هو وحسن بك الجاوي فتجاذبا الأمارة ولم يرض احدهما بالاخر فوقع الاتفاق على تأمير عثمان بك طبل تابع إسمعيل بك ظنا منهما أنه يصلح لذلك وأنه لا يمالىء الأعداء فكان الأمر بخلاف ذلك وكره الأمارة هو أيضا لمناكدة حسن بك له وراسل الأمراء القبليين سرا حتى حضر وأعلى الصورة المتقدمة وقصد حسن بك وعلي بك الأستعداد لحربهم وخرجوا إلى ناحية طرا وتأهبوا لمبارزتهم وصار عمثان بك يثبطهما ويظهر لهما أنه يدير الحيل والمكايد ولم يعلما ضميره ولم يخطر ببالهما ولا غيرهما خيانته بل كان كل منهما يظن بالآخر حتى حصل ما تقدم ذكره في محله وفر المترجم وحسن بك إلى ناحية قبلي فاستمر هناك مدة ثم انفصل عن حسن بك وسافر من القصير إلى بحر القلزم وطلع إلى المويلح وأرسل بعض ثقاته فأخذ بعض الاحتياجات سرا وذهب من هناك إلى الشام واجتمع بأحمد باشا الجزار ونزل بحيفا وأقام بها مدة راسل الدولة في أمره فطلبوه ايهم فلما قرب من اسلامبول ارسلوا إليه من أخذه وذهب به إلى برصا فأقام هناك وعينوا له كفايته في كل شهر وولد له هناك أولاد ثم أحضروه في حادثة الفرنسيس واعطوه مراسيم إلى إبراهيم باشا سارى عسكر في ذلك الوقت فلما وصل بيروت راسل أحمد باشا وأراد الاجتماع به علم أحمد باشا ما بيد من المرسومات إلى إبراهيم باشا فتنكر له وانحرف طبعه منه وأرسل إليه يأمره بالرحيل وصادف ذلك عزل إبراهيم باشا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 فارتحل مقهورا إلى نابلس فمات هناك بقهره وحضر من بقى من مماليكه إلى مصر وسكنوا بداره التي بها مملوكه عثمان كاشف وابنته التي تركها بمصر صغيرة وقد كبرت وتأهلت للزواج فتزوج بها خازنداره الذي حضر وهو الآن مقيم معها صحبة خشداشينه ببيتها الذي بدرب الحجر. وكان المترجم أميرا لا بأس به يميل إلى فعل الخير حسن الأعتقاد ويحب أهل العلم والفضائل ويعظمهم ويكرمهم ويقبل شفاعاتهم وفيه رقة طبع وميل للخلاعة والتجاهر غفر الله له وسامحه. ومات أيضا الأمير أيوب بك الدفتردار وهو من مماليك محمد بك تولى الأمارة والصنجقية بعد موت أستاذه وقد تقدم ذكره غير مرة وكان ذا دهاء ومكر ويتظاهر بالانتصار للحق وحب الأشراف والعلماء ويشتري المصاحف والكتب ويحب المسامرة والمذاكرة وسير المتقدمين ويواظب على الصلاة في الجماعة ويقضي حوائج السائلين والقاصدين بشهامة وصرامة وصدع للمعاند خصوصا إذا كان الحق بيده ويتعلل كثير بمرض البواسير وسمعت من لفظه رؤيا رآها قبل ورود الفرنسيس بنحو شهرين تدل على ذلك وعلى موته في حربهم. ولما حصل ذلك وحضروا إلى بر انبابة عدى المترجم قبل بيومين وصار يقول أنا بعت نفسي في سبيل الله فلما التقى الجمعان لبس سلاحه بعد ما توضأ وصلى ركعتين وركب في مماليكه وقال: اللهم إني نويت الجهاد في سبيلك واقتحم مصاف الفرنساوية وألقى نفسه في نارهم واستشهد في ذلك اليوم وهي منقبة اختص بها دون أقرانه بل ودون غيرهم من جميع أهل مصر. ومات الأمير صالح بك أمير الحاج في تلك السنة وهو أيضا من مماليك محمد بك أبي الذهب وتولى زعامة مصر بعد إبراهيم بك الوالي واحسن فيها السيرة ولم يتشك منه أجد ولم يتعرض لاحد بأذية وتقلد أيضا كتخدا الجاويشية عندما خرج إبراهيم بك مغاضبا لمراد بك وكان خصيصا به فلما اصطلحا ورجع إبراهيم بك وعلي اغا كتخدا الجاويشية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 تقلد على منصبه كما كان واستمر المنترجم بطالا لكنه وافر الحرمة معدودا في الأعيان ولما خرجوا من مصر في حادثة حسن باشا ارسله خشداشينه إلى الروم وكاد يتم لهم الأمر فقبض عليه حسن باشاوكان إذ ذاك بالعرضي في السفر ولما رجعوا إلى مصر بعد موت إسمعيل بك سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته وهي أم أيوب التي كانت سرية مراد بك ثم سافر ثانيا إلى الروم بمراسلة وهدية وقضى اشغاله ورجع بالوكالة وأخذ بيت الحبانية من مصطفى اغا وعزله من وكالة دار السعادة وسكن بالبيت واختص بمراد بك اختصاصا زائدا وبنى له دار بجانبه بالجيزة وصار لا يفارقه قط وصار هو بابه الأعظم في المهمات وكان فصيح اللسان مهذب الطبع يفهم بالاشارة يظن من يراه أنه من أولاد العرب لطلاقة لسانه وفصاحة كلامه ويميل بطبعه إلى الخلاعة وسماع الالحان والأوتار ويعرف طرقها ويباشر الضرب عليها بيده ثم ولى الصنجقية وتقلد امارة الحج سنة 1212 وتمم اشغاله وأموره ولوازمه على ما ينبغي وطلع بالحج في تلك السنة في أبهة عظيمة على القانون القديم في أمن وأمان ورخاء وسخاء وراج موسم التجار في تلك السنة إلى الغاية. وفي أيام غيابه بالحج وصل الفرنساوية إلى القطر المصري وطار إليهم الخبر بسطح العقبة وأرسلوا من مصر مكاتبة بالأمان وحضوره بالحج في طائفة قليلة فأرسل إليهم إبراهيم بك يطلبهم إلى بلبيس فعرج المترجم بالحاج إلى بلبيس وجرى ما تقدم ذكره ولم يزل حتى مات بالديار الشامية وبعد مدة أرسلت زوجته فأحضرت رمته ودفنتها بمصر بتربة المجاورين. ومات العمدة الفاضل والنحرير الكامل الفقيه العلامة السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي تفقه على أشياخ العصر وتمهر في المعقولات ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي ملازمة كلية واشتهر بنسبته إليه ولما ولى مشيخة الأزهر صار المترجم عنده هو صاحب الحل والعقد في القضايا والمهمات والمراسلات عند الأكابر والأعيان وكان عاقلا ذكيا وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية وكان يكتب على الفتاوى على لسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 شيخه المذكور ويتحرى الصواب وعبارت سلسلة جيدة وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين واقتنى كتبا في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط للمقريزي واجزا من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك ولم يزل حتى ركب يوما بغلته وذهب لبعض أشغاله فلما كان بخطبة الموسكي قابله خيال فرنساوي يخج فرسه فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكور والقته من على ظهرها إلى الأرض وصادف حافر فرس الفرنساوي إذنه فرض صماخه فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت إلى منزله ومات من ليلته رحمه الله. ومات عبد الله كاشف الجرف وهو عبد إسمعيل كاشف الجرف تابع عثمان بك ذي الفقار الكبير وكان معروفا بالشجاعة والاقدام كسيده وأدرك بمصر إمارة وسيادة ونفاذ كلمة واشترى المماليك الكثيرة والخيول المسومة والجواري والعبيد وعنده عدة من الأجناد والطوائف وعمر دارا عظيمة داخل الدرب المحروق ولم يزل حتى قتل يوم السبت تاسع صفر بحرب الفرنساوية بأنبابة وكان جسيما أسود ذا شهامة وفروسية مشهورة وجبروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ثم دخلت سنة أربع عشر ومائتين وألف . استهل شهر المحرم بيوم الأربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس إلى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبا مترجما ونسخته صورة جواب من العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من بونابارته سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية إلى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من بر الشام إلى مصر فاني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يوما وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرا على حجر وجميع سكانها انهزموا من البلد إلى طريق البحر والجزار مجروح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر الموت ومن جملة ثلاثين مركبا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت من كثرة مدافع مراكبنا واخذنا منها أربعة موقره مدافع والذي أخذ هذه الأربعة فرقاطه من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم واني بغاية الشوق إلى مشاهدتكم لاني بشوف انكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لأجل ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدا والسلام ومنتوره هذا ترجمان سارى عكسر وكان لبيبا متبحرا ويعرف باللغات التركية والعربية والرومية والطلبياني والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع إلى مصر أرسل بونابارته مكاتبة إلى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها أن الأمر الموجب للانتقال عن محاصرة عكا خمسة عشر سببا. الاول: الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة أيام إلى أن جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الافرنج. الثاني: الستة مراكب التي توجهت من الأسكندرية فيها المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا. الثالث: الطعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون وستون عسكريا. الرابع: عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا. الخامس: وقعة مراد بك مع الفرنساوية في الصعيد مات فيها مقدار ثلثمائة فرنساوي. السادس: بلغنا توجه أهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية الصعيد. السابع: المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى أنه من سلاطين المغرب. الثامن: ورود الانكليز تجاه الأسكندرية ودمياط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 التاسع: ورود عمارة الموسقو قدام رودس. العاشر: ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء. الحادي عشر: ورود جواب مكتوب منا لتيبو أجد ملوك الهند كنا ارسلناه قبل توجهنا لعكا وتيبوا هذا هو الذي كان حضر إلى اسلامبول بالهدية التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الأمداد والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقا وأوامر وحضر إلى مصر وذلك في سنة 1202 أيام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الإشارة إليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدا تحمله اتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة على اعناقهم ثم إنه توجه إلى بلاد فرنسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره إلى مصر واتفق معه على أمر في السر لم يطلع عليه أجد غيرهما ورجع إلى بلاده على طريق القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لأنه اطلع عليه عند قيام الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم أن تيبوا المذكور بقي في حرب الانكليز إلى أن ظفروا به في هذه السنة وقتلوه وثلاثة من أولاده فهذا ملخص معنى السبب. الثاني عشر: موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضى رأيه وإذا تولى أمرها غيره يلزم نقضها ويطول الأمر وكفرللي هذا هو المعروف بابي خشبة المهندس. الثالث عشرة: سماع أن رجلا يقال له مصطفى باشا أخذه الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر. الرابع عشر: أن الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم على أنه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم. الخامس عشر: لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو مضر لكل ما ذكرناه من الأسباب انتهى. وفي يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة أيضا من العسكر بأثقالهم وحضرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 مكاتبة من كبير الفرنساوية أنه وصل إلى الصالحية وأرسل دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك. فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا إلى المشايخ والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالازبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعا بالترتيب من الأزبكية إلى أن خرجوا إلى العادلية فقابلوا سارى عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم إلى مصر من باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم في نحو خمس ساعات من النهار إلى أن وصل إلى داره بالازبكية وانفض الجمع وضربوا عدة مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما ليلا ونهارا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنا وشهد له الخصم. وفيه قبضوا على إسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا العزب وكان ساكنا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه واصعدوه إلى القلعة وحبسوه والسبب في ذلك أنه عمل تلك الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب وبات سهرانا بطول الليل فلما كان آخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا إلى ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل سارى عسكر الفرنساوية إلى داره بالازبكية تجمع هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل أيام الأعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة أيام وفي كل يوم من تلك الأيام يعملون شنكا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد ما أعطاهم سارى عسكر دراهم وبقاشيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وفي يوم الأحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي كان وكيلا عن سارى عسكر وتهيأ المعزول للسفر إلى جهة بحرى وأصبح مسافرا وصحبته نحو الألف من العسكر وسافر أيضا منهم طائفة إلى جهة البحيرة. وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة وعشرين ألف ريال. وفي خامس عشرة أرسلوا إلى زوجات حسن بك الجداوي وختموا على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب أن حسن بك التف على مراد بك وصار يقاتل الفرنسيس معه وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمتته وأقرته عل ما بيده من البلاد وأن لا يخألف ويقاتل مع الاخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن إلى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهم بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة. وفي تاسع عشرة هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه بالشام واستصفى ما وجده عنده من المال فورد عليه الخبر وهو جالس يتحدث مع اخوانه حصة من الليل فخرجت روحه في الحال. وفيه كتبوا أوراقا وطبعوها والصقوها بالأسواق وذلك بعد أن رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء. وصورتها من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابا لأقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من الإيمان قال تعالى في محكم القرآن: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} وقال تعالى وهو أصدق القائلين في الكتاب المكنون: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ, الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} فعلى العاقل يتدبر في الأمور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 المؤمنين إنكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقد حضر إلى محروسة مصر المحمية أمير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليما من العطب والاسقام ودخل إلى مصر من باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات السلطانية وأرباب الاقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يوما عظيما مشهودا وخرجت أهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الأمير الأول بذاته وصفاته وظهر لهم أن الناس يكذبون عليه شرح الله صدره للاسلام والذي أشاع عنه الأخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الإشاعة هلاك الرعية وتدمير أهل الملة الإسلامية وتعطيل الأموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد إزال الله دولتهم من شدة ظلمهم أن بطش ربك لشديد وقد بلغنا أن الألفي توجه إلى الشرقية مع بعض المجرمين من عربان بلى والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الأرض بالفساد وينهبون أموال المسلمين: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون أن عساكر السلطان حاضرة والحال أنها ليست بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر وإنما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل إبراهيم بك في غزة حيث كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعى أنها من طرف السلطان ويصدقه أهل الأرياف خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فإن المجرم يؤخد مع الجيران وقد غضب الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان أهل الصعيد احسن عقلا من أهل بحرى بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم أن أحمد باشا الجزار سموه بهذا الأسم لكثرة قتله الأنفس ولا يفرق بين الأخبار والأشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب وأسافل العشيرة وكان مراده الأستيلاء على مصر وأقاليمها وأحبوا اجتماعهم عليه لأجل أخذ أموالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء ويختار وقد كان أرسل بعض هذه العساكر إلى قلعة العريش ومراده أن يصل إلى قطيا فتوجه حضرة سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة آلاف وملك قلعة العريش وأخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في رعيتها بالأمان وامر باقامة الشعائر الإسلامية وإكرام العلماء والتجار والأعيان ثم انتقل إلى الرملة وأخذ ما فيها من بقسماط وارز وشعير وقرب أكثر من الفي قربة كبار كان قد جهزها الجزار لذهابه إلى مصر ثم توجه إلى يافا وحاصرها ثلاثة أيام ثم أخذها وأخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات أهلها أنهم لم يرضوا بأمانة ولم يدخلوا تحت طاعته واحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو أربعة آلاف أو يزيدون بعدما هدم سورها وأكرم من كان بها من أهل مصر واطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب إلى مصر وغفرهم بعسكره خوفا عليهم من العربان واجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعا وبعضهم ما نجاه إلا الفرار ثم توجه من يافا إلى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم أخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى أنه يقال كان هناك مدينة وقد كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه إليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعا إلى مصر المحروسة لأجل شيئين. الأول أنه وعدنا برجوعه إلينا بعد أربعة أشهر والوعد عند الحردين. والسبب الثاني أنه بلغه أن بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 في غيابه الفتن والشرور في بعض الأقاليم والبلدان فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الأشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر واقليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لأهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب أن يجعل فيها احسن التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الأسارى من خاص وعام وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الأعداء والأخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير كل الخير لمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لأحكام الله ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا: إن في الفتنة أعلاه كلمة الدين حاشا الله لم يكن فيها إلا الخذلان وقتل الأنفس وذل أمة النبي عليه الصلاة والسلام والغز والعربان يطمعوكم ويغروكم لأجل أن يضروكم فينهبوكم وإذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس فروا هاربين منهم كأنهم جند ابليس ولما حضر سارى عسكر إلى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام أنه يحب دين الإسلام ويعظم النبي عليه الصلاة والسلام ويحترم القرآن ويقرأ منه كل يوم باتقان وأمر بأقامة شعائر المساجد الإسلامية واجراء خيرات الأوقاف السلطانية واعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول اقوات الرعية فانظروا هذه الالطاف والمزية ببركة نبينا اشرف البرية وعرفنا أن مراده أن يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الأقطار وأنه يدخل في دين النبي المختار عليه افضل الصلاة وأتم السلام انتهى بحروفه. وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بأن سارى عسكر يونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وأنهم ولو أخلافه فهذا هو السبب في قولهم في ذلك الطومار وقد حضر سليما من العطب فوجدوه هو الأمير الأول بذاته وصفاته إلى آخر السياق المتقدم. وفي ثاني عشرينه أرسل سارى عسكر جماعة من العسكر وقبضوا على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضا من ثيابه وكتبه وطلعوا به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 إلى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجا شديدا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر إليهم ورقة من كبير الفرنسيس قرئت عليهم مضمونها أن سارى عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وأنه وجه اليكم أن تقترعوا وتختاروا شيخا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودا بها يتولى القضاء ويقضي بالأحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأى العلماء للعلماء فلما سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم اننا جميعا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن القاضي فإنه إنسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وأن كان والده وافق كتخدا الباشا في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده إلى مكانه فإن والدته وجدته وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وسارى عسكر من أهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ السادات بنحو ذلك وزاد في القول بأن قال: وأيضا إنكم تقولون دائما أن الفرنساوية احباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصا عند العامة فاجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ أمر سارى عسكر في اختيار قاض خلافه والا تكونوا مخالفين ويلحقكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الأكثرية باسم الشيخ أحمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه الحاضرون وذهب به الوكيل إلى سارى عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات فتغير خاطره عليه وأمر باحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وأمره بالانصراف إلى منزله بعد أن عوقه حصة من الليل فلما أصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل دوجا قائمقام وركبوا صحبته إلى بيت سارى عسكر ومعهم الشيخ أحمد العريشي فألبسه فروة مثمنة وركبوا جميعا إلى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالافراج عن ابن القاضي بعد أربع وعشرين ساعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم إلى دار السيد أحمد المحروقي وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم افرجوا عنه ونزل إلى عياله وصحبته أرباب الديوان والأغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال. وفي تلك الليلة قتلوا شخصين أحدهما: علي جاويش رئيس الريالة الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني: قبطان آخره فلم يزالا بمصر يحبسونهما أياما ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما. وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين أيضا من الأتراك بالرميلة. وفيه افرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي. وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم. وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة انفار أحدهم يسمى حسن كاشف من اتباع أيوب بك الكبير وآخر يسمى أبو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي إبراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة. واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة 1214. فيه افرجوا عن بعض قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسا بالجيزة ثم نقل إلى القلعة مع كتخدا قريبة فانطلق وبقي الآخر. وفي يوم الأحد ثالثه حضر السيد عمر أفندي نقيب الأشراف سابقا من دمياط إلى مصر وكان مقيما هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين انزلوهم من يافا إلى البحر وفيهم عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب الشهر واخوه قاسم أفندي وأحمد أفندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البرخفية فحضر بعض الأعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا معه بعد أن مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 داره وتوجه ثاني يوم مع المهدي وقابل سارى عسكر فبش له ووعده بخير ورد إليه بعض تعلقاته واستمر مقيما بداره والناس تغدو وتروح إليه على العادة. وفي رابعة حضر أيضا حسن كتخدا الجربان بامان وكان بصحبته عثمان بك الشرقاوي وفيه اشيع أن مراد بك ذهب إلى ناحية البحيرة فرار من الفرنسيس الذين بالصعيد. وفي خامسة قتلوا عبد الله آغا أمير يافا وكان أخذ أسيرا وحبس ثم قتل. وفيه قتل أيضا يوسف جربجي أبو كلس ورفيقه حسن كاشف. وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج أجد أولاده ودعا سارى عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا. وفيه أحضروا أربعة عشر مملوكا اسرى واصعدوهم إلى القلعة قيل أنهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآوو إلى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل أنهم آووا إلى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون إلى الفرنسيس وأعلموهم بمكانهم فحضروا إليهم ليلا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي. وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ إلى كبير الفرنسيس فحماه واخذه عنده وأحضروا الأسرى إلى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد وغيره وأصعدوهم إلى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصا. وفي تاسعه أحضروا أيضا ستة أشخاص من المماليك واصعدوهم إلى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضا نحو العشرة من الأسرى المحابيس. وفي يوم الأحد عاشره ركب في عصريته سارى عسكر وعدى إلى بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا اليوم ظهر أن مراد بك رجع ثانيا إلى الصعيد وشاع الخبر أيضا أن عثمان بك الشرقاوي وسليمان اغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا إلى ناحية الشرق فخرج عليهم جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الاروام ومعهم عدة وافرة من اخلاط العسكر أروام وقبط والمماليك المنضمة إليهم وبعض فرنساوية فأدركوهم بالقرب من بلبيس واتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة وكان عثمان بك يغتسل فلما احسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت منهم إلا مملوكان واسروا منهم اثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من إبراهيم بك يستدعيهم إلى الحضور إليه بالشام. وفي ليلة الإثنين حادي عشره وردت أخبار ومكاتيب مع السعاة لبعض الناس من الأسكندرية وابي قير واخبروا بأنه وردت مراكب فيها عسكر عثمانية إلى أبي قير فتبين أن حركة الفرنساوية وتعديتهم إلى البر الغربي بسبب ذلك وأخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر أيضا واهتم حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم إلى بر الجيزة أقام يوم الإثنين عند الاهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل مكتوبا إلى أرباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما فعلوا في غيبته السابقة. وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل إلى قلعة أبي قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنساوية وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متواليا إمارة رشيد من طرف صالح بك وحج معه ورجع صحبته إلى الشام فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 توفي صالح بك سافر إلى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى باشاالمذكور فلما تحققت هذه الأخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا بلعن النصارى واتفق أنه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة مع بعض نصارى السوام فقال المسلم للنصراني إن شاء الله تعالى بعد أربعة أيام نشتقي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب ذلك النصراني إلى الفرنسيس مع عصبة من جنسه واخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم أن قصد المسلمين اثارة فتنة فأرسل قائممقام إلى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فأجتمعوا بالديوان فقام المهدي خطيبا وتكلم كثيرا ونفى الريبة وكذب أقوال الاخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب إليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة ثم جمعوا مشايخ الاخطاط والحارات. وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الأعيان ولتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن الماءة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الأسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ويقول البعض أنا قرأت المكتوب الواصل إلى فلان التاجر ويقول الآخر مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل فيهم والاذية لهم وسبحان الله علام الغيوب. وفي ليلة الأربعاء عشرينه اشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على أبي قير وظهروا عليهم وقتلوا الكثير منهم ونهبوهم وملكوا منهم قلعة أبي قير وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما واخبر الفرنسيس أنه حضرت لهم مكاتبة بذلك من أكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الأزبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الأربعاء حراقة بالازبكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها اسرى وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة التي وقعت لم اقف على صورتها. واستهل ربيع الأول بيوم السبت سنة 1214. في ثانيه وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية. وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من أعيان أهالي بولاق وحبسوه ببيت قائممقام والسبب في ذلك أن جماعة من جيرانه وشوا عنه بأنه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة فدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه إلى القلعة. وفي سادسه حضر أيضا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الاخبار. وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلوا صحبة الحج الشامي وأخبروا أنهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم. وفي ليلة الأحد تاسعه حضر سارى عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل إلى داره بالازبكية وحضر صحبته عدة أناس من اسرى المسلمين وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس إلى الأزبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا الأسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم أنهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الىجامع الظاهر خارج الحسينية واصعدوا باقيهم إلى القلعة وأما مصطفى باشا سارى عسكر فإنهم لم يقدموا به لمصر بل ارسلوه إلى الجيزة مكرما وابقوا عثمان خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والأعيان وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان أن سارى عسكر يقول لكم أنه لما سافر إلى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس كذلك لانكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 تعارضوا الاغا في احكامه وأن المهدي والصاوي ما هم بونوأى ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات فإن الاغا الخبيث كان يريد أن يقتل في كل يوم اناسا بادنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو يرسل إلى سارى عسكر فيطالعه بالأخبار يشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين إلى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك. وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الأزبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الأسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بأن الفرنسيس أحضروا عثمان خجا ونقلوه من الأسكندرية إلى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به إلى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق. وفي ثالث عشره أشيع بأن كبير الفرنسيس سافر إلى جهة بحري ولم يعلم أجد أي جهة يريد وسئل بعض أكابرهم فأخبر أن سارى عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجها إلى ناحية أبي قير ووعده بالعود إليه بعد وصوله إلى مصر وراج ذلك على الناس وظنوا صحته. ولما كان يوم الإثنين سادس عشره خرج مسافرا من آخر الليل وخفى أمره على الناس. وفي يوم الإثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فنودى بوفائه على العادة وخرج النصارى البلدية من القبطة والشوم والاروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وذهبوا تلك الليلة إلى بولاق ومصر العتيقة والروضة وأكثروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الأمراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيابزي أمراء مصر وليس سلاحا وتشبه بهم وحاكى الفاظهم على سبيل الأستهزاء والسخرية وغير ذلك وأجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها أنواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق ما لا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العلام ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون أن ينكر أجد على أجد من الحكام أو غيرهم بل كل إنسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وأن لم يكن من أمثاله. واكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون أنواع الطبول والمزامير وفي الصباح ركب دوجا قائممقام وصحبته أكابر الفرنسيس وأكابر أهل مصر وحضروا إلى قصر السد وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة بأسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية إلى أن انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرفوا. وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسا. وفي سادس عشرينه كتبوااوراقا والصقوها بالأسواق مضمونها أن الناس يذهبون إلى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما احبوا من الخيل. وفيه الصقوا أوراقا أيضا مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوما عوقب بما يليق به ونادوا بموجب ذلك بالأسواق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وفي سابع عشرينه كتبوا اوراقا أيضا مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات اقلام المكوس ومن أراد استثمار شيء من ذلك فليحضر إلى الديوان ويأخذ ما يريد بالمزاد. وفيه افرج عن الانفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسا دفعوا بعضها وضمنهم أهل وكالة الصابون في البعض الباقي فانزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط أن لا يسافر منهم أجد إلا بعد غلاق ما عليه. وفي ثامن عشرينه تشفع أرباب الديوان في أهل يافا المسجونين بالقلعة أيضا فوقع التوافق معهم على الافراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتاجيلها في كل عشرين يوما خمسة وعشرون كيسا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسا وافرج عنهم من القلعة واجلوا الباقي على الشرح المذكور. وفيه ورد من بونابارته سارى عسكر الفرنساوية كتاب من الأسكندرية خطا بالاهل مصر وسكانها فأحضر قائممقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب مضمونه أنه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور إلى بلاد الفرنساوية لأجل راحة أهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وأن المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعا كلهبر سارى عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفا وشتاء ولكيفية خلوصة وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها. وفي يوم السبت تاسع عشرينه قدم سارى عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب إلى بيت بونابارته الذي كان ساكنا به وهو بيت الألفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 بالازبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم نحو السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة. وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والأعيان لمقابلة سارى عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا إلى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته فإن كان بشوشا ويباسط الجلساء ويضحك معهم. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأحد سنة 1214. في أوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليال متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشرة. وفيه طلب سارى عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين ألف ريال فرانسة في مقابلة بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها. وفي يوم الجمعة سادسه ركب سارى عسكر الجديد من الأزبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد إلى القلعة وكان إمامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يأمرون الناس بالقيام والوقوف على الاقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خياله الافرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والأغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضما إليهم ماعدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطبلوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد إلى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب إلى داره. وفي يوم السبت سابعه ركب اغاة الينكجرية في ابهة عظيمة وجبروت وإمامه عدة من عسكر الفرنسيس وإمامه المنادى يقول حكم مارسم سارى عسكر خطابا للاغا أن جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 إلا ببيت الاغا وكل من تعدى من الرعايا أو وقع منه قلة أدب يستأهل ما يجري عليه. وفيه ركب سارى عسكر الكبير في موكب دون الأول ووصل إلى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع إلى داره. وفي يوم الأحد ثامنه عمل سارى عسكر وليمة في بيته ودعا الأعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا إلى دورهم. وفي يوم الثلاثاء عاشره وكان آخر المولد الحسيني وحضر سارى عسكر الفرنساوية مع أعيانهم إلى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وإمامه الاغا والوالي والمحتسب وعدة كبير من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل. وفي سادس عشرة نودى بنشر الحوائج وكتبوا بذلك اوراقا والصقوها بالأسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكرى من طرف الفرنساوية وامرأة أيضا للكشف على أماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم إنما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء. وفي عشرينه نودى بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالازبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالازقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وأنه كان رجلا من البله وكان يمشي بالأسواق عريانا مكشوف الرأس والسوأتين غالبا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لأخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لأخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا وأظهر للناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 أنه أذن له بذلك وأنه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع الفاظه والانصات إلى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وأنه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بما في النفوس فانهمكوا على الترداد إليه وقلد بعضهم بعضا وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والأمدادات الواسعة من كل شيء وخصوصا من نساء الأمراء والأكابر وراج حال أخيه واتسعت أمواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك إلى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الإشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعا وموعدا فلما حضر الفرنساوية إلى مصر تشاغل عنه الناس واهمل شانه في جملة المهملات وترك مع المتروكات فلما فتح أمر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الجمعة سنة 1214. فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الأعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا بفتح الأسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم واطعمة ثلاثة أيام آخرها يوم الإثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالازبكية عند الصارى العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لأن ذلك الصارى سقط وامتلآت البركة بالماء فلما كان يوم الأحد نبهوا على الأمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 والأعيان بالبكور إلى بيت سارى عسكر فاجتمع الجمع في صبح يوم الإثنين فركب سارى سكر معهم في موكب كبير وذهبوا إلى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف انواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع سارى عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي وأغاة الينكجرية خلع سمور ثم رجع إلى منازلهم ثم نودى في جميع الأسواق بوقود أربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب ثم عملوا بالازبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم. وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من أول زيادته قاصرا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم هذه الغلة الموجودة الآن إنما هي زراعة العام الماضي وأما هذا العام فلا تخرج زراعته إلا في العام المستقبل فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا الطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت. وفيه ارسلوا جملة عساكر من الفرنساوية إلى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه أمور لم اتحقق تفصيلها وترددت بينه وبين سارى عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم على شروط منها تقليده امارة الصعيد تحت حكمهم وفي هذا الشهر كثرت الإشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية باخراج الجبخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1214. وفيه كثرت الاقوال وتواترت الأخبار بوصول الوزير الأعظم يوسف باشا إلى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان أغا كتخدا الدولة وحسين اغا نزله امين ومصطفى أفندي الدفتردار وباقي رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الأموال وفعلوا ما لا خير فيه من الظلم وقتل الأنفس بسبب استخلاص الأموال فلما كان في منتصفه وردت الأخبار بوصولهم إلى غزة العريش وأنهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره واحتووا على ماكان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر أخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الأجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق أنه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئا كثيرا فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد اغا ارنؤد الجلفي وغيره من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والأحجار المتطايرة في اسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية أخذ العريش وأن عساكر العثمانيين زاحفة إلى جهة الصالحية نهيأ سارى عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في اسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده إلى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش أرسل الفرنساوية إلى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابا إلى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا إليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه سارى عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر سارى عسكر رسلا من طرفه لاستفسار الأخبار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 واستهل شهر شعبان المعظم سنة 1214. فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه إلى الصالحية فأرسلوا لهما الخيول وما يحتاجان إليه وحضرا إلى مصر وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من الفريقين إلى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك إلى مصر وفرح الناس بذلك فرحاشديدا وأرسل سارى عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال إلى دوجا قائممقام فجمع أهل الديوان وقرأ عليهم ذلك. ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخا كثيرة فرقوا منها على الأعيان وألصقوا منها بالأسواق والشوارع. وصورته بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الأسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزة متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب سرى العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان وجناب سامي المقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام أن للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد أن يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي فقد ارتضى أن يسلم بخلو الإقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل أن بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك إلى الصلح العام في بلاد المغرب قاطبة. الشرط الأول أن الجيش الفرنساوي يلزمه أن يتنحى بالأسلحة والعزال بالامتعة إلى الأسكندرية ورشيد وأبو قير لأجل أن يتوجه وينتقل بالمركب إلى فرانسا أن كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم أم في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 تلك التي يقتضي للباب العالي أن يقدمها لهم بقدر الكفاية ولأجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق من بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه إلى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرا. الشرط الثاني فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة اشهر بالاقليم المصري وذلك من عهد امضاء شروط الاتفاق هذه وإذا صادف الأمر أن هذه المهلة تمضي قبل أن المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها إلى أن ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن الواضح أنه لا بد عن اصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس أن كان ذلك من الجيش من أهل البلاد إذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لأجل راحتهم. الشرط الثالث فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى وسرى العسكر كلهبر وإذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهى سميت رجل لينهى المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز. الشرط الرابع قطية والصالحية لا بد عن خلوهما عن الجيش الفرنساوية في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من امضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يوما وأما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يوما وأما السويس فيكون خلوه ستة أيام قبل مدينه مصر وأما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الإقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يوما من بعد خلو مصر والجهة الغربية وما يتعلق بها تستمر بيد الفرنسيس إلى حد خلو مدينة مصر ولكن من حيث أنها لا بد أن تستمر بيد الفرنساوية إلى أن يكون انحدار العسكر من جهات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن أنه لا يتيسر خلوها إلا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين إذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم إلى الباب الأعلى كما هي في حالها الآن. الشرط الخامس ثم أن مدينة مصر إن أمكن ذلك يكون خلوها بعد أربعين يوما وأكثر ما يكون بمدة خمسة وأربعين يوما من وقت امضاء الشروط المذكورة. الشرط السادس أنه لقد وقع الاتفاق صريحا على أن الباب الأعلى يصرف كل اعتناء في أن الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي بكامل ماله من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لاتصير عليه مشقة ولا أجد يشوش عليه أن كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم أو بامتعته أو بكرامته وذلك أما من أهالي البلاد وأما من جهة العسكر السلطاني العثملي. الشرط السابع وحفظا لاتمام الشرط المذكور أعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلا بد عن استعمال الوسائط في أن عسكر الإسلام يكون دائما متباعدا عن العسكر الفرنساوي. الشرط الثامن فمن تقرير وامضاء هذه الشروط فكل من كان من الإسلام أم من باقي الطوائف من رعايا البلم الأعلى بدون تمييز الأشخاص أولئك الواقع عليها الضبط أم الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الاطلاق والتعلق وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والاساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الأشخاص من ايما طائفة كانت أولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لا بد عن انعتاقهم. الشرط التاسع فترجيع الأموال والأملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ أثمانها لاصحابها فيكون الشروع به حالا من بعد خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في إسلامبول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 المتحدة وإذا صادف الأمران مركبا من هذه المراكب يحتاج إلى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الإقامة إلى أن ينتهي اصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه إلى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها. الشرط الرابع عشر وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام أن يرسل خبرا إلى أرباب الأحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لا بد أن تعطى له أوراق الاذن بالاطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر إلى اصحاب الحكم بفرانسا. الشرط الخامس عشر وإذا قد اتضح أن الجيش الفرنساوي يحتاج إلى المعاش اليومي ما دامت الثلاثة اشهر المعينة لخلو الإقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الأشهر الأخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على أنه يقدم له مقدار ما يلزمه من القمح واللحم والارز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الآن من وكلاء الجمهور الفرنساوي أن كان ذلك مما يخص إقامتهم أو ما يلاحظ سفرم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد امضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الأعلى. الشرط السادس عشر ثم أن الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع امضاء هذه الشروط المذكورة ليس له أن يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعا بالإقليم المصري لا بل وبالعكس فإنه يخلى للباب الأعلى كامل فر المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك إلى حين سفرهم وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الوارد نعلهم من تحت المال واخيرا مخازن الخراج فهذه كلها لا بد عن الفحص عنها وتسعيرها من أناس وكلاء موجهين من قبل الباب الأعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر سرى العسكر وهذه الأمتعة لا بد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 المتحدة وإذا صادف الأمران مركبا من هذه المراكب يحتاج إلى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الإقامة إلى أن ينتهي اصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه إلى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها. الشرط الرابع عشر وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام أن يرسل خبرا إلى أرباب الأحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لا بد أن تعطى له أوراق الاذن بالاطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر إلى اصحاب الحكم بفرانسا. الشرط الخامس عشر وإذا قد اتضح أن الجيش الفرنساوي يحتاج إلى المعاش اليومي ما دامت الثلاثة اشهر المعينة لخلو الإقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الأشهر الأخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على أنه يقدم له مقدار ما يلزمه من القمح واللحم والارز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الآن من وكلاء الجمهور الفرنساوي أن كان ذلك مما يخص إقامتهم أو ما يلاحظ سفرم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد امضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الأعلى. الشرط السادس عشر ثم أن الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع امضاء هذه الشروط المذكورة ليس له أن يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعا بالإقليم المصري لا بل وبالعكس فإنه يخلى للباب الأعلى كامل فر المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك إلى حين سفرهم وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الوارد نعلهم من تحت المال واخيرا مخازن الخراج فهذه كلها لا بد عن الفحص عنها وتسعيرها من أناس وكلاء موجهين من قبل الباب الأعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر سرى العسكر وهذه الأمتعة لا بد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر إلى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلا ونزوله بالمراكب وإذا كانت الأسعار في هذه الأمتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لا بد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الأعلى على جهة السلفة تلك التي يلزم بوفائها أرباب الأحكام الفرنساوية بأرواق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعنين من الجنرال كلهبر سرى العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور. الشرط السابع عشر ثم إنه إذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلا بد أن نقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد أعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يوما خمسمائة كيس وفي غلاق الثلاثين يوما خمسمائة كيس أخرى وبتمام الأربعين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الخمسين يوما ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يوما ثلثمائة كيس أخرى وفي السبعين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند غلاق التسعين يوما خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الأكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى ولكي يسهل اجراء العمل بما وقع الأعتماد عليه فالباب الأعلىمن بعد وضع الأمضاء على النسختين من الفريقين يوجه حالا الوكلاء إلى مدينة مصر وإلى بقية البلاد المستمر بها الجيش. الشرط الثامن عشر ثم أن فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالاقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها. الشرط التاسع عشر ثم إنه لكي يسهل خلو المحلات سريعا فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالإقليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 المصري مباح به ما دامت مدة الثلاثة اشهر المذكورة المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى إلى الأسكندري ومن اسكندرية حتى إلى رشيد ودمياط. الشرط العشرون فمن حيث أنه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن أنه يتصل هناك فلا يباح ولا لشخص من المرضى أو من أولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني أن ينزل بالمراكب بل أن المرضى بعلة الطاعون أو بعلة أخرى اينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي أن يسمح بسفرهم بمدة خلو الإقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرون في بيمارستان المرضى حيث هم الآن تحت امان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن ويعالجونهم الاطباء من الفرنساوية أولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم إلى أن يتم شفاهم يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لا بد عن اقتضاء الأستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم ويبدو ونحوه ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش ثم أن أمير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في ابراز الاوامر الأشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بأن لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التي تتعين لهم من رؤساء الاطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها أن يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث أنها من مجرى العادة ولا بد عنها. الشرط الحادي والعشرون فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلا بد عن نجازها بوجه الأستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا لقصد من قبل الجناب الوزير الأعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الأسراع بالخلو. الشرط الثاني والعشرون وهذه الشروط لا تعد صحيحة إلا من بعد اقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 الإقرار لا بد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما. صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من إقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية الممضين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن منقولة عن النسخة الأصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساويةالى الوكلاء العثملي بدلا من التي قد وجهوها باللغة التركية ممضي درزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال سرى العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الأعظم انني أنا الواضع اسمي أدناه الجنرال سري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوية بالاقليم المصري اثبت واقرر شروط الاتفاق المذكور أعلاه للحصول على اجرائه بالعمل بالنوع والصورة أن كان من اللازم أن اتيقن بأن الإثنين وعشرين شرطا المشروحة إلى الآن هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء اصحاب ولاية الوزير الأعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لا بد عن الأعتماد بأجرائها كل مرة أن كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض المشاكل. صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر بلويوز سنة ثمان من المشيخة ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة رأس صاحب ختام في الجيش الفرنساوية ممضى داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ أو تحريف فهو طبق الأصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الأشهر والسنين بالارقام الهندية والله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 استهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد سنة 1214. في ثانيه حضر سارى عسكر الفرنساوية كلهبر إلى ناحية العادلية وصحبته اغا من رجال الدولة العثمانية يسمى محمد اغا فأرسل سارى عسكر إلى حسن اغا نجاتي المحتسب يأمره بأن يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه إكراما زائدا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الاغا إلى مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت أصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق القاهر ولم يزل سائرا حتى وصل إلى بيت حسن اغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر به الجلوس ازدحم الناس والأعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس فلما كان صبح تلك الليلة عمل ديوانا وجمع العلماء والوجاقلية وأعيان الناس وكبار النصارى من الاقباط والشوام فلما تكاملوا أبرز لهم فرمانا من الوزير فقرىء عليهم بالمجلس فدل مضمونه على أنه اغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير على جميع الواردات من أصناف الأقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب ويودعه في المخازن وابرز فرمانا آخر قرى بالمجلس مضمونه أن الوزير أقام مصطفى باشا الذي كان اسر بأبي قير وكيلا عنه وقائممقام بمصر إلى حين حضوره وأن السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساوية. وانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد أحمد المحروقي في تحصيل ذلك القدر من الناس وفرضوه عل التجار وأهل الأسواق والحرف وشرعوا في تحكير الأقوات فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول احكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الأقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 منهم وتغريمهم واجتهد السيد أحمد الحروقي في توزيع ذلك وجمعه في أيام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله واخرجه عن طيف قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه أن ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول سنه مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين. وارسل الوزير فرامانات إلى البلاد وعين المعينين والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الاقاليم وأرسل إلى البنادر وجعل في كل بندر أميرا ووكيلا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفي ما يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس من أهل مصر فإنهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم عن درجة الأعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسبب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الأمور ولم يتركوا معهم للصلح مكانا حتى أن فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الأطفال ويمشون بهم فرقا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون كلاما مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وافراد رؤسائهم كقولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لأنفسهم صبرا حتى تنقضي الأيام المشروطة على أن ذلك لم يثمر إلا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس. وقال الشعبي من جملة كلام وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في أهبة الرحيل وشرعوا في مبيع امتعتهم وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصلحية وبلبيس ودمياط والسويس ثم أن العثمانين تدرجوا في دخول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة وأخذوا يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين وغيرهم فاجتمع العامة واصحاب الحرف إلى مصطفى باشا قائمقام وشكوا إليه فلم يلتفت لشكواهم لأن ذلك من سنن عساكرهم وطرائفهم القبيحة. وورود الخبر بوصول حضرة الوزير إلى بلبيس وصحبته الأمراء المصرية وأرسلوا إلى مراد بك ومن معه بالحضور إلى العرضي فأجاب بالاعتذار عن الحضور لأنه في الصعيد فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستاذن الفرنساوية سرا فأستاذ نوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم إنه حضر وقابل الوزير بصحبة إبراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر حسن أغا نزله أمين ودخل مصر واخلى الفرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي احدثوها ونزلوا منها فلم يطلع إليها أجد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانة وأعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لأجل نفاذ المقدور وحضر أيضا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية إليها من الاغوات والوجاقلية والافندية والكتبة مثل إبراهيم أفندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل إبراهيم بك إلى السيد أحمد المحروقي يطلب كساوى وثيابا وطرابيش وسراويل للمماليك ولخاصة نفسه فأرسل إليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء الأمراء والأجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في الثغالى ولازمت الخدم والفراشون الغدو والرواح إلى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير الفارهة وفي حجورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة وكذلك الخدم الذين يحملون الخوانات وطبالي الأطبخة والأطعمة وعليها الأغطية الحرير والوشي الملون وهم يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 البلدية والفرنسيس بمرآى منهم ومسمع إلى غير ذلك مما يحرك الحفائظ ويوغر الصدور. ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان استاذن العلماء والتجار والأعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه للسلام فاستاذن ثم أذن لهم فذهبوا أيضا إلى سارى عسكر كلهبر وأستاذ نوه فأذن لهم أيضا فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا إلى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه فلما وصلوا إليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار وأكابر النصارى ثم خلع عليهم خلعا وانصرفوا من عنده فطافوا على أكابر الدولة بالعرضي وكذلك على الأمراء المصرية ورجعوا إلى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي العسكر وهو لابس قبوط اسود ووصل نصوح باشا والأمراء إلى جهة الخانكاه ثم إلى المطرية. وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد إلى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر فمكث أياما ثم توجه إلى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة إلى السويس وإلى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئا فشيئا. واستهل شهر شوال سنة 1214. في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية وهي أول الحوادث التي حصلت بينهم وهو أن جماعة من عسكر العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في الناس زعجة وكرشة وأغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها أشخاص قليلة من الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء العسكر في تمهيد ذلك وإزالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن اثار الفتنة وهم ستة انفار فقتلهم وأرسلهم إلى سارى عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 بذلك وقال: لا بد من خروج عسكرهم إلى عرضيهم حتى تنقضي الأيام المشروطة وإذا دخل منهم أجد إلى المدينة لا يدخلون إلا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم أجد ووقف جماعة من الفرنساوية خارج باب النصر فإذا أراد أجد من العسكر أو من أعيان العثمانية الدخول إلى المدينة فعند وصوله إليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص أو شخصان موكلان به يمشيان إمامه حتى يقضي شغله ويرجع فإذا وصل إلى الفرنساوية الملازمين خارج البلد اعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي إلى اصحابه فكان هذا شأنهم. وفي منتصفه توجه جماعة من أعيان الفرنساوية إلى الأسكندرية بمتاعهم واثقالهم وفيهم قائممقام وديزه سارى عسكر الصعيد وبوسليك رئيس الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم إلى البحر يريدون السفر إلى بلادهم فتعرض لهم الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا إلى سارى عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك إلى الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه وأصبح زاحفا إلى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر أيام المهلة المتفق عليها في دخول الوزير إلى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك طلبوا ثمانية أيام اجلة زيادة على أيام المهلة فأجيبوا إلى ذلك ووصل الأمراء المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية إلى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم ووطاقهم هناك ثم أن الفرنساوية جعلوا الثمانية أيام المذكورة ظرفا لجمع عساكرهم وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلا باطراف مصر ممتدا من مصر القديمة إلى شبرا وترددوا إلى نواحي القلاع وهي لم يكن بها أجد وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع والبنب على العربات ليلا ونهارا والناس يتعجبون من ذلك ومصطفى باشا قائممقام ومن معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئا والبعض يقول أن الوزير أرسل إليهم وأمرهم برد ذلك كما كان ونحو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن ويقال أن الفرنساوية أرسل إليهم بعض أصدقائهم من الانكليز وعرفوهم أن الوزير اتفع مع الانكليز على الاحاطة بالفرنساوية إذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الإشارة إليه تحققوا ذلك وأرسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم إلى ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصل ما ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم إلى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا الجهات وأبقوا من ابقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم إلى ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم إلا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الألفي بالازبكية وبعض بيوت الأزبكية وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل. وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن أغا نزله امين فلما حضرا إليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب سارى عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره طوابير فمنهم من توجه إلى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليهم فلم يسعهم إلا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من اخوانهم إلى جهة العرضي فلما قاربوه أرسلوا إلى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه إلا الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء. وأما أهل مصر فإنهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم اللغط والقيل والقال ولم يدركو حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا إلى أطارف البلد وقتلوا أشخاصا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا إلى أصحابهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساويةوخرج السيد عمر أفندي نقيب الأشراف والسيد أحمد المحروقي وانضم إليهم اتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك حسين أغا شتن أخو أيوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة أهل البلد وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والأوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالازقة وأطارف البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على ساق وخرج الكثير منهم إلى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الأجناد المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم أيضا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك إلى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم إبراهيم بك ثم أخرى وخلفهم سليم أغا ثم أخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الأشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان أغا الخازندار وإبراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسنارى وصحبتهم مماليكهم واتباعهم فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا إلى وكالة ذي الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة: اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة إلى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم فتحزبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوي والاروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الأسلحة والبارود والمقاتلون لظنهم وقوع هذا الأمر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمى بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالازقة من العامة والعسكر ويحامون عن أنفسهم والاخرون يرمون من اسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا وكتخدا الدولة وإبراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والاتباع وطوائف من العسكر بخط الجمالية بوكالة الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح ارسلوا إلى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحيته الأمراء المصرية على أقدامهم وجروا امامهم الثلاثة مدافع وسحبوها إلى الأزبكية وضربوا منها على بيت الألفي وكان به أشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم أيضا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب بين الفريقين إلى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالأطراف كلها وبجهة الأزبكية وشرعوا في بناء بعض جهات السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعا بها فلما عاين ذلك الجميع اجمع رأى الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب عزة الاقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة أهلها وربما مطال الحال فلا يجدون الأقوات لأن غالب قوت أهلها يجلب من قراها في كل يوم وربما امتنع وصول ذلك إذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل وتسامح الناس بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت خطة الجمالية وما والاها من الاخطاط بإزدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وركب بعضهم بعضا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن المحملة بالاثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف ما لا يوصف وتسامع أهل خان الخليلي من الالداشات وبعض مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا إلى خيول الأمراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل وأغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة معظم الناس على مساطب الحوانيت وبعض الأعيان في بيوت اصحابهم بالجمالية وفي ازقة الحارات أيضا وكل متهيء للخروج. فلما حصل ذلك وأصبح يوم السبت فتهيأ كبراء العساكر والعساكر ومعظم أهل مصر ماعدا الضعيف الذي لاقوه له للحرب وذهب المعظم إلى جهة الأزبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس وأخذوا عدة مدافع زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الأمراء وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد واحجار استعملوها عوضا عن الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت سارى عسكر بالازبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي أو فرنساوي اخذه وذهب به إلى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر أمره ويقتل البعض ظلما وربما قتل العامة من قتلوه واتوا برأسه لأجل البقشيش وكذلك كل من قطع راسا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها أما لنصوح باشا بالازبكية وأما العثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد أيام اغلقوا باب القرافة وباب البرقية وباقي الأبواب التي في اطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي الاحتراس وجلس عثمان بك الأشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف أيوب وجماعة أيوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح وأولاد القرافة والعامة وزعر الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل من كان في حارة من اطراف البلد انضم إلى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع أهل مصر والعساكر كلها واقفة باطراف البلد عند الأبواب والمتاريس والاسوار وبعض عساكر من العثمانية وما انضم إليهم من أهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية إذا جاء صارخ من جهة من الجهات بطائفة من هؤلاء وصار جميع أهل مصر أما بالازقة ليلا ونهارا وهو من لا يمكنه القتال وأما بالاطراف وراء المتاريس وهو من عنده اقدام وتمكن من الحرب ولم ينم أجد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وإبراهيم بك وجماعاتهم وعسكر من الينكجرية والارنؤد والدلاة وغيرهم جهة الأزبكية ناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التي عند جامع ازبك والعتبة الزرقا وانشأ عثمان كتخدا معملا للبارود ببيت قائد اغا بخط الخرنفش وأحضر القندفجية والعربجية والحدادين والسباكين لانشاء مدافع وبنبات واصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئيه وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الاخشاب وفروع الأشجار والحديد وجمعوا إلى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وأرباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتماما زائدا وانفق اموالا جمة وأرسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما ادخلوا مدفعا ادخلوه بجمع عظيم من الاوباش والحرافيش والأطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب بكلمات مثل قولهم: الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك الألفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 التي عند درب عبد الحق وعطفه البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه وأشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصا إسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية فإنه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب وبيت مراد بك الذي اصله بيت حسن بك الأزبكاوي وبيت أحمد اغا شويكار وتترس فيهما وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة أخرى وحضر أيضا رجل مغربي يقال أنه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقا والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي امورا تنكر عليه لأن غالب ما وقع من النهب وقتل من لا يجوز قتله يكون صدوره عنه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهم من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم إليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل إليهم الاطعمة فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض اوباش العامة ونهبوا داره وسجنوه مع أولاده وحريمه وأحضروه إلى الجمالية وهو ماش على اقدامه ورأسه مكشوفة وحصلت له أهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتما فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هالة ذلك وأغتم غما شديدا ووعده بخير وطيب خاطره واخذه سيدي أحمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه إلى داره اكرمهم وكساهم وأقاموا عنده حتى انقضت الحادثة وباشر السيد أحمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمآكل والمشارب وكذلك جميع أهل مصر كل إنسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان بعضهم بعضا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وأما الفرنساوية فإنهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد وبيت الألفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم وبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر الناس بعد دخول الباشا والأمراء ومن معهم من العسكر إلى مصر أياما قليلة وهم يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الارياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على أهل مصر ثم يرجعون إلى بلادهم كل ذلك ولم يعلم أجد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب واختلفت الروايات والأخبار وأما الوزير فإنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فإنهما تقاتلا مع الفرنساوية ثم رجعا إلى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا إلى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الأمان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم واخرجوهم حيث شاؤا فذهبوا اشتاتا في الارياف يتكففون الناس ويأوون إلى المساجد الخربة ومات اكثرهم من العرى والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية وتكلموا مع الوزير واوجعوه بالكلام فاعتذر إليهم باعذار ومنها عدم الأستعداد للحرب وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالا على أمر الصلح الواقع بين الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع لانكليز فقال له عثمان بك أرسل معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم إلا المطيع والمتطوع وهم نحو الألف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتا ومنتشرا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة وأصيب سرج سارى عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانة إلى الأرض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم واستصرخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد الظلام احاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فاصبح المسلمون وقد رأوا احاطة العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على اثرهم إلى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير ورجع إلى الشام وأما مراد بك فإن بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على الباش والأمراء بالمطرية وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب إلى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الأمور وأقام مطمئنا على نفسه واعتزل الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والأمراء الذين انحصروا بمصر ذلك اخفوه بينهم واشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وإرسال السعاة في طلب النجدة والمعونة وربما افتعلوا اجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت أن حضرة الصدر الأعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس وفي غد أو بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما أنتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على لصبر والقتال وملاقاة العدو ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لاصحابهم الذين بمصر فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر الارنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم إلى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الخارجة فحاموا ودافعوا عن أنفسهم وخلصوا منهم ودخلوا إلى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا أن يقولوا للناس إذا سئلوا: إنهم حاضرون مددا وسيأتي في اثرهم عشرون ألفا وعليهم كبير ونحو ذلك وأما بولاق فإنها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى البشتيلي وأمثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم واسلحتهم ورمحوا وصفحوا وأول ما بدؤا به أنهم ذهبوا إلى وطاق الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقلتوا من ادركون منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية وأخذوا ما احبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد وقوى في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنا ببولاق من نصارى القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم أشخاص هذا ما كان من أمر هؤلاء وأما ما كان من أمر سارى عسكر الفرنساوية ومن معه فإنه لما استوثق بهزيمة والوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل خلفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضا من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبليس ورجع إلى مصر وقد بلغت الأخبار بما حصل من دخول ناصف باشا والأمراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل إلى داره بالازبكية واحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية أيام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن البلدين واحاطوا بها احاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون إليهم ويتسلقون من الأسوار والحيطان بحريمهم وأولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب وأكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع وأكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من اعالي التلول والقلعات خصوصا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل واطراف النهار في الغدو والبكور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 والاسحار وعدمت الاقوات وغلت اسعار المبيعات وعزت المأكوت وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الأسواق وامتنع الطوافون به على الاطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من المأكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الأبار أو الأسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفا وستين نصفا وأما البحر فلا يكاد يصل إليه أجد وتكفل التجار ومساتير الناس والأعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين فأرسلوا إليهم الأمان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والأمراء وأعانوهم بالمال واللوازم وأما يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس وأنهم مصطفى أغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية وأنه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا انفارا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض على حمية حتى خلصوا إلى الناصرية وأما الاغا فإنهم قبضوا عليه وأحضروه بين يدي عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه فكان الناس يبيتون بالازقة والأسواق حتى الأمراء والأعيان وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 بحيث صار ينادي على الحمار أو البغل المعدد الجذى قيمته ثلاثون ريالا وأكثر بمائة نصف فضة أو ريال واحدا وأقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل يوم يتضاعف الحال وتعظم الاهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان إسمعيل كاشف الألفي تحصن ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لعما بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الأبنية والناس وطاروا في الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم إسمعيل كاشف المذكور وأنهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا إلى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها إلى الرحبة المقابلة لبيت الألفي سكن سارى عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها وكذلك خط الروبعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت إلى حد حارة النصارى وصارت كلها تلالا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت عليها أيدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأفقرت مساكنها وهكذا عقبى سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. وارسلوا إلى مراد بك يطلبونه للحضور أو يرسل الأمراء والأجناد التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول: إنه محافظ عل الجهة التي هو فيه فأرسلوا إليه بالإرسال والاستكشاف عن أمر الوزير فأرسل يخبر أنه أرسل هجانا إلى الشرق من نحو عشرة أيام وإلى الآن لم يحضر وأن الفرنساوية إذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يضربونهم وأنتم كذلك معهم فأقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الأشقر وغيرهم وسفهوا رأية وقالوا: كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا إلى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين ونحو ذلك هذا مما لا يكون أبدا فأشار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 إبراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الأشقر ليقول الأشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لراي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه أن وجدوا شيئا واستمر ضرب المدافع والقنابر والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائما أبدا بالأزقة والأسواق وكأنما على رؤوس الجميع الطير وأما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الأبنية إلى غير ذلك. وفي اثناء ذلك فرضوا على الناس من أهل الأسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصارى وصار مؤونة غالب الناس الارز ويطبخونه بالعسل وباللبن ويبيعون ذلك في طشوت وأوان بالأسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون عليكم بالجهة الفلانية الحقوا اخوانكم المسلمين فيرمحون إلى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون إلى غيرها فيفعلون كذلك وكان المتحمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عند ما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من اقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلا ونهارا ما ينبىء عن فضيل نفس وقوة قلب وسمو همة وقل أن وقع حرب في جهة من الجهات إلا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والاغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد أحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويأمرون الناس بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع اتباع الشرطة وينادون باللغة التركية مثل ذلك وجرىعلى الناس ما لا يسطر في كتاب ولم يكن لاحد في حساب ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلا عن جزئياته منها عدم النوم ليلا ونهارا وعدم الطمأنينة وغلو الاقوات وفقد الكثير منها خصوصا الأدهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولفط الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال إلى نحو عشرة أيام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف ورستم تارة أخرى والاثنان من اتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها إذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطا لطيفا وأقاموا عليه علما وأبطلوا الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولا من قبلهم إلى الباشا والكتخدا والأمراء يطلبون المشايخ يتكلمون معهم في شأن هذا الأمر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم فلما وصلوا إلى سارى عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن سارى عسكر قد أمن أهل مصر أمانا شافيا وأن الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون إليه من المؤونة والذخيرة حتى يصلوا إلى معسكرهم وأما الأجناد المصرية الداخلة معهم فمن أراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الأكرام ومن أراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وأن كان يأخذه الكتخدا فليأخذه وعلينا أن نداويهم حتى يبرأوا ومن أقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن أراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى أهل مصر الأمان فإنهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا عليه ولما كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 الغد وشاع أمر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزوما ورجع هاربا ولا يمكن عوده في هذا الحين إلا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف باشا وكتخدا الدولة وإبراهيم بك ومن معهم فإنهم هم الذين اثاروا الفتنة وهيجوا الرعايا ومنوا الناس الأماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام طويل قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فإنهم لا طاقة لهم على حربنا ويكونون سببا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له نخشى أنهم إذا امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا إلى سارى عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا بعد ذلك فقالو لا نفعل ذلك فإنهم إذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم واياهم وعقدنا صلحا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم واعطيناهم ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم إلى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر أحدا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا يقولون هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذرن المسلمين وأنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من امثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل المغربي الملتف عليه اخلاط العالم ونادى من عند نفسه الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصارى فتحير واحتال بأن خرج وإمامه شخص ينادى بقوله: الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك اغراض العامة لعدم ادراكهم لعواقب الأمور فألتفوا عليه وتعضد كل بالآخر وأن غرضه هو في دوام الفتنة فإن بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصورة الأمارة باجتماع الاوغاد عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم إليه واشتطاط في المأكل مع فقد الناس لا دون ما يؤكل حتى أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 كان إذا نزل جهة من جهات المدينة لاظهار أنه يريد المعونة أو الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول: لا آكل إلا الفراخ ويظهر أنه صائم فيكلف أهل تلك الجهة أنواع المشتقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئا بل إذا دهم العدو تلك الجهة التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما يخاف عليه من مسكن أو أهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل: لا ناقتي فيها ولا جملي فإذا قدر ما قدر تخلص مع حزبه إلى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد الناس ويرجع لحالته الأولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخا منصوبا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الاحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته اظهر من نار على علم أو اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع أنفسهم في مرضاة رب العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل همته في السلب مصروفة وحال سلوكه عند الناس ليست معروفة. ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم وبالجملة فكان هذا الرجل سببا في تهدم أغلب المنازل بالازبكية ومن جملةما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين اشيع أمر الصلح وتكلم به الأشياخ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه افتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والأمراء المصرية فما قدر هذا الاهوج حتى ينقض صلحا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي أو ينصب نفسه بدو أن ينصبه أجد لذلك لكنها الفتن يستنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة وثوران الرعاع والغوغاء إذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم عل أن المشايخ لم يأمروا بشيء ولم يذكروا صلحا ولا غيره إنما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لأجله لحضرة الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم رموا بعمامته إلى الأرض واسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون لولا أن الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابا بل ضربوا بالمدافع والبنادق فأرسلوا أيضا رسلا يسالونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ فأرسل إليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم أن العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن خرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل الفرنساوية جواب ذلك في ورق يقولون في ضمنها: قد عجبنا من قولكم إن العساكر لم ترض بالصلح وكيف يكون الأمير أميرا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو لك وأرسلوا أيضا رسولا إلى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة وشغبا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويا يقول أمان أمان سواسوا وبيده ورق من سارى عسكر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر أنهم إنما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف واشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الألفي إلى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن أن فيه الصواب وهو أن يرفعوا على هلالات المنارات أعلاما نهارا ويوقدون عليها القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون أن البلد بيد المسلمين وأنهم منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس أن هناك عسكرا قادمين لنجدتهم. وظن أهل بولاق أن الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين إلى يوم الخميس ثاني عشرينه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت السماء غيما كثيفا وارعدت رعدا مزعجا عنيفا وامطرت مطرا غزيرا وسيلت سيلا كثيرا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه والأوحال ولطخت الأمراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين والفرنساوية هجموا على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لأنهم في خارج الأفنية وهي لا تتأثر بالمياه كداخل الانية وعندهم الأستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم وكذلك أسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية على اعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية الحديد وكوم أبي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون أيضا وإمامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم: السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئا فشيئا والمسلمون أيضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الاغا وأكثر الناس إلى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالا شديدا وهاجت العامة وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من كل جهة هذا والأمطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد والبرق وعثمان بك الأشقر الإبراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادى ومصطفى كاشف رستم يذهبون ويجيئون من الفرنسيس إلى المسلمين ومن الفرنسيس إليهم ويسعون في الصلح بين الفريقين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 ثم إنهم هجموا عل بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلو بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والازقة واحترقت الأبنية والدور والقصور وخصوصا البيوت والرباع المطلة على البحر وكذلك الاطارف وهرب كثير من الناس عند ما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم إلى الجهة القبلية ثم احاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والاباريز والارز والأدهان والأصناف العطرية وما لاتسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا وأصبح من بقي من ضعفاء أهل بولاق واهلها وأعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم وذلك يوم الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية أخذ منهم أمانا لنفسه وأوهم اصحابه أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل إليهم واختفى البشتيلي فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى لرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت سارى عسكر وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث اطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم أن يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وأنه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه أن الكلب دعانا للصلح فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله إلى الكتخدا فوقع في يد سارى عسكر كلهبر فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 فعله وقوبل على ذلك بأن اسلم إلى عصبته وأمروا أن يطوفوا به البلد ثم يقتلوه ففعلو ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بأن يرتبوا ديوانا لفصل الأحكام وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين الزموا بغرامة مائتي ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب والنهب ولاسلب إلى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصا الفقراء والدواب وايذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم المير والمدد والفرنساوية بالعكس وفي كل يوم يزحفون إلى قدام والمسلمون إلى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم أبي الريش وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون المتاريس إلى أن وصلوا من ناحية قنطرة الحروبي وناحية باب الحديد إلى قرب باب الشعرية. وكان شاهين أغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من مكانه ورجع القهقري فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض. وملك الفرنساوية كوم أبي الريش وصاروا يحاربون من كوم أبي الريش وهم في العلو والمسلمون اسفل منهم وأن المحروقي زور كتابا على لسان الوزير وجاء به رجل يقول أنه اختفى في طريق خفية ونط من السور وأن الوزير يقدم بعد يومين أو ثلاثة وأنه تركه بالصالحية وأن ذلك كذب لا اصل له وأن يكتب جوابا عن فرمان كتبوه على لسان المشايخ والتجار وأرسلوه إلى الوزير في اثناء الواقعة. هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والاشقر يسعون في أمر الصلح إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 أن تموه على كف الحرب وأن الفرنساوية يمهلون العثمانية والأمراء ثلاثة أيام حتى يقضوا اشغالهم ويذهبون حيث أتوا وجعلوا الخليج حدا بين الفريقين لا يتعدى أجد من الفريقين بر الخليج الآخر وابطلوا الحرب واخمدوا النيران وتركوا القتال وأخذ العثمانية والأمراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء اشغالهم وزودهم الفرنساوية واعطوهم دراهم وجمالا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانا مضمونه أنهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر ويرسلون ثلاثة انفار من أعيالهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل إلى الصالحية وأن يوصلهم سارى عسكر داماس بثلثمائة من العسكر خوفا عليهم من العرب وأن من جاء منهم من جهة يرجع إليها ومن أراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الأشقر فإنه إذا رجع الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي إلى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي إلى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا الخان ومنع نصوح باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه إلى الحسينية وطلب محاربة الفرنسيس فحضر أهل الحسينية إلى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو منعه فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه المناداة بأن لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي فهاجوا في العامة ففرو وسكن الحال. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1214. فيه خرج العثمانية وعساكره وإبراهيم بك وامراؤه ومماليكه والألفي واجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من أهل مصر ركبانا ومشاة إلى الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي واجناده وأما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 صحبة الوزير فلم يسع إبراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما وذهابهم بأنفسهم إلى قبلي بل رجعا بجماعتهما على اثرهما وذاقوا وبال أمرهم وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة امل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس من هذه العمارة وما جرى من الغارة إلا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر بما فيها من الثلاثة أيام الهدنة سبعة وثلاثين يوما وقع بها من الحروب والكروب والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الأمور وقتل الرجال ونهب الأموال وتسلط الأشرار وهتك الاحرار وخصوصا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الأزبكية الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت إلى بيت سارى عسكر بالقرب من قنطرة الدكة وكذلك جهة باب الهواء إلى حارة النصارى من الجهة القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فإنها صارت كلها تلالا وخرائب وكيمان أتربة وقد كانت هذه البركة من اجل منتزهات مصر قديما وحديثا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للامير بكتمر الحاجب من أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون لأنه هو الذي احتفرها واجرى إليها الماء من الخليج الناصري وبنى القنطرة المنسوبة إليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها وبين الخليج دورا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانا عظيما قطع اشجاره وغالب نخيلة الفرنساوية. ومما تخرب أيضا حارة المقس من قبل سوق الخشب إلى باب الحديد وجميع مافي ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا أن في ذلك لاية لقوم يعقلون وقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} . وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} . ودخل الفرنساوية إلى المدينة يسعون وإلى الناس بعين الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه واعده العثمانية من المدافع والقنابر والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل أنهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية. وركب المشايخ والأعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا إلى كبير الفرنسيس فلما وصلوا إلى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة ابرز إليهم ورقة مكتوب فيها النصرة لله الذي يريد أن المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك سارى عسكر العام يريد أن ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى أهل بر مصر ولو كانوا يخالطون العثملي في الحروب وأنهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليه بحضورهم إلى قبة النصر بكرة تاريخه. ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالأسواق وبين أيديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والأمان فلما أصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ والوجاقلية وذهبوا إلى خارج باب النصر وخرج أيضا القلقات والنصارى القبط والشوام وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبا وسادوا ودخلوا من باب النصر وقدامهم جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلا وبأيديهم سيوف مسلولة ينهرون الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 ويأمرونهم بالوقوف على اقدامهم ومن تباطأ في القيام أهانوه فاستمرت الناس وقوفا من ابتداء سير الموكب إلى انتهائه ثم تلا الطائفة الأمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم لابسون جوخا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف اشكالهم واجناسهم وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الأعيان والمشايخ والوجاقلية واتباعهم إلى أن قدم سارى عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر وخلفهم طوائف من خيالة الفرنسيس. ولما انقضى أمر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة أيام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلا ثم دعاهم في يوم الأربعاء وعمل لهم سماطا عظيما على طريقة المصرلية. وقلدوا في ذلك اليوم محمد اغا الطناني اغات مستحفظان وركب ونادى بالأمان واعطواالبكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من عنده فرحين مطمئنين مستبشرين. فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب إلى مراد بك بجزيرة الذهب باستدعاء فمد لهم اسمطة عظيمة وانبسط معنم وأفتخر افتخارا زائدا واهدى إلى بعضهم هدايا جليلة وتقادم عظيمة وأعطاه ما كان ارسله درويش باشا معونة للباشا والأمراء من الأغنام وغيرها وكانت نحو الأربعة آلاف رأس وولوه امارة الصعيد من جرجا إلى اسنا ورجع عائدا إلى داره بالازبكية. فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب إلى بيت سارى عسكر ولبسوا افخر ثيابهم واحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن أن سارى عسكر يقلده في هذا اليوم اجل المناصب أو ربما حصل التغيير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقر بهم الجلوس في الديوان الخارج اهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أجد ثم فتح باب المجلس الداخل وطلبوا إلى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الأولى ثم خرج إليهم سارى عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من أعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس وجلس عليه ووقف الترجمان وأصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية وأعيان النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الأشقر والبرديسي أيضا حاضران وكلم سارى عسكر الترجمان كلاما طويلا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان إلى الجماعة وشرع يفسر لهم مقالة سارى عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول أن سارى عسكر يطلب منكم عشرة آلاف ألف إلى آخر العبارة الآتية وأما هذه العبارة فإنه قالها المهدي فقط اننا لما حضرنا إلى بلدكم هذه نظرنا أن أهل العلم هم اعقل الناس والناس بهم يقتدون ولأمرهم يمتثلون ثم انكم اظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الأمور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم الديوان وغمرناكم بالإحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولامركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له نحن ما قمنا مع العثملي إلا عن أمركم لانكم عرفتمونا اننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان وأن البلاد والأموال صارت له وخصوصا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا إلا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا أنفسنا في وسطهم فلم يمكننا التخلف عنهم فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم أجابهم بقوله ولاي شيء لم تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالو لا يمكننا ذلك خصوصا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وقد تقووا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم وإذا كان الأمر كما ذكرتم ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم إلا الضرر لأنكم إذا حضر اخصامنا قمتم معهم وكنتم وإياهم علينا وإذا ذهبوا رجعتم إلينا معتذرين فكان جزاؤكم أن نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث أننا أعطيناكم الأمان فلا تنقض اماننا ولا نقتلكم وإنما نأخذ منكم الأموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف ألف فرنك عن كل فرنك ثماينة وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة خزنة مصري منها خمسمائة ألف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك خمسمائة وخمسة وثلاثون الفا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفا وأخيه الشيخ فتوح خمسون الفا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفا والشيخ العناني مائتان وخمسون الفا تقتطعها من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين أغا شتن وما بقى تدبرون رايكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر شخصا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع اصحابه إلى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب. ووقف الحرس على الباب الآخر يمنعون من يخرج من الجالسين فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا إلى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا الأمر إلا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته بمرأى منهم وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به إلا بعض الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم أنه لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 يكن شيئا مذكورا ولم يزالوا على ذلك الحال إلى قرب العصر حتى بال اكثرهم على ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودا من الرؤساء أخرجوه بحجة أو سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيا وما صدق بخلاص نفسه. هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمخمظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم كل طائفة مبلغ له صورة مثل ثلاثين ألف فرانسا واربعين ألفا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون والزياتون والشواؤن والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على اجرة الأملاك والعقار والدور اجرة سنة كاملة ثم أنهم أستاذ نوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث أراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائممقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فأضافوا غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون ألف فراسنة وانفض المجلس على ذلك وركب سارى عسكر من يومه ذلك وذهب إلى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في المسلمين ما يشاء وقائممقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الأمور والرهونات ونزل الشيخ السادات وركب إلى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره فلما مضت حصة من الليل حضر إليه مقدار عشرة من العسكر أيضا فأركبوه وطلعوا به إلى القلعة وحبسوه في مكان فأرسل إلى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا له أما القتل فلا نقتله لشفاعتك وأما المال فلا بد من دفعه ولا بد من حبسه وعقوبته حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وحبسوهما ثم انزلوه إلى بيت قائممقام فمكث به يومين ثم اصعدوه إلى القلعة ثانيا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة فأقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع إليه هو وبرطلمان فقال لهم انزلوني إلى داري حتى اسعى وابيع متاعي واشهل حالي فأستاذ نوا له وانزلوه إلى داره فأحضر ما وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة عنها ستة آلاف ريال فرانسة ثم قوموا ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك خمسة عشر ألف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات أحدا وعشرين ألف فرانسة والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع إلى حريمه ولا إلى غيره وكان وزع حريمه وابنه إلى مكان آخر وبعد أن فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون ويحفرون الأرض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئا ثم نقلوه إلى بيت قائممقام ماشيا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمد السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين الموت حتى عرفهم بمكانهما فاحضروهما واودعوا ابنه عند اغات الانكشارية وحبسوا زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الانكاء ثم أن المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الأمير وزين الفقار كتخدا تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها إلى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله وأخذوا مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب أكثر اتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فاضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر ألف فرانسة ورد الباقي على القردة العامة. واما الشيخ محمد ابن الجوهري فإنه اختفى فلم يجدوه فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم إنه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 فأرسلت إلى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده كاشفا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها أيضا على الفردة العامة ثم إنهم وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت البارودي والزموا الاغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء أربابها واعطوه عسكرا وأمره بتحصيلها من أربابها وكذلك علي اغا الوالي الشعراوي وحسن اغا المحتسب وعلي كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الأعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها. ومضى عيد النحر ولم يلتفت إليه أجد بل ولم يشعروا به ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فإن أجد الناس غنيا كان أو فقيرا لا بد وأن يكون من ذوي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفتين وأجرة داره أيضا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم من عند الناس واحتاج كل إلى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري وإذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الاثمان وأما اثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا يوجد من يأخذه وأمروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقا سوى خمسة انفار من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والأمير وابن محرم والنصارى المترجمين وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبة أو حريمه أو ينهبون داره فإن لم يجدوا شيئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 ردوا غرامته على ابناء جنسه واهل حرفته. وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم اغراضهم واظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانا وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤن يطوفون ويحررون أجر الأماكن والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون أسماء أربابها وقيمتها. وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا إلى القرى والارياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار إليه فيما تقدم فتوجه لجهة الصعيد وأقام باسيوط فأقام بها نحو ثمانية عشر شهرا. ثم أن أكثر الفارين رجع إلى مصر لضيق القرى وعدم ما يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار والقتل فيما بينهم وتعدى القوى على الضعيف واستمرت الطرق محفرة والأسواق معفرة والحوانيت مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والارزاق عاطلة والمطالب عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة وإذا أراد الإنسان أن يفر إلى ابعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقا للذهاب وخصوصا من الملاعين الأعراب الذين هم أقبح الاجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالأمر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن اخذه أليم شديد. وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي إلى بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام وما جرى فيه من الحوادث العظام بأقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام. فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برا وبحرا ووقوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 الانكليز بثغر الأسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد وتخطوا أيضا بمراكبهم إلى بحر القلزم. ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام أيضا حتى لم يرجع المحمل بل كان مودوعا بالقدس فلما حضر العساكر الإسلامية أحضروه صحبتهم إلى بلبيس. فيقال: أن السيد بذرا ورجع به إلى جبل الخليل. ومنها: وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من ابناء السبيل والتجار وتسلطوا على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر والغنم والجمال والحمير وافساد المزارع ورعيها حتى كان أهل البلاد لا يمكنهم الخروج ببهائمهم إلى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب أهل القرى على بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بأنواع الشرور واستعان بعضهم على بعض وقوى القوى على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وأن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا إلى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فإذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت العرب على اثرهم وهكذا كان حالهم وما أن ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون. ومنها أن النيل قصر مدة في هذه السنة فشرقت البلاد وارتحل أهل البحيرة إلى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لأنه بقي لهم في الحي نخيل. ومنها: أنه لما حضرت العثمانية وشاع أمر الصلح وخضوع الفرنساوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 لهم نزل طائفة من الفرنسيس الىالموفية وطلبوا من أهلها كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب أهلها واجتمعوا إلى قاضيها وخرجوا لحربهم فاكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقا بالمدافع والبنادق فقتلوا منهم نيفا وستمائة إنسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم إلا من فر وكان طويل العمر وكذلك أهل طنتداء عند حضورهم إليهم وصل إليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة الشرق لزيارة سيدي أحمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة انفار وكان بعض الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض اشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك الرجل بقولهم نصر الله دين الإسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بألسنتهن وصاحت الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجميع عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا بالبلدة وضربوا عليهم مدفعا ارتحوا له ثم هجموا عليهم ودخلوا إليهم وبايديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم ملتزموا البلدة وأكابرها ومتهمون بكثرة الأموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم باغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر ألف ريال فرانسة بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا إلى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفا على نهب الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم إلى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة أيام خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الأغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا المذكورين صحبتهم إلى منوف وحبسوهم أياما ثم نقلوهم إلى الجيزة أيام الحرابة بمصر. فلما انقضت تلك الأيام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة إلى طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدا وخمسين ألف ريال فرانسة وعلى أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 البلدة كذلك بل أزيد وأقاموا حول البلد محافظين عليهم واطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لأنه صاحب الأكثر في الوظيفة والالتزام وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت له نفاخات في جسده ثم أخذوا خليفة المقام أيضا وذهبوا به إلى منوف ثم ردوه وولوه رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك واستمروا على ذلك إلى انقضاء العام حتى أخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص زنتها نحو خمسة آلاف مثقال وأما المحلة الكبرى فإنهم رجعوا عليها وقرروا عليها نيفا ومائة ألف ريال فرانسة وأخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع المياسير من أهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتدا والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم أقبح في الظلم من الفرنسيس بل ومن العرب فإنهم معظم البلاد أيضا فإنهم هم الذين يعرفون دسائس أهل البلاد ويشيعون احولهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم. واستمروا على ذلك أيضا ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. ومنها أنه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية أرسل الوزير فرمانات للثغور باطلاق الأسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها إلى ثغر الأسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا إلى المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فأستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم وسلاحهم وحبسوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من البحرية والنصارى الاروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحا وزيوهم بزيهم واضافوهم إلى عسكرهم وأرسلوهم إلى مصر فكانوا أقبح مذكور في تسلطهم على ايذاء المسلمين ثم اخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لأنفسهم وبقى الأمر على ذلك وكان ذلك في اواسط شهر القعدة. ومنها أنه بعد نقض الصلح أرسل الفرنسيس عسكرا إلى متسلم السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه أهل البندر فحاربوهم فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار وغير ذلك. ومنها أن مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح أخذ ما جمعه درويس باشا من الصعيد من اغنام وخيول وميرة وكان شيئا كثيرا فتسلم الجميع منه وعدى درويش باشا إلى الجهة الشرقية متوجها إلى الشام وأرسل مراد بك جميع ذلك للفرنساوية بمصر. ومنها أيضا أنه بعد انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس على المخازن والغلال التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلا الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والاتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد وقرروا على النواحي غلالا وشعيرا وفولا وتبنا وزادوا خيلا وجمالا فوقع على كل اقليم زيادة عن ألف فرس وألف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو ونحو ثمنا أو ازيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك وكل ذلك بارشاد القبطة وطوائف البلاد لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الأقاليم والتزموا لهم بجمع الأموال ونزل كل كبير منهم إلى أقليم وأقام بسر الإقليم مثل الأمير والعساكر والفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والاتباع والأجناد من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين يديه الجنائب والبغال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم الحراب المفضضة والمذهبة والاسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل إلى ولايات الإقليم من جهته المستوفين من القبط أيضا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من الفرنساوية والطوائف الجاويشية والصارفين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فإن مضت ولم يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصا إذا فر مشايخ البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم والا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على مفاصلم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال وأذاقوهم أنواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم واتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم إليهم الأسافل من القبط والأراطل من المنافقين وتقربوا إليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم وأجهدوا أنفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم إلى غير ذلك مما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى إلا واهلها ظالمون. من مات في هذه السنة. ممن له ذكر مات الإمام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوى والجوهري والبلدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد وكل من البكائين عند ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد القرينة وام الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها واخبرني بها توفي في هذه السنة ودفن ببستان المجاورين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 ومات العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل أحمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقرى الأزهري حضر من بلده طرابلس الغرب إلى مصر في سنة احدى وتسعين وجاور بالأزهر وكان فيه استعداد وحضر دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ أبي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد مرتضى المسلسل بالاولية وغير المسلسل أيضا وأخذ منه الإجازة في سنة اثنتين وتسعين ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل إلى أن تزوج بزوجته بنت الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكبين وتجمل بالملابس وتودد للناس بحسن المعاشرة ومكارم الاخلاق وكان سموح النفس جدا دمت الطباع والأخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيها طويل القامة بهى الطلعة بشوشا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب إلى بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة. ومات السيد الافضل والسند الأكمل المقرى بن المقرى والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق المشكلات باتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات الفهوم لثامها فأظهر الأنفس من نفيسها والأعز من عزيزها فلا غرو فإنه بذلك حقيق كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي ربي في حجر ابيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات واتقن القراءات الأربعة عشر بعد أن أتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس وامتدح الأعيان وبينه بين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفا في ترجمتهما وله أيضا تآليف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} وكان الباعث له على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ أحمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور واجاره الأمير المذكور بأن رتب له تدريسا بالمشهد الحسيني ورتب له معلوما بوقته وقدره كل يوم عشرة انصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى مات في شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 ثم دخلت سنة خمس عشر ومائتين وألف . كان ابتداء المحرم يوم الأحد في خامسه اصعدوا الشيخ السادات إلى القلعة وكان أرسل إلى كبار القبط بأن يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بأنه لا بد من تشهيل قدر نصف الباقي أولا ولا يمكن غير ذلك وأما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر إرساله للنصارى وغيرهم نقلوهم إلى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة. وفيه اشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم إلى ثغر سكندرية وسافر سارى عسكر كلهبر وصحبته العساكر الفرنساوية فغاب أياما ثم عاد إلى مصر ولم يظهر لهذا الخبر اثر. وفيه طلبوا عسكر من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وأرسلوا إلى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الألفين وأحضروهم إلى مصر واضافوهم إلى العسكر. وفي حادي عشرينه اعادوا الشيخ أحمد العريشي إلى القضاء كما كان وعملوا له موكبا وركب معه أعيان الفرنسيس وسوارى عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والأعيان وبجانبه قائممقام عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 منو الذي كان سارى عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى اوصلوه إلى المحكمة الكبرى بعد أن شقوا به المدينة. وفي ذلك اليوم اعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو أن سارى عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالازبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فاشار إليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد إليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان اعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا فصاح رفيقه المهندس فذهب إليه وضربه أيضا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وأرسلوا العساكر إلى الحصون والقلاع وظنوا أنها من فعل أهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا: لا بد من قتل أهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت سارى عسكر لمعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميا فاحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيا واسمه سليمان فسألوه عن محل ماواه فأخبرهم أنه يأوي ويبيت بالجامع الأزهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل أخبر أجد بفعله وهل شاركه أجد في رأيه واقره عل فعله أو نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الأيام أو الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة أهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد وقد كانوا ارسلوا أشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك برائتهم من ذلك ثم أنهم أمروا باحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ أحمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم إلى نصف الليل والزموهم بأحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وأنه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الاغا وحضروا إلى الجامع الأزهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الاغا وحبسهم ببيت قائممقام بالازبكية ثم أنهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى أفندي البوصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه أخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أرواقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رايت كثيرا من الناس تتشوق نفسه إلى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الأعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسو بهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الاقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم سارى عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من أخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى أفندي البوصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 بعد ذلك من افعال اوباش العساكر الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد. وصورة ترجمة الأوراق المذكورة. بيان شرح الاطلاع على جسم سارى عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر إلى بيت سارى عسكر العام في الأزبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو اننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبران سارى عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأيناه في آخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا أنه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت أربعة الأول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني اوطى من الأول جنب السوة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفنزادر سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لأجل أن يسلم البيان المذكور إلى سارى عسكر مدير الجيوش تحريرا في سراية سارى عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون أننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من اعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو أيضا في جنب سارى عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة امرار بسلاح مدبب وله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 حد وهذا بيان الجروحات الأول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الأصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم إلى تأييد ذلك وضعنا أسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرا في سراية سارى عسكر مدير الجيوش في اليوم والشهر والساعة المرقومة أعلاه بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن. اول فحص سليمان الحلبي. نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت سارى عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت سارى عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من أهل البلد مدعيا أن هذا هو الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر المنهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع سارى عسكر حين انغدر لأنه أيضا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات. ثانيا المتهوم المذكور انشاف بين جماعة سارى عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح سارى عسكر وبعض حوائج أيضا بتوع المتهوم فحالا بدىء الفحص بحضور سارى عسكر منو الذي هو أقدم أقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي أحضره سارى عسكر منو لأجل ذلك المتهوم المذكور. سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره أربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 سئل كم زمان له في مصر فجاوب أنه بقي له خمسة اشهر وأنه حضر في قافلة وشيخها يسمى سليمان بوريجي. سئل عن ملته فجاوب أنه من ملة محمد وأنه كان سابقا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين أخرى في مكة والمدينة. سئل هل يعرف الوزير الأعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب أنه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الأعظم. وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب أنه لم يعرف أحدا وأكثر قعاده في الجامع الأزهر وجملة ناس تعرفه وأكثرهم يشهدون في مشيه الطيب. سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وأنه كان قاصد ينشبك كاتب عند أجد ولكن ما قسم له نصيب. سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب أن كلهم سافروا. سئل كيف يمكن أنه لم يعرف أجد من الذين كتب لهم في الأيام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب أنه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وأن غير ممكن أن يتفكر اسماهم. سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب أنه يسمى محمد مغر السويسي بياع عرقسوس وأنه ما كتب لأحد في الجيزة. سئل ثانيا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائما أنه كان قاصدا أن ينشبك كاتبا. سئل كيف مسكوه في جنينة سارى عسكر فجاوب أنه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له أنه ما ينجيك إلا الصحيح لأن عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح أنه كان في الجنينة ولكن ماكان مستخبي بل قاعد لأن الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر أن يروح للمدينة وأن ما كان عنده سكينة ولم يعرف أن كان هذا موجود في الجنينة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 سئل لأي سبب كان تابع سارى عسكر من الصبح فجاوب أنه كان مراده فقط يشوفه. سئل هل يعرف حنة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه سارى عسكر فجاوب بأن هذه ما هي تعلقه. سئل أن كان تحدث مع أجد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب أنه ما تكلم مع ناس إلا لأجل مشترى بعض مصالح وأنه نام في الجيزة في جامع فاشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له أن هذه الجروحات بينت أنه هو الذي غدر سارى عسكر لأن أيضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب أنه ما انجرح إلا ساعة ما مسكوه. سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف أو مع ممالكيه فجاوب أنه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته أمر سارى عسكر أنهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من أول وجديد كما هو مشروح. سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب أنه له واحد وثلاثين يوما وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين. سئل لاي سبب حضر من غزة فجاوب لأجل أن يقتل سارى عسكر العام. سئل من الذي ارسله لأجل أن يفعل هذا الأمر فجاوب أنه أرسل من طرف اغات الينكجرية وأنه حين رجع عساكر العثملي من مصر إلى بر الشام ارسلوا إلى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل سارى عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا. سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 سارر أحدا على نيته فجاوب أن ما أجد تصدر له وأنه راح سكن في الجامع الأزهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد أحمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه أنه يرجع عن ذلك لأن غير ممكن أن يطلع من يده ويموت فرط وأن كان لازم يشخصوا واحدا غيره في قضاء هذه المادة ثم إنه كل يوم كان يتكلم معهم في الشغل المذكور وأن امس تاريخه قال لهم أنه رائح يقضي مقصوده ويقتل سارى عسكر وأنه توجه إلى الجيزة حتى ينظر أن كان يطلع من يده وأن هناك قابل النواتية بنوع قنجة سارى عسكر فاستخبر عليه منهم أن كان يخرج برا فسالوه ايش طالب منه فقال لهم أن مقصوده يتحدث معه فقالوا له أنه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف سارى عسكر معديا للمقياس وبعده ماشي إلى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة سارى عسكر منو بحضور باقي سوارى العساكر الكبار وملازمين ببيت سارى عسكر العام ثم انختم بامضاء سارى منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو أيضا خط يده واسمه بالعربي سليمان امضاء سارى عسكر عبد الله منو امضاء سارى عسكر داماس امضاء الجنرال والتين امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتر دار البحر لروا امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كان امضاء الترجمان حنا روكه امضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام. فحص الثلاثة مشايخ. المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 سارى عسكر العام كلهبر فسارى عسكر منو أمر بفحصهم فبدىء ذلك حالا في حضور بعض سوارى العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوما كا الترجمان كما يذكر أدناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل أولا لوحده. سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الأزهر وهناك كان كاره مقرىء القرآن وأنه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة. سئل أن كانت سكنته في الجامع الأزهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب أنه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه. سئل هل يعرف رجلا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب أن من مدة خمسين يوم ما شاف أحدا حضر من بر الشام فقيل له أن رجلا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يوما قال أنه يعرفك والظاهر انك لم تكلم بالصدق فجاوب أنه ملهى دائما في وظيفته وأنه ما شاف أحدا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له أيضا أن ناسا حضروا من بر السام يقولون أنهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب أن هذا غير ممكن وأنهم يقابلوه مع الذي فتن عليه. سئل هل يعرف واحد اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يوما فجاوب لا فقيل له أن هذا الرجل يحقق أنه شافه وأنه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب أنه ما شافه وأن هذا الرجل كذاب وأنه يريد أن يموت أن كان ما يحكي الصحيح فحالا سارى عسكر نده إلى محمد الغزي الذي هو أيضا متهوم في قتل سارى عسكر وبدىء الفحص كما يذكر. سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الأزهر ثم صنعته مقرىء القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 إلا لكي يشتري ما يأكل. سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب أن في بعض الأوقات يحضر ناس غرباء وأما البواب فهوالذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي. سئل هل يعرف رجلا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يوما فجاوب أنه لم يعرفه وأنه غير ممكن أن يشوف كل الناس لأن الجامع كبير قوي. سئل أنه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فإن المذكور يحقق أنه تكلم معه في الجامع فجاوب أنه يعرفه من مدة ثلاث سنين وأنه كان عند خبر أنه راح مكةواما من بعده ما شافه ولم يعرف أن كان رجع أم لا. سئل هل السيد عبد الله العزي يعرفه أيضا فجاوب نعم فقيل له محقق أن أمس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وأن الشواهد موجودة فجاوب أن هذا صحيح سئل لأي سبب كان بدأ يقول: إنه ما شافه فجاوب أن تخمينه ما قال هذا وأن المترجمين غلطوا. سئل هل سليمان المذكور ما بلغه عن شيء مذنب قوى وتحقيا لذلك معلوم عندنا أنه كان قصده يحوشه فجاوب أنه لم يعرف هذا الأمر وأن سلميان المذكور راح وجاء كام مرة إلى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له: إنه موجود شواهد أن سليمان المذكور كان أخبره أن مراده لن يغدر سارى عسكر العام وأنه أراد أن يمنعه فجاوب أنه ما بلغه عن هذا الأمر بل أمس تاريخه قال له: إنه رائح ويمكن أن ما بقي يرجع فبعده أحضرنا عبد الله الغزي لأجل يتفحص ثانيا كما يذكر أدناه. سئل لأي سبب قال: إنه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث أن موجودة شواهد أن هذا له في مصر واحد وثلاثون يوما وأنه تقابل واياه جملة مرار وتحدث معه أكثر الأيام فجاوب حقا أنه لم يعرفه. سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرى القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 في جامع الأزهر فجاوب نعم. سئل السيد عبد الله المذكور لاي سبب انكر ذلك فجاوب أنهم لخبطوا عليه السؤال وأن هذا الوقت بحيث أنهم سالوه عن سليمان الذي من حلب فيقر أنه يعرفه فقيل له أنه معلوم عندنا أنه شافه مرارا كثيرة وتحدث معه فجاوب أنه بقي له ثلاثة أيام ما شافه. سئل هل أنه ما قصد يمنعه عن قتل سارى عسكر العام فجاوب أنه ما قال له أبدا على هذا الأمر وأنه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته. سئل لأي سبب ما يحكى الصحيح بحيث أنه موجودة عليه شواهد فجاوب أنه غير ممكن يوجد عليه شواهد وأنه ما شاف سليمان المذكور إلا لأجل أن يسلموا على بعض حين تقابلوا. سئل هل سليمان ما أخبره أبدا عن سبب مجيئه إلى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك اخروا الإثنين المذكورين وأحضروا السيد أحمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر. سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد أحمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرى القرآن في الجامع الأزهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره. سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب أن وظيفته يقرأ ولا ينتبه إلى الغرباء فقيل له أن بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون أنهم شافوه في الجامع فجاوب أنه ما شاف احدا. سئل هل شاف رجلا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال: إنه يعرفه فجاوب لا وأن كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله. سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب أنه يعرف واحدا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد أفندي وكان طالب أنه يستقيم في الجامع وأن هذا الرجل قال: إنه من حلب ومن مدة عشرين يوما كان شافه وبعدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 ما قابله ثم كان قال له أن الوزير في يافا وأن عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه. سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب أنه لم يعرفه طيبا حتى يضمنه. سئل هل الإثنان الاخران المتهومان معارفه وهل أن الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب أم امس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل أنه يعرف أن سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وأنه وضع في الجامع جملة أوراق مضمونها أنه كان قوي متعبد لخالقه. سئل هل المذكور امس أيضا ما وضع اوراقا في الجامع فجاوب أن ما عنده خبر بذلك. سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب أنه أيدا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له: إن مراده يفعل شيء جنون وأنه عمل كل جهده حتى يرجعه. سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب أنه قال له: إنه كان مراده يغازي في سبيل الله وأن هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما أخبره باسمه وأنه قصد يمنعه بقوله أن ربنا اعطى القوة للفرنساوية ما أجد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحله وهذا الفحص تحتم بحضور سوارى العساكر المجموعين بامضاء سارى عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص بأمر سارى عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا اسماءهم وخطهم بالعربي تحريرا في اليوم والشهر والسنة المحرر أعلاه ثلاث امضاآت بالعربي امضاء سارى عسكر منو إمضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كا سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر. المادة الأولى أن ينشأ ديوان قضاة لأجل أن يشرعوا على الذين غدروا سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 المادة الثانية القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم سارى عسكر رينيه سارى عسكر فرياند سارى عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بربراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور. المادة الثالثة القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر. المادة الرابعة القضاةالمذكورين مفوضون الأمر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى أنهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور أو يكون عندهم خبرة. المادة الخامسة القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق إلى موت القاتل ورفقائه. المادة السادسة القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة امضاء سارى عسكر منو وهذه نسخة من الأصل امضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش. شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي. في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضا عن سارى عسكر فرياند حكم أمر سارى عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل ابهر في وظيفة وكيل الجمهور لأجل قضاء شريعة قتل سارى عسكر العام كلهبر الذي انغدر امس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم سارى عسكر رينيه وعلى قرار أمر سارى عسكر منو المشروح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السرلهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا سارى عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة أعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم أن السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لأجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر امضاء الوكيل رجنيه امضاء رئيس المعمار بريراند امضاء رئيس المدافع فاور امضاء رئيس العسكر جرجه امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لرو امضاء سارى عسكر روبين إمضاء سارى عسكر رينيه امضاء كاتم السر بينه اقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة سارى عسكر العام منو أمير الجيوش وفي وظيفة مبلغ حكم الأمر الذي خرج من طرفه. انتشار القضاة في شرع القاتلين سارى عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر أنه حضر بين يدنا يوسف برين عسكرى خيال من الطبجية الملازمين بيت سارى عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال أيضا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر سارى عسكر العام وأنهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة سارى عسكر وأنهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وأن الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وأن سليمان المذكور كان أيضا ملغمطا بدم وأنهم مسكوه في هذه الحالة وأن بعده التزموا يضربوه بالسيف لأجل يمشوه ثم برين المذكور قال بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وأنه سلم السكينة في بيت سارى عسكر العام فقربنا إليه اقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب أن هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا امضاء برين الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه ثم حرر أيضا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أجد الطبجية الملازمين وقال أنه حين كان يفتش على الذي قتل سارى عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة سارى عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وأن في هذه الحالة عرفت أن هذا هو القاتل وأن الحيطان التي كان فات عليها كانت أيضا ملغمطة دم وأن حين مسكوه بأن منه وهم وأن بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وأنهم سلموها في بيت سارى عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الأرض فقرأنا عليه اقراره هذا ثم سألناه أن كان ما فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه إمضاء روبرت الخيال امضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه أنا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت إلى بيت السيتوين بروتاين لأنه كان راقدا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه أنا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلم في بر مصر انني كنت أتمشور تحت التكعيبة الكبيرة التي في جنينة سارى عسكر وتطل على بركة الأزبكية وكنت برفقة سارى عسكر العام فنظرت رجلا لابسا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فانا كنت بعيد كام خطوة عن سارى عسكر انادى على الغفراء فانتبهت لأجل أشوف السيرة رأيت أن الرجل المذكور يضرب سارى عسكر بالسيكنة ذاتها كام مرة فارتميت على الأرض وفي الوقت سمعت سارى عسكر يصرخ ثانيا فهميت ورحت قريبا من سارى عسكر فرايت الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 يضربه فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما وعدت نظرت شيا غير انني اعرف طبيب اننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أجد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين امضاء سارتلون امضاء كاتم السربينه والسيتوين بروتاين بعد ما ختم الورقة أعلاه قال: إن مقصوده يضيف عليها أن بعد غدر سارى عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو ذاته الذي كان ضرب سارى عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه أيضا هذه الاضافة فجاوب أنها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا أمضاء بروتاين سارتلون إمضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه سنة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة سارى عسكر العام كلهبر ذهبت إلى مساعدين سارى عسكر المذكور لأجل أن اسمع اقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن أربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند سارى عسكر كلهبر قال: إنه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان سارى عسكر العام حين حضر إلى الأزبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وأنه شاف رجلا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائما تابع سارى عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وأنه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أجد سأله ولكن حين نزل سارى عسكر من بيته إلى الجنينة لأجل ينفذ إلى جنينة سارى عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة سارى عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر سارى عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لأنه كان رماه جنب سارى عسكر وبعده حين انمسك الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 فعرفه أنه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرىء هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لأجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد أم ينقص فجاوب أن هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرا في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء السيتوين دهوج إمضاء سارتلون امضاء بينه كاتم السر. ثاني فحص سليمان الحلبي. نهار تاريخه سنة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتبة مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين إلى شرع كل من هو متهوم في غدر سارى عسكر العام كلهبر أحضر سليمان الحلبي لأجل نساله من أول وجديد عن صورة غدر وقتل سارى عسكر وهذا صار بواسطة السيتوين براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام كما يذكر أدناه. سئل المذكور عن قصة سارى عسكر فجاوب أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وأنه كان راكب هجين وبحيث أن القافلة كانت خائفة أن تنزل بمصر توجهت إلى ريف يسمى الغيظة في ناحية الألفية وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم أن أحمد اغا وياسين اغا من اغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل سارى عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب بحيث أنه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وأنهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الأزهر وأن لا يعطي سره لاحد كليا بل يوعي لروحه ويكب الفرصة في قضاء شفله لأنها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل سارى عسكر لكن حين وصل إلى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لأنه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وأنه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر وأن المشايخ المذكورين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم أنه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لأنه كان يعرفه بليدين وأن اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل سارى عسكر قابل احدهم الذي هو محمد الغزى فعرفه أن مقصوده أن يتوجه إلى الجيزة ليفعل هذا الغدر وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر وأن الأوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لأنه عوائد الكتبة أولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وأنه ما أخذ دراهم من أجد في مصر لأن الاغوات كانوا أعطوا له كفايته وأن الافندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى أفندي وكان يقرأ عليه نهار الإثنين والخميس تبع العادة ولكن ما أخبره بسر خوفا أن ينشهر وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه قال لهم كل شيء لأنهم من أولاد بلاده ثم حقق لهم أنه ناوى أن يغازى في سبيل الله. سئل اين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة فجاوب أنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش. سئل اين شاف أحمد اغا الذي يقول أنه عرض عليه مادة قتل سارى عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب أنه حين انكسر الوزير رجع إلى العريش وغزة في أواخر شوال أو في أوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وأن أحمد اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين أخذ العريش وحين رجع ارسله إلى القدس في بيت المتسلم ثم إنه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من إبراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم اباه الذي يسمى الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم إنه رجع عند أحمد اغا ثاني يوم وأن الاغا في وقتها قال له: إنه محب إبراهيم باشا وأنه ما يقصر ويوصيه في راحة ابيه ولكن بشرط أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه أيضا هذا السؤال وحالا ارسله إلى ياسين اغا في غزة لأجل أن يعطي له مصروفه وأنه من بعد هذا الكلام بأربعة أيام سافر من القدس إلى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من أحمد اغا وأما أحمد اغا المذكور كان أرسل خداما إلى غزة لأجل يخبر ياسين اغا بالذي اتفقوا عليه. سئل كام يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يوما. سئل لاي سبب قعد عشرين يوما في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الإثنين الاغوات فجاوب أن السكة كانت ملانة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وأنه كان في غزة في اواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي. سئل ايش عمل في غزة وآيش قال له ياسين اغا فجاوب أن ثاني يوم وصوله راح شاف الاغا والمذكور قال له أنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وأنه اسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا ويتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرائم عن ابيه وأنه دائما يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح أعلاه وهذا صار سرا بينهم ثم أعطى له أربعين قرشا لمصروف السفر وبعد عشرة أيام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقا وأن سفره من غزة كان في أوائل شهر ذي الحجة الموافق إلى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقى باين أنه حين غدر سارى عسكر كان له واحد وثلاثون يوما في مدينة مصر. سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به سارى عسكر فجاوب نعم يعرفه. سئل من اين أحضر هذا الخنجر وهل أجد من الاغوات اعطاه له أم أجد خلافهم فجاوب أنه ما أجد اعطاه له وإنما بحيث أنه كان قصد قتل سارى عسكر توجه إلى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 سئل هل أن أحمد أغا أو ياسين اغا ما حدثاه اصلا عن الوزير وعشموه بشيء من طرفه أن كان يقدر يقتل سارى عسكر فجاوب لا بل أنهم ذاتهم وعدوه أنهم يساعدوه في كل ما يلزمه أن كان يخرج هذا الشيء من يده. سئل هل أن الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب أنه لا يعلم بل يعرف أن الوزير كان أرسل طاهر باشا لأجل يعين الذين كانوا بمصر وأنه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر. سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الإرسالية فجاوب أن تخمينه هكذا لأن هذا الكلام قد حصل سرا ما بينه وبين الاغوات. سئل كيف كان يعمل حتى أنه كان يعرف الاغوات بالذي فعله فجاوب أنه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم أو يرسل لهم حالا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه أمضاء سليمان الحلبي بالعربي امضاء كاتم السر بينه. مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لأجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل سارى عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر أدناه. سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم. سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم. سئل محمد الغزي هل أن سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يوما أنه حضر من بر الشام من طرف أحمد اغا وياسين الاغا لأجل يقتل سارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 عسكر العام وهو كل يوم ماحدثه في هذا الشغل حتى أنه في آخر يوم قال له أنه رائح إلى الجيزة حتى يغدر سارى عسكر فجاوب أن هذا ما له اصل لكن حين شافوا بعضا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح إلى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له أنه ما يرجع إلا غدا فقيل أنه ما يخبر بالصحيح لأن سليمان يحقق أنه أخبره بهذه السيرة كل يوم وأن عشية قبل غدر سارى عسكر كان قال له أنه رائح لقضاء هذا الأمر فجاوب أن هذا الرجل يكذب. سئل هل كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الأيام الاخيرة ما راح بات عنده فجاوب أن من حين دخول الفرنساوية ما راح أبدا بات عنده وأما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له: إنه ما يحكي الصحيح لأن في فحص أمس قال: إنه كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما قال ذلك. سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بأنه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وأنه ما قال إلا الصحيح وأن الشيخ محمد الغزى ما كان يقر بالحق امرنا بضربه كعادة البلد فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب. سئل هل سليمان أخبره على ضميره في قتل سارى عسكر فجاوب أن سليمان كان قال له: إنه حضر من غزة لأجل أنه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وأنه منعه عن ذلك بقوله أنه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه أنه مراده يغدر سارى عسكر إلا الليلة التي راح فيها إلى الجيزة وصباحها قتله. سئل لاي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب أنه أبدا ما كان يصدق أن واحدا مثل هذا يقدر على قتل سارى عسكر والذي الوزير بذاته ما قدر عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 سئل هل أخبر بالذي قال له: عليه سليمان لاحد من المدينة وخصوصا إلى الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما أخبر أحدا بذلك وحتى إذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك. سئل هل يعرف أحدا خلاف سليمان حضر لأجل غدر الفرنساوية وأين هم قاعدين فجاوب أنه ما يعرف وأن سليمان ما قال له على احد. سئل سليمان المذكور أنه يشهر رفقاءه فجاوب أنه لم يعرف أجد في مصر وأن تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وابقينا سليمان لأجل نقابله مع السيد أحمد الوالي الذي حالا أحضرناه لأجل ذلك. سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم. سئل أيضا سليمان هل يعرف السيد أحمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو أيضا نعم. سئل السيد أحمد الولاي هل أن سليمان ما أخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب أن سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يوما كان قال له أنه حضر حتى يغازي في الكفرة وأنه نصحه عن ذلك بقوله أن هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة سارى عسكر. سئل سليمان المذكور أنه يبين هل حدثه أحمد الوالي في قتل سارى عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب أن في أوائل وصوله قال له أنه حضر بقصد الغزو في الكفار وأن السيد أحمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة أيام أخبره على نيته في قتل سارى عسكر ومن بعدما عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد أحمد الوالي أنه لم يصدق في قوله لأنه ينكر أن سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل سارى عسكر فجاوب الآن لما فكره سليمان افتكر أنه أخبره. سئل لاي سبب ما اشهر سليمان المذكور فجاوب أنه ما اشهره لسببين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الأول: إنه كان يخمن أنه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه. سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع أجد بذلك وخصوصا مع شيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبر بكل ما يجري فجاوب أن سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما أخبر بذلك أحدا ولا أيضا شيخ الجامع. سئل هل يعرف الأمر الذي خرج من سارى عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب أنه ما درى بذلك. سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب أنه قال له على مراده في قتل سارى عسكر فجاوب لا لأن كل أهل الإسلام تقدر تسكن في الجامع. سئل سليمان هل أنه ما قال بأنهم ما كانوا يريدوا يسكنوه لولا أنه قال لهم على سبب مجيه لمصر فجاوب أن كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم وأما هو يقول: الحق أن ما أجد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا ارسلنا السيد أحمد الوالي إلى حبسه وبقي سليمان الحلبي لأجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي أحضرناه في الحال. سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم. سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل سارى عسكر فجاوب وأقر أن يوم حضور سليمان عرفه أنه حضر يغازي في الكفرة وأنه مراده يقتل سارى عسكر وأنه قصد يمنعه عن ذلك. سئل لأي سبب ما شكاه فجاوب أنه كان يظن أن سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وأن المذكورين كانوا يمنعوه ولكن من الآن صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية. سئل هل يعرف أن سليمان أخبر أحدا خلافه في مصر فجاوب أن ما عنده علم بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 سئل هل يعرف أن موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب أن ما عنده خبر وأن تخمينه لم يوجد أحد. فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الأربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزىوالسيد أحمد الولاي والسيد عبد الله الغزى وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولافيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لاثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الإثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه امضاء المتهومين بالعربي امضاء الترجمان لو ما كان امضاء دمياسومر برا شويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام امضاء المبلغ سارتلون امضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح أعلاه أنا المبلغ سارتلون سالت الأربعة المتهومين المذكورين أنهم يختاروا لهم واحدا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا أن ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لأجل يمشي لهم في ذلك. بيان فحص مصطفى أفندي. نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا مصطفى أفندي لكي تفحص منه على الذي قد حصل. سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بأنه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب. سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب أن هذا الرجل مشدود من مدة ثلاث سنين وأنه من مدة عشرة أو عشرين يوما حضر عنده وبات ليلة ومن حيث أنه رجل فقير قال له: يروح يفتش له على محل غيره. سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 سارى عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمة من قديم. سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب أن كل اجتهاده كان في أنه يصرفه من عنده بحيث أنه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لأجل يتقن القراءة. سئل هل يعرف بأن سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصا عند أجد من المشايخ الكبار فجاوب أنه لا يعرف شيئا لأنه ما شافه إلا قليلا وأنه لم يقدر يخرج كثيرا من بيته بسبب ضعفه وكبره. سئل هل أنه ما يعلم القرآن إلا مشاديده فجاوب نعم. سئل هل أن القرآن يرضي بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب أنه ما يعرف ايش هي المغازاة التي القرآن ينبي عنها. سئل هل يعمل مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ماله دعوة في هذه الأشياء بل أنه يعرف أن القرآن ينبي عن المغازاة وأن كل من قتل كافرا يكسب اجرا. سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب أنه ما علمه إلا الكتابة فقط. سئل هل عنده خبر أن أمس تاريخه رجل مسلم قتل سارى عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهل بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب أن القاتل يقتل وأما هو يظن أن شرف الفرنساوية هو من شرف الإسلام وإذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سالناه هل شاف مصطفى أفندي مرارا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب أنه ما شافه سوى مرة واحدة لأجل أنه يسلم عليه بحيث أنه معلمه القديم. وبما أنه رجل اختيار وضعيف قوي ما رأى مناسب يخبره عن ضميره. سئل هل هو من ملة المغازين وهل أن المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب أنه ما فتح سيرة المغازاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 إلا إلى الأربعة مشايخ فقط الذين سماهم. سئل هل أنه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما شاف هذا الشيخ لأنه ما هو من ملته بسبب أن الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى أفندي إقرارهم هذا فجاوبوا أن هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء الإثنين المتهومين بالعربي امضاء لوماكا الترجمان امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه. هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من إقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل سارى عسكر العام كلهبر وأيضا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور يا ايها القضاة أن المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الآن بعسكرنا لأن سارى عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجره من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والان أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الأسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية إلا الما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الآن قراءة أعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود واقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه إني أنا راوي لكم سرعة الأعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 بلاد الروم والدنيا بكمالها أن الوزير الأعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى ارسلوا قتال معدوم العرض إلى الجريء والا نجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا إلى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والأرض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا اجراءها والوزير أرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم أهالي مصر محتفين باغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم اسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك أغا مغضوبا منه ووعد له اعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر أن كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوى هو أحمد اغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والاغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر باجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لافهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لاجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الاغا يوم وصوله القدس وبترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من اذيات إبراهيم باشا وإلى حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الاغا عن احتيال اصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم أنه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وأنه هو الآن بالقدس للزيارة وأنه قد حج سابقا بالحرمين وأن العته النسكي هو منصوب في أعلى رأسه المضطرب من زيغاته وجهالاته بكمالة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 إسلامه وباعتمده أن المسمى منه جهاد وتهليك الغير المؤمنين فمما أنهى وأيقن أن هذا هوالايمان ومن ذلك الآن مارما بقي تردد أحمد اغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وانعامه وفي الحال ارسله إلى ياسين اغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته وأقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل يجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في أوائل شهر فلوريال الماضي وياسين اغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارا وتكرارا بالنهار والليل مدة عشرة أياما مكثه بغزة يعلمه وبعد ما أعطاه أربعين غرشا أسديا ركبه بعقبيه الهجين الذي وصل مصر بعد ستة أيام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال إلى مصر التي قد سكنها سابقا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور علاه وتأنس مع الأربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثل مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متؤامرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد أحمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته أو لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه إلى الجيزة وبذاك اليوم اعقد سره إلى الشركاء المذكورين أعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجها مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدو حتى لزم أن يطروده مرارا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدرا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبي عن قيافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجرة ثلاث جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع أيضا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الأماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو أول الذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة إلى دموع الأجناد إلى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر أنتم جميعا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمى شركاه وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الاثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلا أنهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الإثم وقالوا باطلا أيضا أن لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الأعمال شهود تزور وتنبيء أنهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية إلا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجها من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى أفندي بما أن لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الأمر من الذي أنتم مأمورن بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن أن يليق أن تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الاثم تستدعي أن يصير عذابه مهيبا فإن سألتوني أجبت أنه يستحق الخوزقة وأن قبل كل شيء تحرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 يد ذا الرجل الاثيم وأنه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت أمره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة أنهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الأبدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بأقلال جزائنا إنما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار إليه بالبنان لمعرفة بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما أولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وأنهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لا بد أنهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم إلا اكتساب خجالتهم ولعدم المبالاة حالا كشفتها لهم اثبت محاكمات كما يأتي بيانها. اولا أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السرعسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور. ثانيا أن الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزى وعبد الله الغزي وأحمد الغزي يكونون متبينين منكم أنهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤسهم. ثالثا أن الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك العذاب. رابعا أن اجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وإمام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه. خامسا أن مصطفى أفندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق إلى مانرى. سادسا أن ذا الأعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 شهرنا برريال سنة ثمانية من إقامة الجمهور المنصور ممضى سارتلون. الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر. لاجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع وعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت سارى عسكر رينيه المذكور وسارى عسكر روبين ودفتردار البحرلرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المسار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في رتبة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وسارى عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الأمر المذكور أعلاه الخارج من يد سارى عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر سارى عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والابواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا سارى عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا إلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فسارى عسكر رينيه سالهم أيضا أن كان مرادهم يقولوا شيأ مناسبا لتبرئتهم فأجاوبوه بشيء فحالا سارى عسكر المذكور أمر بردهم إلى الحبس مع الخفراء عليهم ثم أن سارى عسكر رينيه التفت إلى القضاة وسالهم ايش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجل يستشارو بعضهم من غير أن أحدا يسمعهم ثم انوضع أول سؤال وقال:. سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب منهم بقتل سارى عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة سارى عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد أن سليمان الحلبي مذنب. السؤال الثاني السيد عبد القادر الغزى مقرى قرآن في الجامع الأزهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب. ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزى ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرى قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر وأنه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا وهو ما عرف أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب. السؤال الرابع عبد الله الغزى ابن ثلاثين سنة ولادة عزة ومقرى قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه كان يعرف في غدر سارى عسكر وأنه ما بلغ أحدا بذلك فهو هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب. السؤال الخامس أحمد الوالي ولادة غزة مقرى قرآن في جامع الأزهر متهوم أن عنده خبر في غدر سارى عسكر وأنه ما بلغ أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب. السؤال السادس مصطفى أفندي ولادة برصة في براناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر سارى عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تماما جاوبوا بأنه غير مذنب وأمروا باطلاقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب أنهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤا بقراءة خامس مادة من الأمر الذي اخرجه امس سارى عسكر منو بسبب ذل والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين ويكون لائق للذنب الذي صدر وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن سارى عسكر العام كلهبر وقدام كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم أفتوا بموت السيد عبد الغادر الغزى مذنب أيضا كما ذكر أعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضا افتوا على محمد الغزى وعبد الله وأحمد الوالي أن تقطع رؤسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين أعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم أن ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية من كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم أن القضاة حطوا خط يدهم باسمائهم برفقة كاتم السر ممضى في اصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا أن ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الأول فحالا قضوا أمرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا باصله الدفتردار سارتلون وكاتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 السر بينه وهذه نسخة من الأصل امضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم اغير شيئا مما رقم إذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الأصل والله أعلم وأحكم. ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بامر عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة أيام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما أصبحوا اجتمع عساكرهم وأكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة أربعة بيارق صغار في اركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى الطبول خرق سود والعسكر بايديهم البنادق وهي منكسة إلى أسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الأزبكية على باب الخرق إلى درب الجماميز إلى جهة الناصرية فلما وصلوا إلى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة إلى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها داربزين وفوقه كساء أبيض وزرعوا حوله اعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلا ونهارا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائممقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 أسلم تسمى بعبد الله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائممقام والاغا إلى الأزهر ودخلا إليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ. وفي يوم الخميس حضر سارى عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الاغا وطافوا به أيضا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل امتعتهم منه هو نقل كتبهم واخلاء الاروقة ونقلوا الكتب الموقوفة بها إلى أماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وأمروهم أن لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا إليهم آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم أن الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو وأستاذ نوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للاشياخ هذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اكفونا شر دسائسكم ياقبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة بالكلية فإن للأزهر سعة لا يمكن الاحاطة بمن يدخل فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على انجاز غرضه ونيل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فاذن كبير الفرنسيس بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنا فلما أصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات. وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم باحضار ما عندهم من الأسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي أحضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك اسلحة العساكر العثمانية والأجناد المصرية وقد سافروا بها. واستهل شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة 1215. في أوائله سافر بعض الأعيان من المشايخ وغيرهم إلى بلاد الارياف بعيالهم وحريمهم وبعضهم بحث حريمه وأقام هو مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة وأكثروا المراكب والجمال وغير ذلك فلما أشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقا ونادوا في الأسواق بعدم انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يوما نهبت داره فرجع أكثر الناس ممن سافر أو عزم على السفر إلا من أخذ له ورقة بالاذن من مشاهير الناس احتج بعذر كائن في خدمة لهم أو قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه. وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون مائة وستة وثمانون ألف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الأولى بعد ما قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات أكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم وخرجوا على وجوههم إلى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضا فقرروا على العقار والدور مائتي ألف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفا وعلى التجار مائتي ألف وعلى أرباب الحرف المستورين ستين ألفا واسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا البلدة ثمانية اخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسةوعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك مشايخ الحارات والأمير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية والصنادقية والاشرفيةوحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالا والوسط أربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها يأخذون ما عليها من جيرانها. وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل إلى بيته بعد أن غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون اذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل اتباعه. شهر ربيع الأول سنة 1215. فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر من خوف الفردة وغيرها بأن من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يوما من وقت المناداة نهبت داره واحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الأمر بالناس وضاقت منافسهم وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب سارى عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الاقباط والشوام والاروام بالإهانة حتى صاروا يامرونهم بالقيام إليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان إذا مر بعض عظمائهم بالشارع ولم يقم إليه بعض الناس على أقدامه رجعت إليه الأعوان وقبضوا عليه وأصعدوه إلى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الأعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض الأعيان. وفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا إليه هدايا وأمتعة وأرسلوه إلى دمياط فأقام بها أياما وتوفي إلى رحمة الله تعالى. شهر ربيع الثاني سنة 1215. فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه ما لا يوصف فكان يدخل إلى دار أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم فيأمرهم بهدم الدار أن لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير إلى غير ذلك وخصوصا ما فعله ببولاق فإنه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع عليهم العذاب ثم رجع إلى مصر يفعل كذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وفيه أغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع والاقمشة والعطر والدخان خانا بعد خان فإذا فتحوا حاصلا من الحواصل قوموا ما فيه بما احبوا بابخس الاثمان وحسبوا غرامته فإن بقى لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وإن زاد له شيء أحالوه علىجاره الآخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال وأصحابها تنظر وقلوبهم تنقطع حسرة على مالهم وإذا فتحوا مخزنا دخله امناؤهم ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم بل ربما هرب أو كان غائبا. وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الأشياء الجليلة والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها اقلاما يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا جامع أزبك الذي بالازبكية سوقا لمزاد ذلك بكيفية بطول شرحها وأقاموا على ذلك أياما كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الإثنان فاكثر في القلم الواحد وفي الاقلام المتعددة. وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصا في دور الأمراء ومن فر من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وانشاء قلاع في عدة جهات وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد القبلية. واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1215. والأمور من أنواع ذلك تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم اخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والأضرحة فكانوا إذا دهموا دارا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الانقاض النافعة من الاخشاب والبلاط إلى حيث عمارتهم وأبنيتهم وما بقى يبيعون منه ما أحبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 بأبخس الأثمان ولوقود النيران وما بقى من كسارات الخشب يحزمه الفعلة حزما ويبيعونه على الناس باغلى الاثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب هذه الافاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الأملاك والعقار ما لا يقدر قدره وذلك مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب والهدم والمطالبة في أن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وماصدق أنه غلق ما عليه إلا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الاخطاط كما تقدم وتولى ذلك أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والأعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضى أغراضهم فأول ما يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي أوراق صغار باسم الشخص والقدر المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين ويعطون لكل واحد من أولئك القراسة عدة من تلك الأوراق فقبل أن يفتح الإنسان عينيه ما يشعر إلا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يحد بدا من دفع حق الطريق فما هو إلا أن يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر فيفعل معه كالاول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن أنه خلص إلا والطلب لاحقه أيضا بمعين وتنبيه فيقول ما هذا فيقال له أن الفردة لم تكمل وبقى منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة خمسة أو ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لا بد من ذلك فما هو إلا أن خلص أيضا الاوكرة أخرى وهكذا أمرا مستمرا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة. وفي خامسة كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان والأعتدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وتدميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالازبكية والقلاع وخرجوا صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم إلى خارج باب النصر وعملوا مصافهم فقرىء عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا بعد الظهر. وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال إلى درب الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدا إلى آخر توت. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1215. فيه قرروا على مشايخ البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأواسط وأدنى فالأعلى وهو ما كانت بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال والادنى مائة وخمسون ريالا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلا في ذلك فيكون عبارة عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له: يريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لأن منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن وزعوا ذلك على الاطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا اسماء من غير مسميات. وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الأول من تسعة أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسيب سارى عسكر والشيخ الفيومي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 والقاضي الشيخ إسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ السيد إسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم أفندي كاتب رومي وترجمان كبير القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثارى فوريه ويقال له مدير سياسة الأحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسه متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه إلى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة الحريم بمجلس الديوان فرشا فاخرا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل إليها فوريه وسكنها بأتباعه واعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانا خاصا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام لترجمة أوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات وفتحوا أيضا بجانبها دارا نفذوها إليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر وأخذوا يرتبون انفارا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني. وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته أنه إذا تكامل حضور المشايخ يخرج إليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع أرباب الدعاوي فيقفون خلف الحاجز عند آخر الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف أرباب الحوائج ويدخلهم بالترتيب الأسق فالاسبق فيحكي صاحب الدعوة قضية فيترجمها له الترجمان فإن كانت من القضايا الشرعية فأما أن يتمها قاضي الديوان بما يراه العلماء أو يرسلوها إلى القاضي الكبير بالمحكمة أن احتاج الحال فيها إلى كتابة حجج أو كشف من السجل وأن كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك يقول الوكيل ليس هذا من شغل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الديوان فإن ألح على أرباب الديوان في ذلك يقول اكتبوا عرضا لسارى عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد إسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعي والمدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق بالامور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات إلى الاذان أو بعده بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي أول جلسة من ذلك اليوم عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطأ بالسارى عسكر يخبرونه فيها بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم أنه انفتح لهم باب الفرج بهذا لديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا إليه من كل فج يشكون. وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان وينفق عليهم نظار الأوقاف. وفيه أيضا أمروا بضبط ايراد الأوقاف وجمعوا المباشرين لذلك وكذلك الرزق الاحباسية والاطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا بذلك إلى حكام البلاد والأقاليم. وفي غايته حضر رجل إلى الديوان مستغيث بأهله وأن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائممقام وهو رجل زيات وسبب ذلك أن امرأة جاءت إليه لتشتري سمنا فقال لها: لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له: كأنك تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها: نعم رغما عن انفك وأنوف الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه إلى قائممقام فأحضره وحبسه ويقول أبوه أخاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 أن يقتلوه فقال الوكيل: لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنا فإن الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك الرجل ومعه أربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى. واستهل شهر رجب الفرج سنة 1215. والطلب والنهب والهدم مستمر ومتزايد وأبرزوا أوامر أيضا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل سنة قدره مائة ألف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو اثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت افكارهم واختلطت اذهانهم وزادت وساوسهم واشيع أن يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله واضرابه من شيطاين أقباط النصارى واختلفت الروايات فقيل أن قصده أن يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك عشرها لأن الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام ولاستمرار ثم قيدوا لذلك رجلا فرنساويا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم كل عشرة أربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع أربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير المنقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ والفارين فإن الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجاروتشاورا فيما بينهم في شأن ذلك فرأوا أن هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الأول وقف الحال وكساد البضائع وانقطاع الأسفار وقلت ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في أيدي الناس في الفرد والدواهي المتتابعة الثاني أن الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله وخلا حانوته وكيسه فالزموه بشقص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين ويلزمه ما يلزمهم وليس ذلك في الأمكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلا ثلاثين الفا يلزمها ثلاثة آلاف في السنة على الرأي الأول وعلى الثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 اثنا عشر ألفا وقد قل عددهم وغلقت أكثر حوانيتهم لفقرهم وهجاجهم وخصوصا إذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا قدرة للبعض بما يلزم الكل. وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن اسماء الذين تقلدوا قضاء البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الأحكام الشرعية استقر النظر فيها له وأنه لا بد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من سارى عسكر الكبير فكتبت له القائمة كما أشار. وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودى عليهم هذا جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي. وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة. وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما هذا جزاء من خان وغش وسعى بالفساد فيقال انهما كانا يخدمان فرنساويا فدسا له سما وقتلاه. وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية إلى الديوان وهم يوسف باشا جاويش ومحمد اغا سليم كاتب الجاويشية وعلي أغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى اغا ابطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا أنهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرا من البن بخمسة وثلاثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديوان وأنهم أرسلوا إلى حصصهم يطالبون الفلاحين بماعليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا أن الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن ذلك وأرسل إلى سارى عسكر ولم يرجع جوابه. وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائم مقام عزومة لمشايخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الدويان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط والشوام ومد لهم اسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا إلى بيوتهم. وفي ثاني عشرينه طيف بأمرأتين في شوارع مصر بين يدي الحاكم ينادى عليهما هذا جزاء من يبيع الاحرار وذلك انهما باعتا امراة لبعض نصارى الاروام بتسعة ريالات. وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم احيلوا بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لأن ذلك من وظائفه لا من وظائف الديوان. وفي سابع عشرنيه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الأعيان وحريمات ملتزمان يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون أنه بلغنا أن جمهور الفرنساوية يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافيةوقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم أما لفرارهم وعودهم بالأمان وأما لقصر أيديهم عن الحلوان وأما لشراقي بلادهم وأما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم لحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عرضوا أمرهم وطلبوا من مراحم الفرنساوية الافراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروج عنه أيضا ونزع أيدي المسلمين بالكلية وأنه يستشفعون بأهل الديوان عند سارى عسكر بأن يبقى عليهم التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال الشيخ خليل البكري وأنا سمعته من الخازندار وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 الشيخ المهدي مثل ذلك وأنهم يريدون تعويضهم من أطيان الجمهور فقال الملتزمون أن بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وأنهم ورثوا ذلك عن آبائهم وأسلافهم وأسيادهم وإذا أخذ منهم الالتزام اضطروا إلى الخروج من البلد والهجاج وخراب دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطالب البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش أخرى إلى أن انتهى الكلام بقوله له أن هذا الكلام في هذا وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي المعاونة والنصح فقط. وفي خامس عشرينه اتفق أن جماعة من أولاد البلد خرجوا إلى النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة الآتية يغنون ويضحكون فنزل إليهم جماعة من العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا شخصا منهم إلى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده إلى القلعة الظاهرية تانيا فبات عند اصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالاطلاق وذهبوا إلى منازلهم. وفيه منعوا الاغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف والمتسببين فإنها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور يقبضونها في كل شهر. واستهل شهر شعبان سنة 1215. فيه أجيب الملتزمون بابقاء التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الأكذوبة وأن كانت صدرت من الخازندار فانما كانت على سبيل الهزل أو يكون التحريف من الترجمان أو الناقل. وفيه حضر التجار إلى الديوان وذكروا أمر المليون وأن قصدهم أن يجعلوه موزعا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 شأن ذلك ثم انحط الأمر على تفويض ذلك لرأي عقلاء المسلمين وأنهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في هذا الأمر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئا وكذلك الفقراء ويراعي في ذلك حال الناس وقدرتهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا: نرجو أن تضيفوا إلينا بولاق ومصر القديمة فلم يجابوا إلى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرا آخر خلاف الذي قرروه على مصر. وفيه لخصوا عرضا ولطفوا فيه العبارة لسارى عسكر فأجيبوا إلى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين ألف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون أيضا يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم من غير رأس مال. وفيه افدروا ديوانا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع الغورية وتقيد لذلك السيد أحمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وإبراهيم أفندي كاتب البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر باسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة أو اثنين أو واحد ومشوا على هذا الأصطلاح. وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط إلى المحلة الكبرى. وفيه أرسل سارى عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في الأسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن ذلك حرام ومخألف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض على من يرونه كذلك فإن كان مجنونا ربط بالمارستان أو غير مجنون فأما أن يرجع عن حالته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 وفيه أرسل رئيس الاطباء الفرنساوي نسخا من رسالة ألفها في علاج الجدري لارباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما أشار إليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك وأرسلوا له جوابا شكر له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها. وفي حادي عشره وجدت امرأة مقتولة بغيط عمر كاشف بالقرب من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والاغا وأخذوا الغيطانية وحبسوهم وكان بصحبتهم أيضا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا الغيطانية بعد أيام. وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالازبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أجد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة. وفي سادس عشرة ذكروا في الديوان أن سارى عسكر أمر وكيل الديوان أن يذكر لمشايخ الديوان أن قصده ضبط واحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين وأخبرهم أن سارى عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وأن يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والان يريد تتميم ذلك ويطلب منهم التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم أن في ذلك حكما وفوائد منها ضبط الإنساب ومعرفة الأعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الأزواج أيضا ثم اتفق الرأي على أن يعلموا بذلك قلقات الحارات واخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والاخطاط بالتفحص عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل أن سارى عسكر ولد له مولود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من المرأة المسلمة الرشيدية وجوابا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها إليه الوكيل فوريه. وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الأعلى فهدم جانبا من بوائك الجامع ونصفها الأسفل مال على الأماكن المقابلة له بعطفة الدرب النافذ لدرب الاغوات وبقي مسندا كذلك قطعة واحدة إلى يومنا هذا واظن أن سقوطها من فعل الفرنسيس بالبارود. واستهل شهر رمضان سنة 1215. ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور عل العادة وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة. وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل الاريب الأديب الناظم الناثر السيد إسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني وأهمل أمرها إلى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير السقف من المطر فقال الوكيل أن سارى عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل الظهر بنصف ساعة إلى المسجد الحسيني ويكشف عنها فإن وجد بها خللا أصلعه ثم يعيدها كما كانت وبعد ذلك يشرع في إرسالها إلى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم المشيخة الفرنساوية فقالوا له شأنكم وما تريدون وقرىء في المجلس فرمان بمضمون ذلك. وفي ذلك اليوم قرىء فرمان مضمونه أنه وردت مكاتبات من فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقوا الأذن للتجار من أهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في ذهابه وايابه وقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 إلى آخره ولم يظهر لذلك أثر. وفيه قرىء تقليد الشيخ أحمد العريشي بقضاء مصر ووصل أيضا تقليد القضاء بدمياط لاحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو أكثر وقرى ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ البلد بليار إلى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرناسوية وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة إلى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا ساعة من النهار وقرىء تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا إلى منازلهم. وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ الديوان إلى المشهد الحسيني لانتظار حضور سارى عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عاتهم في الإزدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الإزدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل ممن معه عن سبب هذا الإزدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائما على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب فرسه ثانيا وكر راجعا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا. وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي محمد المعروف بابي دفية وذلك أن سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا الطرابلسي صداقة ومحبة أيام إقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 المذكور مع من خرج إلى الشام ووردت العساكر العثمانية صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالاقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد استشاره في شخص يعرفه يكون عينا بمصر ليراسله ويطالعه بالأخبار فأشار عليه بمحمود أفندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالأخبار سرا فلما قدموا إلى مصر في السنة الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه المراسلات بواسطة السيد أحمد المحروقي أيضا ولان علي باشا ارتحل إلى الديار الرومية فيطالعهم كذلك بالأخبار مع شدة الحذر خوفا من سطوة الفرنساوية وتجسس عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الأمر بتوزيعها ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم فلم يمكنه ذلك إلا ليلا فأعطاها خادمة وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فأطلع عليه بعض الفرنسيس من أعلى الدار فنزل إليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فأغتنم هذه الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر إليه من بعيد وعلم أنه وقع في خطب لا ينجيه منه إلا الفرار فرفع إلى داره وتناجى مع أخيه وأستشاره فيما وقع فيه وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفا للقضاء وليكون وقاية على منزله وعرضه وليس هو مقصودا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ خليل المنير وقرابته إسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 حارتهم وحبسوهم ببيت قائممقام وهم سبعة أنفار بالخادم المقبوض عليه أولا واوقفوا حرسا بدراهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار السؤال عليه من أخيه ورفقائه أياما فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبأت ثم أصعدوهم إلى القلعة وضيقوا عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بأحضاره فانكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالا فرانسة وجعلوا له ألفان أن دلهم عليه وقيدوا به عينا يتبعه أينما توجه فأستمر أياما يغدو ويروح في مظناته لم يقع له على خبر فردوه إلى السجن ثانيا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل مقيما عندهم في غاية الأكرام حتى فرج الله عنه. ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ والقاضي والاغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين الكسوة الاقدمين وحلوارباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا إلى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد اصلاحها. وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين عظيمين من فرانسا فيهما عساكر وآلات حرب وأخبار بأن بونابارته أغار على بلاد النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وأنهم نزلوا على حكمه وبقى الأمر بينهم وبينه على شروط الصلح وأنه استغنى عن هذه الأشياء المرسلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا قالوا في ورقة بالديوان. واستهل شهر شوال سنة 1215. فيه بدا أمر الطاعون فانزعج الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وغسلوها وشرعوا في عمل كرنتينات ومحافظات. وفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ أن حضرة سارى عسكر بعث إلى كتابا معناه أيضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب الديوان يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببا لانقطاع هذه العلة فاننا نبغي لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك والا فليزموا ولو قهرا وربما استعملنا القصاص ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببا لقطع هذا الداء فإن رأينا قدانعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لأن حفظ الصحة واجب ولذا نرى كثيرا من الناس ولا سيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط إذ قد ربطت الأسباب بالمسببات فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو أنه إذا دخل الطاعون بيتا إلا يدخل فيه أجد ولا يخرج منه أجد مع ما يترتب على ذلك من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان والوكيل وانفض المجلس على أن الوكيل سيفاوض سارى عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرا وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية والفرنساوية فإن ذلك فيه مشقة على أهل البلد لعدم الفتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 لهذه الأمور. وفي ثالث عشرة ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدري سببها. وفي رابع عشر قرىء فرمان من سارى عسكر بالديوان وألصقت منه نسخ في مفارق الطرق والأسواق. ونصه بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منوسر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كامل الأهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالا بمحروسة مصر وبملكة مصر الناس الذين هم من الأشقياء والمفسدين ولا يفتشون إلا على الأضرار بالناس واضراركم يظهرون في وسط المدينة بينكم أخبارا رديئة تزويرا لتخويفكم وتخويف المملكةوكل ذلك كذب وافتراء فانما نحن نخبركم جميعا أن كلا من الأهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان الذي يثبت عليه بالاشها أو النشر من نفسه بينكم تلك الأخبار الرديئة المكذوبة تخويفا لكم وإضلالا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين الحال إنما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك إلى تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى. فعلم الناس من ذلك الفرمان ورودشىء وحصول شيء على حد كاد المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر إلا في بواقي الفردة وما لزمهم في المليون ولا شغل لكل فرد إلا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الأوراق الواصلة على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر أيضا أنه وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن ضرب المدافع لأي شيء فقال: لابد وأن أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببا لرضاه بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون إلى مصر وقد وصل لسارى عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر إلى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا إلى بحر الهند فربما قدموا بعد ذلك إلى جهة السويس وبورود هذه الأخبار تعين خلوص مصر إلى جمهور الفرنساوية وفي سألف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدا للفرنساوية وقد زالت الآن هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف إنما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لابعاد فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الأمتحان ولم يبق إلا السلم والمسامحة. وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر أغا وهو أغات المغاربة المرتبة عندهم عسكرا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والآخر مصطفى جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك أنه حضر إلى مصطفى جلبي مكتوب من نسبيه بجهة الشام يطلب منه بعض حوائج فقرىء ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الآخر فوشي بهم رجل قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد أفندي ثاني قلفة فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فالزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد أن وجدوا ذلك الإنسان لم يفرجوا عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا مكانا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب والمشقة حتى أن بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد أفندي بعد ثلاثة أيام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد أفندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة مها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي سابع عشره استفيضت الأخبار بوصول مراكب إلى أبي قير كما تقدم. وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا إلى الجهة البحرية برا وبحرا. وفي عشرينه اجتمع أهل الديوان فيه على العادة فبدأ الوكيل يقول أنه كان يظن أنه يكون حرب ولكن وردت أخبار أن المراكب التي حضرت إلى اسكندرية وهي نحو مائة وعشرين مركبا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الاروام ليس فيها مراكب كبار إلا قليل جدا وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال: إن حضرة سارى عسكر قد كان وجه اليكم فرمانا في شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وأن كان قد فات موضعه من حيث أنه كان يظن أن هناك حرب ولكن من حيث كونه قد برز إلى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل الترجمان بقراءته ونصه من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى جميع الكبير والصغير الأغنياء والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع أهالي بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتور سنة تسع من قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة وتحته أن الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق دائما الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم أن الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشرفي كل المواضع فهم ظهروا في السواحل وأن كانوا يتجرؤا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 الحال على اعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء الانكليزية يعلمون أيضا بعض حركات فإن كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصراني أنا أخبركم أن كان تسلكوا في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن أن كان واحد منكم يسلك للفساد واضلالكم بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم أن رأس ذلك المفسد ترمي تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الاخيرة وجرى دماء آبائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا تحت الغارات وطرحوا علكيم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم واذهانكم كل ما قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو. وفي ذلك اليوم عملوا شنكا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع الناس لذلك واضطربوا شديدا فسئل من الفرنسيس فأخبروا أن ذلك سرور بقدوم مركبين من فرانسة إلى اسكندرية. وفي ذلك اليوم أيضا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب إلى أبي قير شحت الغلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لا بد من الأعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل ولما قرىء الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد وإذا تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولامثالكم نصيحة المفسدين فإن البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون إلا على المذنب قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وقال آخر من أهل المجلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل: المفسدون فيما وقدم هاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تمير بين المفسد والمصلح فإنه لا تقرأ القرآن وقال آخر: المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل: إن المصلح من يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكثر نفعا وطال البحث والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من سارى عسكر إلى وكيل الديوان فأرسل خلف الشيخ إسمعيل الزرقاني فاستدعاه وسلمه إليه وأمره أن يطوف به على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبنى على جواب المناقشة المذكورة وصورته بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كافة المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم الحكمة الواجبة لاجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديد خطابا إلى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا أن هذا التنبيه هو غرضكم إنما حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل وما وقع حين قصاص مصر الاخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب إلى أمنيتكم وراحتكم ضبط الخلائق لأنه أن كان يصير أصغر الحركات فلا بدا ثقلها يقع على رؤسكم وغير ذلك ورد لنا في الحال أخبار من فرانسا أنه كملت المصالحة مع امبراطور النيمسا وأن قيصر الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام. ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله الشرقاوي وحضر الاغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الاخطاط ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الجاهلين وأنهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على أنه لم يبق في الناس إلا رسوم هافتة وانفصلوا على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وازعاج الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في مكان كشفوا عليه فإن كان مريضا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب إلى الكرنتينة عندهم وانقطع خبره عن أهله إلا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود إليهم صحيحا والا فلا يراه أهله بعد ذلك أصلا ولا يدري خبره لأنه إذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أجد ولا يخرج منها مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فإن مر أجد ولمس الباب أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وأن مات الشخص في بيته وظهر أنه مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من غير مشهد وإمامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فإن قرب منه أجد كرتنوه في الحال وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون إلا لخدمة أخرىمثلها بشري لامساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من مصر إلى الارياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب إلى أبي قير وتحذر الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم إلى القلعة. وفي تاسع عشرة خرجت عساكر كثير بحمولهم وفرشهم وذهبوا إلى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم إلى العريش صحبة يوسف باشا الوزير. وفيه أصعدوا الشيخ السادات إلى القلعة من غير إهانة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا أيضا على حسن اغا المحتسب وأصعدوه إلى القلعة أيضا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن إلا الحذر من اثارة تلك الفتن في البلد واهاجه العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الايذاء وأما المحتسب فإن الشيخ البكري والسيد أحمد الزرو ذهبا إلى قائمقام وإلى سارى عسكر وتكلما في شأنه فأجابهما بأن هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد أحمد انك رجل تاجروذاك أمير وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال اننا محتاجون إليه لأجل مساعدته معنا في قبض المليون ولا نعرف له ذنبا يوجب حبسه لأنه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان الترجمان: الله يعلم ذنبه وسارى عسكر وهو أيضا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الاغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه نادوا في الأسواق بالأمان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وأن من مات لاتحرق إلا ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار التي يموت فيها أيضا وأن قصدهم أيضا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس. وفي يوم الخميس سادس عشرينه أرسل كبير الفرنسيس وطلب رؤساء الديوان والتجار فحضروا إلى منزله فأعلمهم أنه مسافر إلى بحري وترك بمصر قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهندسين وأوصاهم بأن يكون نظرهم على البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستشار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من فوره مسافرا ولم يرجع من هذه السفرة إلى مصر وحضر الجماعة إلى الديوان واجتمعوا بالوكيل فوريه فأخبرهم أنه حضر إلى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا إلى قطعة ارض رخوة بين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 سلسولين من الماء وأن الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة. وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت إلى جهة الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم سارى عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا بكبيرهم برا وبحرا أو أخبروا عنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى الصالحية وأرسلوا هجانة إلى العريش فلم يجدوا أحدا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم يأت إليها أجد مطلقا وأصل الخبر أن سارى عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره بعض عربان المويلح بأنهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك إلى سارى عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن يتوجه صحبة جانب من العسكر ويحصن نواحي الأسكندرية خوفا من ورود الانكليز تلك الناحية وأن رينه يتكفل له بمن يرد إلى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه سارى عسكر بقوله أن الانكليز لا يأتون من هذه الناحية وأنهم يأتون من ساحل الشام ويأمره بالارتحال والذهاب إلى الصالحية يرابط فيها فتواني في الحركة وأرسل إليه ثانيا بمعنى الجواب الأول ويحثه على تحصين ثغور الأسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت أيام فيما بين ذلك فورد الخبر للفرنساوية بورود مراكب الانكليز وتردادها تجاه الأسكندرية ثم رجوعها فكتب سارى عسكر منو يقول لرينه: إنهم تراؤا ليوهموا بأن قصدهم ورود الأسكندرية ثم غابوا وأنهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب إلى الصالحية فلم يسعه إلا الأمتثال والارتحال وكتب إليه كتابا يقول فيه أنهم لا يريدون إلا ثغر الأسكندرية وإنما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وأنه رحل امتثالا للأمر ويشير عليه هو أيضا بعدم تأخره عن الذهاب إلى الأسكندرية ويقبل إشارته فلم يستمع وتأخر عن ذلك ورحل رينه إلى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل إلى الزوامل ثم إلى بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 إليه سارى عسكر منو ويأمره بالذهاب إلى الصالحية وهو يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرا يقول له: إنه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا الوزير متحرك إلى القدوم ويحتم عليه في الرحيل إلى الصالحية فعند ذلك جمع رينه سوارى عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وأن هذا الخبر لا أصل له وأنا أعلم اننا لا نصل إلى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الأمر بالرجوع والذهاب إلى الأسكندرية فلا نستفيد إلا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا إلى القرين في ثلاثة أيام وإذا بمراسلة سارى عسكر منو إلى رينه يخبره بأن الانكليز وصلوا إلى أبي قير وطلعوا إلى البر وتحاربوا مع أمير الأسكندرية ومن معه من الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب إلى الأسكندرية فقال رينه هذا ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعا وعدي على برانبابة بعساكره وتقدم سارى عسكر منو وسبقه إلى الأسكندرية. شهر القعدة سنة 1215. في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان بأن يكتبوا السارى عسكر مكتوبا بالسلام ففعلوا ما أمروا به. وفي سادسه توفي محمد أغا مستحفظان مطعونا مرض يوم السبت وتوفي ليلة الأحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وإمامه الطرادون ولم يعملوا له مشهدا ولا جماعة وكرتنوا داره وأغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه أحدا بل أذنوا لعبد العال أن يركب عوضا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان قائممقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبا فكان ذلك من جملة النوادر والعبر فإن عبد العال هذا كان من اسافل العامة وكان أجبر البعض نصارى الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى اغا السابق بسبب معرفته للنصارى المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الاغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد أغا المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لاشغال الفرنساوية بما هو الاهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك. وفي يوم الثلاثاء تاسعه اشيع في الناس وصول العثمانيين إلى ناحية غزة وأن جواسيسهم وصلوا إلى العريش وقدمت الهجانة إلى الفرنساوية بالخبر فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ إلى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فورية الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلاما كثيرا ليزيل عنهم الوهم ويؤانسهم يزخرف القول كقوله أنه يحب المسلمين ويميل بطبعه إليهم وخصوصا العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم إلا الخير وسياسة الأحكام تقتضي بعض الأمور المخالفة للمزاج وأن سارى عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسوما وأمرهم بأجرائها والمشي عليها في أوقاتها وأنه عند سفره قصد أن يعوق المشايخ وأعيان الناس ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق أن الذين وردوا إلى أبي قير ليسوا من المسلمين وإنما هم انكليزية ونابلطية واعداء للفرنساوية وللمسلمين أيضا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير وعساكر العثمانية تحركوا إلى هذا الطرف فلزم الأمر لتعويق بعض الأعيان وذلك من قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس إلا الأعزاز والاكرام أينما كنتم والوكيل دائما نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلسن على تعويق أربعة أشخاص من المشايخ وهم الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم إلى القلعة في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا إلى مكانهم الشيخ السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الأربعة الباقية من أعضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 الديوان وهم البكرى والأمير والسرسى وكاتبه أن يكون نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وأن المشايخ المحجوزين لا خوف عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادما يطلع إليه وينزل ليقضي له أشغاله وما يحتاج إليه من منزله والذي يريد من احبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ له ورقة بالاذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك اصعدوا إبراهيم أفندي كاتب البهارا وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرأ إبراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي كتخدا يحيى آغات الجراكسة ومصطفى آغا ابطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد أفندي سليم ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم إلى البلد والعامة وأنهم يترددون على بليار قائمقام ويعلمونه بالامور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة واجازة الأموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة اشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم إلى القلعة الكبيرة على الجمال والحمير ليلا ونهارا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة الكثيرة في كل يوم. وفي حادي عشرة افرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوه من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور إلى الديوان على عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم إلا القليل من الدعاوي ثم ينصرفون إلى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي بأن يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظا للناموس لا غير. وفي ثالث عشرة نقل الكمثارى فوريه الوكيل متاعه إلى القلعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وصعد إليها فلم ينزل وأرسل إلى الشيخ سليمان الفيومي تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم يتركوا به إلا الحصر وامر بحضور أرباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون. وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج إلى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر أن قصده مؤانستهم وليس إلا لضيق مساكن القلعة وإزدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه إليها من الأمتعة والذخائر والفلال والاحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى أنهم سدوا ابواب الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون إليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات. وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل إليه السابق ذكره وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور كل ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن الله يهدي كلا فما النصر إلا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي إلا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم وأن ابتغيت النصرة فما هو إلا لسهول خيراتي إلى بر مصر وسكان ولايتها وخير أمور أهلها والله تعالى يكون دائما معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة. وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس أنه وقع الحرب بين الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وانحازوا إلى داخل الأسكندرية ووقع بينهم الاختلاف وأنهم منوسارى عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببا لهزيمته فيما يظن ويعتقد فقبض عليهما وعزلهما من امارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والاتقان فأجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى سارى عسكر منو رأيه فلم يعجب رينه ذلك الرأي وأن فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وإنما الرأي عندي كذا وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائم فلم يرض بذلك منو وقال: أنا سارى عسكر وقد رأيت رايي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم في تلك الليلة خمسة عشر ألفا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرايه وأكذ ذلك عنده انهما لما حضرا إلى الأسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة الأمر وسوء رأى كبيرهما فاشتد انكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم اطلقهما ونزلا إلى المراكب مع عدة من أكابرهم وسافر إلى بلادهما وأن منو أرسل إلى بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل إليه عسكرا فصادفوا الجماعة المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من اثناء الطريق وقد أشاروا لذلك في بعض مكاتباتهم واخبر أيضا المخبرون أن الانكليز اطلقوا حبوس المياه الملحة حتى اغرقت طرق الأسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك إلا من جهة العجمي إلى البرية وأن الانكليز تترسو أقبالهم من جهة الباب الغربي. وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة أبي قير وطلع عسكره من المراكب إلى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الأخبار وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 أمرهم وتنميق كلامهم. وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق خناق الناس بسبب الخروج إلى القرافة بالاموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا إلى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصا مع كثرة الأموات فكلم يوم الأحد حادى عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شان ذلك فأرسل إلى قبطان الحنطة ففتح بابا صغيرا من حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة. وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية إلى جهة بحرى وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر املاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم وأخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك. وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثارى يقال له جيرار وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة السيد إسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم أفندي امين الدين كاتب الديوان فلما استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه أنه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام الفارغ. وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس وذهبوا بهم إلى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم. وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 خوفا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين أنهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر أيضا الذين كانوا بالقرين وكذلك الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئا بعد شيء. شهر ذي الحجة الحرام سنة 1215. فيه حصل الاجتماع بالديوان وأخبر الوكيل أن كبيرهم قد بعث أخبارا بالامس منها أنه قد مات جماعة من كبراء الانكليز وأن أكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب ويرجعون إلى بلادهم وأن العطش مضاررهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لا بد من اعتنائكم بجميع هذه الأمور الموجبة للراحة. وفيه أشيع أن الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر رشيد وابراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى اجلوهم عنها ودخلوها. وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا. وفيه أمر بليار قائمقام بركوب أجد المشايخ صحبة عبد العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الأمير ومرة الشيخ سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية. وفي سادسه قرىء مكتوب زعموا أنه حضر من سارى عسكر منو من جهة الأسكندرية وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر المعتاد إلى حضرات كافة المشايخ والعلماء الكرام المستشارين بمحفل الديوان المنيف بمحروسه مصر أدام الله تعالى فضائلهم وما النصرة إلا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم العساكر الفرنساوية والانكليزية هما إلى هذا الآن حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولأجل انتظامها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 أن سلطان الروسية المحمية أعلن بواسطة مرسله إلى حضرة السلطان سليم أذعن الأمر إلى عساكره لأجل ما يتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر جميعا والا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الإقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره بفرمانه خطابه إلى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب الانكليزية كفا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم إلى أوامر سلطانهم فاعلنوا وأخبروا كل ذلك إلى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائما بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم فضائلكم عن الالهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من خط منشئه لوما كالترجمان ثم قال الترجمان أن الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي عن سر عسكر أنه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب السمع والطاعة تم أن بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلا من المنوفية يقال له موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا إليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من المنوفية أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أجد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل معاشه وأنه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر كثيرا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل: ستسكن الفتنة ويعاقب المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابا للتجار والمتسببين ولمشايخ البلاد يأمرونهم بإرسال الغلال والاقوات إلى مصر فكتبوا للمحلة الكبرى منوف والمنصورة والفشن وبني سويف. وفيه كتبوا جوابا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابا عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 المكتوب المذكور آنفا. وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء أنه إذا رجع سارى عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم. وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة. وفيه خرج عبد العال إلى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم. وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن أمر من الفرنسيس. وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق أن ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج إلى أسفل التل. وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك وأسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله إليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات إلى الأمراء المرادية يعزونهم في أستاذ هم وتقريرا إلى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بأن يكون أميرا ورئيسا على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم. وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت إلى البلاد بسبب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 الغلال والاقوات بأن المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير أن المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وأن أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فإذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل إلى المنصورة فإنه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول إليها لأن العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم. وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا أبطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه إلى الكرنتينه بباب العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه أرباب الديوان فانزلوه إلى داره فمات بها وكذلك وقع لحسين قرأ إبراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في أوائله وفي كل يوم يموت من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة على الاخشاب مثل الأبواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم إلى أن يخرجوا بهم من باب القرافة فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الأرض نحو الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين إلى جهة مزار الإمام الشافعي رضي الله عنه. وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر إلى النفقة وقيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 لهم أيضا: إن كان يمكنكم أن تكتبوا إلى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وإنما القصد الملاطفة والرفق فإن وظيفتنا النصح والوساطة في الخير. وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فأرسلت أوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والأعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت الجمعية وأحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد أحمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله أن سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث إن شاء الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم أكثرهم مرمودون الأعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم إلى الفرنساوية وانضموا إليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا عنهم بل تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لأجل أن يطمعوا ويدخلوا إلى البلاد وتتفرق عساكرهم فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم أنه قد وردت إلى اسكندرية مركب من فرانسا وأخبرت أن الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فإنهم لم يدخلوا في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس وأعلموا أن المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وإنما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا أن السلطان العثملي أرسل إلى عسكره بالكف عن الفرنساوية والرجوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 عن قتالهم فخألف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله أن القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالا من الانكليز لأننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز إنما يريدون بانضمامهم إلى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فإنهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار أن الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين إنما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار أن وقع من أهل مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام أول وأعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا يخرجون منها أبدا لأنها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض والتقدير إذا غلبوا على مصر فإنهم يخرجون منها إلى الصعيد ثم يرجعون إليها ثانيا ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فإنهم على قلب رجل واحد وإذا اجتمعوا كانوا كثيرا وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع بعد ذلك عند سارى عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من الأغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي التعجيل فإن الأمر لازم لأجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي أن تكتبوا جوابا بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة أهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو أن شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وأرسل. وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من العساكر الارنؤدية إلى أبي زعبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا إلى مصر بمتاعهم ومواشيهم. وفيه أرسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وأن تأخروا عن الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم إلى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر إليهم السيد أحمد الزرو وتشفع عند قائمقام بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش إلى بيت عبد العال وحبسهم بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل إليهم أعوانه يقولون لهم شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فإن عبد العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول إلى الوقوف بين يدي بعض اتباعهم فضلا عنهم. وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل تاريخه وذلك بسبب أنه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أجد خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به. وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال نعم أنهم أرسلوا يطلبون الصلح. وفي ثامن عشره أفرجوا عن إبراهيم أفندي كاتب البهار ليساعد في قبض نصف المليون. وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب أنه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وأنه ربما أثار فتنة فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد أفندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد السكري. وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا أنه حضر من سارى عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا إلى كافة العلماء والمشايخ الكرام بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بأنه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري أن الستويان فوريه الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه إلى اسكندرية وما تلك الفعلة إلا من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الأستوصاء لأجل عرضه وفضله وخصوصا لأجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا إلى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الأمة الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الأجناد بحرمة سيد العباد أن تشدوا قلوبكم توكلا له لأن عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بالفاظه وحروفه. وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار. وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين كاشف وسافر إلى جهة الصعيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وفي ثامن عشرينه وردت الأخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا إلى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه. وفيه أخبر وكيل الديوان أن سارى عسكر أرسل كتابا إلى الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة ألف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالأهرام والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس إلى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الأصلي ظاهرا مكشوفا فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة بالأرض مشبكة بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا ونهارا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من حد باب النصر إلى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت في غاية من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها إلى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسبع سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملاصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء إلى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها إلا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الإقامة بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء إلى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا. وأما ما أنشؤه وعمروه من الأبراج والقلاع والحصون بناحية ثغر الأسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل. ومنها تخريب دور الأزبكية وردم رصيفاتها بالأتربة وتبديل اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام إلى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي إلى رحبة الجامع الأزبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي إلى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسر آخر إلى جهة اليسار عند بيت الألفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك الجسر إلى قنطرة المغربي ومنها يمتد إلى بولاق على خط مستقيم إلى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الأزبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الأبنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الإقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه بقنطرة الموسكي إلى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الأشرفية ثم إلى خان الخليلي إلى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني إلى ناحية كفر الطماعين إلى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها إلى آخرها من حد باب البرقية إلى بولاق فلما انتهوا في الهدم إلى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق إلى حارة الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الأمراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لأنها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب. وتخرب أيضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به إلا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع أقلام المكوس. ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية إلى الآن ورفعوا قاعدة العامود العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها الأربع قراريط الذراع. ومنها أنهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا أحجارها مظهرين أن القصد بذلك توسيع الأزقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب إلى باب زويلة ومن الجهة الاخرى إلى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق إلى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين إلى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا فكانوا يتوصدون إليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير. ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الاهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن وكان ذلك التداخل أولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والأعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس إلى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الإسلام وينطق بالشهادتين لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام. ومنها أنه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء إلى الخليج وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا إذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير. وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الانثى ذهن إليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك. ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف إليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى أبراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية وفي جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الأشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجميع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الأسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج إليها وعدم انشاء الناس سفنا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى أنهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج والاغربةالتي كانت موجودة تحت الأعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الأسعار وتعطلت الأسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن لقلتها. ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الأرض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك إزالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة. ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه السنين حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الأرض كلها لجة ماء وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من جهة الناصرية إلى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل إلى درب الشمسي وطريق قنطرة عمر شاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ومنها استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار جميع الأصناف وانتهى سعر كل شيء إلى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون إلى ثمانين نصفا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الأشياء البلدية فإنها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصا مثل السمن والعسل النحل والأرز والغلال وخصوصا الأرز فإنه بيع في ايامهم بخمسمائة نصف فضة الأردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الأزقة بأرخص الاثمان. ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة ونصه ونعرفكم يا سيدي أنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصا ما وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم أهل البلاد وكان اكثره في الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة وأغلقت الأسواق وعزت الأكفان وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى أن الإنسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه إلا بعد أيام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من يحمل الميت إلا بعد المشقة الشديدة وأن أكبر كبير إذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الأمر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة أو مريضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع إلا نائحة أو باكية وتعطلت المساجد من الاذان والأمامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي أما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الأرض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام إلى أن قال ولو شئت أن اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه. من مات في هذه السنة من الأعيان. مات الإمام الالمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أجد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد ابن أحمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الاجهوري في الأصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم ولازم التردد عليه والأخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل إليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 والذهاب والترداد إلى بيوت الأعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده وأقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه في أوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الأكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الأمور المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الأزهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد إلى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الأوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس إليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الأمراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت أمير قط أو أكل من طعام أجد قط إلا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الأمراء والأعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم إذا أتوا إليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج أيضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد إلى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الأمراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا إليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا إلى الأمراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع إلى ضريح الإمام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والأمراء ورد المشيخة إلى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له الأمر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ أحمد العروسي كان المترجم غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الأمر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والأمراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفها في مأكله وملبسه. ومات الأجل الأمثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ أحمد ولد سنة احدى واربعين ومائة وألف ونشأ في حجر أبيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي أخوه الأكبر الشيخ أحمد وامتنع أخوه الأصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس التا والفراجة الواسعة وأقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة وتردد إلى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى المماليك والعبيد والجواري والأملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر ألف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر إلى بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب إلى شيبين الكوم بلدة أقاربه وأقام بها إلى أن مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ محمد بنحو خمسة أيام ودفن هناك رحمه الله تعالى. ومات الإمام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الأولى كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الأصول والفروع وكان مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الأربع ويغوص بذهنه وقياسه في الأصول الغريبة ومطالعة كتب الأصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء يرجعون في ذلك إليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله إلا أن الدهر لم يصافه على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 عادته وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث أن من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية انصاف يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون إليه في مراجعة المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات أوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ ولا يظهر فاقة توفي في يوم الأحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين سنة تقريبا رحمه الله. ومات الأمير مراد بك محمد مات بسهاج قادما إلى مصر باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك إبراهيم كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فأقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره وأنعم عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الأمير صالح بك وسكن داره العظيمة بخط الكبش. ولما مات علي بك تزوج بسريته أيضا وهي ألست نفيسة الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وإبراهيم بك أكبر أمرائه المشار إليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك إلى الديار الشامية محاربا للظاهر عمر أقام عوضه في إمارة مصر إبراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم إلى مصر فاتفق راي الجميع على إمارة من استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو إبراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 لوفور عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لإبراهيم بك في الأحكام والنقض والإبرام والايراد والأصدار ومقاسمة الأموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب وأخذ في بذل الأموال وانفاقها على أمرائه وأتباعه فانضم إليه بعض أمراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في أستاذ هم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه. ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد إليه أنه انتصر في حرب باشرها أبدا علىما فيه من الأدعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم والجور. ولما قدم حسن باشا إلى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه وعشيرته هاربين إلى الصعيد حتى انقضت أيام حسن باشا وأسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص بمساكن إسمعيل بك وجعل إقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل إليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر أيضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الأبقار والجواميس الحلابة والأغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحرب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها أيضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى شحت جميع هذه الأدوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الأعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لأنفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لأربابه بالوسائط والشفاعات وأحضر أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والأرزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا نصرانيا وهو الذي يقال له: نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وإمامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الأمراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أجد لاي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل أن ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال: إنه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل أجد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر. ومما اتفق أنه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى إلى الأمير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه إلا التغافل وراحت على من راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة بإقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية والأوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الإقامة بالجيزة واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لإبراهيم بك أمر الأحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الأمراء الكبار من أقرانه كان السفير وبينهم وبينهم إبراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض القضايا التي انبرم أمرها عند إبراهيم بك أو غيره بنفسه أو عن لسان مخدومه وأقام المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لا يعدى إلى البر الشرقي أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد إلى الأقران وإذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل إلى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الأمراء ورجع إلى قصره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 فلا يراه بعد ذلك أبدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فإذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده أو يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد إلى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فإن صادفه واجتمع عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور إلا ولقمته قد اختطفتها النسور. ثم أخذ يعبث بدواوين الأعشار والمكوسات والبهار فيحول عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وإبراهيم بك ذلك الإيراد وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية ولقسيمه ما يرد من الأصناف الحجازية وما انضاف إلى قلم البهار وحسب في دفاتر التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل إلى بلاد الافرنج وسموه ديوان البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها إلى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك أموالا وايرادا عظيما وكانت هذه البدعة السيئة من أعظم أسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الإقليم المصري مع ما أضيف إلى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت إليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم الأسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الأمور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الأمور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 هو من اعظم الأسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك أنه لما خرجت من مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري أجد لاي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز إلى الأسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا أولا إلى جهة مالطه فوقف الانكليز قبالة الأسكندرية وأرسلوا قاصدهم إلى الثغر يسالون عن خبر الفرنساوية فردهم المذكور ردا عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وأنهم اخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور إلى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا من بعض الثغور فما هو إلا أن غابوا في البحر نحو الأربعة أيام إلا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان. ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك أنه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار إلا ما كان من الأماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل إلا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم الخليج يسكنها اتباع الأمراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل إليه أجد لبعده وحصوله بين الأتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الأمراء أيضا والأعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك أيضا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم هذه وتجديده بإرشاد بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته وبني به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فحضر الأمراء والأعيان والمشايخ وأكبر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا وآية: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى أصبح بلقعا أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله. ومات الأمير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والأبطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة أربع وثمانين ومائة وألف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين إسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند ذلك وظهر شأنه بعد أن كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين مماليكه وعزوته ثم خامر على إسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 وانضم إليهم بمن معه ورجعوا إلى مصر وفر إسمعيل بك بمن معه إلى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الأمر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم إلى أن استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم إليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقى من عشيرته إلى القليونجية فقبض عليه وأتى به أتى مصر ففر إلى بولاق بمفرده والتجأ إلى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص إلى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص إلى بيت إبراهيم بك فأمنه واتفقوا على إرساله إلى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب أن يذهب به إلى القصير وخوفه القتل أن لم يفعل فذهب به إلى القصير فتوجه منها إلى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع إليهم إسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم إليهم واصطلح معهم إلى أن كان ما كان من وصول حسن باشا إلى الديار المصرية واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع إسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا إلى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به إسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الأمراء فاستقل بمن بقي من الأمراء وفعل معهم من التهور والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن إليه فلم يسعه ومن معه إلا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون إلى مصر المحميةواستقر هو كما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 كان بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر إلى أن وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الإقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والإقدام كل من العثمانية والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الأمر وخرجوا إلى الجهة الشامية لم يزل محرصا ومرابطا ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الآن عثمان بك المعروف بالحسيني وأحمد بك أمره الوزير عوضا عن أستاذه. ومات الأمير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك إسمعيل بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع إلى مصر في أيام حسن باشا تولى إمارة الحج في سنة خمس ومائتين وألف وكان سيده يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم أنه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه وحذره من أعدائه وقال له: إني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما بالآخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن إمارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت إليه الإشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 يخطر ببالهما بل ولا ببال أجد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار إليه إلى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الأعداء إلى أن كان ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا إلى الجهة الشرقية خلص إليهم بمن انضم إليه من عشيرته فلم يسع الباقين إلا الهرب وأسلم هو نفسه لأعدائه فأظهروا له المحبة وولوه إمارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له إمارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة أميرا على الحج اعنى سنة ست ومائتين وألف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم إلى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين إلى مصر وأهمل أمره وأقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الأجناد ويغدو ويروح إليهم ويرجو رفدهم إلى أن حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج إلى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم. ومات الأمير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب أيضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم أن ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام بالطاعون. ومات أيوب بك الكبير وهو أيضا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس بحب أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 الفضائل ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف إلا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه عليه وإذا ساوم شيئا وقال له البائع: هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته. ومات الأمير مصطفى بك الكبير وهو أيضا من مماليك محمد بك تولى الصعيد وإمارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من القبائح. ومات الأمير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط بالطاعون وهو أيضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو إبراهيم بك المعروف بالوالي صهر إبراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الأولى بانبابة مدبرا فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لأنها كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وأنشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا وأغناما كثيرة ومما اتفق له أنه جز صوف الأغنام وكانت أكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما. ومات الأمير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك أيضا وكان يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا بأشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج إبراهيم بك إلى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع إبراهيم بك رد الاغاوية لعلي أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الأمراء وصار يقول أن لم يردوا لي منصبي قتلت علي أغا أو قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الأعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الأجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته إلى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف إلى الصنجقية وسخط على زمانه والأمراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه إلا بالإمارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الأولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته إلى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة أنه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم أنه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الأمراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فلما أن رآه عمي. ومات أيضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو أيضا من مماليك محمد بك وأشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة بالناصرية وصرف عليها أموالا عظيمة فما هو إلا أن تمم بناءها ولم يكمل بياضها حتى وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية بالشام أيضا ثم هلك بالطاعون. ومات الأمير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام أيضا وأصله من مماليك حسن بك الأزبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك فلما قتل أستاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الأزبكية يبيع فيها تنباكا وصابونا ثم سافر إلى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع إلى مصر في أيام دولة علي بك وتنقلت به الأحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر إلى قبلي خرج إليه المترجم ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم إليه ولم يزل حتى تملك محمد بك واستوزر إسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال إلى الاقصاء والبعد إلى أن انضم إلى مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الأيام والتجارب فجعله كتخدا ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من الأعيان المعدودين وقصدته أرباب الحاجات واحتجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 في غالب الأوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ إلى ما بلغ معه وكان يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به أياما عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام. ومات الأمير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك إبراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى إلا أنه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه إلا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك الخطة وغيرها ومات أيضا المترجم بالشام. ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي ونسب إلى محمد بك وأخيه إبراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل إلى سنة ثمان وتسعين فخرج مع إبراهيم بك إلى المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له من المآثر إلا السبيل والكتاب الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس وهو باق إلى يومنا هذا ببهجته ورونقه. ومات الأمير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك إبراهيم بك الاقدمين وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات والنقوش والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والأمثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الأسطا حسن الخياط ثم سافر إلى الأسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والأعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الاخشاب وحفر أساسه واحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو إلا أن ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل إتمامه وبقى على حالته إلى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس. ومات الأمير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له أقطاع بالفيوم فكان معظم إقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الإقليم تحكم الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار. ومات الأمير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به إسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو إلا أن أكمل بنيانه حتى قدمت الفرنسيس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 فاتخدوه سجنا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس وأمنوه أخذ في اصلاح ما تشعث من البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت إذ ذاك لقلة الاخشاب وآلات البناء فاشتغل بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب التمام ولم يبق إلا اليسير وقع الطاعون باسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة واقدام وشجاعةوتهور مشابه لحسن بك الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه مبذول وداره باسيوط مقصدا للوارد والقاصد والصادر من الأمراء وغيرهم وله أغداقات وصدقات وأنواع من البر ومحبة في العمارة وغراس الأشجار واقتناء الانعام وكان متزوجا بثلاث زوجات احداهن ابنة سيده عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور آنفا والثالثةزوجة علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس وله صولة وظلم وتجاوز على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل العرب مرارا وقتل منهم الكثير وبسكناه باسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا واستوطنها الكثير من الناس لحمايتهم وعدم صولة أجد على أهلها وله مهاداة مع الأمراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها والمتكلمين عندهم فيرسل إليهم الغلال والعبيد والجوراي السود والطواشية وغير ذلك وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرا من جملتهم عزيرتا الأمير أحمد كاشف المعروف بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الاخلاق ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده. ومات كل من الأمير باكير بك والأمير محمد بك تابع حسين بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني اسماؤهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 واستهلت سنة ست عشرة ومائتين وألف بيوم الخميس. وباستهلالها خف أمر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك أرسل عبد العال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 الاغا أحضر الشيخ محمد الأمير ليلا إلى منزله فبيته عنده ولما أصبح النهار طلع به إلى القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك أن ولد الشيخ المذكور كان من جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة بمصر فلما انقضت هرب إلى جهة بحرىثم حضر بعد مدة إلى مصر فأقام أياما ثم رجع إلى قوة بأذن من الفرنسيس فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وأخذوا الناس بأدنى شبهة وتقرب إليهم المنافقون بالتجسس والاغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وادخل في مسامعه أن ابن الشيخ المذكور ذهب إلى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائممقام إلى الشيخ قبل تاريخه فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره أن مقيم بفوة فقال له: لم يكن هناك وإنما هو عند القادمين قال له: لم يكن ذلك وأن شئتم أرسلت إليه بالحضور فقال له: أرسل إليه وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية أيام مدة مسافة الذهاب والمجيء ثم خاطبه على لسان وكيل الديوان أيضا بحضوره أو حضور الجواب بعد يومين واعتذر بعدم أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه واصعاده إلى القلعة ففعل. وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت الأخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية إلى الرحمانية وتملكهم القلعة وما بالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة. وفيه حضرت زوجة سارى عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها السيد علي الرشيدي أجد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت قلعتها حضر بها إلى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي وأخوها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 ببيت الألفي بالازبكية نحو ثلاثة أيام ثم صعدا إلى القلعة. وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت طوالعهم إلى القليوبية والمنير والخانكة لأخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم وأمر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الأحد رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم ورجعوا مهزومين وكتموا أمرهم ولم يذكروا شيئا. وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم وكانوا يظنون منهم غير ذلك. وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت إلى القلعة وأكثروا من نقل الماء والدقيق والاقوات إليها وكذلك البارود والكبريت والجلل والقنابر والبنب ونقلوا ما في الأسوار والبيوت من الأمتعة والفرش والأسرة وحملوه إليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار إلا مهمات الحرب. وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم عسارك العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين الذين يجلبون الميرة والاقوات إلى المدينة فانقطع الوارد من الجهات البحرية والقليوبية وعزت الاقوات وشحح اللحم والسمن جدا وأغلقت حوانيت الجزارين واجتهد الفرنساوية في وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق وطلبوا الفعلة للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا بجهة القرافة والقوا الاحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من العبور وابتدؤا المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة إلى قنطرة الليمون إلى قصر افرنج أحمد إلى السبتية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 إلى مجرى البحر. وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس وسالهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد الجلاء والموت فقال لهم من كان موجودا حاضرا فألزموه بفتح حانوته والا فاخبروني عنه ونزلت الحكام فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء. وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي إلى البلد المسماة بنادر عند رأس ترعة الفرعونية. وفيه تواترت الأخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها إلى بنها وطحلا بساحل النيل وأن طائفة من الانكليز رجعوا إلى جهة الأسكندرية وأن الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الأسكندرية والانكليز ومن معهم من العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وأن الانكليز بعد قدومهم وطلوعهم إلى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة من البحر المالح منه إلى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الأراضي المحيطة بالاسكندرية وأغرقت أطيانا كثيرة وبلادا ومزارع وأنهم قعدوا في الأماكن التي يمكن الفرنسيس النفوذ منها بحيث أنهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية. وفي ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة والزموهم باحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة لبعض الأمراء الكشاف ثم أنها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت هذه الحوادث جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة هي على حمار ومتاعها محمول على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف واعطت المكارية الاجرة وصرفتهم من خارج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 واختف فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا: لا نعلم غير المكان الذي أنزلناها به وأعطتنا الاجرة عنده فشددوا على المكارية ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل الحارة وحبسوهم ثم أحضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلى سكان الدور وأعلموهم أنه إن وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة وخصوصا عبد العال فإنه كان يتنكر ويلبس زي النساء ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها فيزعج أرباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا ويفعل ما لا خير فيه ولا يخشى خالقا ولا مخلوقا. وفي خامس عشره قبضوا على ألطون أبي طاقية النصراني القبطي وحبسوه بالقلعة والزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد. وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل إلى بيته وكذلك الشيخ مصطفىالصاوي لمرضه. وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها أن خادم مملوكه ذهب عن لسان المملوك إلى بليار قائمقام وأخبره أنه وصل إلى أستاذه الشيخ خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالأمان وكان هذا باغراء عبد العال ليوقعه في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على عادته عند قائمقام سأله عن ذلك فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك واسند إلى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان فقال قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لأنه لا يصح أن يتلقاه بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بأحضار ذلك الرجل وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجمد ولم يثبت عليه وظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 كذب الغلام والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال قائمقام أن قصاصه في شريعتنا أن يقطع لسانه فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام قبيح قاله الغلام في حق سيده. وفيه حضر حسين كاشف اليهودي إلى قائمقام واخبره أن الأمراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم بعد موت مراد بك وأنهم مروا وتوجهوا إلى بحري من البر الغربي وعثمان بك الأشقر ذهب من خلف الجبل إلى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب خاطرها وأخبرها أنها في أمان هي وجميع نساء الأمراء والكشاف والأجناد ولا مؤاخذة عليهم بما فعله رجالهن. وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الأعيان وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسأل دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا شكواهم إلى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما اجرة من شيخ الحارة. وفيه وردت الأخبار بأن الوزير وصل دجوة. وفي يوم الإثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة. وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور إلى قائمقام فلما حصلوا عنده قال لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بأن يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم ولا يتداخلوا في الشر والشغب فإن الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 فيها الخير والصلاح فإنهم أن داموا على الهدو حصل لهم الخير ونجوا من كل شر وأن حصل منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت أموالهم ومتاعهم ويتمت أولادهم وسبيت نساؤهم والزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة لهم بها فقد رأيتم ما حصل في الوقائع السابقة فأحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا ولا المعاونة لحرب عدونا وإنما نطلب منكم السكون والهدو لا غير فأجابوه بالسمع والطاعة وقولهم كذلك وقرىء عليهم ورقة بمعنى ذلك وأمروا الاغا واصحاب الشرطة بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع جهة الجيزة فلا ينزعجوا من ذلك فإنه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد بالديوان الأعيان والتجار وكبار الاخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا إلى محلاتهم. وفي ذلك اليوم اشيع حضور الوزير إلى شلقان وكذلك عساكر الانكليز بالناحية الغربية وصلوا إلى أول الوراريق. وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان على العادة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله أنه يثنى على كل من القاضي والشيخ إسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال والمصالح على التركات المختومة لأن الفرنساوية لم يبق لهم من الايراد إلا ما يتحصل من ذلك والقصد الأعتناء أيضا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم أيضا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية أيام فمن لم يصالح على الالتزام الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك وأعلموا أن أرض مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وقربهم فإنه لا يخرج من أيديهم شيء أبدا وهؤلاء الانكليز ناس خوارج حرامية وصناعتهم القاء العداوة والفتن والعثملي مغتربهم فإن الفرنساوية كانت من الاحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى اوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور وأن بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر لا تمحى أثرهم ونسى ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم إلى البر وإلى الآن لم يصلوا إلينا والفرنسيس عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يوما فلو كان فيهم همة أو شجاعة لوصلوا مثل وصولنا وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد أحمد الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لاخر من منية كنانة يذكر فيه أنه حضر إلى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وأن الانكليز رجعت إليهم وأن الحرب قائمة بينهم على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك إلى بليار قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزرو رجلا شرقاويا حلف لهم أنه سمع ذلك بأذنه من الرجل الواصل إلى منية كنانة من رشيد. شهر صفر الخير سنة 1216 استهل بيوم السبت. وفي ذلك اليوم قبل المغرب مشى عبد العال الاغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادى يقول الأمن والأمان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا تخافوا ولا تنزعجوا فإنه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة إلى الأسكندرية وأن الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الأحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس إلى المنارات ونظروا بالنظارات فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا إلى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 خيامهم أسفل انبابة وعند وصولهم إلى مضاربهم ضربوا عدة مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب الاخرون تلك المدافع التي ذكروا أنها شنك وأما العساكر الشرقية فوصلت أوائلهم إلى منية الأمراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك عزت الاقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصا السمن والجبن والأشياء المجلوبة من الريف ولم يبق طريق مسلوكة إلى المدينة إلا من جهة باب القرافة وما يجلب من جهة البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك إلى عرضة الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح اللحم أيضا وغلا سعره لقلة المواشي والأغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن خمسة وثلاثين نصفا والبصل باربعمائة فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة والشيرج عشرين نصفا وأما الزيت فلا يوجد البتة وغلت الأبزار جدا واتفق إلى قصة غريبة وهو أني احتجت إلى بعض أنيسون فأرسلت خادمي إلى الأبزارية على العادة يشتري لي منه بدرهم فلم يجده وقيل له أنه لا يوجد إلا عند فلان وهو يبيع الأوقية بثلاثة عشر نصفا ثم اتاني منه باوقيتين بعد جهد في تحصيله فحسب على ذلك سعر الاردب فوجدته يبلغ خمسمائة ريال أو قريبا من ذلك فكان ذلك من النوادر الغريبة. وفي يوم الإثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر التجار ومشايخ الحارات والاغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابا بالارباب الديوان والحاضرين يذكر فيه أنه حضر إليه مكتوب من كبيرهم منوبا بالاسكندرية صحبة هجانة فرنسيس وصلوا إليهم من طريق البرية مضمونة أنه طيب بخير والاقوات كثيرة عندهم يأتي بها العربان إليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية إلى بحر الخزز وأنها من قريب تصل الأسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 وسكونكم الىآخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس وخوفا من قيامهم في هذه الحالة وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يوما من انقطاع أخبار في اسكندرية ولا أصل لذلك. وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلا ذكروا أنه وجد معه مكتوب من بعض النساء مرسل إلى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي عليه هذا جزاء من ينقل الأخبار إلى العثملي والانكليز. وفيه وصلت العساكر الشرقية إلى العادلية وامتد العرضي منها إلى قبلي منية السيرج وكذلك الغريبة إلى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل إلى مأمنه واستمر هذا الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى قربوا من قبة النصر وسكن إبراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة انفار من الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الإثنان واصيب جزار يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض اسرى ولم يزل الضرب بينهم إلى قريب العصر والفرنسيس يرمون من القلعة الظاهرية وقلعة نجم الدين والتل ولا يتباعدون عن حصونهم. وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من الصباح إلى العصر أيضا. وفيه أشبع موت السيد أحمد المحروقي بدجوة وكان مريضا بها وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية. وفيه قبضوا على رجل شبه خدام ظنوه جاسوسا فاحضروه عند قائمقام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 فسألوه فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار كالمختل وكرروا عليه الضرب والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه ورأسه حتى قيل أنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس. وفيه اطلقوا محبوسا يقال له الشيخ سليمان حمزة الكاتب وكان محبوسا بالقلعة من مدة اشهر فطلق على مصلحة الفي ريال. وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضا بطول النهار ودخل نحو خمسة وعشرين نفرا من عسكر العثمانية إلى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة وأكلوا كعكا وخبزا وفولا مصلوقا وشربوا قهوة ثم انصرفوا إلى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريا من اتباع محمد باشا وإلى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في ذلك اليوم باب النصر وباب العدوي. وفيه زحفت عساكر البر الغربي إلى تحت الجيزة فحضر في صبحها بنى وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى إلى بر الجيزة فسمع الضرب أيضا من ناحية الجيزة وسمعت طبول الأمراء ونقاقيرهم واستمر الأمر إلى يوم الثلاثاء حادي عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا إلى قبلي منها ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضا فامتنع وصول الغلال والاقوات والبطيخ والعجور والخضروات والخيار والسمن والجبن والمواشي فعزت الاقوات وغلت الأسعار في الأشياء الموجودة منها جدا واجتمع الناس بعرصة الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الأكثر منهم بمقاطفهم إلى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فاحضر عبد العال القبانية وألزمهم باحضار السمن وضرب البعض منهم فاحضروا له في يومين أربعة عشر رطلا بعد الجهد في تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفا وامتنع وجود اللحم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 من الأسواق واستمر الأمر على ذلك الأربعاء والخميس والمضاربة بين الفريقين ساكنة وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك الانكليز وحسين قبطان باشا فانسر الناس وسكن جاشهم لسكون الحرب. وفي ذلك اليوم اغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة. وفي يوم الإثنين سابع عشرة أطلقوا المحبوسين بالقلعة من أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا وأرسلوهم إلى عرضي الوزير وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والأحجار وضيق الحبس والجوع ومات الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين. وفي ليلة الإثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها اذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار نظر الناس فإذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها وكان ذلك المدفع إشارة إلى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الافراج عن الرهائن من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح وأكثر الفرنساوية من النقل والبيع في أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم. وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود. وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل وأعلن بوقوع الصلح والمسالمة ووعد أن في الجلسة الآتية يأتي إليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه من الشروط ويسمعونه جهارا. وفي ذلك اليوم أكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الأمتعة من القلعة الكبيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وباقي القلاع بقوة السعي. وفيه أفرجوا عن محمد جلبي أبي دفية وأسمعيل القلق ومحمد شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي نسيب أبي دفية والشيخ خليل المنبر وآخرين تكملة ثمانية نفار ونزلوا إلى بيوتهم. وفيه سافر عثمان بك البرديسي إلى الصعيد وعلى يده فرمانات للبلاد بالأمن والأمان وسوق المراكب بالغلال والاقوات إلى مصر ويلاقي سنة آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم إلى القصير. وفيه شنق الفرنساوية شخصا منهم على شجرة ببركة الأزبكية قيل أنه سرق. وفيه أرسل الفرنساوية إلى الوزير وطلبوا منه جمالا ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بإرسال مائتي جمل وقيل أربعمائة مساعدة لهم وفيها من جمال طاهر باشا وإبراهيم بك. وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين والمشايخ وهم شيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والشيخ محمد المهدي وحسن أغا المحتسب ورضوان كاشف الشعرواي وغيرهم فنزلوا إلى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال للمشايخ: إن شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فانى كلمته ووصيته عليكم. وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر إلى ناحية شبرا وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا إلى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا الجسر فيما بينهم أعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في الاتقان بكونه من الواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين أيضا وهو عمل الانكليز. وفيه ألصقوا أوراقا بالطرق المكتوبة بالعربي والفرنساوي وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها ثم إنه أراد الله تعالى بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكرالعثمانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 ولكن مع هذا الصلح أنفسكم واديانكم ومتاعكم ما أجد يقارشكم ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر كل واحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت الذي يريد أن يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق الإرادة وبعد سفره كامل ما يبقى عياله ومصالحه ما أجد يعارضهم الشرط الثالث عشر لا أجد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت يكون قلقا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه جميع الذين كانوا بخدمة الجمهور الفرنساوي بمدة إقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة الجمهور الفرنساوي ناظر لكم ولراحتكم فيلزم أنتم أيضا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون أن الله جل جلاله هو الذي يفعل كل شيء وعليه امضاء بليار قائمقام. وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال الوكيل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الأحد عشر شرطا الباقية فقال أن الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم إلى رشيد وينزلوا في مراكب ويتوجهوا إلى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون في خمسين يوما وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤنة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الأمتعة والاثقال تتوجه من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لأجل الحراسة ولا بد من كون المؤنة التي تترتب لهم كالمؤنة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤوساء عساكر الانكليز وحضره العثملي القيام بنفقة الجميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 والحكام المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم إلى فرانسا من جهة البحر المحيط وأن يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز أربعة مراكب للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة عليهم إلى أن يصلوا إلى فرانسا وأن الفرنساوية لا يدخلون مينة إلا مينة فرانسا والأمناء والوكلاء يقدمون لهم ما يحتاجون إليه نظرا لكفاية عساكرهم والمدبرون والأمناء والوكلاء والمهندسون الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم وكتبهم ولو التي شروها من مصر وكل من أهل الإقليم المصري إذا أراد التوجه معهم فهو مطلق السراح مع الأمن على متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت فلا معارضة له إلا أن يجري على أحواله السابقة وجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم حضرة العثملي وإذا عوفوا توجهوا إلى فرانسا بالشروط المتقدم ذكرها وحكام العثملي يتعهدون من بمصر منهم ولا بد من حاكمين من طرف الجيشين يتوجهان بمركبين إلى طولون فيرسلون خبرا إلى فرانسا ليطلعوا حكامها على الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام صدر بين شخصين من الفرنساوية فلا بد أن يقام شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل طائفة معين من العثملي والفرنساوي أن تسلم ما عندها من الأسرى ولا بد من رهائن من كل طائفة واحد كبير يكون عند الطائفة الاخرى حتى يتوصلوا إلى فرانسا اه ثم قال الوكيل وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح العام فقال الوكيل: إني أرجو أن يكون هذا الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي. وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الاتباع والباعة والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 من الداخل الخارج دراهم ولا يمنعونهم فلما علم الناس بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرا من أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتوالد الشر بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم فرنساوية يفرجونهم على البلدة والأسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر الإمام الشافعي والمشهد الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم بالباب. وفي ليلة الإثنين رابع عشرينه نادوا في الأسواق برمي مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك اليوم اطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني واخرجوا الصندوق الرصاص الموضوع فيه رمته ليأخذوه معهم إلى بلادهم. وفيه ارسلوا اوراقا ورسلا للاجتماع بالديوان وهو آخر الدواوين فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل والترجمان فلما استقر بهم الجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من سارى عسكر منو بعث به إلى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان فقرأه والحاضرون ويسمعون وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر نخبركم أنا علمنا بكثرة الانبساط انكم تهتدون بكثرة الحكمة والانصاف في الموضع الذي أنتم مستمرون فيه وأن لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة الفرنساوي فالله تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في الدارين عوض خيراتكم وأخبرنا المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم حاكما ونافعا بوصايا لأجلكم سارة رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني أيضا أنه عن قريب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 يرسل لكم بذاته جواب جميع مكاتيبكم إليه قدمتم الآن بخير الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا لكن يسركم أن الجمهور المنصور غلب في أقاليم الروم جميع اعدائه وبعون الله هادي كل شيء سيغلب كذلك العدا في مصر واعتمدوا بأكثر الأعتماد على الستويان جيرار هذا الذي وضعناه قربكم لأنه هو رجل مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه إلى هممكم النصيحة إلى زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في حصننا في مصر الخ وذكر كثيرا من امثال هذه الخرافات والتمويهات ثم اخرج ورقة بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها أبرز أيضا استوف الخازندار ورقة وقرأها بالفرنساوي ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان وهي في معنى الأولى. وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي يقال له الصدر الأعظم والسلام على القادمين معه أيضا من أعيان دولتهم والأمراء المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ السادات فإنه خرج للسلام من أول النهار وكتب لهم قائمقام أوراقا للحرسجية لانهم مستمرون على منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق بولاق فلما وصلوا إلى العرضي سلموا على إبراهيم بك وتوجه معهم إلى الوزير فلما وصلوا إلى الصيوان أمروهم برفع الطياسانا التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه فلم يقم لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده وسلموا أيضا على محمد باشا المعروف بأبي مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم عادوا إلى بيوتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وفي ثاني يوم عدوا إلى البر الغربي وسلموا على قبطان باشا ورجعوا إلى منازلهم. وفيه أرسل إبراهيم بك أمانا لاكابر القبط فخرجوا أيضا وسلموا ورجعوا إلى دورهم وأما يعقوب فإنه خرج بمتاعه وعازقه وعدي إلى الروضة وكذلك جمع إليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا إلى قائمقام وبكوا وولولوا وترجوه في ابقائهم عند عيالهم وأولادهم فإنهم فقراء وأصحاب صنائع ما بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم أنه يرسل إلى يعقوب أنه لا يقهر منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه. وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة انفار من عظماء الفرنسيس إلى العرضي وقابلوا الوزير فخلع عليهم وكساهم فراوى سمور ورجعوا. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية إلى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الافرنج والمترجمين وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى الشوام والاروام مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الاغا أيضا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان إذا باع شيئا يرسل خلف المشتري ويلزمه باحضار ثمنه في الحال قهرا ولم يصحب معه إلا ما خف حمل وغلا ثمنه. وفيه حضر وكيل الديوان إلى الديوان وأحضر جماعة من التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد الزرو. وفي ذلك اليوم أيضا فتحوا باب الجامع الأزهر وشرعوا في كنسه وتنظيفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 وفي ذلك اليوم وما بعده دخل بعض الانجليز ومروا بأسواق المدينة يتفرجون وصحبتهم اثنان أو واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق. وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال. فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول أنهم أخذوا مهلة ليوم الإثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم فنظروا فإذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع والحصون والمتاريخ وذهبوا إلى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح بالمدينة وبولاق ومصر العتيقة والازبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم الخير وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بالسنتهن من الطيقان وفي الأسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والاطفال كعادتهم ورفعوا اصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقل الغريب المثقوب في السور وتسلقوا أيضا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوى فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة دفعة واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحي النهار حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوى واجلس بهما جماعة من النيكجرية ودخل الكثير من العساكر مشاة وركبانا اجناسا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا بالأسواق ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوى والحوانيت والحمامات فامتعض أهل الأسواق من ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالأسواق وتواجدت البضائع وانحلت الأسعار وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطي بيع غالبها الأتراك والارنؤد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 فكانوا يتلقون من يجلبها من الفلاحين بالبحر البر ويشترونها منهم بالاسعار الرخيصة ويبيعونها على أهل المدينة وبولاق بأغلى الأثمان ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية واليميش من البندق واللوز والجوز والزبيب والتين والزيتون الرومي. فلما كان قبل صلاة الجمعة وإذا بجاويشية وعساكر وأغوات وتلا ذلك حضره يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه إلى المسجد الحسيني فصلى فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات إلى دره المجاورة للمشهد فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب إلى الجامع الأزهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد الحسيني ثم ركب راجعا إلى وطاقة بناحية الحلي بشاطيء النيل وعملوا في ذلك الوقت شنكا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالأمان البيع والشراء وطلب أولئك القلقات من أهل الاخطاط المآكل والمشارب والقهوات والزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية إلى جهة قصر العيني والروضة والجيزة إلى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها بنديراتهم ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوى إلى جهتهم من العثمانية فلا يمر العثماني إلا إلى الجهة الموصلة إلى بولاق وأما إذا كان من أهل البلد فيمر حيث أراد وفي مدة إقامة المشار إليه بساحل الحلى ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من الأبنية والسواقي والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد إلى البحر وأخذوا ما بذلك من الافلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته وفي الخندق فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لأجل وجود النار والمطابخ. وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين كتخدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من الحوانيت ولم يترك إلا القهاوي. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأحد سنة 1216. فيه ركب أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من العساكر والاجنادالمصرية بمتاعهم وعازقهم واحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب من مشهد الأستاذ الحنفي وأرسل إلى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت الخالية بالاخطاط. وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة ودخل المدينة وتوجه إلى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش واقتسمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام باربعةشيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع له سترا جديدا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي. وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصا من العسكر بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب إلى حارة الجوانية ودخل إلى دار وامتنع فيها وصار يضرب بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الارنؤد بتلك الخطة فقتلهما الانكشارية لكون الغريم أرنؤديا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج هاربا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس. ووقع في ذلك اليوم أيضا أن شخصين من القليونجية دخلا إلى دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا إلى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد أن انجرح احدهما وأخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسهما ظلما وعدوانا وذلك من مبادي قبائحهم. وفي يوم الأربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية واخلوا قصر العيني والروضة والجيزة وانحدروا إلى بحري الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الارنؤد ومن الأمراء المصرية عثمان بك الأشقر ومراد الصغير وأحمد بك الكلارجي وأحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار المصرية ثلاث سنوات واحدا وعشرين يوما فإنهم ملكوا برانبابة والجيزة وكسرو الأمراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صفر سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول سلطانه. وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر أفندي نقيب الأشراف وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها إلى دورهما. وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الاجناس وهرع الناس للفرجة وخرجت البنت من خدرها وأكتروا الدور المطلة على الشارع باغلى الاثمان وجلس الناس على السفائف والحوانيت صفوفا وانجر الموكب من أول النهار إلى قريب الظهر ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه العساكر المختلفة من الارنؤد وارط الينكجرية والعساكر الشامية والأمراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة الارنؤد وإبراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 مصر الكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والاغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش وأقبل المشار إليه وإمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه اثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه أيضا العدة الوافرة من أكابر اتابعه وبعدهم الكثير من عسكر الارنؤد وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكا ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوما مشهودا وموسما وبهجة وعيدا عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الأمر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار إليه من أكابر دولتهم إبراهيم باشا والي حلب وإبراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتر دار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف أغا نزله أمين ومحمد أغا جيجي باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار إليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي. وفي يوم الجمعة نودي بابطال كلف القلفات وابطال شرك العسكر لارباب الحرف إلا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم على الطلب من الناس. وفي يوم الأحد نودي بأن لا أجد يتعرض بالاذية لنصراني ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 يهودي سواء كان قبطيا أو روميا أو شاميا فإنهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب أن بعض نصارى الاروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالاسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا باآنافهم وتعرضوا بالاذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم إلا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة. وفيه ارسلوا هجانا إلى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح والنصر وارتجال الفرنساوية من ارض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار لشركائهم بإرسال المتاجر إلى مصر. وفيه ارسلوا فرمانا أيضا إلى الإقاليم المصرية والقرى بعدم دفع المال إلى الملتزمين ولا يدفعون شيا إلا بفرمان من الوزير. وفي يوم الإثنين قتلوا شخصا بالرميلة يسمى حجاجا كان متولى الأحكام ببولاق أيام الفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال أنه أخوه. وفيه أيضا أشخاصا بالازبكية وجهات مصر. وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتامل في الأسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم في ارزاقهم ثم توجه إلى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر إلى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه دبخوله إليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارا وذكر له أنه إنما قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الأزمان وأما العسكر فلم يمتثلوا ذلك الأمر إلا أياما قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات ومرافعات عند العظماء. وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة وعلى يده شال شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابا لحضرة الوزير ومعه خنجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخوله بلبيس. وفيه نودى بتزيين الأسواق من العد تعظيما ليوم المولد النبوي الشريف فلما أصبح يوم الأربعاء كررت المناداة والأمر بالكنس والرش فحصل الأعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار إليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءة قرآن وضجت الصغار في الأسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك إلا بجهة الأزبكية حيث سكن الشيخ البكري لأن عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط. وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان أغا وكيل دار السعادة وصحبته عدة هجانة إلى ناحية الشام لاحضار المحمل الشريف وحريمات الأمراء إلى مصر. وفيه افتتحوا ديوان مزاد الأعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار ولله الأمر من قبل ومن بعد. وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم ذكره إلى بيت القاضي وأحضرو الشيخ خليلا البكري وادعى عليه أنه قهره في أخذ المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وأنه أن أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما النزاع وآل الأمر بينهما إلى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له عل ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع للشيخ دراهمه ولجلابة باقي الثمن وتجرع فراقه. وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر إلى الجامع الأزهر وصلى به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 الجمعة وخلع علي الخطيب فرجيه صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك أن الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنا لما يصنعونه فبقى ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هووجانب كبريت في انخاخ أيضا فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونا من ظروف البارود ليأخذ منه شيئا ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتعل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام. وفي يوم الأحد خامس عشره اشيع بأنه كتب فرمان على النصارى أنهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الأزرق والاسود فقط فبمجرد الإشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الأحمر ويتركوا له الطاقية والشد الأزرق وليس القصد من أولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب وأخذ الثياب ثم أن النصارى صرخوا إلى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وأن كل فريق يمشي على طريقته المعتادة. وفي يوم لاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة اكياس سلفة من عشور البهار والزمهم باحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزرو وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا إلى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسير. وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الإبراهيمي وجعلوه واليا عوضا عن علي آغا الشعراوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها إلى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة. وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه الوزير قاضي العسكر بمصر نائبا عمن يؤل إليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل منه تعنت في الأحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد أن يفتح بابا في الأملاك والعقار ويقول: إنها صارت كلها ملكا للسلطان لأن مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكا للسلطان فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانيا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات وفتاوي وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه إلى الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي أفندي نقيب الأشراف بحلب سابقا ونقل المعزول متاعه من المحكمة فكانت مدة ولايته خمسة عشر يوما. وفي ذلك اليوم أيضا خلع الوزير على الأمير محمد بك الألفي فروة سمور وقلده امارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه إلى ناحية الآثار وأسكن داره بالازبكية رئيس أفندي. وفي يوم الجمعة حضر الوزير إلى جامع المؤيد وصلى به الجمعة. وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب أخيه إبراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب إلى المحلة وتوفي بها فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانا إلى المحلة بضبط ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا ببيت المذكور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا إلى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت: إني تبت من ذلك فقالوا لوالدها: ما تقول أنت فقال: أقول إني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان ثم اقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر وهو إسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أياما فاستاذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم أيضا ومعهاجاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا أيضا امرأتين من اشباههن. وفي يوم الأربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا أبي مرق إلى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيا مكتوفا مسحوبا مضروبا من قليوب إلى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس قام بدفعها وأطلق قيل أن السبب في ذلك أن جماعة من اتباع محمد باشا ذهبوا إلى قليوب وطلبوا تبنا فطردهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنه وتركوه وأن عاند سبوه وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل: إن ذلك باغراء ابن المحروقي لضغين بينه وبينهم قديم. وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف كيس. وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودى على الينكجرية ومنعوا من التعدى إلى بر الجيزة. وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في أصناف المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من لخابز الخبز من غير ثمن وكذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 يشربون القهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الأصناف ويبيعونها بأغلى الاثمان ولا يسرى عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالاذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج ليسكنوها فإن لاطفهم الساكن واعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وأن عاند سبوه وضربوه ولو عظيما وأن شكا إلى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له إلا تفسحون لاخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وانقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أياما قليلة فما يسع المسكين إلا أن يكلفهم بما قدر عليه وأن أسعفته العناية وانصرفوا عنه باي وجه فيأتي إليه خلافهم وأن سكنوا دارا أخربوها وأما الفلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فإنهم كلفوهم اضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوى والشكاوى على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي إلا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه وإذا تداعي شخص على شخص أو أمرأة مع زوجها ذهب معهم اتباع القلق إلى المحكمة أن كانت الدعوى شرعية فإذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصولة ويأخذ مثله اتباع القلق على قدر تحمل الدعوى. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة 1216. فيه افرج عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم التعرض لتعلقاته بالمحلة. وفي يوم الأربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا إبراهيم بك فقال الأمر عام لنا ولكم أولكم فقط فقالوا: لا ندرى فسأل إبراهيم بك الوزير المشار إليه فقال له: بل ذلك عام فلما كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والأمراء المصرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 زيهم من القواويق المختلفة الأشكال على عادتهم القديمة حسب الأمر بذلك وكذلك الأمراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر إليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم واثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلا عن كونه يقتني حصانا وشنشارا وخدما ولوازم لا بد منها ولا غنى للمظهر عنها. وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا إلى مصر. وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث عشرة واربع عشرة فأعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن اين يدفعون البواقي. وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في الينكجرية وغيرهم بالسفر. وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة السيد إسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت إلى البلاد الشرقية والمنوفية والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والأعتذار عنهم بأن الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية صيانة اعراضهم وأموالهم. وفي يوم الجمعة أحضروا رمة زوجة إبراهيم بك عملوا لها قبرا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الأزهر ودفنوها به. وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة أحمد بك حسن أجد الأمراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه إلى عرب الهنادي الذين يحملون الميرة إلى الفرنسيس المحصورين بأسكندرية وضم إليه عدة من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع إلى مخيمه ومات من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية. وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك إلى الخزينة بأوراق مختومة من إبراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع أن الفرنساوية لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الأموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الأمور يقبضون سنة معجلة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان يقبض أثلاثا مع المراعاة في ري الاراضي وعدمه فاختاروا والأصلح في أسباب العمار وقالوا ليس من الانصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة واهملوا وتركوا سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالاموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست الفلاحون وراج حالهم وتراجعت ارواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق المعينين ونحو ذلك. وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان. وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل أبي قير. وفي يوم الأحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فإنه لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا له مرتبا في كل يوم يأخذه من الأموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه أيضا بأربعة آلاف قرش كان اعطاها له نزله امين عند حضورهم في العام الماضي لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه واعطوه ورقة بوصول ذلك إليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي معتقلا وادعوا عليه أيضا بتركة الاغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر أيضا أن الفرنسيس أخذوا منه ذلك أيضا واعطوه سندا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوسا. وفي يوم الإثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الأمر كثر بينهم وبين أهل البلد وأكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن وتوسطن لهن اشباهن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور الغالية وانزولهن المناصب العالية وفي ذلك اليوم أيضا نودي على أهل الذمة بالأمن والأمان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات. وفيه قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسا. وفيه قبض محمد باشا أبو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم. وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة إلى جهة الأسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الأسكندرانية من يوم الإثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم ونزولهم عدة أيام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الإسلامية بالسفر. وفي يوم الخميس نقضت الأوامر بتصرف الملتزمين في البلاد وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول إلى البلاد لقبض الأموال في غير أوانها لطرف الدولة. وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الأمراء الكبار القواويق على رؤوسهم. وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 ألف ريال ولم يزل معتقلا وقيل: إنه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقات ضمنهما ذهب نقدعين ومصطفى هذا كان كلارجيا عند قائد أغا حين كان بمصر فلما خرج الأمراء مقدما عند بونابارته ثم عند كلهبر فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولي أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر اعوانه بإحضار أفراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بأحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى امهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده إلى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب إلى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك. وفي يوم الأحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر الإسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس التي جهة العجمي وباب رشيد وجانبا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت إلى المينة وأن الفرنساوية انحصروا داخل الأبراج وأخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرا وقتل منهم عدة وافرة ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ور الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر الناس بذلك. وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح إلى بلبيس وصحبته المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهدبه. وفي يوم الإثنين وصل سليمان أغا إلى بركة الحاج وصحبته المحمل ونساء الأمراء القادمين من الشام ومعه أيضا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاى جاويش بزيه المعتاد وخلفه القابجية وهم ينادون يارن الاى فلما أصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الالاى ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الأعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والأسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم الوجاقلية والأوده باشية وأكثر الأمراء والمشايخ والعلماء ونقيب الأشراف ونبه على جميع الأشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عدداكثيرا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهرا وأمروه بالمشي وأن أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من المسلمين وكذلك تجمع أرباب الإشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى وصلوا إلى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا ابومرق من سليمان أغا الذي وصل به ولكونه عوضا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم صعدوا به إلى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة. وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد ادخال المحمل منه لضيق باب الأستثنا الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة اعدت له بقرافة المجاورين والعجب أن الناس من القديم يتمنون أن يقبروا بالأرض المقدسة لكونها عش الانبياء والصديقين وهؤلاء الثلاثة بالعكس فما هو إلا لتطهيرها منهم. وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة اسرى وانحصروا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 الأبراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه. وفيه الزموا حسن أغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس فأرسل إلى حريمه واتباعه فانتقلوا إلى مكان آخر. وفيه ورد الخبر أيضا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف أفندي. وفي سادس عشرينه قدم محمد أفندي المعروف بشريف أفندي الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف أفندي بدرب الجماميز وسكن الكتخدا بمنزل حسن أغا المحتسب سابقا بسويقة اللالا. وفي غايته عمل شنك ومدافع كثير وذلك لوصول خبر بتسليم الأسكندرية وسبب تأخرهم إلى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الأمر بالانتقال من بونابارته وذلك أنه لما وقع الصلح المتقدم أرسل سارى عسكر منو تطريدة إلى فرانسا بالخبر إلى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الأمر بالانتقال والحضور فعند ذلك نزلوا متاعهم إلى المراكب وسافروا إلى بلادهم. شهر جمادى الأولى استهل بيوم الخميس سنة 1216. فيه قرئت فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الاقباط والوصية بهم مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الأموال الميرية. وفيه أنفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي أفندي عن القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله أفندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم إلى المحكمة. وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن أغا المحتسب بشفاعة عثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 كتخدا وحسن أغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه إلى دار بجوار داره. وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال إلى ملتزميهم ومطالبتهم اياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك فأخبروه فأمر بكتابة فرمان بالاطلاق والاذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الأمر إلى الدفتردار فكتب عليه ثم إلى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا إلى دفتردار الدولة فتوقف وبقى الأمر زجاجا أياما وذلك أن القوم يريدون أمورا مبطونة في نفوسهم واطماعا مركوزة في طباعهم. وفي يوم الإثنين نودي بالزينة ثلاثة أيام أولها الأربعاء وآخرها الجمعة تاسعه سرورا بتسليم الأسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات بالأسواق والمغاني للفرجة ليلا ونهارا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير. وفيه حضر نحو ستة انفار من أعيان الانكليز وصحبتهم جماعة من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا إلى المشهد الحسيني وغيره بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا. وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على شركة بينهما فتأخر علي الزرو أجد وعشرون كيسا فألزمه باحضارها وحبسه بسجن قواس باشا وأمره بالتضييق عليه ولما أصبح يوم السبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة أيام وانتظروا الاذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في اختلاف وحل وربط ثم اذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالأسواق فمن وجدوه نائما نبهوه بإزعاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وفي يوم الإثنين ثاني عشره ووقع من طوائف العسكر عربدة بالأسواق وتخطفوا امتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فأنزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت واخلوا منها وأغلقوها فحضر إليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا وراق الحال وتبين أن السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من عادتهم القبيحة أنه إذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم. وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعةعوضا عنه واشيع عزل محمد باشا أبي مرق وسفره إلى بلاده وحضر السفار أيضا من جهة رشيد واسكندرية واخبروا بأن الفرنساوية لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الأبراج وأن القبطان ومن معه لم يدخلوها وإنما يدخلها معهم الانكليزية وأنهم ينتظرون إلى الآن الجواب والاذن من شيختهم وما أشيع قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الاخرى التي سافرت من مصر فإنهم نزلوا وسافروا على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم. وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وإبراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه. وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصا يسمى مصطفى الصيرفي من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك أنه كان يتداخل في نصارى القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر بأمور نقمت عليه وأضر أشخاصا وأغرى به فحبس أياما ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميا ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية والضيية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبى من أرباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 الحوانيت دراهم ما بين خمسة انصاف فضة وعشرة وعند شيله جبي القلقات أيضا ما يزيد على المائة قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة. وفيه هرب السيد أحمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعد ما أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وأرسلها صحبة هجانة إلى جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه إلا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل الصيرفي المذكور. وفي يوم الخميس تاسع عشرنيه عقد إبراهيم بك الكبير عقد ابنته عديلة هانم التي كانت تحت إبراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق بواقعة الفرنسيس بانبابة على الأمير سليمان كاشف مملوك زوجها الأول على صداق ألفين ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الأعيان. وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضا بسوق السلاح وهو من ناحية المنصورة وجبي المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثها التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك الرزق الاحباسية والأوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الأوقاف المصرية السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة وبث المعينين لاحضار النظار بين يديه وحسابهم على الايراد والمصرف واظهر أنه يريد بذلك تعمير المساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت إليه الاغوات وطلب كل من كان له أدنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الأمر وظهر أن المراد من ذلك ليس إلا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الإمكان بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 التعنت في التحرير والتعلل بأثبات المدعي في الايراد والمصرف خصوصا إذا كان الشخص ضعيفا وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية ثم يحررون دفترا ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه ايراد ثلاث سنوات أو أربعة ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين أن شاء عمر وأن شاء آخر فإن انتهت إليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت إليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة. ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام الماضي أيضا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فإن الفرنساوية لما غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادوا فوق العامود قطعة رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم باربعة وعشرين قيراطا وركبوا عليها الخشبة فسترها الماء أيضا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصا الخوف من اذى العسكر وانحراف طباعهم وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الأشجار وتلف المقاصف التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور. ومنها أن محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده وحشة من قبطان باشا فحضر إلى ناحية الاهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير به فذهب إليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع إلى جهة القبطان فأقام أياما ثم رجع إلى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل بها أحمد بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 الحسيني قيل أن ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان وأحضرت العرب مراسلته إليهم بذلك فانحرف عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم أرسل إليه الأمراء والقبطان أمانا فرجع بعد أيام. ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبا من الألفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر أيضا الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم وطلب متروكات الأموات وأحضر ورثتهم وأولاده وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطي شيئا من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين فحضورا فصالحوا على تركة سليم كاشف باثنين وعشرين ألف ريال بعد أن ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان ثم حضروا إلى مصر وأمثال ذلك. ومنها كثرة تعدى العسكر بالاذية للعامة وأرباب الحرف فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه وأن أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش بالدراهم الفضة قهرا أو يلاقشون النساء في مجامع الأسواق من غير احتشام ولا حياء وإذا صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح فتذهب الجماعة منهم إلى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية ويوهمونهم أنهم حضروا إليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون حق طريقهم مبلغا عظيما ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون الأغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون وحضر أكثرهم إلى المدينة حتى امتلأت الطرق والازقة منهم أو يركب العسكري حمار المكارى قهرا ويخرج به إلى جهة الخلاء فيقتل المكارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير وإذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم أو شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصا الفلاحين أحكام الفرنساوية. ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر اصناف المأكولات والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الأسعار ولا يسرى عليهم حكم المحتسب ولا غيره وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة معلوم أربع سنوات وتركهم وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوى فعلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين خصوصا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الاردب الجبس إلى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخصية وكذلك باقي الحبوب بكثرتها مع أن الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الالتفات إلى الأحكام والتسعيرات. واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1216. فيه تفكك الجسر الكبير المنصوب من الروضة إلى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه وتفرقت سفنه وانحدرت إلى بحري. وفي ليلة الأحد ثانية حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل. وفي يوم الإثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف بالطاراتي بين المفارق بباب الشعريةوذلك بعد حبسه أياما عديدة وضربه وعقابه حتى تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة أيام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارا نافذة وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 بنفوذها وأوهم أنه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الأخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا إلى الدار فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علما منه فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في أيام الفردة فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرميا تحت الارجل وسط الطريق وكثرة الإزدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة. وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا لموكبه على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والأجناد بالتهيء للموكب. وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أميراخور كبير ومرجان أغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه إلى الوجاقلية والأمراء والمشايخ ومحمد باشا وإبراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل صحبتهما إلى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه واخرج منه ورقة صغيرة فسلمها لرئيس أفندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على اقدامهم مضمونها الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والأمراء والعساكر والمجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم واخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الافندية بكلمات معتادة ودعوا للسلطان والوزير والعساكر الإسلامية وتقدم إبراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي الأمراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 من القلعة في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الأمراء والبلات فراوى وخلعا وشلنجات ذهب على رؤوسهم. وفيه حضرت اطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون اغات الجبجية وهو إنسان لا بأس به. وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل إلى بولاق وهو صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر بموكبه إلى المحكمة وذهب إليه الأعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم. وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر عنده الأمراء فقبض على إبراهيم بك الكبير وباقي الأمراء الصناجق وحبسهم وأرسل طاهر باشا بطائفة من العسكر الارنؤد إلى محمد بك الألفي بالصعيد وكان اشيع هروبه إلى جهات الواحات وذهبت طائفة إلى سليم بك أبي دياب وكان مقيما بالمنيل فلما أخذ الخبر طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر إليه فلم يجدوه فنهبوا القرية وأخذوا جماله وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينا وذهبت إليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح ثم هرب إلى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة العسكر والارنؤد بالاخطاط والجهات وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك والأجناد ونودي في ذلك اليوم بالأمن والأمان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير مرزوق بك ورضوان كتخدا إبراهيم بك وسليمان أغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت العسكر بالامراء المعتقلين واختفى باقيهم ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم أن العثملي يرجع إلى بلاده ويترك لهم مصر ويعودون إلى حالتهم الأولى يتصرفون في الاقاليم كيفما شاؤا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 فاستمروا في الحبس ثم تبين أن سليم بك أبا دياب ذهب إلى عند الانكليز والتجأ إليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ ليسافر إلى اسلامبول في عرض الدولة. وفي يوم الإثنين سابع عشره سافر إسمعيل أفندي شقبون كاتب حوالة إلى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر. وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان يوم الأربعاء حضر واحد أفندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الأعيان والمشايخ والأشاير وعثمان كتخدا المنوه بذكره لامارة الحج وجمع الجاويشية والعساكر القاضي ونقيب الأشراف وأعيان الفقهاء وذهبوا إلى بولاق وأحضورها وهم امامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح الناس بذلك وكان يوما مشهودا وأخبر من حضر أنه عند ماوصل الخبر بفتح مصر أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوما وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلا وكان الريح مخالفا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا إلى اسكندرية في أجد عشر يوما. وفيه وردت الأخبار بأن حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب الفخاخ للامراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله فكانوا لا يأتون إليه إلا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم إلى أن كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له ازج عنيرلي فلما طلعوا إلى الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل: إنه كان بصحبتهم فحضر إليه رسول وأخبره أنه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 المراسلة فما هو إلا أن حضر إليهم بعض الأمراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم إلى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله فما وسع البقية إلا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضا عن أحمد بك الحسيني وإبراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية مجروحين إلى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الأمر فاغتاظ الانكليز وانحازوا إلى اسكندرية وطرودا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الأبراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالسا في صيوانه فحضر إليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيرا وصمم على أخذ بقية الأمراء المسجونين فاطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضا المقتولين ونقل عرضى الأمراء من محطتهم إلى جهة الأسكندرية وعملوا مشهد للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موتي عظمائهم ووصل الخبر إلى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الأمراء ففعلو كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض مدافع ليلا وشرعوا في ترتيب آلة الحرب. وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت طرا إلى القلعة وصعد معه جملةمن العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤا الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون إلى القلعة مدافع وبارود أو آلات حرب. وفي يوم الإثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي بالجيزة فالبسه الوزير فروة وشلنجا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وفي ذلك اليوم خلع الوزير على عثمان أغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على امارة الحج. وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات انكشارية وسكنت الفتنة بين الفريقين. وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيه فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط ميتا عند الأشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فاغلقت الناس الحوانيت وهرب قلق الأشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من وقت الظهر إلى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا محترسين من بعضهم فحضر آغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير من عقلاء الانكشارية وأقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكبين والشوائين حيث سكن المغاربة واستمر السوق مغلقا ذلك اليوم ورجعت القلقات إلى مراكزها وبردت القضية وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح. وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الأدوات إلى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع أنهم حربوا أكثرها. ومنها زيادة تعدى العسكر على السوقة والمحترفين والنساء وأخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة. ومنها استمرار مكث النيل على الأرض وعدم هبوطه حتى دخل شهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الارياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم إلى بلادهم. ومنها أن الوزير أمر المصرلية بتغيير زيهم وأن يلبسوا زي العثمانية فلبس أرباب الاقلام والأفندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات وضيقوا اكمامهم ولبس مصطفى أغا وكيل دار السعادة سابقا وسليمان أغا تابع صالح أغا وخلافهما. واستهل شهر رجب الفرد سنة 1216. سافر سليمان أغا تابع صالح أغا إلى اسلامبول. وفيه أمر الوزير الأمراء المحبوسين بأن يكتبوا كتابا إلى الانكليز بأنهم اتباع السلطان وتحت طاعته وأمره أن شاء أبقاهم في أمارتهم وأن شاء قلدهم مناصب في ولايات أخرى وأن شاء طلبهم يذهبون إليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام في معنى ذلك فأرسلوا يقولون أن هذا الكلام لا عبرة به فإنهم مسجونون وتحت امركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فإن كان ولا بد فأرسلوهم إلينا لتخاطبهم ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الإثنين تاسعه أحضر الوزير إبراهيم بك والأمراء وأعلمهم أن قصده إرسالهم إلى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم أنهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي ارسلوها عن طيب قلب امنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر إبراهيم بك القنع عن الذهاب وأنه لا غرض له في الذهاب إلى مخالفين الدين فجزم عليه ووعده خيرا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا إلى الجيزة وذهبوا إلى عند الانجليز فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون إليهم ويلقحون بهم فأقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل إليهم يدعوهم إلى الرجوع حكم عهدهم فامتنع إبراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 من الوزير وخبانته له. وفي يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل إليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع إلى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون أنهم ليسوا مخالفين ولا عاصين وأنهم مطيعون لأمر الدولة وإنما تاخرهم بسبب خوفهم وخصوصا ما وقع لاخوانهم باسكندرية وأنهم لم يذهبوا إلى عند الانجليز لعلمهم أنهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على أعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا إلى الطاعة ونحو ذلك من الكلام. وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج إليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الارنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس. وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل أبي قير إلى الديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فإنه لم يزل مقيما بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالازبكية. واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1216. فيه حضر يوسف أفندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الأشراف فبات ببولاق وأرسل ناسا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أجد ثم أن بعض الناس أحضر إليه فرسا فركبه في ثاني يوم وحضر إلى مصر وأشاع أنه متولى نقابة الأشراف ومشيخة المدارس الحبانية وخبر ذلك الإنسان أنه كان يبيع الخردة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الأتراك الذي يتعاطون الوعظ والاقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الاروام بالأزهر فاشتاقت نفسه للمشيخة عل الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورا واختلاسات من الوقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا السيد حسين أفندي المولى الآن فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور واضمر له في نفسه المكروه فدعاه يوما إلى داره ودس له سما في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف أفندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره. ثم أنه سافر إلى اسلامبول وأقام هناك مدة إقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فاعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه أهل لذلك بقوله لهم أنه كان شيخا على الأزهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الأشراف وقالوا لا يكون هذا حاكما ولا نقيبا علينا أبدا تنوقل خبره وظهر حاله لاكابر الدولة وحضرة الصدر الأعظم فلم يصغوا إليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم إذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون إلى خلافه. من الحوادث. أنه تقيد بأبواب القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيأ سواء كان داخلا أو خارجا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الارياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الأسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري إلا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك أن الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الاقباط بأن كثيرا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الاحلام مما لا طائل تحته من الكلام إلى أن زاد التشكي وأنهى الأمر إلى الوزير فأمر بأبطال ذلك وانجلت تلك الغمة. وفيه أيضا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الأمر برفعه عنهم. وفيه قبضوا على رجل من المفسدين باقليم الموفية يقال له راضي النجار وأحضروه إلى مصر وقطعت رأسه بالرميلة. وفي خمسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه إلى العادلية قاصدا السفر إلى جدة. وفي يوم الأربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى الاروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم احدهم بالدرب الاحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة. وفي يوم الخميس عاشره أيضا قطعوا رأس على جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول أن الأمر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا إليهم بكل ما وصلت إليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مديدة إلى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 وركب الخيول واتخذ له خدما وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيأ كثيرا جدا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب إليه وتملق له وربط في رقبته منديلا فاهمل أمره إلى هذاالوقت حتى اطمأن خاطره ثم إنه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته إلى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها. شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الأربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبا فركب كتخداه بدلا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب إلى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودى بالصوم من الغد. وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر إلى البلاد الشامية فبرز خيامه إلى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضا وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الأعلى. وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور. وفي خامسه انتقل رئيس أفندي من بيت الألفي وسكن في بيت إسمعيل بك وشرعوا في تعميره واصلاحه لسكن والي مصر. وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر إلى شلقان. وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحا ومساء فقيل أنه حضر ستة قناصل إلى الجيزة. وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون إلى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعا ورجعوا إلى أماكنهم في الجيزة وفي ذلك اليوم وصل محمد باشا والي مصر إلى جهة بولاق ونصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 وطافه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل إلى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل إلى المدينه من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تادبا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه إلى بيت الوزير وأفطر معه. وفي تلك الليلة عزل خليل أفندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن أفندي باش محاسب وسببه أن الوزير طلب خلعا ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فخنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول أن الخازندار قال حتى استاذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما. وفيه انتقل الأمراء المصرلية المرادية من الجيزة إلى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم إلى دورهم بمصر واستمر إبراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك أبو سيف بالجيزة ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق إبراهيم بك وباقي الجماعة بالآخرين وخرج إليهم طلبهم ومتاعهم وأغراضهم فلما كان ليلة الإثنين تاسع عشره ركبوا ليلا باجمعهم إلى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا آغات المتفرقة وآخرون. وفي عشرينه نودي بالأمان على المماليك واتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم. وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن أغا وألبسه على جرحا. وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد أغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف أغا امين الضربخانة سابقا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 وفي ليلة الأربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف أفندي إلى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان اهمل أمره. وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول إلى بولاق ليسافر إلى جهة الصعيد. شهر شوال سنة 1216. استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير إلى قبة النصر ونودى بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الإثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الإثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة إلى قبة النصر وتتابع خروج الاثقال والأحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ثلاثة ارطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفا فرمى له عشرين نصفا فصرح الرجل وقال اعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حوانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلا ونهارا ولولا ذلك لحصل من العسكر ما لا خير فيه. وفيه كتبت فرمانات والصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا أجد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته إلى الباشا وكل إنسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أجد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أجد يخفي عنده أجد من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وأن القهاوى المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح إلا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها إلا الكفرة سرا وأمثال ذلك فانبرت القلوب بتلك الفرمانات واسشتبشروا بالعدل. وفيه خرجت عساكر وسافرت إلى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الأمراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من أتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة أو جندي أو مملوك فله مائة. وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي إلى الخانكة وعند ركوبه حضر إليه السيد عمر أفندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صررا وقرؤا له الفاتحة وركب وخرج أيضا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا إلى الخانكة أيضا وودعوه ورجعوا. وفي يوم الإثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد أغا الوالي وسليم أغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة انصاف بعد أن كانوا يبيعونه باحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا. وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي اغا الشعراوي الزعامة عوضا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا امين احتساب عوضا عن سليم آغا أرنؤد المقتول أيضا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية انصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وأن لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلى بمائة وثمانين نصفا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة واربعين والزبد العشرة بمائة وستين بعد أن كانت بمائتين واربعين وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبن الذي بخيره بثلاثة انصاف بعد عشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الاشياء العطرية والاقمشة العشرة أجد عشر والراوية الماء بعشرة انصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بأن الرطل في الاوزان مطلقا يكون قباني اثني عشر وقية وابطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الأدهان والاجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الاوامر بعد ذلك سوى نقص الارطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والماكولات حتى فرغ الخبز من الافران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم وأكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي في الأزقة والأسواق حتى أخافوا الناس وانكف العسكر عن الاذية ولزموا الأدب ومشى كل واحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهم في الأسواق لقضاء أشغالهم فلم يتعرض لهم أجد من العسكر كما كانوا يفعلون. وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس. وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل أفندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار إلى الدار التي كان بها الأول وهي دار البارودي بباب الخرق. وفي يوم الإثنين تاسع عشره كان موكب أمير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم إلى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف أفندي الدفتردار. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال أنهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه إلى الحج. وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانا وأرسل الجاويشية إلى جميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعا سنية زيادة على العادة أكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والأفندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب التي بها تلك الخلع. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل أمير الحاج بالركب من الحصوة إلى البركة. وفيه ركب حضرة محمد باشا إلى الإمام الشافعي فزاره وانعم على الخدمة بستين ألف فضة والبسهم خلعا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه إلى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الإمام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوى وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية. وفيه أمر المشار إليه بنصب عدة مشانق عند ابواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة أناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع اوالمأكولات وحصل الأمن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والأغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والارياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الأسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الأصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أمره يظنه الظمآن ماء. شهر القعدة سنة 1216. استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس. وفي ثانيه حضر السيد أحمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 ريال فأمر الباشا بسجنهم. وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد أحمد المذكور إلى بيت الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده وأخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب في ذلك بعضهم أوشى إلى الباشا أنه كان بحب الفرنسيس ويميل إليهم ويسالمهم وعند خروجهم هرب إلى الطور خوفا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير. وفي يوم الجمعة حضر المشار إليه إلى الجامع الأزهر بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطسب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس في ذهابه وايابه وتقيد قبي كتخداه وأسمعيل أفندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة والمجاورين بالاروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس. وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا حضرة المشار إليه فحضر في يوم الأحد ثانيه وحضر أيضا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة اكياس رومية والبسه فروة سمور وفرق على الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهيم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف أفندي كل واحد منهم كيسا وانصرفوا. وفي يوم الأربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع اغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الأزبكية قبالة بيت الباشا لأمور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه. وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك أبو سيف على فراشه. وفي منتصفه وردت الأخبار من الجهة البحرية بضياع نحو الخمسين مركبا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة بكرنتينة الانكليز فلما اذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 بالله العلي العظيم. وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل البكري وعزله عن وظيفته وسال رايهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال أن الشيخ خليلا لا يصلح لسجادة الصديق واريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل اعطيه اقطاعا لنفقته والقصد أن تروا رايكم فيمن يصلح لذلك ومن يستحق فطلبوا المهلة إلى غد وانحط الرأي بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم الثاني أخبروه بذلك وأنه يستحقها إلا أنه فقير فقال أن الفقر ليس بعيب فأحضروه وألبسه فروة سمور واركبه فرسا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع أيضا فروة سمور عليه. وفي يوم الإثنين رابع عشرينه توفي إلى رحمة الله الشيخ مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالما نجيبا وشاعرا لبيبا وقد ناهز الستين. وفيه جهزت عدة من العسكر إلى قبلي. وفيه نودي بأن خراج الفدان مائة وعشرون نصفا وكذلك نودي برفع عوائد القاضي والأفندي التي كانت تؤخذ على اثبات الجامكية والجراية والرفق بعوائد تقاسيط الالتزام والاقطاع وكتبوا بذلك أوراقا وألصقت بالأسواق وفي آخرها لا ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فإن الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه أربعة آلاف نصف فضة وأما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد على ذلك إهمال الأوراق ببيت الباشا لأجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسام صاحبها وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدم والاتباع ورفع التفتيش والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج إلى استئناف العمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 شهر ذي الحجة الحرام سنة 1216. استهل بيوم الأحد في رابعه حضر خمسة أشخاص من الكشاف القبالي من اتباع إبراهيم بك الوالي إلى مصر بامان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعا. وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع لطاعون وورود الأخبار بكثرته في جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير. وفي يوم الإثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للاضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت الناس وافراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرا كثيرا حتى توحلت الأزقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلا واظهار الفرح والسرور واظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الأوقات الخمسة ونودي أيضا بالمواظبة على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وأن يسقوا العطاش من الأسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة وتشهيل الخزينة. وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الأشراف للسيد عمر وعزل يوسف أفندي فلما كان في صبحها يوم الأحد ركب السيد عمر المذكور وتوجه إلى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر إلى عند الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف أفندي المعزول شهرين ونصفا. وفي يوم الأربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد أمير الأسكندرية إلى بولاق قاصدا السفر إلى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا عدة مدافع من بولاق وبرانبابة ونودي في ذلك اليوم بأن لا أجد يواري أحدا من الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وفي خامس عشرينه قبضوا على امراة سرقت امتعة من حمام وشنقوها عند باب زويله وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي من جملتها أن شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الاحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل وأكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به إلى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى أنه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال إلى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالاقليم الذي فيه الارصاد بموجب الاذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به إلى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الأولى فيذهب به إلى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل إليه ذلك فإن سهلت عليه الدنيا ودفع له ما أرضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركي لثبوت ذلك وإلا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفة بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص إلا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان أما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فإن ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندا جديدا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الأول وما بيده من الوقفيات والحجج والأفراجات القديمة ولو كانت عن اسلافه ثم يرجع كذلك إلى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الأعلام فيذهب به إلى الأعلامجي فيكتب له عبارة أيضا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم أيضا وبعد ذلك يرجع إلى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال الذي يقال له مال الحماية ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 يذهب بها إلى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق اهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فإذا تمت علامتها دفع أيضا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها إلى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندا جديدا ويطالب بمصروفه أيضا وهو شيء له صورة أيضا فلا يجد بدا من دفعه ولا يزال كذلك يغدو ويروح مدة أيام حتى يتم له المراد. ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالانبار وذلك أن من جملة الأسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم وايرادهم في السابق هذان الشيآن وهما الجامكية والغلال التي يقال لها: الجرايات رتبها الملوك السالفة من الأموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين بالقلاع الكائنة حوالي الإقليم ومنها ما هو للايتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم وكانت من ارواج الإيراد لأهل مصر وخصوصا أهل الطبقة الذين ليس لهم اقطاع ولا زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير أولاد البلد والارامل ونحوهم وثبت وتقرر ايرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من أول القرن العاشر إلى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر في الأذهان عدم اختلالها أصلا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء كما في العقار واوقفوها وأرصدوها ورتبوها عل جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبين أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الأحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الأموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر أربابها ولم تزل في الانحطاط والتسفل حتى بيع الأصل والايراد بالغين الفاحش جدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها ولم يزل حالها في اضطراب إلى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف أفندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة واظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الإذن على الأوراق كعادته وذهب بها أربابها إلى ديوان الكتبة وكبيرهم ويسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال: إن العثماني اسم لواحد الاقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له أن الاقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضى الناس بذل لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الأمر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في اكثرها عند فراغها على عدم تغيير الأسماء التي رقمت بها وخصوصا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الأصل بما فيه من الأسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند أولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لاغراضهم بعد رفع الثلث الأصل وثلث الايراد وضاعت على أربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدراهم عن كل اردب خمسون نصفا غلا أو رخص وزادوا في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو أكثر وعلى كل اردب قرشا روميا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس حيلة ما دفعوه حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطا على الجمع والشهور ورضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامة واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدرا ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الاخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم أن الذي اخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف أفندي الدفترادر في أثرها ووصل خليل أفندي الرجائي واضطربت الأحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي. من مات في هذه السنة 1216. مات الشيخ العمدة الإمام خاتمة العلماء الأعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الافهام ومن افتخر به عصره على الأعصار وصاح بلبل فصاحته في الأمصار يتيمة الدهر وشامة وجه أهل العصر العالم المحقق والتحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الأقران الناظم الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوى نسبة إلى بلدة بشرقية بلبيس سمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها إلى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به إلى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم إلى الجامع الأزهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجب وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له الفضلاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارا إليه في الأفراد والجمع مهذب الاخلاق جميل الأعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الأجل نواره واطفأت رياح المنية أنواره. ومات الأمير عثمان بك الأسقر الإبراهيمي وهو من مماليك إبراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه واعتقه وجعله خازنداره مدة ثم قلده الإمارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالاشقر اشقرته ولما انتقل اسناده إلى بيت سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 الجماميز وصار له مماليك واتباع وانتظم في عداد الأمراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع أميرا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب إلى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق بأستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع أستاذه والأمراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع مافيه من الشح. ومات الأمير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي المرادي وهو من مماليك مراد بك اشتراه ورباه ورقاه وقلده الأمارة والصنجقية في سنة 1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وخرج مع سيده وباقي الأمراء من مصر على الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت وعبد الرحمن بك الإبراهيمي إلى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا إلى الروم أخذهم صحبته باغراء إسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم إلى ليميا فاستمروا بها ومات بها حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت إسمعيل بك واتباعهما إلى مصر فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت مراد بك في آخريات أيامهم فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضا عن سيده باشارة خشداشه محمد بك الألفي وانتقل بعشيرته إلى الجهة البحرية وانضموا إلى عرضي الوزير ووصلوا إلى مصر فكان هو وإبراهيم بك الألفي ثاني اثنين يركبان معا وينزلان معا ولم يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرا امتثالا للامر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية وكان أمير لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعا بسماع الآلات وضرب الطنبور. ومات الأمير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وانتمى إلى سليمان بك الآغا واستمر ملازما له ومنسوبا إليه مدة أعوام وكان يعرف بمراد كاشف وله ايراد واسع ومماليك ثم تقلد الأمارة والصنجقية في 1206 فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الأشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية. ومات الأمير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت إلى اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له اقطاع والتزام وايراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبني داره التي بالناصرية وانفق عليها أموالا جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرا مزخرفا برحبة متسعة وقسم تلك الأرض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي تصل إليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جمعية اشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والاشجار ومزارع المقاثىء والبرسيم والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في ارجائها ومساحاتها وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه إلى حوض اسفل منه وعنده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 مجلس ومساطب للجلوس وتجرى منه المياه إلى المجارى المخفقة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر إلى أحواض أسفل منها صغار وتجرى إلى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه اشجار تظله وبوسطه أيضا ساقية بفوهتين تجري منها المياه أيضا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنب والتكاعيب واباح للناس الدخول إليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والاس لمن يريد الحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمرة في أصل شجرة يقرؤها الداخلون إليها فأقبل الناس على الذهاب إليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخا يفرشها القهوجية للعامة وقللا واباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي إليه بقصد النزاهة من أعيان الأمراء والآكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي إليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول إليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضا على يسار السالك إلى طريق الخلاء بستانا آخر علىخلاف وضعها واخبرني المترجم أيضا من لفظه أنه انشأ بستانا بناحية قبلي اعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الأمارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت امرته وزادت شهرته وتقلد امارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالامراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا إلى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا إلى جزيرة الذهب وارتحلوا منها إلى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر إلى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله. ومات إبراهيم كتخدا السناري الأسود وأصله من برابرة نقلة وكان بوابا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل الشابوري وغيره بكتابة الرقي وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابا بيضاء ثم تعاشر مع بعضهم وركب فرسا وانتقل إلى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في اتباع مصطفى بك الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالامير المذكور وتعلم اللغة التركية فأستعمله في مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الأمراء فاراد مراد بك قتله فألتجا إلى حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ إلى مراد بك وعاشره وأحبه ولازمه في الغربة والاسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وايراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها أموالا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة والأمور الجسيمة وصار من أعظم الأعيان المشار إليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الأمور من غير مشورة الأمراء فكان يحل ما يعقده الأمراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الأمر والنهي وبيده مقاليد الاشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهى إليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتتخذ له اتباعا وخدما يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون لارباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الأكابر ويسعون إلى دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الأمر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر الفرنانساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا إلى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من استدعاهم إليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 سنة سبع عشرة ومائتين وألف ... محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية. استهل بيوم الإثنين فيه تواترت الأخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا ورفع الحروب فيما بينهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 وفيه ترادفت الأخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحيةنجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الأرض ويزعم أنه يدعو إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها إلى غير ذلك. وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة إلى الديار الرومية ونزل إلى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار أفندي ابن شريف أفندي دفتردار مصر. وفي هذه الأيام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي. وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد إلى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا كبيرا ببركة الأزبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه إلى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الأكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا. وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الأسكندرية ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الأربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكلز إلى الأزبكية وطلعوا إلى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا إلى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد. وفيه وردت الأخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الإثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه أيضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين إلى السويس والقصير وما يحتاجون إليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز إلى عند الباشا فدعوه إلى الحضور إلى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي إلى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم إليه فلقد أخبرني بعض خواصهم أن الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه إلى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الإقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك وإذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الأعتبارات والكرامة لدين الإسلام حيث سخر الطائفة الذين هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله. وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش. وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا أبي مرق وأنه احدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات أنه حفر قبور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 المسلمين والأشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم أيضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه الفعال أشياء كثيرة. وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من المصرلية وفيهم رأس على كاشف أبي دياب وتواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة المصرلية الألفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعا في بذلهم وأن عثمان بك حسن انفرد عنهم وأرسل يطلب أمانا ليحضر فأرسلوا له أمانا فحضر إلى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية. وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون إلى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين إلى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم إلى أماكنهم. وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان إلى الجيزة وتسلمها من الانكليز وأقام بها وسكن بالقصر. وفي خامس عشرينه وصل إلى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات وأوامر وحضر أيضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم إلى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب من بولاق إلى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع. وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالأخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 وفيه وصلت الأخبار بأن أحمد باشا أرسل عسكر إلى أبي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره. وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون إلى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا أيضا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب إذا خرج إلى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والإشارات بمرش واردبوش وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرا أيضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد. واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1217. في ثانيه وصل سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع أيضا. وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي والعلماء والأعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بأنه ناظر أوقاف الحرمين. وفي يوم الإثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة أشخاص من النصارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 المشاهير وهم ألطون أبو طاقية وإبراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقا وفي الحال أرسل الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في نقل ذلك إلى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون أبي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة أيام. وفيه تواترت الأخبار بأن بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وأنه انضم إلى طائفة الفرنسيس الأسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز إلى قلاع الأسكندرية واستمرت هذه الإشاعة مدة أيام ثم ظهر عدم صحة هذه الأخبار وأن ذلك من اختلافات الانكليز. وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالأمن والرخاء والراحة ذهابا وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الإثنين وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر. وفي صبحها دخل أمير الحج وصحبته المحمل. وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فأرسل إليه الباشا أعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب إلى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح بك غيطاء وخلافه من الأمراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الأمراء والكشاف في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 مساكن أزواجهم فكانوا يركبون في كل يوم إلى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته إلى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1217. فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الأسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال أولها صبح يوم الجمعة وآخرها الأحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك. وفي ليلة المولد حضر الباشا إلى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل. وفيه وصلت الأخبار بكثرة عربدة الأمراء القبالى وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا إلى غربي اسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور أهل الريف منهم وانضامهم إلى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الأسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بأن لا يدخلوا إلى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات إلى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 ويحجز الواحد منهم أو الإثنان المركب التي تحمل الألف اردب ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر أيضا وسارى عسكرهم طاهر باشا وأخذ في المراكب المشحونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل أن لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الأخبار عن الأمراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى إلى البر الغربي وتبعته العساكر. وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الأمراء القبالي ملخصها أن الأرض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن إلى ما كان منهم وأنهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فإنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها إلى جهة الحجاز أو تعينوا لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل بمقتضى ذلك فإن لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا رقابنا وورد الخبر عنهم أنهم رجعوا القهقرى إلى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الأمان لما عدا إبراهيم بك والألفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا إلى الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الأمان والاذن بالحضور إلى مصر ولهم الأعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فإنهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه أول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيما بالبر الغربي. وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا لطيفا مزينا بالأصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة. ومن الحوادث بسكندرية. حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع منه قبطان وبعض التجار إلى البلدة وأقام نحو يومين أو ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز أنه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة أيضا فطلبوا القبطان فهرب فأرسلوا إلى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الأسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه. ووقع أيضا أن خورشيد حاكم الأسكندرية أحدث مظالم ومكوسا على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 محمد باشا وخورشيد أغا بأن جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم سارى عسكر الانكليز. ووقع أيضا أن جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا إلى خورشيد بأن يخرج إلى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك. واستهل شهر ربيع سنة 1217. فيه حضر أحمد أغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الألفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة أيام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا إلى الجهة القبلية ورجع إلى داره بعد أيام من رجوعهم. وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع إلى داره. وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه الباشا فروة سمور. وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الأماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت إلى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد الانكليز. وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره أن هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك إلى أن ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته إلى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح إلى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه وأكماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك إلى أن استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والأصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الأمير المالكي درس وظيفته وأملى إنما يعمر مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الأمام. وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات والجوخدارية بادروا إلى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 حضر طاهر باشا وأعيان العساكر فنقلوا أيضا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لأجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وأن الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم أرباب الحرف التي كتبت أيام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور وأحضر لهم أيضا مهتار باشا النوبة التركية وأنواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم أيضا كذلك طائفة. ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام ثم طلبوا أرباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون إلى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي أنهم بعد أن يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم ويذهب إلى خطتهم ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه وإذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 طولوا عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرية وإذا قدموا بين أيديهم شيئا خففوا عليهم وأكرموهم ومنعوا أعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة مهتار باشا وأحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين أيديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي إلى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة أشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الأعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها أجرة الحمام. وفي يوم الأربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية. وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة أيام تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالأسواق وقد تقدم مثل ذلك واظنه من المختلقات. وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان احداهما معتوقة أم السلطان والأخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانا وأحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى أن جرجس فرش بساطا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال. واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الإثنين سنة 1217. في يوم الإثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا أيضا شخصا بالنحاسين. وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية على الوجاقلية. وفيه وردت الأخبار بوقوع حادثة بين الأمراء القبالي والعثمانية وذلك أن شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الألف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين إلى الأمراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل وإذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا وإذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم إلا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الألفي فقال له لاي شيء سموك أجدر فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج إلى تطريمك واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار. وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى أهل النواحي من ظلمه. وفي منتصفه تواترت الأخبار برجوع الأمراء القبالي إلى بحري وأنهم وصلوا إلى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر. وفيه حضرت أيضا عساكر كثيرة من هبود الأتراك والارنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا إلى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة المكارية وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل أنهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من أولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف أيضا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها إلى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فأما أخذوه أو افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك. وفيه حضر قاضي سكندرية إلى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع إلى داره وحضرت إليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل إليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره إليهم وقت قدومه وقالوا له أن أقمت هنا بتقليدنا اياك فلا نأخذ من أجد شيئا ونرتب لك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر إلى مصر بذلك السبب. شهر جمادى الثانية سنة 1217. في خامسه سافرت العساكر إلى الأمراء القبالي وسافر أيضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل إبراهيم كاشف الشرقية بجواب إليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الألفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الأمان لجميع الأمراء المصرلية وأنهم يحضرون إلى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الأربعة الأمراء وهم إبراهيم بك والألفي والبرديسي وأبا دياب فإنهم مطلوبون إلى حضرة السلطان يتوجهون إليه مع الأمن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فإن لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع اسنا ويقيمون بها فلما وصل إبراهيم اغا المذكور إلى أسيوط وأرسل إليهم ارسلوا إليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الألفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج إليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم إلى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما أصبح الصباح طلبوه إلى ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الألفي وقال أما قولكم نذهب إلى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وأن كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه وأما بقية اخواننا فهم بالخيار أن شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل إنسان نفسه وأما كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وإنما يكفينا من اسيوط إلى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فإن لم يرضوا بذلك فإن الأرض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى إلينا حاربناه حتى يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 من أمرنا ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض أموال من بلاد الفيوم فلما رجع إبراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها إلى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا إلى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا. وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة المغربي ثم أن عثمان بك أرسل إلى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له إبراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي أفندينا وأخبره أني جاهدت الفرنسيس وبلوت معهم ثم إني حضرت بامان طائعا فلم أجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم يوفوا معي وعدا وأنا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل الصدقة وإنما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك أنه إذا أتى إلى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا أمير البلد أو أمير الحاج. وفيه أمر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر إلى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال أن له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لأفندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره إلى جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه وأما عثمان بك فإنه ركب وذهب إلى جهة قبلي مشرقا على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن خرج إلى بولاق أو غيرها فلا يخرج إلا بورقة من كتخدا الباشا. وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الأمراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 وفيه حضر اغات التبديل إلى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم وأخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم إلى الأزبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا أن جماعة من الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم إلى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والأمر لله وحده. وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة إلى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية إلى قبلي. وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد أنا استخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم إلى طندتا فعاقبوا الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وأرباعا وفضة عددية كلها مخلوطة بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الأمر اخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر وأخذوا كراء طريقهم وأخذوا من أولاد عمه عشرة أكياس. وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وأرباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الأساس ورشح عليهم الماء بادنى حفر لكون أن ذلك في وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك. وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة أيضا وسافروا إلى قبلي. وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الأربعين مركبا إلى جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فإنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور. ومن الحوادث السماوية. ان في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في أثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك إلى ثالث ساعة من الليل ثم تحول إلى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر إلى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين أول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث. وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من أكابر الفرنسيس إلى ساحل بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا إلى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها إلى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا معدة واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وفيه وردت الأخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا وأما العثمانية الكائنون بالفيوم فإنهم تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها. شهر رجب الفرد سنة 1217. استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين أن يختاروا له وقتا لوضع الأساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الأساس في اليوم المذكور. ورب النجم يفعل ما يشاء. وفيه أحضروا أربعة رؤس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية. وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا إلى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب إلى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن. وفيه أشيع انتشار الأمراء القبالي إلى جهة بحري وحضروا إلى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا إلى وردان. وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر إلى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر إلى البحيرة محافظا فلما تقدم طوائف الأمراء إلى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل إليه وطلبه إلى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه إلى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميا عريانا إلى قبيل الظهر ثم شالوه إلى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته أرسل الدفتردار فختم على داره واخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار. وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل أفندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فإن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية إلى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فإنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل يطلب الأستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا. وفي يوم الإثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا إلى برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع وصول الأمراء إلى ناحية الجسر الأسود وقطعوا الجسر لأجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لأجل مشى الحافر ثم رجعوا إلى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر والعثمانية التي كانت جهة قبلي إلى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال والحمير ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم أنهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية أخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان أوائل العرضي عند الوراريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم أن الأمراء رجعوا إلى ناحية وردان والطرانة. وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد أخرى. وفيه رسم الباشا بألف اردب فتح انعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والاروقة بالجامع الأزهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم أيضا بعد أيام بألف اردب أخرى فعل بها كذلك. وأنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما وفي يوم الأحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد شريف محمد أفندي الدفتردار ولاية جدة. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة أيضا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من أرباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا إلى شريف أفندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب إلى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وأرسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال الخائنين واخراج الأربعة انفار من الإقليم المصري بشرط الأمان عليهم من القتل وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر وإكرامهم غاية الأكرام أن امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الأموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفنا موجب تأخير أمرهم لهذا الوقت فإن كان لقلة العساكر أرسلنا اليك كذلك أن لم يمتثلوا وكل من انضم إليهم كان مثلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الأمان إلى آخر ما ذكر من ذلك المعنى. وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت أوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات. وفي خامس عشرينه تواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والأمراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك أنه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الألفي بطائفة من الأجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر وأما تقولون أن عساكرهم الموجهين اليكم أربعة عشر الفا وانتم قليلون قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا إليهم خيولهم واقتحموا إلى الخيالة فقتل منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الأمان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الأغنام وأخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون إلى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا إلى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك وانتقل ظاهر باشا إلى ناحية الجيزة. استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1217. فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل. وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فه ليلا ونهارا حتى تمموه في خمسة أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه إلى دمنهور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة أوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها إلى البلاد خطأ بالمشايخ البلادوالعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخا وألصقت بالأسواق وذلك باشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الأمراء المصرلية وخصوصا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة للعصاة إلى آخر معنى ما تقدم. وفي هذه الأيام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمح بمائة وعشرين نصفا الاردب واستمرت الغلال معرمة في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف أفندي الدفتردار أنشأ أربعة مراكب كبار لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصا هذه المرة مع كثرتهم وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيهم واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فإنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في غيابهم وحضورهم. وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وعلمائها هروبا من الوهابيين وقصدهم السفر إلى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا إلى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم. استهل شره رمضان المعظم سنة 1217. عملت الرؤية ليلة الأحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيما مطبقا فلزم اتمام عدة شعبان ثلاثين يوما فأنتدب جماعة ليلة الأحد وشهدوا أنهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على أن ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 للهلال وجودالبتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكورة باجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على أنه لم ير الهلال ليلة السبت الأحد يد البصر في غاية العمر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية أيضا وأن الشاهد بذلك لم يتفوه به إلا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لاشاعها في أول الشهر ليوقع ليل النصف التي هي من المواسم الإسلامية في محلها حيث كان حريصا على إقامة شعائر الإسلام. وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وغيرها. وفي خامس عشرينه حضر خليل أفندي الرجائي الدفتردار في قلة من اتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب وقوف جماعة من الأمراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في المراكب ولما حضر نزل ببيت إسمعيل بك بالازبكية. وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك أن ليلة الإثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال إلى سابع ساعة من الليل وإذا بمدافع كثيرة وشنك من القلعة والازبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا أن جماعة حضروا من دمنهور البحيرة وشهدوا أنهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا إلى بيت الباشا فأرسلهم إلى القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي فقبلهم وأيدهم وردهم إلى القاضي والزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك أعلاما إلى الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الأحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الإثنين وأصبح الناس في أمر مريج منهم الصائم ومنهم المفطر فلزم من ذلك أنهم جعلوا رجب ثمانية وعشرين يوما وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والأمر لله وحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 شهر شوال سنة 1217. كان أوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الإثنين. وفي خامسه وصلت أثقال خليل أفندي الرجائي الدفتردار. وفيه طلبوا ألف كيس سلعة من التجار وأرباب الحرف فوزعت وقبضت على يد أحمد المحروقي وهي أول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار. وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه بالطوخ عند بيته بالازبكية وضربت له النوبة التركية واهدى له الباشا خياما كثيرة وطقما ولوازم. وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه كان خروج أمير الحاج بالموكب والمحمل المعتاد إلى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالما عظيما وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية والاروام وغير ذلك. وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به إلى أن يسافر إلى جدة من القلزم وانتقل خليل أفندي الرجائي الدفتردار إلى دار شريف باشا بالازبكية. وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبا من الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف باشا والي جدة. شهر ذي القعدة الحرام سنة 1217. استهل بيوم الأربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرضحالات فثقل عليهم ذلك فقالوا اننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضية وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم أنه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون إلا من يوم التوجيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك وأكثروا من التشكي من الدفتردار. وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا إلى الباشا فوعدهم بخير حتى ينظر في ذلك وبقي الأمر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب آخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا منها إلا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث. وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا إلى بركة الحج متوجها إلى السويس. وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر اغنياؤهم والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم. وفي رابع عشره حضر ططريات إلى الباشا وعلى يدهم شالات شريفة وبشارة بتقرير على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية في الوزارة فضربوا شنكا ومدافع متوالية يومين. وفيه اشيع انتقال الأمراء المصرلية من جهة البحيرة وقبلوا إلى ناحية الجسر الأسود وأشيع أيضا أن جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من الانكليز إلى البحر قاصدين التوجه إلى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره ولكن لم يتجاسروا على الاقدام عليهم. وفيه وصلت الأخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا أبي مرق من يافا واستيلاء عساكر أحمد باشا الجزار عليها وذلك بعد حصاره فيها سنة وأكثر. وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الأمراء المصرلية إلى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعى الزروع وقطع الطرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 برا وبحرا وكان آغات الجو إلى القبلية وهو نجيب أفندي كتخدا الدفتردار وصحبته أرباب مناصب عدوا إلى الجيزة متوجهين إلى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج إلى مصر القديمة متوجها إلى الصعيد لقبض الغلال والأموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفا من المذكورين. وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا إلى المراكب بالقلزم يوم الخميس سادس عشره. وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه طلبوا أيضا خمسة آلاف كيس سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فأنزعج الناس وأغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون إلى الشام على الهجن واختفى أكثر الناس مثل السكرية وأهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى إلا على خمسمائة ريال والأوسط ثلثمائة والادنى مائة وخمسون. وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الأسكندرية في يوم السبت حادي عشره ونزل بصحبتهم محمد بك الألفي وصحبته جماعة من اتباعه. وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط وكانوا أرسلوا له طوخا ثالثا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى أحمد باشا وضعوا لهما عسكرا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في التشهيل. وفي هذه الأيام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة فإنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة الايراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يترددون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الأيام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وأنهم قاصدون نهب امتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور وخصوصا أوقات المساء فكانوا إذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان. وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبا شديدا مزعجا واستمرت بطول الليل وفي آخر الليل قبل الفجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضا بطولون وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية واستمرت عدة أيام ومعها غيم ومطر. وفيه وصل الأمراء المصرلية إلى الفيوم فأخذوا كلفا ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا إلى الجهة القبلية. وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج بالقلزم المتوجهة إلى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها. وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان أيام الوزير بمصر إلى بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب إلى دمياط وصحبته نحو الأربعمائة من الارنؤد ليسافر من البحر. وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفا من العربان ووصل إليه فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم فأستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من أولاد عمه مثلها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 شهر ذي الحجة الحرام سنة 1217. استهل بيوم الجمعة في يوم الإثنين رابعه قتلوا شخصا عسكريا نصرانيا عند باب الخرق قتله آغات التبديل بسبب أنه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من النساء في النهار إلى أن قبض عليه وهرب رفيقاه. وفيه أيضا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء ورجالا من فعل العسكر. وفيه عدي إبراهيم باشا إلى بر الجيزة. وفي يوم الأحد عاشره كان عيد الأضحى في ذلك اليوم حضر من الأمراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابا للمشايخ فأخذها بختمها وذهب بها إلى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا إليه وقت العصر. وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين أنهم حضروا إلى جهة الطائف فخرج إليهم شريف مكة الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع إلى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربا إلى مكة فحضر الوهابيون إلى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم. وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلاما لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الاوسطى الحلاق في أخذ الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام إلى دارهم بالخطة فقامت في الناس ضجة وكرشة وحضر اغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من اتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك إلى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فنقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعد ما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانا خربا اخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها. وفيه حضر علي آغا الوالي إلى بيت أحمد آغا شويكار بضرب سعادة واخرج منه قتلى كثيرة وامثال ذلك شيء كثير. وفي خامس عشره أيضا أمر الباشا الوجاقلية أن يخرجوا جهة العادلية لأجل الخفر من العربان فإنهم فحش أمرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى عل نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم وبيارقهم وحضروا إلى بيت الباشا وخرجوا من هناك إلى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا أيضا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس. وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم عدة من العسكر إلى جهة عرب الجزيرة بسبب اغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم إلى وردان وذهب هو إلى جهة البحيرة. وفي رابع عشرينه يوم الأحد كان عيد النصارى الكبير في ليلتها وهي ليلة الإثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها شاع ذلك فركب إليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالانماطيين وحضر الباشا أيضا في التبديل واجتهدوا في اطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء. وفيه وردت أخبار بأن الأمراء المصرلية وصلوا إلى منية بن خصيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 فأرسلوا إلى حاكمها بأن ينتقل منها ويعدى هو ومن معه من العسكر إلى البر الشرقي حتى أنهم يقيمون بها أياما ويقضون اشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول فإنه سالم العثمانيين وانضم إليهم فألبسوه حاكما على المنية واضافوا إليه عساكر فذهب إليها ولم يزل مجتهدا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن أنه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا إلى البلدة وحاربهم اشد المحاربة مدة أربعة أيام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدة وأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم إلا من ألقى نفسه في البحر وعام إلى البر الآخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فإنهم قبضوا عليه حيا وأخذوه أسيرا إلى إبراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت. وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار يخبر فيها أنه وصل إلى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج ويترك أثقاله تتوجه في المركب إلى جده. وفي غايته وصل سلحدار الباشا وصحبته أغات المقرر الذي تقدمت بشارته فلما وصلوا إلى بولاق أرسل الباشا في صبحها إليهم فركبوا في موكب إلى بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والأعيان والوجاقات فقرىء عليهم ذلك وفيه الأمر بتشهيل غلال للحرمين والحث والأمر بمحاربة المخالفين. وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر إلى جهة اسيوط للمحافظة فساروا على الهجن من البر الشرقي. وفيه ارسلوا أوراقا إلى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله. وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي ذكر بعضها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 وأما الجزئية فلا يمكن الإحاطة ببعضها فضلا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالاشتع والقبيح بالاقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابا وإيابا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والارياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو أكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله إلى المشكى بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل إلا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبا خارجا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصا إذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من إقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشاكي ولا يدري من اين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من أمر المباشر يحضر إلى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهى دعواه ويظهر حجته بأنه على الحق وأن خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضا فإن أجاب إلى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك والا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الاوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية إلى الأمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الأمراء إلى جهة بحري انضمت إليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الأمراء والعثمانيين وكانت الغلبة للامراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرا وبرا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه والا سلبوه وتركوه فحش الأمر جدا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن أحكام الفرنسيس ومنها أن الباشا لما قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وأن يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الأوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الاوامر شيء سوى نقص الأرطال ولم يزل ذو الفقار محتسبا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الأصلي وجعل منها قسط الخزينة الباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الأمور في الأسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها أن الفضة الانصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها إلى الروم والشام بزيادة الصرف ولا ينزل إلى الصيارف منها إلا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الأمور ويدور الأسانن بالريال أو المحبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فإنهم يأتون إليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وأن وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ إلا صرفه كاملا وإذا اشترى شيئا من سوقي أعطاه بندقيا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وأن وجد معه باقي المصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فإن قال أنه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل اصبعه في عين الصراف وأمثال ذلك. ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الأيام الكثيرة ينتظر مركبا فلا يجد وربما أخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه وأخذوها وأن مرت على الأمراء المصرلية ومن انضم إليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من اعظم أسباب التعطيل أيضا. ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصا في اواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم إلا أن يكونوا في عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصا يمر في الأسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل العشاء وإذا اضطر الإنسان إلى المرور تلك الأوقات فلا يمر إلا كالمجازف على نفسه وكأنما على رأسه الطير فيقال أن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة إذا تأخرت نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون علي ويذهبون حيث شاؤا فليس منهم إلا الرزية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة الواحد وأن شئنا أقمنا وأن شئنا ذهبنا ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد في العمارة والبناء وطلب الاخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخرب في الحوادث السابقة وبلغ سعر الاردب الجبس مائة وعشرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 نصفا والجير المخلوط أربعين نصفا واجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفا وأحدثوا أخذ إجازة من المعمارجي وهو أن الذي يريد بناء ولو كانونا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيا ومزينا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباش الخارجة وعمرت وانشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابا عظيما ببدنات وابراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها باب آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منها المارون إلى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون أيضا في سلوكهم من بوابة عظيمة إلى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الحربة حيث البوابة المواجهة للقشلة إلى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وابراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه إلى تلك الأبراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الأسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينا وشمالا وكذلك بداخل الحوش الجواني الأصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة أيضا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الأصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 ومنها أنه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لأن الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به إلى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم أيضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 سنة ثمان عشرة ومائتين وألف . شهر محرم الحرام سنة 1218. استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال أن السبب في ذلك أن جماعة من كبار العسكر ذهبوا إلى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا إلى الدفتردار فذهبوا إلى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا إلى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا إلى محمد علي قال لهم لم أقبض شيئا فعلموا معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم إبراهيم اغا الذي كان كاشف الشرقية عام أول وكان توجه إلى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها إلى القلعة فيقال أنها متوجهة إلى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك. وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا إلى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل أربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في انجاز الوعد فقال لهم أنه اجتمع عندي نحو الستين ألف قرش فأما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا: لا بد من التشهيل فإن العسكر تقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وأرسلها إلى الباشا بأن يرسل إليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول: لا أدفع ولا آذن بدفع شيء فأما أن يخرجوا ويسافروا من بلدي أو لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال له: ارجع إليه واخبره أن البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت وأني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار إلا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه إلى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل إلى اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم إلى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت ولم يسلم إلا الدفتردار والأوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة وأما أهل البلد فإنهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه أو فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس: ارفعوا متاعكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 واحفظوا أنفسكم وخذوا حذركم وأسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس وأولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم إلى بيت الباش وحضرت أوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا أحزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي إلى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فإن الباشا مطمئن من جهتها لأنه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لأجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم: نبهوا على أهل البلد بغلق الدكاكين والأسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة أدب فلما طلعوا عند الباشا أعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم: نعم فقال له آغات الانكشارية: يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال: إن بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الأبواب فقال له الاغا: لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لأجل انفاذ القضاء وحضر طاهر باشا أيضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب إلى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه إلى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وأنهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا إلى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الأخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا أنفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب إلى الرميلة وتقدم إلى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الأرض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته طائفة أيضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الأبواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 إلى الأزبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر إلا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له: إنهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الأضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والمآكل وأخذوا واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا إليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب إلى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون: نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا ذهب به عندما أرسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل إلا الطواف بالمدينة والأسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر إليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالأمن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الأحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد إلى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا إلى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون إلى برانبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 طائفة منهم إلى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم أسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن أو افتدين أنفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعد ما أرسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه أشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه إلا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب أن المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان وأما سكان تلك الخطة فإنهم كانوا يذهبون إلى طاهر باشا أو محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى ينقلوا امتعتهم أو أمكنهم إلى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على أنفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فإنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل أرزا وتعشى الباشا بالقسمات وأرسل إلى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل إليه ثم عسكر الارنؤد أحضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال أن الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه إلى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت إلى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا إلى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة أن يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج إلى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الأحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثا وأما المحروقي ومن معه فإنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه وابنه وأخذوا منهم نحو عشرين ألف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه إلى بولاق وباتوا عنده إلى ثاني يوم وأخذ لهم أمانا وحضر إلى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا وأخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد إلى عنان السماء حتى لم يبق فيه إلا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت وأنهدمت تلك الأبنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فإنه إذا حلف الحألف أنه صرف على عمارته من أول الزمان إلى أن احترق عشر خزائن من المال أو أكثر لا يحنث فإن الألفي لما انشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد إبراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس وأولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار إلى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الأمير محمد بك الألفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الأساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الاحجار والأخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من أمرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير وأحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان وانقاض الأماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي المراكب لأجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها إلى العمارة فصار كل من الأمراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير أيضا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا إلى غير ذلك فما هو إلا أن ثم ذلك فأقام به نحو عشرين يوما ثم خرج إلى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر بونابارته فعمر فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه أيضا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة وأقام في أركانها الأعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها إلى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ إلى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة إقامته إلى أن خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الأتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب أن منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها إنما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء أيضا وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الأعمار إذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إلى أن كان ما كان وقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب أنه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر وأقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وأنهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 الجلفي وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته أيدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والأصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون فأحترق جميعه ولم يبق به شيء إلا بعد الجدران اللاطئة بالأرض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وأغات الانكشارية ونادوا بالأمان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما وكان سيء التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوء المحدقين به والتفت إلى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى أنهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور والأماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل اشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على هذه الصورة ولم يزل في سيره إلى أن نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلا إلى دجوة فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو إلى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان أفندي والخازندار الذي كان بالقعلة والسلحدار وخليل أفندي خزنة كاتب. وفي يوم الإثنين عاشره نودى بالأمان أيضا وأن العساكر لا يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه إلى القلق الكائن بخطته ويحضره إلى طاهر باشا فينتقم له منه. وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية إلى بيت القاضي وأعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع. وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع إبراهيم بك وبيده مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل أنه كان بمصر من مدة أيام وكان يجتمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما أصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا وأحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية أو يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى وهو مشتمل على آيات واحاديث وكلام طويل ومحصلة أنهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وإنما إذا حضروا إلى جهة أو بلدة وطلبوا المرور عليها أو قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك إذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ أن يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير إلا أخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقي بأيدينا إلى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا إنما تركنا حريمنا ثقة بأنهم في كفالتكم وعرضكم على أن المروءة تابى صرف الهمة إلى امتداد الأيدي للحريم والرجال للرجال على أن املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل: اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون: فما يكون الجواب قال: حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال إلى المعاونة. وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم. وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد أحمد المحروقي فأنزلوه إلى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس وأقل وأكثر وأقاموا في الترسيم. وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين. وفيه وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية رجعوا إلى قبلي ووصلوا إلى قرب بني سويف. وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه إلى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته إلى بيت طاهر باشا فلما طلعوا إلى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه إلى أسفل وأخذوه إلى القلعة ماشيا على أقدامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا إليه فقال: هذا لا يؤأخذ به إنما يؤأخذ إذا كان المكتوب منه إلى محمد باشا ثم انحط الأمر عل أنه لا يقتله ولا يطلقه ثم إن طاهر باشا ركب ليلا وذهب إلى شيخ السادات وأخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره إليه في ذلك الوقت. وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا إلى القلعة والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب. وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر وأقام هناك. وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها أن الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وأن شريف مكة الشريف غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على أن يتعوقوا معه أياما حتى ينقل ما له ومتاعه إلى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك إلى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا أيضا إلى جدة. وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية أيضا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع. وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس. وفيه حضر أحمد أغا شويكار إلى مصر بمراسلة من الأمراء القبالي. وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر أيضا. وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 وهو الذي كان قاضيا أيام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم وأقاما مرميين إلى ثاني يوم. وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا إلى رفقائه وأشيع وصول إبراهيم بك ومن معه إلى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم إلى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد. وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسا ونزل من القلعة إلى داره. وفيه أرسل طاهر باشا إلى مصطفى أفندي رامز الكاتب وإبراهيم أفندي الروزنامجي وسليمان أفندي فأخذوهم عند عبد الله أفندي رامز الروزنامجي الرومي. شهر صفر 1218. استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي إلى الشيخ الشيمي. وفي ليلة الأربعاء رابعه خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما إلى خارج. وفي صبحها يوم الأربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب إلى جهة دمياط وأنه تخلف عنه العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم. وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية إلى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية وفي ذلك الوقت أمر باحضار حسن اغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه الفي فرانسا وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا إلى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع إلى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا اعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم إسمعيل اغا ومعه آخر يقال له موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم: ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وأن أن لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك إلى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالأمن والأمان حسب مارسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم واخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا باحد من الارنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أجد ولم يجسر أجد من اتباعه على الدخول إلى البيت واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي إلى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة والفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا إلى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية راسه وذهبوا بها ليوصلوها إلى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوبا إلى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد اغا أرسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 الناس من الحبانية إلى ضلع السمكة إلى درب الجماميز ثم أن أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب إلى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن إلى الطاعة فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن واليا على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر إلى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم إلى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والاغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقا إلى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم اريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة وأخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له أن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل إلى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب إلى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا إلى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل إبراهيم بك ورقة إلى أحمد باشا يقول فيها أنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الارنؤد حالا واحدا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية إلى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكنا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم ثم أن إبراهيم بك أرسل ورقة إلى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج إلى خارج البلد ومعه مهلة إلى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم إلى الليل وأن خألف فلا يلومن إلا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلا لم يجد بدا من الأمتثال إلا أنه لم يجد جمالا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه: وقل له: يرسل لي جمالا وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له أما حضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له: وكيف يكون العمل فقال: يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدا حملت الاثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا إلى محمد علي والتجؤا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة واتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى اكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعند ما خرج من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 البيت دخل الارنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية إلى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الارنؤد والكشاف المصرلية والعرب والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وإمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم إبراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يوما وليلة لا غير وفي ذلك اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثير أخذ ذلك جميعه الارنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا إلى بر الجيزة وسلموا على إبراهيم بك والأمراء. وفيه استاذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه إلى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا إلى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الارنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي أغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الاوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضرب على يده اليمنى واخرجوه إلى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا لرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج اتباعهم في اسوأ حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 يطلبون النجاة بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع إلى حريم البارودى الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضا في تلك الأيام فعند ما رأت وصول الجماعة ارسلت إلى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلاف الأمر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في أثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب إلى داره ثم أن علي أغا الشعراوى استاذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤسهما إلى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت إلى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الارنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم إلى قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم إلى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية داخل القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم إلى الجيزة أرسلوا أحمد باشا إلى قصر العيني وأبقوا الإثنين وهم إسمعيل أغا وموسى أغا بالقصر الذى بالجيزة ونودى بالأمان للرعية حسب ما رسم إبراهيم وعثمان بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 البرديسي ومحمد علي. وفي يوم السبت حضر أحمد بك أخو محمد علي إلى جهة خان الخليلي لاجراء التفتيش على منهوبات الارنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوى وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الارنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناسا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصى عليهم فتخوف أهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الارنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصا في اى جهة قبة شبه ما بالاتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصا أن وجدوا شيئا معه من السلاح أو سكينا فتوقي أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلا عن الجهات البرانية. وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا إلى المدينة وعلى اكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون إلى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون إلى بر الجيزة وبعضهم إمامه المناداة بالأمان عند مرور بوسط المدينة. وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد المنوفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم. وفي يوم الإثنين قتلوا شخصا بباب الخرق يقال أنه كان من أكبر المتحزبين على الارنؤد وجمع منهوبات كثيرة. وفيه أيضا قتلوا إسمعيل اغا وموسى اغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا إلى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما إلى البر الآخر وقطعوا رأسهما عند الناصرية وأخذوا الراسين وذهبوا بهما إلى زوجة طاهر باشا بالشيخوخة ثم طلعوهما إلى اخى طاهر باشا بالقلعة. وفيه تقلد سليم أغا اغات مستحفظان سايقا الاغاوية كما كان وركب وشق المدينة باعوانه وإمامه جماعة من العسكر الارنؤد ولبسوا أيضا حسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 أغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد أغا وجعلوه محتسبا وشق كل منهم بالمدينة وامامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء. وفيه اخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم إلى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعد ما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذى بقى لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوا حال وانحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ إلى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجؤا إلى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب إلى اقليم القليوبية أوراقا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد. وفي يوم الأربعاء حادى عشره حضر محمد علي وعبد الله أفندى رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا إبراهيم بك إلى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس. وفيه أرسل إبراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع إلى بحربرا عن كل اردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامرة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذى كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني إلى ميرى البلاد وغير ذلك. وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر إبراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم. وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا. وفي يوم الأحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة إلى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي إلى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك إبراهيم إلى باب العزب وسليم أغا مستحفظان إلى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الأمراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان. وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل إلى دمياط كما تقدم. وفي يوم الإثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الأخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل إلى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه إلى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين. وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا إلى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه وإلى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا إلى سيدهم وأعلموه فأرسل إلى إبراهيم بك فركب إلى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر إلى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة إلى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفى يذهب معهم إلى القنطرة ونودى في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور. وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة إمامه على الأتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الأتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره. وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى. وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك إلى وكالة الصاغة إلى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وأنهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى إلى محمد علي فأرسل إلى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن إلى صاحبهن. وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك إلى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار. وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار أحمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما أنه هو الذى دل عليه. وفي يوم السبت مر سليم أغا وإمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد. وفي يوم الأحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحجاج وأن عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل إلى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي أعلى من الكعبة وذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 بعد أن عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا أن الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا إلى جدة وتحصنا بها وأنهم فارقوا الحجاج في الجديدة. وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما أثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الأمراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا أيدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الأحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الإشارة إليها. وفيه عزم الأمراء على التوجه إلى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف إلا إبراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب إلى جهة رشيد وصحبته عساكر أيضا. وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي. وفيه عدى إبراهيم بك إلى قصر العيني وركب مع البرديسي إلى جهة الحلي وودعه ورجع إلى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الألفي مقيما بقصر الجيزة. وفيه وردت الأخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة إلى دمياط أبقي بفارسكور إبراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 العسكر فتحصنوا بها فلما حضر إليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا ما لا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم أن بعض أكابر العسكر المنهزمين أرسل إلى حسن بك يطلب منه أمانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا إليه وانضموا لعسكره وسهلوا له أمر محمد باشا وأنه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت إلى أن عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج إليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون إليه من أولئك فلما أن نشبت الحرب بينهم أخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وأنهزموا إلى فارسكور فتلقاهم أهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم إلا من كان في عزوة أو هرب إلى جهة أخرى وحضر الكثير منهم إلى مصر في أسوأ حال. وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة. وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح أفندى إلى سكندرية فأرسل خورشيد أفندى حاكم الأسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته إلى إبراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح أفندى المذكور إلى بولاق فأرسل إبراهيم بك رضوان كتخدا وأحمد بك الارنؤدى وأمرهما بأن يأخذا ما معه من الأوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع إلى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الأوراق خطاب لطاهر باشا وأنه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وأنهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 طاهر باشا يستمر على المحافظة وأحمد باشا قائمقام إلى أن يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد أحمد باشا قائمقام دون طاهر باشا أن طاهر باشا ارنؤد وليس له إلا طوخان ومن قواعدهم القديمة أنهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ أبدا. وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل. وفي يوم الأحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير وأكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والأجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من أمير الحاج وأمروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر إلى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وأرسل إلى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} فأخبر سبحانه أنه اكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن أمته: "تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت" في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: "فمن" وأخبر في الحديث الآخر أن أمته: "ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا من هي يا رسول الله قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي اعظمها الأشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه وتعالى اغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصا لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والانبياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأخبر أنه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والأولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخألف فيه أجد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والإئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان" وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضا أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وندعو الناس إلى إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول: إن كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة أمير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا أيضا حجاج المغاربة من الدخول إلى المدينة ومن دخل منهم لأجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا إلى بولاق وأقاموا هناك. وفي يوم الإثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد إنسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر إلى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف إمامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه ألف دينار ذهبا بأخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به. شهر ربيع الأول سنة 1218. استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فإنهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته. وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا إلى جرجا ومعه مكاتبة إلى الأمراء المصرلية وأنه وصل إلى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور إلى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط. وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك إلى ثغر دمياط بالريالة إلى محمد باشا. وفي يوم الأربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور إلى سكندرية متوجها إلى اسلامبول وأنعم عليه إبراهيم بك بخمسين ألف فضة. وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الأسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 وأما الأزبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها. وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا إلى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا إلى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا إلى طريق دمياط. وفي يوم الأربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره. وفي يوم الإثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الأبكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور وأخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع أسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين إلى غير ذلك والأمر لله وحده والتجأ الباشا إلى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الأمان فأمنوه من القرية وحضر إلى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه إليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك إلى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه إبراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب إلى وكيل الألفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه. وفي يوم الجمعة ذهب المذكور إلى مقام الإمام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق. وفي ذلك اليوم عمل إبراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية. وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي إلى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للأمراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم أنه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية إلى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم إلى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا وأحمد باشا أنهم يتوجهون بالعساكر إلى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا إلى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم إلى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة إلى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب أن لا تدخلوا المدينة إلا بأذن الدولة فإن تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فإن سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك أن لنا معكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله أن محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا إلا قسوة ولا يسمح لنا بالإقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة إلى أن حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا إلى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر إلينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فإنه نزل إلى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين أهالي القرى إلى أن وصل إلى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر إلا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وأنهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الأعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من أوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم أن حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين إلا بالله وأننا أرسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب. وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال إلى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الأسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا إلى الاغا الواصل ألف ريال حق طريقه وسافر. وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل إلى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها إبراهيم أفندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف إلى البلد وخرج يحاصر إبراهيم أفندى فهم على ذلك وإذا بالسيد علي باشا القبطان وصل إلى رشيد وأرسل إلى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له: نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد إلى الرحمانية ودخل السيد على القبطان إلى رشيد. وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي إلى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه إلى طندتا وعمل على أولاد الخادم ثمانين ألف ريال فحضروا إلى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لإبراهيم بك لم يبق عندنا شيء فإن الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم أن محمد باشا أرسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة ألف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية. وفي يوم الإثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا إلى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الأجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه إلا ست مماليك فقط فإن مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق أن ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع إليها فرأى جمع الناس فظن أنهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان إبراهيم بك في ذلك بيوم حضر إلى بولاق ودخل إلى بيت السيد عمر نقيب الأشراف باستدعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 فجلس عنده ساعة ثم ركب إلى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب إلى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر إليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به إلى بيت إبراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا إبراهيم بك طلع إلى الحريم فلم ينزل إليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف إلى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب إبراهيم بك إلى قصر العيني فركب المحرمجي وأخذ معه الباشا وذهب به إلى قصر العيني فقابل إبراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الألفى وباقي الأمراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع أكابرهم إلى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد إبراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم أن إبراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي إلى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار. وفي ثاني يوم غايته ركب إبراهيم بك الألفي وذهبا إلى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد أن كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال. شهر ربيع الثاني سنة 1218. استهل بيوم الأربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب إقامة بنديرة الانجليز بمصر. وفيه عدى البرديسي من المنصورة إلى البر الغربي متوجها إلى جهة رشيد. وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا أن الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم أخبار بأن العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والأوراق فيها خطاب من شريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته. وفي يوم الإثنين نادى الاغا والوالي بالأسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك أمير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك إبراهيم باشا. وفي يوم الأربعاء خرج عثمان بك إلى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال وأكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم أناس التجؤا إلى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم. وفيه وصلت الأخبار بأن البرديسي وصل إلى رشيد وأن السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي إلى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين ألف ريال. وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي وأكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الأزبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع إليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي. وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي إلى إبراهيم بك يخبر فيها أنه لما وصل إلى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل إليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 له: ما المراد أن كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وأن كان خلاف ذلك فاخبرونا به إلى أن انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام. وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا إلى مصر العتيقة فركب إبراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية إلى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها إلى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا إلى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية. وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي أن محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في أن يركب إلى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن إبراهيم بك في ذلك فأذن له بأن يركب ويعمل رماحة ثم يأتي إليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته إبراهيم باشا فلما ركب وخرج إلى خارج الناصرية أرسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية أنهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين إلى الأزبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل إلى أحمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله إلى بيت أحمد بك المذكور ووصل الخبر إلى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل إلى البواقي بالطلوع إلى القلعة وحفظ أطارف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم إلى القلعة ولما دخل محمد باشا عند أحمد بك ومن معه من أكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه وأخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة ألف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لأن فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله إلى بيت أحمد بك وركب معه أحمد بك أيضا وأخذوه إلى عند إبراهيم بك بقصر العيني فخلع إبراهيم بك على أحمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان. وفي يوم الأحد سادس عشرينه وردت الأخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد أن حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وأرسلوهم إلى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد أن قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم. وفي يوم الأربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في أيام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. شهر جمادى الأولى سنة 1218. استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة إبراهيم بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة. وفيه وردت الأخبار بأن علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الأيام بالمرمة والعمارة إذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الأحوال وأهمل غالب الأمور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك أمره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك إلى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي إلى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الأسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل إلى أهل الأسكندرية فلم يصل إليهم إلا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير أو ما خزنوه من مياه الأمطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندى معين لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الأتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحي فما هو إلا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا إلى الثغر وخرج الأجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم إلى الأسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح أفندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة وأما أهل سكندرية فإنهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر إلى ازمير وبعضهم إلى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام وأقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة إلا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل أن علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه أن يطلق فيه ماء البحر المالح فإن فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا أيضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز. وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان إلى مصر وطلع إلى قصر العيني وقابل إبراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا وأكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك أيوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والأجناد المصريين ارتحلوا من رشيد إلى دمنهور قاصدين الذهاب إلى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر. وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط آلاف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فإنه خرب عن آخره ثم أن البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الأمداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 الشوادر والحواصل والأخشاب والأحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام. وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين إلى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس إلى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل إلى بولاق في كل يوم صار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لأنفسهم حتى قلت: الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الأسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج إلى الأستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا إلى إبراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له: وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم إلا على نفسي فقالوا: إذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا. وفي أواخره وردت الأخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع أنهم متوجهون إلى الأسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الأول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الأسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 ولا ما يشربون. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1218 بيوم الأحد. وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء إلى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالأراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم إلى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون. وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر إلى بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما أصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية إلى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير وأصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال إلى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب إلى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالأسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الأردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير أن وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي. وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه إلى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة أيام وقطع عنها الماء ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب إلى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء إلى حاله الأول ورد المكوس والمظالم. وفي يوم الأحد وصل البرديسي إلى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس إلى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس. وفي يوم الإثنين عملوا ديوانا عند إبراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والألفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الأمراء والكشاف والأجناد كل منهم على قدر حاله في الإيراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الأصل ألف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت. وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة أيضا على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف كل طائفة قدرا من الأكياس خمسين فما دونها إلى عشرة وخمسة وبثت الأعوان للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال إلى أمر شنيع وهو أنهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته إلا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة أو الثلث أو الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن وإذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية إلى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره إلى الساحل إلى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه وإذا حضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم أربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك إلى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الأسواق وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك إلى آخر الشهر والأمر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله إلى داره وأن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء. وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى. شهر رجب الفرد سنة 1218. استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بألف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح أن وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف. وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الألفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الألفي إلى سكندرية ثم تبين أن هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته إلى مصر فأشيع في الناس أن الألفي حضر إلى الأسكندرية وأن هذا خازنداره سبقه بالحضور إلى غير ذلك. وفيه حضر أيضا بعض الفرنسيس بمكاتبة إلى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الأمراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا أن الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الأمر على تأخير هذه القضية إلى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة أولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب أخوه الأستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال أخوه أنها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الأكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الأكليل فيكون الحق في تركته لأخيه لا لها. وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم إلى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الأيام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن إلا أن هجموا عليهم ودخلوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 يحاربونهم في أماكنهم والأفرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا إلى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه إلى اسلامبول وإلى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فإنه لما خرج الافرنج وتركوا أماكنهم دخلوا إليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل إلى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر إليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة إلا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه إذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك. وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا إلى إبراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه أيضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الأزهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا. وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وأرسلوها إلى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور إلى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولأجل الأخذ في تشهيل أمور الحج وأن تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك إلى غير ذلك من الكلام. وفي عاشره سافر جعفر كاشف الإبراهيمي رسولا إلى أحمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر. وفي هذه الأيام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالأسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر إلى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف إلا في التبن. وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد أمراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على أعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد أن أمكنه ذلك. وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد أهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة أهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات وأكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا أثمانها عن أهل الخطة. وفي اواخره أيضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الأبراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فإنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والأخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب إلى خارج ونقل إليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الأحوال. وفيه نزل إبراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى إلى بولاق وأخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وأرسلوه إلى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال. شهر شعبان سنة 1218. أوله يوم الأربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له: ديوان أفندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 مضمونه الرضا عن الأمراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الأعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل أمير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم إلى الميرى وأن الكلام في الميرى والأحكام والثغور إلى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الأمراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على إرسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا أنه وصل إلينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الأحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الإثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا إبراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى. وفي هذه الأيام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم. وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم. وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت إلى بولاق ومصر العتيقة وأغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا إلى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الأمير فركبوا إلى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وإمامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالأمن والأمان للرعية وأن وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وأن لم يقدروا عليه فليأخذوه إلى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 عمائم ونساء. وفي ليلة الأربعاء ثامنه حضر الوالي إلى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها أياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الأمراء وأن بعضهم اشترى منه أواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في أيام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها إلى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع إلى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل إلى المطبخ وأخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج. وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر أن اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على أن الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الأربعاء اشيع أن الأمراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت إبراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك إبراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت إبراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك إبراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده أيضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده أيضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته أيضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا. فلما كان يوم الأحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 عشر صنجقا وهم أربعة من طرف إبراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الأمير إبراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وأسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الأمير إبراهيم بك أيضا ومحمد كاشف الأشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا إبراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الألفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور. وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز إلى القصر وهم يزيدون على الألفين. وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا إبراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه أنه وصل إلى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور إلى مصر وأنه يأمر بتشهيل أدوات الحج ولوازمه واطلق أربعة واربعين نقيرة حضرت إلى رشيد ببضائع للتجار. وفيه حضر جعفر كاشف الإبراهيمي من الديار الشامية وقد قابل أحمد باشا الجزار وأكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد أيام. وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره إلى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق أن جماعة من عسكره الأتراك الذين انضموا إليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الأتراك ثلاثة ومن البحرية أربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع إلى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 الأمراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب إلى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ إلى الألفي فأرسل البرديسي خبرا إلى الألفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الألفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الأمر على أن حسين بك يطلع إلى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه. وفي يوم الأحد سادس عشرينه البس إبراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك أخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر إلى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة إلا أناس قليلة فأرسل إلى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وأرسلوا إلى الأمراء والكشاف والأجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الأمراء إلى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل إلى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول إليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وأرسل البرديسي إلى محمد علي فحضر إليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب. وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة إلى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بأنه من شعبان وأصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره إلا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء. شهر رمضان المعظم سنة 1218. استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر أعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف. وفيه نزلت الكشاف إلى الأقاليم وسافر سليمان بك الخازندار إلى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الألفي إلى الشرقية. وفي ثامنه وصل إلى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان. وفيه حضر ساع من الأسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بأن الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الإثنين وبرز خيامه وخازنداره إلى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من أمراء مصر يأمرونه بأن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب إلى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك وأحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم: كيف تقولون أني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب إلى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك. وفي يوم الأربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الأربعاء إلى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما إلا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع. وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الأسكندرية وتوجهه إلى الحضور إلى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من أربابها قهرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 وينقشونها بأنواع الأصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الأصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الأسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى إلى يحيى بك يقولان له أن حضرة الباشا يريد الحضور إلى رشيد في قلة وأما العساكر فلا يدخل أجد منهم إلى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا إلى يحيى بك وأرادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا إلى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا إلى مصر صحبة رضوان كتخدا. وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه. وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة إلى جهة انبابة وأخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك. وفي رابع عشرينه عدى الألفى ومن معه إلى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا إلى بر المنوفية فلما عدوا إلى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم إلى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان. وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح أفندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك ولا يجتمع به أحد. وفي غايته وصل الباشا إلى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الأرض. وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الإنسان إذا مشى يربط عمامته خوفا عليها وإذا تمكنوا من أجد شلحوا ثيابه وأخذوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب إلى الأسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والأغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون إلى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل إلى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني وأما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة أن وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الأمور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الأثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الأقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الأفهام ولا تحيط به الأقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة. استهل شهر شوال بيوم السبت 1218. وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم إلى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك. وفيه وصل الباشا إلى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا. وفيه ركب الألفي والأمراء ما عدا إبراهيم بك والبرديسي فإنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا إلى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم. وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية. وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين وأكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالأبواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم: معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم. وفي رابعه غيروا العسكر بأجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فإن بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف أو زعبوط أخذ منه ما في جيبه أو عشرة أنصاف أن كان فقيرا وأن كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الأموات. وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك. وفيه انتقل الألفي ومن معه من الأمراء إلى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم أن خدم الألفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها إلى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لأخذ البرسيم أيضا فوجدوا جمال الألفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا إلى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب إليهم فركب رامحا إلى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع إلى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور وأخذ الجمال فحنق وأحضر رضوان كتخدا إبراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك إلى أن سرت إلى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر إليه وقال له: هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الأمور وحضرة أفندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وأرسل إلى اتباع الألفي فاحضر منهم الجمال وردها إلى وطاق الباشا وحضر إليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج إليه أجد من الأمراء سواهما. وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية إلى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر. وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على أماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بأبواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لأجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم. وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا إلى القلعة. وفي سادسه خرج البرديسي إلى جهة شلقان ولم يخرج إبراهيم بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الألفى وباقي الأمراء كذلك إلى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا أرسل إلى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الأسكندرية يستميلهم إليه ويعدهم ويمنيهم أن قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم أن استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين. فنقل الارنؤدية ذلك إلى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه إذا حضر إلى مصر وخرج الأمراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الأمراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين إليهم من خلاف قبيلتهم وهم أيضا معنا في الباطن. ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الأباليس منها أن يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وأن يعدوا بالعساكر البرية إلى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له. ولما وصل إلى الرحمانية أرسل له الارنؤد مكاتبة سرا بأن يعدى إلى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى إلى البر الشرقي. فلما حضر إلى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي. فخرج الألفي كما ذكر بمن معه من الأمراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وأرسل إلى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر إلى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه. وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم إلى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيرا أيضا. وكان بالمركب أناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا أيضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وأرسل إليه الألفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الألفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وأنتم بسكندرية. فقال نعم وإنما هذه العساكر متوجهة إلى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم. فقال: إنهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك وأما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون إلى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وإنما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم. وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف أربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة إلا شيئا يسيرا. وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي إلى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع إلى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 الرجوع من غير قضاء حاجة وأمره بالعود ثانيا فعاد إليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة أخرى من العسكر فازعجوا أهل البيت وأرسلت عديلة هانم ابنة إبراهيم بك إلى المعينين تأمرهم أن لا يعملوا قلة أدب وأرسلت إلى ابيها لأن منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك إلى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين. وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت أخبار ومكاتبات من الأمراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل. ومضمون ما ذكروه في المراسلة أن الباشا أراد أن يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر إليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور إلى مصر والا ذهبنا إلى الصعيد. هذا ما قالوه والواقع أنهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لا غير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت إلى الصالحية أو ذهبت حيث شاء الله وكان إمامه عسكر المغاربة وخلفه الأمراء المصرلية. فلما وصلوا إلى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها إلى أن تضاربوا بالسلاح فقامت الأجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه أربعة عشر نفسا إلى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى أجد الأميرين فقال له: في عرضك يا فلان أن معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا. فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الأمير لبعض العرب دنانير وأعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له: اذهب إلى مقتلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 وخذ الباشا وادفنه في تربة. ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها. وانقضى أمرهم. هذا أخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا أنه قال لعسكره أن بلغت مرادى من الأمراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد أبحت لكم المدينة والرعية ثلاثة أيام تفعلون بها ما شئتم. والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة إقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في أموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لأهل العلم واهانته لهم حتى أنه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور وإذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم. خبر علي باشا المترجم المذكور. كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة إلى حسين قبطان باشا وكان أخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب إليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة. وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها وأخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال. وأخذ اموال التجار وفرد على أهل البلد وأخذ اموالهم ثم أن المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع إلى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا. فلما رأى الغلبة على نفسه نزل إلى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان شبه الرهائن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 وهرب إلى اسكندرية وحضر إلى مصر والتجأ إلى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به. وسبب مجيئه إلى مصر ولم يرجع إلى القبطان علمه أنه صار ممقوتا في الدولة لأن من قواعد دولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا إذا كان ذا مال. ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا إلى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة فأرسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أجد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج. ثم رجع إلى مصر من البحر أيضا وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات إلى أن حضر الفرنسيس إلى الديار المصرية فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار إلى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات إلى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر إلى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر وليس بها إلا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل إلى اسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم أنها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة: إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 وكان صفته أبيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة. ولما انقضى أمره وأرسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات إلى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من إبراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم أمانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله. وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا وأحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر أولا ونزل ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا. الأوامر المعتادة لا غير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره. وتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الأمراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد. واما مصطفى باشا فإنهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم إلى حيث شاء الله. وفيه وصل الألفي من سرحته إلى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى إلى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والأغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الأخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فإنهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه. وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة أيام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات. وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والأمراء بتشهيل أربعة آلاف عسكرى وسفرهم إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين وإرسال ثلاثين ألف اردب غلال إلى الحرمين. وأنهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك أحمد باشا الجزار أرسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه إليه الهمم الإسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وأن لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع. وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح أفندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب. وفيه حضر الأمراء الذين توجهوا بصحبة الباشا إلى الشرقية. وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه. وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع إلى جهة أخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية. وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة إلى بيت علي بك أيوب كما كان وهذا السيد علي هو أخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر إلى الفهم من لفظة سيد أنها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فإنهم يعبرون عن الأمير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة. وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه إلى بيت إبراهيم بك صحبه أجد الكشاف وطائفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الأثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة. وما قاسوه أيضا في الأيام التي أقاموها بمصر في الانتظار والتوهم. شهر ذى القعدة سنة 1218. استهل بيوم الإثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الأربعمائة فذهبوا إلى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية. وفيه ألبس إبراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع أنه قلده دفتردارية مصر وذهب إلى البرديسي فخلع عليه أيضا وكذلك الألفي وذلك إكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه. وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الألفي الكبير إلى ثغر رشيد يوم الأربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر إلى ادكو ثم إلى رشيد في يوم الأربعاء المذكور وقصده الإقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء أمرهم مع كبار العسكر. وأرسل البرديسي كتابا إلى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الألفي هناك وركب هو إلى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ وأسمعيل بك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 صهر إبراهيم بك وعمر بك الإبراهيمي إلى بر الجيزة ليلة الأحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا إلى السفر من آخر الليل صحبه الألفي الصغير وعدى أيضا قبلهم حسين بك الوشاش الألفي ونصب خيامه بحرى منهم. فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا إلى حسين بك يطلبونه إليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له: أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الألفي قد ركب وهو مقبل. فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا إلى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا إلى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا إلى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الإشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا إلى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الألفي مخامرا أيضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الأمراء على القصر إلى آخر الليل فحضر إلى الألفي من أيقظة وأعلمه بقتل حسين بك وإحاطتهم بالقصر فأراد الأستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الأمراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والأجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والأمتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا إلى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الأموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط وأصبح الناس بالمدينة يوم الأحد لا يعلمون شيئا من ذلك إلا أنهم سمعوا الصراخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل أنه قتل ببر الجيزة. فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك إلا من صراخ أهل بيته. وكل ذلك وقع وإبراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل إليه عن الخبر. واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية إلى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الإثنين ثامنه ركب إبراهيم بك وأمراؤه إلى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الأعظم إلى العادلية وإمامه الكسوة في أناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من أمر الألفي الكبير فإنه لما حضر إلى رشيد يوم الأربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة إقامته برشيد فقال له اريد الإقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر. ولم يكن معه إلا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فأستاذ نه يحيى بك في إرسال الخبر إلى مصر ليأتي الأمراء إلى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم إنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل إلى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع إلى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار إلى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة. ويأبى الله إلا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته. ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الألفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 نصف الليل فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه إلى منوف العلا فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا إلى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: نريد الألفي فقال لهم: ها هو الألفي فسكتوا. ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه إلى الألفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح أن اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه أخذ بالحزم ونزل في الحال إلى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة إلى البحر فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل إلى شبرا الشهابية فنظر إلى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع إلى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا إلى ناحية قرنفيل ودخل إلى نجع عرب الحويطات والتجأ إلى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار إلى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد إبراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 الهجانة إلى ناحية الجبل ومضى فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا أنه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به أجد منهم وخرم عليه سعد إبراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب أمره. وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الأجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل إلا هو وأخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم إلى الشرقية وطائفة إلى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة إلى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك إلى صالح بك الألفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك إلى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك أيوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل إلى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل إلى منوف فوجدوه عدى إلى الجهة الأخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الألفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال إلى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد إمامه شاهين بك فأرسل يطلب منه أمانا فأجابه إلى ذلك وأرسل إلى مصر من يأتي بالأمان واطمأن شاهين ليلا فلما أصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى إلى القليوبية فبلغه خبر الألفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه أنه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم وأحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 وأرسلهم إلى البرديسي. واما مراكبه فإنه عندما نزل إلى القنجة وفارقها أدركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الأموال وظرائف الانكليز والأمتعة والجوخ والاسلحة والجواهر. فانه لما وصل إلى القرالي اكرمه إكراما كثيرا وأهدى إليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الأمانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها إلى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك. وأما الألفي الصغير فإنه ذهب إلى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم. وأما صالح بك الألفي فإنه لما وصل إليه الخبر وقدوم الموجهين إليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه أيضا. وفي يوم الثلاثاء أحضروا مماليك الألفي الكبير وجوخداره إلى بيت البرديسي وأرسل إبراهيم بك والبرديسي مكاتبات إلى الأمراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الإبراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الألفي الصغير والكبير أن وردا عليهما. وأما شاهين بك فإنه عدى إلى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وإمامه العرب المتهمون بأنهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الألفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع أستاذ نا وفي داخله جوهر ثمين وأرسلوا عدة من المماليك والهجانة إلى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره أنه لم يكن حاضرا في نجعة وأن أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم. فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل: إنه مر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا. وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار إلى جهة الشرقية ومرزوق بك إلى القليوبية يفتشون على الألفي. وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة إلى الألفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وإبراهيم كاشف. وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل إلى السويس. وفي يوم السبت حضر علي بك أيوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل. وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فإنه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه أنه قال لهما هذا الذى فعلتماه لأجل نهب مال القرالي ومطلوب مني أربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الألفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن أني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم إلا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد أيضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه. وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الأمراء وشددوا في الطلب واستقلوا الأمراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الأمراء المصرلية فوعدوهم إلى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الأحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي ألف ريال منها خمسون على غالي كاتب الألفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا. وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية. وفي يوم الأربعاء سابع عشره توفي إبراهيم أفندى الروزنامجي وفيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالأمان. وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالأمان ودخل إلى مصر. وفي يوم الأحد أفرجوا عن كشاف الألفي المحبوسين. وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ وأسمعيل بك إلى ناحية شرق اطفيح لأنه اشيع أن الألفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان إلى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الألفي. وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والأملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك. وفي يوم الأربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب. وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا إلى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الأمراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا أيضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير إلى الجامع الأزهر وذهبوا إلى المشايخ فركبوا معهم الأمراء ورجعوا ينادون بأبطالهم. وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الأسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم أناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد. وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته إلى الجامع الأزهر وقال مثل ذلك ونادى به في الأسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الأمراء ومالوا إلى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية. فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه أن تم له الأمر ونما أمر الأتراك لا يبقون عليه فعاجله وإزاله بمعونة الأمراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه. كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر وأغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني إليهم فاضطروهم إلى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل. وعند ذلك تبرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا إلى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الأمراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا إلى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول: لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم أخذوا يدبرون على العسكر وأرسلوا إلى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا إلى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية وأسمعيل بك صهر إبراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الألفي وانتظاره وأرسلوا إلى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والأمراء وإلى يحيى بك حاكم رشيد وأحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس إلى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الأحد ثامن عشرينه فارتاع الناس وأغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر إلى إبراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الأمراء والكشاف والاجناد. وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وأنشأ بها أماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك. فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الأمر وارجع اليك وتركه وركب إلى خارج فضربوا عليه بالرصاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب إلى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم إلى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك. وفي سابع ساعة من الليل أرسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الأسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به إلى القاضي واطلعوه عليه وأمروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك. فلما أصبح أرسل إليهم فقالوا: لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله إليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس. واما إبراهيم بك فإنه استمر مقيما ببيته بالداودية وأمر مماليكه واتباعه أن يجلسوا برؤس الطرق الموصلة إليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك إلى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والأجناد ووصل إليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم. وعلم إبراهيم بك بخروج البرديسي وأنه أن استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج إلى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه إلى داره ودفنوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الإبراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه. وأما الذين بالقلعة من الأمراء فإنهم أصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية إلى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج إبراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم إلا أنهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا أخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وإبراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من أخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الإبراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم إلى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون إلى بيوتهم إلا ليلة في الجمعة بالنوبة إذا نزل احدهم أقام الآخران وطلع محمد علي إليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي وأشيع في الناس رجوع محمد باشا إلى ولاية مصر فبادر المحروقي إلى المشايخ فركبوا إلى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية وأقام على ذلك بقية يوم الإثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية أشهر كاملة فإنه حضر إلى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الأول وهو آخر يوم منه وأطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الأمراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره إلا ما كان في جيوبهم أو كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف أبي دياب فإنه كان مقيما بقصر العيني أو الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى. واما من كان داخل البلد فإنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر أموالهم وبيوتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة بل وبعض الرعية إلا من تدراكه الله برحمته أو التجأ إلى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ إليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور وخربوا أكثر البيوت وأخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الأمراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد. ولو رجع الأمراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فإنه وأن كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فإن الألفي واتباعه كانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى إلى أن حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم إلى جهة البحر وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو أرسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا أقل اتباعهم وأمروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنه حصول ذلك فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم إلى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك أمر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة إلى أن اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الألفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء إلا باهله. شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة 1218. فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر. وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه. وفي ليلة الأربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وإبراهيم باشا إلى بولاق وسفروهما إلى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية أحمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى أنه لما نزل من القلعة إلى بيت محمد علي نظر إلى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وأمرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 إن السبب في سفره اخوة طاهر باشا فإنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أنه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه. ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا أن طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الأمثل ذلك. وفيه صعد عابدى بك أخو طاهر باشا بالقلعة وأقام بها. وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر إلى جماعته جهة قبلي يقال أنه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا. وفيه أفرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والأسواق وأما الأمراء فإنهم باتوا أول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا إلى حلوان وحضر إليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل إليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا إليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا إلى أن صارت أوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة. وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الأمراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وأن قتل منهم أجد اقتصوا من حريمهم وأولادهم بمصر. وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل إلى مصر. وفي يوم الأحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الأجناد المصرية إلى القلعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 وفيه عدى كثير من العسكر إلى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين. وفي سابعه ظهر محمد بك الألفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الأيام وخلص إليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه وأحضر أناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه وأخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه إشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب إلى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك. وفي تاسعه وصل أحمد باشا خورشيد إلى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت إبراهيم بك بالداودية وفرشه. وفي ليلة الإثنين رابع عشره وصل الباشا إلى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وإمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل إلى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ. وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وإمامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالأمن والأمان والبيع والشراء. وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الإبراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب أمانا وحضر إلى مصر. وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية إلى الأزبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 إلى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع إلى الأزبكية. وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الأسباب وعدم الأمن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل إليه إلا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والأجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم أن الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا: من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والأجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الأسوار لا يجسرون على الخروج إليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الأدرب القمح أن وجد خمسة عشر ريالا. وفي يوم الأحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا إلى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها وأخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى. وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا آخر آغات مستحفظان. وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت إلى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك إلى يوم الأحد سابع عشرينه. وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية إلى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وأنهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك. وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل: إنه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا: إنكم تأخذونه إلى المحاربين وكان شيئا قليلا. وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة أشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الأحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لأنه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله أعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث. وأما من مات فيها ممن له ذكر. فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ أحمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع إلى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 ملازمة كلية وسافر صحبته إلى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته إلى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى إليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب إلى المحكمة وفوضوا إليه أمر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك إلى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم إلا على المترجم فتولاه أيضا وخلعوا عليه وركب مثل الأول إلى المحكمة واستمر بها إلى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والأفتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله. ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 جدة لمحمد باشا توسون طلب إنسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه إليه وأكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته إلى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله. ومات الرئيس المبجل المهذب محمد أفندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد أفندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس. مشهور بالذوق وحسن الأخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الأحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله إلى الحرمين وعزم على الإقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه وأغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الإقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة إلى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله. ومات الأمير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الألفي وكان يعرف أولا بكاشف الشرقية لأنه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الأسود ولما أجمعوا على خيانة الألفي واتباعه قال لهم إبراهيم بك: الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فإن امكنكم ذلك وإلا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش أنه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 لاقى الحجاج وأمير الحاج صالح بك رجع صحبتهم إلى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر. ومات الأمير رضوان كتخدا إبراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف أولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت إسمعيل بك وأتباعه إلى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية أستاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها إلى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الأمراء والأعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته أرباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه إليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الأمور وإذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الإرسال إليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به إلى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الأمارة فأباها واستمر على حالته معدودا في أرباب الرياسة وتأتي الأمراء إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الأمراء وحصروا إبراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الأحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب وأخذوا ما في جيوبه ثم أحضروا له تابوتا وحملوه فيه إلى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فإنه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر. ومات العمدة الشريف السيد إبراهيم أفندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين وألف واصلهم روميون الجنس وكان في الأصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان أفندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود إليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل إليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل إبراهيم بك عن شخص من أهل بيت المتوفي فذكر له السيد إبراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال: لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول إلى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الأمور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك إلى أن ورد الفرنساوية إلى مصر فخرج من خرج هاربا إلى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين والف. فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل الغورية فأنزل شخصا من ابناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الأعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الأرض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار إلى الأشرفية فأنزل شخصا من حانوته وفعل به مثل ذلك فأنزعج أهل الأسواق وأغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا إلى بيت الباشا يشكون فعل الوالي وسمع المشايخ بذلك فركبوا أيضا إلى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم أن الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا إلى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد أغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل. وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بأقليم الجيزة حتى وصلوا إلى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج أهلها على وجوههم وعدوا إلى البر الشرقي وأخذ العسكر في اهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم. وفي يوم الجمعة ثانية سافر السيد علي القبطان إلى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الأموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي إلى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر. وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا إلى برانبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الأحد حادى عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقى والقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الآخر وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة ابلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضهم وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زوبلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن الكاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبا من جلد زعموا أنهم وجدوه معه وأصيب إسمعيل بك صهر إبراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير. وفي ثاني عشره حصلت اعجوبة ببيت بالقربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالادارة فاسقطت حملا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به إلى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه. وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولا من جهة الألفي ووصل إلى جهة البساتين وأرسل إلى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض اشغال فركب المشايخ إلى الباشا واخبروه بذلك فاذن بحضوره فحضر ليلا ودخل إلى بيت الشيخ الشرقاوى فلما أصبح النهار اشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به إلى بيت الباشا فوجدوه راكبا في بولاق فانتظروه حصة إلى أن حضر فتركوا عنده على كاشف المذكور ورجعوا إلى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبا بعدة كاملة وركب إلى بيته وإمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضا حصانا. وفيه شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالازبكية. وفي يوم الإثنين تاسع عشره ورد ططرى وعلى يده بشارة الباشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث إلى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا وأحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والأعيان للتهنئة. وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا أشخاص احدهم رجل سروجي وسبب ذلك أن الرجل السروجي له أخ اجير عند بعض الأجناد المصرلية فأرسل لاخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فاحضروا ذلك الرجل السروجي وأحضروا أيضا رجلا بيطارا متوجها إلى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدى إلى البر الآخر ليعمل لاخصامهم نعالات للخيل فأمر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلما. وفي يوم الأربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان ارسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه اطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكا ومدافع. وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهرى واقره باش مباشر الاقباط على ما هو عليه. وفيه رجع علي كاشف الشغب بجواب الرسالة إلى الألفي. وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحا من المعركة السابقة. وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه اننا كنا صفحنا ورضينا عن الأمراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الأعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا امواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبا بحرية وكذلك أحمد باشا الجزار بعساكر برية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم لهم وقتلهم واخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 لجبرهم ما وقع من الخلل الأول وصفحنا عنهم صفحا كليا وأطعنا لهم السفر والأقامة متى شاؤا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة أحمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرآسة إلى غير ذلك وعملوا شنكا وحراقة وسواريخ بالازبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة من القلعة وغيرها. وفيه تواترت الأخبار بأن الأمراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية إلى البر الشرقي. وفي يوم الأحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة إلى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا إلى البلاد وحضر كثير منهم إلى مصر خوفا من وصول القبالي. وفي يوم الخميس حادى عشرينه سافر الشيخ الشرقاوى إلى مولد سيدى أحمد البدوى واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهرى مسافرين أيضا وشهلوا احتياجاتهم وأستاذ نوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية إلى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوى ومن تابعه. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم إلى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم إلى مصر. وفي يوم الأربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات إلى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 في إقليم الشرقية والقليبوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسا من البيادر أخذوه أو قائما على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه وأكلوه وذهب منهم طائفة إلى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه أسيرا ومعه اثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر أبو طويلة شيخ العائد عند الأمراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم هذه الزروعات غالبها للعرب والذى زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وأن هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم وأما النهب فإنه يذهب هدرا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادى وغيرهم قوله هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقى معه إلى البحر ونزل في قارب وحضر إلى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب والزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل ألف ريال والفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدما وحق طرق خلاف المقرر عشرين ألف فضة وأزيد ومن استعظم شيئا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا أهلها وحرقوا جرونهم وقل الواردون إلى المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر إلى الغلال لاخبارهم لانهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشترى زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه إلا بعد مشقة بستين نصفا وإذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه ايصالها إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 داره إلا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الأبواب واتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بأنهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم دراهم ويطلقونهم. وفي اواخره طلبوا جملة اكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة اكياس على الاقباط والسيد أحمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين. وطلبوا أيضا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا أنفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول إلا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين. شهر صفر الخير سنة 1219. استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد بعد ثلاثة أيام وليس بيده ورقة من سيده يستاهل الذى يجرى عليه. وفي ثانيه طاف الأعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع. وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشترى طربوشا عتيقا من سوق العصر بسويقة لاجين واتهمه أنه يشترى الطرابيش للاخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلما. وفي سابعه نزل الارنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع إليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع إلى داره آخر النهار. وفيه اشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله إلى بنى سويف وفي عقبة الألفي الصغير أيضا. وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني وأخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا إلى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع. وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه اثنان وقد أفرج عنهم الأمراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا إلى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوى جبرا لخاطرهم. وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرجى وكانت الواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا أهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا إلى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة. وفيه حضر أناس من الذين ذهبوا إلى مولد السيد البدوى وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقا في البر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم ما لا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فإنه ذهب إلى المحلة الكبيرة وأقام بها أياما ثم ذهب مشرقا إلى بلدة القرين. وفيه حضر مصطفى أغا الارنؤدى هجانا برسالة من عند الألفي وفيها طلب اتباعه الذين بمصر فلم ياذنوا لهم في الذهاب إليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته العثمانية. وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا إلى جهة بحرى وأنه وصل إلى بنى سويف وأن الألفي الصغير في أثره بحرى منية ابن خصيب والألفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الأموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية. وفي يوم الأحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذى بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسا وكذلك طلبوا من باقي الأعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 آغا محرم ومحمد أفندى سليم وإبراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على الاقباط ألف كيس وحلف الباشا أنها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنوهر والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسا ومائة كيس وخمسين كيسا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير. وفي يوم الإثنين أرسل الباشا الوالي والمحتسب إلى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتهما امرأتان فطلعا بهن إلى القلعة وكذلك ارسلوا بالتفتيش على باقي نساء الأمراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام إليها واجلها ثم أمرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح أن جاريتك منور تتكلم مع مصادق آغا وتقول له: يسعى في أمر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته أن ثبت أن جاريتي قالت: ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها: وهذه واشار إلى الورقة فقالت وما هذه الورقة ارنيها فاني أعرف أن اقرأ لانظر ما هي فأدخلها ثانيا في جيبه ثم قالت له: أنا بطول ما عشت بمصر وقدرى معلوم عند الأكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم اعداء الدين فما رأيت منهم إلا التكريم وكذلك سيدى محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدرى ولم نر منه إلا المعروف وأما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم فقال: ونحن أيضا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأى مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل أرباب الجرائم فقال أنا ارسلته لكونه أكبر اتباعي فإرساله من باب التعظيم ثم اعتذر إليها وأمرها بالتوجه إلى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة واجلسوها عنده بجماعة من العسكر وأصبح الخبر شائعا بذلك فتكدرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 خواطر الناس لذلك وركب القاضي ونقيب الأشراف والشيخ السادات والشيخ الأمير وطلعوا إلى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها واني انزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسما للفتنة لانها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك أما العفو أو الانتقام فقال أنها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم إلى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث أنها تقدر على دفع العلوفة فينبغي أنها تدفع العلوفة فقالوا له أن ثبت عليها ذلك فإنها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام إليها الفيومي والمهدى وخاطباها في ذلك فقالت هذا الكلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى إني أخاطر بسببه فإن كان قصده مصادرتي فلم يبق عندى شيء وعلي ديون كثيرة فعادوا إليه وتكلموا معه وراددهم فقال الشيخ الأمير للترجمان قل لافندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فإن كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائما على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى اغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في اطلاقها وأنها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وانزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة إبراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت إلى بيته أيضا. وفيه شنقوا شخصا على السبيل بباب الشعرية شكا منه أهل حارته وأنه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك. وفي يوم الحميس رابع عشره كتبوا أوراقا وألصقوها بالأسواق بطلب ميرى سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الألف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الأمراء ثمانمائة كيس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 المجلد الثالث (تابع) سنة تسعة عشر ومائتين وألف ... بسم الله الرحمن الرحيم. وفيه خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء. وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرأ فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة الشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكا واحدا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة. وفيه رجع الكثير من عسكر الارنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون لعوفة واستمر من بقي منهم ببهتيهم وبلقس ومسطرد وقد اخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال واتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان لرمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك. وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز وأخبروا بان الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين وأخبروا أيضا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار دولة العثمانيين ووردت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 أخبار أيضا من البلاد الشامية بوفاة أحمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم. وفي يوم السبت سادس عشرة أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء وأصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم وحضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الأغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل. وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحري وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية وأصبح يوم الإثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون: يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدا إلى السيد عمر النقيب يقول: أننا رفعنا عن الفقراء فقال له: إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون. وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 رأس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون: طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم أخذوها منهم. وفي تاسع عشرة حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال: إنما نأخذها بأثمانها فقال له: ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وأن أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في أثر ذلك بالأمان. وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينا وشمالا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور اغات الانكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق آخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينة قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات ومن وصول الاطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحيرة أخرى. وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية وأخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر وأخذوا مركبين وأحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها: الشلنبات وضربوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرية أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له: إذا أنهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل. وفي أو آخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها ورجع منهم قتلى ومجاريح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وإمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك. وفي عصرية ذلك اليوم اخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجباخنة أيضا محملة على نيف وثلاثين جملا. وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيوتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برا وبحرا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولايعرفون من الأحكام إلا أخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث أنه لا يخلوا يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات أما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شربأدى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 سبب مع العامة والباعة أو مشاحنة مع السوقة والمتسببين بسبب أبدال دنانير ذهب ناقص بدراهم مكررة فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالا والفول والشعير أكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شئ أخذوه لاحتياج العليق قهرا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفا بحيث حسب ثمن الأردب بعد غربلته وأجرته ومسكه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزا أربعة وعشرون ريالا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفا والسمن القنطار بالفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالا والجبن القريش بثمانية عشر نصفا الرطل وأما الخضارات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفا الرطل والواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفا والعسل الأسود خمسة عشر نصفا والعسل القطر عشرون نصفا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفا الحملة بعد ثلثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره أكثر الناس لقلته وغلوا ثمنه فإنه بيعت الواحدة بعشرين نصفا فأقل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلعوه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لا تقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفا والتفاح الأخضر كذلك وقس على ذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسيين وأخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الأتبان فأنها كثرت وانحل سعرها عما كانت. شهر ربيع الأول سنة 1219 استهل بيوم السبت. فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم وأخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء أغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوى وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه. وفي رابع حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا. وفي يوم الخميس سادسة حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد والواقع بمصر فكتب له الباشا جوابا ملخصه على ما نقل إلينا إنك في السابق عرفتنا انك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالآذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعا وممتثلا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 بالجواب يوم السبت ثامنه. وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروبنها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم. وفيه وردت مكاتبات من الحجاز وأخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صبر في الصرة وأن طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وأن ببلاد الحجاز غلاء شديدا لمنع الوارد عنهم والأردب والقمح بثلاثين ريالا فرانسا عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة. وفي يوم السبت ثامنة أرسلوا فعلة وعمالا لعمل متاريس وابنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف. وفي ثالث عشرة ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل وأخبروا بمحاصرة الوهابين لمكة والمدينة وجدة وأن أكثر أهل المدينة ماتوا جوعا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسا أن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسا وقس على ذلك. وفي خامس عشرة يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا أنهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد الأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولا ويرقا وطبلخانات واركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وإمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنيبات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال: إن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصلوا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانا في ذلك الوقت بعد العصر وقرأوا التقليد المذكور. وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه. وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر الشرقي. وفي يوم الإثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابا للمشايخ العلماء مضمونه أنه لا يخفاكم اننا كنا سافرنا سابقا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا بأوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى افندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا واطلعوه عليها فقال في الجواب: إنه تقدم أنهم تركوا نساءهم للفرنسيس وأخذوا منهم أموالا وإني كنت أعطيت له جرجا ولعثمان بك قنا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن اكاتب الدولة وأطالب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم. وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس. وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 الصابونجي فلما حضرا إليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر فحبسا بها. وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانا وحضر المشايخ والوجاقلية واظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان واوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان المغوري وقد اعدوا له كرسيا بغاشية جوخ أحمر وبساط مفروشا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية وأحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما أكثر كلاما من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم أخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وامرناهم بان يلازموا الطاعة ويكونوا مع أحمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وأبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل ودخل إليه المشايخ فخلع عليهم فراوي سمور وكذلك الوجاقلية والكتبة والسيد أحمد المحروقي ثم عملوا شنكا ومدافع كثيرة وطبولا وأحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليهم أيضا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وفي يوم السبت ثاني عشرينه افرجوا عن مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلثمائة كيس. وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنآه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك وإلي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الازبكية وجهة الموسكي والحال أنهم لا يقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة وأخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية. وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس أغا: كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصا. وفيه أرسل الباشا اغاة الانكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الانماطيين فأرسل إلى الارنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان أغا كبير الارنؤد الذي التجأ إليهم المذكور حضر إليه وأخذه إلى داره بالازبكية وصحبته الأمير مصطفى البردقجي الألفي أيضا. وفي يوم الإثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي إلى الباشا فعند ما قرا الباشا المراسلة أمر بقتله حالا فرموا عنقه برحبه القلعة وحضر أيضا مملوك بمراسلة من عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وأنه اغتر بكلامه وتمويهاته عليه وأن بيده أوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور ثم ظهر أنه لم يكن بيده شيء وأن عثمان بك ممتثل لما يأمره به الباشا وأمثال ذلك فكتب له جوابا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه أخرجوا عن النصارى الاقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسا ونزلوا إلى بيوتهم بعد العشاء الأخيرة في الفوانيس. وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله إلى بر انبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع واشيع أن الألفي الكبير وصل إلى الشوبك وعثمان بك حسن وصل إلى حلوان ورجع إبراهيم بك البرديسي وباقي الأمراء إلى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخروج كثير من العسكر إلى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها إلى الشرق وخرج أيضا عدة من العسكر إلى ناحية طرا والجيزة. وفيه أرسل الألفي الصغير وروقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الأنف كان من اتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور إليه ويعده بالاكرام وأن يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول إلى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وانعم على مقطوع الانف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بايام وصلت هجانة من العريش وأخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون: عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون: الفان أو ثلاثة. وفي يوم الأربعاء تواترت الأخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الأمراء البحرية إلى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة إلى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من اثقالهم إلى المدينة. وفي يوم الخميس أحضر الباشا طائفة اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس. وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية انبابة إلى جهة الشيمي باستدعاء من. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 سيدة وأشاع العثمانية أنهم ذهبوا ورجعوا من حيث أتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم أمور لاتتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية. وفيه أرسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية أطاح بهم العربان وأخذوهم. وفيه تسحب أشخاص من كبار العسكر باتباعهم وذهبوا إلى المصريين وانضموا إليهم فمنهم من ذهب إلى قبلي ومنهم من ذهب إلى بحري. وفيه عدى الألفي الكبير والصغير إلى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم إلى قبلي. وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر إلى بولاق وانتقل محمد علي إلى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا إلى تلك الجهة. وفي يوم الأحد غايته افرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني. وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية إلى ساحل بولاق وصحبته أمتعة ولوازم للباشا وأشياء في صناديق. استهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين سنة 1219. فيه ركب الخازندار المذكور وطلع إلى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته أغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريا مشوا إمامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية إمامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من اتباع الباشا وإمامه الجنيبات والخيول. وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية إلى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم إلا القليل وأكثرهم قتله العسكر الذي بقي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم إليهم من أجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبا ضمهم إليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع. وفيه انبهم أمر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن اخبارهم فمنهم من قال: إن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال: أنهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث اتوا وبعضهم طلب الأمان وانضم إليهم ومنهم من قال: إن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل أنهم حضورا بثمانين رأسا منهم إلى بلبيس. وفي يوم الابعاء خرج الوالي بعده من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية المرداش. وفي يوم الخميس رابعه هجم الأمراء القبالي وهم الألفي واتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم إليهم على طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من اعلى الجبل وتعدوا إلى ناحية البساتين وتركوا طرا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا مع طوابير العسكر وكانوا انفارا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج إليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم انفار. وفيه وصل جواب من الأمراء القبالي إلى المشايخ يذكرون فيه أنهم يخاطبون الباشا في اخماد الحرب وصلحه معهم فان ذلك أصلح له ويكونون معه على مايحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي اوجبت له المصادرات وسلب الأموال وخراب الإقليم وأن يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك واطلعوه على المكاتبة أبي وقال: ليس لهم عندي إلا الحرب. وفي يوم الجمعة حصلت أيضا بينهم محاربة وأصيب من المراكب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت إحداهما وأحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة. وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحرى وذهب إلى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر الجهني ووقع في ذلك اليوم محاربات أيضا. وفي يوم الأحد أشيع حضور الأمراء القبالي إلى ناحية بهتيم وأنهم أرسلوا إلى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر إلى جهة البساتين فلم يروا أحدا من المصرلية فركب محمد علي وأخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يرو إمامهم أحدا فلم يزالوا سائرين وإذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فاوقع معهم وقعة قوية حتى اثخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقو بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم إلى القلعة ودخل الباقون إلى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة أخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر واعطوا لمن بقي الأمان وهم نحو الثلاثين شخصا. وفي يوم الإثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة الشرق ووصلت مقدماتهم إلى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج إليهم أحد من العسكر بل أخذوا يضربون المدافع من على السور ودخل محمد بك المنفوخ إلى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والاتباع على الدكاكين والقهاوي واستمر ضرب المدافع إلى بعد الظهر ثم أن المصرية ترفعوا عن الحسينية إلى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وإمامه ثلاثة رؤوس تبين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 أنها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة. وفيه طلب جماعة من المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج إليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وإبراهيم بك فاسر إليه إبراهيم بك بان يكون سفيرا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وأنه لا يستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه محمد باشا وأما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في أواخر النهار فلما أصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع إلى الباشا وبلغه ذلك فقال له: الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع إليهم بالجواب فقال: أنا فحقدها عليه ثم قام من عنده فأرسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب إليه في ثاني يوم شيخ السادت والسيد عمر النقيب وترجوا في اطلاقه فامتنع وقال: أخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح اطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة أيام يكون خيرا فإنه مقيم عند الخازندار في اكرام وفي مكان احسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج إلى المخالفين متنكرا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود إليهم ثانيا. وفي ليلة الثلاثاء المذكور حضر محمد علي عند الباشا بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسا وقيل ثمانين ورجع إلى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم على من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وأمثال ذلك وفي ظن أولئك صدقة وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو أربعة آلاف فرسانا ورجالا فلما قربوا من الحرس في آخر السادسة ترجلوا وقسموا أنفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا إلا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا إلى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وأبراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين إلى هذا الوقت محصورين وقد اشرفوا على طلب الأمان وأخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض أمتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا وقتل بينهم بعض أشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان أو سياس أو غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وأرسلوا المبشرين آخر الليل إلى الأعيان ليأخذوا البقاشيش واشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير وأحضروه معهم حيا والباقي رموا بأنفسهم إلى البحر ولما طلع محمد علي إلى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت له من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع واظهروا السرور وداروا بالأسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بانافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الاشاعة وأن تلك الراس راس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا. وفي يوم الأربعاء عاشره وصل من بحرى ثلاث شلنبات كان الباشا أرسل بطلبها عوضا عما تلف فعند ما وصلوا إلى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال اقعدوا به طبجية ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لا يصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة إحدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال: إن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مركب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا مافيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ما كان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 موجودا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفا وقل وجود الخبز في الأسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الافران وأخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الاكل والعليق لدوابهم. وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفا وثمانين نصفا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعا بمائة نصف فضة فيكون الاردب على ذلك الحساب بألفين وأربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورجع القبليون إلى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من ابراجها ونقلوا إليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر وأخذوا جمال السقائين لنقل الماء إلى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر وأخذوا منها ما وجدوه من الغلة وأمروا ببيعه على الناس بخمسين نصفا الربع وأخذوا لأنفسهم ما وجدوه من الشعير والفول. وفي يوم السبت قلدوا حسن أغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر امكانهم واجتهد هو أيضا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين وأما اللحم الضاني فانه انعدم بالكلية لعدم ورود الاغنام. وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب اناس إلى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفا وازيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق أكثر الناس على بهائمهم ما وجدوه من أصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس وأما غيرهم فاقتصروا على التبن وأما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما إلا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفا والتين بسبعة انصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن. وفي يوم الأحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما إلى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من أكابر العسكر أربعة أو خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز إلى معسكرهما وبعد هجعة من الليل اجتمع العسكر من الانكشارية والارنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالافرنجي وعلي بك ايوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا اليهما ومنهم الرماة والطبجية فاجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرا وعدة من مماليك علي بك ايوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية إلى جهة الشرق بالخانكة وابى زعبل وقيل أن العسكر المنضمين إليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما أصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة شوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية إبراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه: رأس إبراهيم بك بلا شك واشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر إليه ووصل الخبر إلى الباشا فأحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به واخرين وطلب الراس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من انكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط بعض الاسنان ثم اعيدت إلى مكانها على ذلك الاشتباه ثم أنهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضا وفعل مثل ذلك وردها أيضا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند ومكابر حتى وردت خدم من معسكرهم وأخبروا بحياة إبراهيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 بك وأنه بوطاقة جهة الشرق فزال الشك وأرسل المصريون إلى بيوتهم أوراقا. وفي ليلة الإثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفا أخذا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة اصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان بأول برج الدلو. وفي ليلة الخميس وصل أمير اخور الصغير من الديار الرومية وطلع إلى بولاق في صبحها وركب إلى القلعة فانزله الباشا ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الأوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه اخراج خمسمائة من العسكر إلى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون إليه من مؤنة وغلال وجبخانة. وفي يوم الثلاثاء قرأوا تلك الأوامر وفيها أنه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام إلى الحجاز فأحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الأمر وقال لهم: إنه ورد لي اذن عام في تقليد من اقلده فمن احب منكم قلدته امرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا: نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبا خارجا عنها ووصلت الأخبار في هذه الأيام أن الوهابيين ملكوا الينبع. وفيه وردت الأخبار بأن الألفي عدى إلى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى إلى البر الغربي وانتشرت عساكره إلى الجسر الأسود ثم رجعوا وعدوا إلى البر الشرقي. وفي يوم الأربعاء سابع عشره ركب الأمراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم واثقالهم وذهبوا إلى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكانوا في ظنهم أنهم إذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج إليهم الكثير من العسكر وانضم إليهم لمقدمات سبقت منهم ومراسلات وكلام وقع بينهم وبين اتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 أكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل واخراج بعض الاتباع والمماليك بمطلوبات إلى اسيادهم خفية وليلا حتى استقر في اذهان كثير من العقلاء ممالات كثير من البنباشيات ورؤساء العسكر من المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا إلى المدينة بأثقالهم وحملوهم وانتشروا بها حتى ملؤا الازقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم اناس كانوا منضمين إليهم طلبوا أمانا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك إلى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق واخرجوا منها أهلها وسكنوها وإذا سكنوا دارا اخربوها وكسروا اخشابها واحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم إلى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصا بيوت الأمراء والأعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الأكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار: وأما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل واورثت العين بوحشتها بكاء وعويلا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنا طويلا. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره. وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين إلى الينبع اميرا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فانه كان اخبث من تقلد الولاية من العثمانية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من اخلاط مصر البطالين اروام وخلافهم. وفيه قلدوا مناصب كشوفية الأقاليم لأشخاص من العثمانية. وفي ثامن عشرينة تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الافرنج بالموسكي فأراد العسكري قتل الفرنساوي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربا فاجتمع العسكر وأرادوا نهب الحارة فوصل الخبر إلى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب واغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية وأخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر. وفي تلك الليلة أيضا مر جماعة من العسكر بخط الدرب الاحمر فأرادوا أخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه وأخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحا وسمعوا لقصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضا عسكريا مقتولا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من أخذ النساء والمردان والامتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر. وفيه استقر الأمراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي واتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وأرسل الباشا إلى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة طلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية أربعين نصفا بعد المشقة في تحصيله لأنه لم يبق إلا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالي هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل. شهر جمادي الأولى سنة 1219. استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعا قبل الظهر إلى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب اذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والأسواق حتى أنهم في آخر الليلة التي كان من. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها إلى الصباح اغلقوا الحوانيت واطفؤا القناديل من بعد أذان العشاء وذهبوا إلى دورهم. وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين اعلى واوسط وأدنى إلا على خمسة عشر أردبا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن إقليم القليوبية لم يبق به إلا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية ألاف اردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا إلى الينبع ثم قرروا فردة أخرى كذلك أيضا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية. وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الأمراء المصريين خطابا للمشايخ مضمونه أنهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وأنه يخرج هذه العساكر فانهم أن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الإقليم وأما نحن فاننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وأن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وأن أرادوا الحرب فليخرجوا الناس بعيدا عن الابنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء إلى آخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ: اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلا فقالوا: نحن لا نكتب شيئا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس. وفيه عزم جماعة من أكابر العسكر على السفر إلى بلادهم وهم أحمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما وأخذوا في تشهيل أنفسهم وبيع متاعهم ونزلوا إلى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر أغا فاجتمع العسكر وأحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم اعطونا علوفاتنا المنكسرة وإلا عطلناكم ولا ندعكم تسافرن بأموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على أيام وامتنعوا من السفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعاعة عوضا عن علي أغا الذي تولى باشة السفر للينبع. وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للارنؤد جامكية شهر. وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادي الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي اوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبارالعسكر وجميع العسكر وكان جمعا مهولا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصا بهم دون أولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة أشخاص نساء ورجالا اصيبوا من بنادقهم ومما وقع أنه اصيب شخص من أولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر أهله يصرخون وأرادوا أخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت واذن لهم في أخذه ومواراته ونظر بعضهم إلى اعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فاصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق اخباره. وفي يوم الأحد ثالث عشرة خرج علي باشا الوالي المسافر إلى الينبع خارج البلد وأقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشرة ومعه مائة عسكري لاغير وذهب إلى جهة السويس. وفيه أرسل الباشا إلى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على أهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدفعوا بما امكنهم من المدافعة فقال: هذا الذي نطلبه إنما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده إليهم فقالوا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 له: لم يبق بايدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت إلى الوجاقلية وقال: كيف يكون العمل فقال أيوب كتخدا: نعمل جمعية مع السيد أحمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا أنهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي أنهم قرروا على الوجاقلية قدرا من الأكياس وكتبوا بها تنابية بأسماء أشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسا وعشرة وخمسة وأقل وأكثر وكذلك وزعوا على أشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة اغراب وأهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه واودعوه في أضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وأرسلوا العسكر إلى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الأكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وأمثال ذلك. وفي يوم الخميس رابع عشرينة أرسل الباشا عسكرا فقبض على الأمير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب إليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا: إنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال: إنه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس وم الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألفي وأنه عند هروب مخدومه من الشرقية أخذ ما كان معه من المال على أربعة جمال ودخل بها إلى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا اطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل. وفي يوم السبت سادس عشرينه توفى الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من أعيان العلماء الشافعية. وفي يوم الإثنين ثامن عشرينة أحضروا المحمل من السويس فنزل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 كتخدا الباشا والآغا والوالي وأكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر. وفي أواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا وأخذها وأعطى أصحاب البن وثائق بثمن البن لأجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من أصل علوفاتهم فبلغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن إلا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعاوي الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو أنه عصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته أشخاصا معينين من اقرانه فيسحبون المدعي عليه إلى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي اعلاما بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الاعلام فيذهبون إلى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الاعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم: اعط المباشرين خدمتهم خمسة أكياس واذهب وأمثال ذلك فان وحد شافعا أو مغيثا توسط له أو تشفع في تخفيف ذلك قليلا أو ضمنه أو دفع عنه وانقذه وإلا حبس كغيره وذاق في الحبس أنواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكوا نظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من أيام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والايراد فامر الكتخدا باحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسالهم فأخبروا بتعطيل الايراد فأحضروا مباشرين الاوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا: اعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا: هاتوا محصول الخزينة فقالوا: وما يكون محصول الخزينة قالوا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 ثلاثون كيسا على كل ناظر عشرة أكياس فبهت الجماعة وتحيروا في امرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم إلى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينة وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه وأما الاثنان الآخران فاستمر في الحبس والحديد مدة طويلة وأمثال ذلك. وفي أو آخره افرجوا عن السيد علي المدني بعد ما قرروا عليه أربعة آلاف ريال خلاف البراني وأمثال ذلك كثير. شهر جمادي الثانية سنة 1219. استهل بيوم الخميس في حضرة القاضي الجديد إلى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع إلى القلعة وسلم على الباشا ورجع إلى المحكمة وكان عندما وصل إلى رشيد أرسل إلى الباشا ليامر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا أصحابها بالعمارة وامرهم بالاجتهاد في ذلك. وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل وأما العسل الأبيض فبلغ الرطل خمسين نصفا أن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية واسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي. وفي خمسه اشيع سفر محمد علي إلى بلاده وكذلك أحمد بك وغيرهم من أكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر افساد العساكر وخطفهم واغلق أهل الأسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصا الانكشارية. وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على اقدامه كذلك حسن بك اخو طاهر باشا وعابدي بك واغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وإمام بعضهم المناداة بالتركي بالأمن والأمان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي أثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 مرورهم وقع الخطف والتعرية. وفي ذلك اليوم أواخر النهار مرت مركبان فيهما عسكر ارنؤد بالخليج المرخم ومعهم امراة وبتلك الجهة عسكر انكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا أو عرف العوم فتحزب الارنؤد وجاء منهم طائفة لذلك البيت فلم يجدوا به أحدا فأرسل محمد علي إلى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك. وفي صبحها يوم الأربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال: إنه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب اخر. وفيه سافر جماعة من العسكر وأخذوا المراكب وأرسلوا إلى اسكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجئ وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الأسباب والمأكولات زيادة عن الواقع وإذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة انفار أو العشرة والحال أنها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك. وفي يوم السبت سابع عشرة سافر أحمد بك وعلي بك اخو طاهر باشا. وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية. وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من القلعة. وفي يوم الأحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ إبراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانة من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم انفارا. وفي يوم الإثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر إلى التجريدة وكل من كان مسافر إلى بلاده فليسافر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب إلى زوجها بقبلى فلما بلغ الخبر الباشا أحضر اخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق اخاها عنده ثم اطلقه بشفاعة المحروقي. شهر رجب الفرد سنة 1219. استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية إلى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له: محمد افندي. وفي يومي الإثنين والثلاثاء نادى الاغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر اذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت اشغال الناس في السعي إلى مصالحهم ونقل بضائعهم. وفي يوم الأربعاء سافرت التجريدة برا وبحرا وتأخر محمد علي عن السفر إلى بلاده كما كان اشيع ذلك واشتهر أنه مسافر إلى الجهة قبلى وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها أحد من المصرلية. وفي يوم الأحد تاسعه نزل الباشا إلى وليمة عرس مدعوا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر أفندي نقيب الاشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين. وفي حادي عشرة نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريا يشترى كوز صفيح فاعطاه خمسة انصاف فأبى السمكري إلا بعشرة فأبى ولم يدفع له إلا خمسة فرآه الباشا فقال له: اعطة ثمنه فقال له: وايش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له: أما تخاف من الباشا فقال الباشا: على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى. وفي يوم الإثنين سابع عشرة أحضروا أربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة واشاعوا أنهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالي واشاعوا أنه بعد يومين تصل وردت رؤوس كثيرة ووصل أيضا جملة أسرى طلعوا بهم إلى القلعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وفي يوم الأربعاء طلع محمد علي إلى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره إلى قبلي وبرز بوطاقه إلى خارج. وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري أغا بانه يكاتب الأمراء المصرية القبالى ومنعوه من السفر إلى قبلى وامروه بأن يسافر إلى بلاده فركب في عسكره وذهب إلى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم إليه كثير من العسكر فحضر إليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر إليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا: لا نسافر ولا نذهب إلا بمرادنا واعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري أغا إلى المحتسب وقال له: نحن نأخذ العيش بثمنه فان منعتموه من الأسواق طلعنا إلى البيوت وأخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الافساد فاخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك أياما. وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها الاعلي ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن واغنام وقمح وتبن وشعير. وفي أواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر اناس بعد أيام من جهة شرقية بلبيس وأخبروا أنه نزل بناحية مشتول صواعق أهلكت نحو العشرين من بني ادم وابقارا واغناما وعميت اعين أشخاص من الناس. وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد أحمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك وشرعوا في عملها في بيت الملا بحارة المقاصيص. شهر شعبان سنة 1219. استهل بيوم الأحد في رابعة حضر لحسن بك طوخان وطلع إلى القلعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 ونزل إلى الباشا ولبس خلعة من خلع الباشا قاووقا وركب ونزل من القلعة وإمامه الجاويشية والسعادة والملازمون وضربت له النوبة بمعنى أنه صار عوضا عن اخيه. وفي يوم الخميس نزل قادري أغا ومن معه من العسكر في المراكب وسافر جهة بحري وسافر خلفهم عدة من الدلاة. وفيه اشيع ابطال الفردة في هذا الوقت ثم قرروا مطلوبات دون ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشرة نودي بخروج العسكر إلى السفر لجهة قبلي ولا يتأخر منهم من كان مسافرا فشرعوا في الخروج وقضاء حوائجهم وصاروا يخطفون حمير الناس والجمال. وفي يوم الجمعة وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده فرمان جواب من مراسلة للباشا بإرسال باشة الينبع لمحافظتها من الوهابيين وأنه اعطاه ذخيرة شهرين وبان يرسل إليه ما يحتاجه من الذخيرة وكذلك محمد باشا والي جدة يعطي له ما يحتاجه من الذخيرة لأجل حفظ الحرمين والوصية برعية مصر ودفع الخالفين وأمثال ذلك فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوا الفرمان وضربوا عدة مدافع. وفيه مات الشيخ حجاب. وفي يوم السبت رابع عشرة سافر محمد علي. وفيه هرب علي كاشف السلحدار الألفي ومن بمصر من جماعته فلما وصل الخبر إلى الباشا أرسل إلى بيوتهم فلم يجد فيها أحدا فسمروها وقبضوا على الجيران ونهبوا بعض البيوت. وفي سابع عشره سافر حسن باشا أيضا ونادوا على العسكر بالخروج. وفي تاسع عشره حضر طائفة من الدلاة نحو المائتين وخمسين نفرا فانزلهم الباشا بقصر العيني. وفي يوم الثلاثاء المذكور سابع عشرة عمل السيد أحمد المحروقي وليمة ودعا الباشا إلى داره فنزل إليه تغدى عنده وجلس نحو ساعتين ثم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 ركب وطلع إلى القلعة فأرسل المحروقي خلفه هدية عظيمة وهي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وذهب وتحائف وخيول له ولكبار اتباعه صحبة ولده وترجمانه وكتخداه وخلع عليهم الباشا فراوى سمور. وفي يوم الأحد ثاني عشرينة توفي السيد أحمد المحروقي فجأة وكان جالسا مع أصحابه حصة من الليل فأخذته رعدة فدثروه ومات في الحال في سادس ساعة من الليل فسبحان الحي الذي لا يموت وركب ابنه وطلع إلى الباشا فوعده الباشا بخير وأرسل القاضي وديوان أفندي وختم على بيته وحواصله ثم حضروا في ثاني يوم فضبطوا موجوداته وكتبوها في دفاتر وأودعوها في مكان وختموا عليها وأرسلوا علم ذلك إلى الدولة صحبة صالحة أفندي وكان على اهبة السفر فعوقوه حتى حرروا ذلك وسافر في يوم الجمعة سابع عشرينة. وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه أحضروا إحدى وعشرين راسا لا يعلم ماهي وهي متغيرة محشوة بالتبن وشاعوا أنها من ناحية المنية وانهم حاربوا عليها وملكوها ولم يظهرلذلك أثر بين. وفي يوم السبت ثامن عشرينه البس الباشا ابن السيد المحروقي فروة سمور وقفطانا على دار الضرب وعلى ما كان ابوه عليه من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي إلى المحكمة ثم رجع إلى بيته. وفي ذلك اليوم بعد العصر وقع ربع بجوار حمام المصبغة جهة الكعكبيين على الحمام فهدم ليوان المسلخ فمات من به من النساء والأطفال والبنات ثلاثة عشر وخرج الاحياء من داخله وهن عرايا ينفضن غبرات الاتربة والموت وحضر الاغا والوالي ومنعوا من رفع القتلى إلا بدراهم ونهبوا متاع النساء وقبضوا على الشيخ محمد العجمي مباشر وقف الغوري ليلا وازعجوه لأن ثلث الحمام جار في الوقف والحال أن الحمام لم يسقط وإنما هدمه ما سقط عليه وكذلك طلبوا ملاك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 الربع وهم الشيخ عمر الغرياني وشركاؤه فذهبوا إلى بيت الشيخ الشرقاوي والتجؤا إليه ثم أن القاضي كلم الباشا في أمر المردومين وذكر له طلب الحاكم دراهم على رفعهم واجتماع مصيبتين على أهليهم والتمس منه ابطال ذلك الأمر فكتب فرمانا بمنع ذلك ونودي به في البلدة وسجل. وفي ليلة الإثنين عمل موسم الرؤية لثبوت هلال رمضان وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة من بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة ونودي أنه من شعبان وانقضى شهر شعبان وقادري أغا عاص جهة شابور في قرية وصالح أغا ومن معه من العساكر مستمرون على حصاره وصحبتهم اخلاط من العربان وجلا أهل شابور عنها وخرجوا على وجوههم مما نزل بهم من النهب وطلب الكلف وغير ذلك من العاصي منهم والطائع فإن كلا من الفريقين تسلطوا على نهب البلاد وطلب الكلف وغيرها وإذا مرت بهم مركب نهبوها وأخذوا ما فيها فامتنع ورود المراكب وزاد الغلاء وامتنع وجود السمن وإذا وجد بيع العشرة ارطال بخمسائة نصف فضة وستمائة ولا يوجد وبيع الرطل من البصل في بعض الأيام بثمانية انصاف والاردب الفول بثمانية عشر ريالا والقمح بستة عشر ريالا والرطل الشمع الدهن بأربعين نصفا والشيرج بخمسة وثلاثين نصفا وأما زيت الزيتون فنادر الوجود وقس على ذلك. شهر رمضان سنة 1219. استهل بيوم الثلاثاء في ثانية حضر صالح أغا الذي كان يحاصر قادري أغا وضربوا له مدافع وتحقق أن قادري طلب أمانا فأرسلوا مع من معه إلى دمياط وذلك بعد أن ضيقوا عليه وحضر إليه كاشف البحيرة وضايقه من الجهة الأخرى وفرغت ذخيرته فعند ذلك أرسل إلى كاشف البحيرة فامنه. وفي سابعة وصل جماعة من الانكليز إلى مصر وهم نحو سبعة عشر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 شخصا وفيهم فسيال كبير وآخر كان بصحبة علي باشا الطرابلسي. وفي عاشره سافر صالح أغا إلى جهة بحرى قيل ليأتي بجانم أفندي الدفتر دار فإنه لم يزل عاصيا عن الحضور إلى مصر. وفيه ركب الباشا في التبديل ونزل من جهة التبانة فوجد في طريقة عسكريا يأخذ حمل تبن من صاحبه قهرا فكلمه وهو لم يعرفه فاغلظ في الجواب فقتله ثم نزل إلى جهة باب الشعرية وخرج على ناحية قناطر الاوز فوجد جماعة من العسكر غاصبين قصعة زبدة من رجل فلاح وهو يصيح فادركهم وهم سبعة وفيهم شخص ابن بلد امرد لابس ملابس العسكر فأمر بقتلهم فقبضوا على ثلاثة منهم وفيهم ابن البلد وقتلوهم وهرب الباقون ثم نزل إلى ناحية قنطرة الدكة وقتل شخصين أيضا وبناحية بولاق كذلك وبالجملة فقتل في ذلك اليوم نيفا وعشرين شخصا وأراد بذلك الاخافة فانكف العسكر عن الايذاء قليلا وتواجد السمن وبعض الأشياء مع غلو الثمن. وفيه تواترت الأخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء المصريين في المنية وقتل من الأمراء صالح بك الألفي ومراد بك من الصناجق الجدد المقلدين الإمارة خارج مصر وهو زوج امرأة قاسم بك وخزندار البرديسي سابقا موسقو ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين وأرسلوا بطلب ذخيرة علوفة فأرسلوا لهم بقسما طا وغيره. وفي عشرينه حضر إلى الباشا بعض الرواد وأخبره أن طائفة من عرب أولاد علي نزلوا ناحية الاهرام بالجيزة وهم مارون يريدون الذهاب إلى ناحية قبلي فركب في عسكره إليهم فوجدهم قد ارتحلوا ووجد هناك قبيلة يقال لهم: الجوابيص نازلين بنجعهم هناك وهم جماعة مرابطون من خيار العرب لم يعهد منهم ضرر ولا اذية لاحد فقتل منهم جماعة ونهب نجعهم وجمالهم واغنامهم وأحضر صحبته عدة أشخاص منهم وعدى إلى مصر بمنهو باتهم وقد باع الاغنام والمعز للجزارين قهرا وكذلك الجمال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 باعوا منها جملة بالرميلة. وفي سادس عشرينه نهب العربان قافلة التجار الواصلة من السويس وهي نيف وأربعة ألاف جمل من البن والبهار والقماش واصيب فيها كثير من فقراء التجار وسلبت أموالهم وأصبحو لا ايملكون شيئا. وفيه حضر صالح أغا وصحبته جانم أفندي الدفتردار فأسكنه الباشا بالقلعة وذكر جانم أفندي المذكور ومن معه للباشا أنهم رأوا هلال رمضان ليلة الإثنين صاموه بالاسكندرية ذلك اليوم وكذلك صاموه في رشيد وقوة وغالب بلاد بحرى وحضر أيضا الشيخ سليمان الفيومي قبل ذلك بأيام وحكى ذلك فلم يعمل به القاضي وقال: إن رؤى الهلال ليلة الأربعاء افطرنا وأن لم يرفهو من رمضان فلما كان بعد عصر ذلك اليوم ضربت مدافع من القلعة فاشتبه على الناس الأمر وذهب جماعة إلى القاضي وساله وسألوه فقال: لا علم لي بذلك وأرسل في المساء جماعة من اتباعه وباش كاتب الي منارة المارستان فصعدوا إليها وطلع معهم اخرون وترقبوا رؤية الهلال فلم يروه وأخبروا القاضي بذلك فأمر بالصوم ونادوا به واوقدوا المنارات والقناديل وصلوا التراويح بالمساجد وتحقق الناس الصيام من الغد فلما كان بعد العشاءالأخيرة ضربت مدافع كثيرة من القلعة وسواريخ وشنك فوقع الارتباك فأرسل القاضي ينادي بالصوم وذكروا أن هذا المسموع شنك لأخبار وردت بملك المنية وحضر المبشر بذلك لابن السيد أحمد المحروقي وخلع عليه خلعة وكذلك بقية الأعيان وبعد حصة مر الوالي ينادي بالفطر والعيد فزاد الارتباك وركب بعض المشايخ إلى القاضي وساله فأخبر أنه لم يامر بذلك ولم يثبت لديه رؤية الهلال وأن غدا من رمضان فخرجوا من عنده يقولون ذلك للناس ويامرونهم بالصوم وانحط الأمر على ذلك وطافت المسحرون على العادة فلما كان في سادس ساعة من الليل أرسل الباشا إلى القاضي وطلبه فطلع إليه فعرفه بشهادة الجماعة الواصلين من بحري وأحضرهم بين يديه فشهدوا برؤية هلال أول الشهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ليلة الإثنين وهم نحو العشرين شخصا فما وسع القاضي إلا قبول شهادتهم وخصوصا لكونهم اتراكا ونزل القاضي ينادي بالفطر ويأمر بطفي القناديل من المنارات وأصبح كثير من الناس لاعلم له بما حصل اخرا في جوف الليل وبالجملة فكانت هذه الحادثة من النوادر وتبين أن خبر المنية لا أصل له بل هو من جملة اختلاقاتهم وانقضى شهر رمضان وكان لا بأس به في قصر النهار لأنه كان في غاية الانقلاب الشتوي والراحة بسبب غياب العسكر وقلتهم بالبلدة وبعدهم ولم يحصل فيه من الكدورات العامة خصوصا على الفقراء سوى غلاء الاسعار في كل شئ كما تقدم ذكر ذلك في شعبان. شهر شوال سنة 1219. استهل بيوم الابعاء في ثالثه سافر السيد محمد بن المحروقي وجرجس الجوهري ومعهما جملة من العسكر إلى جهة القليوبية بسبب القافلة المنهوبة. وفي سادسه طلبوا مال الميري عن سنة عشرين معجلة بسبب تشهيل الحج وكتبوا التنابية بطلب النصف حالا وعينوا بها عساكر عثمانية وجاويشية وشفاسية فدهى الملتزمون بذلك مع أن أكثرهم افلس وباق عليهم بواق من سنة تاريخه وما قبلها لخراب البلاد وتتابع الطلب والفرد والتعايين والشكاوي والتساويف ووقوف العربان بسائر النواحي وتعطيل المراكب عن السفر لعدم الأمن وغصبهم ما يرد من السفائن والمعاشات ليرسلوا فيها الذخيرة والعسكر والجبخانة معونة للمحاربين على المنية. وفي عاشرة طلبوا طائفة من المزينين وارسلوهم إلى قبلي لمداواة الجرحى. وفيه تواترت الأخبار بحصول مقتلة عظيمة بين المتحاربين وأن العسكر حملوا على المنية حملة قوية من البر والبحر وملكوا جهة منها وحضر المبشرون بذلك ليلة الأربعاء أواخر رمضان كما تقدم وعملوا الشنك لذلك الخبر فورد بعد ذلك بنحو ساعتين برجوع الاخصام ثانيا ومقاتلتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 حتى هزموهم واجلوهم عن ذلك وذلك هو الحامل على المغالطة والمناداة في سابع ساعة بثبوت العيد وافطار الناس ذلك اليوم. وفي يوم السبت ثامن عشرة نزل الباشا إلى قراميدان وحضر القاضي والدفترادار وأمير الحاج فسلمه الباشا المحمل ونزلوا بقطع الكسوة إمام أمير الحاج وركب إمامه الاغا والوالي والمحتسب وناظر الكسوة بهيئة محتقرة من غير نظام ولا ترتيب ومن خلفهم المحمل على جمل صغير اعرج. وفيه أرسل العسكر يطلبون العلوفة والمعونة فعمل الباشا فردة على الأعيان وعلى اتباعه وجمع لهم خمسمائة كيس وعين للسفر بذلك صالح أغا وعدة عساكر وجبخانة وذخيرة. وفي عشرينة رجع ابن المحروقي وجرجس الجوهري وأحضرا معهما بعض أحمال قليلة بعد ما صرفا اضعافها في مصالح وكساوي للعرب وغير ذلك. وفيه ورد الخبر بوصول دفتردار جديد إلى ثغر سكندرية وهو أحمد أفندي الذي كان بمصر سابقا وعمل قبطانا بالسويس في أيام محمد باشا وشريف أفندي فكتب الباشا عوضا للدولة بأنهم راضون على جانم أفندي الدفتردار وأن أهل البلد ارتاحوا عليه وطلبوا ابقاءه دون غيره وختم عليه القاضي والمشايخ والاختيارية وبعثوه إلى الدولة وأرسلوا إلى الدفتردار الواصل بعدم المجئ ويذهب إلى قبرص حتى يرجع الجواب فاستمر بإسكندرية. وفي أواخره تواترت الأخبار بان جماعة من الأمراء القبالى ومن معهم من العربان حضروا إلى ناحية الفشن وحضر أيضا كاشف الفيوم مجروحا ومعه بعض عسكر ودلاة في هيئة وتتابع ورود كثير من افراد العسكر إلى مصر واشيع انتقالهم من إمام المنية إلى البر الشرقي بعد وقائع كثيرة ومحاربات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وفي يوم الخميس غايته برز أمير الحاج المسافر بالمحمل وخرج إلى خارج ومعه الصرة أو ماتيسر منها وعين للسفر معه عثمان أغا الذي كان كتخدا محمد باشا بجماعة من العسكر لأجل المحافظة ليوصلوه إلى السويس ويسافر من القلزم مثل عام أول. وفيه ورد الخبر بضياع ثلاث داوات بالقلزم وأنها تلفت بالقرب من الحساني وتلف بها كثيرا من أموال التجار وصرر النقود وكان بها قاضي المدينة أحمد أفندي المنفصل عن قضاء مصر فغرق وطلعت أولاده ورجعوا إلى مصر بعد أيام وسافروا إلى بلادهم. وورد الخبر بان القبليين قتلوا حسين بك المعروف باليهودي بعد أن تحققوا خيانته ومخامرته وانقضى هذا الشهر. شهر القعدة الحرام سنة 1219. استهل بيوم الجمعة فيه قرر الباشا فردة على البلاد فجعل على كل بلد من البلاد العال مائة ألف فضة والدون ستين الفا وعين لذلك ذا الفقار كتخدا الألفي على الغربية وعلي كاشف الصابونجي علىالمنوفية وحسن أغا نجاتي المحتسب على الدقهلية وذلك خلاف ما تقرر على البنادر من عشرين كيسا وثلاثين وخمسين ومائة واقل وأكثر. وفي ليلة الجمعة ثامنة حضروا بعلي أغا يحيى المعروف بالسبع قاعات ميتا من سملوط وقد كانوا ارسلوه ليكون كتخدا لحسن بك اخي طاهر باشا وكان المحروقي ارسله إلى بشبيش فتوعك هناك فطلب الباشا رجلا من الرؤساء يجعله كتخدا لحسن بك فأشاروا عليه بعلي أغا هذا فطلبه من المحروقي فأرسل بإحضاره فحضر في اليوم الذي مات فيه المحروقي وسافر بعد أيام إلى قبلي فزاد به المرض هناك ومات بسملوط فأحضروه إلى مصر بعد موته بخمسة أيام وخرجوا بجنازته في يوم الجمعة من بيته المجاور لبيت المحروقي وصلوا عليه بالأزهر ودفن إلى رحمة الله تعالى. وفي ثاني عشرة علقوا ثلاثة رؤوس بباب زويلة لا يدري أحد من هم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وفي خامس عشرة تواترت الأخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء القبالي وملك العسكر جهة من المنية بعدما اصطدموا عليها من البر والبحر فوصل الاخصام وحالوا بينهم وبين عسكرهم والمتاريس واجلوهم وقتل من قتل بين الفريقين واحترق عدة مراكب من مراكب العسكر وما فيها من المتاع والجبخانة وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة وثياب وغير ذلك وانتشر عسكر القبليين إلى جهة بحري حتى وصلوا إلى زاوية المصلوب وحاصروا من في بوش والفشن وبني سويف وكذلك من بالفيوم وشرع الباشا واجتهد في تجهيز المطلوبات وتسهيل الاحتياجات وفيه حضرت سعاة من ثغر سكندرية وأخبروا بورود عدة مراكب انكلزيه إلى المينا وسألوا أهل الثغر عن مراكب فرنسيس وردت المينا أم لا ثم قضوا بعض اشغالهم وذهبوا. وفي ليلة الأربعاء رابع عشرة وقعت حادثة وهو أن كاشفا من أكابر الارنؤد سكن ببيت ابن السكري الذي بالقرب من الحلوجي ويتردد عليه رجل من المنتسبين إلى الفقهاء يسمى الشيخ أحمد البراني خبيث الافعال يصلي إماما بالمذكور فرأى ما رابه منه مع فراشة فضربه بالخنجر والنبا بيت حتى ظن هلاكه واخرجه اتباعه وحملوه إلى منزله في خامس ساعة من الليل وبه بعض رمق ومات بعد ذلك وأخبر المشايخ بذلك ورفع القتيل إلى المحكمة وتغيب القاتل وامتنع المشايخ من حضور الجامع والتدريس بسبب ذلك وبسبب أولاد سعد الخادم سدنة ضريح سيدي أحمد البدوي وقد كانوا شكوا بعضهم وتعين بسبب ذلك كاشف علي أحمد بن الخادم وهجم داره وقبض على بناته ونسائه ونبشوا داره وفحروا ارضها للتفتيش على المال وطالت قصتهم من أواخر الشهر الماضي لوقت تاريخه وتكلم المشايخ مرارا مع الباشا في امرهم وهو يغالط طمعا في المال وقد كان سمع تهمتهم بكثرة المال وأن محمد باشا خسر وأخذ منهم سابقا في أيام ولايته مائة وخمسة وثمانين ألف ريال خلاف حق الطريق وذلك من. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 مصطفى الخادم وهو الذي يكشو الآن قسمه ويقول: إنه هو الذي شكاني وتسبب في مصادرتي وهو مثلي في الايراد وعنده مثل ما عندي فلما حضروا الدار وفتشوا وقرروا نساءه واتباعه فلم يظهر له شئ قادرجوا هذه القضية في دعوة المقتول وامتنعوا من حضورهم الأزهر واشيع امتناعهم من التدريس والافتاء فحضر إليهم سعيد أغا الوكيل وتلطف بهم وطلب منهم تسكين هذه الفتنة وأنه يتكفل بتمام المطلوب واستمر الحال على ذلك إلى يوم الثلاثاء تاسع عشرة فحضر كتخدا الباشا وسعيد أغا وصالح أغا إلى بيت الشيخ الشرقاوي واجتمع هناك الكثير من المتعممين وتكلموا كثيرا ورمحوا المراتب وقالوا: لا بد من حضور الخصم القاتل والمرافعة معه إلى الشرع ورفع الظلم عن أولاد الخادم وعن الفلاحين وأمثال ذلك وهم يقولون في الجواب سمعا وطاعة في كل ما تأمرون به وانقضى المجلس على ذلك وذهبوا حيث اتوا فلما كان العصر من ذلك اليوم حضر سعيد أغا وصحبته القاتل إلى المحكمة وأرسلوا إلى المشايخ فحضروا بالمجلس واقيمت الدعوى وحضر ابن المقتول وادعى بقتل أبيه وذكر أنه أخبر قبل خروج روحه أن القاتل له الكاشف صاحب المنزل فسئل فانكر ذلك وقال: إنه كان إماما عنده يصلي به الأوقات وأنه لم يات الينا تلك الليلة التي حصل له فيها هذه الحادث فطلب القاضي من ابن المقتول بينة تشهد بقول أبيه فلم يجدوا إلا شخصا سمع من المقتول ذلك القول وافتى المالكي أنه يعتبر قول المقتول في مثل ذلك لأنه في حالة يستحيل عليه فيها الكذب وذلك نص مذهبهم ولا بد من بينة تشهد على قوله فطلب القاضي الشطر الثاني فلم يوجد على أن هناك من كان حاضرا بالمجلس وقت الضرب ومشاهدا للحادثة وكتم الشهادة خوفا على نفسه وانفض المجلس واهمل الأمر حتى يأتوا بالبينة. وفي يوم الأحد عزم على السفر محمد أفندي حاكم اسنا سابقا بمراكب الذخيرة والجبخانة واللوازم وصحبته عدة من العساكر لخفارتها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 شهر الحجة الحارم اختتام سنة 1219. استهل بيوم الأحد في سابعه وردت أخبار بوقوع حرب بين العسكر والمصريين القبليين وهو أن العسكر حملوا على المنية حملة عظيمة في غفلة وملكوها فاجتمعت عليهم الغز والعربان وكبسوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة واخرجوهم منها واجلوهم عنها ثانيا وذلك في سابع عشرين القعدة. وفي يوم الأحد ثامنه طلع يوسف أفندي الذي كان تولى نقابة الأشراف في أيام محمد باشا ثم عزل عنها إلى القلعة فقبض عليه صالح أغا قوش وضربه ضربا مبرحا وإهانه إهانة زائدة وانزلوه أواخر النهار وحبسوه ببيت عمر أفندي النقيب ثم تشفع فيه الشيخ السادات فافرجوا عنه تلك الليلة وذهب إلى داره ليلا وذلك بسبب دعوى تصدر فيها المذكور وتكلم كلاما في حق الباشا فحقدوا عليه ذلك وفعلوا معه ما فعلوا ولم ينتطح فيها عنزان. وفي ثالث عشرة طلع المشايخ إلى الباشا يهنئونه بالعيد فأخرج لهم ورقة حضرت إليه من محمد أفندي حاكم اسنا سابقا الذي سافر بالذخيرة انفا واستمر ببني سويف ولم يقدر على الذهاب إلى قبلي ومضمون تلك الورقة أن البرديسي قتل الالفي غيلة ولم يكن لهذا الكلام صحة. وفيه وردت أخبار بقدوم طائفة من الدلاة على طر يق الشام وبالغوافي عددهم فيقولون اثنا عشر ألف وأكثر وانهم وصلوا على الصالحية وانهم طالبون علوفة وذخيرة فشرعوا في تشهيل ملاقاة للمذكورين وطلبوا من تجار البهار خمسمائة كيس وزعوها وشرعوا في جمعها. وفيه وصلت طائفة من القبالي والعرب إلى بلاد الجيزة وطلبوا من البلاد دراهم وكلفا ومن عصى عليهم من البلاد ضربوه وعدى كتخدا الباشا وجملة من العساكر إلى بر الجيزة وشرعوا في تحصينها وعملوا بها متاريس وتردد الكتخدا في النزول والتعدية إلى هناك والرجوع ثم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 انه عدى في رابع عشرة وأقام هناك وأحضروا ثلاثة رؤوس من العرب في ذلك اليوم وفي يوم الجمعة رجح الكتخدا واشيع رجوع المذكورين. وفيه قرروا فردة أخرى على البلاد لأجل عسكر الدلاة القادمين وجعلوا على كل بلد عشرين اردب فول وعشرين خروفا وعشرين رطل سمن وعشرين رطل بن وعشرة قناطير عيش وربع اردب وسدس أرز أبيض ومثله برغل وكلفة المطبخ ألف فضة وذلك خلاف حق الطريق والاستعجالات المتتابعة وكلها بمقررات وحق الطرقات. وفي يوم الأربعاء ثامن عشرة حضر ططرى من ناحية قبلي وأخبر أن العسكر دخلوا إلى المنية وملكوها فضربوا مدافع كثيرة من القلعة وعملوا شنكا واظهر العثمانية واغراضهم الفرح والسرور وكأنهم ملكوا مالطة وبالغوا في الأخبار والروايات الكذب في القتلى وغير ذلك والحال أن الاخصام خرجوا منها وزحموها ولم يبقوا بها ما ينقره الطير ولم يقع بينهم كبير قتال بل أن العسكر لما دهموها من الناحية القبلية ولم يكن بها إلا القليل من المصريين وباقيهم خارجها من الناحية الأخرى فتحاربوا مع من بها وهزموهم فولى أصحابهم وتركوهم بالبلدة فدخلوها فلم يجدوا بها شيئا. وفي يوم الخميس وصل اغات المقرر وهو عبد أسود وطلع إلى القلعة بموكب وعملوا له شنكا ومدافع وقرأوا المقرر في ذلك اليوم بحضرة الجمع. وفي يوم الأحد ثاني عشرينه وصلت طائفة من العرب بناحية الجيزة فوصل الخبر إلى الكاشف الذي بها وهو دملي عثمان كاشف الذي قتل الشيخ أحمد البراني المتقدم ذكره فانه بعد تلك الحادثة قلدوه كشوفية الجيزة وذهب إليها وأقام بها فلما بلغه ذلك ركب على الفور في نحو خمسة وعشرين خيالا ورمحوا عليهم فانهزموا إمامهم فطمع فيهم وذهب خلفهم إلى ناحية برنشت فخرج عليه كمين آخر واحتاطوا به وقتلوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وقطعوا رأسه وستة انفار معه وذهبوا برؤوسهم على مزاريق واقتص الله منه فكان بينه وبين قتله للمذكور دون الشهر وكان مشهورا فيهم بالشجاعة والاقدام. وفيه اجتهدوا في تشهيل علوفة وذخيرة وجبخانة وسفروها مع جملة من العسكر نحو الخمسمائة في يوم الإثنين ثالث عشرينه. وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وصل الدلاة إلى الخانكة فحضر منهم طائفة ودخلوا إلى مصر فردوهم إلى أصحابهم حتى يكونوا بصحبتهم في الدخول. وفي يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح اغاقوش وخرجوا إلى جهة العادلية لملاقاة الدلاة المذكورين وكبيرهم يقال له ابن كور: عبد الله. وفي يوم الجمعة دخل الدلاة المذكورين وصحبتهم الكتخدا وصالح اغاقوش وكاشف الشرقية وكاشف القليوبية وطوائف العسكر ومعهم نقاقير وطبول وهم نحو الالفين وخمسمائة اجناس مختلفة وأشكال مجتمعة فذهبوا إلى ناحية مصر القديمة ونواحي الاثار وانقضت السنة وما حصل بها من الغلاء وتتابع المظالم والفرد على البلاد واحداث الباشا له مرتبات وشهريات على جميع البلاد والقبض على افراد الناس بأدنى شبهة وطلب الأموال منهم وحبسهم واشتد الضنك في آخر السنة وعدم القمح والفول والشعير وغلا ثمن كل شىء ولولا اللطف على الخلائق بوجود الذرة حتى لم يبق بالرقع والعرصات سواه واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلة هذا العام من العام الماضي وبطول هذه السنة امتنع الوارد من الجهة القبلية ومع ذلك اللطف حاصل من المولى جل شأنه ولم يقع قحط ولا موت من الجوع كما رأينا في الغلوات السابقة من عدم الخبز في الأسواق وخطف اطباق العيش والعكعك واكل القشور وما يتساقط في الطرقات من قشور الخضروات وغير ذلك. وأما من مات في هذه السنة من الأعيان. فقد مات العمدة العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبيه الاصولي النحوي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 المنطقي الشيخ موسى السرسي الشافعي أصله من سرس الليانة بالمنوفية وحضر إلى الأزهر ولازم الاستفادة وحضور الأشياخ من الطبقة الثانية كالشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الفرموي وغيرهم وتمهروا نجب في المعقولات والمنقولات واقراء الدروس وافاد الطلبة وانطوى الشيخ حسن الكفراوي مدة ورافقه في الافتاء والقضايا ثم إلى شيخنا الشيخ أحمد العروسي وصار من خاصة ملازميه وتخلق باخلاقه وألزم أولاده بحضور دروسه المعقولية وغيرها دون غيره لحسن القائه وجودة تفهيمه وتقريره واشتهر ذكره وراش جناحه وراج أمره بانتسابه للشيخ المذكور واشترى املاكا واقتنى عقارا بمصر وببلده سرس ومنوف ومزارع وطواحين ومعاصر واشترى دار نفيسة بدرب عبد الحق بالازبكية وعدد الأزواج واشترى الجواري والعبيد والحبشيات الحسان وكان حلو المفاكهة حسن المعاشرة عذب الكلام مهذب النفس جميل الاخلاق ودودا قليل الادعاء محبا لاخوانه مستحضرا للفروع الفقهية وكان يكتب على غالب الفتاوى عن لسان الشيخ العروسي ويعتمده في النقول والاجوبة عن المسائل الغامضة والفروع المشكلة وله كتابات وتحقيقات ولم يزل مشتغلا بشأنه حتى تعلل أياما بدار بميدان القطن مطلة على الخليج وتوفي يوم السبت سادس عشرين جمادى الأولى من السنة. ومات الجناب المكرم والمشير المفخم الوزير الكبير والدستور الشهير أحمد باشا الشهير بالجزار وأصله من بلاد البشناق وخدم عند المرحوم علي باشا حكيم اوغلي وعمل عنده شفاسيا وحضر صحبته إلى مصر في ولايته الثانية سنة إحدى وسبعين ومائة وألف فتشوقت نفسه إلى الحج وأستاذن مخدومه فأذن له في ذلك واوصى عليه أمير الحاج إذ ذاك صالح بك القاسمي فأخذه صحبته واكرمه وواساه رعاية لخاطر علي باشا ورجع معه إلى مصر فوجد مخدومه قد انفصل من ولاية مصر وسافر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 إلى الديار الرومية ووصل نعيه بعد أربعة اشهر من ذهابه فاستمر المترجم بمصر وتزيا بزي المصريين وخدم عند عبد الله بك تابع علي بك بلوط قبان وتعلم الفروسية على طريق الأجناد المصرية فأرسل علي بك عبد الله بك بتجريدة إلى عرب البحيرة فقتلوه فرجع المترجم مع باقي أصحابه إلى مصر فقلده علي بك كشوفية البحيرة وقال له: ارجع إلى الذين قتلوا أستاذك وخلص ثأره فذهب إليهم وخادعهم واحتال عليهم وجمعهم في مكان وقتلهم وهم نيف وسبعون كبيرا وبذلك سمي الجزار ورجع منصورا واحبه علي بك لنجابته وشجاعته وتنقل عنده في الخدم والمناصب والامريات ثم قلده الصنجقية وصار من جملة أمرائه ولما خرج علي بك منفيا خرج صحبته ورافقه في الغربة والتنقلات والوقائع ولم يزل حتى رجع علي بك وصحبته صالح بك من الجهة القبلية وقتل خشداشينه وغيرهم ثم عزم على غدر صالح بك واسر بذلك إلى خاصته ومنهم المترجم فلم يسهل به ذلك وتذكر ما بينه وبين صالح بك من المعروف السابق فأسر به إليه وحذره فلما اختلى صالح بك بعلي بك عرض له بذلك فحلف له علي بك أنه باق على مصافاته وكذب المخبر إلى أن كان ما كان من قتلهم وغدرهم لصالح بك كما تقدم واحجام المكترجم وتاخره عن مشاركته لهم في دمه ومناقشتهم له بعد الانفصال فتجسم له الأمر فتنكر وخرج هاربا من مصر في صورة شخص جزائرلي وتفقده علي بك وأحاط بداره وكان يسكن ببيت شكر فره بالقرب من جامع ازبك اليوسفي فلم يجدوه وسار المذكور إلى الاسكندرية وسافر إلى الروم ثم رجع إلى البحيرة وأقام بعرب الهنادي وتزوج هناك ولما أرسل علي بك التجاريد إلى ابن حبيب والهنادي حارب المترجم معهم ثم سار إلى بلاد الشام فاستمر هناك في هجاج وتنقلات ومحاربات واشترى مماليك واجتمع لديه عصبة واشتهر أمره في تلك النواحي ولم يزل على ذلك إلى أن مات الظاهر عمر في سنة تسع وثمانين ومائة وألف ووصل حسن باشا الجزائرلي إلى عكا فطلب من. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 يكون كفؤا للإقامة بحصتها فذكروا له المترجم فاستدعاه وقلده الوزارة واعطاه الاطواخ والبيرق وأقام بحصن عكا وعمر اسوارها وقلاعها وانشا بها البستان والمسجد واتخذ له جندا كثيفا واستكثر من شراء المماليك واغار على تلك النواحي وحارب جبل الدروز مرارا وغنم منهم أموالا عظيمة ودخلوا في طاعته وضرب عليهم وعلى غيرهم الضرائب وجبيت إليه الأموال من كل ناحية حتى ملأ الخزائن وكنز الكنوز وصار يصانع أهل الدولة ورجال السلطنة ويتابع إرسال الهدايا والأموال إليهم وتقلد ولاية بلاد الشام وولى على البلاد نوابا وحكاما من طرفه وطلع بالحج لشامي مرارا واخاف النواحي وعاقب على الذنب الصغير بالقتل والحبس والتمثيل وقطع الآناف والآذان والاطراف ولم يغفر زلة عالم لعلمه أوذى جاه لوجاهته وسلب النعم عن كثير جدا من ذوى النعم واستأصل أموالهم ومات في محبسه ما لا يحصى من الأعيان والعلماء وغيرهم ومنهم من اطال حبسه سنين حتى مات واتفق أنه استراب من بعض سراريه ومماليكه فقتل من قويت فيه الشبهة وحرقهم ونفى الباقي الجميع ذكورا واناثا بعد أن مثل بهم وقطع آنافهم واخرجهم من عكا وطردهم وشردهم وسخط على من اواهم أو تاواهم ولو في اقصى البلاد وحضر الكثير منهم إلى مصر وخدموا عند الأمراء وانضوى نحو العشرين شخصا منهم وخدموا عند علي بك كتخدا الجاويشية فلما بلغ المترجم ذلك تغير خاطره من طرفه وقطع حبل وداده بعد أن كان يراسله ويواصله دون غيره من أمراء مصر وكان ذلك سبب استيحاشه منه إلى أن مات ولما فعل بهم ذلك تعصب عليه مملوكاه سليم باشا الكبير وسليمان باشا الصغير وهو الموجود الآن وانضم اليهما المتآمرون من خشداشينهما وغيرهم غيظا على ما فعله بخشداشينهم وعلمهم بوحدته وانفراده وحاصروه بعكا ولم يكن معه إلا القليل من العساكر البرانيين والفعلة والصناع الذين يستعملهم في البناء فألبسهم طراطير مثل الدلاة واصعدهم إلى الاسوار مع الرماة والطبجية وورآهم المخالفون عليه فتعجبوا وقالوا: إنه يستخدم الجن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم واذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخا لصيده مرارا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك إلا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الإسلامية والقرانات الافرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وارسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والأرز وأنواع الغلة وزرع ببستانه سائر أصناف الفواكه والنخيل والاعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيا واشترى مماليك وجواري بدلا عن الذين ابادهم بالجملة فكان من غرائب الدهر واخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو ولم يكن له من المناقب إلا استظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له أكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول: إن الفرنساوية لو اجتهدوا في إزالة جبل عظيم لإزالوا في أسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول: أنا المنتظر وأنا أحمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له الكثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات تأيلات ورموزا واشارات ويقولون: المراد بالقصرين مكانان جهة الشام أو المحملان أو نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكان سليمان باشا تابعه غائب بالحجاز في إمارة الحج الشامي فلما علم أنه مفارق الدنيا أحضر إسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلا عنه إلى حضور سليمان باشا من الحج واعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر واوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول إليها فاستمر إسمعيل باشا إلى أن اخرجه اتباع المترجمع بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد أمور لم تحقق كيفيتها وذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 في السنة التالية. ومات عين الأعيان ونادرة الزمان شاه بندر التجار والمرتقى بهمته إلى سنام الفخار النبيه النجيب والحسيب النسيب السيد أحمد بن أحمد الشهير بالمحروقي الحريري كان والده حريريا بسوق العنبريين بمصر وكان رجلا صالحا منور الشيبة معروفا بصدق اللهجة والديانة والامانة بين اقرانه وولد له المترجم فكان يدعو له كثير في صلاته وسائر تحركاته فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب وكان على غاية من الحذق والنباهة وأخذ واعطي وباع واشترى وشارك وتداخل مع التجار وحاسب على الألوف واتحد بالسيد أحمد بن عبد السلام وسافر معه إلى الحجاز واحبه وامتزج به امتزاجا كليا بحيث صارا كالتوأمين أو روح حلت بدنين ومات عمدة التجار العرايشي وهو بالحجاز وهو اخو السيد أحمد بن عبد السلام في تلك السنة فاحرز مخلفاته وأمواله ودفاتر شركائه فتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم فوفر عليه لكوكا من الأموال واستأنف الشركات والمعوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له ورجع صحبته إلى مصر وزادت محبته له ورغبته فيه وكان لابن عبد السلام شهرة ووصلة بأكابر الأمراء كأبيه وخصوصا مراد بك فيقضى له ولأمرائه لوازمهم اللازمة لهم ولأتباعهم واحتياجاتهم من التفاصيل والأقمشة الهندية وغيرها وينوب عنه المترجم في غالب أوقاته وحركاته ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه في الفاظه ولغته وجميع اصطلاحاته في الحركات والسكنات والخطرات واشتهر ذكره به عند التجار والأعيان والأمراء واتحدا بمحمد أغا البارودى كتخدا مراد بك اتحاد زائدا واتحفاه بالجرايا وخصصاه بالمزايا فراج به عند مخدومه شأنهما وارتفع بالزيادة قدرهما ولما تأمر إسمعيل بك واستوزر أيضا البارودي استمر حالهما كذلك بل وأكثر إلى أن حصل الطاعون ومات به السيد أحمد بن عبد السلام في شعبان فاستقر المترجم في مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 البارودي أيضا وسعايته وسعادة طالعه وسكن داره العظيمة التي عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم وتزوج بزوجاته واستولى على حواصله ومخازنه واستقل بها من غير شريك ولا وارث وعند ذلك زادت شهرته وعظم شانه ووجاهته ونفذت كلمته على اقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده يزيد وينمو وعاد مراد بك والأمراء والمصريون بعد موت إسمعيل بك وانقلاب دولته إلى إمارة مصر فاختص بخدمته وقضاء سائر اشغاله وكذلك إبراهيم بك وباقي الأمراء وقدم لهم الهدايا والظرائف وواسى الجميع اعلاهم وادونهم بحسن الصنع حتى جذب إليه قلوب الجميع ونافس الرجال وانعطعفت إليه الآمال وعامل تجار النواحي والأمصار من سائر الجهات والاقطار واشتهر ذكره بالأراضي الحجازية وكذا بالبلاد الشامية والرومية واعتمدوه وكاتبوه وارسلوه واودعوه الودائع وأصناف التجارات والبضائع وزوج ولده السيد محمد وعمل له مها! عظيما افتخر فيه إلى الغاية ودعا الأمراء والأكابر والأعيان وأرسل إليه إبراهيم بك ومراد بك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة وكذلك باقي الأمراء ومعها الأجراس التي لها رنة تسمع من البعد ويقدمها جمل عليه طبل نقارية وذلك خلاف هدايا التجار وعظماء الناس والنصارى الأروام والأقباط الكتبة وتجار الافرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم وخلع الخلع الكثيرة واعطى البقاشيش والإنعامات والكساوي ولا يشغله أمر عن آخر يمضيه أو غرض ينفذه ويقضيه كما قيل اخو عزمات لا يريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبا إذا هم القى بين عينيه عزمة فكب عن ذكر العواقب جانبا. وحج في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف وخرج في تجمل زائد وجمال كثيرة وتختروانات ومواهي ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول وكان يوم خروجه يوما مشهودا اجتمع الكثير من العامة والنساء وجلسوا بالطريق للفرجة عليه ومن خرج معه لتشييعه ووداعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 من الأعيان والتجار الراكبين والراجلين معه منهم وبأيديهم البنادق والأسلحة وغير ذلك وبعث بالبضائع والذخائر والقومانية والأحمال الثقيلة على طريق البحر لمرساة الينبع وجدة وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية إلى بر مصر ووصلهم الخبر بذلك وأرسل إبراهيم بك إلى صالح بك أمير الحاج يطلبه مع الحجاج إلى بلبيس كما تقدم وذهب بصحبتهم المترجم وجرى عليه ما ذكر من نهب العرب متاعه وحموله وكان شيئا كثيرا حتى ما عليه من الثياب وانحصر بطريق القرين فلم يجد عند ذلك بدا من مواجهة الفرنساوية فذهب إلى سارى عسكر بونابارته وقابله فرحب به واكرمه ولامه على فراره وركونه للماليك فاعتذر إليه بجهل الحال فقبل عذره واجتهد له في تحصيل المنهوبات وأرسل في طلب المتعدين واستخلص ما امكن استخلاصه له ولغيره وارسلهم إلى مصر وأصحب معهم عدة من العساكر لخفارتهم ويقدمهم طلبهم وهم مشاة بالأسلحة بين أيديهم حتى ادخلوهم إلى بيوتهم ولما رجع ساري عسكر إلى مصر تردد عليه واحله محل القبول وارتاح إليه في لوازمه وتصدى للأمور وقضايا التجارة وصار مرعى الجانب عنده ويقبل شفاعته ويفصل القوانين بين يديه ويدي أكابرهم ولما رتبوا الديوان تعين من الرؤساء فيه وكاتبوا التجار وأهل الحجاز وشريف مكة بواسطته واستمر على ذلك حتى سافر بونابارته ووصل بعد ذلك عرضي العثمانية والأمراء المصرية فخرج فيمن خرج لملاقاتهم وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب واجتهد المترجم في أيام الحرب وساعد وتصدى بكل همته وصرف أموالا جمة في المهمات والمؤن إلى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر ورجوعهم فلم يسعه إلا الخروج معهم والجلاء عن مصر فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام انسة المترجم وعاضده واجتهد في حوائجه واقترض الأموال وكاتب التجار وبذل همته وساعده بمالا يدخل تحت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 طوق البشر ويراسل خواصه بمصر سرا فيطالعونه بالأخبار والأسرار إلى أن حصل العثمانيون بمصر فصار المترجم هو المشار إليه في الدولة والتزم بالاقتطاعات والبلاد وحضر الوزير إلى داره وقدم إليه التقادم والهدايا وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة وما يتعلق بالدولة والدواوين والمهمات السلطانية وازدحم الناس ببابه وكثرت عليه الأتباع والأعوان والقواسة والفراشون وعساكر رومية ومترجمون وكلارجية ووكلاء وحضرت مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرة بالهدايا والتقادم والأغنام والجمال والخيول وضاقت داره بهم فاتخذ دورا بجواره وانزل بها الوافدين وجعل بها مضايف وحبوسا وغير ذلك. ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضا اختصاصا كليا وسلم إليه المقاليد الكلية والجزئية وجعله أمير الضربخانة وزادت صولته وشهرته وطار صيته واتسعت دائرته وصار بمنزلة شيخ البلد بل اعظم ونفدت أوامره في الإقليم المصري والرومي والحجازي والشامي ودرك من العز والجاه والعظمة مال يتفق لأمثالة من أولاد البلد وكان ديوان بيته اعظم الدواوين بمصر وتغرب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدته ووهب واعطى وراعى جانب كل من انتمى إليه واغدق عليه وكان يرسل الكساوي في رمضان للأعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميري ويهب المواهب وينعم الانعامات ويهادي احبابه ويسعفهم ويواسيهم في المهمات وعمل عدة اعراس وولائم وزار محمد باشا المذكور في داره مرتين أو ثلاثة باستدعاء وقدم له التقادم والهدايا والتحاليف والرخوت المثمنة والخيول والتعابي من الاقمشة الهندية والمقصبات ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارا كان بصحبته في ذلك الوقت فركب أيضا يريد الفرار معه واختلف بينهما الطرق فصادفه طائفة من العسكر فقبضوا عليه وعروا ثيابه وثياب ولده ومن معه وأخذوا منه جوهرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 كثيرا ونقودا ومتعا فلحقه عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق وادركه وخلصه من أيديهم وأخذه إلى داره وحماه وقابل به محمد علي وغيره وذهب إلى داره واستقر بها إلى أن انقضت الفتنة وظهر طاهر باشا فساس أمره معه حتى قتل وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم واتحد بهم وبعثمان بك البرديسي فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع ولم يتضعضع للمزعجات ولم يتقهقر من المفزعات حتى أنهم لما أرادوا تقليد الستة عشر صنجاقا في يوم أحضره البرديسي تلك الليلة وأخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا في ملزوماتهم فهون عليه الأمر وسهله وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر اميرا في تلك الليلة وما أصبح النهار إلا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوي وكساوي ومزر كشات وذهب وفضة برسم الإنعامات والبقاشيش ومصروف الجيب حاضر لديه بين يديه حتى تعجب هو والحاضرون من ذلك وقال له: مثلك من يخدم الملوك واعطاه في ذلك اليوم فارسكور زيادة عما بيده ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين واخرجوهم من مصر وأحضروا حمد باشا خورشيد من سكندرية وقلدوه ولاية مصر وكان كبعض الأغوات مختصر الحال هياله رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم في اسرع وقت واقرب مدة ولم يزل شأنه في الترفع والصعود وطالعه مقارنا للسعود وحاله مشهور وذكر منشور حتى فاجاته المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك أنه لما دعا الباشا في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر شعبان نزل إلى داره وتغدى عنده وأقام نحو ساعتين ثم ركب وطلع إلى القلعة فأرسل في أثره هدية جليلة صحبة ولده والسيد أحمد الملاترجمانة وهي بفج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وتحايف وخيول مرختة وبدونها برسمة ورسم كبار اتباعه ومضى على ذلك خمسة أيام فلما كان ليلة الأحد ثاني عشرين شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع أصحابه يحادثهم ويملي الكتبة والمراسلات والحسابات فأخذته رعدة وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 إني أجد بردا فدثروه ساعة ثم أرادوا ايقاظه ليدخل إلى حريمه فحركوه فوجدوه خالصا قد فارق الدنيا من تلك الساعة التي دثروه فيها فكتلوا أمره حتى ركب ولده السيد محمد إلى الباشا في طلوع النهار وأخبره ثم رجع إلى داره وحضر ديوان أفندي والقاضي وختموا على خزانته وحواصله واشهروا موته وجهزوه وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر في مشهد حافل ثم رجعوا به إلى زاوية العربي تجاه داره ودفنوه مع السيد أحمد بن عبد السلام وانقضى أمره ثم أن الباشا البس ولده السيد محمد فروة وقفطانا على الضر بخانة وما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي ثم ذهب إلى داره بارك الله فيه واعانه علىلا وقته. ومات الأمير المبجل على أغا يحيى وأصله مملوك يحيى كاشف تابع أحمد بك السكري الذي كان كتخدا عند عثمان بك الفقاري الكبير المتقدم ذكرهما ولما ظهر علي بك وأرسل محمد بك ومن معه إلى جهة قبلى بعد قتل صالح بك كان الأمير يحيى في جملة الأمراء الذين كانو بأسيوط ووقع لهم ما تقدم ذكره من الهزيمة وتشتتوا في البلاد فذهب الأمير يحيى إلى إسلامبول وصحبته مملوكة المترجم وأقام هناك إلى أن مات فحضر الأمير على تابعه إلى مصر في أيام محمد بك وتزوج ببنت أستاذه وسكن بحارة السبع قاعات واشتهر بها وعمل كتخدا عند سليمان أغا الوالي إلى أن تقلد سليمان أغا المذكور اغاوية مستحفظان فصار المترجم مقبولا عند ويتوسط للناس عنده في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره من حينئذ وارتاح الناس عليه في غالب المقتضيات وباشر فصل الحكومات بنفسه وكان قليل الطمع لبن الجانب ولما تقلد مخدومه الصنجقية في الأمور الجسيمة عند الأمراء ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر مع من خرج وظهر شأن إسمعيل بك والعلويين استوزره حسن بك الجداوي وعظم أمره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 أيضا في أيامه مع مباشرته لوازم مخدومه الأول وقضاء اشغاله سرا واشترى دار مصطفى أغا الجراكسة التي بجوار العربي بالقرب من الفحامين وانتقل من السبع قاعات وسكن بها وسافر مرارا إلى الجهة القبلية سفيرا بين الأمراء البحرية والقبلية في المراسلات والمصالحات وكذلك في بعض المقتضيات بالبلاد البحرية ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين ونما أمر السيد أحمد المحروقي فانضوى إليه لقرب داره منه فقيده ببعض الخدم وجبي الأموال من البلاد الجسيمة فأرسله قبل موته إلى جهة بشبيش فمرض بها فلما تأمر حسن بك اخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة إلى ناحية قبلى طلبوا رجلا من المصريين يكون رئيسا عاقلا يكون كتخدا فأشاروا على المترجم فطلبه الباشا من السيد أحمد المحروقي فأرسل إليه بالحضور فوصل في اليوم الذي توفي فيه المحروقي فأقام أياما حتى قضى اشغاله وسافر وهو متوعك وتوفي بسملوط في ثالث القعدة وحضر برمته في ليلة الجمعة ثامنه وخرجوا بجنازته من بيته وصلوا عليه بالأزهر ودفنوه بالقرافة رحمه الله تعالى وغفر له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 واستهلت سنة عشرين ومائتين والف . فكان ابتداء المحرم يوم الإثنين ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دورابدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر. وفي ثامنه سافر اناس كثيرة لزيارة مولد سيدي أحمد البدوي المعتاد وسافر أيضا الشيخ الشرقاوي وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق اناسا كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة أحد في شئ. وفيه اشيع قدوم محمد علي وحسن باشا إلى مصر وذلك أنهما لما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 سمعا بوصول طائفة الدلاة وأن أحمد باشا أرسل إليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الارنؤدية عزموا على الرجوع إلى مصر ليتلافوا امرهم قبل استفحال الأمر. وفي يوم الخميس حادي عشره طلب الباشا المشايخ وعمر أفندي النقيب والوجا قليلة وأرباب الديوان فلما اجتمعوا قال لهم: إن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير اذن وطالبان شرافاما لن يرجعا من حيث اتيا ويقاتلا المماليك وأما أن يذهبا إلى بلادهما أو اعطيهما ولايات ومناصب في غير أراضي مصر ومعي أمر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم اعزل من اشاء وأولي من اشاء واعطي من اشاء وامنع من اشاء ثم اخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير اخضر وأخبرهم أنها بخط السلطان بماذكر فانتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له: إن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر فقال: نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم أوراقا من الباشا وارسلوها إليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الوجاقلية واعدو لهم مكانا بالضربخانة وأمر بان يذهب الدلاة والعسكر الباقية إلى ناحية طرا الجيزة وأخذوا مدافع وجبخانة ووصل محمد علي وحسن باشا إلى ناحية طرا ومعهم عساكرهم فلم يجسر الدلاتية على مما نعتهم وكادلهم محمد علي مكايد منها أنه أرسل إليهم يقول: إنما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين فقال الدلاتية لبعضهم: إذا كان الأمر كذلك فلاوجه للتعرض لهم واخلوا من طريقهم ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية إلى أماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا: إن القوم لم يكن عندهم خلاف ولا تعدوا إذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه فكذلك تفعلون معنا إذا خدمناكم زمنا ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الارنؤدي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وتتابع دخول أولئك في كل يوم طائفة بعد أخرى وسكنوا الدور والبيوت. وفي يوم الأربعاء ذهب إليهم سعيد اغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا. وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل محمد علي بعد العصر وذهب إلى بيته بالازبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم وأخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وازعجوا السكان واخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت اخلاطهم بالأسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب إلى محمد علي والسلام عليه واستمر الأمر على القلقلة واللقلقة والتوحش وأخذ محمد علي في التدابير على أحمد باشا وخلعه. شهر صفر الخير سنة 1220. استهل بيوم الأربعاء والأمر على ما هو عليه وسعيد أغا ساع ومجتهد في اجراء الصلح ويركب تارة إلى الباشا وتارة إلى محمد علي والى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون لمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين افراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب إلى جهة وردان وطلب الأموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره إلى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الأموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا اجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج إلى خارج وحضر أيضا محمد بك الألفي إلى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بإقليم الجيزة ومصر مشحونة باخلاط العسكر واجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذون ما معهم ويخطفون النساء والأولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية. وفي أوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلى جهة الجامع الأزهر يشكون ويستخبثون من افعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد اخرجوهم من مساكنهم واوطانهم قهرا عنهم ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا عندهم وما خلص منهم إلا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ إلى الباشا وخاطبوه في امرهم فكتب فرمانا خطابا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلى أصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيا وأخبروه بعصيانهم فقال: أنهم مقيمون ثلاثة أيام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلى الباشا بذلك فأرسل كتخداه إلى الأزهر فلم يجد به أحدا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر إلى بيوتهم لاغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما لم ير أحدا ذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر أفندي وخلافهفكلموه وأوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الأمر على السكوت إلى يوم الجمعة عاشرة والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع الماشيخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل أحمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد أغا وذلك أنه ورد قاصد من إسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق علىان الباشا ينزل إلى بيت سعيد أغا ويخلع على محمد علي هناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا واخوه عابدي بك وتقلد محمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم: ها هو الباشا عندكم وركب هو وذهب إلى داره بالازبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا إلى أحمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل إلى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا إلى داره واشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين أنه طلع ثانيا إلى القلعة في آخر الليل وطلع صحبته عابدي بك فاغتم الناس ثانيا. وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري الفي كيس اشيع أنه عازم على عمل فردة على أهل البلد وطلب اجرة الاملاك بموجب قوائم الفرنساوية. وفيه ركب الدلاة وذهبوا إلى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على اجرانها وطلبوا من أهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل إليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى أخذوا النساء والبنات والأولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد أيام أرسل إليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وأرسلوا إلى بلدة يقال لها أبو الغيط: فامتنعت عليهم وخرج أهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا إليها واستخرجوها وكانت أشياء كثيرة والأمر لله وحده لاشريك له والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الاغا إلى نواحي الأزهر ونادى بالأمان وفتح الدكاكين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 في العصر فقال الناس: وأي شئ حصل من الأمان وهو يريد سلب الفقراء ويأخذ اجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما أصبح يوم الأحد ثاني عشرة ركب المشايخ إلى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتى امتلا الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الأولاد من يقول: يا لطيف ومنهم من يقول: يا رب يا متجلي أهلك العثملي ومنهم من يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل باحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فأرسل إلى سعيد أغا الوكيل وبشير أغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان أغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والايذاء منهم للناس واخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوي الكاذبة وغير ذلك وأخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة أرسل الباشا مراسلة إلى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره الية من الغد مع العلماء ليعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها إلى السيد عمر أفندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه إليه وغلب على ظنهم أنها منه خديعة وفي عزمه شئ آخر لأنه حضر بعد ذلك من أخبرهم أنه كان اعد أشخاصا لإغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لاوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك. فلما أصبحوا يوم الإثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول إلى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر إليهم أيضا سعيد أغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا إلى محمد علي وقالوا له: أنا لا نريد هذا الباشا حاكما علينا ولا بد من عزله من الولاية فقال: ومن تريدونه يكون واليا قالوا له: لانرضى إلا بك وتكون واليا علينا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع أولا ثم رضي وأحضروا له كركا وعليه قفطان وقام إليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وأرسلوا إلى أحمد باشا الخبر بذلك فقال: إني مولى من طرف السلطان فلا اعزل بأمر الفلاحين ولا انزل من القلعة إلا بامر من السلطنة وأصبح الناس وتجمعوا أيضا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبايديهم الأسلحة والعصي وذهبوا إلى بركة الازبكية حتى ملؤها وأرسل الباشا إلى مصر لعتيقة فحمل جمالا من البقسماط والذخيرة والجبخانة وأخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الانؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة إلى عمر بك وصالح أغا قوش المعضدين لاحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأي الجمهور من عزل الباشا ولاينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب: أرونا سندا شرعيا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشرة ببيت القاضي ونظموا سؤالا وكتب عليه المفتون وارسلوه إليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من اتباع الباشا بثيابهم إلى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه إلا طوائف الارنؤد المغرضون لصالح أغا قوش وعمر أغا. وفي هذه الأيام حضر محمد بك الألفي ومن معه من أمرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب الاهرام وانتشرت اتباعه إلى الجسر الأسود وأرسل مكاتبه إلى السيد عمر أفندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو واتباعه فكتبوا له بان يختار له جهة يرتاح فيها ويتانى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر أحمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول: لا أنزل حتى يأتيني أمر من السلطان الذي ولاني وأرسل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 تذكرة إلى القاضي يذكر فيها أن العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وانهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خراجا ومصاريف إلى حين حضور جواب من الدولة وليس في اقامتنا بالقلعة ضرر أو خراب على الرعية فاننا لا نريد اضرارهم فاجابه القاضي بقوله أما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من ايراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن اقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الأربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم أو محاربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا آخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الأول واجتهد السيد عمر أفندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو المشايخ إلى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجاقلية والكل بالأسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون احزابا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت اقبردي وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشرة ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة وأغلق أهل القلعة الأبواب ووقفوا على الأسوار يبكت بعضهم بعضا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة السلطان حسن يرمون منها إلى القلعة. وفي يوم الابعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر أفندي والمشايخ ومعهم جمع كثيرة من الناس إلى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي وأهل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الازقة فحضروا إلى جهات الجامع الأزهر ثم رجعوا إلى الازبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج المشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا إلى حسن بك اخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة فتحوا باب القلعة بالرميلة وأرادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون إلى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعند ما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا ارسالا إلى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين إلى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الارنؤد يراعون من بالقلعة من اجناسهم لأن غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك أخو حسن باشا إلى القلعة ونزل عمر بك وأمروا برفع المتاريس وتفرق من بها وأشيع نزول الباشا من الغد وبات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ماهم عليه من التجمع والسروح والحيرة. وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الجمان بناحية مرجوش فصادفوا غلاما حماميا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فأرادوا أخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فواصلوا إلى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وأرادوا الخلوص إلى جهة المشهدالحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصا وجرحوا آخر وخرجوا من القبو إلى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا إلى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت ارواحهم إلى النار. وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر أفندي في قلة من الناس وذهب إلى بيت حسن بك اخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال: كيف تزلون من ولا السلطان عليكم وقد قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فقال له: أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة وهذا شئ من زمان حتى الخليفة والسلطان إذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال: وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والاكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال: نعم قد افتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لانكم عصاة فقال: إن القاضي هذا كافر فقال: إذا كان قاضيكم كافرا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك أنه رجل شرعي لا يميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا الأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الأسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه أو يستدين ويشتري به سلاحا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره. وفي يوم الإثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وإمامه الناس بالأسلحة والعدد والأجناد وأهل خان الخليلي والمغاربة شئ كثير جدا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان أولهم بالموسكي واخرهم جهة الأزهر وانفصل الأمر على رجوع عمر بك إلى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا اشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزاد والغنم ليلا ونهارا في مدة الثلاثة أيام المذكورة وقد كانوا اشرفوا على طلب الأمان وتبين أنهم إنما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على اعادة المحاصرة وصعد المغرضون إلى القلعة ونزل أشخاص من المغرضين لأهل البلد إليهم ورجع السيد عمر إلى منزله وأخذ في أسباب الاحاطة بالقلعة كالأول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع الاهتمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 والعرب وغيرهم إلى الجبل واصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الأحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع إليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوي وغير ذلك. شهر ربيع الأول استهل بيوم الخميس سنة والأمر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط. وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم: ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل أحمد باشا من القلعة ونحاسبه وتأخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم. وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الأجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم وأسلحة واجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع أهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا إليهم وكبيرهم حجاج الخضري وإسمعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم انفارا وانحاز باقيهم إلى الوكالة فاغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم واخرجهم ثم أرسل إلى محمد علي وأمره بالهرب من تلك الجهة. وفي يوم الجمعة قتل العسكر شخصا بناحية المظفر واخر بناحية قنطرة الأمير حسين. وفي يوم السبت عاشرة حصل من بعض افراد العسكر قبائح وقتلوا بعض انفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضا على أشخاص منهم وقتلوا منه أيضا وحضر طائفة من الارنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق وحضر أيضا طائفة ببيت السيد عمر أفندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب بالبيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقع في الناس هوزعات وكرشات ثم أحضر حسن أغا نجاتي المحتسب وأمر الأفندي بالمناداة فمر وإمامه المنادي يقول: حسبما رسم السيد عمر الافندي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم واسلحتهم ويحترسوا في أماكنهم واخطاطهم وإذا تعرض لهم عسكري بإذية قابلوه بمثلها وإلا فلا يتعرضوا له وأخذ الناس يعلمون متاريس في رؤس الاخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك. وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلا ومعه فرمان ارسله أحمد باشا المخلوع إلى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم أنه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة وإقامة لناموسها وناموس الدين وأن الفلاحين محاصرونه ومانعون عنه الاكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان إليهم يقلبون ارسلوه إلى محمد علي وارسله محمد علي إلى السيد عمر أفندي النقيب. وفي يوم الأحد حادي عشرة وقعت أيضا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا إلى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة انفار فأخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض انفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم إليه ورجع. وفي تلك الليلة أيضا ذهب جماعة من العسكر إلى جهة الرميلة يطلبون انفارا منهم ساكنين بتلك الناحية أخذ أهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امراة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة أواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم إلى جهة الصليبة وقتل بينهم انفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه أمرها على أهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع أهل البلد وكذلك أهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضا وإذا وقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 العسكر فرح من بالقلعة واغروا أولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على أولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين اوباش مختلفة وطباع معوجه منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها احد. وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب إلى محاربة الالفي واتباعه ومن معهم من العرب فإنهم افحشوا في نهب البلاد ونهب الأموال مالم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والأولاد ولم يذهبوا إلى ما وجهوا إليه. وفي ليلة الأربعاء رابع عشرة حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري إلى بيت السيد عمر وحضر أيضا الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والقاضي وتشاوروا على أمر ورأي رآه محمد علي باشا وأما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فانه أخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم إليه كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل أحمد باشا سرا ويرسل إليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل. وفي لية السبت اجمع راي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو أنه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وأرسل إلى مخدومه يعلمه بذلك وأنه إذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي المدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب أغا وسليمان أغا وهما كبيرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابا للسيد عمر أفندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها أنهما يريدان الحضور إلى جهة القلعة ويسعيان في أمر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين أنهم يرسلون إلى من بالمتاريس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 من العامة بان يخلوا لهما طريقا ولا يتعرضون لهما فحضر إلى السيد عمر أفندي النقيب من أخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل إلى من بالنواحي والجهات وايقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا إلى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا إلى القلعة ومعها انفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من أهالي الرميلة فضربوهم وحاربوهم وأخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤوس المقتولين إلى بيت السيد عمر فارسلهم إلى محمد علي باشا فامر بقتل الاخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الأزهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من أول النهار إلى بعد الظهر فلم ينزعج أهل البلد من ذلك لما الفوه من أيام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء إلى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم أحد لم يرموا عليهم شيئا من الجبل مع استعدادهم لذلك وأصبحوا يوم الأحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الإثنين ويوم الإثنين هذا. وفي كل ليلة يطلع إلى الجبل أربعة عشر جملا تحمل قرب الماء على كل بعير أربع قرب وستة اقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم واصعدوا جبخانة وجللا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربا قليلا واستر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة أماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الأربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه إلى آخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس: أنهم تركوا ذلك احتراما لليلة الجمعة. وفي تلك الليلة حضر جماعة من أهل الاطارف ليلا وحرقوا باب الجبل واوقدوا فيه النار فظن أهل الجبل أن أهل القلعة يريدون الخروج فضربوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة واسرعوا إلى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضا وتسامع الناس كثرة ضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من أتى إلى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الأمر. وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا إلى جهة المحجر لأخذ شئ من الاكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة وأخذوا ما أخذوه من أهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث اتوا واعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من ابنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصا جهة الأزهر وذهبوا إلى ناحية الحسينية والاطارف وخرجت النساء هاربات إلى تلك النواحي وبولاق وانزعجوا من أوطانهم. وفي يوم الأحد أرسل كتخدا محمد علي باشا إلى السيد عمر واشار عليه بإرسال العتالين والشيالين إلى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وأرسلوا أشخاصا من الانكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والابقار وذهبوا إلى هناك وأحضروه واخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين. وفي ذلك اليوم نزل أيضا ستة أشخاص يريدون أخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا. وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضا من اعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك إلى ليلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 الجمعة الأخرى فسكن الرمي تلك الليلة واصيب كثير من الدور والحيطان والابنية واصابت أشخاصا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين. شهر ربيع الثاني سنة 1220. استهل بيوم الجمعة فيه وردت أخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح أغا الذي كان سابقا بمصر ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكا تلك اليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالازبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على ابراج الأبواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع أهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والنيب! وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج وأهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاربوا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى أهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضا طائفة وهجموا على الذنجزية وأرادوا سد فلوة المدع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه آخر وأخذوا سلاحهما ورؤسهما وأحضروهما إلى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ماهو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجرية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالاخطاط والنواحي وضربوا طبولا ومزأمير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب وأصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي وبالمدافع والبنب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وفي يوم الأحد سافرت انفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح أغا وصحبتهم طائفة من العسكر ارسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وأرسل السيد عمر أفندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش وأحمد أوده باشا. وفي ليلة الثلاثاء اشيع وصول القابجي إلى بولاق ليلا فخرج كثير من العامة لملاقاته أفواجا واصطفوا في الأسواق للفرجة عليه واستمروا على ذلك الرج بطول النهار ولم يصل أحد ثم تبين عدم وصوله وأنه وصل إلى ثغر رشيد وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة ورتجت الأرض نحو أربع درجات. وفي يوم الأربعاء سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الأمير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي واستمر الحال على ذلك اليوم ويو الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلا ونهارا في غالب الأوقات ماعدا ليلة الجمعة ويومها إلى العصر. وفي ليلة الإثنين وصل الخبر بوصول القابجي إلى قليوب وأنه طلع إلى بر فوة وسار من هناك وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته فلما اشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من آخر الليل وهم بالأسلحة والعدد والطبول إلى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحاما زائدا ووصل الاغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير إلى زاوية دمرداش ونزلا هناك وعمل لهما إسمعيل الطبجي الفطور فاكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من اعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي وأكابر الارنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب وأهالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل أهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى الازبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والأعيان وقرؤا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقا ووالي مصر حالا من ابتداء عشرين ربيع أول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وأن أحمد باشا معزول عن مصر وأن يتوجه إلى سكندرية بالاعزاز والاكرام حتى يأتيه الأمر بالتوجه إلى بعض الولايات وسكن صالح أغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالازبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي. وفي يوم الثلاثاء ركب السيد عمر في حمع كثير من العسكر من أولاد البلد والمغاربة والصعائدة والاتراك والكل بالأسلحة وذهب إلى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب إلى القابجي وسلم عليه وذهب إلى السلحدار أيضا وسلم عليه ورجع. وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك ابطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل إليهم واستمرار من بالجبل ويطلع إليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم وأما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي إلى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضرب عليها وضربوا عليه أياما كثيرة. وفيه وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر وأولاد البلد بسبب سكن البيوت كذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم انفار وقتل أيضا المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس. وفي يوم الأربعاء مر بعض أولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات أهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذه من بين السورين وصعدوا إلى البيوت ونقبوا نقوبا وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واحتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي برأس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح أغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت إلى العصر وحضر الاغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضا إسمعيل الطبجي ثم سكن الحال بعد اضطراب شديد وبات الناس على ذلك وسبب هذه الحادثة أن لرجلا عسكريا اشترى من رجل خدرجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخدرجي وقال: ما يحل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه إلى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه واخرجوه إلى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسب ذلك ما ذكر. وفيه أرسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح أغا إلى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال: أنا متول بخطوط شريفة وأوامر منيفة ولا انعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح أغا السلحدار يخاطبهم مشافهة وينظر في كلامهم وكيفية مجيئهم فلم يرضوا بطلوع المذكورين إليه. وفي يوم الخميس وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم أشخاص. وفيه تواترت الأخبار بقدوم الأمراء المصريين القبليين إلى جهة مصر. وفيه اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وغالب المتعممين وقالوا: ايش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الأمر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 عن الفتنة وينادون بالأمان وأن الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون أبواب الجامع الأزهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا إلى محمد علي وقالوا له: أنت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد اتاك الأمر فنفذه كيف شئت وأخبروه برأيهم فأجابهم إلى ذلك وركب الاغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالأمن والأمان والبيع والشراء وأن الناس يتركون حمل الأسلحة بالنهار وإذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا أمره إلى محمد علي وأن كان من الرعية رفعوه إلى بيت السيد عمر النقيب وإذا دخل الليل حملوا الأسلحة وسهروا في اخطاطهم على العادة وتحفظوا على أماكنهم فلما سمع الناس ذلك انكروه وقالوا: ايش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لانترك حمل اسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الاغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم وأخذ سلاحهم فازدادوا قهرا وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر وأخبر بان هذا الأمر على خلاف مراده. وفي ليلة الجمعة المذكور حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الاخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة وأصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عصرها يرسلون إلى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فان ابى حدوا في قتاله ومحاربته وذكروا أنه مماليئ الأمراء القبالي وهو الذي أرسل بحضورهم ومطمعهم في المملكة فلزم الاجتهاد في انزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون إليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا إلى بيت القاضي وحضر حجو أغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخذا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة إلى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 حولهم أهالي البلد بالأسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية أما خطأ أو قصدا فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة إلى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا اخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يامرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل إلى اسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون إلا خباطا واقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك إلى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال وأقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذرا من غدر العسكر وفتحوا أبواب الأزهر. وفي يوم السبت فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ إلى الجامع الأزهر وقراوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الأسلحة وأخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم اياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في اذيتهم وتعرضوا لقتلهم وإضرارهم. وفي يوم الأحد قتلوا أشخاصا في جهات متفرقة وضج الناس واغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم واقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر إليهم ويقول لهم: اذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير فهما اللذان أمرا الناس برمي السلاح فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود إلى حمل السلاح والتحذر. وفيه وصل الأمراء القبليون إلى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة إلى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالأرض. وفي يوم الإثنين ركب محمد علي وخرج إلى جهة مصر القديمة وصحبته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 حسن باشا وأخوه عابدي بك فنزل بقصر بليفه وأقاموا إلى العصر وخرج كثير من العسكر إلى ناحية مصر القديمة ثم ركب محمد علي وحسن باشا واخوه في آخر النهار وساقوا إلى جهة البساتين ومعهم العساكر أفواجا فلما قربوا من الأمراء المصريين تقهقروا إلى خلف ورجعوا إلى جهة قبلي وقيل عدوا إلي بر الجيزة وانضم إليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع. وفي يوم الثلاثاء حضر أيضا جماعة من القبليين إلى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الأربعاء. وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم إليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا إلى بولاق وهجموا وهجموا على البيوت واخرجوا سكانها قهرا عنهم وازعجوهم من اوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجارة ووكالة الزيت فحضر الكثير من أهالي بولاق إلى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فأرسل إلى كتخدا بك يمنعهم من ذلك فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم. وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي أول طلبة طلبها بعد راسته. وفيه أرسلوا بنائين وخمسمائة فاعل لبناء ما تهدم من حصون طرا. وفي يوم الخميس حادي عشرينه وردت أخبار بوصول قبطان باشا إلى ثغر سكندرية وابى قير وصحبته مراكب كثيرة لا يعلم المرسون أخبار من بها فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه إليه مع بعض المتعممين ثم اختلف! اراؤهم في ذلك فلما كان يوم الإثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور إلى شلقان فاعرضوا عن ذلك. وفيه وقع بين طائفة من العسكر الكائنين ببولاق وأهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم انفار واستظهر عليهم أهل بولاق. وفي يوم الثلاثاء وصل السلحدار إلى بولاق وركب من هناك إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 المكان الذي اعد له وصحبته مكاتبة إلى أحمد باشا المخلوع ومضمونها الأمر بالنزول من القلعة ساعة وصل الجواب إليه من غير تأخير وحضوره إلى الاسكندرية وجواب آخر إلى محمد علي بابقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا أصل له وأن يقلد من قبله باشا على عسكر يعين ارساله إلى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا إلى أحمد باشا المخلوع بجوابه فقال: حتى يطلع إلى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة. وفي صبح يوم الأربعاء قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع إلى القلعة من آخر النهار وجدوا معه أوراقا فأخذوه إلى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطابا إلى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها أنه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون اشارة بيننا وبينكم فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي ونحن نعدي إلى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل إلى جهة العادلية وياتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فشيغلون الجهات ويتم المرام بذلك فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضرا عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الاكراد فاستجار بالقاضي فلم يجره وأمر به فأخذوه وقتلوه ورموه ببركة الازبكية. وفي يوم الخميس أحضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من ناحية دمنهور وعلى احدها ورقة مكتوبة أنها راس شاهين بك الألفي وأخرى سلحداره وهي متغيرة جدا ومحشوة تبنا ولا يظهر لها خلق ولم يكن لذلك صحة. وفيه أخبر الاخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور ولم ينل منها غرضه وأنه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل: إنه قتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وفي رواية وقع إلى البحر وهرب باقي اتباعه إلى جهة المنوات في اسوأ حال وأخذ منه شيئا كثيرا وهو ما جمعه في هذه السرحة وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفا بمنوف ومن ذلك أنه لما قتل موسى خالدا أخذ منه مالا كثيرا وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه. وفي تلك لليلة طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح أغا القابجي الذي وصل قبله إلى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال: أنا لست بعاص ولا مخألف للأوامر وإنما لصالح أغا وعمر أغا علائف نحو خمسمائة كيس باقية ولم يبق عندي شئ سوى ما على جسدي من الثياب وقد أخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعا فإذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب ثم ترددوا في الكلام والعقدو الابرام ولم يحسن السكوت على شئ. وفيه وصل الأمراء القبالي إلى حلوان وعلي بك ايوب دخل إلى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها. وفي يوم الجمعة عدى ياسين بك من الجيزة إلى متاريس الروضة ولم يكن بها سوى الطبجية فطلعوا إليهم وقبضوا على بعضهم وأخذوا منهم ثلاثة مدافع وسددوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه إلى البحر فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة إلى أماكنهم وحضر الألفي إلى جهة الطرانة. وفيه حضر صالح أغا القابجي إلى السيد عمر النقيب وأخبره أنهم تواعدوا مع أحمد باشا في عصر غد من يوم السبت أما أن ينزل أو يستمر على عصيانه فلما كان يوم السبت في الميعاد افرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة وكذلك النساء بعدما أخذوا ما معهم من الامتعة والثياب وابقوا عندهم الشبان والاقوياء للمعاونة في الاشغال واظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك وكثر اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 شهر جمادي الأول سنة 1220. استهل بيوم الأحد فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكانها اشارة وعلامة لاصحابهم. وفي يوم الإثنين سبح جماعة من الجيزة إلى جهة انبابة وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة وركب محمد علي باشا أواخر النهار وذهب إلى بولاق ونزل ببيت عمر بك الارنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلا وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا إلى جهة انبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى اجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع. وفي يوم السبت سابعه طلع بشير أغا القابجي وصالح أغا السلحدار إلى القلعة وتكلموا مع أحمد باشا ومن معه وقد كانت وردت مكاتبات من قبطان باشا في أمر أحمد باشا ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا أحمد باشا إلى بيت سعيد أغا الوكيل وركبوا معه إلى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم ثم طلع صالح أغا وأربعة من عظمائهم ثم نزلوا ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والاياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا اسفل وطلب القلعاويون شروطا وعلائفهم الماضية وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول أحمد باشا المخلوع في يوم الإثنين وتسليم القلعة والجبخانة. واصبح يوم الإثنين فطلبوا جمالا لحمل اثقالهم فأرسلوا إلى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم وانزل الباشا حريمه إلى بيت مصطفى أغا الوكيل ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور وذهب أكثرهم بعزالهم إلى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة وأخذوا ما وجدوه فيها من المتاع وطلع حسن أغا سر ششمة بجملة من العسكر إلى القلعة انقضى ذلك اليوم ولم ينقض نزولهم وحضر الوالي أيضا وقت العشاء إلى بيت السيد عمر وطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 خمسين جملا فلم يتيسر إلا بعضها. واصبح يوم الثلاثاء فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه إلى جهة الخروبي وذهب إلى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح أغا قوش وانزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجرية لضعف الاكاديش وسكن بيت السيد عمر النقيب وسكن صالح أغا ببيت شيخ السادات وذلك عاشر جمادي الأولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وأرسل السيد عمر فنادي تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فان القوم لا أمان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم وأما الأمراء المصرلية فانهم وصلوا إلى البين واجتمعوا هناك ما عدا علي بك ايوب وسليمان بك وعباس بك فانهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك وأما الدالاتية الانجاس فانهم مستمرون على النهب البلاد وسلب الأموال واذية العباد ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها واسواقها وأخذوا مافيها من الودائع والأموال وسبوا النساء وفعلوا فعالا شنيعة تقشعر منها الابدان ثم انتقلوا إلى المحلة الكبرى وهم الآن بها وأما محمد بك الألفي فانه حاصر دمنهور مدة مديدة فلم يتمكن منها ثم ارتحل عنها ورجع مقبلا ووصل إلى ناحية الطرانة وأما قبطان باشا فانه لم يزل مقيما على ساحل أبي قير. وفي يوم الخميس وصلت الأخبار بذهاب قبطان باشا إلى الاسكندرية وفي يوم الأحد خامس عشره نزل أحمد باشا المخلوع إلى المراكب من بولاق وسافر إلى جهة بحري بعياله واتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتر دار وكثير من اتباعه ولم يسهل بهم مفارقة أرض مصر وغنائمها مع أنهم مجتهدون في خرابها. وفيه وصل الألفي الكبير والصغير إلى بر الجيزة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وفي يوم الإثنين اتفق جماعة من الارنؤد وقصدوا الذهاب إلى بر الجيزة فوصل خبرهم إلى محمد علي باشا فأرسل إليهم عسكرا ومعهم حجوا فلحقهم عند المعادي بحرى بولاق فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا. وفيه بنى حجاج الخضري حائطا وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة. وفي يوم الأربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الاقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء سنة خمس عشرة وأحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد والبسه منصبه في رآسه الاقباط وكذلك خلع علي السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ماكان عليه ابوه من امانة الضربخانة وغيرها. وفي تلك الليلة قتل شخص كبير بيكبابشي تحت بيت الباشا بالازبكية ضربوا لموته مدفعا وذلك لامر نقموه عليه. وفيه سافر كتخدا بك إلى جهة المنوفية وقبض على كاشفها وأخذ ما معه من الأموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه وأخذها أيضا ووجد له غلالا كثيرة ومواشي وغير ذلك. وفي يوم الجمعة عشرينه الموافق لحادي عشر مسرى اوفي النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك واشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الأمراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا باخراج الخيام والنظام إلى ناحية الجسر وعمل الحراقة ثم أمر بكسر السد ليلا فما طلع النهار إلا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا أحد من الناس ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الأمراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر إلى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم وصل طائفة من الأمراء إلى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال واحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا إلى الاشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي وأحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف وأجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الألف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبايديهم البنادق والسيوف والأسلحة ومروا بالجامع الأزهر وذهبوا إلى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي وفامتنع السيد عمر من مقابلتهم فدخلوا إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالو لهم هذا لا يصح ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والأولى ذهابكم وإلا أحاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في أثرهم حسن بك الارنؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا إلى الخلاء فرجع على أثره وأما الفرقة الأخرى فانهم وصلوا إلى باب زويلة وتقدموا قليلا إلى جهة الدرب الاحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقري إلى داخل باب زويلة وأرادوا الدخول إلى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فاصيب منهم أشخاص وقوى جأش العسكر الذين جهة الدرب الاحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم أيضا واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة أشخاص وقعوا إلى الأرض فلما عاينوا ذلك ولوا الادبار وتبعهم العسكر يضربون في اقفيتهم فلم يزالوا في سيرهم إلى النحاسين وقد اغلق الناس بوابة الكعكبين وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين وكان حجو الساكن بالخرنفش عند ما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 جهة باب لظنه أنه لا يمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه فلما وصل إلى باب النصر وجده مغلقا وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على أثره وذهب إلى باب الفتوح فلم يجد به أحدا فطمأن حينئذ وعلم سوء رأيهم فاغلقه واجلس عنده جماعة من اتباعه ورجع على أثره إلى جهة بين القصرين فصادف اديار الجماعة والعسكر في اقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في أيديهم وعلموا أنه قد احيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة إلى جهة باب النصر فوجدوه مغلقا فنزلوا أيضا عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور إلى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية واغلقوا على أنفسهم الباب احتطت بهم العسكر واحرقوا الباب وتسور أيضا عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم وأخذوا ما معهم من الذهب والنقود والأسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الاغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الاقدام موثوقوا الايدي يضربونهم ويصفعونهم على اقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى إلى بيت الباشا بالازبكية وكان قد استعد للفرار وتحير في أمره ونزل إلى اسفل يريد الركوب وإذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والأسرى في أيديهم فعند ذلك سكن جاشه وامتلا فرحا ولما مثل بين يديه أحمد بك تابع البرديسي الذي كان اميرا بدمياط وحسن شبكة ومن معهما قال لأحمد بك: يا أحمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه وأتوه بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطانا من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم وأراد قتل محمد علي باشا وقتل انفارا فقام الباشا وهرب إلى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي ارجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العرى والحقارة والذلة. وفي ثاني يوم أحضروا الجزارين وامروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون إلى ذلك وأحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبنا وخيطوها. وفي ليلة الإثنين خرج عابدي بك بعساكر الارنؤد برا وبحرا إلى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها إبراهيم بك والكبير وابنه مرزوق بك وأمراؤهم فقتل من عسكر الارنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين وحضروا إلى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء. وفي تلك الليلة قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل أنهم عملوا على أنفسهم ثلثمائة كيس فابقوهم وقتلوا الباقي قتلا شنيعا وعذبوهم في القتل من أول الليل إلى اخره ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنا ووسقوها في مركب وارسولها إلى سكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون راسا وفيهم من غير جنسهم واناس جربجية ملتزمون واختيارية التجواوا إليهم وراففوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم إلى إسلامبول وكتبوا في المراسلة أنهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى افنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس أعيانهم وأكابرهم فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وقبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغربية وأحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم واتباعهم ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون اتباعة وباقيهم أشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وارنؤدية ولم يتفق للامراء المصرية اقبح ولا اشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم واعمى ابصارهم وغل أيديهم. وفي يوم الأربعاء حضر طائفة الدلاة إلى ناحية الخانكة بعدما طافوا إقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية وفعلوا أفعالا شنيعة من النهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 والسلب والقتل والاسر والفسق وما لا يسطر ولايذكر ولا يمكن الاحاطة ببعضه. وفيه افرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على أربعة ألاف وثمانمائة كيس وأن يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الاقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ماعدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا. وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر إلى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة واميرهم عمر بك تابع عثمان بك الاشقر ومحمد بك البدول وكثير من الأجناد المصرية وحسن باشا الارنؤدي. وفي يوم السبت رجع القرابة المشاة وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين إذا وردوا القرية نهبوها وأخذوا ما وجدوه فيها وأخذوا الأولاد والبنات وارتحلوا فياتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضا ما امكنهم ثم يرتحلون أيضا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون اقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء وأخذ الدلاة من عرب العائد خمسائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك إلى منوف وقبض على كاشفها وأخذ منه ماجمعه ثم أنه فرد على البلاد التي وحد بها بعض العمار أموالا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدا وأرسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شئ منها ليحصل قدرا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الإقليم وانقضى شهر جماي الاولى. شهر جمادي الثانية سنة 1220. استهل بيوم الإثنين في ثانية وصل ولدا محمد علي باشا إلى ساحل بولاق فركب اغوات الباشا واستقبلوهما وأحضروهما إلى الازبكية وعملوا لهما شنكا تلك الليلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وفي ثالثة طلع محمد عليباشا إلى القلعة واجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع. وفي رابعة رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة إلى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة إلى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والاحمال وعدتها أكثر من الأربعة ألاف جمل وما نهبوه من البلاد واسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم إلا زيادة الضرر ولم يحصل للباشا المخلوع الذي استدعاهم لنصرته إلا الخذلان وكان في عزمه وظنه أنهم يصيرون اعوانه وانصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على ازالة الطائفة الأخرى فانتحس بقدومهم واورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الإقليم وكان كلما خوطب وعوقب في أمر أو فعل يقول: أصبروا حتى تأتي الدلاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم إلا الفساد وانتقضت دولتة وانعست قضيته. وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق. وفي خامسة حضر كتخدابك ليلا واشار بابطال ذلك الدفتر لما فيه من الاشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين أنه يفعل ذلك باجتهادة ورايه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم. وفيه سافر أيضا جانم أفندي الدفتر دار وسافر صحبته قابجي باشا الأسود المسمى بشير أغا. وفيه سافر بعض كبرائهم إلى جهة السويس ليأتي بالمحمل. وفي يوم الجمعة ورد أحمد أفندي من سكندرية وهو الذي كان أتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه أحمد باشا خورشيد من الورود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وكتبوا في شانه عرضحال من الشايخ والوجاقلية بمنعه وابقاء جانم أفندي واستمر بالاسكندرية إلى هذا الوقت وحضر الآن بمراسلة من قبطان باشا وأحضر صحبته تقرير السعيد أغا على الوكالة وابقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان أغا حافظ. وفي يوم الأحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال: إنه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل. لطويل وفي يوم الإثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب إلى بيته لقضاء اشغاله. وفيه وصلت القافلة والمحمل وأراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على أحمالهم بألف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر. وفيه طلب الباشا حسن أغا نجاتي المحتسب والأمير إبراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن أغا كتخدا الحج والأمير إبراهيم ديودار بشرط أن يكلفا أنفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهم على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن أغا وقلد عوضه آخر يسمى قاضي اوغلي على الحسبة. وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بانه ركب من دير مصر العتيقة وذهب إلى الأمراء المصرين بناحية التين. وفي يوم الأربعاء سابع عشرة توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية. وفي يوم الجمعة تاسع عشرة توفي حسن أفندي ابن عثمان الاماحي الخطاط. وفيه قلدوا علي جلبي بن أحمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين. وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدا إلى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له: عبد الله قاضي اوغلي وكذلك تقلد قبله بأيام إبراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك إسمعيل بك ويعرف بالالفي وهو زوج هانم ابنة بنت إسمعيل بك أغاوية مستحفظان. وفيه افرجوا عن حسن أغا المحتسب وإبراهيم الرزاز وقرروا على الأول خمسة وستين كيسا وعلى الثاني خمسة عشر كيسا يقومان بدفعها. وفيه انزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري إلى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون. وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بنى سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفا على منفلوط وغيرها. وفي أواخره حضر محمد كتخدا الألفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة وماءتي بلد التزام وأنه يأتي الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك أياما وأما باقي الأمراء المصرليين فانهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا إلى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وأن المصرين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا أصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للالفي مكاتبات بذلك وأن يكون في ضمنهم. وفي أواخره أيضا احتاج محمد علي باشا إلى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك وأخبرهم بان العسكر باق لهم ثلاثة ألاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق إلا هذه النوبة ومن هذا الوقت إذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا إلى بلادهم ولم يبق منهم إلا المحتاج إليهم وأرباب المناصب ولا يأخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 بالفردة وتقرير أموال على أهل البلد وانحط الأمر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا: هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال: نكتب فرمانا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة أخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة إلى أن رضى الناس واستقر أمرها وشرعوا في تحريرها وطلبها. شهر رجب الفرد سنة 1220. استهل بيوم الأربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم إلى مخدومه بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون إلى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية. وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضا علي باشا سلحدار أحمد باشا خورشيد المنفصل إلى الاسكندرية وأما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية. وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب إلى البلاد الحجازية بعساكره إلى خارج باب النصر. وفيه وردت الأخبار بان الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة واتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الاردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الواهبييون ولم يحدثوا بها حدثا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الأسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صى الله عليه وسلم. وفي تاسع عشره وقع بالازبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من أعيانها واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار. وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان وأحمد باشا خورشيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 من ثغر سكندرية. وفيه حضر أهل رشيد يشتكون إلى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد على باشا أرسل يطلب منهم أربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرا من التجار بقائمة. وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الأخبار بوصول الغز المصريين إلى اسيوط وملكوها وأما الألفي فانه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وأرسل ياسين بك يطلب عسكرا وذخيرة. وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب إلى محمد علي وترجوا عنده في أهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك وأخذوا في تحصيلها. وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الأمر على المصالحة بمائة وأربعين كيسا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها. شهر شعبان سنة 1220. استهل بيوم الجمعة فيه أمر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الأمر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك أمور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الأموال لا يمكن ضبطها. وفي أواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الاسيوطي وهي بنت عبد الرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة أحمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدهم وعلموا لها مهما ببيت امها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وأمر بان يعمل لها زفة مثل زفف الأمراء المتقدمين ونبهوا على أرباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على أفرادهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وداروا بأزفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي إلى مدرسة العورية مع أولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم وأحضر إليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى أمر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا إلى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان. واستهل شهر رمضان بيوم السبت 1220. وفي هذا اليوم شح وجود اللحم وغلا سعره لعدم المواشي وتوالى الظلم والعسف والفرد والكلف على القرى والبلاد حتى بلغ الرطل اللحم الجفيط الهزيل خمسة وعشرين نصفا أن وجد والجاموسي اثني عشر نصفا وامتنع وجود الضاني بالأسواق بالكلية رأسا ولما استهل رمضان انكب الناس على من يوجد من الجزارين اللحم الخشن وكذلك شح وجود السمن وعدم بالكلية وإذا وجد منه شىء خطفه العسكر وذهبوا به إلى سوق انبابة يوم السبت أول رمضان ونهبوا ما وجدوه مع الفلاحين من الزبد والجبن وغير ذلك وزاد فحشهم وقبحهم وتسلطهم على ايذاء الناس وكثروا بالبلد وانحشروا من كل جهة وتسلطوا على تزوج النساء قهرا اللاتي مات ازواجها من الأمراء المصرلية ومن ابت عليهم اخدوا ما بيدها من الالتزام والايراد واخرجوها من دارها ونهبوا متاعها فما يسمعها إلا الاجابة والرضا بالقضاء وتزوج بعضهم بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت أحمد بك شنن وأمثالها ولم ينفعهن الهروب ولا الاختفاء ولا الالتجاء وتزيوا بزي المصريين في ملابسهم وركبوا الخيول المسومة بالسروج المذهبة والقلاعيات والرخوت المكلفة واحدق بهم الخدم والاتباع والقواسة والسواس والمقدمون ووصل كل صعلوك منهم لما لا يخطر على باله أو يتوهمه أن يتخيله ولا في عالم الرؤيا مع انحراف الطبع والجهل المركب وعمى البصيرة والفظاظة والقساوة والتجارى وعدم الدين والحياء والخشية والمروءة ومنهم من تزوج الاثنتين والثلاث وصار له عدة دور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وفيه تواترت الأخبار بما حصل لياسين بك وأنه بعد أنهزامه هرب بجماعة قليلة وذهب عند سليمان بك المرادي وانضم اليه. وفي ثالث عشره نهبوا بيت ياسين بك المذكور وأخذوا ما فيه ونفوا محمد أفندي اباه وانزلوه في مركب وذهبوا به إلى بحرى وقيل أنهم قتلوه. وفيه وردت الأخبار بانه غرق بمينا الاسكندرية أحد عشر غليونا من الكبار وذلك أنه في أواخر شعبان هبت رياح غربية عاصفة ليلا فقطعت مراسي المراكب ودفعتها الرياح إلى البر فانكسرت وتلف ما فيها من الأموال والأنفس ولم ينج منها إلا القليل وكذلك تلف ثمان وأربعون مركبا وأصلة من بلاد الشام إلى دمياط ببضائع التجار. وفيه حضر جماعة من الألفية إلى بر الجيزة وطلبوا كلفا من إقليم الجيزة وقبضوها ورجعوا إلى الفيوم ومضى في أثرهم عربان أولاد علي من ناحية البحيرة وعاثوا بأراضي الجيزة فعينوا لهم طاهر باشا الذي كان مسافرا إلى بلاد الحجاز وخرج بعساكره وخيامه وموكبه إلى خارج باب النصر ونصب وطاقة وصار يضرب في كل ليلة مدافعه وطلبه ونوبته واستمر مقيما على ذلك نحو ثلاثة شهور وهم يجمعون له الأموال ويفردون الفرد على الأقاليم ويقولون برسم تشهير العسكر المسافر للخوارج واستخلاص البلاد الحجازية من أيديهم ولم يزالوا يحتجون بعدم أخذ النفقة وفي كل يوم يتسللون شيئا بعد شىء ويدخلون إلى المدينة ويتفرقون إلى الجهات حتى لم يبق منهم إلا القليل ثم أنهم ارتحلوا من مخيمهم بحجة العرب وطردهم من الجيزة فلما عادوا إلى الجيزة دخلوا إلى دورها وسكنوها غصبا عن أهلها واستولوا على فراشهم ومتاعهم ولم يخرج منهم أحد للعرب ولم يتعدوا خارج السور وبطل أمر السفرة المذكورة. وفي تاسع عشره أرسل محمد علي من قبض على الاغا الشمعدانجي وعثمان أغا كتخذا بك سابقا وقت المغرب وانزلوهما إلى بولاق في مركب وذهبوا بهما يقال: أنهم قتلوهما ومعهما اثنان أيضا من كبار العسكر ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 يعلم سبب ذلك وانزلوا حصصهم في المزاد. وفيه فتحوا طلب الميري من الملتزمين عن سنة إحدى وعشرين مع أن سنة تاريخه لم يستحق منها الثلث وكانوا فتحوها معجلة لقدر الاضتياج وقبضوا نصفها وطلبوا النصف الاخر بعد أربعة اشهر وأما هذا فطلبوها بالكامل قبل أوانها بسنة وخصوصا في شهر رمضان مع الناس فيه من ضيق المعاش وغلو الاسعار في كل شىء بل وعدم وجود الاقوات ووقوف العسكر خارج المدينة يخطفون ما ياتي به الفلاحون من السمن والجبن والتبن والبيض وغير ذلك ومن دونهم العرب ومثل ذلك في البحر والمراكب حتى امتنع وجود المجلوبات برا وبحرا وطلبوا المراكب لسفر العساكر بالتجاريد فتسامع القادمون فوقفوا عن القدوم خوفا من النهب والتسخير ولم يبق بسواحل البحر مركب ولا قارب وبطل ديوان العشور ووصل سعر العشرة ارطال السمن ستمائة نصف فضه أن وجد والعشرة من البيض بخمسة عشر فضة أن وجد والدجاجة بأربعين نصفا والرطل الصابون بستين نصفا ولم يزل يتزايد حتى وصل الرطل إلى مائة وعشرين والراوية الماء بأربعين نصفا والرطل القشطة بستين نصفا والرطل من السمك الطري بستة عشر نصفا والقديد المملوح بعشرة انصاف وقد كان يباع بنصفين وبالعدد من غير وزن والحوت الفسيخ بأربعين نصفا وقس على ذلك. وفي عشرينه رجع خازندار طاهر باشا إلى جهة العادلية ثانيا ومعه جملة من العسكر وصاروا يضربون في كل ليلة مدفعين واستمر طاهر باشا بالجيزة. وفيه كتب محمد علي باشا مكاتبة إلى الأمراء القبالي وأرسل بها مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليصطلحوا على أمر. وفيه وصل أيضا جماعة من الألفية إلى جهة سقارة وبلاد الجيزة وطلبوا منها كلفة ودراهم فامر محمد علي بخروج العساكر فتلكؤا واحتجوا بطلب العلوفة فعزم على الخروج بنفسه فلما كان ليلة الأربعاء سادس عشرينه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 طلب كبار العساكر وركب معهم إلى مصر القديمة وشرعوا في التعدية بطول الليل وهم محمد علي وعسكره وخواصه وعابدي بك وعمر بك وصالح قوش والدلاة وكبيرهم وعلي كاشف الذي تزوج بنت شنن واتباعه في تجمل وكبير الدلاة وطائفته وركب الجميع وقت الشروق وبرزوا إلى الفضاء وانفرد كل كبير بعسكره خمسة طوابير وستة ونظروا على البعد منهم فرأوا خيالة من العربان وغيرهم متفرقين كل جماعة في ناحية فحمل كل طابور على جماعة منهم فانهزموا إمامهم فساقوا خلفهم فخرج عليهم كمائن من خلفهم ووقع بينهم الضراب وحمل علي كاشف وآخر يقال له: اوزى في جماعتهم فراوه مجملا فظنوه محمد علي فاحتاطوا به وتكاثروا عليه وأخذوه اسيرا هو ومن ومعه وفر من نجا منهم ووقعت فيهم الهزيمة ورجع الجميع القهقري وعدوا إلى بر مصر من غير تأخير وذهب من الارنؤد طائفة إلى الاخصام وانضموا إليهم. وفي هذه الأيام وقع بين أهل الأزهر منافسات بسبب أمور واغراض نفسانية يطول شرحها وتحزبوا حزبين حزب مع الشيخ عبد الله الشرقاوي وحزب مع الشيخ محمد الأمير وهم الأكثر وجعلوا الأمير ناظرا على الجامع وكتبوا له تقريرا بذلك من القاضي وختم عليه المشايخ والشيخ السادات والسيد عمر أفندي النقيب وكانت النظارة شاغرة من أيام الفرنسيس وكان يتقلدها أحد الأمراء فلما خرج الأمراء من مصر صارت تابعة للمشيخة لوقت تاريخه فانفعل لذلك الشيخ الشرقاوي ولما فعلوا ذلك اجتهد الشيخ الأمير في النظر لخدمة الجامع بنفسه وبابنه وأحضر الخدمة وكنسوا الجامع وغسلوا صحنه ومسحوه وفرشوا المقصورة بالحصر الجدد وعلقوا قناديل البوائك وصار كل يوم يقف على الخدمة ويأمرهم بالتنظيف وغسل الميضاة والمراحيض وأمر بغلق الأبواب من بعد صلاة العشاء ما عدا الباب الكبير ورتبوا له بوابا وطردوا من يبيت به من الاغراب الذين يتلفون بالحصر ويلوثونها ببولهم وغائطهم ونحو ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وفي غايتة ليلة الأحد التي هي ليلة العيد عدى طائفة من العسكر إلى بر الجيزة وانضموا إلى الاخصام وحصل في العسكر ارتجاج واختلافات وعملوا شنكا في تلك الليلة في الازبكية بعدما اثبتوا هلال شوال بعد العشاء الاخيرة وقد كانوا اسرجوا المساجد وصلوا التراويح ثم اطفؤا المنارات في ثالث ساعة من الليل. شهر شوال سنة 1220. استهل بيوم الأحد المذكور وجميع الأمور مرتبكة والحال على ما هو عليه من الاضطراب ولم يحصل في شهر رمضان للناس جمع حواس ولا حظوظ ولا امن وانكف الناس عن المرور في الشوارع ليلا خوفا من اذية العسكر وفي كل وقت يسمع الإنسان أخبار ونكات وقبائح من افاعيلهم من الخطف والقتل وأذية الناس. وفي رابعه قلدوا مناصب كشوفات الاقاليم وتهيؤا للذهاب وعملوا قوائم فرد ومظالم على البلاد خلاف ما تقدم وخلاف ما يأخذه الكشاف لأنفسهم وما يأخذونه قبل نزولهم وذلك أنه عندما يترشح الشخص منهم لتقليد المنصب يرسل من طرفه معينين إلى الإقليم الذي سيتولي عليه بأوراق البشارات وحق طرق باسم المعينين أما عشرين ألفا أو أكثر أو أقل فإذا قبضوا ذلك اتبعوها بأوراق أخرى ويسمونها أوراق تقبيل اليد وفيها مثل ذلك وأكثر أو أقل ثم كذلك أوراق لبس القفطان ونحو ذلك وقد يتفق بعد ذلك جميعه أنه يتولى خلافه ويستأنف العمل إلى غير ذلك هذا وكتخذا بك مستمر في سرحاته بالاقاليم وجمع الأموال والعسف والجور مرة بالمنوفية ومرة بالغربية ومرة بالشرقية ولا يقرر إلا الأكياس من الشهريات والمغارم وحق الطرق والاستعجالات المترادفة مما لا يحيط به دفتر ولا كتاب. وفي ثامنه توفي إبراهيم أفندي كاتب البهار وترك ولدا صغيرا فقلدوا مملوكه حسنا في منصبه وكيلا عن ولده. وفي هذه الأيام كثر تحرك العسكر والمناداة عليهم بالخروج إلى نواحي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 طرا والجيزة وذلك بسبب أن بعض الألفية عدى إلى ناحية الشرق وأخذوا كلفا من البلاد وبعضهم وصل إلى وردان بالبر الغربي. وفي عاشره حضر جملة من الدالاتية وغيرهم من ناحية الشام فمنهم من حضر في البحر على دمياط ومنهم من حضر في البر وعدى طاهر باشا الذي كان مسافرا على جدة. وفيه أيضا سافرت القافلة المتوجهة إلى السويس وصحبتها نحو المائتين من العسكر وعليهم كبير من طرف طاهر باشا بدلا عنه وسافر صحبتهم حسن أفندي القاضى المنفصل ليكون قاضيا بمكة حسب القانون. وفي خامس عشره وصلت قوافل التجار من السويس فأرسل محمد علي وفتح الحواصل وأراد أخذ بضائع التجار وفروق البن فانزعج التجار بوكائل الجمالية وغيرها وذلك بعد أن دفعوا عشورها ونو لونها واجرها وما جعلوه عليها من المغرم السابقة وانحط الأمر على المصالحة عن كل فرق خمسون ريالا ولم ينتطح في ذلك شاتان. وفي حادي وعشرينه حضر كتخدا بك إلى مصر بعدما جمع الأموال من الاقاليم وفعل ما فعله من الفرد والمظالم الخارجة عن الحد. وفي يوم الأربعاء خامس وعشرينه توفي عثمان أفندي العباسي. شهر ذي القعدة سنة 1220. واستهل بيوم الثلاثاء والاجتهاد حاصل بخروج العسكر للتجريد في كل يوم ونصبوا عرضيهم ببر الجيزة وناحية طرا من ابتداء شعبان كما تقدم وفي كل يوم يخرجون طوائف ويعودون كذلك. وفي يوم الأربعاء تاسعه حضر مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وعلي جاويش الفلاح الذين كانوا تواجهوا إلى قبلي لأجل الصلح وحضر صحبتهم نيف وثلاثون مركبا من السفار والمتسببين فيها غلال وادهان وجلود وتمر وغير ذلك ولم يعلم حقيقة ما حصل. وفي يوم الجمعة حادي عشره نودى على العسكر بالخروج من الغد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 بالتركي والعربي والتحذير من التأخير. وفي يوم الأحد رجع مصطفى أغا بجواب ثانيا هجانا من طريق البر. وفي يوم الإثنين رابع عشرة اخرجوا المحمل والكسوة وعين للسفر بهما من القلزم مصطفى جاويش العنتبلي ومعه صراف الصرة دفعوا له ربعها وثمنها وهذا لم يتفق نظيره. وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد نحو السبعين ططريا ومعهم البشارة لمحمد علي باشا بوصول الاطواخ إلى رودس ووصل معهم أيضا مراسيم بمنصب الدفتردارية إلى سكندرية في أيام أحمد باشا خورشيد وجانم افندى الدفتردار ومنعوه عنها وكتبوا في شأنه عرضا للدولة بعدم قبوله وأن أهل البلد راضون على جانم أفندي فلما حصل ما حصل لخورشيد باشا وعزل عن مصر وعزل أيضا جانم أفندي حضر أيضا أحمد أفندي المذكور بمراسيم آخر وفيها الوكالة لسعيد أغا مجددة له ونظر الخاصكية لحافظ سليمان واستمر من ذلك الوقت بمصر فوصل إليه الأمر بتقليد الدفتردارية وكان حسن أفندي الروزنامجي هو المتقلد لذلك فلما كان يوم الخميس سابع عشره اجتمع بديوان محمد علي صالح أغا قابجي باشا وسعيد أغا ونقيب الاشراف وبعض المشايخ ولبس أحمد أفندي خلعة الدفتردارية وشرطوا عليه أنه لا يحدث حوادث كغيره فان حصل منه شىء عزلوه وعرضوا في شأنه وقبل ذلك على نفسه. وفي يوم الجمعة ثامن عشره ارتحلت القافلة وصحبتها الكسوة والمحمل أواخر النهار من ناحية قايت باي بالصحراء وذهبوا إلى جهة السويس ليسافروا من القلزم. وفيه وصلت الأخبار بان بونابارته كبير الفرنسيس ركب في جمع كبير واغار على بلاد النمساوية وحاربهم حربا عظيما وظهر عليهم وملك تختهم وقلاعهم وطلب ملكهم بعد خروجه من حصونه فأعاده لمملكته بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 ما شرط عليه شروطه وملك غير ذلك من القرانات والحصون ثم سار إلى بلاد الموسقو ووقع بينه وبينهم هدنة على ثلاثة اشهر. وفي اليوم الأربعاء ثالث عشرينه خرج حسن باشا طاهر إلى ناحية مصر القديمة. وفي يوم السبت سادس عشرينه حضر مبشرون بحصول مقتلة عظيمة وانهم اخدوا من الاخصام جملة عسكر أسرى ورؤوس فضربوا مدافع لذلك واظهروا السرور. وفي يوم الأحد وصلت الرؤوس والأسرى وهى إحدى وعشرون رأسا وذراع مقطع وسبعة عشر اسيرا ليس فيهم من يعرف ولا من جنس الأجناد وغالبهم فلاحون فاعطى محمد علي لكل اسير نصف دينار واطلقهم ووضعوا الرؤوس والذراع عند باب زويلة. وفيه وصلت القافلة من السويس ووصل أيضا صحبتهم جنرال من الانكليز راكب في تخت وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملا فذهب عند قنصلهم فلما كان يوم الأربعاء غايته ركب في التخت وذهب عند محمد علي بالازبكية فتلقاه وعمل له شنكا ومدافع وقدم له هدية وتقادم ثم رجع إلى مكانه. شهر ذى الحجة الحرام سنة 1220. استهل بيوم الخميس فيه حضر مصطفى أعا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي من الجهة القبلية وقد تقدم أنهما ذهبا وعادا ثم رجعا ثانيا على الهجن لتقرير الصلح ثم رجعا ولم يظهر أثر لذلك الصلح وحكى الناس عنهما أن المذكورين لما ذهبا إلى اسيوط وجدا إبراهيم بك قد انتقل إلى ناحية طحطا واجتمعا بعثمان بك حسن البرديسي فلم يرضيا بالتوجيه الذي وجه به إليهم وهو من حدود جرجا وقالا: لا يكفينا الأمن حدود المنية فان الفرنساوية كانوا اعطوا حكم البلاد القبلية من حدود المنية لمراد بك بمفرده فكيف أنه يكفينا نحن الجميع من جرجا وشرطوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 أيضا أنه استقر الصلح على مطلوبهم لا بد من اخلاء الإقليم من هذه العساكر الذين لا يتحصل منهم إلا الضرر والخراب والدمار والفساد ولايبقى الباشا منهم إلا مقدار الفي عسكري وقالوا: إنه أيضا إذا لم يعطنا مطلوبنا فهو لا يستغني عن اناس من العسكر يقيمون بالبلاد التي يبخل علينا بها فنحن أولى له واحسن منهم ونقوم بما على البلاد من المال والغلال وعند ذلك يحصل الأمن وتسير المسافرون في المراكب وترد المتاجر والغلال ويحصل لنا وله الراحة وأما إذا استمر الحال على هذا المنوال فانه لم يزل متعبا من كثرة العسكر ونفقاتهم وكذلك سائر البلاد على أنه أن لم يرض بذلك فهاهي البلاد بايدينا والأمر مستمر معنا ومعهم على التعب والنصب. وفي رابعه ورد الخبر بأن جماعة من كبار العسكر وفيهم سليمان أغا الارنؤدي الذي تولى كسوفية منفلوط ومعهم عدة وافرة من العسكر عدوا من المنية إلى البر الشرقي بالمطاهرة بسبب ما عندهم من القحط وعدم الاقوات لاحاطة المصريين بهم فلما دخلوا إلى بلدة المطاهرة وملكوها وصل إليهم بعض الأمراء والأجناد المصرية وأحاطوا بهم وحاربوهم أيام حتى ظهروا عليهم وقتلوا منهم وهرب من هرب وهو القليل واسروا الباقي وفيهم سليمان أغا المذكور فالتجاء إلى بعض الأجناد فحماه من القتل وقابل به كبار الأمراء فانعموا عليه بكسوة ودراهم وسلاح وأقام معهم أياما ثم أستاذنهم للعود وحضر إلى مصر وجلس بداره. وفيه ورد الخبر أيضا بموت الأمير بشتك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا. وفيه أيضا حضر حجاج الخضري الرميلاتي إلى مصر وقد كان خرج من مصر بعد حادثة خورشيد باشا خوفا من العسكر وذهب إلى بلدة بالمنوات ثم ذهب عند الألفي وأقام في معسكره إلى هذا الوقت ثم أن الألفي طرده لنكتة حصلت منه فرجع إلى بلده وأرسل إلى السيد عمر فكتب له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 أمانا من الباشا فحضر بذلك الأمان وقابل الباشا وخلع عليه ونادوا له في خطته بانه على ما هو عليه في حرفته وصناعته ووجاهته بين اقرانه فصار يمشي في المدينة وبصحبته عسكري ملازم له. وفي يوم الجمعة تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وفي ذلك اليوم ركب محمد علي بالابهة الكاملة وصلى الجمعة بالمشهد الحسيني ولم يركب من وقت ولايته بالهيئة إلا في هذا اليوم وفي عصر تلك الليلة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك في صبحها وفي كل وقت من لاوقت الخمسة مدة أيام التشريق. وفي رابع عشره حضر جاههين بك الألفي ومعه طوائف من العربان إلى إقليم الجيزة وأخذوا الكلف واغناما من البلاد ودراهم واشيع بذلك وأمروا بخروج العساكر إليهم وركب محمد علي باشا في يوم الخميس وخرج إلى ناحية بولاق وانزلوا من القلعة جبخانة ومدافع وطفقوا يخطفون الحمير من الأسواق أن وجدوها وعدى طائفة من العساكر الخيالة إلى بر الجيزة وعدى طاهر باشا إلى بر انبابة وصحبته عساكر كثيرة وازعجوا أهل القرية وخرجوهم من دورهم وسكنوا بها واطلقوا دوابهم وخيولهم على المزارع فأكلوها بأجمعها ولم يبقوا منها ولا عودا اخضر في أيام قليلة. وفيه اختفى حجاج الخضري أيضا بسبب ما داخله من الوهم والخوف من العسكر. وفي عشرينه شرع عساكر حسن باشا في التعدية من ناحية معادي الخبيري إلى البر الاخر. وفي يوم الأحد خامس عشرينه عدى حسن باشا أيضا. وفي يوم الإثنين نودي في الأسواق على العساكر الذين لم يكونوا في قوائم العسكر الذين يقال لهم: السير بالسفر والخروج إلى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل وكذلك كتبوا فرمانات وأرسلوها إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 البلاد بمعنى ذلك ومن كان من أهل البلد أو المغاربة أو الاتراك بصورة العسكر ومتزييا بزيهم فلينزع ذلك وليرجع إلى زيه الأول. وفيه أيضا نودي على المعاملة الناقصة لا تقبض إلا بنقص ميزانها لأن المعاملة فحش نقصها جدا وخصوصا الذهب البندقي الذي كان احسن أصناف العملة في الوزن والعيار والجودة فإن العسكر تسلطوا عليه بالقص فيقصون من المشخص الواحد مقدار الربع أو أكثر أو أقل ويدفعونه في المشتروات ولايقدر المتسبب على رده أو طلب ارش نقصه وكذلك الصيرفي لا يقدر على رده أو وزنه وقتل بذلك قتلى كثيرة واغلق الصيارف حوانيتهم وامتنعوا من الوزن خوفا من شرهم وكذلك نودي على التعامل في بيع البن بالريال المعاملة وهو تسعون نصفا وقد كان الاصطلاح في بيع البن بالفرانسة فقط وبلغ صرف الفرانسة مائة وثمانين نصفا ضعف الأول وعز وجوده لرغبة الناس فيه لسلامته من الغش والنقص لأن جميع معاملة الكفار قولة السير هكذا في نسخ وفي بعض النسخ القبسير ولم نقف بعد المراجعة عليها كذ بهامش النسخة المطبوعة سالمة من الغش والنقص بخلاف معاملات المسلمين فإن الغالب على جميعها الزيف والخلط والغش والنقص فلما انطبعوا على ذلك ونظروا إلى معاملات الكفار وسلامتها تسلطوا عليها بالقطع والتنقيص والتقصيص تتميما للغش والخسران والانحراف عن جميع الاديان وقال صلى الله عليه وسلم "الدين المعاملة ومن غشنا فليس منا" فيأخذون الريالات الفرانسة إلى دار الضرب ويسبكونها ويزيدون عليها ثلاثة ارباعها تحاسا! ويضربنونها قروشا يتعاملون بها ثم ينكشف حالها في مدة يسيرة وتصير نحاسا أحمر من اقبح المعاملات شكلا ووضعا لافرق بينها وبين الفلوس النحاس التي كانت تصرف بالارطال في الدول المصرية السابقة في الكم والكيف بل تلك اجمل من هذه في الشكل وقد شاهدنا كثيرا منها وعليها أسماء الملوك المتقدمين ووزن الواحد منها نصف اوقية وكان الدرهم المتعامل به إذ ذاك من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الفضة الخالصة على وزن الدرهم الشرعي ستة عشر قيراطا ويصرف بثلاثة ارطال من الفلوس النحاس فيكون صرف الدرهم الواحد إثنين وسبعين فلسا تستعمل في جميع المشتروات والمرتبات والمعاليم واللوازم للبيوت والجزئيات والمحروقات فلما زالت الدولة القلوونية وظهرت دولة الحراكسة واستقر الملك المؤيد شيخ في سلطنة مصر وبدا الاختلال اختصر الدرهم المتعامل به وجعله نصف درهم وهو ثمانية قراريط وسمي نصف مؤيدي ولم تزل تتناقص حتى صارت في آخر الدولة الجركسية أقل من ربع الدرهم واختل أمر الفلوس النحاس والمرتبات والوظائف بالاوقاف المشروط فيها صرف المعاليم بالفلوس ولم يزل الحال يختل ويضعف بسبب الجور والطمع والغش وغباوة أولي الأمر وعمي بصائهم عن المصالح العامة التي بها قوام النظام حتى تلاشى أمر الدراهم جدا في الوزن والعيار وصار الدرهم المعبر عنه بالنصف أقل من العشر للدرهم وفيه من الفضة الخالصة نحو الربع فيكون في النصف الذي هو الآن بدل الدرهم الاصلي من الفضة الخالصة أقل من ربع العشر فيكون في النصف الواحد من معاملتنا الآن الذي وزنه خمس قمحات قيراط وربع ثلث قيراط من الفضة وذلك بدل عن ستة عشر قيراطا وهو الدرهم الاصلي الخالص فانظروا إلى هذا الخسران الخفي الذي انمحقت به البركة في كل شئ فان الدرهم الفضة الآن صار بمنزلة الفلس النحاس القديم فتأمل واحسب تجد الأمر كذلك فإذا فرضنا أن إنسانا اكتسب ألف درهم من دراهمنا هذه فكأنه اكتبسب خمسة وعشرين لاغير وهو ربع عشرها على أنه إذا حسبنا قيمة الخمسة وعشرين في وقتنا هذا عن كل درهم ثلاثون نصفا فانها تبلغ سبعمائة وخمسين ويذهب الباقي وهو مائتان وخمسون هدرا وأما الذهب فإن الدينار كان وزنه في الزمن الأول مثقالا من الذهب الخالص ثم صار في الدولة الفاطمية وما بعدها عشرين قيراطا وكان يصرف بثلاثين درهما من الفضة فلما نقص الدرهم زاد صرف الدينار إلى أن استقر وزن الدينار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 في أوائل القرن الماضي ثلاثة عشر قيراطا ونصفا ويصرف بتسعين نصفا وهو المعبر عنه بالاشرفي والطرلي المعروف بالفندقلي يصرف بمائة وكانا جيدين في العيار وكذلك الانصاف العددية كانت اذذاك جيدة العيار والوزن وكان الريال يصرف بخمسين نصفا والريال الكلب بإثنين وأربعين نصفا ثم صار الدينار وهو المحبوب الجنزرلي بمائة وخمسين والفندقلي بمائة وعشرين والفرانسة بستين ثم حدث المحبوب الزر في أيام السلطان أحمد بدلا عن الجنزرلي وغلا صرف الجنزرلي وكان في وزن المشخص وعياره ووزن الزر ثلاثة عشر قيراطا ونصف إلى أن زاد الاختلال في أيام علي بك والمعلم رزق واستيلائه على دار الضرب والقروش واستعمل ضرب القروش واستكثر منها وزاد في غشها لكثرة المصاريف على العساكر والتجاريد والنفقات واستقر الاشرفي المعروف بالزر بمائة وعشرة والطرلي بمائة وستة وأربعين والمشخص بمائتين والريال الفرانسة بخمسة وثمانين مدة من أيام علي بك وفحش وجود القروش المفردة وضعفها واجزاؤها حتى لم يبق بأيدي الناس من التعامل إلا هي وعز باقي الأصناف المذكورة وطلبت للسبك والادخار صياغة الحلي فترقت في الصارفة والأبدال فلما زالت دولة علي بيك وتملك محمد بك أبو الذهب نادى بابطال تلك القروش بأنواعها رأسا فخسر الناس خسارة عظيمة من أموالهم وباعوها بالارطال للسبك واقتصروا على ضرب الانصاف العددية والمحبوب الزر والنصفيات لاغير ونقصوا من وزنها وعيارها ونقصت فيمنها وغلت في المصارفة وزاد الحال بتوالي الحوادث والمحن والغلاء والغرامات وضيق المعاش وكساد البضائع وتساهلوا في زيادة المصارفة وخصوصا في ثمن السلع والمبايعات وخلاص الحقوق من المماطلين واقترن بذلك تغافل الحكام وجورهم وعدم التفاتهم لمصالح الرعية وطمعهم وتركهم النظر في العواقب إلى أن تجاوزت في وقتنا هذا الحدود وبلغت في المصارفة أكثر من الضعف وصار صرف المحبوب مائتين وخمسة بل وعشرة والريال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 الفرانسة بمائة وخمسة وسبعين بل وثمانين والمشخص البندقي بأربعمائة وأكثر والمجر بثلثمائة وستين والفندقلي بثلثمائة وعشرين وهو الجديد ويزيد القديم لجودة عياره عن الجديد وتتفاوت المثلية في المحبوب بجودة العيار فإذا ابدل السلمي الموجود الآن بالمحمودي زيد في مصارفته أربعون نصفا وأكثر بحسب الرغبة والاحتياج ويتفاوت أيضا المحمودي بمثله فيزيد أبو وردة عن الراغب ويزيد الراغب عن الذي فيه حرف العين ويكون المحبوبان في تحويل المعاملة بدلا عن المشخص الواحد مع أن وزنهما سبعة وعشرون قيراطا ووزن المشخص ثمانية عشر قيراطا فالتفاوت بينهما تسعة قراريط وهي مافيه من الخلط وغير ذلك مما يطول شرحه ويعسر تحقيقه وضبطه ولم يزل أمر المعاملة وزيادة صرفها واتلاف نقودها واضطرابها مستمر أو كل قليل ينادون عليها مناداة بحسب اغراضهم لا نسمع ولا تقبل ولا يلتفت إليها لأن أصل الكدر منبعث عنهم ومنحدر عن مجراة خبائثم وفسادهم. وفي اخره اذن الباشا لولده الكبير بالذهاب لزيارة سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه بطندتا وعين صحبته اتباعا وعسكرا وهجنا وقرر دراهم على البلاد ألف ريال فما دونها خلاف الكلف وكذلك سافر حريمات ورئيسهن حريم مصطفى أغا الوكيل في هيئة لم يسبق مثلها في تختروانات وعربات ومواهي واحمال وجمال وعسكر وخدم وفراسين وفرضوا لهن أيضا مقررات على البلاد وكلفا ونحو ذلك واظن أن هذه المحدثات من اهوال القيامة. وانقضت السنة وما حصل فيها من الحوادث والانذارات. ومات فيها الإمام العلامة والبحر الفهامة صدر المدرسين وعمدة المحققين مفتي الحنفية بالديار المصرية الشيخ محمد عبد المعطي ابن الشيخ أحمد الحريري الحنفي ولد سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ونشا في عفة وصلاح وحفظ القرآن وجوده وحفظ المتون وحضر أشياخ العصر وجود الخط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وكان ينسخ بالأجرة وكتب كتبا كثيرة وخطه في غاية الصحة والجودة وغالبها في الادبيات كالريحانة وخبايا الزوايا وخزانة الادب والتي بخطة من ذلك في غاية الحسن والقبول وكان شافعي المذهب ثم تحنف وحضر على أشياخ المذهب مثل الشيخ محمد الدلجي والشيخ محمد العدوى ولازم الشيخ حسن المقدسي ملازمة كلية وانتسب إليه وعرف به وحضر عليه وتلقى عنه غالب الكتب المشهورة في المذهب وحضر باقي العلوم على الشيخ الملوى والحفني والشيخ علي العدوي وغيرهم وكان يكتب الاجوبة على الفتاوى عن لسانه ولما توفي شيخه المذكور تقرر مكانه في وظيفة الخطابة والإمامة بجامع عثمان كتخدا بالازبكية وسكن بالدار المشروطة له بها السكنى برحاب الجامع المذكور وكانت خطبه في غاية الخفة والاختصار ولوعظه وقع في النفوس لخلوه عن التصنع ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وحصل ما حصل للشيخ عبد الرحمن العريشي كما تقدم تعين المترجم لمشيخة الحنفية والفتوى عوضا عن المذكور قبل وفاته بأيام قليلة وكان أهلا لذلك وكفالة وسار فيها سيرا حسنا بحشمة واشتهر ذكره وقصدته الناس للفتوى والافادة واقبلت عليه الدنيا وسكن دارا مشرفة على الازبكية جارية في وقف عثمان كتخدا واشترى أيضا دارا نفيسة بالجودرية واسكنها لغيره بالاجرة وانحصرت فيه وظائف مشيخة الحنفية كالتدريس في مدرسة المحمودية والصرغتمشية والمحمدية وغيرها فكان يباشر الاقراء بنفسه في بعضها والبعض ولده العلامة الشيخ إبراهيم ولم يزل يقرئي ويملي ويفيد حتى في حال انقطاعه وذلك أنه لما مات أحمد أغا غانم وحصل بين عتقائه منازعة ثم اتفقوا على تحكيم المترجم بينهم والتمسوا منه أن يذهب صحبتهم إلى قوة ليصلح بينهم فلما ذهب إلى بولاق وأراد النزول في السفينة اعتمد على بعض الواقفين فعثرت رجله فقبض ذلك الرجل على معصمه فانكسر عظمه لنحافة جسمه فعادوا به إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 داره وأحضروا له من عالجه حتى برىء بعد شهور وفرحوا بعافيته ودعاه بعض احبابه بناحية قناطر السباع فركب وذهب إليه وكانت أول ركباته بعد برئه فلما طلع إلى المجلس وأراد الصعود إلى مرتبه الجلوس زلقت رجله فانكسر عظم ساقه وتكدر الحاضرون وحملوه وذهبوا به إلى داره وأحضروا له المعالج فلم يحسن المعالجة وتألم تألما كثيرا واستمر ملازما للفراش نحو سبع سنوات ثم توفي يوم الأربعاء سابع عشر رجب من السنة عن سبع وسبعين سنة ودفن بتربة الأزبكية وتعين بعده في المشيخة والافتاء ولده المحقق العلامة المستعد الشيخ إبراهيم ادام الله النفع بحياته وحفظ عليه أولاده. ومات الأجل الامثل المفوه المنشىء النبيه الفصيح المتكلم عثمان أفندي ابن سعد العباسي الانصاري من ولد آخر الخلفاء العباسية بمصر المتوكل على الله ووالده يعرف بالانصاري من جهة النساء من بيت السيادة والخلافة ولد بمصر وبها نشأ واشتغل بالعلم على فضلاء الوقت ومهر في الفنون بذكائه وعانى الحساب والنجوم فأخذ منها حظا ونزل كاتب سر في ديوان بعض الأمراء ولامه بعض محبيه في ذلك فاعتذر أنه إنما قدم عليه صيانة لبعض بلاده وضياعه التي استولت عليها أيدي الظلمة فلا محيد له عن عشرتهم واجتمع بشيخنا الشيخ محمود الكردي وأراد السلوك في طريق الخلوتية وترك شرب الدخان ولازمه كثيرا وتلقن الاسم الأول والأوراد واقلع عما كان عليه حتى لاحت عليه انوار ملازمته واعتقده جدا وبعد وفاة الأستاذ رجع إلى حالته وشرب الدخان ثم ولى خليفة على غلال الحرمين فباشرها بشهامة ثم ولي روزنامة مصر بصرامة وقوة مراس وشدة ومخادعة وراج أمره واتسع حاله وزادت حشمته وذلك بعد عزل أحمد أفندي أبي كلبة وقبل وفاة السيد محمد أفندي الكماخي الروزنامجي وثقل أمره على باقي الكتبة والناس فاوغروا عليه وعزلوه فضاق صدره وزاد قلقه وحدث فيه بعض رعونة وتردد لمشاهد الاولياء في الليل والنهار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 يبتهل ويدعو ويفرق خبزا ودراهم وياوى إليه المجاذيب والذين يدعون الصلاح والولاية فيكرمهم برهة ويرون له مرائي ومنامات واخباريات فيزداد هوسه ثم لما يطول الحال ينقطع عنهم ويبدلهم بآخرين وهكذا كان ينام مع بعضهم في الحريم ويترجم بعضهم بمكاشفات وشطحيات ويقول: فلان يطلع على خطرات القلوب وفلان يصعد إلى السماء ومن كرامات فلان كذا ثم يرجع عن ذلك ولما مات السيد محمد عيد في كتابة الروزنامة أيضا استمر بها ثمانية عشر شهر وكانت اعادته في سنة ثمان بعد المائتين ثم انحرف عليه إبراهيم بك الكبير وعزله وكان يظن أن الأمر يؤل إليه فلم يتم له ذلك وأحضر إبراهيم بك السيد إبراهيم ابن اخي المتوفي وقلده ذلك فعندها ايس المترجم منها واختلفت الأمور بحدوث الفتن وتقلب الدول والأحوال ولازم شأنه وبيته بعد رجوعه من هجرته إلى الشام في حادثة الفرنسيس واعترته الأمراض واجتمعت لديه كتب كثيرة في سائر العلوم وبيعت بأسرها في تركته توفي يوم الأربعاء خامس عشرين شوال من السنة. ومات العمدة الإمام الصالح الناسك العلامة والبحر الفهامة الشيخ محمد ابن سيرين بن محمد بن محمود ابن جيش الشافعي المقدسي ولد في حدود الستين وقدم به والده إلى مصر فقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحضر دروس الشيخ عيسى البراوي فتفقه عليه وحلت عليه انظاره وحصل طرفا جيدا من العلوم على الشيخ عطية الاجهورى ولازمه ملازمة كلية وبعد وفاة شيخه اشتغل بالحديث فسمع صحيح مسلم علي الشيخ أحمد الراشدي واتصل بشيخنا محمود الكردي فلقنه الذكر ولازمه وحصلت له منه الانوار وانجمع عن الناس ولاحت عليه لوائح النجابة والبسه التاج وجعله من جملة خلفاء الخلوتية وأمره بالتوجه إلى بيت المقدس فقدمه وسكن بالحرم وصار يذاكر الطلبة بالعلوم ويعقد حلقة الذكر وله فهم جيد مع حدة الذهن واقبلت عليه الناس بالمحبة ونشر له القبول عند الأمراء والوزراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وقبلت شفاعته مع الانجماع عنهم وعدم قبول هداياهم وأخبرني بعض من صحبه أنه يفهم من كلام الشيخ ابن العربي ويقرره تقريرا جيدا ويميل إلى سماعه وحج من بيت المقدس واصيب في العقبة بجراحة في عضده وسلب ما عليه وتحمل تلك المشقات ورجع إلى مصر فزار شيخه الشيخ محمود وجلس مدة ثم اذن له بالرجوع إلى بلده وسمع أشياء كثيرة في مبادي عمره واقتبس من الأشياخ فوائد جمة حتى قبل اشتغاله بالعلم وفي سنة "1182" كتب إلى شيخنا السيد مرتضى يستجيزه فكتب له اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وقد تقدم ذكرها في ترجمة السيد مرتضى ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد واشتهر ذكره في الآفاق وانعقد على اعتقاده وانفراده الاتفاق وسطعت انواره وعمت اسراره وانتشرت في الكون اخباره وازدحمت على سدته زواره إلى أن جاب الداعي ونعته النواعي وذلك سابع عشرين شهر شعبان من السنة ولم يخلف بعده مثله وبه ختمت دائرة المسلكين من الخلوتية ورجال السادة الصوفية وحسن به ختم هذا الجزء الثالث من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار لغاية سنة عشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام وسنقيد إن شاء الله تعالى ما يتجدد بعدها من الحوادث من ابتداء سنة إحدى وعشرين التي نحن بها الآن أن امتد الأجل واسعف الامل ونرجو من الكريم المتعال صلاح الأحوال وانقشاع الهموم وصلاح العموم أنه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير والله اعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 سنة إحدى وعشرين ومائتين والف استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني وأول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 ونصفا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة كيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير. وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل إلى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما أصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانا بمنزله بالازبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والأعيان وحضر ذلك الاغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه الاغا والوالي والمحتسب والاغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا إلى بات الخرق عطفوا على جهة الازبكية فلما قرىء التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الازبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكا وحراقات ونفوطا وسواريخ كثيرة وطبولا وزمورا بالازبكية. وفي سابعه وصلت الأخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والأمراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل إلى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا إلى الأمراء المصريين وأرسل حسن باشا يستنجد الباشا بإرسال عساكر إليه وفي ذلك اليوم نادوا في الأسواق بعدم المشي في الأسواق من اذان العشاء وخرج كتخدا بك إلى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببرانبابة وخرج سليمان أغا بجملة من العسكر وذهب إلى ناحية طرا. وفي ثامنه عدى كتخدا بك إلى البر الغربي وانتقل طاهر باشا إلى الجيزة وأقام بها محافظا. وفيه أمر الباشا بجمع الأجناد المصرية والجاقلية وامرهم بالتعدية إلى البر الغربي وكان تخوف من اقامتهم بالمدينة وقال لهم: من أراد منكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 الذهاب إلى الاخصام فليذهب وإلا يستمر معنا. وفي هذه الأيام كان مولد سيدي أحمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنبابابة وهرع غالب أهل البلد بالذهاب إليه وأكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لأن ذلك صار عند أهل الإقليم موسما وعيدا لا يتخلفون عنه أما للزيارة أو للتجارة أو للنزاهة أو للفسوق ويجتمع به العالم الاكبر وأهالي الإقليم البحري والقبلي وخرج أكثر أهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الأبواب يفتشون الاحمال فوجدوا مع بعضهم أشياء من أسباب الأجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك ايذاء لمن وجدوا معه شيئا من ذلك لباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من يأخذ معه أشخاصا من العسكر من طرف الاغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالأبواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم واحمالهم. وفي تاسعه وصل الخبر بان عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب إليها صحبة الدلاة فلم يجد بها أحدا فدخلها وأرسل المبشرين إلى مصر بإنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الأعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لأخيه حسن باشا من الهزيمة رجع إليه وأقام معه ناحية الرقق. وفي عاشره وصل الألفي إلى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه بإقليم الجيزة فلم يخرج لهم أحد من الجيزة مع كونهم بمراى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم. وفيه أرسل الألفي مكتوبا خطابا إلى السيد عمر أفندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونة نخبركم أن سبب حضورنا إلى هذه الجهة إنما هو لطلب القوت والمعاش فان الجهة التي كنا بها لم يبق فيها شىء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والأجناد ونرجو من مراحم افندينا بشفاعتكم أن ينعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 علينا بما نتعيش به كما رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الإثنين حادي عشرة ركب السيد عمر إلى الباشا وأخبره بذلك واطلعه على المراسلة فقال: ومن أتى به قال له: تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له: اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر إلى الباشا من أخبره بان طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا إلى برانبابة فخرج إليهم طائفة من العسكر الرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب إلى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدا إلى داره بعد أن منع من تعدية المراكب إلى برانبابة ثم امرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير. وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي إلى بيت السيد عمر فركب صحبته إلى الباشا وكتبوا له جوابا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه اننا ارسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين وأهالي القرى فاجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال أنه والله العظيم ونبيه الكريم أن هذا الأمر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقا وإنما الموجب لحضورنا إلى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضى للجمعية التي نصحبها من العربان وغيرهم إرسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع الينا من يساعدنا في المدافعة عن أنفسنا فهم يجمعون أصناف العساكر من الاقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للانفاق عليهم ونحن كذلك نجمع الينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدى إلى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 منكم بل الواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فإن أرض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه إقليم الجيزة وكتبوا له جوابا بذلك من غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما اشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي اثناء ذلك طلب أجناد الألفي كلفا من بلد برطيس وام دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الاتراك اغروهم وأرسلوا يقولون لهم إذا طلبوا منكم كلفة أو دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم وإذا سمعنا حربكم معهم اتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من اوكارهم حتى جرى عليهم المقدور. وفي يوم السبت ثالث عشرينة كتب الباشا مراسيم وارسلها إلى كشاف الاقاليم والكائنين بالبلاد من الأجناد المصرية بان يجتمعوا باسرهم ويذهبوا إلى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام إليها ولمنعهم من تعدية البحر إليها لأنهم إذا حصلوا بها تعدى شرهم إلى بلاد المنوفية بأسرها واشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه إلى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وأرسل إلى حسن باشا سرششمة بان يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر. وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضا من عند الالفي بكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد أغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة أحمد أبي ذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 العطار فكتبوا له جوابا بالمعنى الأول واعادوا الرسول وأصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد أحمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل ذلك أمور صورية وملاعبات من الطرفين لاحقيقة لها. وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على أحد كبارهم عوضا عن كور يوسف المقتول. وفيه وصل الخبر بان طائفة من الأجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا إلى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فامر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الأعيان لأجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاث ألاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الاوسط والدون. وفي يوم الخميس نودي في الأسواق بخروج العساكر. وفي يوم السبت سافر طاهر باشا إلى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا إلى جمال فأخذوا جمال السقائين والشواغرية. وفيه حضر عمر بك الارنؤدي من ناحية بني سويف وأخبر الواردون من الناحية أن رجب أغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا إلى الأمراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريده ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضا محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر. وفيه أراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس اوغلي أن يركب من انبابة وحمل أحماله ليسير إلى جهة بحرى فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية إلى بر بولاق فمنعوه أيضا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم: وما الفائدة في مكثي معكم دعوني اذهب إلى الباشا واسعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى إلى مصر ولم يرجع إليهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وفي يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم إلى برانبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم. وفيه أرسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة إلى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وأرز وسمن فانهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع. وفي هذه الأيام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها. وفي هذا الأيام أيضا وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الاردب المصري من الأرز خمسمائة ريال والاردب البر ثلثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم وأخذا العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الاراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وابطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالة وأن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولايتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الاذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي احدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا ولاعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج إليها فاما أن يخرج منها جملة وتصير من املاك الشريف وأما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 العزيز من اخلاص التوحيد لله واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وما احدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان عمل الاعياد والمواسم لها واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيا شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الالوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالادلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتب والسنة واذعانهم لذلك فعند ذلك امنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الاسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والاغنام والاسمان والاعسال حتى بيع الاردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار وإذا نوقش في ذلك يقول: هؤلاء مشركون وأنا أخذ من المشركين لا من الموحدين. شهر صفر الخير 1221 استهل بيوم الأحد فيه سافر محو بك إلى جهة المنية وفيه ورد من إسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركه السيد أحمد المحروقي واخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم باي حجة كانت ووصل أيضا آخر متعين لجمرك الاسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي واشيع عنه ذلك وانزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية. وفي رابعه قوى عزمه على ذلك واشيع أنه مسافر يوم السبت واشار على السيد عمر أفندي النقيب بان ينوب عنه ويكون قائما مقامه في الاحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر ذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين أنها ايهامات لا أصل لها. وفي يوم الخميس أرسل الباشا إلى الخانات والوكائل اعوانا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن امنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وافرج عنهم. وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الأسود والطرانة وقصد جهة البحيرة. في يوم السبت ركب صالح أغا قابجي باشا ونزل إلى بولاق ليسافر إلى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد أغا والسيد عمر النقيب فيشيعوه إلى بولاق حتى نزل إلى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا وأصحب معه هدايا للدولة وأربابها وعرفه بقضايا واغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا إلى بيوتهم بعد الغروب. وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح أغا السلحدار إلى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الأكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضا. وفيه فرضوا أيضا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون اردبا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وفيه ورد الخبر بإن الألفي توجه إلى ناحية دمنهور البحيرة يوم الأربعاء رابعه وانهم امتنعوا عليه فحاصرهم لأنهم استعدوا لذلك والبلد منضافة إلى السيد عمر النقيب فكان يرسل إليهم ويحذرهم منه ويرسل إليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا سورها وجعلوا فيها ابراجا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة. وفيه عزل الباشا محمد أغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب أمور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس اوغلي. وفي ليلة الأحد ثامنه عدى ساري عسكر إلى بر انبابه بوطاقه وهو دبوس اوغلي الكتخدا المذكور وذلك في أواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته وأخذ العسكر في تشهيل أمورهم ولوازمهم وانفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالأكياس مستمر لا ينقطع عن أعيان الناس والتجار والافندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له أدنى علاقة أو خدمة أو تجارة أو صنعة ظاهرة أو فائظ أو له شهرة قديمة أو من مساتير الناس وغالب الاحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر أفندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده. وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضى التجريدة من انبابه وذهبوا إلى جهة الوراريق. وفي هذه الأيام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من أوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر أوقافه وأوقاف عبد الرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبد الرحمن السجيني ابن الشيخ عبد الرؤوف عمل وليمة ودعاهم إليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وفي يوم الإثنين هبت رياح جنوبية حارة واثارت غبارا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيما متقطعا وارعدت وامطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر. وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد أفندي المنفصل عن الكتخدائية منفيا إلى جهة دمياط وأصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر. وفي أواخره رجعت عساكر من الارنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر وأخيه عابدين بك وسبب رجوعهم أنهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخامرة عليه وميلهم إلى الاخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم: اذهبوا إلى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وأرسل إليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فلما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول إلى البلد ووعدهم بايصال علائفهم إليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون إلى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وأرسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فاقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم أربعة أيام وأرسل إلى الأجناد والجربجية وأمثالهم المقيمين بمصر وأمر بان يتهيئوا ويقضوا اشغالهم ويخرجوا صحبة حسن أغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه أو جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه وإلا اخرج بدلا عنه واعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا إلى خارج ثم أرسل إلى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر إلى بلادهم فامتنعوا وقالوا: لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفنا فعند ذلك دس إلى اصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين إلا القليل فلم يسعهم بعد ذلك إلا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهو اثنان وخمسون شخصا من كبار طائفة الارنؤود وحصل العرب في مدة تجمعهم مالاخير فيه وكذلك في مدة اقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين. شهر ربيع الأول سنة 1221 استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الأحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر ايار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت. وفي يوم الأحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب أغا وياسين بك اللذين انضما إلى الأمراء المصرية القبليين عملا متاريس بحرى المنية ليمنعا من يصل إليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محبوك بمراكب الذخيرة ووصل إلى حسن باشا طاهر ببنى سويف أصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا إلى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا إلى المنية وطلعوا إليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم أشخاص وأرسلوا بذلك المبشرين فاخبروا بذلك وبالغوا في الأخبار وأن ياسين بك قتل هو وخلافة ورأسه وأصله مع رؤوس كثيرة فعلموا لذلك شنكا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل ياسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاديف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا إلى مصر ولم يصل معهم رؤس كما أخبر المبشرون. وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دارهم وغلال وعينوا لذلك كاشفا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته أكثر رفقائه وأصحابه من أولاد البلد فسافروا على حين غفلة إلى ناحية الدقهلية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وفي عاشره وصلت الأخبار بان الألفي ارتحل من البحيرة ورجع إلى ناحية وردان وعدي إلى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطا من الأجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من أهالي السبكية دراهم وغلالا وفر غالب أهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية. وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالازبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبد الحق وأقام هناك ليالي المولد اظهارا لبعض الرسوم. وفيه علقوا تسعة رؤوس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من قتلى دمنهور وهي رؤوس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء. وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر أحمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام أول قبل القومة والخرابة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجدوه بأن كان غائبا أو متغيبا دخلوا داره وطلبوا أهله أو جاره أو شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا أفواجا إلى السيد عمر أفندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتلقن! ويهون عليهم الأمر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الامكان وقد تورط في الدعوة. وفيه سافر السيد محمد المحروقي إلى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ إلى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة ايوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضا هذه الناحية واتسعت وقوى اندفاع الماء إليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربى والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الأرز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الاجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 تشكي أهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار كتخدا وطلبوا المراكب لنقل الاحجار من الجبل وذهب ذو الفقار إلى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت إليه المراكب المملوءة بالأحجار من أول شهر صفر إلى وقت تاريخه وجبوا الأموال من البلاد لأجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضا وبذل جهده ورموا بها من الاحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطريق والعربان فكانت المراكب المعاشات التي تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم إلى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع إلى البر وينقلونها إلى السفن والقوارب التي تنقل الاحجار ويأتون بها إلى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها إلى البر وتذهب تلك السفن والقوارب إلى اشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الاتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والاجر وغير ذلك وطال امد هذا الامر. وفي أواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد إلى مصر. شهر ربيع الثاني سنة 1221. فيه وردت سعادة من الاسكندرية وأخبروا بورود أربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض أشخاص من الانكليز ومعهم مكاتبة خطابا إلى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للامراء المصرية من الدولة بشفاعة الانكليز فلما وصلوا إليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وارسلهم إلى الأمراء القبليين وصحبتهم أحد صناجقة وهو امين بك ومحمد كاشف تابع إبراهيم بك الكبير ثم أنه أرسل عدة مكاتبات بذلك الخبر إلى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك إلى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الأوراق التي اتتهم من الألفي إلى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل إلى ناحية السويس فلا تحملوا اثقاله وأن فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرا ولما سمع الباشا ذلك قال: إنه مجنون وكذاب. وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وأمر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القابلة فضج الملتزمون وترددوا إلى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر إليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة ارباع النصف على الملتزمين والربع على الفلاحين وأن يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفا ويقبضه بإثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة انصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم عن حصته في المصر أو بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية وإذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت اشنع في التغريم والكلف لترادف الإرسال وتكرار حق الطريق. وفي سادسه حضر أحمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الأخبار أرسل الأمراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل أحمد أغا شويكار وسليم أغا مستحفظان ليتشاور معهم في الأمر فلم يجب واحد منهم إلى الحضور ثم اتفقوا على إرسال أحمد كاشف لكونه ليس معدودا من افرادهم وبينه وبين الباشا نسب لأن ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارا ثم أمره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره وأصحب معه هدية إلى إبراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الأمراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وامتعة وغير ذلك. وفي سادسه أيضا قبض الباشا على إبراهيم أغا الوالي وحبسه مع أرباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولا فيها ثياب من ملابس الأجناد اعدها بعض تجار النصارى ليرسلها إلى جهة قبلي لتباع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 على أجناد الأمراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن أربابها فعلوا ذلك باطلاع الوالي المذكور على مصلحة أخذها منهم ووصل خبر ذلك إلى الباشا فأحضره وقبض عليه وحبسه ثم اطلقه بعد أيام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امراة من القهارمة المتقربين وعاد إلى منصبه وأخذت البضاعة وضاعت على أصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك تهم الذي حجزها بانه اختلس منها أشياء وحبس وأخذت منه مصلحة فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع أنها في خلال المراسلة والمهاداة ونودى بعد ذلك بان من أراد أن يرسل شيئا أو متجرا ولو إلى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فان لم يفعل وضاع عليه فالوم عليه. وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الاسكندرية خطابا إلى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا إلى الثغر وفي أثره وأصل باشا متولى على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان إلى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا إلى البر بالاسكندرية يوم السبت حادى عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة أرسل إلى السيد عمر النقيب فحضر إليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمة وحضرت إليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحا وأرسل عدة مكاتبات إلى مصر صحبة السعادة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم إلى الباشا فأخفاها ووصل غيرها إلى أربابها على غير يد السعاة وصورتها الأخبار بحضور الدونائمة صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وأن مولانا السلطان عفى عن الأمراء المصريين وأن يكونوا كعادتهم في إمارة مصر واحكامها والباشا المتولى ببستقر بالقلعة كعادته وأن محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه إلى ولايته التي تقلدها وهي ولاية سلانيك وأن حضرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 قبطان باشا أرسل يستدعي اخواننا الأمراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر واعلموا اخوانكم من الاولداشات والرعية بان يضبطوا أنفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك إلا الراحة والخير والسلام. وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا إلى بولاق فأرسل إليه الباشا من قابله واركبه وحضر به إلى بيت الباشا وأراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي وأقام يوم السبت والأحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الإثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة واصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات إلى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع إليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لأن مامن أحد منهم إلا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه وأخبر المخبر أن الألفي أرسل هدية إلى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانا منها عشرة برخوتها ومن الغنم أربعة آلاف راس وجملة ابقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقود والثياب والاقمشة برسمه ورسم كبار اتباعه ثم أن الباشا أحضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الأمر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وأن الأمراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم إلى امرياتهم وخروج العساكر التي افسدت الإقليم عن أرض مصر وشرطوا على أنفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وإرسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا واجيبوا إلى سؤالهم على هذه الشروط وأن المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فاعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وفيه أرسل الباشا فجمع الاخشاب التي وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك إلى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر. وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه شيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل إليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد إلى داره وأكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع إلى القلعة والنزول منها والذهاب إلى بولاق وهو لابس برنسا. وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان أفندي وعبد الله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ إلى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبد الله الشرقاوي وأمروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع اسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا إلى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير. وفي ليلة الإثنين ثالث عشرينه وصل شاكر أغا السلحدار الوزير إلى بولاق فتلقوه واركبوه إلى بيت الباشا فلما أصبح النهار أرسلوا ارواقا وصلت صحبة السلحدار المذكور إحداها خطابا للمشايخ وأخرى إلى شيخ السادات وثالثة إلى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبدون باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع ومضمون الكل الأخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وأن يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج إليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالاعزاز والاكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الأوامر السلطانية ثم أنهم اجتمعوا في عصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا إلى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم: وصلت إليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا: نعم قال: ما رأيكم في ذلك قال الشيخ البرقاوي: ليس رأى والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد: ابعث إليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وأرسل إليهم من الغد صورة مضمونها أن الأوامر الشريفة وصلت الينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال إلا أن أهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لأهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وأنتم أهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات واصدروها إليه في اثناء ذلك محمد علي باشا أخذ في الاهتمام والتشهيل واظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفي وبرزت العساكر إلى ناحية بولاق وخارج البلدة وعدوا بالخيام إلى البر الغربي وتقدم إلى مشايخ الحارات بالتعريف على كل من كان متصفا بالجندية ويكتبوا اسماءهم ومحل سكنهم ففعلوا ذلك ثم كتب لهم أوراق بالأمر بالخروج وعليها ختم الباشا ومسطور في ورقة الأمر بأن المأمور يصحب معه شخصين أو ثلاثة على أن أكثرهم لا يملك حمارا يركبه ولا ما يحمل عليه متاعه ولا ما يصرفه على نفسه فضلا عن غيره وكذلك أمر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة. وفيه شرع الباشا في تقرير فرضة على البلاد البحرية وهي القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والمزاحمتين إلى آخر مجرى النيل ورتبوها اعلى وأدنى واوسط وهي غلال الاعلى ثلاثون اردبا وثلاثون رأسا من الغنم واردب أرز وثلاثون رطلا من الجبن ومن السمن كذلك وغير هذه الأصناف كالتبن والجلة وغير ذلك والاوسط عشرون اردبا وما يتبعها مما ذكر والأدنى اثنا عشر ومع ذلك القبض والطلب مستمر في فائظ الملتزمين بعضه من ذواتهم وبعضه من فلاحيهم مع ما يتبع ذلك من حق الطرق والخدم وتوالي الاستعجالات. وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه سافر شاكر أغا السلحدار بالأجوبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 شهر جمادى الأولى سنة 1221 استهل بيوم الخميس في ثانيه احترق معمل البارود بناحية المدابغ فحصل منه رجة عظيمة وصوت هائل مثل المدفع العظيم سمعه القريب والبعيد ومات به أشخاص ويقال: أنهم رموا بنبة من القلعة بقصد التجربة على جهة بولاق فسقطت في المعمل المذكور وحصل ما ذكر. وفي ثالثه يوم السبت وقت الزوال ركب الباشا من داره يريد السفر لمحاربة الألفي ونزل إلى بولاق وعدى إلى بر انبابة لتجهيز العرضى وأرسل أوراقا لتجمع العربان وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية. وفي ليلة الإثنين خامسه حضر سليم أغا قابجي كتخدا الذي تقدم سفره صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين مرسلا إلى قبودان باشا من طرف محمد علي باشا فرجع بجواب الرسالة ومحصلها أن القبودان لم يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا أصل لها ولا بد من تنفيذ الأوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما وخروجهم من مصر وذهابهم إلى ناحية دمياط وسفرهم إلى الجهة المأمورين بالذهاب إليها ولا شىء غير ذلك ابدا. وفي ليلة الخميس ثامنه حضر علي كاشف الشرقية وذلك أنه تقنطر من فوق جواده وكسرت رجله وأحضره محمولا. وفي يوم الخميس المذكور وصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا إلى بولاق وضربوا لحضورهم مدافع. وفيه ركب طوائف الدلاتية وتقدموا إلى جهة بحري واشيع ركوب محمد علي باشا وذلك اليوم فلم يركب. وفي ثاثي عشره ورد خبر بوصول موسى باشا إلى ثغر سكندرية يوم الأحد حادي عشرة والمذكور أرسل من طرفه قاصدا وعلى يده مرسوم خطابا لاحمد أفندي الدفتردار بان يكون قائما مقامه ويأمره بضبط الايراد والمصرف فلم يقبل الدفتردار ذلك وقال: لم يكن بيدي قبض ولا صرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 ولا علاقة لي بذلك. وفي يوم الأحد طاقت! جماعة قواسة على بيوت الأعيان يبشرونهم بأن العساكر الكائنين بناحية الرحمانية ركبوا على عرضى الألفي ووقعت بينهم مقتلة كبيرة وقتلوا منه جملة فيهم أربع صناجق ونهبوا منه زيادة عن ثمانمائة جمل بأحمالها وعدة هجن محملة بالأموال ورجعت العساكر ومعهم نحو الثمانين رأسا ومائة اسير وغير ذلك وأن الألفي هرب بمفرده إلى ناحية الجبل وقيل إلى الاسكندرية فكانوا يطوفون على الأعيان بهذا الكلام ويأخذون منهم البقاشيش ثم ظهر أن هذا الكلام لا أصل له وتبين أن طائفة من العرب يقال لهم: الجو أبيض وهم طائفة مرابطون ليس يقع منهم اذية ولا ضرر لاحد مطلقا نزلوا بالجبل بتلك الناحية فدهمهم العسكر وخطفوا منهم ابلا واغناما وقتل فيما بينهم انفار من الفريقين لمدافعتهم عن أنفسهم. وفي ذلك اليوم أيضا ركب حسن أغا الشماشيرجي إلى المنصورية قرية بالجيزة ومعه طائفة من العسكر وهي بالقرب من الاهرام فضربوا القرية ونهبوا منها اغناما ومواشي وأحضروها إلى العرضي بإنبابة وحضر خلفهم أصحاب الاغنام وفيهم نساء يصرخن ويصحن وصادف ذلك أن السيد عمر النقيب عدى إلى العرضى فشاهدهم على هذه الحالة فكلم الباشا في شأنهم فأمر بأن برد الاغنام التي للنساء والفقراء الصارخين وذهبوا بالباقي للمطابخ. وفي ثاني عشره وردت الأخبار بأن العساكر الكائنين بالرحمانية ومرقص رجعوا إلى النجيلة ونصبوا عرضيهم هناك وحضر الألفي تجاههم فركبوا لمحاربته وكانوا جمعا عظيما فركب الألفي بجيوشه وحاربهم ووقع بينه وبينهم وقعة عظيمة انجلت عن نصرته عليهم وانهزام العسكر وقتل من الدلاة وغيرهم مقتلة عظيمة ولم يزالوا في هزيمتهم إلى البحر والقوا بأنفسهم فيه وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية وهرب كتخدا بك وطاهر باشا إلى بر المنوفية وعدوا في المراكب واستولى الألفي وجيوشه على خيولهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وخيامهم وحملاتهم وجبخانتهم وأرسل برؤوس القتلى والأسرى إلى القبودان واشيع خبر هذه الواقعة في الناس وتحدثوا بها وانزعج الباشا والعسكر انزعاجا عظيما وعدى إلى بر بولاق وطاف الوالي وأصحاب الدرك ينادون على العساكر بالخروج إلى العرضى ويكتبون اسماءهم وحضر الباشا إلى داره وأكثر من الركوب والذهاب والمجىء والطواف حول المدينة والشوارع ويذهب إلى بولاق ومصر القديمة ويرجع ليلا ونهارا وهو راكب رهوانا تارة أو فرسا أو بغلة ومرتد ببرنس أبيض مثل المغاربة والعسكر إمامه وخلفه ووصل مجاريح كثيرة وأخبروا بالواقعة المذكورة ومات من جماعة الألفي أحمد بك الهنداوي فقط وانجرح امين بك وغيره جرح سلامة. وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه وصلت العساكر المهزومة وكبراؤهم إلى بولاق وفيهم مجاريح كثيرة وهم في اسوأ حال فمنعهم الباشا من طلوع البر وردهم بمراكبهم إلى بر انبابة واستمروا هناك إلى آخر النهار وهم عدد كثير وقد انضاف إليهم من كان ببر المنوفيه ولم يحضر المعركة لما داخلهم من الخوف ثم أنهم طلعوا إلى بولاق وانتشروا في النواحي وذهب منهم الكثير إلى مصر القديمة وحضر كثير منهم ودخلوا المدينة ودخلوا البيوت وازعجوا كثيرا من الناس والساكنين بناحية قناطر السباع وسويقة واللالا والناصرية وغير ذلك من النواحي واخرجوهم من دورهم وقد كانت الناس استراحت منهم مدة غيابهم. وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه الموافق لثامن مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وركب الباشا في صبيحة يوم الخميس إلى قنطرة السد وحضر القاضي والسيد عمر النقيب وكسر الجسر بحضرتهم وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا بسبب علو ارضه وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه ويقال: أنهم فتحوه قبل الوفاء لاشتغال بال الباشا وتطيره وخوفه من حادثة تحدث في مثل يوم هذا الجمع وخصوصا وقد وصل إلى بر الجيزة الكثير من أجناد الألفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 شهر جمادي الآخرة سنة 1221. استهل بيوم السبت في سادسه حضر طاهر باشا إلى بر انبابة ونصب خيامه هناك وعدى هو في قلة إلى بولاق وذهب إلى داره بالأزبكية وكان من أمره أنه لما حصلت له الهزيمة فذهب إلى المنوفية وقد اغتاظ عليه الباشا وأرسل يقول له: لا تريني وجهك بعد الذي حصل وترددت بينهما الرسل ثم أرسل إليه يأمره بالذهاب إلى رشيد فذهب إلى فوة ثم حضر شاهين بك الألفي إلى الرحمانية فأرسل الباش إلى طاهر باشا يأمره بالذهاب إلى شاهين بك ويطرده من الرحمانية فذهب إليه في المراكب فضرب عليه شاهين بك بالمدافع فكسر بعض مراكبه فرجع على أثره وركب من البر حتى عدى بحر الرحمانية ثم حضر إلى مصر ووصل بعده الكثير من العسكر فأمرهم الباشا بالعود فعاد الكثير منهم في المراكب وحضر أيضا إسمعيل أغا الطوبجي كاشف المنوفية وقد داخل الجميع الخوف من الألفي وأما الألفي فإنه بعد انفصال الحرب من النجيلة رجع إلى حصار دمنهور وذلك بعد أن ذهب أعيانها إلى قبودان باشا وقابلوه وامنهم ورجعوا على امانة فافترقوا فرقتين فرقة منهم اطمأنت ورضيت بالأمان والأخرى لم تطمئن بذلك وأرسلوا إلى السيد عمر والباشا فرجع إليهم الجواب يأمرونهم باستمرارهم على الممانعة ومحاربة من يأتي لحربهم فامتثلوا ذلك وتبعتهم الفرقة الأخرى وأرسل إليهم القبودان يدعوهم إلى الطاعة ويضمن لهم عدم تعدي الألفي عليهم فلم يرضوا بذلك فعند ذلك استفتى العلماء في جواز حربهم حتى يذعنوا للطاعة فأفتوه بذلك فعند ذلك أرسل إلى الألفي يأمره بحربهم فحاصرهم وحاربهم واستمر ذلك. وفي يوم الجمعة سابعه ورد الخبر بموت الكاشف الذي بدمنهور. وفي يوم الخميس ثالث عشره وصلت قافلة من السويس وصحبتها المحمل فأدخلوه وشقوا به من المدينة وخلفه طبل وزمر وإمامه أكابر العسكر وأولاد الباشا ومصطفى جاويش المتسفر عليه ولقد أخبرني مصطفى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 جاويش المذكور أنه لما ذهب إلى مكة وكان الوهابي حضر إلى الحج واجتمع به فقال له: الوهابي ماهذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم يشير بذلك القول إلى المحمل فقال له: جرت العادة من قديم الزمان بها يجعلونها علامة واشارة لاجتماع الحجاج فقال: لا تفعلوا ذلك ولا تأتوا به بعد هذه المرة وأن اتيتم به مرة أخرى فإني اكسره. وفي ليلة الأربعاء حضر الأفندي المكتوبجي من طرف القبودان إلى بولاق فأرسل إليه الباشا حصانا فركبه وحضر إلى بيت الباشا بالازبكية في صبح يوم الأربعاء المذكور فأحضر الباشا الدفتردار وسعيد أغا واختلوا مع بعضهم ولم يعلم مادار بينهم. وفي يوم الخميس عشرينه ارتحل من بالجيزة من الأمراء المصريين وعدتهم ستة من المتآمرين الجدد الذين امرهم الألفي فذهبوا عند أستاذهم بناحية دمنهور ونزلوا بالقرب منه. وفي خامس عشرينه مر سليمان أغا صالح من ناحية الجيزة راجعا من عند الأمراء القبالى وصحبته هدايا من طرفهم للقبودان وفيها خيول وعبيد وطواشية وسكر ولم يجيبوا على الحضور لممانعة عثمان بك البرديسي وحقده الكامن للالفي ولكون هذه الحركة وهي مجئ القبودان وموسى باشا باجتهاده وسفارته وتدبيره كما سيتلى عليك فيما بعد وفيه ظهرت فحوى النتيجة القياسية وانعكاس القضية وهو أن القبودان لما لم يجد في المصرلية الاسعاف وتحقق ماهم عليه من التنافر والخلاف وتكررت ما بينه وبين الفريقين المراسلات والمكاتبات فعند ذلك استأنف مع محمد علي باشا المصادقة وعلم أن الاروج له معه الموافقة فأرسل إليه المكتوبجي واستوثق منه والتزم له باضعاف ماوعد به من الكذابين معجلا ومؤجلا على ممر السنين والالتزام بجميع المأمورات والعدول عن المخالفات فوقع الاتفاق على قدر معلوم وأرسل إلى محمد علي باشا يأمره بكتابة عرضحال خلاف الاولين ويرسله صحبة ولده علي يد القبودان فعند ذلك لخصوا عرضحال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وختم عليه الأشياخ والاختيارية والوجاقلية وارسله صحبة ابنه إبراهيم بك وأصحب معه هدية حافلة وخيولا واقمشة هندية وغير ذلك وتلفت طبخة الألفي والتدابير ولم تسعفه المقادير. وفي هذه الأيام تخاصم عرب الحويطات والعيايدة وتجمع الفريقان حول المدينة وتحاربوا مع بعضهم مرارا وانقطعت السبل بسبب ذلك وانتصر الباشا للحويطات وخرج بسببهم إلى العادلية ثم رجع ثم أنهم اجتمعوا عند السيد عمر النقيب وأصلح بينهم. شهر رجب سنة 1221. استهل بيوم الأحد فيه وصل القاضي الجديد ويسمى عارف أفندي وهو ابن الوزير خليل باشا المقتول وانفصل محمد أفندي سعيد حفيد علي باشا المعروف بحكيم اوغلي وكان إنسانا لابأس به مهذبا في نفسه وسافر إلى قضاء المدينة المنورة من القلزم بصحبة القافلة. وفي يوم الجمعة سادسه سافر إبراهيم بك بن الباشا بالهدية وسافر بصحبته محمد أغا لاظ الذي كان سلحدار محمد باشا خسروا. وفي يوم السبت أرسل الباشا إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي ترجمانه يأمره بلزوم داره وأنه لا يخرج منها ولا إلى صلاة الجمعة وسبب ذلك أمور وضغائن ومنافسات بينه وبين اخوانه كالسيد محمد الدواخلي والسيد سعيد الشامي وكذلك السيد عمر النقيب فأغروا به الباشا ففعل به ما ذكر فامتثل الأمر ولم يجد ناصرا واهمل امره. وفيه توارت الأخبار بوقوع معركة عظيمة بين العسكر والالفي وذلك أن الألفي لم يزل محاصرا دمنهور وهم ممتنعون عليه إلى الآن وسد خليج الاشرفيه ومنع الماء عن البحيرة والاسكندرية لضرورة مرور الماء من ناحية دمنهور ليعطل عليهم المراد من الحصار فأرسل الباشا بربر باشا الخازندار ومعه عثمان أغا ومعهما عدة كثيرة من العساكر في المراكب فوصلوا إلى خليج الاشرفية من ناحية الرحمانية وعليه جماعة من الالفية فحاربوهم حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 اجلوهم عنها وفتحوا فم الخليج فجرى فيه الماء ودخلوا فيه بمراكبهم فسد الالفية الخليج من اعلى عليهم وحضر شاهين بك فسد مع الالفية فم الخليج باعدال القطن والمشاق ثم فتحوه من اسفل فسال الماء في السبخ ونضب الماء من الخليج ووقفت السفن على الأرض ووصلتهم الالفية فاوقعوا معهم وقعة عظيمة وذلك عند قرية يقال لها: منية القران فانهزموا إلى سنهور وتحصنوا بها فأحاطوا بهم واستمروا على محاربتهم حتى افترق الفريقان فيما بعد. وفيه أيضا وصلت الأخبار بإن ياسين بك لم يزل يحارب من بمدينة الفيوم حتى ملكها وقتل من بها ولم ينج منهم إلا القليل وكانوا أرسلوا يستنجدون بإرسال العسكر فلم يلحقوهم. وفيه وردت الأخبار من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين اخلوا منفلوط وملوى وترفعوا إلى اسيوط وجزيرة منقياط وتحصنوا بهما وذلك لما أخذ النيل في الزيادة وخشوا من ورود العساكر عليهم بتلك النواحي فلايمكنهم التحصن فيها فترفعوا إلى اسيوط فلما فعلوا ذلك اشاعوا هروبهم وذكروا أن عادبدين بك وحسن بك حارباهم وطرداهم إلى أن هربوا إلى اسيوط ولما خلت تلك النواحي منهم رجع كاشف منفلوط وملوى وخلافهما الذين كانوا طردوهم في العام الماضي وفروا من مقاتلتهم. وفيه شرع الباشا في تجهيز عساكر وتسفيرهم إلى جهة بحرى وقبلي وحجزوا المراكب للعسكر فانقطعت سبل المسافرين وذلك عندما اطمأن خاطره من قضية القبودان والعزل. وفيه شرع أيضا في تقرير فرضة عظيمة على البلاد والقرى والتجار ونصارى الاروام والاقباط والشوام ومساتير الناس ونساء الأعيان والملتزمين وغيرهم وقدرها ستة آلاف كيس وذلك برسم مصلحة القبودان وذكروا أنها سلفة ستة أيام ثم ترد إلى أربابها ولا صحة لذلك. وفي ليلة الإثنين وصل كتخدا القبودان إلى ساحل بولاق فضربوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 لقدومه مدافع وعملوا له شنكا وأرسل له في صبحها خيولا صحبة ابنه طوسون ومعهم أكابر الدولة والاغا والوالي والاغوات فركب في موكب عظيم ودخلوا به من باب النصر وشق من وسط المدينة وعمل الباشا الديوان واجتمع عنده السيد عمر والمشايخ المتصدرون ما عدا الشيخ عبد الله الشرقاوي ومن يلوذ به فسأل عليه القاضي وعلى من تاخر فقيل له الآن يحضر ولعل الذي اخره ضعفه ومرضه ثم أنهم انتظروا باقي الوجهاء وأرسلوا لهم جملة مراسيل فلما حضروا قرأوا المرسوم الوارد صحبة الكتخدا المذكور "ومضمونه" ابقاء محمد علي باشا واستمراره على ولاية مصر حيث أن الخاصة والعامة راضية بأحكامه وعدله بشهادة العلماء واحتراف الناس وقبلنا رجاءهم وشهادتهم وأنه يقوم بالشروط التي منها طلوع الحج ولوازم الحرمين وايصال العلائف والغلال لأربابها على النسق القديم وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط والاسكندرية فانه يكون ايرادها من الجمارك يضبط إلى الترسخانة السلطانية بإسلامبول ومن الشروط أيضا أن يرضى خواطر الأمراء المصريين ويمتنع من محاربتهم البلاد ويعطيهم جهات يتعيشون بها وهذا من قبيل تحلية البضاعة وانفض المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية وبولاق واشيع عمل زينة بالبلدة وشرع الناس في اسبابها وبعضهم علق على داره تعاليق ثم بطل ذلك وطاف المبشرون من اتبعاهم على بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش واذن الباشا بدخول المراكب إلى الخليج والازبكية ثم عملوا شنكا وحراقات وسواريخ ثلاثة أيام بلياليها بالازبكية. شهر شعبان سنة 1221 فيه تكلم القاضي مع الباشا في شأن الشيخ عبد الله الشرقاوي والافراج عنه ويأذن له في الركوب والخروج من داره حيث يريد فقال: أنا لاذنب لي في التحجير عليه وإنما ذلك من تفاقمهم مع بعضهم فأستاذنه في مصالحتهم فاذن له في ذلك فعمل القاضي لهم وليمة ودعاهم وتغدوا عنده وصالحهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وقرأوا بينهم الفاتحة وذهبوا إلى دورهم والذي في القلب مستقر فيه. وفيه وردت الأخبار من الديار الرومية بقيام الرومنلي وتعصبهم على منع النظام الجديد والحوادث فوجهوا عليهم عسكر النظام فتلاقوا معهم وتحاربوا فكانت الهزيمة على النظام وهلك بينهم خلائق كثيرة ولم يزالوا في أثرهم حتى قربوا من دار السلطنة فترددت بينهم الرسل وصانعوهم وصالحوهم على شروط منها عزل أشخاص من مناصبهم ونفى آخرين ومنهم الوزير وشيخ الإسلام والكتخدا والدفتردار ومنع النظام والحوادث ورجوع الوجاقات على عادتهم وتقلد اغات الينكجرية الصدارة وأشياء لم تثبت حقيقتها. وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من الجهة القبلية. وفي عاشره تواترت الأخبار بوقوع وقائع بالناحية القبلية واختلاف العساكر ورجوع من كل بناحية منفلوط وعصيان المقيمين بالمنية بسبب تأخر علائفهم ورجع حسن بك باشا إلى ناحية المنية فضرب عليه من بها فانحدر إلى بني سويف. وفيه حضر إسماعيل الطوبجى كاشف المنوفية باستدعاء فأرسله الباش بمال إلى الجهة القبلية ليصالح العساكر. وفيح وردت الأخبار من ثغر الاسكندرية بسفر قبودان باشا وموسى باشا إلى إسلامبول وأخذ القبودان صحبته ابن محمد علي باشا وكان نزولهم وسفرهم في يوم السبت خامسه واستمر كتخدا القبودان بمصر متخلفا حتى يستغلق مال المصالحة. وفيه شرعوا في تقرير فرضة على البلاد أيضا. وفيه حضر محمود بك من ناحية قبلى. وفي سادس عشره سافر كتخدا القبودان بعدما استغلق المطلوب. وفيه وصل إلى ثغر بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بالاستمرار على ولاية مصر وخلعة وسيف فأركبوه من بولاق إلى الازبكية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 في موكب حفل وشقوا به من وسط المدينة وحضر المشايخ والأعيان والاختيارية ونصب الباشا سحابة بحوش البيت للجمع والحضور وقرئت المرسومات وهما فرمانان إحداهما يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة أهل البلدة والمشايخ والاشراف والثاني يتضمن الأوامر السابقة وبإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحج وإرسال غلال الحرمين والوصية بالرعية وتشهيل غلال وقدرها ستة آلاف اردب وتسفيرها على طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين للحجاز. وفيه الأمر أيضا بعدم التعرض للامراء المصريين وراحتهم وعدم محاربتهم لأنه تقدم العفو عنهم ونحو ذلك وانقضى المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية. واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1221 وانقضى بخبر ولم يقع فيه من الحوادث سوى توالي الطلب والفرض والسلف التي لا ترد وتجريد العسكر إلى محاربة الألفي واستمرار الألفي بالجيزة ومحاصرة دمنهور واستمرار أهل دمنهور على الممانعة وصبرهم على المحاصرة وعدم الطاعة مع متاركة المحاربة. وفيه ورد الخبر بموت عثمان بك البرديسي في أوائل رمضان بمنفلوط وكذلك سليم بك أبو دياب ببنى عدي. وفي أواخره تقدم محمد علي باشا إلى السيد عمر النقيب بتوزيع جملة أكياس على اناس من مياسير الناس على سبيل السلفة. واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1221 ولم يقع في شهر رمضان هذا ارتباك في هلاله أولا وآخرا كما حصل فيما تقدم وكذلك حصل به سكون وطمأنينة من عربدة العساكر لولا توالي الطلب والسلف والدعاوي الباطلة في المدينة والارياف وعسف أرباب المناصب في القرى وعملوا شنكا للعيد بمدافع كثيرة في الاوقاف الخمسة ثلاثة أيام العيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وفيه فتحوا طلب الميري على السنة القابلة وجدوا في التحصيل ووجهوا بالطلب العساكر والقواسة والاتراك بالعصي المفضضة وضيقوا على الملتزمين. وفي عاشره اخرج الباشا خياما ونصب عرضى بناحية شبرا ومنية السيرج والتمس من السيد عمر توزيع أربعمائة كيس برأيه ومعرفته فضاق صدره وشرع في توزيعها على التجار ومساتير الناس حيث لم يمكنه التخلف ولا التباعد عن ذلك. وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه وصل حسن باشا طاهر من الجهة القبلية ودخل داره وخرج محمد على باشا إلى جهة الحلى يريد السفر إلى الألفي ووصلت عربان الألفي وعساكره إلى بر الجيزة وطلبوا الكلف من البلاد. وفي يوم الأحد رابع عشرينه عدى محمد علي باشا إلى بر انبابه. وفي يوم الإثنين خامس عشرينه عدى محمد علي باشا وغالب العسكر إلى بولاق واشاعوا أن الاخصام هربوا من وجوههم فلم يذهبوا خلفهم بل رجعوا على أثرهم ونهبوا كفرحكيم وما جاوروه من القرى حتى أخذوا النساء والبنات والصبيان والمواشي ودخلوا بهم إلى بولاق والقاهرة ويبيعونهم فيما بينهم من غير تحاش كانهم سبايا الكفار. واستهل شهر القعدة سنة 1221 بيوم السبت ووصل الحجاج الطرابلسية وعدوا إلى بر مصر. وفي يوم الأحد ثانيه وصلت قوافل الصعيد من ناحية الجبل وبها أحمال كثيرة وبضائع مع عرب المعازة وغيرهم فركب الباشا ليلا وكبسهم على حين غفلة ونهبهم وأخذ جمالهم واحمالهم ومتاعهم حتى أولاد العربان والنساء والبنات دخلوا بهم إلى المدينة يقودونهم أسرى في أيديهم ويبيعونهم فيما بينهم كما فعلوا باهل كفر حكيم وما حوله. وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع كثيرة من القلعة بورود أشخاص من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الططر ببشارة إلى الباشا وتقريره على السنة الجديدة. وفي يوم السبت ثانيه اداروا كسوه الكعبة والمحمل وركب معها المتسفر عليها من القلزم وهو شخص يقال له: محمود أغا الجزيري وركب إمامه الاغا والوالي والمحتسب وطائفة الدلاة وكثير من العسكر. وفي يوم الإثنين عاشره وصلت الأخبار بوصول الألفي إلى ناحية الاخصاص وانتشار جيوشه بإقليم الجيزة وكان الباشا معزوما ذلك اليوم عند سعودي الحناوي بسوق الزلط وحارة المقس وركب قبيل العصر وذهب إلى بولاق وأمر العساكر بالخروج ولا يتخلف أحد لخامس ساعة من الليل وعدى بمن معه إلى بر انبابه. وفي لية الأربعاء وقع بين الألفي والعسكر معركة وانحاز العسكر وتترسوا بداخل الكفور والبلاد ووصل منهم جرحى إلى البلد واستمر الأمر على ذلك وهم يهابون البروز إلى الميدان واخصامهم لا يحاربون المتاريس والحيطان. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره ركب الألفي بجيوشه وتوجه إلى ناحية قناطر شبر امنت فلما عاينهم الباشا ومن معه مارين ركب بعسكره من ناحية كفر حكيم وما حوله وساروا إلى جهة الجيزة ونصب وطاقه بحريها وباتوا تلك الليلة وعملوا شنكا في صبحها وهم يشيعون هروب الألفي والحال أنه مر في جيش كثيف وصورة هائلة وقد رتب جنوده وعساكره طوابير وبين يديه النظام الذي رتبه على هيئة عسكر الفرنسيس ومعهم طبول بكيفية خرعت عقولهم والباشا واقف بجيوشه ينظر إليه تارة بعينه وتارة بالنظارة ويقول: هذا طهماز الزمان ويتعجب وقال لطائفة الدلاة: تقدموا لمحاربته وأنا اعطيكم كذا وكذا من المال فلم يجسروا على التقدم لما سبق لهم معه. وفي يوم الخميس حضر أشخاص من العرب إلى الباشا وأخبروه بأن الألفي قد مات يوم وصوله إلى تلك المحطة وذلك ليلة الأربعاء تاسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 عشرة وقد نزل به خلط دموي فتقايا ثم مات وذلك بناحية المحرقة بالقرب من دهشور وأن مماليكه اجتمعوا وأمروا عليهم شاهين بك وذلك باشارة أستاذهم وأن طائفة أولاد علي انفصلوا عنهم ورجعوا إلى بلادهم واخرين يطلبون الأمان فاشتبه الحال وشاع الخبر وصارت الناس بين مصدق ومكذب واستمر الاشتباه والاضطراب أياما حتى أن الباشا خلع على ذلك المخبر بعد أن تحقق خبره فروة سمور وركب بها وشق من وسط المدينة والناس ما بين مصدق ومكذب ويظنون أن ذلك مكايده وتحيلاته لأمور يدبرها إلى أن حضر بعض الخدم إلى دوره وأخبروا بحقيقة الحال كما ذكر فعند ذلك زال الاشتباه وعد ذلك من تمام سعد محمد علي باشا الدنيوي حتى أنه قال في مجلس خاصته: الآن ملكت مصر ولما مات الألفي ارتحلت اجناده ومماليكه وأمراؤه وارتفعوا إلى ناحية قبلي. ثم أن الباشا أرسل إلى أمرائه مكاتبة يستميلهم ويطلبهم للصلح ويدعوهم للانضمام إليه ويعدهم أن يعطيهم فوق مأمولهم ونحو ذلك وأرسل تلك المكاتبة صحبة قادري أغا الذي طرده الألفي ونفاه وأخذ محمد علي باشا في الاهتمام والركوب واللحوق بهم وفي كل يوم ينادي على العسكر بالمدينة بالخروج وقوى نشاطهم ورفعوا رؤوسهم وسعوا في قضاء اشغالهم وخطفوا الجمال والحمير وحضر الباشا إلى بيته بالازبكية وبات به ليلة الأحد وصرح بسفره يوم الخميس وخرج إلى العرضى ثانيا وطلب السلف والمال ومضى الخميس والجمعة ولم يسافر. وفي ليلة السبت تاسع عشرينه نزل به حادر وتحرك عنده خلط وحصل له اسهال وقىء واشاع الناس موته يوم السبت وتناقلوه وكاد العسكر ينهبون العرضى ثم حصلت له افاقة وخرج السيد عمر والمشايخ للسلام عليه يوم الأحد ولينهؤه بالعافية وكذلك خرجوا لوداعه قبل ذلك مرارا. وفيه حضر قادري بجوابات الرسالة من أمراء الألفي احدها للباشا وعليه ختم شاهين بك وباقي خشداشينه الكبار وآخر خطابا لمصطفى كاشف أغا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ومن كان كاتبهم بالمعنى السابق يذكرون في جوابهم أن كان سيدهم قد مات وهو شخص واحد فقد خلف رجالا وامراءوهم على طريقة أستاذهم في الشجاعة والرأي والتدبير ونحو ذلك وليس كل مدع تسلم له دعواه ومن أمثال المغاربة ما كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة وذكروا في الجواب أيضا أنه أن اصطلح مع كبرائهم الكائنين بقبلي وهم إبراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن وباقي أمرائهما كنا مثلهم وأن كان يريد صلحنا دونهم فيعطينا ما كان يطلبه أستاذنا من الاقاليم ونحو ذلك. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الإثنين سنة 1221 وفيه ارتحل الباشا بالعرضى إلى ساقية مكي بالجيزة متوجها لقبلي. وفيه طلبوا المراكب من كل ناحية وعز وجودها وامتنعت الواردون ومراكب المعاشات والتجارات مع استمرار الطلب للمغارم والسلف ونحو ذلك وفي منتصفه وردت مكاتبات من وزير الدولة العثمانية وفيها الخبر بوقوع الغزو بين العثماني والموسكوب والأمر بالتيقظ والتحفظ وتحصين الثغور فربما اغاروا على بعضها على حين غفلة وكذلك وردت أخبار بمعنى ذلك من حاكم ازمير وحاكم رودس وأن الانكليز معاونون لطائفة الموسكوب لاستمرار عداوتهم مع الفرنساوية لكون الفرانساوية متصادفين مع العثماني والخبر عن مجمل القضية أن بونابارته أمير جيش الفرنساوية وعساكرهم خرجوا في العام الماضي واغاروا على القرانات والممالك الافرنجية واستولوا على النيمسة التي هي اعظم القرانات وبينهم وبين الموسكوب مصادقة ونسب فأرسل الموسكوب جندا كثيفا مساعدة للنمساوية مع كبير من قرابة قرانهم فتلاقوا مع بونابارته بعد استيلائه على تخت النيمسة فهزمهم أيضا واسر عظماءهم وسار بجيوشه إلى الروسية واستولى على عدة اساكل وكلما استولى على جهة قرر بها حكامها وشرط عليهم شروطه التي منها معاداة الانكليز ومنابذتهم وراسله العثماني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وراسله هو أيضا ورأى العثماني قوة بأسه فصادقه وأرسل إليه من طرفه الجي إلى إسلامبول فدخلها في ابهة عظيمة وانزلوه منزلا حسنا وأرسل صحبته هدايا وقوبل بأعظم منها وكذلك أرسل إلى خصوص بونابارته تحفا وهدايا وتاجا من الجوهر فعند ذلك انتبذ الموسكوب ونقض الهدنة بينه وبين العثماني وطلب المحاربة فخافه العثماني لما يعلمه منه من القوة والكثرة وسعى الانكليزي بينهما بالصلح واجتهد في ذلك حتى امضاه بشروط قبيحة وشرع أهل الاسكندرية في تحصين قلاعها وابراجها وكذلك أبو قير أرسل كتخدا بك من يتقيد ببناء قلعة بالبرلس وحصل لمصر قلق ولغط وغلت الاسعار في البضائع المجلوبه وعملوا جميعات ببيت كتخدا بك وببيت السيد عمر النقيب واتفقوا على إرسال تلك المراسلات إلى محمد علي باشا بالجهة القبلية وصحبة ديوان افندي. وفي عشرينه اجتمعوا بالأزهر لقراءة صحيح البخاري في اجزاء صغار. وفيه حضر ديوان أفندي بمكاتبات وفيها طلب جماعة من الفقهاء ليسعوا في اجراء الصلح بين الأمراء المصريين وبين الباشا فوقع الاتفاق على تعيين ثلاثة أشخاص وهم بن الشيخ الأمير وابن الشيخ العروسي والسيد محمد الدواخلي فسافروا في يوم الأحد سادس عشرينه ووصلت الأخبار بان الانجليز حضروا في اثني عشر مركبا وعبروا بغاز إسلامبول وكانوا محترسين فضربوا عليهم بالمدافع من الجهتين فلم يكترثوا ولم يفزعوا ولم يتاخروا ولم يصب الضرب إلا مركبا واحدة من الاثني عشر وعمروا ثلمتها في الحال ولم يزالوا سائرين حتى رسوا ببر إسلامبول فهاج كل أهلها وصرخوا وانزعجوا انزعاجا عظيما وايقنوا بأخذ الانكليز البلدة ولو أرادوا حرقها لاحرقوها عن آخرها فعند ذلك نزل اليهى السيد علي باشا القبطان وهو اخو علي باشا الذي كان أخذ يسيرا مع البرديسي من برج مغيزل برشيد فتكلم معهم وصالحهم وخرجوا من البغاز سالمين مغبوطين بعفوهم المقدرة وانقضت السنة بحوادثها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وأما من مات بها من العلماء والأمراء ممن له ذكر. مات العمدة الفاضل صدر المدرسين وعمدة المحققين الفقيه الورع الشيخ محمد الخشني الشافعي تخرج على الشيخ عطية الاجهوري وغيره من أشياخ العصر المتقدمين كالحفني والعدوي ومسكنه بخطة السيدة نفيسة ويأتي إلى الأزهر في كل يوم فيقرأ دروسه ثم يعود إلى داره متقللا في معيشته منعزلا عن مخالطة غالب الناس وهو آخر الطبقة وتمرض شهورا بمنزله الذي بالمشهد النفيسي وكان دائما يسأل عن الشيخ سليمان البجيرمي وكان يقول: لا اموت حتى يموت البجيرمي لأنه راى النبى صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: أنت آخر اقرانك موتا ولم يكن من اقرانه سوى البجيرمى فلذلك كان يسأل عنه ثم مات البرجيرمى بقرية تسمى مصطية ومات هو بعده بنحو ثلاثة اشهر وكان وفاته في يوم الإثنين خامس عشرين ذي الحجة ولم يحضروا بجنازته إلى الأزهر بل صلى عليه بالمشهد النفيسي ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه. ومات الشيخ الفقيه المحدث خاتمة المحققين وعمدة المدققين بقية السلف وعمدة الخلف الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي الازهري المنتهي نسبه إلى الشيخ جمعة الزبدي المدفون ببجيرم نسبة إلى زيدة بالقرب من منية بن خصيم وينتهي نسب الشيخ جمعة المذكور إلى سيدي محمدي بن الحنفية ولد ببجيرم قرية من الغربية إحدى وثلاثين ومائة وألف وحضر إلى مصر صغيرا دون البلوغ ورباه قريبه الشيخ موسى البجيرمي وحفظ القرآن ولازم الشيخ المذكور حتى تأهل لطلب العلوم وحضر على الشيخ العشماوي في الصحيحين وأبي داود الترمذي والشفاء والمواهب وشرح المنهج لشيخ الإسلام وشرحي المنهاج لكل من الرملي وابن حجر وحضر دروس الشيخ الحنفي واجازه الملوي والجوهري والمدابغي وأخذ عن الديربي وغيره وحضر أيضا دروس الشيخ علي الصعيدي والسيد البليدي وشارك كثيرا من الأشياخ كالشيخ عطية الاجهوري وغيره وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 إنسانا حسنا حميد الاخلاق منجمعا عن مخالطة الناس مقبلا على شأنه وقد انتفع اناس كثيرون وكف بصره سنينا وعمر وتجاوز المائة سنة ومن تاليفه بايدي الطلبة حاشية على المنهج وأخرى على الخطيب وغير ذلك وقبل وفاته سافر إلى مصطيه بالقرب من بجيرم فتوفي بها ليلة الإثنين وقت السحر ثالث عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه. ومات الأجل العلامة الفاضل الفهامة فريد عصره علما وعملا ووحيد دهره تفصيلا وجملا الشيخ مصطفى العقباوي المالكي نسبة لمنية عقبة بالجيزة حضر إلى الأزهر صغيرا ولازم السيد حسنا البقلي ثم الشيخ محمد العقاد المالكي ثم الشيخ محمد عبادة العدوي ملازمه كلية حتى تمهر في مذهبه في المنقولات والمعقولات وحضر دروس أشياخ العصر كالشيخ الدردير والشيخ محمد البيلي والشيخ الأمير وغيرهم وتصدر لالقاء الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر فضله وكان إنسانا حسن الاخلاق مقبلا على الافادة والاستفادة لا يتداخل فيما لا يعنيه ويأتيه من بلدته ما يكفيه قانعا متورعا متواضعا ومن مناقبه أنه كان يحب افادة العوام حتى أنه كان إذا ركب مع المكاري يعلمه عقائد التوحيد وفرائض الصلاة إلى أن توفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله رحمة الله تعالى وعفا عنا وعنه. ومات الأجل المعظم المبجل المحقق المدقق المفضل العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ علي النجارى المعروف بالقباني الشافعي مذهبا المكي مولدا المدني أصلا ابن العالم الفاضل الشيخ أحمد تقي الدين بن السيد تقي الدين المنتهي نسبه إلى أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن دينار بن تيم الله بن ثعلبة النجاري أحد بطون الخزرج وينتهي نسب أخواله إلى السيد أحمد الناسك بن عبد الله ادريس بن عبد الله بن الحسن الانور ابن سيدنا الحسن السبط رضى الله تعالى عنه ولد المترجم بمكة سنة أربع وثلاثين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 ومائة وقدم إلى مصر مع أبيه وأخيه السيد حسن سنة إحدى وسبعين ومائة قليلة وصولهم مرض اخوه المذكور وتوفي صبح ثالث يوم فجزع والده لذلك جزعا شديدا وتشاءم به وعزم على السفر إلى مكة ثانيا ولم يتيسر له ذلك إلا أواخر شوال من السنة المذكورة وبقي المترجم واشتغل بتحصيل العلوم وشراء الكتب النافعة واستكتابها ومشاركة أشياخ العصر في الافادة والاستفادة مع مباشرة شغل تجارتهم من بيع الارساليات التي ترد إليه من أولاد أخيه من جدة ومكة وشراء ما يشترى وارساله لهم إلى أن تمرض وانقطع ببيته الذي بخطة عابدين قريبا من الأستاذ الحنفي سنة تسع ومائتين وكان عالما ماهرا واديبا شاعرا تخرج على والده وعلى غيره بمكة وعلى كثير من أشياخ العصر المتقدمين كالشيخ العشماوي والشيخ الحنفي والشيخ العدوي وغيرهم وتخرج في الأدب على والده وعلى الشيخ علي بن تاج الدين المكي وعلى الشيخ عبد الله الاتكاوي وغيرهم وله مؤلفات منها نفح الاكمام على منظومته في علم الكلام ومنها تقريره على الرملي وهو مجلد ضخم ومنها شرح بديعيته التي سماها مراقي الفرج في مدح عالي الدرج وله ديوان شعر صغير غالبه جيد وكان في مدة انقطاعه لا يشتغل بغير المطالعة وتحصيل الكتب الغريبة وقيد ولده السيد سلامة بأشغال تجارتهم وولده السيد أحمد بملازمته واسماعه فيما يريد مطالعته وكانت داره في غالب الأوقات لا تخلوا من المترددين إلى أن توفي ليلة السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعمره سبع وثمانون سنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمقبرة أخيه بباب الوزير وخلف ولديه المذكورين وكان وجيها لطيفا محبوبا للنفوس ورعا رحمة الله تعالى عليه. ومات صاحبنا الأجل المعظم والوجيه المكرم الأمير ذو الفقار البكري نسبة ونسابة وهو مملوك السيد محمد بن علي أفندي البكري الصديقي اشتراه سيده المذكور عام إحدى وسبعين ومائة وألف ورباه وادبه واعتقه وزوجه ابنته ونشأ في عز ورفاهية وسيادة وعفة وطيب خيم وعلو همة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 ولما توفي سيده اتحد بولده السيد محمد أفندي وهو اخو زوجته اتحادا كليا بحيث صارا كالأخوين لا يصبر أحدهما عن الآخر ساعة واحدة وسكنهما واحد في بيتهم الكبير بالازبكية ولما توفي السيد محمد أفندي اشتغل المترجم باسكني في الدار إلى أن حضر الفرنساوية فخرج مع من خرج من مصر إلى ناحية الشام ونهبت كتبه وداره ثم رجع بامان في أيام الفرنساوية فوجد الدار قد سكنها الفرنساوية فاشترى دارا غيرها بخطة عابدين وجدد بها نظامه ولما حصلت حادثة عسكر الاروام العثمانية مع الأمراء المصريين التي خرج فيها إبراهيم بك والبرديسي وأمراؤهم نهبت داره المذكورة أيضا فيما نهب فانتقل إلى ناحية الأزهر ثم سكن بحارة السبع قاعات بالاجرة واقتنى كتبا شراء واستكتابا وجمع عدة اجزاء متفرقة من تاريخ مرآة الزمان لابن الجوزي وخطط المقريزي وغيرها إلى أن اخترمته المنية ومات فجأة يوم الثلاثاء في ثاني عشرين رجب من السنة قبيل الغروب وصلى عليه في صبحها بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة البكرية ظاهر قبة الإمام الشافعي وكان إنسانا حسنا محبوبا لجميع الناس وجيه الذات مليح الصفات حسن المفاكهة والمعاشرة متوقد القطنة! صادق الفراسة ساكن الجأش وقورا ادوبا محتشما وخلف من بعده السيد محمد المعروف بالغزاوي المرزوق له من ابنة سيده المذكور ولكونه ولده بغرة حين كانوا بالشام انشأه الله انشاء صالحا وبارك فيه. ومات الأمير الكبير والضرغام الشهير محمد بك الألفي المرادي جلبه بعض التجار إلى مصر في سنة تسع وثمانين ومائة وألف فاشتراه أحمد جاويش المعروف بالمجنون فأقام في بيته أياما فلم تعجبه اوضاعه لكونه كان مماجنا سفيها ممازجا فطلب منه بيع نفسه فباعه لسليم أغا الغزاوي المعروف بتمرلنك فأقام عنده شهورا ثم اهداه إلى مراد بك فاعطاه نظيره ألف اردب من الغلال فلذلك سمي الألفي وكان جميل الصورة فاحبه مراد بك وجعله جوخداره ثم اعتقه وجعله كاشفا بالشرقية وعمر دارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 بناحية الخطة المعروفة بالشيخ ضلام وانشأ هناك حماما بتلك الخطة عرفت به وكان صعب المراس قوي الشكيمة وكان بجواره علي أغا المعروف بالتوكلي فدخل عليه وتشفع عنده في أمر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه في داره يغادره ويعاتبه فرد عليه بغلظة فأمر الخدم بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي المعروفة بالنبابيت فتألم لذلك ومات بعد يومين فشكوه إلى أستاذه مراد بك فنفاه إلى بحري فعسف بالبلاد مثل فوة ومطوبس وبارنبال ورشيد وأخذ منهم أرزا وأموالا فتشكوا منه إلى أستاذه وكان يعجبه ذلك وفي اثناء ذلك وقع الخلاف بمصر بين الأمراء ونفوا سليمان بك الأغا واخاه إبراهيم بك ومصطفى بك كما ذكر ذلك فى محله وأرسل إليه مراد بك وأمره أن يتعين على مصطفى بك ويذهب به إلى الاسكندرية منفيا ثم يعود هو إلى مصر ففعل ورجع المتجرم إلى مصر فعند ذلك قلدوه الصنجقية وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف واشتهر بالفجور فخافته الناس وتحاموا شدته وسكن أيضا بدار بناحية قيصون وذلك عندما اتسعت دائرته وهدم داره القديمة أيضا ووسعها وانشأها انشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة وأمر منهم أمراء وكشافا فنشؤا على طبيعة أستاذهم في التعدي والعسف والفجور ويخافون من تجبره عليهم والتزم باقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية ومن البلاد البحرية محلة دمنة ومليج وزوبر وغيرها وتقلد كشوفية شرقية بلبيس ونزل إليها وكان يغير على ما بتلك الناحية من اقطاعات وغيرها واخاف جميع عربان تلك الجهة وجميع قبائل الناحية ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحي حتى خافه الكثير من العربان والقبائل وكانوا يخشونه وصادهم باشراك منهم وقبض على الكثير من كبرائهم وسحبهم في الجنازير وصادروهم في أموالهم ومواشيهم وفرض عليهم المغارم والجمال ولم يزل على حالته وسطوته إلى أن حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر فخرج المترجم مع عشيرته إلى ناحية قبلي ثم رجع معهم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 أواخر سنة خمس ومائتين بعد الألف بعد الطاعون الذي مات فيه إسمعيل بك وذلك بعد اقامتهم بالصعيد زيادة عن أربع سنوات ففى تلك المدة ترزن عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في جزيئات العلوم والفلكيات والهندسيات وأشكال الرمل والزايرجات والاحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وانوائها ويسأل عمن له المام بذلك فيطلبه ليستفيد منه واقتنى كتبا في أنواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره القديمة ورغب في الانفراد وترك الحالة الي كان عليها قبل ذلك واقتصر على مماليكة والاقطاعات التي بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان فثقل هذا الأمر على أهل دائرته وبدا يصغر في اعين خشداشينه ويضعف جانبه وطفقوا يباكتونه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه وتطلع ادونهم للترفع عليه فلم يسهل به ذلك واستعمل الأمر الاوسط وسكن بدار أحمد جاويش المجنون يدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس وانشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والدمرداش وجعل غالب إقامته فيهما وأكثر من شراء المماليك وصار يدفع فيهم الأموال الكثيرة للجلابين ويدفع لهم أموالا مقدما يشترونها بها وكذلك الجواري حتى اجتمع عنده نحو الألف مملوك خلاف الذي عند كشافه وهم نحو الأربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الأمراء السابقين وكل مدة قليلة يزوج من يختاره من مماليكه لمن تصلح له من الجواري ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم الفائظ والمناصب وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك وينزل هو إليهم أيضا على سبيل التروح وبنى له قصرا خارج بلبيس وآخر بالدمامين واخمد شوكة عربان الشرق وجبى منهم الأموال والجمال واخمد ناموسهم الذي كان يغشى ابدان الفلاحين وارواحهم واضعف شوكتهم واخفى صولتهم وكان يقيم بناحية الشرق شهورا ثلاثة أو أربعة ثم يعود إلى مصر واصطنع قصرا من خشب مفصلا قطعا ويركب بشناكل واغربة متينة قوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 يحمل على عدة جمال فإذا أراد النزول في محطة تقدم الفراشون وركبوه خارج الصيوان فيصير مجلسا لطيفا يصعد إليه بثلاث درج مفروش بالطنافس والوسائد يسع ثمانية أشخاص وهو مسقوف وله شبابيك من الأربع جهات تفتح وتغلق بحسب الاختيار وحوله الاسرة من كل جانب وكل ذلك من داخل دهليز الصيوان وكان له داران بالازبكية احدهما كانت لرضوان بك بلغيا والأخرى للسيد أحمد بن عبد السلام فبدا له في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالازبكية فاشترى قصر ابن السيد سعودي الذي بخطة الساكن فيما بينه وبين قنطرة الدكة من أحمد أغا شويكار وهدمه واوقف في شيادته على العمارة كتخدا ذا الفقار ارسله قبل مجيئه من ناحية الشرقية ورسم له صورة وضعه في كاغد كبير فأقام جدرانه وحيطانه وحضر هو في اثناء ذلك فوجده قد اخطأ الرسم فاغتاظ وهدم غالب ذلك وهندسه على مقتضى عقله واجتهد في بنائه واوقف أربعة من كبار أمرائه على تلك العمارة كل أمير في جهة من جهاته الأربع يحثون الصناع ومعهم أكثر اتباعهم ومماليكهم وعملوا عدة قمن لحرق الاحجار وعمل النورة وكذلك ركب طواحين الجبس لطحنه وكل ذلك بجانب العمارة وقطعوا الاحجار الكبار ونقلوها في المراكب من طرا إلى جنب العمارة بالازبكية ثم نشروها بالمناشير وألواحا كبارا لتبليط الأرض وعمل الدرج والفسحات وأحضروا لها الاخشاب المتنوعة من بولاق واسكندرية ورشيد ودمياط واشترى بيت حسن كتخدا الشعراوي المطل على بركة الرطلي من عتقائه وهدمه ونقل اخشابه وانقاضه إلى العمارة وكذا نقلوا إليه أنواع الرخام والاعمدة ولم يزل الاجتهاد في العمل تم على المنوال الذي أراده ولم يجعل له خرجات ولا حرمدانات بارزة عن أصل البناء ولا رواشن بل جعل ساذجا حرصا على المتانة وطول البقاء ثم ركبوا على فرجاتة المطلة على البركة والبستان والرجبة والشبابيك الخرط المصنعة وركبوا عليها شرائح الزجاج ووضع به النجف والأشياء والتحف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 العظيمة التي اهداها إليه الافرنج وعملوا بقاعة الجلوس السفلى فسقية عظيمة بسلسبيل من الرخام قطعة واحدة ونوفرة كبيرة حولها نوفرات من الصفر يخرج الماء من افواهما وجعل بها حمامين علويا وسفليا وبنوا بدائر حوشه عدة كبيرة من الطباق السكني المماليك وجعله دوارا واحدا لما تم البناء والبياض والدهان فرشه بأنواع الفرش والوسائد والمساند والستائر المقصبات وجعل خلفه بستانا عظيما وانشأ به جملونا مستطيلا متسعا به دكك واعمدة وهو من الجهة البحرية ينتهي اخره إلى الدور المتصلة بقنطرة الدكة واهدى إليه أيضا الافرنج فسقية رخام في غاية العظم فيها صورة اسماك مصورة يخرج من افواهها الماء جعلها بالبستان ونجز البناء والعمل وسكن بها هو وعياله وحريمه في آخر شهر شعبان من سنة اثنتي عشرة واستهل شهر رمضان فأوقدوا فيها الوقدات والاحمال الممتلئة بالقناديل بدائرة الحوش والرحبة الخارجة وكذلك بقاعة الجلوس أحمال النجف والشموع والصحب والفنيارات الزجاج وازدحمت خيول الأمراء ببابه فأقام على ذلك إلى منتصف شهر رمضان وبداله السفر إلى الشرقية فأبطلوا الوقدة واطفؤا السرج والشموع فكان ذلك فألا فكانت مدة سكناه به ستة عشر يوما بلياليها وإنما اطنبنا في ذكر ذلك ليعتبر أولو الألباب ولايجتهد العاقل في تعمير الخراب وفي اثناء غيبته بالشرقية وصلت الفرنساوية إلى الاسكندرية ثم إلى مصر وجرى ما جرى سبق ذكره وذهب مع عشيرته إلى قبلي وعند وصول الفرنساوية إلى بر انبابة بالبر الغربي وتحاربوا مع المصريين ابلى المترجم وجنده في تلك الواقعة ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم بالمصايد ولما وصل عرضي الوزير إلى وعدة أسرى واسد عظيم اصطاده في سروحه فشكره الوزير وخلع عليه الخلع السنية وأقام بعرضية أياما ثم رجع إلى ناحية مصر وذهب إلى الصعيد ثم رجع إلى الشام والفرنساوية يأخذون خبره ويرصدونه في الطرق ناحية الشام ذهب إليه وقابله وانعم عليه وكان معه رؤساء من الفرنساوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 فيزوغ منهم ويكبسهم في غفلاتهم وينال منهم ولما وصل الوزير وحصل انتقاص الصلح وانحصر المصريون والعثمانيون بداخل المدينة وقع له مع الفرنساوية الوقائع الهائلة فكان يكر ويفر هو وحسن بك الجداوي ويعمل الحيل والمكايد وقتل من كشافه في تلك الحروب رجال معدودة منهم إسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية احترق هو وجنده ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان انشأه برصيف الخشاب وكانت الفرنساوية قد عملوا تحته لغم بارود في اسفل جدرانه ولم يعلم به أحد فلما تترس فيه إسمعيل كاشف ومن معه أرسلوا من الهمه النار فالتهب على من فيه واحترقوا بأجمعهم وتطايروا في الهواء ولما اصطلح مراد بك مع الفرنساوية لم يوافقه على ذلك واعتزله ولما اشتد الأمر بين الفريقين وشاطت طبخة العثمانيين ومن تبعهم طفق يسعى بين الفريقين في الصلح ويمشي مع رسل الفرنساوية في دخولهم بين العسكر وخروجهم ليمنع من يتعدى عليهم من اوباش العسكر خوفا من ازدياد الشر إلى أن تم الصلح وخرج المترجم بلاء حسنا وقتل من كشافة ومماليكه عدة وافرة ولم يزل مدة إقامة الفرنساوية بمصر ينتقل في الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية مع العثمانية إلى نواحي الشام ثم رجع إلى جهة الشرقية فيحارب من يصادفه من الفرنسيس ويقتل منهم فإذا جمعوا جيشهم واتوا لحربه لم يجدوه ويمر من خلف الجبل ويمر بالحاجز إلى الصعيد فلا يعلم اين ذهب ثم يظهر بالبر الغربي ثم يسير مشرقا ويعود إلى الشام وهكذا كان دأبه بطول السنة التي تخللت بين الصلحين إلى أن نظم العثمانية أمرهم وتاونوا بالانكليز ورجع الوزير على طريق البر وقبطان باشا بصحبة الانكليز من البحر فحضر المترجم وباقي الأمراء واستقر الجميع بداخل مصر والانكليز ببر الجيزة وارتحلت الفرنساوية وخلت منهم مصر فعند ذلك قلق المترجم وداخله وسواس وفكر لأنه كان صحيح النظر في عواقب الأمور فكان لا يستقر له قرار ولم يدخل إلى الحريم ولم يبت بداره إلا ليلتين على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 سجادة ومخدة في القاعة السفلى ولم يكن بها حريم. يقول الفقير: ذهبت إليه مرة في ظرف اليومين فوجدته جالسا على السجادة فجلست معه ساعة فدخل عليه بعض أمرائه يستأذنه في زواج إحدى زوجات من مات من خشداشينة فنتر فيه وشتمه وطرده وقال لي: انظر إلى عقول هؤلاء المغفلين يظنون أنهم استقروا بمصر ويتزوجوا ويتأهلوا مع أن جميع ما تقدم من حوادث الفرنسيس وغيرها اهون من الورطة التي نحن فيها الآن ولما اطلق الوزير لإبراهيم بك الكبير التصرف والبسه خلعة وجعله شيخ البلد كعادته وأن أوراق التصرفات في الاقطاعات والاطيان وغيرها تكون بختمه وعلامتة اغتر هو وباقي الأمراء بذلك وازدحم الديوان ببيت إبراهيم بك المرادي وعثمان بك حسن والبرديسي وتناقلوا في الحديث فذكروا ملاطفة الوزير ومحبته لهم واقامته لناموسهم فقال المترجم: لا تغتروا بذلك فإنما هي حيل ومكايد وكأنها تروج عليكم فانظروا في امركم وتفطنوا لما عساه يحصل فان سوء الظن من الحزم فقالوا له: وما الذي يكون قال: إن هؤلاء العثمانيين لهم السنين العديدة والأزمان المديدة يتمنون نفوذ احكامهم وتملكهم لهذا الإقليم ومضت الاحقاب وأمراء مصر قاهرون لهم وغالبون عليهم ليس لهم معهم إلا مجرد الطاعة الظاهرة وخصوصا دولتنا الاخيرة وما كنا نفعله معهم من الاهانة ومنع الخزينة وعدم الامتثال لأوامرهم وكل ذلك مكمون في نفوسهم زيادة على ما جبلوا عليه من الطمع والخيانة والشره وقد ولجوا البلاد الآن وملكوها على هذه الصورة وتأمروا علينا فلا يهون بهم أن يتركوها لنا كما كانت بأيدينا ويرجعوا إلى بلادهم بعدما ذاقوا حلاوتها فدبروا رايكم وتيقظوا من غفلتكم فلما سمعوا منه ذلك صادق عليه بعضهم وقال بعضهم: هذا من وساوسك وقال آخر: هذا لا يكون بعد ما كنا نقاتل معهم ثلاث سنوات واشهرا بأموالنا وأنفسنا وهم لا يعرفون طرائق البلاد ولا سياستها فلا غنى لهم عنا وقال آخر: غير ذلك ثم قالوا له: مارأيك الذي تراه فقال: الرأي عندي أن قبلتموه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 أن نعدي بأجمعنا إلى بر الجيزة وننصب خيامنا هناك ونجعل الانكليز واسطة بيننا وبين الوزير والقبطان وتتمم الشروط التي نرتاح نحن وهم عليها بكفالة الانكليز ولا نرجع إلى البر الشرقي ولا ندخل مصر حتى يخرجوا منها ويرجعوا إلى بلادهم ويبقى منهم من يبقى مثل من يقلدونه الولاية والدفتردارية ونحو ذلك وكان ذلك هو الرأي ووافق عليه البعض ولم يوافق البعض الآخر وقال: كيف ننابذهم ولم يظهر لنا منهم خيانة ونذهب إلى الانكليز وهم اعداء الدين فيحكم العلماء بردتنا وخيانتنا لدولة الإسلام على أنهم أن قصدوا بنا شيئا قمنا باجمعنا عليهم وفينا ولله الحمد الكفاية وعند ذلك تتوسط بيننا وبينهم الانكليز فنكون لنا المندوحة والعذر فقال المترجم: أما الاستنكاف من الالتجاء للانكليز فان القوم لم يستنكفوا من ذلك واستعانوا بهم ولولا مساعدتهم لما ادركوا هذا المحصول ولا قدروا على اخراج الفرنساوية من البلاد وقد شاهدنا ما حصل في العام الماضي لما حضروا بدون الانكليز على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب وأما هذه فهي وساطة مصلحة لاغير وأما انتظار حصول المنابذة فقد لا يمكن التدارك بعد الوقوع لأمور والرأي لكم فسكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم ولما لم يوافقوا المترجم على ما اشار به عليهم أخذ يدبر في خلاص نفسه فانضم إلى محمود أفندي رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده وأوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الأموال من جهة الصعيد أن قلده الوزير إمارة الصعيد فإنه يجمع له أموالا جمة من تركات الاغنياء الذين ماتوا بالطاعون في العام الماضي وخلافة ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من الجهات التي لا يحيط بها خلافه والمال والغلال الميرية فلما عرف الرئيس الوزير بذلك لم يكن بأسرع من اجابته لوجهين الأول طمعا في تحصيل المال والثاني لتفريق جمعهم فانهم كانوا يحسبون حسابه دون باقي الجماعة لكثرة جيشه وشدة احترازه فإنه كان إذا ذهب عند الوزير لا يذهب في الغالب إلا وحوله جميع جنوده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 ومماليكه وعندما اجاب الوزير إلى سفره كتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية واطلق له الاذن ورخص له في جميع ما يؤدي إليه اجتهاده من غير معأرض وتمم الرئيس القصد وفي الوقت حضر المترجم فأخذ المرسوم ولبس الخلعة بنفسه وودع الوزير والرئيس وركب في الوقت والساعة وخرج مسافرا وجعل رئيس أفندي وكيلا عنه وسفيرا بينه وبين الوزير بعدما اسكنه في داره ولم يشعر بذلك أحد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك وعندما اشيع ذلك حضر إلى الوزير اعتراض عليه في هذه الغفلة واشار عليه بنقض ذلك فأرسل يستدعيه لامر تذكره على ظن تأخره فلم يدركوه إلا وقد قطع مسافة بعيدة ورجعوا على غير طائل وذهب هو إلى اسيوط وشرع في جبي الأموال وأرسل للوزير دفعة من المال واغناما وعبيدا طواشية وغلالا ثم لم يمض على ذلك إلا نحو ثلاثة شهور وسافر طائفة من الانكليز إلى سكندرية وكذلك حسين باشا القبطان ونصبوا للمصريين الفخاخ وأرسل القبطان يطلب طائفة منهم فأوقع بهم ما اوقع وقبض الوزير على من بمصر من الأمراء وحبسهم وجرى ما هو مسطور في محله وعينوا على المترجم طاهر باشا بعساكر وحصلت المفاقمة وقتل من قتل والتجأ من بقي إلى الانكليز ولم يندمل الجرح بعد تقريحه وذهب الجميع إلى الناحية القبلية وأرسلوا لهم التجاريد وتصدى المترجم لحروبهم ثم حضر إلى ناحية بحرى ونزل بظاهر الجيزة وسار إلى ناحية البحيرة بعد حروب ووقائع فاجتهد محمد باشا خسرو في اخراج تجريدة عظيمة وسارى عسكرها كتخدا وهو يوسف كتخدا بك وهي التجريدة التي سماها العوام تجريدة الحمير لأنهم جمعوا من جملة ذلك حمير الحمارة والتراسين وحمير اللكاف والسقائين وعملوا على أهل بولاق ألف حمار وكذلك مصر ومصر القديمة وطفقوا يخطفون حمير الناس ويكبسون البيوت ويأخذون ما يجدونه وكان يأتي بعض معاكيس العسكر عند الدور ويضع احدهم فمه عند الباب ويقول: زر فينهق الحمار فيأخذونه فلما تم مرادهم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 جمع الحمير اللازمة لهم سافروا إلى ناحية البحيرة فكانت بينهم واقعة عظيمة بمرأى من الانكليز وكانت الغلبة له على العسكر وأخذ منهم جملة أسرى وانهزم الباقون شر هزيمة وحضروا إلى مصر في اسوأ حال وهذه الكسرة كانت سببا لحصول الوحشة بين الباشا والعسكر فإنه غضب عليهم وامرهم بالخروج من مصر فطلبوا علائفهم فقال: بأي شئ تستحقون العلائف ولم يخرج من أيديكم شئ فامتنعوا من الخروج وكان المشار إليه فيهم محمد علي سرششمة فأراد الباشا اصطياده فلم يتمكن منه لشدة احتراسه فحاربه فدفع له ما ذكر في محله وخرج الباشا هاربا إلى دمياط ومن ذلك الوقت ظهر اسم محمد علي ولم يزل ينموا ذكره بعد ذلك وأما المترجم فإنه بعد كسرته للعسكر ذهب ناحية دمنهور وذهبت كشافه وأمراؤه إلى المنوفية والغربية والدقهلية وطلبوا منهم المال والكلف ثم رجعوا إلى البحيرة ثم بعد هذه الوقائع سافر المترجم مع الانكليز إلى بلادهم واختار من مماليكه خمسة عشر شخصا أخذهم صحبته وأقام عوضه أحد مماليكه المسمى بشتك بك وسمى الألفي الصغير وأمره على مماليكه وأمرائه وامرهم بطاعته واوصاه وصايا وسافر وغاب سنة وشهرا وبعض أيام لأنه سافر في منتصف شهر شوال سنة سبع عشرة وحضر في أول شهر القعدة سنة ثمان عشرة وجرى في مدة غيابه من الحوادث التي تقدم من ذكرها ما يغني عن اعادتها من خروج محمد باشا خسرو وتولية طاهر باشا ثم قتله ودخول الأمراء المصريين وتحكمهم بمصر سنة ثمان عشرة وتأمير صناجق من اتباع المترجم وما جرى بها من الوقائع بتقدير الله تعالى البأرز بتدبير محمد علي ونفاقه وحيله فإنه سعى أولا في نقض دولة مخدومه محمد باشا خسرو بتواطئه مع طاهر باشا وخازنداره محمد باشا المحافظ للقلعة ثم الاغراء على طاهر باشا حتى قتل ثم معاونته للأمراء المصريين ودخولهم وتملكهم واظهار المساعدة الكلية لهم ومصادقتهم وخدمتهم ومعاونتهم والرمح في غفلتهم وخصوصا عثمان بك البرديسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 فإنه كان ممخرقا غشوما يحب الترؤس فأظهر له الصداقة والمؤاخاة والمصافاة حتى قضى منهم اغراضه من قتل الدفتردار والكتخدا وعلي باشا الطرابلسي ومحاربة محمد باشا وأخذه اسيرا من دمياط وأخيه السيد علي القبطان برشيد ونسبة جميع هذه الافعال والقبائح إليهم فلما انقضى ذلك كله لم يبق إلا الألفي وجماعته والبرديسي الذي هو خشداشة يحقد عليه ويغار منه ويعلم أنه إذا حضر لا يبقى له معه ذكر وتخمد انفاسه فيتناجيا ويتسارا في أمر المترجم ويتذاكرا تعاظم وكيله وخشداشينة ونقضهم عليه ما يبرمونه مع غياب أستاذهم فكيف بهم إذا حضر ويوهمة المساعدة والمعاضدة ويكون خادما له وعساكره جنده إلى أن حضر المترجم فأوقعا به ما تقدم ذكره ونجا بنفسه واختفى عند عشيبة البدوي بالوادي فلما خلا الجو من الألفي وجماعته فأوقع محمد علي عند ذلك بالبرديسي وعشيرته ما أوقع وظهر بعد ذلك المترجم من اختفائه وذهب إلى ناحية قبلي هو ومملوكه صالح بك واجتمعت عليه أمراؤه واجناده واستفحل أمره واصطلح مع عشيرته والبرديسي على مافي نفوسهما وما زال منجمعا عن مخالطتهم وجرى ما جرى من مجيئهم حوالي مصر وحروبهم مع العساكر في أيام خورشيد أحمد باشا وانفصالهم عنها بدون طائل لتفاشلهم واختلاف آرائهم وفساد تدبيرهم ورجعوا إلى ناحية قبلي ثم عادوا إلى ناحية بحري بعد حروب ووقائع مع حسن باشا ومحمد علي وعساكرهم ثم لما حصلت المفاقمة بينهما وبين خورشيد أحمد باشا وانتصر محمد علي بالسيد عمر مكرم النقيب والمشايخ والقاضي وأهل البلدة والرعايا وهاجت الحروب بين الباشا وأهل البلدة كما هو مذكور كانت الأمراء المصريون بناحية التبين والمترجم منعزل عنهم بناحية الطرانة والسيد عمر يراسله ويعده ويذكر له بأن هذا القيام من اجلك واخراج هذه الاوباش ويعود الأمر إليكم كما كان وأنت المعني بذلك لظننا فيك الخير والصلاح والعدل فيصدق هذا القول ويساعده بإرسال المال ليصرفه في مصالح المقاتلين والمحاربين ومحمد علي يداهن السيد عمر سرا ويتملق إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ويأتيه ويراسله ويأتي إليه في أواخر الليل وفي أواسواطه مترددا عليه في غالب أوقاته حتى تم له الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة والإيمان الكاذبة على سيره بالعدل وإقامة الاحكام والشرائع والاقلاع عن المظالم ولايفعل أمرا إلا بمشورته شورة العلماء وأنه متى خألف الشروط عزلوه واخرجوه وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن فيتورط المخاطب بذلك القول ويظن صحته وأن كل الوقائع زلابية وكل ذلك سرا لم يشعر به خلافهم إلى أن عقد السيد عمر مجلسا عند محمد علي وأحضر المشايخ والأعيان وذكرلهم أن هذا الأمر وهذه الحروب ما دامت على هذه الحالة لا تزداد إلا فشلا ولا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية فانظروا من تجدونه وتختارونه لهذا الأمر ليكون قائم مقام حتى يتعين من طرف الدولة من يتعين فقال الجميع: الرأي ما تراه فاشار إلى محمد علي فأظهر التمنع وقال: أنا لا اصلح لذلك ولست من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة فقالوا: جميعا قد اخترناك لذلك براي الجميع والكافة والعبرة ورضا أهل البلاد وفي الحال أحضروا فروة البسوها له وباركوا له وهنؤه وجهروا يخلع خورشيد أحمد باشا من الولاية وإقامة المذكور في النيابة حتى يأتي المتولي أو يأتي له تقرير بالولاية ونودي في المدينة بعزل الباشا وإقامة محمد علي في النيابة إلى أن كان ما هو مسطور قبل ذلك في محله فلما بلغ المترجم ذلك وكان ببر الجيزة ويراسل السيد عمر مكرم والمشايخ فانقبض خاطره ورجع إلى البحيرة وأراد دمنهور فامتنع عليه أهلها وحاربوه وحاربهم ولم ينل منهم غرضا والسيد عمر يقويهم ويمدهم ويرسل إليهم البارود وغيره من الاحتياجات وظهر للمترجم تلاعب السيد عمر مكرم معه وكأنه كان يقويه على نفسه فقبض على السفير الذي كان بينهما وحبسه وضربه وأراد قتله ثم اطلقه ثم عاد إلى بر الجيزة وسكنت الفتنة واستقر الأمر لمحمد علي باشا وحضر قبطان باشا إلى ساحل أبي قير ووصل سلحداره إلى مصر وانزل أحمد باشا المخلوع عن الولاية من القلعة إلى بولاق ليسافر ومنع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 محمد علي من الذهاب والمجئ إلى المصريين واوقف أشخاصا برا وبحرا يرصدون من يأتي من قبلهم أو يذهب إليهم بشئ من متاع وملبوس وسلاح وغير ذلك ومن عثروا عليه بشئ قبضوا عليه وأخذوا ما معه وعاقبوه فامتنع الباعة والمتسببون وغيرهم من الذهاب إليه بشئ مطلقا فضاق خناق المترجم فاحتال بان أرسل محمد كتخداه يطلب الصلح مع الباشا فانسر لذلك وفرح واعتقد صحة ذلك وانعم على الكتخدا وعبي هدية جليلة لمخدومه من ملابس وفراوي وأسلحة وخيام ونقود وغير ذلك وعندها قضى الكتخدا اشغاله من مطلوبات مخدومه واحتياجاته له ولأتباعة وأمرائه ووسق مراكب وذهب بها جهارا من غير أن يتعرض له أحد وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي وذكروا أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد من الغربية والمنوفية والدقهلية يستغل فائظها ويجعل اقامته بالجيزة ويكون تحت الطاعة فلم يرض الباشا بذلك وقال: إننا صالحنا باقي الأمراء واعطيناهم من حدود جرجا بالشروط التي شرطناها عليهم وهو داخل في ضمنهم فرجع محمد كتخدا له بالجواب بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته ولوازمه من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وتمت حيلته وقضى اغراضه وذهب إلى الفيوم وتحارب جنده مع جند ياسين بك وانخدل فيها ياسين بك ثم عاد شاهين بك الالفي بجند كثير بعد شهور إلى بر الجيزة وخرج محمد علي باشا لمحاربته بنفسه فكانت له الغلبة وقتل في هذه الواقعة على كاشف الذي كان تزوج بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت حسن بك شنن رآه الاخصام منجملا فظنوه الباشا فأحاطوا به وأخذوه اسيرا ثم قتلوه ورجع الباشا إلى بر مصر واجتهد في تشهيل تجريدة أخرى وكل ذلك مع طول المدى. وفي اثناء ذلك مات بشنك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا بناحية قبلي ثم أن المترجم خرج من الفيوم في أوائل المحرم من السنة المذكورة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وكان حسن باشا طاهر بناحية جزيرة الهواء بمن معه من العسكر فكانت بينهما واقعة عظيمة أنهزم فيها حسن باشا إلى الرقق وادركه اخوه عابدين بك فأقام معه بالرفق كما تقدم وحضر الألفي إلى بر الجيزة وانبابة وخرجت إليهم العساكر فكانت بينهم واقعة بسوق الغنم ظهر عليهم فيها أيضا ثم سار مبحرا وعدى من عسكره وجنده جملة إلى السبكية فأخذوا منها ما أخذوه وعادوا إلى أستاذهم بالطرانة ثم أنه انتقل راحلا إلى البحيرة وحرب دمنهور ومحاصرتها وكانوا قد حصنوها غاية التحصين فلم يقدر عليها فعاد إلى ناحية وردان ثم رجع إلى حوش ابن عيسى لأنه بلغه وصول مراكب وبها امين بك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد وأشخاص من الانكليز لأنه كان مع ماهو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والانكليز وأرسل بالخصوص امين بك إلى الانكليز فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا إليه بمطلوبه فعمل لهم بحوش بن عيسى شنكا وارسلهم مع امين بك إلى الأمراء القبليين فلما بلغ محمد علي باشا ذلك راسل الأمراء القبليين وداهنهم وأرسل لهم الهدايا فراجت أموره عليهم مع مافي صدورهم من الغل للمترجم. وفي أثر ذلك حضر قبطان باشا إلى الاسكندرية ووردت السعادة بخبر وروده وأن بعده وأصل موسى باشا واليا على مصر بالعفو عن المصريين وكان من خبر هذه القضية والسبب في حركة القبطان ارساليات الألفي للانكليز ومخاطبة الانكليز الدولة ووزيرها المسمى محمد باشا السلحدار وأصله مملوك السلطان مصطفى ولا يخفى الميل إلى الجنسية فاتفق أنه اختلى بسليمان أغا تابع صالح بك الوكيل الذي كان يوسف باشا الوزير قلده سلحدارا وارسله إلى إسلامبول وسأله عن المصريين هل بقي منهم غير الألفي فقال له: جميع الرؤساء موجودون وعددهم له وهم ومماليكهم يبلغون الفين وزيادة فقال: انى ارى تمليكهم ورجوعهم على شروط نشترطها عليهم أولى من تمادي العداوة بينهم وبين هذا الذي ظهر من العسكر وهو رجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 جاهل متحيل وهم لا يسهل بهم اجلاؤهم عن اوطانهم وأولادهم وسيادتهم التي ورثوها عن اسلافهم فيتمادى الحال والحروب بينهم وبينه واحتياج الفريقين إلى جمع العساكر وكثرة النفقات والعلائف والمصاريف فيجمعونها من أي وجه كان يؤدى ذلك إلى خراب الإقليم فالأولى والمناسب صرف هذا المتغلب واخراجه وتولية خلافه فما رأيك في ذلك فقال له: سليمان لا راى عندي في ذلك وخاف أن يكون كلامه له باطنا خلاف الظاهر وادرك منه ذلك فحلف له عند ذلك الوزير أن كلامه وخطابه له على ظاهره وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة فقال له: سليمان أغا إذا كان كذلك ابعثوا إلى الألفي باحضار كتخداه محمد أغا لأنه رجل يصلح للمخاطبة لمثل ذلك ففعل وحضر المذكور في اقرب وقت وتمموا الأمر على مصلحة ألف وخمسمائة كيس كفلها محمد كتخدا المذكور يدفعها لقبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا المذكور وكفالته أيضا لمحمد كتخدا بعد اتمام الشروط التي قررها له مخدومه ومن جملتها اطلاق بيع المماليك وشرائهم وجلب الجلابين لهم إلى مصر كعادتهم فانهم كانوا منعوا ذلك من نحو ثلاث سنوات وغير ذلك وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخدا بصحبته قبودان باشا حتى طلعوا على ثغر سكندرية فركب صحبة سلحدار القبودان فتلاقوا مع المترجم بالبحيرة واعلموه بما حصل فامتلأ فرحا وسرورا وقال لسليمان أغا: اذهب إلى اخواننا بقبلي واعرض عليهم الأمر ولا يخفى اننا الآن ثلاثة فرق كبيرنا إبراهيم بك وجماعته والمرادية وكبيرهم هناك عثمان بك البرديسي وأنا واتباعي فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس فإذا استلمت منهم الألف كيس ورجعت إلى سلتك الخمسمائة كيس فركب المذكور وذهب إليهم واجتمع بهم وأخبرهم بصورة الواقع وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسي: حيث أن الألفي بلغ من قدره أنه يخاطب الدول والقرانات ويراسلهم ويتمم اغراضه منهم ويولي الوزراء ويعزلهم بمراده ويتعين قبودان باشا في حاجته فهو يقوم بدفع المبلغ بتمامه لأنه صار الآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 هو الكبير ونحن الجميع اتباع له وطوائف خلفه بما فيه والدنا وكبيرنا إبراهيم بك وعثمان بك حسن وخلافه فقال سليمان أغا: هو على كل حال واحد منكم واخوكم ثم أنه اختلى مع إبراهيم بك الكبير وتكلم معه فقال إبراهيم لك أنا ارضى بدخولي اي بيت كان واعيش ما بقي من عمري مع عيالي وأولادي تحت إمارة أي من كان من عشيرتنا أولى من هذا الشتات الذي نحن فيه ولكن كيف افعل في الرفيق المخألف وهذا الذي حصل لنا كله بسوء تدبيره ونحسه وعشت أنا ومراد بك المدة الطويلة بعد موت أستاذنا وأنا اتغاضى عن افعاله وافعال اتباعه واسامحهم فى زلاتهم كل ذلك حذرا وخوفا من وقوع الشر والقتل والعداوة إلى أن مات وخلف هؤلاء الجماعة المجانين وترأس البرديسي عليهم مع غياب أخيه الألفي وداخله الغرور وركن إلى ابناء جنسه وصادفهم واغتر بهم وقطع رحمه وفعل بالألفي الذي هو خشداشه واخوه ما فعل ولا يستمع لنصح ناصح أولا وآخرا وما زال سليمان أغا يتفاوض معهم في ذلك أياما إلى أن اتفق مع إبراهيم بك على دفع نصف المصلحة ويقوم المترجم بالنصف الثاني فقال: سلموني القدر اذهب به وأخبره بما حصل فقالوا: حتى ترجع إليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يقبضه ثم يطالبنا بغيره فلما رجع إليه وأخبره بما دار بينهم قال: أما قولهم إني اكون أمير عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح انى اتعاظم على مثل والدي إبراهيم بك وعثمان بك حسن ولا على من هو في طبقتي من خشداشيني على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص مقدارهم بان يكون المتامر عليهم واحد منهم ومن جنسهم ولك أمر لم يخطر لي ببال وارضى بأدنى من ذلك ويأخذوا علي عهدا بما اشترطه على نفسي اننا إذا عدنا إلى اوطاننا أن لا أداخلهم في شىء ولا اقارشهم في أمر وأن يكون كبيرنا والدنا إبراهيم بك على عادته ويسمحوا لي بإقامتي بالجيزة ولا اعارضهم في شىء واقنع بإيرادي الذي كان بيدي سابقا فانه يكفيني وأن اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسي بك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي واعدامي أنا واتباعي فبعض ما نحن فيه الآن إنساني ذلك كله فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي وإنما هو مملوكي اشتريته بالدراهم واشتري غيره ومملوكي مملوكهم وقد قتل لي عدة أمراء ومماليك في الحروب فافرضه من جملتهم ولا يصيبني ويصيبهم إلا ما قدر الله علينا وعلى أن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم بل كنا جميعا اخوانا وتذكروا اشارتي عليهم السابقة في الالتجاء إلى الانكليز وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع لهم ورجعوا الي ثم اجمع رأيهم على سفري إلى بلاد الانكليز فامتثلت ذلك وتجشمت المشاق وخاطرت بنفسي وسافرت اللا بلاد الانكلترة وقاسيت اهوال البحار سنة واشهرا كل ذلك لأجل راحتي وراحتهم وحصل ما حصل في غيابي ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير اساس واطمأنوا إلى عدوهم وتعاونوا به على هلاك صديقهم وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم وأحاط بهم واخرجهم من البلدة واهانهم وشردهم واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج فراجت حيلته عليهم أيضا وارسلت إليهم فنصحتهم فاستغشوني وخالفوني ودخل الكثير منهم البلد وانحصروا في ازقتها وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والأمر الفظيع ولم ينج إلا من تخلف منهم أو ذهب من غير الطريق ثم أنه الآن أيضا يرسلهم ويدهنهم ويهاديهم ويصالحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم وما اظن أن الغفلة استحكمت فيهم إلى هذا الحد فارجع إليهم وذكرهم بما سبق لهم من الوقائع فلعلهم ينتبهون من سكراتهم ويرسلون معك الثلثين أو النصف الذي سمح به والدنا إبراهيم بك وهذا القدر ليس فيه كبير مشقة فانهم إذا وزعوا على كل أمير عشرة أكياس وعلى كل كاشف خمسة أكياس وكل جندي أو مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة وأنا افعل مثل ذلك مع قومي والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا وما نحن فيه الآن من مز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 أهم المصالح وقل لهم البذار قبل فوات الفرصة والخصم ليس بغافل ولا مهمل والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا ورجع إلى قبلي فوجد الجماعة اصروا على عدم دفع شىء ورجع إبراهيم بك أيضا إلى قولهم ورأيهم ولما ألقي لهم سليمان أغا العبارات التي قالها صاحبهم وأنه يكون تحت امرهم ونهيهم ويرضى بأدنى المعاش معهم ويسكن الجيزة إلى آخر ما قال قالوا: هذا والله كله كلام لا أصل له ولا ينسى ثاره وما فعلناه في حقه وحق اتباعه ولو انعزل عنا وسكن قلعة الجبل فهو الألفي الذي شاع ذكره في الآفاق ولا تخاطب الدولة غيره وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم وداخلهم الحقد زاد وفي وساوسهم الشيطان فقال لهم سليمان أغا: اقضوا شغلكم في هذا الحين حتى تنجلي عنكم الاعداء الاغراب ثم اقتلوه بعد ذلك وتستريحوا منه فقالوا: هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد ويخرجنا إلى البلاد ثم يرسل يقتلنا وهو بعيد المكر فلانا من إليه مطلقا وغرهم الخصم بتمويهاته وأرسل إليهم هدايا وخيولا وسروجا واقمشة هذا ورسل القبودان تذهب وتأتي بالمخاطبات والعرضحالات حتى تمموا الأمر كما تقدم. وفي اثناء ذلك ينتظر القبودان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم والمترجم يشاغل القبودان بالهدايا والاغنام والذخيرة من الأرز والغلال والسمن والعسل وغير ذلك إلى أن رجع إليه سليمان أغا بخفي حنين محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة مكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة وكيف يكون جوابه للمذكور والقبودان جعل في الابره خيطين ليتبع الاروج فلما وصل إليه سليمان أغا وأخبره أن الجماعة القبليين لا راحة عندهم وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وأن المترجم يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم بدفعه فاغتاظ القبودان وقال: أنت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة وقد تحركت هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد وإذا حصل من المالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 للبلدة عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره حتى أنهم متنافرون ومتحاسدون ومبغضون فلا خير فيهم وصاحبك هذا لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج إلى كثير. ولما ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبودان خاف على نفسه أن يبطش به وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم لأنه قال له: وأين سلحداري قال: هو عند الألفي بالبحيرة فقال: اذهب فأتني به وأحضر صحبته وكان موسى باشا المتولي قد حضر أيضا فما صدق سليمان أغا بقوله ذلك وخلاصه من بين يديه فركب في الوقت وخرج من الاسكندرية فما هو إلا أن بعد عنها مقدار غلوة إلا والسلحدار قادم إلى الاسكندرية فسأله إلى اين يذهب فقال: إن مخدومك ارسلني في شغل وها أنا راجع إليكم وذهب عند المترجم ولم يرجع. وفي اثناء هذه الأيام كان المترجم يحارب دمنهور وبعث إليه محمد علي باشا التجريدة العظيمة التي بذل فيها جهده وفيها جميع عساكر الدلاة وهاهر باشا ومن معه من عساكر الأرنؤد والأتراك وعسكر المحاربه فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى القوا بأنفسهم في البحر ورجعوا في اسوأ حال فلو تجاسر المترجم وتبعهم لهرب الباقون من البلدة وخرجوا جميعا على وجوههم من شدة ما داخلهم من الرعب ولكن لم يرد الله ذلك ولم يجسروا للخروج عليه بعد ذلك. ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته واتلفوا الطبخة وسافر القبودان وموسى باشا من ثغر الاسكندرية على الصورة المذكورةاستانف المترجم أمرا آخر وراسل الانكليز يلتمس منهم المساعدة وأن يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على محاربة الخصم كما التمس منهم في العام الماضي فاعتذروا له بانهم صلح مع العثماني وليس في قانون الممالك إذا كانوا صلحا أن يتعدوا على المتصادقين معهم ولا يوجهون نحوها عساكر إلا بأذن منهم أو بإلتماس المساعدة في أمر مهم فغاية ما يكون المكالمة والرتجي ففعلوا وحصل ما تقدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 ذكره ولم يتم الأمر فلما خاطبهم بعد الذي جرى صادف ذلك وقوع الغرة بينهم وبين العثماني فأرسلوا إلى المترجم يعدون بانفاذ ستة ألاف لمساعدته فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة شهور وكان ذلك أوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات فضاقت على جيوشهم الناحية وقد طال انتظاره للانكليز فتشكى العربان المجتمعون عليه وغيرهم لشدة ما هم فيه من الجهد وفي كل حين يعدهم بالفرج ويقول لهم: أصبروا ولم يبق إلا القليل فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا إليه فقالوا له: أما أن تنتقل معنا إلى ناحية قبلي فان أرض الله واسعة وأما أن تاذن لنا في الرحيل في طلب القوت فما وسعه إلا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر في بلوغ المآرب الأول مجىء القبودان وموسى باشا على هذه الهيئة والصورة ورجوعهما على غير طائل الثاني عدم ملكة دمنهور وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة الثالث تأخر مجىء النجدة حتى قحطوا واضطروا إلى الرحيل والرابع وهو اعظمها مجانبة اخوانه وعشيرته وخذلانهم له وامتناعهم عن الإنضمام إليه فارتحل من البحيرة بجيوشه ومن يصحبه من العربان حتى وصل إلى الاخصاص فنادى محمد علي باشا على العساكر بالخروج ولا يتأخر منهم واحد فخرجوا أفواجا ليلا ونهارا حتى وصلوا إلى ساحل بولاق وعدوا إلى بر انبابه وجيشوا بظاهرها وقد وصل المترجم إلى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة وانتشرت جيوشه بالبر الغربي ناحية انبابة والجيزة وركب الباشا وأصناف العساكر ووقفوا على ظهر خيولهم واصطفت الرجالة ببنادقهم واسلحتهم ومر المترجم في هيئة عظيمة هائلة وجيوش تسد الفضاء وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول وصحبته قبائل العرب من أولاد على والهنادي وعربان الشرق في كبكة زائدة والباشا والعسكر وقوف ينظرون إليهم من بعيد وهو يتعجب ويقول: هذا طهماز الزمان وإلا ايش يكون ثم يقول للدلاة والخيالة: تقدموا وحاربوا وأنا اعطيكم كذا وكذا من المال ويذكر لهم مقادير عظيمة ويرغبهم فلم يتجاسروا على الاقدام وصاروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل إلى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر إلى جهة مصر وقال: يا مصر انظري أولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون أولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وأمثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال: قضى الأمر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم أنه أحضر امراءه وأمر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وأن يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وأن يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم أنه إذا مات يحملونه إلى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه إلى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر إلى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي أتاه بالبشارة أربعة أيام وذلك لأن اتباعه كانوا كتموا أمر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم وأحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وأمره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه أهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر إلى بلاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 الانكليز لم يعلم بسفره أحد ولم يظهر سفره إلا بعد مضي اشهر فلذلك أمر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فانه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم أرسل يطلب أمانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ماتقدم وكان محمد علي باشا يقول: ما دام هذا الألفي موجودا لا يهنأ لي عيش ومثالي أنا وهو مثال بهلوانين بلعبان! على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك: الآن طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا. وكان المترجم اميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الأمور صحيح الفراسة إذا نظر في سحنة إنسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر إليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي إليه أو ينسب إلى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لا يساومهم ولا يفاصلهم في أثمانها بل يكتبون الأثمان بأنفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم ويأخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك أو المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة إلا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة احبابه والمنتسبين إليه بإرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى إليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع أنه إذا حصل من أحد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه. ومن عجيب أمره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لا يخالفونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكإنما هو مربي فيهم أو ابن خليفتهم أو صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع أنه يصادرهم في أموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لا ينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها إلى أهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته أرباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه أدوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله أنه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة إلى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر ويأخذ منهم الأموال والخيول والاباعر والاغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم أنه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر وأحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب إلى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه واخفاه وكتم أمره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الأموال والرغائب لمن يدل عليه أو يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون أنه يسخرهم أو معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على أحد بعده وذهبوا إلى أماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الأمان وأما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا إلى الأمراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم إلى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا واوقع بهم ما سيتلى عليك بعد إن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الأربعين يوما وصلت نجدة الانكليز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 إلى ثغر الاسكندرية وطلعوا إليه فبلغهم عند ذلك موت المذكور فلم يسهل بهم الرجوع فأرسلوا رسلهم إلى الجماعة المصريين ظانين أن فيهم أثر الهمة والنخوة يطلبونهم للحضور ويساعدهم الانكليز على ردهم لمملكتهم واوطانهم وكان محمد علي باشا حين ذاك بناحية قبلي يحاربهم فطلبهم للصلح معه وأرسل إليهم بعض فقهاء الأزهر وخادعهم وثبطهم فقعدوا عن الحركة وجرى ما جرى على طائفة الانكليز كما سيتلى عليك خبره ثم عليهم بعد ذلك وكان أمر الله مفعولا. وكان للمترجم ولوع ورغبة في مطالعة الكتب خصوصا العلوم الغريبة مثل الجفريات والجغرافيا والاسطر نوميا والاحكام النجومية والمناظرات الفلكية وما تدل عليه من الحوادث الكونية ويعرف أيضا مواضع المنازل واسماءها وطبائعها والخمسة المتحيرة وحركات الثوابت ومواقعها كل ذلك بالنظر والمشاهدة والتلقي على طريقة العرب من غير مطالعة في كتب ولا حضور درس وإذا طالع أحد بحضرته في كتاب أو اسمعه ناضلة مناضلة متضلع وناقشه مناقشة متطلع وله أيضا معرفة بالأشكال الرملية واستخراجات الضمائر بالقواعد الحرفية وكان له في ذلك اصابات ومنها ما أخبرني به بعض اتباعه أنه لما وصل إلى ثغر سكندرية راجعا من بلاد الانكليز رسم شكلا وتامل فيه وقطب وجهه ثم قال: إني ارى حادثا في طريقنا وربما إني افترق منكم واغيب عنكم نحو أربعين يوما فلذلك احب أن يخفي أمره ويأتي على حين غفلة وكان البرديسي قد أقام بالثغر رقيبا يوصل خبر وروده فلما وصل أرسل ذلك الرقيب ساعيا في الحال وكان ما ذكرناه في سياق التاريخ من غدرهم وقتلهم حسين بك أبو شاش بالبر الغربي وهروب بشتك بك من القصر وإرسال العسكر لملاقاة المترجم على حين غفلة ليقتلوه وهروبه واختفاؤه ثم ظهوره واجتماعهم عليه بعد انقضاء تلك المدة أو قريب منها وكان رحمه الله إذا سمع بإنسان فيه معرفة بمثل هذه الأشياء أحضره ومارسه فيها فإن رأى فيه فائدة أو مزية اكرمه وواساه وصاحبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وقربه إليه وادناه وكان له مع جلسائه مباسطة مع الحشمة والترفع عن الهذيان والمجون وكان غالب اقامته بقصوره التي عمرها خارج مصر وهو القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس بشاطئ النيل والقصر الآخر الكائن بالقرب من زاوية الدمرداش والقصر الذي بجانب قنطرة المغربي على الخليج الناصري وكان إذا خرج من داره لبعض تلك القصور لا يمر من وسط المدينة وإذا رجع كذلك فسئل عن سبب ذلك فقال: استحي أن أمر من وسط الأسواق وأهل الحوانيت والمارة ينظرون الي وافرجهم على نفسي. وللمترجم أخبار وسير ووقائع لو سطرت لكانت سيرة مستقلة خصوصا وقائعه وسياحته ثلاث سنوات وثلاثة اشهر أيام أقام الفرنساوية بالقطر المصري ورحلته بعد ذلك إلى بلاد الانكليز وغيابه بها سنة وشهورا وقد تهذبت اخلاقه بما اطلع عليه من عمارة بلادهم وحسن سياسة احكامهم وكثرة أموالهم ورفاهيتهم وصنائعهم وعدلهم في رعيتهم مع كفرهم بحيث لا يوجد فيهم فقير ولا مسجد ولا ذو فاقة ولا محتاج وقد اهدوا له هدايا وجواهر وآلات فلكية وأشكال هندسية واسطرلابات وكرات ونظارات وفيها ما إذا نظر الإنسان فيها في الظلمة يرى أعيان الأشكال كما يراها في النور ومنها لخصوص النظر في الكواكب فيرى بها الإنسان الكوكب الصغير عظيم الجرم وحوله عدة كواكب لا تدرك بالبصر الحديد ومن أنواع الأسلحة الحربية أشياء كثيرة واهدوا له آلة موسيقى تشبه الصندوق بداخله أشكال تدور بحركات فيظهر منها اصوات مطربة على ايقاع الانغام وضروب الالحان وبها نشانات وعلامات لتبديل الانغام بحسب ما يشتهى السامع إلى غير ذلك نهب ذلك جميعه العسكر الذين ارسلهم إليه البرديسي ليقتلوه وطفقوا يبيعونه في أسواق البلدة واغلبه تكسر وتلف وتبدد. واخبرني بعض من خرج لملاقاته عند منوف العليا أنه لما طلع إليها وقابله سليمان بك البواب اخلى له الحمام في تلك الليلة وكان قد بلغه كافة افعاله بالمنوفية من العسف والتكاليف وكذا باقي اخوانه وافعالهم بالاقاليم فكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل: الإنسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما إذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى إذا ذبحها لا يجد بها لحما ولا دهنا فقال: هذا ما اعتدناه وربينا عليه فقال: إن اعطاني الله سيادة مصر والإمارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح أهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الإقليم المصري ليس له بخت ولا سعد وأهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام إلا بقية الليل وساعات من النهار حتى أحاطوا به وفر هاربا ونجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله إلى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل. واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال: يا فلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لا تهون علي وقد صرت الآن واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا أنفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم وأراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وإمارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون إني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي وأكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 الجموع منها فيضطرني الحال إلى التعدي على عباد الله وأخذ أموالهم واكل مزارعهم ومواشيهم فان قدر الله لي بالظفر عوضت عليهم ذلك ورفقت بحالهم وأن كانت الأخرى فالله يلطف بنا وبهم ولا بد أن يترجموا علينا ويسترضوا عن ظلمنا وجورنا بالنسبة لما يحل بهم بعدنا. وبالجملة فكان آخر من ادركنا من الأمراء المصريين شهامة وصرامة ونظرا في عواقب الأمور وكان وحيدا في نفسه فريدا في ابناء جنسه وبموته اضمحلت دولتهم وتفرقت جمعيتهم وانكسرت شوكتهم وزادت نفرتهم وما زالوا في نقص وادبار وذلة وهوان وصغار ولم تقم لهم بعده راية وانفرضوا وطردوا إلى اقصى البلاد في النهاية. وأما مماليكه وصناجقه فإنهم تركوا نصيحته ونسوا وصيته وانضموا إلى عدوهم وصادقوه ولم يزل بهم حتى قتلهم وابادهم عن آخرهم كما سيتلى عليك خبر ذلك فيما بعد. وكانت صفة المترجم معتدل القامة أبيض اللون مشربا بحمرة جميل الصورة مدور اللحية اشقر الشعر وقد خطه الشيب مليح العينين مقرون الحاجبين معجبا بنفسه مترفها في زيه وملبسه كثير الفكر كتوما لا يبيح بسر ولا لاعز احبابه إلا أنه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر وخاب امله وانقضى اجله وخانه الزمان وذهب في خبر كان ومات وله من العمر نحو الخمسة والخمسين سنة غفر الله له. ومات الأمير عثمان بك البرديسي المرادى وسمى البرديسي لأنه تولى كشوفيه برديس بقبلي فعرف بذلك واشتهر به تقلد الامرية والصنجقية في سنة عشر ومائتين وألف وتزوج ببنت أحمد كتخدا علي وهي اخت علي كاشف الشرقية وعمل لها مهما وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية وسكن بدار علي كتخدا الطويل بالازبكية واشتهر ذكره وصار معدودا من جملة الأمراء ولما قتل عثمان بك البرديسي المرادي بساحل أبو قير ورجع من رجع إلى قبلي كان الألفي إلى بلاد الانكليز تعين المترجم بالرياسة على خشدشنية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 مع مشاركة بشنك بك الذي عرف بالالفي الصغير فلما حضروا إلى مصر سنة ثمان عشرة بعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا انضم إليه محمد علي باشا وكان إذ ذاك سرششمة العساكر وتواخى معه وصادقه ورمح في ميدان غفلته وتحالفا وتعاهدا على المحبة والمصافاة وعدم خيانة احدهما للآخر وأن يكون محمد علي باشا وعساكره الاروام اتباعا له وهو الأمير المتبوع فانتفخ جأشه لأنه كان طائش العقل مقتبل الشبيبة فاغتر بظاهر محمد علي باشا لأنه حين عمل شغله في مخدومه محمد باشا وبعده طاهر باشا دعا الأمراء المصريين وادخلهم إلى مصر وانتسب إلى إبراهيم بك الكبير لكونه رئيس القوم وكبيرهم وعين لإبراهيم بك خرجا وعلوفة مثل اتباعه وسبره واختبره فلم ترج سلعته عليه ووجده حريصا على دوام التراحم والالفة والمحبة وعدم التفاشل في عشيرته وابناء جنسه متحرزا من وقوع ما يوجب التقاطع والتنافر في قبيلته فلما ايس منه مال عنه وانضم إلى المترجم واستخفه واحتوى على عقله وصاحبه وصادقه وصار يختلي معه ويتعاقر معه الشراب ويسامره ويسايره حتى باح له بما في ضميره من الحقد لاخوانه وتطلب الانفراد بالرياسة فصار يقوى عزمه ويزيد في اغرائه ويعده بالمعاونة والمساعدة على اتمام قصده ولم يزل به حتى رسخ في ذهن المترجم نصحه وصدقه كل ذلك توصلا لما هو كامن في نفسه من أهلاك الجميع ثم اشار عليه ببناء ابراج حول داره التي سكن بها بالناصرية فلما اتمها اسكن بها طائفة من عساكره كأنهم محافظون لما عساه أن يكون ثم سار معه إلى حرب محمد باشا خسروا بدمياط فحاربوه واتوا به اسيرا وحبسوه ثم فعلوا بالسيد علي القبطان مثل ذلك ثم كائنة علي باشا الطرابلسي وقتله وقدم تقدم خبر ذلك كله وجميعه ينسب فعله للمصريين ولم يبق الايقاع بينهم فكان وصول الألفي عقب ذلك فاوقعوا به وبجنده ما تقدم ذكره وتفاشلوا وتفرقوا بعد جمعهم وقلوا بعد الكثرة ثم اشار على المترجم المصادق الناصح بتفريق أكثر الجمع الباقي في النواحي والجهات البعض منهم لرصد الألفي والقبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 عليه وعلى جنده والبعض الاخر لظلم الفلاحين في البلاد ولم يبق بالمدينة غير المترجم وإبراهيم بك الكبير وبعض أمراء فعند ذلك سلط محمد علي العساكر بطلب علائفهم المنكسرة فعجزوا عنها فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلدة فرضة بعد أن استشار الاخ النصوح وطافت الكتاب في الحارات والازقة يكتبون أسماء الناس ودورهم ففزعوا وصرخوا في وجوه العسكر فقالوا: نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك وعلائفنا عند أمرائكم ونحن مساعدون لكم فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهم الدفوف يغنون ويقولون ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصاروا يسخطون على المصريين ويترضون عن العسكر وفي الحال أحاطت العسكر ببيوت الأمراء ولم يشعر البرديسي إلا والعسكر الذين اقامهم بالابراج التي بناها حوله ليكونوا له عزا ومنعة يضربون عليه ويحاربونه ويريدون قتله وتسلقوا عليه فلم يسع الجميع إلا الهروب والفرار وخرجوا خروج الضب من الوجار وذهب المترجم إلى الصعيد مذؤما مدحورا مذموما مطرودا وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه ويقص اجنحته برجليه وكالباحث عن حتفه بظلفه والجادع بظفره مارن انفه ولم يزل في هجاج وحروب كما سطر في السياق ولم ينتصر في معركة ولم يزل مصرا على معاداة أخيه الألفي وحاقدا عليه وعلى اتباعه حريصا على زلاته واعظمها قضية القبوداة وموسى باشا إلى غير ذلك وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير وقد اوجده الله جل جلاله وجعله سببا لزوال عزهم ودولتهم واختلال امرهم وخراب دورهم وهتك اعراضهم ومذاتهم وتشتيت جمعهم ولم يزل خبثه مرض ومات بمنفلوط ودفن هناك. ومات الأمير بشتك بك وهو الملقب الألفي الصغير وهو مملوك محمد بك الألفي الكبير أمره وجعله وكيلا عنه مدة غيابه في بلاد الانكليز وكان قبل ذلك سلحداره وأمر كشافه ومماليكه وجنده بطاعته وامتثال أمره فلما حضر الأمراء المصريون في سنة ثمان عشرة أقام هو بقصر مراد بك بالجيزة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 فلم يحسن السياسة وداخله الغرور واعجب بنفسه وشمخ على نظرائه وعلى اعمامه الذين هم خشداشون لأستاذه بل وعلى ابرهيم بك الكبير الذي هو بمنزلة جده وكان مراد بك الذي هو أستاذ أستاذه يراعي حقه ويتأدب معه ويقبل يده في مثل الاعياد ويقول: هو اميرنا وكبيرنا وكذلك أستاذ المترجم كان إذا دخل على ابرهيم بك قبل يده ولا يجلس بحضرته إلا بعد أن يإذن له فلم يقتف المترجم في ذلك اسلافه بل سلك مسلك التعاظم والتكبر على الجميع واستعمل العسف في أموره مع الترفع على الجميع وإذا عقدوا أمرا بدونه حله أو حلوا شيئا بدونه عقده فضاق لذلك خناق الجميع منه وكرهوه وكرهوا أستاذه وكان هو من جملة أسباب نفورهم من أستاذه وانحراف قلوبهم عنه فلما رجع أستاذه وظهر من اختفائه وبلغه افعاله مقته وابعده ولم يزل ممقوتا عنده حتى مات مبطونا في حياة أستاذه بناحية قبلي في تلك السنة. ومات غير هؤلاء ممن له ذكر مثل سليمان بك المعروف بابو دياب بناحية قبلي أيضا ومات أيضا أحمد بك المعروف بالهنداوي الألفي في واقعة النجيلة ومات أيضا صالح بك الألفي وهو أيضا من تأمر في غياب أستاذه من بلاد الانكليز كان هو متوليا كشوفية الشرقية وغائبا هناك فأرسلوا له تجريدة ليقتلوه وكان بناحية شلشلمون فوصله الخبر فترك خيامه واحماله وانقاله وهرب واختفى فلما وقعت حادثة الأمراء مع العسكر وخرجوا من مصر هاربين وظهر الألفي من الوادي ذهب إليه وامده بما معه من الأموال وذهب مع أستاذه إلى قبلي ولم يزل حتى مات أيضا في هذه السنة وغير أولئك كثير لم تحضرني اسماؤهم ولا وفاتهم. ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين والف. وكان ابتداء المحرم يوم الأربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع إلى بولاق. وفيه وردت مكاتبات من جهة القبلية فيها أنهم كبسوا على عرضي الالفية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي وأصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك وضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الأوقات الخمسة ثلاثة أيام آخرها الجمعة ثم أنه مضى عدة أيام ولم تحضر الرؤوس التي أخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك. وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والأعيان وذكروا أنه لما وردت الأوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان أغا ومعه طائفة من العسكر وأرسل إلى أهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم أن كانوا يحتاجون إلى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين ارسلهم فاجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاحون إلى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فانهم إذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والافساد فعملوا هذه الجمعية لاثبات هذا القول والخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب إليه التفريط. وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعادة من ثغر سكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الأخبار بورود مراكب الانكليز وعدتها اثنان وأربعون مركبا فيها عشرون قطعة كبارا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع إلى الثغر فقالوا: لهم لانمكنكم من الطلوع إلا بمرسوم سلطاني فقالوا: لم يكن معنا مراسيم وإنما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالابراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا: لهم لم يكن معنا اذن وقد اتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا: لا بد من ذلك فأما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم وأما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب باحد الامرين أربعة وعشرون ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 إلى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي أعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم اجمع رأيهم على إرسال الخبر بذلك إلى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو أولى واحق بالاهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا إلى منازلهم بعد حصة من الليل وأرسلوا تلك المكاتبة إليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الابعة وعشرون ساعة التي جعلها الانكليز أجلا بينهم وبين أهل الاسكندرية وهم في الممانعةضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة من البحر فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الابراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الأمان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي. وفي ليلة الإثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الاجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا إلى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الامر. وفيه حضر قنصل الفرنساوية إلى مصر وكان بالاسكندرية فلما وردت مراكب الانكليز انتقل إلى رشيد فلما بلغه طلوعهم إلى البر حضر إلى مصر وذكر أنه يريد السفر إلى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر. وفي ليلة الخميس سادس عشره وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها أنه تحارب مع المصريين وظهر عليهم وأخذ منهم اسيوط وقبض على انفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة اخرها يوم السبت واشاعوا أيضا أن الاسكندرية ممتنعة على الانكليز وانهم طلعوا إلى رأس التين والعجمي فخرج عليهم أهل البلاد والعساكر وحاربوهم واجلوهم عن البر ونزلوا إلى المراكب مهزومين واحرقوا منهم مركبين وأنه وصل إليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وأحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم إلا القليل واستمر الأمر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة أيام ولم يأت من الاسكندرية سعاة ولا خبر صحيح. وفيه وصل الكثير من أهالي الفيوم ودخلوا إلى مصر وهم في اسوأ حال من الشتات والعرى مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن اوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور إلى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الانكليز إلى ثغر اسكندرية. وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور إلى ناحية دهشور وأرسل مكاتبه خطابا للسيد عمر والقاضي وسعيد أغا يذكر فيها أنه لما بلغه وصول الانكليز أخذته الحمية الإسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة أو بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له اجوبة مضمونها أن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه إلى الاسكندرية وإذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية فانه لافائدة باقامته بالجيزة أو قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب إلى ناحية الحلي قبل ذلك بايام ويرجع إلى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره واوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين وأهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بانه مسافر إلى الجهة البحيرة لمحاربة الانكليز فلما ورد خبر مجئ ياسين بك تاخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدي إلى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الإثنين عشرينه وأقام بها واعرض عن السفر إلى جهة البحيرة. وفيه وردت الأخبار الصحيحة بأخذ الاسكندرية واستيلاء الانكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الابراج يوم الأحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالي البلد شروط منها أنهم لا يسكنون البيوت قهرا عن أصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولا يمتهنون المساجد ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية واعطوا امين أغا الحاكم أمانا على نفسه وعلى من معه من العسكر واذنوا لهم بالذهاب إلى أي محمل أرادوه ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصيبة حالا والنصف الثاني مؤجلا ومن أراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم إلى أي جهة أراد ما عدا إسلامبول وأما العرب غير واضحه وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لاحرج ذهابا وايابا ومن شروطهم التي شرطوها مع أهل البلد أنهم أن احتاجوا إلى فومانية أو مال ريكلفون أهل الاسكندرية بشئ من ذلك وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائها ولا يكلفون أهل الإسلام بقيام دعواى عند الانكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الانكليز الموجودين في الاسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر أهل الاسكندرية ولم يحصل لهم شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الانكليز ومن انضم إليهم وعدتهم على ماقيل ستة آلاف لم تأت إلى الثغر طمعا في أخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونة للالفي على اخصامه باستدعائه لهم واستنجاده بهم قبل تاريخه وبسبب تأخرهم في المجئ لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير ادنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت العرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وأرسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلا وقضى الله موتا بإقليم الجيزة وحضر الانكليز بعد ذلك إلى الاسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 لهم: إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وأنتم جميع فلا يكون عندكم تأخير في الحضو لقضاء شغلكم فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك أن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الانكليز تفرق رايهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم وهو يدعي الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا إليه يستدعونه فقال: أنا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والآن اختم عملي والتجئ إلى الافرنج وانتصر بهم على المسلمين أنا لا افعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية اسيوط وهم المرادية والابراهيمية والالفي والتقي معهم وانكسروا منه وقتل منهم أشخاصا فلما ورد عليه خبر الانكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وأرسل إليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبا وما كان إلا ما أراده المولى جل جلاله ومن تعسه الانكليز والقطر وأهله إلا أن يشاء الله. وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا بطلب مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم إلى الأمراء القبالى فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الانكليز ثم ورد منه مكتوب آخر يذكر فيه عزمه على الرجوع إلى مصر قريبا فان العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الانكليز. وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من أهالي دمنهور خطابا إلى السيد عمر النقيب مضمونه أنه لما دخلت المراكب الانكليزية إلى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا إلى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم أكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 ولم تروا منا خلافا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من اعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الانكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم واخرج الكاشف اثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب إلى فوة من ليلته ثم أرسل في ثاني يوم من أخذ الاثقال فهذا ما حصل أخبرناكم به وأما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الانكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما امكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل إلى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في أثره وإسمعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وابقارا وغير ذلك ومن جملة افاعيلهم أنهم يوزعون الاغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفاها وكلفها ثم يطلبون أثمانها مضاعفة بما يضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وأمثال ذلك. وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الانكليز وصلت إلى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا إلى البلد وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالازقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فالقوا ما بايديهم من الأسلحة طولبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة واسروا الباقين وفر طائفة إلى ناحية منهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمان خاطره ورجع إلى ناحية ديبي ومحلة الأمير وطلع بمن معه إلى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم وأخذ مابقي منهم أسرى وأرسلوا السعاة إلى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين واسرعت المبشرون من اتباع العثمانيين وهم القواسة الاتراك بالسعي إلى بيوت الأعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الأحد سادس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 عشرينه اشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم إلى ساحل بولاق وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم إلى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسرفين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وانتنت رائحتها وعدتها أربعة عشر رأسا والاحياء خمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم إلى بركة الازبكية وضربوا عند وصولهم شنكا ومدافع وطلعوا بالاحياءمع فسيالهم إلى القلعة. وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وامرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الانكليز حتى مجاورى الأزهر وامرهم بترك حضور الدروس وكذلك أمر المشايخ المدرسين بترك القاء الدروس. وفيه وصل عابدين بك وعمر بك وأحمد أغا لاظ اوغلي من ناحية قبلي واشيع وصول الباشا بعد يومين. وفي يوم الإثنين وصل أيضا جملة من الرؤوس والأسرى إلى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون راسا وثلاثة عشر اسيرا وفيهم جرحى ومات احدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار. وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك والسيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الانكلير والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم اعداء الدين والملة وقد صاروا أيضا اخصاما للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب أيضا أن يكون الناس والعسكر على حال الالفة والشفقة والاتحاد وأن يساعدوا بعضهم بعضا على دفع العدو ثم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم: إن الانكليز لا يأتون إلا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وأن الفرنساوية كانوا اعلم بامر الحروب وانهم لم يحفروا إلا الخندق المتصل من الباب الحديد إلى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم واتقانهم إذ لا يمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك. وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه امضاء علي بك حاكم رشيد وأحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الانكليز لما حضروا إلى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والاسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة القصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والأسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة وإلا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد أخبرناكم وعرفناكم بذلك فأرسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات إلى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك أرسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر. وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاضي والأعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا إلى ناحية بولاق لترتيب أمر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي اشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والاتباع والكل بالأسلحة. وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لاجراء الصلح بين الباشا والأمراء القبالى وذهبوا إلى دورهم وكان من خبرهم أنهم لما وصلوا إلى الباشا بناحية ملوى أستاذنوه في الذهاب فيما اتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب إلى اسيوط واودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الأمراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الأمراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الاغا ورجع الأمراء القبالى إلى ناحية بحرى فعند ذلك حضر المشايخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وكتب مكاتبات إلى الأمراء وارسلها صحبة المشايخ المذكورين إلى الأمراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما اتوا بسببه من أمر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا: كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لأكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من إرسال الأموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم أنهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى إلى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضا بناحية الهو والكوم الأحمر. وفي اثناء ذلك ورد علي باشا خبر الانكليز وأخذهم الاسكندرية وأرسلوا رسلهم إلى الأمراء القبالي فارتبك في أمره وأرسل إلى المشايخ يستعجلهم في اجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولايخالفهم في شيء يطلبونه ابدا ولما وصلتهم رسل الانكليز اختلفت آراؤهم وأرسلوا إلى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع ونورع وقال: أنا لا انتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم إبراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي أمرائهم فاجتمعوا ثانيا بالمشايخ وقالوا: لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا: المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الانكليز تخاصمت مع سلطان الإسلام واغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم أخذ الإقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا: أنهم اتوا باستدعاء الالفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا: لا تصدقوا أقوالهم في ذلك وإذا تملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لا يتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية وأما هؤلاء الانكليز فإنهم نصارى على دينهم ولاتخفى عداوة الأديان ولايصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفارعلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 المسلمين ولا الالتجاء إليهم وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وأن الله هداهم في طفولتهم واخرجهم من الظلمات إلى النور وقد نشؤا في كفالة اسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين اظهر العلماء وقرأوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من اعمارهم في دين الإسلام وإقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون اعمالهم آخر الأمر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على اخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الإسلام يتحكمون في أهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى أفندي كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا: كل ما قلتموه وابديتموه نعلمه ولو تحققنا الأمن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا بوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم أنه يصطلح معنا وفي أثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي الينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من ياتي من الباعة والمتسببين إلى الناحية التي نحن فيها ولا يخفاكم أنه لما تى القبودان ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج فلم يمتثل وأرسل الينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الأمر غدر بنا وما مراده بصلحنا إلا تأخرنا عن ذهابنا إلى الانكليز فلا نذهب إليهم ولا نستعين بهم وأن كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه أو نتحمل المذلة من اجله وقد ماتت اخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن معه عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة: هذه المرة هي الأخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية إلى اسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وأيضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء أمر الانكليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية وأكابر العسكر وأن شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك أبدا فانخدعوا لذلك وكتبوا اجوبة ورجع بها مصطفىء أفندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع إليهم تانيا وسار الفريقان إلى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل. وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس وأهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض أجرة مائة رجل من الغعلة وعلى البعض اجرة خمسين وعشرين وكذلك أهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان ولم ترد هكذا القزم والات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير اسفل تل قلعة السبتية. وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار إليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم إلى الإسكندرية استعدوا وحضروا إلى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل أخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع إليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد وركب في صبحها إلى كتخدا بك وأستاذنه في الذهاب فلم يرض وقال: حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه. وفي ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزله هدية ولم يحج في هذا العام وذلك أنه لما وصل إلى المنزلة المذكورة أرسل الوهابي إلى عبد الله باشا أمير الحاج يقول له: تأت إلا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم. واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1222 فيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الأزهر وغيرهم وأرسلوها اليهم. وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضا من ثغر رشيد وعليها امضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا وأحمد أغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضا كوم الأفراح وابو منضور ويستعجلون النجدة. وفي تلك الليلة اعني ليلة الأحد وصل محمد علي باشا ودخل إلى داره باللأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان اشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشايخ والمحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب إلى الآثار وبات هناك وبعضهم بات بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم ولم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم واشيع حضوره إلى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في أمر الإنكليز فأظهر الإهتمام وأمر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم إلى بولاق وسخط على أهل الإسكندرية والشيخ المسيري وامين أغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملكوهم البلدة ولم يقبل لهم عذرا في ذلك ثم قالوا له: أنا نخرج جميعا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال: ليس على رعية البلد خروج وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا إلى دورهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وفيه وصل حجاج المغاربة إلى مصر من طريق البر وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم وأن مسعود الوهابي وصل إلى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار وأحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري وقال له: ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال: هو اشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال: لا تأت بذلك بعد هذا العام وأن اتيت به احرقته وأنه هدم القباب وقبة ادم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع. وفي وفي تلك الليلة أرسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الاخيرة والزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وأن يوزعها بمعرفته. وفي يوم الإثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية إلى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا إلى الدور التي كانو ساكنين بها واخربوها. وفي يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد ارسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر. وفي وفي ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه إلى بولاق وركب صحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة. وفي وفي يوم الأربعاء سافر أيضا حجوبك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وامدهم الكثير من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 إخوانهم بالإحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم بيرقا وخرجوا ومعهم طبل وزمر. وفي وفي يوم الجمعة ركب أيضا أحمد أغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من اجناسهم وغيرهم من مغاربة واتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع إلى بولاق يوهمون أنهم مسافرون على قدم الإستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا إلى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمدينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم إلى المنوفية وفريق إلى الربية ليجمعوا في طريقهم من أهل البلاد والقرى ما تصل إليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك. وفيه سافر أيضا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية إلى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الازعاج في أخذ الحمير والجمال قهرا من أصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة إلى بناحية بولاق غير واضحة بدران وخلافها فرعتها واكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا إلى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان وأخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح افعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من اي جنس كان وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريق يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعدواتهم ويقولون أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح افعالهم. وفي يوم الإثنين حادي عشرة حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون أنه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وأن هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز إلى الإسكندرية إلا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الانكليز وردوا بوغاز إسلامبول بأثني عشر مركبا وقيل أربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج أهالي البلد انزعاجا شديدا وصرخت النساء وهاجت المدينة وماجت باناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن اخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم أخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول: ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون أنه لا أحد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا أخذدار سلطنتكم لأخذناها أو احرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الأماكن فعند ذلك أحضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل إلى الإنكليز وتكلم معهم إلى أن خرجوا من البوغاز واخرجوا صالح قبودان منفيا إلى بعض الجهات. وفي وفي ذلك اليوم طلع الباشا إلى القلعة صحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الأماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر الإهتام والإجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وإمامه الخدم وبايديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه واتباعه. وفيه أرسل الأمراء القبليون جوابا عن جواب أرسل إليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بإن السبب في تأخرهم أنهم لم يتكاملوا وأن أكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وانهم إلى الآن لم يثبت عندهم حقيقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 الأمر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وأن المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الانكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابا بالحقيقة صحبة مصطفى أفندي كتخدا القاضي ويصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها إليهم وكانوا حضروا إلى ناحية المنية وأما ياسين بك فانه اذعن للصلح على أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس بعد ترداد المراسلات بينه وبين الباشا ثم أنه عدى إلى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان أهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم. وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة انفار من البرية وأحضروهم إلى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم أمر بطلوعهم إلى القلعة وفيهم شخص كبير يقال: إنه من قباطينهم. وفي يوم الخميس رابع عشرة عملوا ديوانا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية هكذا وردت مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز إلى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور. وفي ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة وأخبرا بالنصر على الإنكليز وهزيمتهم وذلك أنه اجتمع الجم الكثير من أهالي بلاد البحيرة وغيرها وأهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر وأهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك وإسمعيل كاشف الطوبجي إلى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة وأسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي أثر ذلك وصل أيضا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وأن الأنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وأبي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من أهل القرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 خلفهم إلى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم واسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا أنه وأصل خلفهم أسرى وهكذا وردت قتلى كثيرة في عدة مراكب وأنه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من أهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من الأهالي بما في أيديهما ويقاتلان بأنفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وانهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقا ما غنماه ومابقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد أحمد النجاري واخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورا عظيما وشكر فعلهما وانعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين إلى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن أخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في أنه ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وضربوا في صبح ذلك اليوم مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة وذلك بين الظهر والعصر. وفي يوم الجمعة خامس عشره حضروا بأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا وعدة هكذا وردت فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم وأما الرؤوس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون راسا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الازبكية مع الرؤس الأولى صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله. وفيه وفيه وصل ثلاث دوات من جدة إلى ساحل السويس فيها اتراك وشوام واجناس اخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لا يأتي إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 هَذَا} وأخرجوا هؤلاء الواصلين إلى مصر. وفي وفي يوم السبت وصل أيضا تسعة أشخاص أسرى من الانكليز وفيهم فسيال. وفي يوم الأحد وصل أيضا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المدينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين اسيرا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين راسا وأربعة وأربعين اسيرا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع إلى القلعة. وفي وفي يوم الأربعاء وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة وإثنين وأربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم إلى القلعة عند اخوانهم فكان مجموع الأسرى أربعمائة اسير وستة وستين اسيرا والرؤوس ثلثمائة ونيف وأربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الواقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير اساس وقد افسد الله رأي كل من طائفة الإنكليز والأمراء المصرية وأهل الإقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على أهل الإقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه أما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم وأما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال وأما أهالي الإقليم فلا نتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما اصاب من مصيبة فبما كسبت أيدي الناس وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذه الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك أنهم هم الذين حاربوا الفرنساوية واخرجوهم من مصر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 ولما شاع أخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم أكثر العسكر على الفرار إلى جهة الشام وشرعوا في قضاء اشغالهم واستخلاص أموالهم التي اعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى أنها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن أربعمائة وعشرين نصفا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر فحشاوسعوا في مشترى أدوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش والأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وأرسل يصالحهم على مايريدونه ويطلبونه وثبت في يقنيه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئا في السير يظن سرعة ورودهم إلى المدينة فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز إلى رشيد ودخلوها من غير مانع وحبسوا وحبسوا أنفسهم فيها فقتلوا واسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى واسرعت المبشرون إلى الباشا بالخبر فعند ذلك تراجعت إليه نفسه واسرع في الحضور وتراجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك أهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة ونادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق واعلاما وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم والقوا أنفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وادهشوهم بالتكبير والصياح حتى ابطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون إلى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك أو نسب إليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما اصعدوا الأسرى إلى القلعة طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء لمعالجة الجرحى ومهد لهم أماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم نفقات ولوزام واستمر يتعاهدهم في غالب الأيام والجرائحية يترددون إليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم إذا وقع في أيديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك واكرموا الأسرى وأما من وقع منهم في أيدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم والبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحلية لطيفة فمن ذلك أن غلاما منهم قال للذي هو عنده: إن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسا ففرح وقال له: ارنيها فأخرج له ورقة بخطم وهولاء يعرف ما فيها فأخذها منه طمعا في احرازها لنفسه وذهب مسرعا إلى القنصل واعطاها له فلما قرأها قال له: لا اعطيك هذا البلغ إلا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر إليك سأله الباشا فقال: أريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لا توصل إليك فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وأرسل الغلام إلى أصحابه بالقلعة ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وماجاورها واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها ومواشيها زاعمين أنها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتمكلها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 بذلك الجواب فأرسلوا إلى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤالا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرا ومن يسمع وعلى أنه لم يرجع طالب الفتوى بل اهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال: أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها إلى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه إليهم بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى انعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش والبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الاسكندرية. وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك إلى ناحية طراوحضر ابوه إلى مصر ودخل كثير من اتباعه إلى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية. وفيه دفنوا رؤوس القتلى من الانكليز وكانوا قطعوا اذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها إلى إسلامبول. وفيه أرسل الباشا فسيالا كبيرا من الإنكليز إلى الإسكندرية بدلا عن ابن اخي عمر بك وقد كان المذكور سافر إلى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب إلى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 الفسيال ليرسلوا بدله ابن اخي عمر بك. وفي يوم الإثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقة جهة شبرا ومينة السيرج. وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا وهو الذي كان بإسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع أمرائه بعد موته وكان الباشا قد أرسل له يستدعيه بأمان فأجاب إلى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبة بالضربخانه وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه إلى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع اجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان أغا ما اعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل اصابوه باعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك إلى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعا فانطلقت رصاصاتها وخرقت كفة اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع إلى داره بجراحته واذن له برد حملته وذهب ياسين بك إلى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل. وفيه سافر المتسفر بآذان قتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضا شخصان من أسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضا بصورة الحال من انشاء السيد إسمعيل الخشاب وبالغوافية. وفيه حضر إسمعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحرى ليقضي بعض الأغراض ثم يعود. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن أحمد كتخدا إلى ناحية القليوبية لأجل القبض على أيوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب إليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من الضائع التجار وأموالهم أو أنهم يفتدون أنفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون إلى ايوب فودة كبير الناحية فيتبرا منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده ابناس فلما وصلوا إلى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمة وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر إلى السيد عمر وصالح على نفسه بثلثمائة كيس ورجع الحال إلى حاله وذلك خلاف ما أخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها واقاموا فيها واحتجوا عليها. وفيه حضر الكثير من أهل رشيد بحريمهم وأولادهم ورحلوا عنها إلى مصر. وفيه حضر كتخدا القاضي من عند الأمراء القبالي وأخبر أنهم محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وارسلها إليهم ومع هذه الصورة واظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب إليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذ 4 هبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم وإذا وقعوا بشخص أو غمزوا عليه عند الحاكم أو صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال: عثرته ويتبرا منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المتقيدين بأبواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفا من خروج النساء القبالي وذهابهن إلى ازواجهن واتفق أنهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر إلى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه أنه يريد الذهاب بذلك إلى الأمراء واتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 محبوسا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب إلى جهة القرافة وقبض على أشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بان بعض اتباع الأمراء القبالي يخرجون إليهم بالامتعة لاسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها إلى اسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئا واجتمع عليه خدام الأضرحة وأهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فاعجب لهذا التناقض. وفيه وصل مكتوب من كبير الانكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب أسماء الأسرى الإنكليز والوصية بهم واكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فانهم لما دخلوا إلى الأسكندرية اكرموا من كان بها منهم واذنوا لهم بالسفر بمتاعهم وأحوالهم إلى حيث شاؤا وكذلك من أخذوه اسيرا في حرابة رشيد. واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة 1222 فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابا عن رسالته. وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير إلى هذا الوقت وانهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم إلى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم أقام ثلاثة أيام ورجع إلى مرسله وصحبته سليمان أغا الوكيل. وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر أيضا في أثره أحمد أغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك أنهم ذهبوا خلف الإنكليز إلى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانا كثيرة فولوا راجعين وحضروا إلى مصر. وفيه حضر أيضا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان أرسل بدلا عن ابن اخي عمر بك وقيل أنه ابن اخي صالح قوش فلما وصل إليهم اجابوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 بأن المذكور سافر مع من سافر إلى الروم بمتاعهم وأموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع إلى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل اطلق له الأذن أيضا في الرجوع إلى الإسكندرية أو إلى بلاده متى احب واختار. وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك أنه لما حضر إلى مصر وخلع عليه الباشا ودفع إليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وانعامات على أنه يسافر إلى الاسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه وأخذ لهم الكساوى والسراويلات وأخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والافازة والمحاصرة إلى غير ذلك وقلد اباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه إلى ناحية الحلي ببولاق فانضم إليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب إليه يكتبه في جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وازعر ومخألف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما أرسل إليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت أوباشه يعبثون في النواحي وبث أكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته واحرقوها وأخذوا أهلها أسرى فعند ذلك أخذا الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين إليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره أمر العساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج إلى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم إلى نواحي السبتية والخندق وأحالوا بينه وبين بولاق ومصر. وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج إلى تلك الناحية وحصن أبواب المدينة بالعساكر وايقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وأرسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 الباشا إلى ياسين يقول له: إن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر وإلا تذهب إلى بلادك وإلا فأنا وأصل إليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره اين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم إلى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت إلى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم ابوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت إلى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن اميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا إلى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها وأما ابوه فإنه التجأ إلى شيخ قليوب الشواربي فأخذ له أمانا وأحضر في ثاني يوم إلى الباشا فألبسه فروة وأمره أن يلحق بابنه فنزل إلى بولاق ونزل في مركب مسافرا. وفي يوم الإثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرا ورؤساء عساكر وخيالة وأصحب معهم شديدا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها افاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب وأخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي وأخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوابتها احرقوه بالنار. وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك أنهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل إلى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وايابهم تدمير القرى. وفيه ورد قاصد قابجي من إسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمة وتاريخه نحو ثلاثة اشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة. وفي يوم السبت عشرينه رجع سليمان أغا من قبلي إلى مصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وأخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وأن شاهين بك وصل إلى زارية المصلوب وإبراهيم بك جهة قمن العروس وانهم يستدعون إليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين 1222 فيه سافر مصطفى أغا والصابونجي إلى جهة قبلي وصحبتهما كتخدا القاضي. وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضى الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من إسلامبول وذهب إلى ناحية ادرنه وأن العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكرون فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤوس قتلى وأسرى كثيرة وأنه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب إلى ثغر الإسكندرية وأن الكائنين بالثغر تراخوا في حربهم حتى طلعوا إلى الثغر فمن اللازم الإهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم على الثغر وقد ارسلنا البيورلديات إلى سليمان باشا والي صيدا والى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر إلى مصر للمساعدة وأن لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو إلى آخر ما نمقوه وسطروه ومحل القصد من ورود هذه البيورلديات والفرمانات والاغوات والقبيجات إنما هو جر المنفعة لهم بما يأخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم إذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة اعدوا له منزلا يليق به ونظموه بالفرش والأدوات اللازمة وخصوصا إذا كان حضر في أمر مهم أو لتقرير المتولي على السنة الجديدة أو بصحبته خلع الرضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده إلى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو من شهر أو شهرين ويأخذون خدمتهم وبشارتهم بالأكياس وإذا وصل هو ادخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانا ومدافع وشنكا وانزل في المنزل المعد له واقبلت عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 التقادم والهدايا من المتولي وأعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لماكله هو واتباعه لمطبخه وشراب حانته أيام مكثه شهرا أو شهورا ثم يعطى من الأكياس قدرا عظيما وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وأنواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهندية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وأن كان دون ذلك انزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في اعز مجلس ويقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات أنفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى اتباعه ويمكث على ذلك شهورا حتى يأخذ خدمته ويقبض اكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرا ومثنيا عليه عند مخدومه وأهل دولته قضية يحار العقل والنقل في تصورها. وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعا وأما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين وأخبر الواصلون أنهم منعوا من زيارة المدينة وأن الوهابي أخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضا الذي كان اميرا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبه من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة وأخبروا أنه أمر بحرق المحمل واضطربت أخبار الإخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس إليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها. وفيه ورد الخبر بإن إبراهيم بك وصل إلى بني سويف وأن شاهين بك ذهب إلى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وأن امين بك وأحمد بك الألفيين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 ذهبا إلى ناحية الإسكندرية للإنكليز. وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط واقطاعات الأراضي وكذلك أخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين وذلك خلاف ما فرضوه على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير. وفي ذلك اليوم أرسل الأغا والي الشرطة اتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يامرونهم بالحضور من الغد إلى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما أصبح يوم الإثنين واجتمع الناس ابرزوا لهم مرسوما قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته إلى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب إلى مائتين وعشرين وأكثر والمشخص البندقي وصل إلى أربعمائة وأربعين فضة ونحو ذلك فلما قرأوا عليهم المرسوم وامروهم بعدم الزيادة وأن يكون صرف الفرانسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا: نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا أمر منوط بالصيارف وانفض المجلس. وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك ومن الرسل مضمونها الأخبار بقدومهم وأرسل إبراهيم بك يستدعي إليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وامتعة. وفي يوم السبت ثالث عشره سافر أولاد إبراهيم بك والمطلوبات التي أرسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك. وفي يوم الإثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي واخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة ارسلت إلى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز ملخصها أنه ورد علينا جواب من سليمان باشا يخبر فيه بوصول طائفة الإنكليز إلى ثغر سكندرية ودخولهم إليها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 بمخامرة أهلها ثم زحفهم إلى رشيد وقد حاربتهم أهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم واسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء وأكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار واخراجهم وابعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك. وفيه أحضروا أربعة رؤوس من الانكليز وخمسة أشخاص احياء فمروا بهم من وسط المدينة وذكروا أن كاشف دمنهور حارب ناحية الاسكندرية فقتل منهم واسر هؤلاء وقيل أنهم كانوا يسيرون لبعض اشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فاحاط بهم وفعل بهم ما فعل وارسلهم إلى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل أنهم سألوهم فقالوا: نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لاغير فأخذونا وقتلوا منا من قتلوه وابقونا. وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك وأرسل الباشا إليهم جوابا صحبة إنسان يسمى شريف أغا. وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت أخبار من ناحية الشام بأنه وقع إسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبد الحميد بن أحمد وخطب له ببلاد الشام. وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر بتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعه سادس عشرينه. وفي أواخره احدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها اضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 وفيه كتبوا أوراقا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب أموال الناس. وفيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبليين بالصلح وأرسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ إبراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك أنه لما رجع شريف أغا الذي كان توجه إليهم بمراسلتهم أرسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على أيديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلا عنهم. وفي هذه الأيام كثر خروج العساكر والدلاة وهم يعدون إلى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل إلى برانبابة وأقام هناك أياما. واستهل شهر جمادي الأول سنة 1222 فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التي كانت انشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرا كثيرا ووسق عدة مراكب وارسلها إلى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورا على البلد وابراجا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وانزلوهم في المراكب قهرا. وفي منتصفه وصل إلى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية اتوا من ناحية الشام ودخلوا إلى المدينة. وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن وأهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع واجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله أو مخزنه شيئا إلا بقصد الدفع من أصل المطلوب منهم ثم اردفوا ذلك بمطلوبات من افراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسا في بيته فما يشعر إلا والمعينون واصلون إليه وبيدهم بصلة الطلب أما خمسة أكياس أو عشرة أو أقل أو أكثر فاما أن يدفعها ولا قبضوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 عليه وسحبوه إلى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه فنزل بالناس أمر عظيم وكرب جسيم. وفي الناس من كان تاجرا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغرم وانقطاع الأسباب والأسفار وافلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه واساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقة بنحو ما تقدم لكونه كان معروفا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعا ولا راحما وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذلك على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل واطراف النهار بطلب الكلف واللوازم وأشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الإنسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر أهلها وجلوا عنها فكان يجتمع أهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك وأما غالب بلاد السواحل فانها خربت وهرب أهلها وهدموا دورها ومساجدها وأخذوا اخشابها ومن جملة افاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها أنهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا أوراقا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب أو منفعة ثم يرتب له خدما واعوانا ثم يسافر إلى الإقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث اعوانه إلى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون مارسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما ادى إليه اجتهاده قليلا أو كثيرا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التي قررت على القرى بلغت سبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجة. وفي أواخره قوى عزم الباشا على السفر لناحية الاسكندرية وأمر باحضار اللوازم والخيام وما يحتاج إليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة 1222 وفي ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا إلى بولاق وعدى إلى ناحية برانبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر إلى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية أياما وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت السقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع. وفي ثالثه طلبوا أيضا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها إلى العرضي اختاروا منها جيادها واعطوا أربابها عن كل فرس خمسين قرشا وردوا البواقي لاصحابها. وفيه طلبوا أيضا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا إلى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من إلتجأ إلى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة أيام وركب السيد عمر وعدى إلى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم أمانا بذلك. وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته أشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإنبابة فرقدوا بها ليأخدوا لهم راحة وناموا فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا إلى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها. وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدا ومولدا بحارتهم وأولمو بينهم ولائم واوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي. وفي الثلاثاء ثالث عشره طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي فعدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 إليه ببر انبابه فخلع الدفتردارية وحضر إلى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب إليه الناس يهنوئه وانفصل أحمد أفندي عاصم عن الدفتردارية. وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما أصبح أمر بالإرتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال إلى المنصورة. وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة أيام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت أثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت إليهم أنفسهم واظهروا الغلال في العرصات والرقع وركب كتحدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج. وفيه وصل قابجي إلى ثغر الاسكندرية وحضر بد ذلك إلى ثغر بولاق من طريق البر إلى قبرص وتحرى الوصول إلى دمياطثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانة باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وابطاله من إسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوما فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا وأحضروا الأغا بموكب ودخل من باب النصر وقريء الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكا ومدافع من ابراج القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة. ومن الحوادث أنه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع إليه الكثير من أهل القرى وأكثرهم الأحداث ونصبوا له خيمةو كثر جمعه واقبلت عليه أهالي القرى بالنذور والهدايا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 وصار يكتب إلى النواحي أوراقا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به أهل القرية الفلانية حال وصول الورقة إليكم تدفعون لحاملها خمسة ارداب قمح أو أقل أو أكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفا نحو ذلك فلا يتأخرون عن إرسال المطلوب في الحال وصار الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن اتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين إلى تلك النواحي يطلب الكلف أو الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وأن عاند قتلوه فثقل أمره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام واخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين امرد وغالبهم أولاد مشايخ البلاد وكان إذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاما وسيم الصورة أرسل يطلبه فيحضرونه إليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون إليه من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردان وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضا وعمل للمردان عقودا من الخرز الملون في اعناقهم ولبعضهم اقراطا في آذانهم ثم أن شيخا من فقهاء الأزهر من أهالي بنها يقال له: الشيخ عبد الله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجرة من أراضي بنها كان لأسلافه وأن الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل باغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونة ولم يحسن سبك الجعالات والبراطيل للوسايط وأرباب الأحكام واتباعهم ويظن في نفسه أنه يقضي قضيته يقال: المصنف اكراما لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع أمره إلى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا: للباشا أنه غير محق وطردوه فسافر إلى بلده وسافر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الباشا أيضا إلى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبد الله المذكور إلى الشيخ سليمان المذكور واغراه على الحضور إلى مصر وأنه متى وصل اجتمع عليه المشايخ وأهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء إلى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم فيه اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن أوصاف ذلك الشيخ أنه لا يتكلم إلا بالذكر أو الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في أكثر أوقاته بالإشارة ثم أنه اذاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه ومعه طبول وكاسات على طريق مشايخ أهل العصر والأوان الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا ودخلوا إلى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرهم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة إلى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في أيديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد إلى العصر ثم دعاهم إنسان من الأجناد يقال له: إسمعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه إلى داره بعطفة عبد الله بك فعشاهم وباتوا عنده إلى الصباح ولما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته إلى ضريح الإمام الشافعي فجلس بالمسجد أيضا مع اتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وأمثاله فكتب تذكرة وارسلها إلى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به واكد في الطلب وقصده أن يفتك به لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فأرسل يقول له: إن كتب من أهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك وإلا فاذهب وتغيب وكان صالح أغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب إلى مقام الشافعي وأراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له: لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك واياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ إلى قريب العصر واشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 عنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب إلى مقام الليث بن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهب بداياته وغلمانه إلى دار إسمعيل كاشف التي باتوا بها ولما سار إلى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى أثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع إلى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب أغا حضرا إلى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما أنه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا: نرسل إلى كاشف القليوبية بالقبض عليه اينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت إسمعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان وأخذوهم إلى دورهم ولم ينج منهم إلا من كان بعيدا وهرب وتغيب وتفرق اتباعه ذوو اللحى وأما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب إلى نوب فعرف بمأنه الشيخ عبد الله زقزوق البنهاوي الذي كان اغراه على الحضور إلى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب إلى كتخدا بك وطلب له أمانا وأخبره أنه متخف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه أمانا وذهب إليه وأحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له ارخ: لحيتك واترك ما أنت عليه واقم في بلدك واعطيك طينا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا أحد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته أربعة انفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم أمر أشخاصا من العسكر فأخذوه وذهبوا به إلى بولاق وانزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين أنهم قتلوه والقوه في البحر إلا واحدا من الأربعة القى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع إلى البر وهرب وانفض أمره. وفيه أرسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر إليه طائفة من العسكر فلما اتوا إليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني أخبروني بطلبه وأنا ادفعه أن كان غرامة أو كلفة فقالوا: لا ندري وإنما امرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا إلى البر فركب شيخ البلد خيوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وابلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوا في دور أهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز. وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار أخرى فانتهره وأراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحا هو واتباعه حتى وصل إلى ناحية الأزبكية. واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1222 في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز واتفقوا على خروجهم من الاسكندرية وخلوها ونزولهم منها اوأرسل يطلب الأسرى من الإنكليز. وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب أفندي فوصل إلى بولاق يوم الإثنين حادى عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب إليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا وطاهر باشا وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق. وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز إلى المراكب ليسافروا إلى الإسكندرية. وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية إلى المراكب ودخل إليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيما عند السد. وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب إلى بيت الباشا وضربوا لقدومه مدافع من القلعة. وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 بها فعملوا شنكا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت. وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وازعجوا الناس واخرجوهم من اوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير إلى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضا في شأن ذلك وارسلوه إلى كتخدا بك فأظهر الإهتمام وأحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم: كل من كان ساكنا قبل الخروج إلى العرضى في دار فليرجع إليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئا لأن البيوت التي كانوا بها اخربوها وحرقوا اخشابها وتركوها كيمانا وذلك دأبهم. واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1222. في ثالثه يوم الإثنين وصل الباشا إلى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكا ثلاثة أيام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان أغا الوكيل سابقا فانقلبت بهم واشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب أخرى انقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة. وفيه كتبوا أوراق البشارة بذهاب الانكليز وسفرهم من الاسكندرية وارسلوها إلى البلاد والقرى وعليها حق الطريق أربعة ألاف والفين فضة وصورة ما حصل أنه لما وصل الباشا إلى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر إليه انفار منهم واختلى معهم ولم يعلم أحد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده واشيع الصلح وفرحت العسكر لأنهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم أشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانا وهيأه واوقف العساكر صفوفا يمنة ويسره وعندما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكا وقدم لهم خيولا وهدايا واقمشة هندية وخلع عليهم خلعا وشيلانا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة إلى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم له الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه إلى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدار بك بخمسة أيام وكان في أسرى الإنكليز انفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على أنهم لم يأتوا طمعا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المركب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة. هذا ما كان من أمر الإنكليز وأما العساكر فإنهم افحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من أصحابها فتأتي الطائفة منهم إلى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا اذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة أنهم يتفرجون على اعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع أهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون إليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة وأخرى بكثرة الجمع أن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة وإذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار إلا بمصلحة أو هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا أحضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه أحمر أو اصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال اصفر فاظهر أنه لا يريد إلا الأحمر الدودة فلم يسعه إلا الرضا وأراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال: دعه حتى تأتتي بالأحمر ضمه إلى الاصفر وأخذ الإثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار أنهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين أو ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة أخرى مثل الأولى أو اخف أو اعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له: يا أخي يا حبيبي أنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 معي ثلاثة انفار وأربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة أيام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وأنت بحريمك في مكانهم اعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا: في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون اسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا أراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على الحصير والبلاط وأي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه إلا أن يتكلف لهم ذلك في أوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون إليه مثل الطشت والأبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئا فشيئا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان أخل لنا محلا آخر في الدار فوق لرفقائنا فإن قال: ليس عندنا محل آخر أو قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار أنهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة أيام أو أقل أو أكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان واحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر أهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنا ولو مشتركا عند اقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في اخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون إذا أخذتم ذلك فعلى أي شيء نجلس وفي اي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كان معنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وأنتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار أما بترك الدار بما فيها أو بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 المصريين واتباعهم ونحوهم ثم أنهم تعدوا إلى الحارات والنواحي التي لم يتقدم لهم السكنى بها قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين إذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد أمن جوارهم وخوفا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيات والطبنجات ومما اتفق أن كبيرا منهم دخل بطائفته إلى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وأمره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره أنه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى اخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعته منهم وذهبوا إلى الدار ودخلوا إليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة أخذوا اسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه أنها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وأن النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وأنتم أولى بذلك لأنكم مسلمون فقالوا: لهم في الجواب أنتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى واخرجناهم من البلاد فنحن احق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم إلى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة وأخذ منها أكثر من ذلك ومنها دار إسمعيل أفندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر أخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وأمثاله ولما أكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا: اناس قاتلوا وجاهدوا اشهرا وأياما وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم الكفار واجلوهم عن بلاد افلا تسعونهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 في السكنى ونحو ذلك من القول. ولما انقضى هذا الأمر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الإقليم المصري وثغر الاسكندرية الذي كان خارجا عن حمهحتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضا فأول ما بدأ به أنه ابطل مسموح المشايخ والفقهاء معا في البلاد التي التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التي فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاما على جميع الالتزامات والحصص التي بأيدي جميع الناس حتى أكابر العسكر واصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التي للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم أو حتى يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من أصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه وأكثروا من شراء الحصص من أصحابها المنجاحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم إلا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت احدهم مثل بيت أحد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين واعوان واجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وانذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوي الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الأمور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف الرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائمهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والترداد عليهم والمهاداة فيما بينهم إلى غير ذلك مما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 يطول شرحه وأوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والإستجداء وفراغ الاعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء والمعاتبة عليها أن لم يدعوا إليها والتعريض بالطلب واظهر الإحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالإجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة واعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت: الذي يسمعه القاصى والداني وهو يخاطب رئيسة المغاني ياستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من النصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والإزدراء بمقام العلم بين العوام واوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات والفاظ الكتابة المعبر عنها عند أولاد البلد بالإنقاط والتنافس في الأحداث إلى غير ذلك. وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية. وفي عاشره فتحوا أيضا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها إلى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان أهل القرية النازل بها ذلك يتنقلون إلى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ ثم انزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيسا ومائة وخمسون وأكثر وأقل. وفي اثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وأن لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين أخذوا مواشيهم وابقارهم لتأتي أربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب. وفي يوم الخميس ثالث عشره مر الباشا في ناحية سويقة العزى سائرا إلى ناحية بيت بليغا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا في مروره فحيثما أتى مقابلا لذلك المكتب اطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه واصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم باحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بانهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره. وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا: لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا واغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة الدلاتية وضربوا أيضا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة انفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا امتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال: إن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم باشارة بعضهم لبعض رمزا فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم اقاربه وبلدياته ولما تحققوا خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة واشيع في اللبلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون باسلحتهم وطلع افراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم. وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا. وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم. واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1222 وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن اسطحة الدور والمساكن وكان شيئا هائلا واستمر ذلك إلى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه. وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ الفي كيس بعد جمعيات ومشأورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في امكنة أخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي اكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على أرباب الحرف وأهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء وإسمعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب واجتمع الكثير من أهل الحرفكالصرماتية وأمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر وأقاموا به ليالي وأياما فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبايديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة اتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائما في بيته ومتفكرا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع إلى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه إلا ومعين آخر وأصل إليه على النسق المتقدم وهكذا. وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة ارسلها الباشا إلى مخدومه فأقام أياما يتشاور مع الباشا في مصلحته مع شاهين بك وحصل الإتفاق على حضور شاهين بك إلى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على أمر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح أغا السلحدار. وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب أغا الأرنؤدي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه واعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال: أنا لي عنده خمسون كيسا ولا اسافر حتى اقبضها وذلك أنه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألفي وينضم إليه ويتحيل في اغتياله وقتله فان فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه اعطاه خمسين كيسا فذهب عند الألفي والتجأ إليه واظهر أنه راغب في خدمته وكره الباشا وظلمه فرحب به وقبله واكرمه مع التحذر منه ظلما طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع إلى الباشا فلما أمره بالذهاب أخذ يطالبه بالخمسين كيسا من فامتنع الباشا وقال: جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله لم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب أغا في عناده وذلك أنه لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم أنه جمع جيشه إليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل إليه الباشا من يحاربه فحضر حسن أغا سرششمة من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 قليلا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الاقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التي في صفهم ونقبوا من بيت إلى آخر حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي أغا الشعراوي إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بابي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدورء وازعجوا أهلها بقبح افعالهم فإنهم عندما يدخلون في أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون من مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم إلى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الإنزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن إلى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت أثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدا عنها أو وزعوه قبل الحادثة وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة اطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التي اتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها فلما كان ليلة الإثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق وصالح قوج إلى رجب إنما المذكور وأركباه وأخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وازعاج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 أهلها ومات فيما بينهم انفار قليلة وكذلك مات اناس وانجرح اناس من أهل البلد. وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر وأربع خصيان وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك إلى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا إليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان افندي. وفي خامس عشرينه سافر رجب أغا وتخلف عنه كثير من عساكره واتباعه وذهب من ناحية دمياط. وفيه حضر ديوان أفندي من دهشور وابن الباشا أيضا وخلع شاهين بك علي ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحا نفيسا انكليزيا. وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك إلى شبرامنت وقد أمر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع إلى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع والات الحرب وغيرها. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1222. ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وإنما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة أيام العيد في الأوقات الخمسة. وفي خامسه اعتني الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر اخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارا عامرة إلا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الاخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب وأحضروا الجمال والحمير لنقل اخشابه وانقاضه واخرجوا منه اخشابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 عظيمة في غاية العظم ولاثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والأوان. وفي سابعه حضر شاهين بك إلى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له علي جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على أهل البلدة واعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزاما وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسامع وكشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها إلى حد الإسكندرية واطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي. وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر أفندي النقيب والمشايخ وطلعوا إلى القلعة باستدعاء ارسالية ارسلت إليهم في تلك الليلة فلما طلعوا إلى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا إلى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى إلى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا إمام القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا إلى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا إلى القلعة وطلعوا من باب العزب إلى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا إلى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفا وخنجرا مجوهرا وتعابي وقدم له خيولا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته إلى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضا وسلم عليه وخلع عليه أيضا وقدم له خيولا وركب صحبتها وذهبوا عند طاهر باشا ابن اخت الباشا فسلم عليه أيضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وقدم له تقادم ثم ركب عائدا إلى الجيزة وذهب إلى مخيمه بسبرامنت واستمر مقيما بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم واجنادهم إلى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون إلى مخيمهم. وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم. وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم إلى بحري الجيزة. وفي يوم السبت ثاني عشره وصل أربعة من صناجق الألفية وهم أحمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا إلى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوي وقلدهم سيوفا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليهم أيضا خلعا ثم ذهبوا إلى بيت صالح أغا السلحدار فأقاموا عنده إلى أواخر النهار ثم ذهبوا إلى البيوت التي بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح إلى الجيزة. وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن أحمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية ألاف ريال. وفيه اتفقوا على إرسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي إلى إبراهيم بك الكبير لإجراء الصلح. وفيه أيضا أرادوا اجراء عقد زينب هانم ابنة إبراهيم بك علي نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك إلا عن اذن أبي وها هو مسافر إليه فليستاذنه ولا اخألف أمره فأجيبت إلى ذلك وأراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فأستاذن الباشا فقال: إني أريد أن ازوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب ارسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك اياها. وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب إلى مضرب النشاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع إلى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا إلى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك إلى بيت عديلة هانم فمكثا إلى قبيل المغرب ثم أرسل اليهما الباشا فطلعا إلى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح وعديا إلى الجيزة. قال الشاعر:. أمور تضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب وفيه تقلد حسن أغا سرششمه إمارة دمياط عرضا عن أحمد بك وتقلد عبد الله كاشف الدرندلي إمارة المنصورة عوضا عن عزيز أغا. وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن احدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر واخر بالدفتردارية باسم ولده إبراهيم واخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن اخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية واخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع إلى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكا. وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وافنديه من افندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التي رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكلف المتكررة. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1222 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف أكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من أصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو اكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه ولازموا اعتابهم حتى شفعوا فيهم وكشفوا غمتهم. وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن أمر الباشا وهزموه فدخل إلى المنية ونهبوا حملته ومتاعه. وفي أثر ذلك حضر أبو ياسين بك إلى مصر وعينت عساكر إلى جهة قبلي وأميرها بونابارته الخازندار وتقدمهم سليمان بك الألفي في اخرين. وفي عشرينه تعين أيضا عدة عساكر إلى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع الأشقر المصرلي لمحافظة رشيد وآخرين إلى الأسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك أنه ورد قائد الإنكليز إلى ثغر سكندرية وأخبر بخروج عمارة الفرنسيس إلى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الانكليز المقيم برشيد إلى مصر بأهله وعياله. وفي أواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وأرباب الأشغال لعمارة اسوار وقلاع الإسكندرية وابي قير والسواحل. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنية ونزل بفنائها خرج إليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربا إلى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله واثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا اظهر أنه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم وطفق الباشا يلوم على جراءة المصريين واقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول: أنا ارسلت إليه احذره واقول له أن ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فان أبى وخألف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الابنية فلم يستمع لما قلت له: غرر بنفسه وأيضا ينبغي لكبير الجيش التاخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وانهم مجتعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وانهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسا مكانه فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى وارسلوه إلى باشا فخلع عليه وأمره بالسفر إلى المنية فأخذ في قضاء اشغاله وعدى إلى بر الجيزة. وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل إلى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل إليه يستدعيه إلى الطاعة واطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابا له وللأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن ابى ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فأن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه الأمان ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على أنفسهم وفتحوا لهم طريقا وذهبوا إلى أماكنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر إلى مصر. وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشره حضر ياسين بك إلى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع إلى القلعة فعوقه الباشا وأراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده واوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح أغا مع الباشا في أمره وأن يقيم بمصر فقال الباشا: لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر اي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له إلا الإمتثال ثم أحضره وخلع عليه فروة وانعم عليه بأربعين كيسا ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافر إلى دمياط ليذهب إلى قبرص ومعه محافظون. وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية إلى مصر وانقضت السنة وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل إلى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ أحمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي والشيخ محمد الحنفي وأخيه الشيخ يوسف وعبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ أحمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وافاد الطلبة ولازم الإقراء وكان منجمعا عن الناس قانعا راضيا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في أمورها وأخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى أنه ولدا بصيرا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فأخذه عم أبيه الشيخ صالح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الذهبي ودعا له فقال في دعائه: اللهم كما اعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي إلى الأزهر ولا يخطيء الطريق وينتحي عما عساه يصيبه من راكب أو جمل أو حمار مقبل عليه أو شيء معترض في طريقه اقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل: ما عماء العيون مثل عمى القلوب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء! ولم يزل ملازما على حالته من الإنجماع والإشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر أربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضى الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى واعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوى الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده واخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر أشياخ الوقت كالشيخ علي العدوى والشيخ أحمد الدردير والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وانجب وأخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده القى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على احسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الإشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته إلى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 ولم يخلف ذكورا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقيه النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر أشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وافاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفا في زوايا الخمول منعزلا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيا بما قسم الله له قانعا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمة ولا ينهمك على شيء من أمور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الإثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبد الفتاح المالكي من أهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرا فجاور بالأزهر وحضر على أشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الأمير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وانجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر إلى بلده وأقام بها يفيد ويفتي ويرجعون إليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من أحد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالإقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وأنه لا يقضي إلا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه وأوامره فكان إذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا إلى المترجم واعادا عليه دعواهما فان رأى القضاء صحيحا موافقا للشرع امضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك ابدا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه أنه لا لغرض دنيوي وإلا أخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير إلى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التي هو نازل فيها فانهدمت الجهة التي هو بها وسقطت عليه فمات شهيدا مردوما ومعه ثلاثة انفار من أهالي قرية العكروت وذلك في أوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله ومات الأمير سعيد أغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم إلى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في ابهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف أفندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات أوقاف الحرمين وغيرها واخاف الناس وحضر إليه كتبة الأوقاف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وجلسوا لمقارفة الناس والتعنت عليهم بطلب السندات ويهولون عليهم بالأغا المذكور ويأخذون منهم المصالحات ثم ينهون إليه الأمر على حسب اغراضهم ويعطونه جزأ ويأخذون لأنفسهم الباقي ثم تنبه لذلك فطرد غالبهم وسدد على الباقين وتساهل مع الناس وكان رئيسا عاقلا معدودا في الرؤساء تعمل عنده الدواوين والاجتماعات في مهمات الأمور والوقائع كما تقدم ذكر ذلك في مواضعه ثم أنه تمرض بذات الرئة شهورا ومات في يوم الإثنين رابع شهر صفر ومات الأمير سليمان بك المرادي وهو من الأمراء الذين تأمروا بعد مراد بك وكان ظالما غشوما ويعرف بريحه بتشديد الياء كان إذا أراد قتل إنسان ظلما يقول لأحد اعوانه: خذه وريحه فيأخذه ويقتله ومات في واقعة اسيوط الاخيرة أخذت جلة المدفع دماغه وقطع ذراعه وعرفوا قتله بخاتمه الذي في أصبعه في ذراعه المقطوع ومات سليمان بك الألفي الذي قتل في واقعة ياسين بك بالمنية عند الخندق وغير هؤلاء والله اعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 واستهلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف . فكان أول المحرم يوم الأحد فيه برز القابجي المسمى بيانجي بك إلى السفر على طريق البر وخرج الباشا لوداعه وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية وخلاص البلاد من أيدي الوهابية وفي مراسيمه التي حضر بها التأكيد والحث على ذلك فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الأمر ويعرفه أن هذا الأمر لا يتم بالعجلة ويحتاج إلى استعداد كبير وانشاء مراكب في القلزم وغير ذلك من الاستعدادات وعمل الباشا ديوانا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمرو المشايخ وقال لهم: لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا احكامهم بها وقد وردت علينا الأوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج إليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين ولا تخفى عنكم الحوادث والوقائع التي كانت سببا في التأخير عن المبادرة في امتثال الأوامر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 والآن حصل الهدوء وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذه الوقت فبلغت أربعة وعشرين ألف كيس فاعملوا رأيكم في تحصيلها فحصل ارتباك واضطراب وشاع ذلك في الناس وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها. وفي سادسه حضر مرزوق بك وسليم بك المحرمجي وعلي كاشف الصابونجي المرسل فطلعوا إلى القلعة وقابلوا الباشا وخلع على مرزوق بك والمحرمجي فروتين ونزلا إلى دورهما ثم ترددوا وطلعوا ونزلوا وبلغوا رسائل الأمراء القبليين وذكروا مطالبهم وشروطهم وشروط الباشا عليهم والاتفاق في تقرير الصلح والمصالحة عدة أيام. وفيه حضر عرب الهنادي والجهنة وصالحوا على أنفسهم وأن يرجعوا إلى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد على وكانوا تغلبوا على الإقليم وحصل منهم الفساد والافساد وكانت مصالحتهم بيد شاهين بك الألفي وسافر معهم شاهين بك وخشداشينه ولم يبق بالجيزة سوى نعمان بك وذهبوا إلى ناحية دمنهور وارتحل أولاد علي إلى حوش ابن عيسى وذلك أواخر المحرم ثم أن شاهين بك ركب بمن معه وحاربهم ووقع بينهم مقتلة عظيمة وقتل فيها شخصان من كبار الأجناد الالفية وهما عثمان كاشف وآخر ونحو ستة مماليك وقتل جملة كثيرة من العرب وانكشف الحرب عن هزيمة العرب واسروا منهم نحو الأربعين وغنموا منهم غنائم كثيرة من اغنام وجمال وتفرقوا وتشتتوا وذهبوا إلى ناحية قبلي والفيوم وذلك في شهر صفر في عاشره حضر شاهين بك الألفي وباقي الالفية. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1222 وفي عشرينه ورد الخبر بموت شاهين بك المرادي فخلع الباشا على سليم بك المحرمجي وجعله كبيرا ورئيسا على المرادية عوضا عن شاهين بك وسافر إلى قبلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وفيه أيضا حضر امين بك الألفي من غيبته وكان مسافرا مع الانكليز الذين كانوا حضروا إلى الاسكندرية ورشيد وحصل ما حصل فلم يزل غائبا حتى بلغه صلح خشداشينه مع الباشا فرجع وطلع على ردته فأرسلوا له الملاقاة والخيول واللوازم وحضر في التاريخ المذكور. وفيه زوج الباشا شاهين بك سرية انتقتها زوجة الباشا ونظمتها وفرش له سبعة مجالس بقصر الجيزة وجمعوا لذلك المنجدين وتقيد بتجهيز الشوار والاقمشة واللوازم الخواجا محمود حسن وكذلك زوج نعمان بك سرية أخرى وسكن بيت المشهدي بدرب الدليل بعد أن عمرت له الدار وفرشت على طرف الباشا وكذلك تزوج عمر بك بجارية من جواري الست نفيسة المرادية وجهزتها جهازا نفيسا من مالها وتزوج أيضا علي كاشف الكبير الألفي بزوجة أستاذه. شهر جمادي الأول سنة 1223. فيه سافر مرزوق بك بعد تقرير أمر الصلح بينه وبين الأمراء المصريين القبالي وقلد الباشا مرزوق بك ولاية جرجا وإمارة الصعيد والبسه الخلعة وشرط عليه إرسال المال والغلال الميرية فعند ذلك اطمأنت الناس وسافرت السفار والمتسببون ووصل إلى السواحل مراكب الغلال والأشياء التي تجلب من الجهة القبلية. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1223. فيه قطع الباشا مرتب الدلاة الاغراب وأخرجهم وعزل كبيرهم الذي يسمى كردى بوالي الساكن ببولاق وقلد ذلك مصطفى بك من اقاربه وجعله كبيرا على طائفة الدلاتية الباقين وضم إليه طائفة من الاتراك البسهم طراطير وجعلهم دلاتية وسافر كردي بوالي لبلاده في منتصف الشهر وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة. وفي أواخره وردت الأخبار من إسلامبول وذلك أن طائفة من الينكجرية تعصبت وقامت على السلطان سليم وعزلوه واجلسوه مكانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 السلطان مصطفى وابطلوا النظام الجديد وقتلوا دفتردار النظام الجديد وكتخدا الدولة ودفتردار الدولة وغيرهم وقطعوهم في آت ميدان بعد أن تغيبوا واختفوا في أماكن حتى في بيوت النصارى واستدلوا عليهم واحدا بعد واحد فكانوا يستحبون الأمير منهم المترفه على صورة منكرة إلى آت ميدان فيقتلونه وبعضهم قطعوه في الطريق وسكن الحال على سلطنة السلطان مصطفى بن عبد الحميد وكان السلطان سليم عندما احس بحركة الينكجرية أرسل يستنجد ويستدعي مصطفى باشا البيرقدار وكان يرشق بالروملي بمخيم العرضي المتعين على حرب الموسكوب ووصل خبر الواقعة إلى من بالعرضى فأقام أيضا الينكجرية الفتنة بالعرضي وقتلوا آغات العرضي وخلافه عند مصطفى باشا المذكور وقد وصله مراسلة السلطان سليم فحركوا همته على القيام بنصرة السلطان سليم على الينكجرية فركب من العرضي في عدة وافرة وحضر إلى إسلامبول وشق بجمعه وعسكره من وسطها في كبكبة حتى وصل إلى باب السراية فوجده مغلقا فأراد كسره أو حرقه إلى أن فتحوه بالعنف وعبر إلى داخل السراية وطلب السلطان سليم فعند ذلك أرسل السلطان مصطفى المتولي جماعة من خاصته فدخلوا على السلطان سليم في المكان الذي هو مختف به وقتلوه بالخناجر والسكاكين حتى مات وأحضره ميتا إلى مصطفى باشا البيرقدار وقالوا له: ها هو السلطان سليم الذي تطلبه فلما رآه ميتا بكى وتأسف ثم أنه عزل السلطان مصطفى وأحضر محمودا اخاه بن عبد الحميد واجلسه على تخت الملك ونودى باسمه وكان ذلك يوم الخميس خامس جمادى الثانية من السنة وعمره ثلاث وعشرون سنة. ومات السلطان سليم وعمره إحدى وخمسون سنة لأنه ولد سنة 1172 ومدة ولايته نحو العشرين سنة تنقص شهرا فلما وردت هذه الأخبار وتواترت في مكاتبات التجار والسفار خطب بعض الخطباء يوم الجمعة سادس عشرينه باسم السلطان محمود وبعضهم اطلق في الدعاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 ولم يذكر الاسم. وفيه قوى عزم الباشا على السفر إلى جهة دمياط ورشيد والاسكندرية فطلب لوازم السفر ووعد بسفره بعد قطع الخليج وطفق يستعجل بالوفاء ويطلب ابن الرداء المقياسي ويسأله عن الوفاء ويقول: اقطعوا جسر الخليج وفي غد أو بعد غد فيقول: تأمرونا بقطعه قبل الوفاء فيقول: لا ويقول: ليس الوفاء بأيدينا. فلما كان يوم السبت سابع عشرينه وخامس عشر مسرى القبطي نقص النيل نحو خمسة أصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم فضج الناس ورفعو الغلال من الرقع والعرصات والسواحل وانزعجت الخلائق بسبب شحة النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وموع المظالم وخراب الريف وجلاء أهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم: اعملوا استسقاء وأمروا الفقراء والضعفاء والأطفال بالخروج إلى الصحراء وادعوا الله فقال له: الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترافقوا بالناس وترفعوا الظلم فقال: أنا لست بظالم وحدي وأنتم اظلم منى فإني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم اكراما لكم وأنتم تأخذونها من الفلاحين وعندي دفتر محرر فيه ما تحت أيديكم من الحصص بلغ الفي كيس ولا بد إني افحص عن ذلك وكل ما وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة من فلاحيته ارفع الحصة عنه فقالوا له: ذلك ثم اتفقوا على الخروج والتقيا في صبحها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون إليه في زيادة النيل وبالجملة ركب السيد عمر والمشايخ وأهل الأزهر وغيرهم والأطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا إلى الجامع المذكور بمصر القديمة فلما كان صبحها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى الاستسقاء ودعا الله وامن الناس على دعائه وحول رداءه ورجع الناس بعد صلاة الظهر وبات السيد عمر هناك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وفي تلك الليلة رجع الماء إلى محل الزيادة الأولى واستتر الحجر الراقد بالماء. وفي يوم الإثنين خرجوا أيضا واشار بعض الناس باحضار النصارى أيضا فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الاقباط وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان وانفض الجمع أيضا. وفي تلك الليلة التي هي ليلة الثلاثاء زاد الماء ونودى بالوفاء وفرح الناس وطفق النصارى يقولون: إن الزيادة لم تحصل إلا بخروجنا. فلما كانت ليلة الأربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة. وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا لعلو أرض الخليج وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه من مدة سنين وكان ذلك يوم الأربعاء غرة شهر رجب وتاسع عشر مسرى القبطى. واستهل شهر رجب بيوم الأربعاء سنة 1223 في ثانية يوم الخميس وصل إلى بولاق راغب أفندي وهو اخو خليل أفندي الرجائي الدفتردار المقتول على يده مرسوم باجراء الخطبة باسم السلطان محمد بن عبد الحميد وانزلوه ببيت ابن السباعي بالغورية وضربوا مدافع بالقلعة وشنكا ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة وخطب الخطباء في صبحها بإسم السلطان محمود الدعاء له في جميع المساجد. وفي ليلة الأحد خامسه سافر محمد علي باشا إلى بحري ونزل في المراكب وأرسل قبل نزوله بأيام بتشهيل الاقامات والكلف على البلاد من كل صنف خمسة عشر واخلوا لمن معه بيوت البنادر مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والاسكندرية وفرض الفرض والمغارم على البلاد على حكم القراريط التي كانوا ابتدعوها في العام الماضى على كل قيراط سبعة آلاف وسبعمائة نصف فضة وسماها كلفة الذخيرة وأمر بكتابة دفتر لذلك فكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 إليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب فأرسل من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل والخراب بدفتر آخر فلما فعل الروزنامجي ذلك ادخل فيها بلاد بها بعض الرمق لتخلص من الفرضة وفيها ما هو لنفسه فلما وصلت إليه أمر بتوزيع ذلك الخراب على أولاده واتباعه واغراضه وعدتها مائة وستون بلدة وأمر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالأسماء التي عينها له فلم يمكن الروزنامجي أن يتلاقى ذلك فتظهر خيانته ووزعت وارتفعت عن أصحابها وكذلك حصل بإقليم البحيرة لما عمها الخراب وتعطل خرابها وطلبوا الميري من الملتزمين فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب فرفعوها عنهم وفرقها الباشا على اتباعه واستولوا عليها وطلبوا الفلاحين الشاردة والمتسحبة من البلاد الاخر وامروهم بسكناهم وزادوا في الطنبور نقمات وهو أنهم صاروا ينتبعون أولاد البلد أرباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى وذلك باغراء اتباعهم واعوانهم فيكون الشخص منهم جالسا في حانوته وصناعته فما يشعر إلا والاعوان محيطون به ويطلبونه إلى مخدومهم فإن امتنع أو تلكأ سحبوه بالقهر وادخلوه إلى الحبس وهو لا يعرف له ذنبا فيقول: وما ذنبي فيقال له: عليك مال الطين فيقول: واي شيء يكون الطين فيقولون له: طين فلاحتك من مدة سنين لم تدفعه وقدره كذا وكذا فيقول: لا اعرف ذلك ولا اعرف البلد ولا رأيتها في عمرى لا أنا ولا أبي ولا جدي فيقال له: الست فلانا الشيراوي الو الميناوي مثلا فيقول: لهم هذه نسبة قديمة سرت الي من عمي أو خالي أو جدي فلا يقبل منه ويحبس ويضرب حتى يدفع ما الزموه به أو يجد شافعا يصالح عليه وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحرير وغيرهم ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل إلى دمياط وفرض على أهلها اكياسا وأخذ من حكامها هدايا وتقادم ثم رجع إلى سمنود وركب في البر إلى المحلة وقبض ما فرضه عليها وهو خمسون كيسا نقصت سبعة أكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب وقدم له حاكمها ستين جملا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وأربعين حصانا خلاف الاقمشة المحلاوية مثل الززدخانات والمقاطع الحرير وما يصنع بالمحلة من أنواع الثياب والامتعة صناعة من بقي بها من الصناع ثم ارتحل عنها ورجع إلى بحر منوف وذهب إلى رشيد والاسكندرية ولما استقر بها اعبى هدية إلى الدولة وأرسل إلى مصر فطلب عدة قناطير من البن والاقمشة الهندية وسبعمائة اردب أرز أبيض أخذت من بلاد الأرز وأرسل الهدية صحبة إبراهيم افندى المهردار وحضر إليه وهو بالاسكندرية قابجي من طرف مصطفى باشا البيرقدار الوزير برسالة ورجع بالجواب على أثره ولم يعلم ما دار بينهما. وفي منتصفه اعنى! شعبان حضر محمد علي باشا من غيبته وطلع على ساحل بولاق ليلة الخميس خامس عشره وذهب إلى داره بالازبكية ثم طلع في ثاني يوم إلى القلعة وضربوا لحضوره مدافع. واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة 1223 فيه وردت الأخبار بحرق القمامة القدسية وظهر حريقها من كنيسة الاروام. وفيه سافر عدة من العسكر والدلاة وعمر بك الالفي ومعه طائفة من المماليك إلى البحيرة بسبب عربان أولاد علي فإنهم كانوا بعد الحوادث المتقدمة نزلوا بإقليم وشاركوا وزرعوا مثل ما كان عليه الهنادي والجهنة فلما اصطلح الالفية مع الباشا توسط شاهين بك في صلح الهنادى والجهنة على قدر وذلك لما كان بينهم وبين أستاذه من النسابة ونزل صحبتهم إلى البحيرة وغمرهم بأرضها كما كانوا أولاد وطرد أولاد علي وحاربهم ومكن الهنادي والجهنة ورجع إلى الجيزة فراسل أولاد علي باشا بوساطة بعض أهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة واخراج الهنادي فأجابهم طمعا في المال فحنق أولئك وعصوا وحاربوا أولاد علي ونهبوا ونالوا منهم بعد أن كانوا ضيقوا عليهم وحصلت اختلافات وامتنع أولاد علي من دفع المال الذي قرروه على أنفسهم واجتمعوا بحوش ابن عيسى فأرسل إليهم الباشا عمر بك المذكور ومن معه فحاربوهم مع الهنادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 فظهر عليهم أولاد علي وهزموهم وقتل من الدلاة أكثر من مائة وكذلك من العسكر ونحو الخمسة عشر من المماليك فأمر الباشا بسفر عساكر أيضا وصحبتهم نعمان بك وخلافه وسافرت طائفة من العرب إلى ناحية الفيوم فأرسلوا لهم عدة من العسكر. وفي أواخره سافر أيضا شاهين بك وباقي الالفية خلاف أحمد بك فإنه أقام بالجيزة. وفيه نودى على المعاملة بأن يكون صرف الريال الفرنسا بمائتين وعشرين وكان بلغ في مصارفته إلى مائتين وأربعين والمحبوب بمائتين وخمسين فنودى على صرفه بمائتين وأربعين وذلك كله من عدم الفضة العددية بأيدي الناس والصيارف لتحكيرهم عليها ليأخذها تجار الشام بفرط في مصارفتها تضم للميري فيدور الشخص على صرف القرش الواحد فلا يجد صرفه إلا بعد جهد شديد ويصرفه الصراف أو خلافه للمضطر بنقص نصفين أو ثلاثة. وفيه سافر أيضا حسن الشماشرجي ولحق بالمجردين. وفي أواخره ورد الخبر بأن محو بك كاشف البحيرة قبض على السيد حسين نقيب الاشراف بدمنهور واهانه وضربه وصادره وأخذ منه الفي ريال بعد أن حلف أنه لم يأت بها في مدة أربع وعشرين ساعة وإلا قتله فوقع في عرض النصارى المباشرين فدفعوها عنه حتى تخلص بالحياة وكذلك قبض على رجل من التجار وقرر عليه جملة كثيرة من المال فدفع الذي حصلته يده وبقي عليه باقي ما قرره عليه فلم يزل في حبسه حتى مات تحت العقوبة فطلب أهله رمته فحلف لا يعطيها لهم حتى يكون ابنه في الحبس مكانه. ومن الحوادث السماوية أن في سابع عشرين رمضان غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى وامطرت بردا في مقدار بيض الدجاج واكبر واصغر فهدمت دورا واصابت انعاما غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 واستهل شهر شوال بيوم الأحد سنة 1223 وفي أواخره حضر شاهين بك الألفي من ناحية البحيرة وذلك بعد ارتحال أولاد علي من الإقليم. وفيه أيضا حضر سليمان كاشف البواب من ناحية قبلي وصحبته عدة من المماليك وأربعة من الكشاف فقابل الباشا وخلع عليه وانزله ببيت طنان بسويقة العزى وسكن بها وحضر مطرودا من اخوانه المرادية. واستهل شهر القعدة بيوم الإثنين سنة 1223 وفيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصا من أقاربه. وفي ثالث عشره نزل والى الشرطة وإمامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشا في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتاجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا لضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الاسعار وزيادة المكوس فيضطر الشخص إلى الاستدانة فلا يجد من يداينه من أهل البلد فيستدين من أحد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشا في كل شهر وإذا قصرت يد المديون عن الوفاء اضافوا الزيادة على الاصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤل الأمر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا املاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئا خرج هاربا وترك أهله وعياله خوفا من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين إلى الباشا فامر بكتابة هذا البيور لدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الأسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادى على الربا جهارا في الأسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيبا في عقيدتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وفي رابع عشرينه غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفا بالبحيرة ونفاه إلى أبي قير وأخذ أمواله وانعم ببيته وهو بيت حسين أغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الاورفلي. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة 1223 وفيه وصلت الأخبار من إسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وأنه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في أمور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فاجمعوا امرهم ومكرا مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون امرهم واحتقر جانبهم وقال: اي شيء هؤلاء منا ولري بمعنى أنهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الافاعي من سموم العقارب ثم أنهم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في أماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من اتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه واوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لأن سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التي بناحية البحر وأرسل يستعجل قاضى باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا إلى السراية واشتد الحرب بين الفريقين وأكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى احرقوا منها جانبا كبيرا فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يوما وليلة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وابطلوا الحرب وشرعوا في اطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هاربا وكذلك قبودان باشا وهو عبد الله رامز أفندي الذي كان في أيام الوزير بمصر ثم إنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتا من تحت الردم وسحبوه من رجليه إلى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به وأكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي الباشا وكان من اغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا أن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي اخاه ويرده إلى السلطنة فقتل السلطان محمود اخاه مصطفى خنقا ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبد الله أفندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب إقامة العدل والوقت بخلاف ذلك. وفيه قوي الاهتمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمي عثمان السلانكلي الذي كان مباشرا على جسر الاسكندرية. وفي منتصفه سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وأمر بوسق الاحجار وافردوا لذلك عدة كثيرة من المراكب تشحن بالاحجار والاخشاب الكثيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وأمر بجمع الرجال من القرى للعمل. وفيه أيضا شرع الباشا في انشاء ابنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة واشيع أن قصده انشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع وأخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والاطيان والرزق والاقطاعات من ساحل شبرا إلى جهة بركة الحاج عرضا. وفي سابع عشره خرجت عساكر كثيرة إلى البر الغربي بقصد الذهاب إلى الفيوم صحبة شاهين بك والالفية بسبب أولاد علي الذين كانوا بالبحيرة. وفي ثاني عشرينه وصل واحد قابجي واشيع أنه طلع من بولاق وذهب إلى بيت الباشا وعلى يده مرسومان احدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أن يقوم محمد علي باشا بلوازمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وما يحتاج إليه من أدوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام أثر ولما أصبح النهار وحضر القابجي في موكب إلى بيت الباشا وحضر الأشياخ والأعيان وكان الباشا غائبا في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك وأكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها التي لا يمكن ضبط جزئياتها لعدم الوقوف على حقيقتها فمن الحوادث العامة توالي الفرض والمظالم المتوالية واحداث أنواع المظالم على كل شىء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع اسعار المبيعات والمأكل والمشارب بسبب ذلك وفقر أهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن وأخذ مواشيهم واغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها إلا في المذابح ويؤخذ منهم اسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا وأهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على أهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله وإذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه واشهره وأخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالا ولا يغفر ذنبه ويسمى خائنا وفلاتيا ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فانه لم يمنع أحدا يأتي الحج على الطريقة المشروعة وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يتعرض لهم أحد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها خرجوا من اوطانهم بأولادهم ونسائهم ولم يمكث إلا الذي ليس له ايراد من ذلك وأتوا إلى مصر والشام ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من اجراء الأرزاق واتصال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التي بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها وأخذها فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الأشياء ارسلها ووضعها خساف العقول من الاغنياء والملوك والسلاطين الاعاجم وغيرهم أما حرصا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم أو لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج إليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الاعداء فلما تقادمت عليها الازمنة وتوالت عليها السنين والاعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لاحقيقة وارتسم في الاذهان حرمة تناولها وأنها صارت مالا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أخذها ولا انفاقها والنبي عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئا من عرض الدنيا في حياته وقد اعطاه الله الشرف الاعلى وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون نبيا عبدا ولم يختر أن يكون نبيا ملكا. وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. وروى الترمذي بسنده عن أبي إمامة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت: لا يارب ولكن اشبع يوما واجوع يوما أو قال: ثلاثا أو نحو ذلك فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شعبت شكرتك وحمدتك ثم أن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي اوساخ الناس ومنع بنى هاشم من تنأول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فان المال اوجده المولى سبحانه وتعالى من أمور الدنيا لا من أمور الآخرة قال الله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} وهو من جملة السبعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} فهذه السبعة تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها أمورا مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة إذا صرفت في محلها. وعن مطرف عن أبيه قال: اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرا الهاكم التكاثر قال يقول: ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن ادم من مالك إلا ما اكلت فافنيت أو لبست فابليت أو تصدقت فأمضيت إلى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة أوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية وأن قال المدخر: اكنزها لنوائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الافرنج وخلو خزائنهم من الأموال التي افنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الافرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الأموال بغير حق حتى افقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئا بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلا عن اعطائه لمستحقه من المحتاجين وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد إلا ما يختلسه العبيد الخصيون الذين يقال لهم: اغوات الحرم والفقراء من أولاد الرسول وأهل العلم والمحتاجون وابناء السبيل يموتون جوعا وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعة منها إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة وأخذ تلك الذخائر فيقال: إنه عبى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام ونحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك. ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التي تنقل الماء إلى القلعة وقد خربت وتلاشى أمرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد أفندي طبل ناظر المهمات فعمرها واجرى الماء بها في أواخر الشهر الماضي. ومنها احداث عدة مكوس على أصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة انصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم أربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها. وأما من مات بها ممن له ذكر. فمات الأجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو اخو الشيخ أحمد البكري الصديقي الذي كان متوليا على سجادتهم ولما مات اخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة وارتكابه أمورا غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد أفندي مضافة لنقابة الاشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالازبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفة وانشأ فيه بستانا زرع فيه أصناف الاشجار والفواكه فلما توفي السيد محمد أفندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الاشراف السيد عمر مكرم الاسيوطي فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هاربا من الفرنساوية إلى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وانهم غصبوها منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 فقلدوه اياها واستولى على وقفها وايرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من اعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لاجراء الاحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوى والشكاوى واجتمع عنده مماليك من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى التي انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والأمراء المصرية وأهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الازبكية إلى وكالة ذى الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون واطلقوه بعد أن اشرف على الهلاك وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره واسكن روعه والبسه ثيابا واكرمه وبقي بداره إلى أن انقضت أيام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعوضوا عليه ما نهب له ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره اخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في أيام الفرنسيس فلما اشيع حضور الوزير والقبودان والانكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الاشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو أنهى إليه الكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب إلى الفرنسيس بعلمه وأنه قتلها خوفا وتبرئة لنفسه من الشهرة التي لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 فيها ولا التنصل منها وأنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد: وهو من جملة اتباع المترجم ولكنه فقير لا يملك شيئا ولا دابة بركبها فقال الباشا: أنا اواسيه واعطيه فأحضروه له بعد أن البسوه تاجا كبيرا وثيابا وهو رجل مبارك طاعن في السن فالبسه فروة سمور وقدم له حصانا معددا وقيد له ألف قرش وسكن دار بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل أمر المترجم واشترى دارا بدرب الجماميز بعطفه الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها اشجارا وحسنها واتقنها وبنى له مجلسا مطلا عليها وبالأسفل مساطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الأمراء المتقدمين بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بانقاضهما واخشا بها وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على ايراده فيما يخصه من وقف جده لامه الأستاذ الحنفي وتصدى لفاقمته واذيته انفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى أنه كان عقد لأبنه سيدي أحمد على بنت المرحوم محمد أفندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وابطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي وتسلط عليه من له دين أو دعوى أو مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد اشترى مملوكا في أيام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ما حصل ادعى عليه البائع أنه أخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الأمر والمصالحة على أن عثمان بك المرادي أخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلى عليه بمسجد جده لامه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند اسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 ومات الأمير شاهين بك المرادي ويعرف بباب اللوق لأنه كان ساكنا هناك وهو من مماليك مراد بك وأصله جركسي الجنس ولما اعتقه مراد بك أنعم عليه بكشوفية إقليم الغربية ثم رجع إلى مصر وأقام بطالا متطلعا للإمارة ويرى أنه احق بها من غيره ولما رجع المصريون إلى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائبا ببلاد الانكليز انضم إليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو أحد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الألفي ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الأول من السنة المذكوره والله اعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 سنة أربع وعشرين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة اعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وامطرت في محلات قليلا وفي أخرى كثيرا ثم انجلت السماء سريعا فظهرت النجوم وبعد أيام أخبر الواردون من ناحية بلاد السماحات بالغربية أنها امطرت بتلك الناحية في تلك الليلة بردا كبيرا وصغيرا والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية وأهلكت زروعا كثيرة. وفي يوم الأحد رابعه قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعه الفرعونية وأرسل راسه إلى مصر فعلقت بباب زويله. وفي أواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد واشغلوا المراكب في نقل الاحجار ليلا ونهارا والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعا وصخورا فكانوا يشقون الجبل بالغام البارود مثل عمل الافرنج وظهر في قطعهم كهوف ومغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بأنواع الاكاذيب والخرافات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه اقفال ففتحوه ونظروا من داخله أشخاصا على خيول إلى غير ذلك. وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالاسكندرية فقال له: حاكم الاسكندرية ينبغي أن تذهب إلى الباشا بالترعة وتقابله فذهب إليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة وأصبح ميتا فاخرجوه إلى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان أحدهما الأخبار عن صلح الدولة مع الانكليز والموسكوب وانفتاح البحر وامن المسافرين والثاني الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وأن يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضا بالسفر من ناحيته على الدرعية وأحضر للباشا تقريرا بالولاية مجددا وخلعه وسيفا. واستهل شهر صفر بيوم السبت سنة 1224 فيه حضر الآغا الواصل إلى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وأرباب العكاكيز فأربكوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع إلى القلعة وقرؤا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكا. وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وامطرت كثيرا ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكا صغيرا من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الأرض وأحضروا منه إلى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة. وفيه اهتم الباشا باخراج تجريدة إلى الأمراء القبليين وذلك أنه تقدم بالإرسال إليهم يطالبهم بالغلال والأموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل إليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه اجوبة وهدية وفيها خيول وجوار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وعبيد وسنكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال: أنا لست اطلب احسانهم وصدقاتهم حتى أنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور وحيث أنهم لا يرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم وأرسل إلى من بمصر من الأكابر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح أغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيامهم ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أياما معدودة فلما حضر من الترعة أخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر إلى البر الغربي وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحرى لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالا وجمالا وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لا يقدورن على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك واعطائهم الرشوات وحضر أيضا نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك وقابل الباشا على الترعة فلم ينفع حضوره أيضا ولم يسمع له قول ورجع مزيفا. وفي خامسه حضر علي بك ايوب وصحبته آخر يقال له رضوان بك البرديسي: فطلعا إلى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك ايوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الامهال إلى حصاد الغلال فقال: أنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو أربعة أيام ثم اشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد واكل الزروعات وخراب البلدان فانهم اكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفا وخمسمائة فدان ولما اشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وايسوا من زروعاتهم وخرجوا من اوطانهم على وجوههم لا يدرون اين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية. وفي صبحها اعيد أمر التجريدة واشيع خروج العساكر ثانيا فانقبضت النفوس ثانيا وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس وانبثت المعينون للطلب. وفي عاشره بطل صبحها اعيد أمر التجريدة وانقضى أمر الصلح على شروط وهي أنهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف اردب وسبعة آلاف اردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعدا للباشا شاهين بك الألفي والموعد أحد وثلاثون يوما وسافر علي بك ايوب ورضوان بك البزديسي واكرمهما الباشا وخلع عليهما. وفي حادي عشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلما وسبب ذلك أنه لما نزل قبودان بولاق لجمع المراكب المطلوبه لسفر التجريدة فصادف شخصا من الارنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه ليأخذ منه السفينة فقال: كيف تأخذها وفيها غلتي قال: اخرج غلتك منها على البر واتركها فإنها مطلوبه لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها ولم يجد سفينة أخرى لأن جميع السفن مطلوبه مثلها وقال له: عندما أصل بها إلى مصر وانقل منها الغلة أرسل معي من يأخذها فقال القبودان: لا سبيل إلى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الارنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الارنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فأراد اتباع القبودان القبض عليه ففر منهم إلى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فلجأ إليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى أغا المذكور ملتزم البلدة هناك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وغائبا في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر إليهم وخاف من وقوع قتل أو شر يقع بالبلدة فيكون سببا لخراب الناحية فقال: يا جماعة اذهبوا بنا إلى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا إلى ساحل بولاق فعندما وصلوا إلى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الأمير مصطفى المذكور فقال له: عمر بك اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي وأنت لا باس عليك ففعل فقال له: الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجيء إليهم وكأنهم هم الذين افلتوه فأمر بحبسه فأرسل إلى عمر بك فحضر إلى الباشا وترجى في اطلاقه فوعده أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل فقال: إنه عند ازمير أغا وهو لا يسلم فيه وركب إلى داره فلما كان في الصباح أمر بقتل الأمير مصطفى المذكور فانزلوه إلى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلما. وفي صبحها أيضا قتلوا شخصا من الدلاة بسبب هذه الحادثة. وفي ثاني يوم قتل الارنؤد شخصين من الدلاة أيضا. وفي يوم الخميس ثالث عشره أرسل الباشا وطلب الارنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال: إن لم يرسله وإلا احرقت عليه داره فامتنع من ارساله وجمع إليه طائفة الارنؤد وصالح أغا قوج جاره وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعا إلى داره بالازبكية وقت الغروب كثرت الارجاف والقلقة بين الارنؤد والدلاتيه. وفي خامس عشره قتل الارنؤد شخصين من الدلاتيه أيضا جهة قناطر السباع ثم أن القاتل الذي قتل القبودان إلتجأ إلى كبير من كبار الارنؤد فأرسل الباشا إلى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير واكد في طلبه أو أنه يقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وأرسل إليه براس ملفوفة في ملاية تسكينا لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وفي أواخره أمر الباشا بتحرير دفاتر فرضه الاطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها أربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة اعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الافندية والاقباط بجهات متباعدة الأفندية بربع ايوب ببولاق والاقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عدة أيام ووقع الطلب في جانب معجلا سموه الترويجة. وفيه أمر الباشا عمر بك الارنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه ورواتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحرى شبرا واختصها لنفسه فلما استولى على حصص غمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحرية عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم. واستهل شهر ربيع الأول سنة 1224 فيه شرع السيد عمر مكرم نقيب الاشراف في عمل مهم لختان ابن ابنته ودعا الباشا والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا والتعابي وعمل له زفة يوم الإثنين سادس عشره مشى فيها أرباب الحرف والعربات والملاعيب وجمعيات وعصب صعايدة وخلافهم من أهالي بولاق والكفور والحسينية وغيرها من جميع الأصناف وطبول وزمور وجموع كثيرة فكان يوم مشهودا اكتريت فيه الأماكن للفرجة وكان هذا الفرح هو آخر طنطنة السيد عمر بمصر فانه حصل له عقيب ذلك ما سيتلى عليك قريبا من النفي والخروج من مصر. وفيه كمل سد ترعة الفرعونية واستمر العمل فيها وفي تأبيد السد بالاحجار والمشمعات والاتربة نحو ستة اشهر وصرف عليها من الأموال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 ما لا يحصى وجرى مجرى البحر الشرقي وغزر ماؤه وجرت فيه السفن من دمياط بعد أن كان مخاضه وملحت عذوبة النيل بما انعكس فيه وخالطه من ماء البحر الملح إلى قبلي فارس كور وأقام بالسد عمر بك تابع الاشقر لخفارته وتعهد الخلل وكتم الجسر من النشع والتنفيس وسكن هناك ولم يفارقه واستمر في هذه الوظيفة والخدمة ولم يقم بمصر. وفي هذا الشهر وما قبله تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الاردب القمح الفا وستمائة نصف فرضة وعز وجوده بالرقع والعرصات وأما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق ومع ذلك استمرار المغارم والفرض حتى فرض الغلة عين وكذلك تبن وجمال وما ينضاف إلى ذلك مما سمعته غير مرة مما يطول شرحه. وفيه نودي على صرف الفرانسة والمحبوب والمجر كما نودي في العام الماضي لأنه لما نودي بنقص صرفها ومضى نحو الشهر أو الشهرين رجع الصرف إلى ماكان عليه وزيادة فأعيد النداء كذلك وسيعود الخلاف ما دام الكرب والضيق بالناس على أن هذه المناداة والأوامر بالنقص والزيادة ليست من باب الشفقة على الناس ولا الرحمة وإنما هي بحسب اغراضهم وزيادة طمعهم فإنه إذا توجهت المطالبات بالفرض والمغارم نودي بالنقص ليزيد الفرط وتتوفر لهم الزيادة ويحصل التشديد والمعاقبة على من يقبض بالزيادة من أهل الأسواق وإذا كان الدفع من خزانتهم في علائف العسكر أو لوازمهم الكبيرة قبضوها بأزيد من الزيادة التي نادوا عليها من غير مبالاة ولا احتشام تناقض مالنا إلا السكوت عنه. وفي أواخره تواجدت الغلال وانحل سعرها وحضر الفلاحون ببدارى الغلة وانحط السعر والحمد لله. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1224 في سادسه وردت مراسيم من الروم وبشارة بمولودة ولدت للسلطان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وسموها فاطمة وفي المراسيم الأمر بالزينة فاقتضى الرأي أن يعملوا شنكا ومدافع من القلعة تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام وهذا شئ لم يسمع بمثله فيما سبق أن يعملوا للانثى شنكا أو زينة أو يذكر ذلك مطلقا وإنما يعمل ذلك للمولود الذكر من بدع الأعاجم. وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر من الأمراء المصريين القبالي مرزوق بك ابن إبراهيم بك وسليم أغا مستحفظان وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك ايوب حسب الاتفاق المتقدم في تقرير الصلح ولكن لم يكن سليم أغا مذكورا في الحضور بل كان منجمعا وممتنعا عن التداخل في هذه الأحوال والسبب في حضوره أن زوجته توفيت من نحو نصف شهر فحضر لأجل تركتها ومتاعها ومتاعه الذي عندها وحصصها ولما حضر وجد الباشا استولى على ذلك وأخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار وأخذ الحصص وأخذ حلوانها وذلك بيد محمود بك الدويدار فلما حضر سليم اغا لم يجد شيئا لا دار ولا عقار ولا نافخ نار فنزل عند علي بك ايوب بمنزله بشمس الدولة فحضر إليه محمود بك الدويدار والترجمان وأخذ بخاطره وطمناه وأخبراه أن الباشا سيعوض عليه ماذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح فلم يسعه إلى التسليم. وفيه سقط سقف القصر الذي انشأه الباشا بشبرا وشرعوا في تعمير ثانيا. وفيه وصل الخبر بحضور زوجة الباشا أم أولاده وابنه الصغير واسمه إسمعيل وابن بونابارته الخازندار وكثير من اقاربهم وأهاليهم حضر الجميع من بلدهم قوله إلى اسكندرية فانهم لما طابت لهم مصر واستوطنوها وسكنوها وتنعموا فيها أرسلوا إلى أهاليهم وأولادهم واقاربهم بالحضور فكانوا في كل وقت يأتون أفواجا أفواجا نساء ورجالا وأطفالا فلما وصل خبر وصولهم إلى اسكندرية سافر لملاقاتها ابنها إبراهيم بك الدفتردار وذلك حادي عشره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وفي ثالث عشره حضر المذكور قبل حضور الواصلين ولما وصلوا نزل الباشا لملاقاتهم إلى بولاق. وفي يوم الإثنين رابع عشره نبهوا على جميع النساء والخوندات وكل من كانت لها اسم في الالتزام أن يركبن بأسرهن ويذهبن إلى ملاقاة امراة الباشا ببولاق وذلك صبح يوم الأربعاء واعتذرت الست نفيسة المرادية بانها مريضة ولا تقدر على الحركة والخروج فلم يقبلوا لها عذرا فلما كان صبح يوم الأربعاء اجتمع السواد الاعظم من النساء بساحل بولاق على الحمارة المكارية وهم ازيد من خمسمائة مكاري حتى ركبت زوجة الباشا وساروا معها إلى الازبكية وضربوا لوصولها وحلولها بمصر عدة مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثم وصلت الهدايا والتقادم واقبلت من كل ناحية الهدايا المختصة بالأولاد والمختصة بالنساء. واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1224 في ثالثه يوم السبت نزل عمر بك الارنؤد إلى المراكب من بيته من بولاق وسافر على طريق دمياط ليذهب إلى بلاده وسافر معه نحو المائة وهم الذين جمعوا الأموال واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال أشياء كثيرة عباها في صناديق كثيرة وأخذها معه وذلك خلاف ما ارسله إلى بلاده في دفعات قبل تاريخه. وفي يوم الخميس خامس عشره سافر علي بك ايوب وسليم أغا مستحفظان إلى ناحية قبلي واستمر بمصر مرزوق بك وقاسم بك المرادي. وفيه طلب الباشا ألف كيس من المعلم غالي والزمه بها فوزعها على المباشرين والكتبه وجمعها في اقرب زمن. وفيه حضر سلحدار الوزير يوسف باشا وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان احدثه حين كان بمصر على أوراق الاقطاعات والفراغات وتقاسيط الالتزام الذي سموه قصر اليد وخرج القلم وجعل ايراد ذلك لنفسه فأرسل يطلب ذلك من تاريخ سنة 1217 سبعة عشر ومائتين وألف إلى وقت تاريخه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 حسب قدر ذلك فبلغ نيفا وأربعة آلاف كيس. وفيه شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين ودفتر آخر بفرض مال على الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والاسبلة والخيرات وجهات البر والصدقات وكذلك اطيان الاوسية المختصة أيضا بالملتزمين وكتبو ابذلك مراسيم إلى القرى والبلاد وعينوا بها معينين وحق طرق من طرف كشاف الاقاليم بالكشف على الرزق المرصدة على المساجد والخيرات وتقدموا إلى كل متصرف في شيء من هذه الاطيان وواضع عليها يده بأن يأتي بسنده إلى الديوان ويجدد سنده ويقوي بمرسوم جديد وأن تأخر عن الحضور في ظرف أربعين يوما يرفع عنه ذلك ويمكن منه غيره وذكروا في مرسوم الأمر عله وحجه لم يطرق الاسماع نظيرها بانه إذا مات السلطان أو عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه ويحتاج إلى تجديد تواقيع من نواب المتولي الجديد ونحو ذلك ثم ليعلم أن هذه الارصادات والاطيان موضوعة من أيام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الايوبي في القرن الخامس من مصاريف بيت المال ليصل إلى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة ثم اقتدى به في ذلك الملوك والسلاطين والأمراء إلى وقتنا هذا فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والاسبله ويرصدون عليها اطيانا يخرجونها من زمام اوسيتهم فيستغل اخراجها أو غلالها لتلك الجهة وكذلك يربطون على بعض الأشخاص من طلبة العلم والفقراء على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم وإذا مات المرصد عليه ذلك قرر القاضي أو الناظر خلافه ممن يسحق ذلك وقيد اسمه في سجل القاضي ودفتر الديوان السلطاني عند الأفندي المقيد بذلك الذي عرف بكاتب الرزق فيكتب له ذلك الأفندي سندا بموجب التقرير يقال له: الافراج ثم يضع عليه علامته ثم علامة الباشا والدفتردار ولكل إقليم من الاقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج مكتوب فيها اسم ذلك الإقليم ليسهل الكشف والتحرير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 والمراجعة عند الاشتباه وتحرير مقادير حصص أرباب الاستحقاقات ولم يزل ديوان الرزق الاحباسية محفوظا مضبوطا في جميع الدول المصرية جيلا بعد جيل لا يتطرفه خلل إلا ما ينزل عنه أرباب لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل ويقرر للمفرغ على نفسه قدرا مؤجلا دون القيمة الاصلية في نظير المعجل الذي دفعه للمفرغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام لم تزل على ذلك بطول القرون الماضية وتملك الفرنساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا الشيء من ذلك ولما حضر شريف أفندي الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير ووجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانا جديدا على النظام والنسق الذي ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأي وجه زاعمين أن أرض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية وأنهم استنقذوها منهم واستولوا عليها بإستيلاء جديد وصارت جميع أراضيها ملكا لهم فمن يريد الاستيلاء على شيء من أرض وغيرها فليشتره من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذي قدروه واطلعو على التقاسيط وفي بعضها ما رفع عنه الميري الذي يقبض للخزينة بأذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون: شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الاحباسية ويسمونه خزينة بند ومنهم من ابقى على التزامه شيئا قليلا سموه مال الحماية فلم يسهل بهم ابطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الميري الذي كان مقيدا عليها أو أقل أو زيد بحسب واضع اليد واكرامه أن كان ممن يكرم وضمه إلى مال الحماية الاصلي أو المستجد فقط وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التي وضعوها وقيدوها في نظير جعلها خزينة بند كما ذكر ثقتقيد لكتابة الاعلامات عبد الله أفندي رامز القبودان وقاضي باشا وسمي في ذلك الوقت بكاتب الميري وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الاعلامات لثبوت رزقهم الاحباسية وتجديد سنداتها فتعنت عليهم بضروب من التعنت كأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 يطلب من صاحب العرضحال اثناب استحقاقه فإذا ثبت له لا يخلوا أما أن يكون ذلك بالفراغ أو المحلول فيكلفه احضار السندات وأوراق الفراغات القديمة فربما عدمت أو بليت لتقادم السنين أو تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد أو كان القديم مشتملا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالمنزول عنه ويبقى القديم عند صاحب الاصل فإن أحضره إليه تعلل بشيء آخر واحتج بشبهة أخرى فإذا لم يبق له شبهة طالبه بحلوانها عن مقدار ايرادها ثلاث سنوات وإلا فخمس سنوات وذلك خلاف المصاريف فضج الناس واستغاثوا بشريف أفندي الدفتردار فعزل عبد الله أفندي رامز المذكور عن ذلك وقيد أحد كتابه بكتابة الاعلامات وقرر على كل فدان عشرة انصاف فضة فما دونها يرسمها في السند الجديد وجعلها مال حماية وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة في تأكيد الاحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع في الإقليم المصري فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم ويعلم عليها الدفتردار فقط وأما الصورة القديمة فكانت تكتب في كاغد كبير بخط غربي مجرد وعليها طرة بداخلها اسم والي مصر وممهورة بختمه الكبير وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة أخرى تسمى التذكره مستطيلة على صورة التقسيط الفرمة ممهورة أيضا وعليها العلامة والختم وهي متضمنه ما في الكبيرة وعلى ذلك كان استمرار الحال إلى هذا الأوان من قرون خلت ومدد مضت. وفيه أيضا حرروا دفتر الإقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشراقي واضافوا إليه طين الاوسية والرزق وكتبوا بذلك مناشير واخرج المباشرون كشوفاتها بأسماء الملتزمين فضج الناس واجتمعوا إلى مشايخ الأزهر وتشكوا فوعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت. وفيه قبض اغات التبديل على شخص من أهل العلم من اقارب السيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 حسن البقلي وحبسه فأرسل المشايخ يترجون في اطلاقة فلم يفعل وأرسله إلى القلعة. وفيه سعى محمد أفندي طبل ناظر المهمات لصديقه السيد سلامه النجاري عند الباشا في انعام ووظيفة وسبب ذلك أن المذكور أرسل جملة طاقات من الاقمشة الهندية الغريبة المقصبة وغيرها وحصانا من اعظم خيول المصريين كان اشتراه منهم هدية إلى محمد أفندي المذكور فاقتضت مروأته أنه أخذها وقدمها للباشا وقال له: إن السيد سلامة أحضر هذه الهدية لافندينا شكرا لانعامه السابق عليه فقبلها الباشا وانعم عليه بعشرة أكياس وأمر محمد أفندي بأن يجعله في وظيفة معه. وفيه أيضا شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين بأنواع الاقمشة وباعة النعالات التي هي الصرم والبلغ وجعلوا عليها ختمية فلا يباع منها شيء حتى يعلم بيد الملتزم ويختم وعلى وضع الختم والعلامة قدر مقدر بحسب تلك البضاعة وثمنها فزاد الضجيج واللغط في الناس. وفي يوم السبت سابع عشره حضر المشايخ بالأزهر على عادتهم لقراءة الدروس فحضر الكثير من النساء والعامة وأهل المسجون وهم يصرخون ويستغيثون وابطلوا الدروس واجتمع المشايخ بالقبلة وأرسلوا إلى السيد عمر النقيب فحضر إليهم وجلس معهم ثم قاموا وذهبوا إلى بيوتهم ثم اجتمعوا في ثاني يوم وكتبوا عرضحال إلى الباشا يذكرون فيه المحدثات من المظالم والبدع وختم الامتعة وطلب مال الاوسية والرزق والمقاسمة في الفائظ وكذلك أخذ قريب البقلي وحبسه بلا ذنب وذلك بعد أن جلسوا مجلسا خاصا وتعاهدوا وتعاقدوا على الاتحاد وترك المنافرة وعند ذلك حضر ديوان أفندي وقال الباشا: يسلم عليكم ويسأل عن مطلوباتكم فعرفوه بما سطروه اجمالا وبينوه له تفصيلا فقال: ينبغي ذهابكم إليه وتخاطبونه مشافهة بما تريدون وهو لا يخألف أوامركم ولا يرد شفاعتكم وإنما القصد أن تلاطفوه في الخطاب لأنه شاب مغرور جاهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وظالم غشوم ولا تقبل نفسه التحكم وربما حمله غروره على حصول ضرر بكم وعدم انفاذ الغرض فقالوا: بلسان واحد لا نذهب أبدا ما دام يفعل هذه الفعال فإن رجع عنها وامتنع عن احداث البدع والمظالم عن خلق الله رجعنا إليه وترددنا عليه كما كنا في السابق فاننا بايعناه على العدل لا على الظلم والجور فقال لهم: ديوان أفندي وأنا قصدي أن تخاطبوه مشافهه ويحصل انفاذ الغرض فقالوا: لا نجتمع عليه أبدا ولا نثير فتنة بل نلزم بيوتنا ونقتصر على حالنا ونصبر على تقدير الله بنا وبغيرنا وأخذ ديوان أفندي العرضحال ووعدهم برد الجواب ثم بعد رجوعه اطلقوا قريب السيد حسن البقلي الذي كان محبوسا ولم يعلم ذلك ثم انتظروا عودة ديوان أفندى فابطأ عليهم وتأخر عوده إلى خامس يوم بعد الجمعية فاجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلي عند محمد أفندي طبل ناظر المهمات وثلاثتهم في نفسهم للسيد عمر ما فيها وتناجوا مع بعضهم ثم انتقلوا في عصريتها وتفرقوا وحضر المهدي والدواخلي إلى السيد عمر وأخبره أن محمد أفندي ذكر لهم أن الباشا لم يطلب مال الاوسية ولا الرزق وقد كذب من نقل ذلك وقال: إنه يقول: إني لا اخألف أوامر المشايخ وعند اجتماعهم عليه ومواجهته يحصل كل المراد فقال السيد عمر: أما انكاره طلب مال الرزق والاوسية فها هي أوراق من أوراق المباشرين عندي لبعض الملتزمين مشتمله على الفضة ونصف الفائظ ومال الاوسية والرزق وأما الذهاب إليه فلا اذهب إليه ابدا وأن كنتم تنقضون الإيمان والعهد الذي وقع بيننا فالرأي لكم ثم انفض المجلس وأخذ الباشا يدبر في تفريق جمعهم وخذلان السيد عمر لما في نفسه منه من عدم انفاد اغراضه ومعارضته له في غالب الأمور ويخشى صولته ويعلم أن الرعية والعامة تحت أمره أن شاء جمعهم وأن شاء فرقهم وهو الذي قام بنصره وساعده واعانه وجمع الخاصة والعامة حتى ملكه الإقليم ويرى أنه أن شاء فعل بنقيض ذلك فطفق يجمع إليه بعض افراد من أصحابه المظاهر ويختلي معه ويضحك إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 فيغتر بذلك ويرى أنه صار من المقربين وسيكون له شأن أن وافق ونصح فيفرغ له جراب حقده ويرشده بقدر اجتهاده لما فيه من المعاونه ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان وحضر المهدي والدواخلي الجميع عند السيد عمر وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا ورقرق لذلك كل من المهدي والدواخلي والسيد عمر مصمم على الامتناع ثم قالوا: لا بد من كون الشيخ الأمير معنا ولانذهب بدونه فاعتذر الشيخ الأمير بانه متوعك ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صحبة ديوان أفندي والترجمان وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم الكلام وقال في كلامه: أنا لا ارد شفاعتكم ولا اقطع رجاءكم والواجب عليكم إذا رأيتم مني انحرافا أن تنصحوني وترشدوني ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنته ويثني على البواقي وفي كل وقت يعاندني ويبطل احكامي ويخوفني بقيام الجمهور فقال الشيخ المهدي: هو ليس إلا بنا وإذا خلا عنا فلا يسوي بشيء أن هو إلا صاحب حرفة أو جابي وقف يجمع الايراد ويصرفه على المستحقين فعند ذلك تبين قصد الباشا لهم ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر والشيخ الدواخلي حضوره نيابة عن الشيخ الشرقاوي وعن نفسه ثم تناجوا معه حصة وقاموا منصرفين مذبذبين ومظهرين خلاف ما هو كامن في نفوسهم من الحقد وحظوظ النفس غير مفكرين في العواقب وحضروا عند السيد عمر وهو ممتليء بالغيظ مما حصل من الشذوذ ونقض العهد فأخبروه بأن الباشا لم يحصل منه خلاف وقال: أنا لا أرد شفاعتكم ولكن نفسي لا تقبل التحكم والواجب عليكم إذا رأيتموني فعلت شيئا مخالفا أن تنصحوني وتشفعوا فأنا لا أردكم ولا امتنع من قبول نصحكم وأما ما تفعلونه من التشنيع والاجتماع بالأزهر فهذا لا يناسب منكم وكأنكم تخوفوني بهذا الاجتماع وتهيج الشرور وقيام الرعية كما كنتم تفعلون في زمان المماليك فأنا لا أفزع من ذلك وأن حصل من الرعية أمر ما فليس لهم عندي إلا السيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 والانتقام فقلنا له هذا لا يكون ونحن لانحب ثوران الفتن وإنما اجتمعنا لأجل قراءة البخاري وندعو الله برفع الكرب ثم قال: أريد أن تخبروني عمن انتبذ لهذا الأمر ومن ابتدا بالخلف فغالطناه وأنه وعدنا بابطال الدمغة وتضعيف الفائظ إلى الربع بعد النصف وانكر الطلب بالاوسية والرزق من إقليم البحيرة ثم قاموا منصرفين وانفتح بينهم باب النفاق واستمر القال والقيل وكل حريص على حظ نفسه وزيادة شهرته وسمعته ومظهر خلاف ما في ضميره. واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الجمعة سنة 1224 فيه حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان واجتمع المشايخ ببيت السد عمر وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه ولايجتمع به ولايرى له وجها إلا إذا ابطل هذه الاحدوثات وقال: إن جميع الناس يتهموني معه ويزعمون أنه لا يتجارأ على شيء يفعله إلا بإتفاقي معه ويكفي ما مضى ومهما تقادم يتزايد الظلم والجور وتكلم كلاما كثيرا فلما لم يجبهم إلى الذهاب وقالوا: إذا يطلع المشايخ وأرسلوا الشيخ الأمير فاعتذر بأنه متوعك الجسم ولايقدر على الحركة ولا الركوب ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي وذلك على خلاف غرض السيد عمر وقد ظن أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والإيمان فلما طلعوا إلى الباشا وتكلموا معه وقد فهم كل منهم لغة الآخر الباطنية ثم ذاكروه في أمر المحدثات فأخبرهم أنه يرفع بدعة الدمغة وكذلك يرفع الطلب عن الاطيان والاوسية وتقرير ربع الفائظ وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيت السيد عمر وأخبروه بما حصل فقال: واعجبكم ذلك قالوا: ثلاث قال: إنه أرسل يخبرني بتقرير ربع المال الفائظ فلم أرض وابيت إلا رفع ذلك بالكلية فإنه في العام السابق لما طلب احداث الربع قلت له هذه تصير سنة متبعة فحلف أنها إثنين قوله قالوا: قال: الخ هكذا في جميع النسخ التي معنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 ولعله قالوا: لا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الاصل لا تكون بعد هذا العام ولعله قالوا: أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الاصل لا تكون بعد هذا العام وذلك لضرورة النفقة وأن طلبها في المستقبل يكون ملعونا ومطرودا من رحمة الله وعاهدني على ذلك وهذا في علمكم كما لا يخفاكم قالوا: نعم وأما قوله أنه رفع الطلب عن الاوسية والرزق فلا أصل لذلك وهاهي أوراق البحيرة وجهوا بها الطلب فقالوا: اننا ذكرنا له ذلك فأنكر وكابرناه بأوراق البحيرة الطلب فقال: إن السبب في طلب ذلك من إقليم البحيرة خاصة وأن الكشافين لما نزلوا للكشف على أراضي الري والشراقي ليقرروا عليها فرضة الاطيان حصل منهم الخيانة والتدليس فإذا كان في أرض البلدة خمسمائة فدان ري قالوا: عليها مائة وسموا الباقي رزقا واوسية فقررت ذلك عقوبة لهم في نظيرته لبسهم وخيانتهم فقال السيد عمر: وهل ذلك أمر واجب فعله اليس هو مجرد جور وظلم احدثه في العام الماضي وهي فرضة الاطيان التي ادعى لزومها لإتمام العلوفة وحلف أنه لا يعود لمثلها فقد عاد وزاد وأنتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولاتصدعونه بكلمة وأنا الذي صرت وحدي مخألف وشإذا ووجه عليهم اللوم في نقضهم العهد والإيمان وانفض المجلس وتفرقت الاراء وراج سوق النفاق وتحركت حفائظ الحقد والحسد وكثر سعيهم وتناجيهم بالليل والنهار والباشا يراسل السيد عمر ويطلبه للحضور إليه والاجتماع به ويعده بانجاز ما يشر عليه به وأرسل إليه كتخدا ليترفق به وذكر له أن الباشا يرتب له كيسا في كل يوم ويعطيه في هذا الحين ثلثمائة كيس خلاف ذلك فلم يقبل ولم يزل الباشا متعلق الخاطر بسببه ويتجسس ويتفحص عن أحواله وعلى من يتردد عليه من كبار العسكر وربما اغرى به بعض الكبار فراسلوه سرا واظهروا له كراهتهم للباشا وأنه أن انتبذ لمفاقمته ساعدوه وقاموا بنصرته عليه فلم يخف على السيد عمر مكرم ولم يزل مصمما وممتنعا عن الاجتماع به والامتثال إليه ويسخط عليه والمترددون أيضا ينقلون ويحرفون بحسب الاغراض والاهواء واتفق في اثناء ذلك أن الباشا أمر بكتابة عرضحال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 بسبب المطلوب لوزير الدولة وهي الأربعة آلاف كيس ويذكر فيه أنها صرفت في المهمات منها ما صرف في سد ترعة الفرعونية ومبلغه ثمانمائة كيس وعلى تجاريد العساكر لمحاربة الأمراء المصرية حتى دخلوا في الطاعة كذلك مبلغا عظيما وما صرف في عمارة القلعة والمجراة التي تنقل المياه إليها مبلغا أيضا وكذلك في حفر الخلجان والترع ونقص المال الميري بسبب شراقي البلاد ونحو ذلك وارسله إلى السيد عمر ليضع خطه وختمه عليه فامتنع وقال: أما ما صرفه على سد الترعة فإن الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه اضعافا كثيرة وأما غير ذلك فكله كذب لا أصل له وأن وجد من يحاسبه على ما أخذ من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته الدفاتر فلما ردوا عليه وأخبروه بذلك الكلام حنق واغتاظ في نفسه وطلبه للاجتماع به فامتنع فلما أكثر من التراسل قال: إن كان ولا بد فاجتمع معه في بيت السادات وأما طلوعي إليه فلا يكون فلما قيل له في ذلك ازداد حنقه وقال: إنه بلغ به أن يزدريني ويرذلني ويأمرني بالنزول من محل حكمي إلى بيوت الناس. ولما أصبح يوم الأربعاء سابع عشرينه ركب الباشا وحضر إلى بيت ولده إبراهيم بك الدفتردار وطلب القاضي والمشايخ المذكورين وأرسل السيد عمر رسولا من طرفه ورسولا من طرف القاضي يطلبه للحضور ليتحاقق ويتشارع معه فرجعا وأخبرا بأنه شرب دواء ولا يمكنه الحضور في هذا اليوم وكان قد أحضر شيخ السادات الوفائية والشيخ الشرقاوي فعند ذلك أحضر الباشا خلعة والبسها لشيخ السادات على نقابة الاشراف وأمر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في إمهاله ثلاثة أيام حتى يقضي اشغاله فأجاب إلى ذلك ثم سأله في أن يذهب إلى بلده اسيوط فقال: لا يذهب إلى اسيوط ويذهب أما إلى سكندرية أو دمياط فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال: أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب وأما النفي فهو غاية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 مطلوبي وارتاح من هذه الورطة ولكن أريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه إذا لم ياذن لي في الذهاب إلى اسيوط فلياذن لي في الذهاب الطور أو إلى ورثه فعرفوا الباشا فلم يرض إلا بذهابه إلى دمياط ثم أن السيد عمر أمر بأشجاويش أن يأخذه الجاويشية ويذهب بهم إلى بيت السادات وأخذ في أسباب السفر. وفي يوم الخميس ثامن عشرينه الموافق لخامس مسري القبطي اوفي النيل المبارك ونودي بالوفاء تلك الليلة وخرج الناس لأجل الفرجة والضيافات في الدور والمطلة على الخليج فلما كان آخر النهار برزت الأوامر بتأخير الموسم لليلة السبت بالروضة فبرد طعام أهل الولائم والضيافات وتضاعفت كلفهم ومصاريفهم وحصلت الجمعية ليلة السبت بالروضة وعند قنطرة السد وعملوا الحراقات والشنك وحضر الباشا وأكابر دولته والقاضي وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج وانفض الجمع. وفي ذلك اليوم اعتنى السيد محمد المحروقي بأمر السيد عمر وذهب إلى الباشا وكلمه وأخبره بأنه اقامه وكيلا على أولاده وبتيه وتعلقاته فأجازه بذلك وقال: هو آمن من كل شيء وأنا لم ازل اراعي خاطره ولا افوته ثم أرسل السيد المحروقي فأحضر بن ابنه السيد عمر فقابل به الباشا وطمن خاطره ولكن قال: لا بد من سفره إلى دمياط وعندما طلب السيد المحروقي الغلام إلى الباشا اشيع في الناس وقوع الرضا وتناقل الناس ذلك وفرح أهل منزله وزغرطوا وسروا واستمروا على ذلك حتى رجع الغلام وتبين أنه لاشيء فانقلب الفرح بالترح وتعين بالسفر صحبة السيد عمر كتخدا الألفي إلى دمياط. واستهل شهر رجب بيوم الأحد سنة 1224 فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محمد كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه وكذلك اغتم الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار إلى بولاق ونزل في المركب وسافر من ليلته باتباعه وخدمه الذين يحتاج إليهم إلى دمياط. وفي صبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة أربع سنوات فامر بدفعها له من خزينته نقدا وقدرها خمسة وعشرون كيسا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى اوقعوا به ما ذكر. وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزرجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل إلى الخراب. وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الأجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وأمراء الوقت وضم إليهم عساكر اتراك وارنؤد ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية بسبب عصيان الأمراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضا أحمد أغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون إلى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات. وفي عاشره سافر أحمد أغا لاظ وصالح قوج خرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا إلى قبلي. وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعا من تشييع السيد عمر ووصوله إلى دمياط واستقراره بها. وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرا إلى الجهة القبلية ولم يبق منهم أحد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على أرباب الاشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعله بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنا من كان وأن يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل. وفي تاسع عشرينه وردت أخبار عن التجريدة ازعجت الباشا فاهتم اهتماما عظيما وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وأن لا يتخلف منهم أحد حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وأمر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفيه والغربية والشرقية القليوبية وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة. وفيه تقلد حسن أغا الشماشرجي كشوفيه المنوفيه وارخى لحيته على ذلك. استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1224 فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحا وذنوبا منها أنه ادخل في دفتر الاشراف أسماء أشخاص ممن اسلم من القبط واليهو ومنها أنه أخذ من الألفي في السابق مبلغا من المال ليملكه مصر في أيام فتنة أحمد باشا خورشيد ومنها أنه كاتب الأمراء المصريين أيضا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ماحصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها أنه أراد ايقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة واخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من اعان ظالما سلط عليه وكتبوا عليه أسماء المشايخ وذهبوا به إليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال: هذا كلام لا أصل له ووقع بينهم محاججات ولام الاعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا: لهم أنتم لستم بأروع منا واثبت لنفسه ورعا وحصل بينهم منافسات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الأول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين أولا وآخرا السيد أحمد الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصا شيخ السادات أو الشيخ الأمير وخلافهما واتفق أنه دعى في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله إلى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الايذاء فتطأول عليه ابن الشيخ الأمير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه: أليس هو إلا قليل الادب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك. وفي ثالثه سافر الباشا إلى الجهة القبلية وتبعه العساكر. وفي منتصفه خرجت الدلاة والارنؤد وباقي الأجناد والعسكر وأقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه وأقام بالقلعة. وفيه اتفق الأشياخ والمتصدرون على عزل السيد أحمد الطحطاوي من افتاء الحنفية وأحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به إلى القلعة بعد أن مهدوا القضية فالبس قائمقام الشيخ حسينا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد أحمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا البسوها له عند ما تقلد الافتاء بعد موت الشيخ إبراهيم الحريري في جمادي الأولى بقرب عهد وارسلها لهم وكان الشيخ السادات البسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد وغتاظ وأخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول: انظروا إلى هذا كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك. وأما السيد أحمد فإنه اعتكف في داره لا يخرج منها إلا إلى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلا ظليلا عليهم وعلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 أهل البلدة ويدافع ويرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض. وأما السيد عمر فأن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن اعان ظالما سلط عليه ولايظلم ربك احدا. وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الارنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصرين وصلحة معهم وأن عثمان بك حسن ومحمود بك المنفوخ ومحمد بك الابراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه واكرمه وأرسل هو أيضا ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه ووصل إلى مصر بعض نساء حريمه وحريم الامراء. واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1224 وفي أواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا إلى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير. وفي أواخره حرروا دفتر الاطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خسمة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الاعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والاقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد ترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وأرسل بطلبها ليطلع عليها فسافر إليه بها المعلم غالي وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامة وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا إليه باسيوط واطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 شهر مضان. واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1224 في ثالث عشرة حضر المعلم غالي وأحمد أفندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضا في أثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم أنه خرج من مصر هاربا إلى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان إلى الباشا وقابله واكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه. وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة إلى مصر في تطريدة وقد وصل من اسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان أغا الوكيل سابقا لاغير فركبوا حميرا متنكرين حتى وصلوا إلى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة أمر ملاحيها أن لا يذكروا لاحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع إلى سرايته ودخل إلى الحريم فلم يشعروا به إلا وهو بالحريم وعند ذلك أمر بضرب المدافع واشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه إلى القلعة فرجعوا على أثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة أيام إلى ناحية الاثار واخرج معه مطابخ واغناما واستعد لقدومه استعدادا زائدا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام وصلت طوائف العسكر وعظائمهم ومعهم المنهوبات من الغلال والاغنام والفحم والحطب والقلل وأنواع التمر وغير ذلك حتى اخشاب الدور وأبوابها. وفي يوم الإثنين وصل حسن باشا وطوائف الارنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الابراهيمي وهم الذين حضورا في هذه المرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 من المخالفين وقيل أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير وأما إبراهيم بك تابع الاشقر ومحمد أغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا إلى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربات قالوا: إنها من التابعة للوهابيين حضروا وأقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها. واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة 1224 وفيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وازعجوا الناس واخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما أراد السفر إلى جهة قبلي أرسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له: تسلم يا اخي دارك واسكنها بارك الله لك فيها وسامحني وابريء ذمتي فربما إني اموت ولا ارجع ولأن الكثير منهم تولى المناصب والامريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها واعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو إلا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر إلا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص إلا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين. وفيه وصلت أخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت إلى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبا محاربين لا يعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة أشخاص من الططر المعدين لتوصيل الأخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الأمر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك أمر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر إلى الثغور. وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر إلى ناحية بحرى فسافر كبير منهم ومعه جملة من العسكر إلى سكندرية وكذلك سافر خلافه إلى رشيد والى دمياط وابي قير والبرلس. وفي ليلة الإثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلا وخرج مسافرا إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من أحمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن. وفي ليلة الأحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلا وطلع إلى القلعة. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأحد سنة 1224 فيه شرع الباشا في انشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الاخشاب الصالحة لذلك وأرسل المعينين لقطع اشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الاخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل اخشابا على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا أربع سفائن كبار إحداها تسمى الابريق وخلاف ذلك أدوات لحمل السفار والبضائع. ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت إلى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت في ثمنها قروشا فلما ذهبت نظروها ونقدوها فإذا هي من عمل الزغلية ثم عادت بعد أيام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشا أيضا فذهب البائع معها إلى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الأولى فعلموا أنها الغريمة فقال لها: الصيرفي من اين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها واتوا بها إلى الاغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الأزهر فأخذها الآغا وحضر بها إلى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء وأحضروا زوجها وسألوه فقال: أنا أخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال: إن يكن هو ابني فأنا برئ منه وطلبوه فتغيب واختفى وأخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف عن عدة أشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الأزهر فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على أشخاص ومعهم العدد والالات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وحبسهم أيضا بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الأزهر من مصر لما قام بهم من الوهم وفي كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وارسلوها إلى بيت محمد أفندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا: هذا من صناعة الشام ثم كسروها وابطلوها وطال أمر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره أو شريكه فكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث خصوصا بنسبتها لخطة الأزهر فكان كل من اشتري شيئا ودفع الثمن للبائع قروشا ذهب بها إلى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجودا بايدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم إلى الصيرفي: لربما تكون ازهرية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر. ومنها احداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الاروام أنهى إلى كتخدا بك أمر النشوق وكثرة المستعملين له والدقاقين والباعة وأنه إذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وايصاله إلى الخزينه من يكون ناظرا وقيما عليه كغيره من اقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فانه يتحصل من ذلك مال له صورة فلما سمع كتخدا بك ذلك أنهاه إلى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظرا على ذلك خانا بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالأسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لا يزيد على ذلك ولايشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولاينقص عنه ومن وجده باع شيئا من الدخان أو اشتراه أو سحق نشوقا خارجا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 وغرموه مالا وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون إلى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدرا موزونا ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول أهل القرية: نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فيقال لهم: إن لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن أخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم. ومنها أيضا النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضا باحتياج الحياكة والقزازين إليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك واشنع من ذلك كله أنهم أرادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي والزام أهل القرى بأخذه ودفع ثمنه أن أخذوه أو لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك فقالوا: إن شربه يقوى ابدانهم على اعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف ثم بطل ذلك. ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة إلى اعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل وحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودى بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنا من كان ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل إلى أن كمل عملها في السنة التالية طريقا واسعا منحدرا من الاعلى إلى الأسفل ممتدا في المسافة سهلا في الطلوع إلى الجبل أو الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير. وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات العلامة المفيد والتحرير الفريد النبيه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتى مذهب السادات الحنفية كوالد تفقه على والده وحضر في المعقولات على أشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وانجب وتمهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهيه ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين وألف تقلد منصب والده في الافتاء وكان لها أهلا مع التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد عن الأمور المخلة بالمروءة مواظبا لوظائفه ودروسه ملازما لداره إلا ما دعته الضرورة إليه من المواساة وحضور المجالس مع أرباب المظاهر وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسي منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر إليه لأجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك باشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى اهوالا في معالجته وقطعه بالآلة فلم ينجح ورجع إلى مصر متزايد الالم ولم يزل ملازما للفراش حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الأزهر وخلف ولده النجيب الاديب سيدي محمد الملقب عبد المعطي بارك الله فيه واعانه على وقته. ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد المنعم ابن شيخ الإسلام السيخ أحمد العماوي المالكي الازهري وهو من أهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الأشياخ المتقدمين كالدفري والحنفي والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة ولم يزل ملازما على القاء الدروس بالأزهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي العشائر ولم يتجرأ على الفتيا مع أهليته لذلك وزيادة ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الأمور مع التجمل في الملبس والمركب واظهار الغنى وعدم التطلع لما في أيدي الناس ويصدع بالحق في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 المجالس ولا يتردد إلى بيوت الحكام والأكابر إلا في النادر بقدر الضرورة مع الانفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زمانا ولم يزل على حالته حتى مرض أياما وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذى القعدة عن أربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية علي النحاسين على الاشرفية ودخلوا من جارة الخراطين إلى الجامع الأزهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الأولاد الذكور أربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم الشيب خلاف البنات رحمه الله وعفا عنا وعنه. ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ أحمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على أشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول واقرأ الدروس وانتفع به الكطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله وكان على حالة حسنة منجمعا عن الناس وراضيا بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعا ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه ولم يقطع درسه ولا اماليه حتى توفي إلى رحمه الله سبحانه وتعالى يوم الأربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله. ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر إلى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالأزهر وكان في أول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين إلى بيوت الأعيان في الليالي فينشد الانشادات ويقرأ الاعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الأعيان الذين يقال لهم: البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على أوقافه فراج أمره وكثرت معارفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 بالاغوات الطواشية وبهم توصل إلى نساء الأمراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند ازواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال واحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنظرة الأمير حسين وسكن بدارها فماتت فورثها ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول دارا عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الأمراء إلى دار السلطنة وعاد إلى مصر واقبلت عليه الهدايا من الأمراء والحريمات والاغوات والاقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة إبراهيم بك الكبير ببنت عبد الله الرومي وتصرف في أوقاف ابيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركا بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن أتى في منزله إلى حاجة أو زائر لا يمكنه من الذهاب حتى يغديه أو يعشيه وإذا اتاه مسترقد ولم يجد معه أشياء اقترض واعطاه فوق مأموله ولا يبخل بجاهه وسعيه على أحد كائنا من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مرارا أنه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود إلا بعد العشاء الاخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق أو آخره فينهي إليه قصته أما بشفاعة عند أمير أو خلاص مسجون أو غير ذلك فيقف له ويستمع قصته وهو راكب فيقول له: في غد نذهب إليه فان الوقت صار ليلا فيقول صاحب الحاجة: هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة إلى ذلك الأمير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهكذا كان شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا اجرة نظير سعيه فان اتوه بشىء أخذه أو هدية قبلها قلت أو كثرت وشكرهم على ذلك فمالت إليه القلوب ووفدت إليه ذوو الحاجات من كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 ناحية فلا يرد أحدا ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضى حوائجهم ويزودهم ويرجعون إلى اوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين ثم يكافئونه بما امكنهم من المكافآت وإذا وصلت إليه هدية وصادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت إليه القلوب وساد على اقرانه ومعاصريه ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وارتحل الأمراء المصريون إلى الصعيد وأحاط بدورهم وطلب الأموال من نسائهم وقبض على أولادهم وجواريهم وامهات أولادهم وانزلهم سوق المزاد التجأ إلى المترجم الكثير من نساء الأمراء الأمراء الكبار فآواهن واجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة إقامة حسن باشا بمصر وبعدها في إمارة إسمعيل بك فلما رجع ازواجهن بعد الطاعون إلى امارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الاخلاق والديانة والتورع فكان يدخل إلى بيت الأمير ويعبر إلى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون: زارنا ابونا الشيخ وشاورنا ابانا الشيخ فأشار علينا بكذا ونحو ذلك ولم يزل مع الجميع على هذه الحالة إلى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية واخرجوا منها الأمراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن إليه أفواجا أفواجا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدي لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن واقمن بداره شهورا وأخذ أمانا لكثير من الأجناد المصرية وأحضرهم إلى مصر وأقاموا بداره ليلا ونهارا واحبه الفرنساوية أيضا وقبلوا شفاعاته ويحضرون إلى داره ويعمل لهم الولائم وساس أموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لاجراء الاحكام بين المسلمين ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخا ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه وشيخ المشايخ المترجم مضافا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون إليه أفواجا ويذهبون أفواجا وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعى الجانب مقبول القول عند الأكابر والاصاغر ولما قتل خليل أفندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ إليه اخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا إلى داره واقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا إلى بلادهم ولم يزل على حالته حتى نزل به خلط بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر أياما وتوفي ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلى عليه بالأزهر في مشهد عظيم جدا مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديونا نحو العشرة آلاف ريال سامحه أصحابها ولم يخلف من الأولاد إلا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 سنة خمس وعشرين ومائتين وألف . واستهل المحرم بيوم الإثنين فيه وردت الأخبار من الديار الرومية بغلبة الموسكوب واستيلائهم على ممالك كثيرة وأنه واقع بإسلامبول شدة حصر وغلاء في الاسعار وتخوف وانهم يذيعون في الممالك بخلاف الواقع لأجل التطمين. وفي خامسه حضر إبراهيم أفندي القابجي الذي كان توجه إلى الدولة من مدة سابقة وعلى يده مراسيم بطلب ذخيرة وغلال وعملوا لقدومه شنكا ومدافع وطلع في موكب إلى القلعة. وفيه رجع ديوان أفندي من ناحية قبلي وصحبته أحمد أغا شويكار فأقاما بمصر أياما ثم رجعا بجواب إلى الأمراء القبليين. وفي ليلة السبت ثالث عشره حصلت زلزلة عجيبة وارتجت منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 الجهات ثلاث درجات متواليات واستمرت نحو أربع دقائق فانزعج الناس منها من منامهم وصار لهم جلبة وقلقة وخرج الكثير من دورهم هاربين إلى الازقة يريدون الخلاص إلى الفضاء مع بعده عنهم وكان ذلك في أول الساعة السابعة من الليل وأصبح الناس يتحدثون بها فيما بينهم وسقط بسببها بعض حيطان ودور قديمة وتشققت جدران وسقطت منارة بسوس ونصف منارة بام اخنان بالمنوفية وغير ذلك لا نعلمه. وفي عصر يوم السبت أيضا حصلت زلزلة ولكن دون الأولى فانزعج الناس منها أيضا وهاجوا ثم سكنوا ثم كثر لغط العالم بمعاودتها فمنهم من يقول: ليلة الأربعاء ومنهم من اسنده لبعض النصاري واليهود وأن رجلا نصرانيا ذهب إلى الباشا وأخبره بحصول ذلك واكد في قوله وقال له: احبسني وأن لم يظهر صدقي اقتلني وأن الباشا حبسه حتى يمضي الوقت الذي عينه ليظهر صدقه من كذبه وكل ذلك من تخيلاتهم واختلافاتهم واكاذيبهم وما يعلم الغيب إلا الله. وفي يوم الأحد رابع عشره أمر الباشا بالاحتياط على بيوت عظماء الاقباط كالمعلم غالي والمعلم جرجس الطويل وأخيه وفلتيوس وفرانسيكو وعدتهم سبعة فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم وأخذوا دفاترهم فلما حضروا بين يديه قال لهم: أريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه وأمر بحبسهم فطلبوا منه الأمان وأن يأذن لهم في خطابه فأذن لهم فخاطبه المعلم غالي وخرجوا من بين يديه إلى الحبس ثم قرر عليهم بواسطة حسين أفندي الروزنامجي سبعة آلاف كيس بعد أن كان طلب منهم ثلاثين ألف كيس. وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع في الناس حصول زلزلة تلك الليلة وهي ليلة الجمعة ويكون ذلك في نصف الليل فتأهب غالب الناس للطلوع بخارج البلد فخرجوا بنسائهم وأولادهم إلى شاطيء النيل ببولاق ونواحي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الشيخ قمر ووسط بركة الازبكية وغيرها كذلك خرج الكثير من العسكر أيضا ونصبوا خياما في وسط الرميلة وقراميدان والقرافتين وقاسوا تلك الليلة من البرد ما لا يكيف ولا يوصف لأن الشمس كانت ببرج الدلو وهو وسط الشتاء ولم يحصل شيء مما اشاعوه واذاعوه وتوهموه وتسلق العيارون والحرامية تلك الليلة على كثير من الدور والأماكن وفتشوها فلما أصبح يوم الجمعة كثر التشكي إلى الحكام من ذلك فنادوا في الأسواق بأن لا أحد يذكر أمر الزلزلة وكل من خرج لذلك من داره عوقب فانكفوا وتركوا هذا اللفظ الفارغ. وفيه ظهر انفار يقفون بالليل بصحن الجامع الأزهر فإذا قام إنسان لحاجته منفردا أخذوا ما معه واشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدي في الفحص والقبض على فاعل ذلك إلى أن عرفوا أشخاصهم ونسبهم وفيهم من هو من أولاد أصحاب المظاهر المتعممين فستروا امرهم واظهروا شخصا من رفقائهم ليس له شهرة واخرجوه من البلدة منفيا ونسبوا إليه الفعال وسينكشف ستر الفاعلين فيما بعد ويفتضحون بين العالم كما يأتي خبر ذلك في سنة سبع وعشرين وكذلك اخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكنوا بحارة الأزهر واجتمعوا في أهله حتى أن أكابر الدولة وعساكرهم بل وأهل البلد والسوقة جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة ويقولون: نرى كل موبقة تظهر منه من أهله وبعد أن كان منبع الشريعة والعلم صار بعكس ذلك وقد ظهر منه قبل الزغلية والآن الحرامية وأمور غير ذلك مخفية. وفيه طلب الباشا تمهيد الطريق الموصلة من القلعة إلى الزلاقة التي انشأها طريقا يصعد منها إلى الجبل المقطم السابق ذكرها وأراد أن يفرض على الاخطاط والحارات رجالا للعمل بعدد مخصوص ومن اعتذر عن الخروج والمساعدة يفرض عليه بدلا عنه أو قدرا من الدراهم يدفعها نظير البدل واشيع هذا الأمر واستحضر الاوباش على الطبول والزمور كما كانوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 يفعلون في قضية عمارة محمد باشا وخسرو ثم أن الشيخ المهدم اجتمع بكتخدا بك وادخل عليه وهما أن محمد باشا خسرو لما فعل ذلك لم يتم له أمر وعزل ولم تطل أيامه ونحن نطلب دوام دولتكم والأولى ترك هذا الأمر فتركوا ذلك ولم يذكروه بعد. واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1225 فيه قلد الباشا خليل أفندي النظر على الروزنامجي وكتابه وسموه كاتب الذمة اي ذمة الميري من الايراد والمصرف وكان ذلك عند فتح الطلب بالميري عن السنة الجديدة فلا يكتب تحويل ولا تنبيه ولا تذكره حتى يطلعوه عليها ويكتب عليها علامته فتكدر من ذلك الروزنامجي وباقي الكتبة وهذه أول دسيسة ادخلوها في الروزنامة وابتداء فضيحتها وكشف سرها وذلك بإغراء بعض الافندية الخاملين أنهى إليهم أن الروزنامجي ومن معه من الكتاب يوفرون لأنفسهم الكثير من الأموال الميرية ويتوسعون فيها وفي ذلك اجحاف بمال الخزينة وخليل أفندي هذا كان كاتب الخزينة عند محمد باشا خسرو ولا يفيق من الشرب. وفيه طلب الباشا ثلاثة أشخاص من كتبة الاقباط الذين كانوا متقيدين بقياس الأراضي بالمنوفية وضربهم وحبسهم لكونه بلغه عنهم أنهم أخذوا البراطيل والرشوات على قياس طين أراضي بعض البلاد ونقصوا من القياس فيما ارنوى من الطين وهي البدعة التي حدثت على الطين الري وسموها القياسة وقد تقدم ذكرها غير مرة وحررت في هذه السنة على الكامل لكثرة النيل وعموم الماء الأراضي على أنه بقي الكثير من بلاد البحيرة وغيرها شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور واشتغال الفلاحين والملتزمين بالفرض والمظالم وعجزهم عن ذلك. وفي خامسه طلب الباشا كشاف الاقاليم وشرع في تقرير فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الاقاليم والمعلمين القبط فقرروا على اعلاها ثمانين كيسا والأدنى خمسة عشر كيسا ولم يتقيد بتحرير ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 أحد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال ولم يعطوا بالمقادير أوراقا لملتزمي الحصص كما كانوا يفعلون قبل ذلك فإن الملتزم كان إذا بلغه تقرير فرضة تدارك أمره وذهب إلى ديوان الكتبة وأخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها وأخذ منهم مهلة باجل معلوم وكتب على نفسه وثيقة وابقاها عندهم ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه وأن لم يسعفوه في الدفع وحولوا عليه الطلب دفعه من عنده أن كان ذا مقدرة أو استدانه ولو بالربا ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئا فشيئا كل ذلك حرصا على راحة فلاحي حصته وتامينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم وأن لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك كاشف الناحية وعين على الناحية الاعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم وأن تأخر الدفع تكرر الإرسال والطلب على النسق المشروح فيتضاعف الهم وربما ضاع في ذلك قدر الأصل المطلوب وزيادة عنه مرة أو مرتين والذي يقبضونه يحسبونه بالفرط وهو في كل ريال عشرة انصاف فضة يسمونها ديواني فيقبض المباشر عن الريال تسعين نصفا فضة ويجعل التسعين ثمانين وذلك خلاف ما يقرره في أوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة ثم يفر من بلدته إلى غيرها فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعينين من كاشف الناحية بحق طريق أيضا فربما اداه الحال أن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار والخروج من الإقليم بالكلية وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها وخرجوا منها وتغربوا عن اوطانهم من عظيم هول الجور وإذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحال يشكو حاله وحال بلده أو حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف وتجاسر وقدم عرضحاله إلى الباشا يقال له: هات التقسيط وخذ ثمن حصتك أو بدلها أو يعين له ترتيبا بقدر فائظها على بعض الجهات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الميرية من المكوس والجمارك التي احدثوها فإن سلم سنده وكان ممن يراعى جانبه حول إلى بعض الجهات المذكورة صورة وإلا اهمل أمره وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال الفرض وقد وقع ذلك الكثير من أصحاب الذمم المتعددة انكسر عليه مقادير عظيمة فنزل عن بعضها وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة وبقي عليه الباقي يطالب به فان حدثت فرضة أخرى قبل غلاق الباقي وقعد بها وضمت إلى الباقي وقصرت يده لعجز فلاحيه واستدان بالربا من العسكر تضاعف الحال وتوجه عليه الطلب من الجهتين فيضطر إلى خلاص نفسه وينزل عما بقي تحت يده كالأول وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديونا وقد وقع ذلك لكثير كانوا اغنياء ذوي ثروة وأصبحوا فقراء محتاجين من حيث لا يشعرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفيه تحركت همم الأمراء المصريين القبليين إلى الحضور إلى ناحية مصر بعد ترداد الرسل والمكاتبات وحضور ديوان أفندي ورجوعه وحضور محمد بك النمفوخ أيضا وكل من حضر منهم انعم عليه الباشا والبسه الخلع ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الأكياس وقصده الباطني صيدهم حتى أنه كان انعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق ثم عوضه عنه ستمائة كيس وغير ذلك. وفيه قلد الباشا نظر المهمات لصالح بن مصطفى كتخدا الرزاز ونقلوا ورشة الحدادين ومنافخهم وعددهم من بيت محمد أفندي طبل الودنلي المعروف بناظر المهمات إلى بيت صالح المذكور بناحية التبانة وكذلك العربجية وصناع الجلل والمدافع ونزعوا منه أيضا معمل البارود وكان تحت نظره وكذلك قاعة الفضة وجمرك اللبان وغيره. وفيه وصلت الأخبار من البلاد الرومية والشامية وغيرها بوقوع الزلزله في الوقت الذي حصلت فيه بمصر إلا أنها كانت اعظم واشد واطول مدة وحصل في بلاد كريت اتلافات كثيرة وهدمت أماكن ودورا كثيرة وهلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 كثير من الناس تحت الردم وخسفت أماكن وتكسر على ساحل مالطة عدة مراكب وحصل أيضا باللاذقية خسف وحكى الناقلون أن الأرض انشقت في جهة من اللاذقية فظهر في اسفلها ابنيه انخسفت بها الأرض قبل ذلك ثم انطبقت ثانيا. وفيه من الحوادث ما وقع ببيت المقدس وهو أنه لما احترقت القمامة الكبرى كما تقدم ذكر حرقها في العام الماضي عرضوا إلى الدولة فبرز الأمر السلطاني باعادة بنائها وعينوا لذلك أغا قأبجي وعلى يده مرسوم شريف فحضر إلى القدس وحصل الاجتهاد في تشهيل مهمات العمارة وشرعوا في البناء على وضع احسن من الأول وتوسعوا في مساحة جرمها وادخلوا فيها أماكن مجاورة لها واتقنوا البناء واتقانا عجيبا وجعلوا اسوارها وحيطانها بالحجر النحيت ونقلوا إليها من رخام المسجد الاقصى فقام بمنع ذلك جماعة من الاشراف الينكجرية وشنعوا على الآغا المعين وعلى كبار البلدة وتعصبوا حماية للدين قائلين أن الكنائس إذا خربت لا يجوز إعادتها إلا بانقاضها ولا يجوز الاستعلاء بها ولا تشييدها ولا أخذ رخام الحرم القدسي ليوضع في الكنيسة وما نعوا في ذلك فأرسل ذلك الآغا المعين إلى يوسف باشا يعرفه عن المعارضين لأوامر الدولة فأرسل يوسف باشا طائفة من عسكره في عدة وافرة فوصلوا من طريق الغور وهو مسلك موصل إلى القدس قريب المسافة خلاف الطريق المعتاد فدهموا الجماعة المعارضين على حين غفلة وحاصروهم في دير وقتلوهم عن اخرهم وهم نيف وثلاثون نفرا وشيدوا القمامة كما أرادوا اعظم واضخم مما كانت عليه قبل حرقها فنسأل المولى السلامة في الدين. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1225 فيه وصل الأمراء المصريون القبالي إلى ناحية بني سويف وكثير من الأجناد إلى مصر وترددت إلى الرسل وحضر ديوان أفندي ثم رجع ثانيا إليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 وفيه أمر الباشا الكتاب بعمل حساب حسين أفندي الروزنامجي عن السنتين الماضيتين وهما سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين وذلك بإغراء البعض منهم فاستمروا في عمل الحساب أيام فزاد لحسين أفندي مائة وثمانون كيسا فلم يعجب الباشا ذلك واستخونهم في عمل الحساب ثم الزمه بدفع أربعمائة كيس وقال: أنا كنت أريد منه ستمائة كيس وقد سامحته في مائتين في نظير الذي تأخر له وطلع في صبحها إلى الباشا وخلع عليه فروة باستقراره في منصبه ونزل إلى داره فلما كان بعد الغروب حضر إليه جماعة من العسكر في هيئة مزعجة ومعهم مشاعل وطلبوا الدفاتر وهم يقولون: معزول معزول وأخذوا الدفاتر وذهبوا وحولوا عليه الحوالات بطلب الأربعمائة كيس فاجتهد في تحصيلها ودفعها ثم ردوا له الدفاتر ثانيا. وفيه حصلت كائنة أحمد أفندي المعروف باليتيم من كتاب الروزنامة وذلك أن الباشا كان ببيت الازبكية فوصل إليه مكتوب من كاشف اقلم الدقهلية يعرفه فيه أنه قاس قطعة أرض جارية في اقطاع أحمد أفندي المذكور فوجد مساحتها خلاف المقيد بدفتر المقياس الأول ومسقوط منها نحو الخمسمائة فدان وذلك من فعل المذكور ومخامرته مع النصارى الكتبه والمساحين لأنهم يراعونه ويدلسون معه لأن دفاتر الروزنامة بيده فلما قرأ المكتوب أمر في الحال بالقبض على أحمد أفندي وسجنه وكان السيد محمد المحروقي حاضرا وكذلك علي كاشف الكبير الألفي فترجيا عند الباشا وأخبره بان المذكور مريض بالسرطان في رجله ولايقدر على حركتها وأستاذنه السيد المحروقي بأن يأخذه إلى داره فإن داره باب من ابوابه فأجابه إلى ذلك وركب في الحال ولحق بالمعينين وكانوا قد وصلوا إليه وازعجوه فمنعهم عنه وأخذه إلى داره وراجع الباشا في أمره فقرر عليه ثمانين كيسا بعد أن قال: إني كنت أريد أن اقول ثلثمائة كيس فسبق لساني فقلت مائة كيس وقد تجاوزت لأجلك عن عشرين كيسا وهو يقدر على. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 أكثر من ذلك لأنه يفعل كذا وكذا وعدد أشياء تدل على أنه ذو غنية كبيرة منها أنه لما سافر إلى الباشا بدفتر الفرضة إلى ناحية اسيوط طلع إلى البلدة في هيئة وصحبته فرش وسحاحير وبشخانات وكرارات وفراشون وخدم وكيلارجية ومصاحجبية والحكيم والمزين فلما شاهد الباشا هيئته سأل عنه وعن منصبه فقيل له أنه جاجرت من كتبة الروزنامة فقال: إذا كان جاجرت بمعنى تلميذ فكيف يكون باش جاجرت أو قلفاوات الإقليم فضلا عن كبيرهم الروزنامجي واي شيء ذلك واسر ذلك في نفسه وطفق يسأل ويتجسس عن أحوالهم لأنه من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس ولما قلد خليل أفندي كتابة الذمة في الروزنامة كما تقدم انضم إليه الكارهون للمذكور الذين كانوا خاملي الذكر بوجوده وتوصلوا إلى باب الباشا وكتخدا بك وأنهوا فيه أنه يتصرف في الأموال الميرية كما يختار وأن حسين أفندي الروزنامجي لا يخرج عن مراده واشارته وبيته مفتوح للضيفان ويجتمع عنده في كل ليلة عدة من الفقراء يثرد لهم الثريد في القصاع ويواسي الكثير من أهل العلم وغيرهم ويتعهد بكثير من الملتزمين بالفرض التي تقرر على حصصهم ويضمنها في حسابه ويصبر عليهم حتى يوفرها له في طول الزمن ونحو ذلك وكل ما ذكر دليل على سعة الحال والمقدرة وأما الذنب الذي أخذه به فإن القدر المذكور من الطين كان من الموات فاتفق المذكور مع شركائه ملتزمي الناحية وجرفوه واحيوه وأصلحوه بعد أن كان خرسا ومواتا لا ينتفع به وجعلوه صالحا للزراعة وظن أن ذلك لا يدخل في المساحة فاسقطه منها فوقع له ما وقع واسقطوا اسمه من كتاب الروزنامة ومنعوه منها وانقطع في داره وزاد به الم رجله. وفيه انحرف أيضا الباشا على الخواجا محمود حسن وعزله من الجمارك والبزرجانية واكل عليه المطلوب له وهو مبلغ الفان وخمسون كيسا. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1225 فيه وصلت الأخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظيم حصل منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ضرر كثير وهدم دورا كثيرة بمكة وجدة واتلف كثيرا من البضائع للتجار حكوا أنه هدم بمكة خاصة ستمائة دار وكان ذلك في شهر صفر. وفيه وصل الأمراء المصريون إلى ناحية الرقق وأوائلهم وصلوا إلى دهشور وخرج إليهم الاتباع بالملاقاة من بيوتهم واحبابهم وذهب إليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وديوان أفندي ثم الباشا ثم في أثرهم طوسون ابن الباشا وقدم له إبراهيم بك تقادم وأقام بوطاقه أياما ثم رجعوا وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في أمر الشروط. وفي خامسه حضر عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر فطلعا إلى القلعة وقابلا الباشا ثم رجعا وحضرا في ثاني يوم كذلك فخلع عليهما خلعا واعطاهما اكياسا وأرسل إلى ابرهيم بك هدايا والى سليم بك المحرمجي المرادي أيضا. وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل الجميع إلى الجيزة ونصبوا وطاقهم خارج الجيزة وصحبتهم عربان وهوارة كثيرة وانتظروا أن الباشا يضرب لحضورهم مدافع فلم يفعل وقال إبراهيم بك: سبحان الله ما هذا الاحتقار الماكن أمير مصر نيفا وأربعين سنة وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارا وبالآخرة صار من اتباعي واعطيه خرجه من كيلاري ثم أحضر أنا وباقي الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الافرنج وتأثر من ذلك واشيع في الناس تعدية الباشا من الغد للسلام على إبراهيم بك فلم يثبت وظهر أنه لم يفعل وأصبح مبكرا إلى شبرا وجلس في قصره وحضر إليه شاهين بك الألفي وفي سفينة ووقع بينهما مكالمات ورجع من عنده عائدا إلى الجيزة منفعل الخاطر ثم أن الباشا عرض عساكره فاجتمع إليه الجميع وبدا اللغط وكثرت القلقة وعندما وصل شاهين بك إلى االجيزة ازر حريمة واركبهن وارسلهن إلى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة في بقية اليوم وكسر المرايات وزجاج الشبابيك التي في مجالسه الخاصة ثم ركب في طوائفه واتباعه وخشداشينه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 ومماليكه وذهب إلى عرضي اخوانه وقبيلته ونصب خيامه ووطاقه بحذائهم واجتمع بهم وتصافى معهم وقد كان حضر إليه عبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحول دماغه واتفق معه على الانضمام إليهم والخروج عن الباشا ففعل ما فعل وجعلوه رئيس الأمراء المرادية. وفي ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح أغا قوج إلى بر الجيزة وذهبا إلى عرضي الأمراء وسلما عليهم وتغديا عند شاهين بك وجرى بينهما وبين إبراهيم بك كلام كثير وقال له: حسن باشا انكم وصلتم إلى هنا لتمام الصلح على الشروط التي حصلت بينكم وبين الباشا والاتفاق الذي جرى بأسيوط ويكون تمامه عند وصولكم إلى الجيزة واجتماعكم وقد حصل فقال له: إبراهيم بك وما هي الشروط قال: هي أن تدخلوا تحت حكمه وطاعته وهو يوليكم المناصب التي تريدونها بشرط أن تقوموا بدفع الفرض التي يقررها على النواحي والغلال الميرية والخراج وتعيين من يريده منكم صحبة العساكر الموجه إلى البلاد الحجازية لفتح الحرمين وتكونوا معه أمراء مطيعين وهو يعطيكم الامريات والإنعامات الجزيلة ويعمر لكم ما تريدونه من الدور والقصور التي لكم ولاتباعكم على طرفه لا يكلفكم بشيء من الأشياء وقد رايتم وسمعتم ما فعله من الاكرام والانعام على شاهين بك وما اعطاه من المماليك والجواري الحسان وشفاعاته عنده لا ترد واطلق له التصرف في البر الغربي من رشيد إلى الفيوم إلى بني سويف والبهنسا مما هو تحت حكمه ويراعي بجانبه إلى الغاية فقال له: إبراهيم بك نعم أنه فعل مع شاهين بك ما لا تفعله الملوك فضلا عن الوزراء وليس ذلك لسابق معروف فعله شاهين بك معه ليستحق به ذلك بل هو لغرض سوء يكمنه في نفسه وشبكة يصطاد بها غيره فاننا سبرنا أحواله وخيانته وشاهدنا ذلك في كثير ممن خدموه ونصحوا معه حتى ملكوه هذه المملكة قال: ومن هم قال: أولهم مخدومه محمد باشا خسرو ثم كتخداه وخازنداره عثمان أغا جنج الذي خامر معه وملك مع أخيه المرحوم طاهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 باشا القلعة واحرق سرايته ثم سلط الاتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره واظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا وصبر نفسه من عسكرنا واتحد بعثمان بك البرديسي واظهر له خلوص الصداقة والاخوة وعاهده بالإيمان حتى اغراه على علي باشا الطرابلسي وجرى ما جرى عليه من القتل ونسب ذلك الينا ثم اشتغل معه على خيانته لأخيه الألفي واتباعه ثم سلط علينا العساكر يطلب العلوفة واشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها أم أحضر أحمد باشا خورشيد وولاه وزيرا وخرج هو لمحاربتنا ثم اتضح أمره لاحمد باشا وأراد الايقاع به فعجل العود إلى مصر واوقع بينه وبين جنده حتى نفروا منه ونابذوه والقى إلى السيد عمر والقاضي والمشايخ أن أحمد باشا يرد الفتك بهم فهيجوا العامة والخاصة وجرى ما جرى من الحروب وحرق الدور وبذل السيد عمر جهده في النصح معه بما يظهره له من الحب والصداقة وراجت عليه أحواله حتى تمكن أمره وبلغ مراده واوقع به ما اوقع واخرجه من مصر وغربه عن وطنه ونقض العهود والمواثيق التي كانت بينه وبينه كما فعل بعمر بك وغيره وكل ذلك معلوم ومشاهد لكم ولغيركم فمن يأمن لهذا ويعقد معه صلحا واعلم يا ولدي اننا كنا بمصر نحو العشرة آلاف أو أقل أو أكثر ما بين مقدمي الوف وأمراء وكشاف وأكابر وجاقات ومماليك وأجناد وطوائف وخدم واتباع مرفهي المعاش بأنواع الملاذ كل أمير مختص ومعتكف باقطاعه مع كثرة مصارفنا وانعامتنا على اتباعنا ومن ينتسب الينا واسمطة الجميع ممدودة في الأوقات المعهودة ولا نعرف عسكرا ولا علوفة عسكر والقرى والبلاد مطمئنة والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في اوطانهم ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العربان وكلف الوزراء المتولين والاغوات والقابجية المعينين وخدمهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 والهدايا السلطانية وغير ذلك وافندينا ما كفاه ايراد الإقليم وما أحدثه من الجمارك والمكوس وما قرره على القرى والبلدان من فرض المال والغلال والجمال والخيول والتعدي على الملتزمين ومقاسمتهم في فائظهم ومعاشهم وذلك خلاف مصادرات الناس والتجار في مصر وقراها والدعاوي والشكاوي والتزايد في الجمارك وما أحدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس واستغرقها أموال الناس بحيث صار ايراد كل قلم من أقلام المكوس بايراد إقليم من الاقاليم ويبخل علينا بما نتعيش به ونحن وعيالنا ومن بقي معنا من اتباعنا ومماليكنا بل وقصده صيدنا وهلاكنا عن اخرنا فقال حسن باشا حاش لله: لم يكن ذلك ودائما يقول والدنا إبراهيم بك: ولكن لا يخفاكم أن الله اعطاه ولاية هذا القطر وهو يؤتى الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخألف عليه أو يشاركه بالقهر والاستيلاء فإذا صار الصلح ووقع الصفاء اعطاكم فوق ما مولكم فهز إبراهيم بك رأسه وقال: صحيح يكون خيرا وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا إلى بر مصر. وفي تلك الليلة خرج الجميع من كان بمصر من الأمراء والأجناد المصرية بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدوا إلى بر الجيزة ولم يبق منهم إلا القليل واجتمعوا مع بعضهم وقسموا الأمر بينهم ثلاثة اقسام قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك ايوب وقسم للابراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن وكتبوا مكاتبات وارسلوها إلى مشايخ العربان لم اقف على مضمونها. وفي يوم الجمعة رابع عشره اوقفوا عساكر على أبواب المدينة يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم ومنعوا التعدية إلى البر الغربي وجمعوا المراكب والمعادي إلى البر الشرقي ونقلوا البضائع التي في مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط المعروفة بالرواحل وأخذوها إليهم وشرعوا في التعدية بطول يوم الجمعة والسبت وعدى الباشا آخر النهار دخل إلى قصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 الجيزة الذي كان به شاهين بك وكذا عدوا بالخيام والمدافع والعربات والاثقال واجتمعت طوائف العسكر من الاتراك والارنؤد والدلاة والسجمان بالجيزة وتحققت المفاقمة والأمراء المصرية خلف السور في مقابلتهم واستمروا على ذلك إلى ثاني يوم والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين ولم يحصل وانتقل المصرية وترفعوا إلى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين. وفي يوم الإثنين والثلاثاء انفق الباشا على العسكر وكان له مدة شهور لم ينفق عليهم. وفي ليلة الثلاثاء ركب الباشا ليلا وسافر إلى ناحة كرداسة على جرائد الخيل ورجع في ثاني ليلة وكان سبب ركوبه أنه بلغه أن طائفة من العربان مارين يريدون المصرية فأراد أن يقطع عليهم الطرق فلم يجد أحدا وصادف نجعا مقيمين في محطة فنهب مواشيهم ورجع تعبا وانقطع عنه افراد من العسكر ومات بعضهم من العطش. وفي يوم الجمعة ارتحل المصرية وترفعوا إلى ناحية جرزا الهوى بالقرب من الرقق. وفيه حضر مشايخ عربان أولاد علي للباشا فكساهم وخلع عليهم والبسهم شالات كشميري عدتها ثمان شالات وانعم عليهم بمائة وخمسين كيسا وحضر عند المصرية عربان الهنادي ومشايخهم وانضموا إليهم وفي يوم الأحد ثالث عشرينه عدى الباشا إلى بر مصر وذهب إلى بيته بالازبكية فبات به ليلتين ثم طلع في يوم الثلاثاء إلى القلعة وقد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا بالجيزة وكاد يتم قصده فيهم وخصوصا ما فعله شاهين بك الذي انفق عليه الوفا من الأموال ذهبت جميعها في الفارغ البطال. وفي هذه الأيام اعني منتصف شهر بشنس القبطي زاد النيل زيادة ظاهرة أكثر من ذراع ونصف واستمر أياما ثم رجع إلى حاله الأول وهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 من جملة عجائب الوقت. واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الأحد سنة 1225 فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الأرض فأقاموه واصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال: إن الضارب لها كان قاصدا الباشا فأخطأته وأصابت ذلك المملوك والأجل حصن. وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء اشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من أهل البلد وخلافهم ويقولن في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضا مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها. وفي خامسه خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الاثار وخرج أيضا محو بيك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فأنها خالية ليس بها أحد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر ثم يرجعون إلى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي إلى بر مصر في كل يومين أو ثلاثة ويطلع إلى القلعة ثم يعود إلى مخيمه في الجيزة وامتنع سفر المسافرين قبلي وبحري. وفي يوم الثلاثاء سابع عشرة بلغ الباشا أن الأمراء المرادية والابراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري وأخيه وابن أخيه وأنه يرسل لهم جميع ما يلزم من أسلحة وامتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وأنه اشترى جملة أسلحة وخيول وثياب وغيرها وأخذ أشياء من بيوت بعضهم لأجل أن يرسل الجميع إليهم وأن جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة أيام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو غنده! أيضا فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط أوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن أخيه وازعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 أسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب أبيه ولم يجدوا مكاتبات من الأمراء القبالي ولا أثر لذلك بل أنهم وجدوا جوابا من أخيه السيد أحمد مضمونه اننا عند وصولنا إلى مكة المشرفة اشترينا أربعة خيول نجدية بها العلامات التي افدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لافندينا ولما سئل عن الأسلحة والخيول التي عنده قال: إن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك وأما الخيول فمنها أربعة أحضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى وأقدمها إليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان أحمد من أهالي كفر حكيم أخبرني أنه اشتراه من ناحية صول ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الأربعة خيول تركت ركوبه وابقيته معها حتى اقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد أفندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور وأخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في ازالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الأحوال وأنه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخألف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وأنه أحضر هذه الخيول هدية له أمر باطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الاعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك ثم أمر بإحضاره واحضار الخيول المهداة له فقبلها منه ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه وأحال عليه نظر مشتري الخيول. وفيه وصلت الأخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الارنؤد وصلوا إلى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع علي البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى اجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الأجناد وهو الذي كان محافظا على المتاريس يقال له: إبراهيم أغا سقط به الجرف إلى البحر فأخذوه إليهم ومعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 آخر وقتلوهما وقطعوا رؤسهما وارسلوهما صحبة المبشرين إلى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الأمراء المصريين أخذ المتاريس تأهبوا وساروا من أول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين امرهم فدهموا الارنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتله عظيمة وأخذوا منهم عدة بالحياة وأخذوا منهم أشياء وكان حسن باشا واخوه عابدين بك صعدا بمراكبهما إلى قبلي المتاريس فاحترق من مراكب أخيه مركب والقى من فيها بأنفسهم إلى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق وأما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضا فسارت إلى ناحية بني سويف ثم أن المصريين عدى منهم طائفة إلى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين إلى ناحية الجيزة قريبا من عرضي الباشا. وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين إلى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم إليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى إلى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحدا يقول لآخر: قدم حتى نقتل المصريين ونبدد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركبا وأرسل بعض اتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت فلما ذهبوا إلى الجهة التي سمع منها الصوت لم يجدوا أحدا وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم أنهما من الاولياء وأن الباشا مساعد بأهل الباطن. وفي عشرينه ظهر التفاشل بين الأمراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقي هم ثلاثة أمراء من الالفية وهم نعمان بك وامين بك ويحيى بك وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا واميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور إليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 فيهم وفي طوائف العربان وأهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك أموال المعادي بناحية الاخصاص وانبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضا اضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به وذلك خلاف انعامات الباشا عليه بالمئتين من الأكياس ويشترى المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمنا فيشكون إلى الباشا فيدفعه إلى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر واخوانه يتأثرون لذلك وتأخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم إلا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو اقدم منه هجرة ويرى في نفسه أنه أحق بالتقدم منه لما دنت وفاة أستاذهم أحضر شاهين بك وسلمه خزينته وأوصاه بان يعطي لكل أمير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما اعطاهم شئيا حسبه عليهم من الوصية حتى إذا اعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلا يعطيه له انقص من بنش أمين بك نصف دراع ويقول: هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك فلما نقض شاهين بك عهده وانضم إلى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سرا ووعدهم ومناهم بأنهم إذا حضروا إليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم انزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصا كبيرا فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وأنهم إذا رجعوا إليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه مدة اقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسراري التي انعم عليهم الباشا بها وقالوا: ما لنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والالقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب بالاجابة وتمنوا عليه أيضا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 المؤأخذة والعفوا الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاجابهم لكل ما سألوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المورلي وهو معدود سابقا منهم وانفصل عنهم وانتمى إلى كتخدا بك وصار من اتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة اخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلسا وقالوا له: قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به في القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن إبراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك ايوب فقال لهم: وما هو الذي ملكناه حتى اقاسمكم فيه فقالوا: أنت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعا فنحن لا نرافقك ولانصحبك ولانحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم إلى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع فلما علم بذلك إبراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي شئ هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب إليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم: إن كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف أنا اعطيكم من عندي عشرين ألف ريال اقسموها بينكم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع إبراهيم بك يريد أخذ شاهين بك إليهم فامتنع من ذهابه إليهم وقال: أنا لست محتاجا إليهم وأن ذهبوا قلدت أمراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعا لي دونهم فإن هؤلاء يرون أنهم احق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا إلى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل إليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله أغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكا ومدافع ثم أنهم عزموا على الحضور إلى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 واعطاهم تقادم ورجعوا إلى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائتين وانعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الأربعة عشرون كيسا ومائة وعشرون كيسا لبقيتهم واشتروا دورا واسعة وشرعوا في تعميرها وزخرفتها علىطرف الباشا فاشترى امين بك دار عثمان كتخدا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج إليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد أربعة من اتباعه امرياتهم واعطاهم بيرقا وخيولا وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي احكمها بمكره وعند ذلك اشيع في الإقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازما من القبائل والعربان عن الانضمام إليهم وطلبوا الأمان من الباشا وحضروا إليه ودخلوا في طاعته وانعم عليهم وكساهم وكانت أهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصا عندما شاع غلبة المصريين على الارنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا إليهم واطاع المخألف والعاصي والممانع وكلها أسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى. وفي أواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر اتراك من على ظهر البحر كثيرون. واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225 في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الأمراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون. وأما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا إلى قبلي وملكوا البنادر إلى حد جرجا واستقر دبوس اوغلي بمنية ابن خصيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل إلى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يختلف منهم أحد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال الفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضا عن النوتيه والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق أنهم حبسوا نحو ستين نفرا في حاصل مظلم واغلقوه عليهم وتركوهم من غير اكل ولا شرب أياما حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق واعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة إلى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لاحاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب إلى بولاق والجيزة إلا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها إلى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة. وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين. وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي أراد الهروب والمجيء إلى الباشا فقبض عليه شاهين بك واهانه وسلب نعمته وكتفه واركبه على جمل مغطى الرأس وارسله إلى الواحات فاحتال وهرب وحضر إلى عرضي الباشا فأكرمه وانعم عليه واعطاه خمسين كيسا واستمر عنده. وفي خامس عشرينه وصلت الأخبار بان الباشا ملك قناطر اللاهون وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وأن الباشا استولى على الفيوم وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ماكان مودعا للمصريين من الغلال بالفيوم. وفي أواخره وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 جردوا جيشا إلى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم اضطربت الأخبار واختلفت الاقوال. واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1225 فيه وردت الأخبار بورود قزلا راغا من طرف الدولة وعلى يده أوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى أغا وأنه طلع إلى ثغر سكندرية. وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسرى القبطي اوفي النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك القاضي وباقي الأعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الأحد وجرى الماء في الخليج. وفيه وصل الاغا شبرا وعملوا له هناك شنكا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي انشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشرة وعملوا له موكبا عظيما وطلع إلى القلعة وضربوا عند طلوعه إلى القلعة مدافع وهذا الآغا اسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة الإسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة اتباعه السكة الجديدة التي ضربت بإسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من الغش زنة الدرهم منها درهم وزنى كامل ستة عشر قيراطا يصرف بخمسة وعشرين نصفا من الانصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطة مضروبة وزنها أربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية دراهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي إسلامي يصرف بأربعمائة نصف وأربعين نصفا ونصفه وربعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور إلى المسجد الحسيني وصلى به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين ارباع الفنادقة واعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشا إسلامبولي في صرر أقل مافي الصرة الواحدة عشرة قروش. وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانا بالقلعة وأحضروا خلعة وصلت صحبة الاغا المذكور ارسلها صحبة خازنداره والبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى إسمعيل وضربوا شنكا ومدافع واشيع أنه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وأرسلوا بذلك أوراقا للأعيان أخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت أو يوم السبت عاشر رجب. وفي ليلة الثلاثاء عشرينه أرسلوا تنابية إلى المشايخ بالحضور من الغد لانفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما أصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على أوقاف المشهد إلى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري واغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الأشياخ المشاهير أستاذنوا له وادخلوه إلى القبة وحضر الشيخ الأمير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل إلى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه واخرج منه لوحا طوله ازيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرأوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعا وفرق ذهبا ثم خرج الجميع وركبوا إلى دورهم فكان هذا الجمع جمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 سخف لا غير. وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب إلى ضريح السادات غير واضحة بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعه. ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان أغا المتولي اغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الأحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس اهملوا ذلك وتخرب المشهد واهيلت عليه الاتربة فاجتهد عثمان أغا المذكور في تعمير ذلك فعمروه وزخرفه وبيضه وعمل به سترا وتاجا ليوضعا على المقام وأرسل فنادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بالاشاير وهم السوقة وأرباب الحرف المرذولة الذين ينسبون أنفسهم لأرباب الضرائح المشهورين كالاحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك واكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم أنهم اجتمعوا في يوم الأحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمأمير والبيارق والإعلام والشراميط والخرق الملونه والمصبغة ولهم أنواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤا النواحي والأسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وأنواع التوسلات ومناداة أشياخهم أيضا المنتسبين إليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم ياهو ياهو ياجباوي ويابدوي ويادسوقي ويابيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على أعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون أيدي الناس الذين يمدون أيديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل إلى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة اطعمة واسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثاني يوم. وفيه بعث عيسى أغا الواصل نجيب أفندي إلى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من اجله ويستدعيه للمجيء. وفي يوم الجمعة غايته وردت أخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين وأخذوا منهم أسرى وحضر إلى الباشا جماعة من الأمراء الالفية بامان وهرب الباقون وصعدوا إلى قبلي فعلموا لذلك اليوم شنكا ومدافع ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات. واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1225 فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من برطرا والمعيصرة وركب من هناك خيولا من خيول العرب وطلع إلى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع اعلاما بحضوره. وفي ثاني ليلة صعد إليه عيسى أغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه. وفي يوم الإثنين ثالثه عمل الباشا ديوانا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان أغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع إلى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الأمر بالخروج إلى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك. وفيه وردت الأخبار بمجييء يوسف باشا والي الشام إلى ثغر دمياط وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 من خبر وروده على هذه الصورة أنه لما ظهر أمره واتته ولاية الشام فأقام العدل وابطل المظالم واستقامت أحواله وشاع أمر عدله النسبي في البلدن فتقل أمره على غيره من الولاة وأهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصودا عزله وقتله فأرسلوا له ولوالي مصر أوامر بالخروج إلى الحجاز فحصل التواني وفي اثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج إليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع إلى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى أغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا واشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع إلى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه إلا الفرار وترك ثقله وأمواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرا وحضر إلى مصر ملتجئا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الأخبار بوصوله أرسل إلى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته إلى مصر وانزله بمنزل مطل على بركة الازبكية وعين له ما يكفيه وأرسل إليه هدايا وخيولا وما يحتاج إليه. وفي هذه الأيام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتعين لسدها ديوان أفندي وأخذ معه مراكب واحجارا واخشابا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الاشقر مقيما عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق. وفي هذه الأيام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلا ثم ينقص قليلا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار البعض بالاجتماع بالاستسقاء بالأزهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الاقباط يستسقون أيضا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسه والرهبان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من اتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات واسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون: إن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرد الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا أصل له على أنه لا استغراب للزيادة في أوانها وهذه الأيام أيضا أواخر مسرى وأيام النسيئ وفيها قوة الزيادة وأيام النوروز. وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس إلى جامع عمرو بمصر القديمة وأرسلوا تلك الليلة فجمعوا الأطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا واضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما ياكلونه. وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم. وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة إلى نواحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الأرض وحضر صحبتهم الكثير من الأجناد المصرية أسرى ومستأمنين. وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل إلى الازبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره. وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ماكان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت إلى أواخر توت واطمأن الناس. وفي غايته سافر عيسى أغا بعد ما قبض ما اهداه إليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والأكياس والتحف والسكاكر والشرابات والاقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان أغا الوكيل وسافر صحبته نجيب افندي. وفي أواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الأمراء المنهزمين على يد حسن باشا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 واستهل شهر رمضان بيوم الأحد سنة 1225 في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الاقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس اخي المعلم غالي وباقي أعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة إلى بولاق وانزلوهما في مركب ليسافرا إلى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا علىدورهم وجدوا عند المعلم غالي نيفا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة إلى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم انزلوا النصارى المعتقلين من القلعة إلى بيت إبراهيم بك الدفتردار بالازبكية وفيهم جرجس الطويل واخوه حنا وجرجس وفرنسيس اخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم واشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه إلى أن تم الأمر على أربعة وعشرين ألف كيس ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في آخر رمضان. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1225 فيه نزلت طبلخانة الباشا إلى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة أيام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش. وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع إلى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا والبسه فروة سمور وانعم عليه ونزل له عن أربعة آلاف كيس من أصل الأربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل إلى داره وإمامه الجاويشية والاتباع بالعصى المفضضة وجلس بدكة داره واقبل عليه الأعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك وأما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيدوه بخدمة بيت إبراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه إلى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الازبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك: نرجو سماح افندينا وعفوه عما اذنبناه فقال: نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة واخلى له بيت محمد كتخدا الاشقر بجوار طاهر باشا بالازبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه إلى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لأنه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى إليها محرم بك بحريمة وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك اسكن كبار اتباعه وخواصة القصور التي كان يسكنها الالفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع إلى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وامتعتهم تدخل إلى المدينة ارسالا في عدة أيام. وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانا بالازبكية في بيت ابنة إبراهيم بك الدفتر دار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال: يا احبابنا يخفاكم احتياجي إلى الأموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والايراد لا يكفي ذلك فلزم الحال لتقرير القرض على البلاد والاطيان وقد اجحف ذلك باهليها حتى جلت وخرجت القرى وتعطلت المزارع وبارت الاطيان ولايمكنني رفع ذلك بالكلية والقصدان تدبروا لنا تدبيرا وطريقا لتحصيل المال من غير ضرر ولا اجحاف على أهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع: الراي لك فقال: إني فوضت الرأي في تدبير الأمور السابقة لجماعة الكتبة وهم الافندية والاقباط فوجدت الجميع خائنين واني دبرت رأيا لا تدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها أما سنة أو سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ ايوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال: لكن يا افندينا إلى مساواة الناس فان حصص كثير من المشايخ مرفوع ما عليها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له: أنت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقام الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل إليهم الباشا الترجمان وقال: إنكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا إلى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام ايوب كتخدا وافق غرض الباشا أو هو باغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم أولا أن يجعلها على ذمم الاطيان شارقا وغارقا بما فيها من الاوسية التي للملتزمين والأرزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له: إن الاوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام اطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زمامها والقسمان من الارصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والاسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه ابطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا: إن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له: عليك بالفحص والتفتيش والزام المتولي على المسجد بعمارته إذا كان ايراده رائجا إلى آخر ماقيل. وفي يوم الإثنين حادي عشرينه قتلوا شخصا من الأجناد الالفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1225 وفي ثانيه سافر الباشا إلى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الابراج والاسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما أحضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 بالغلال وارسلها إلى الاسكندرية ليبيعها على الافرنج فباع عليهم ازيد من مائتي ألف اردب كل اردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل أخذها من زراعات الفلاحين من أصل مافرضه عليهم من الظلم مع تطفيف الكيل عليهم والزامهم بكلفة شيله واجره نقله إلى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه وأخذ من الافرنج في ثمنه أصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسة وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها: القرمز والقزدير وأصناف البضائع الافرنكية واحدث وهو بالاسكندرية احداثا ومكوسا. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الأحد سنة 1225 في ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية إلى مصر وذلك يوم الجمعة أواخر النهار وحضر في العشية إلى بيت الازبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت إلى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها إذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الأمور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وذياتهم ونقصهم في الرواية فلا اكتب حادثه حتى اتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الأمور الكلية التي لا تقبل الكثير من التحريف وربما اخرت قيد حادثة حتى اثبتها ويحدث غيرها وانساها فأكتبها في طيارة حتى افيدها في محلها إن شاء الله تعالى عند تهديب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن. ومن حوادثها احداث عدة مكوس زيادة على ما احدث على الأرز الكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل الينا خبره حتى غلت اسعارها إلى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في أوانه بثلاثين نصفا وفي غير أوانه بأربعين نصفا فصار بثلثمائة نصف وكان الملح يأتي من أرضه بثمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 القفاف التي يوضع فيها لاغير ويبيعه الذين ينقلونه إلى ساحل بولاق الاردب بعشرين نصفا واردبه ثلاثة أرادب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لأن اردبة اردبان ويبيعه أيضا بذلك السعر ولكن اردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لا يتفاوت سعره الآن أربعمائة وخمسون نصفا والتزم به من التزم واوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من أربابه ويذهب به إلى قبلي أو نحو ذلك. ومنها وهي من الحوادث الغريبة أنه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصوة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الاتربة واشتهر أمرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في أواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس للاطلاع عليها أفواجا أفواجا نساء ورجالا وأطفالا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت ارجلهم فيحفرون قليلا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وأن غوصوا فيها خشبة أو قصبة احترقت ولما شاع ذلك وأخبروا بها كتخدا بك نزل إليها بجمع من أكابره واتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها واهالة الاتربة من اعالي التل فوقها ففعلوا ذلك وأحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرا واهالوا عليها الاتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والأطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويروجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك. ومنها أنه نودي أواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها إلى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 التزايد. وفي هذه الأيام نودي بالزيادة وذلك بحسب الاغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح أنفسهم لا المصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الأول ووزنه درهمين وكان أربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بايدي الناس والصيارف وإذا أراد إنسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر وأخذ بدله قطعا صغارا افرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر وأخرى بعشرة وأخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة ارباعها قروشا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة انصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها أربعة قروش فتضاعف الخمسة إلى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس أموال الناس من حيث لا يشعرون. وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا اعلم له ترجمة وإنما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للافادة وعدم الرفاهية والرضا بما قسم له منعكفا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادي الثانية من السنة وصلى عليه بالأزهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو اخو المعلم إبراهيم الجوهري ولما مات اخوه في زمن رياسة الأمراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الأمور وربطها في جميع الاقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في أيام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجييء الوزير والعثمانيين وقدموه واجلسوه ولما يسديه إليهم من الهدايا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس أفندي ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف أفندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الأمور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والازر والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والازبكية وانشأ دارا كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على ابوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الأبواب لأخد الأموال والمترجم يدافع في ذلك وإذا طلب الباشا طلبا واسعا من المعلم جرجس يقول له: هذا لا يتيسر تحصيله فيأتي المعلم غالي فيسهل له الأمور ويفتح له أبواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب إلى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الامراض حتى مات في أواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في اغراضه الكلية والجزئيه وكل شيء له بداية وله نهاية والله اعلم. واستهلت سنة ست وعشرين ومائتين وألف فكان أول المحرم يوم السبت فيه اظهر الباشا الاهتمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر وركب في ليلة الجمعة سابعه إلى السويس وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه فلما وصل إلى السويس حجز الداوات التي وصلت بالمحمل وسفر عدة من المراكب التي انشأها ليقبضوا على الداوات والسفن التي بالاساكل وحوزها واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار فلما وصل خبر ذلك إلى مصر فغلا سعر البن وزاد حتى وصل إلى خمسين ريالا فرانسة بعد أن كان بستة وثلاثين عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسمائة نصف فضة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 واستهل شهر صفر الخير بيوم الأحد سنة 1226 في ثانيه يوم الإثنين حضر الباشا من السويس إلى مصر في سادس ساعة من الليل فضربوا في صبحها عدة مدافع لحضوره وقد حضر علي هجين بمفرده ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضا ليدله على الطريق وقطع المسافة في إحدى عشرة ساعة وحضر من كان بصحبته في ثاني يوم وهم مجدون السفر وحضر السيد محمد المحروقي بحموله في اليوم الثالث وأخبروا أن الباشا انزل من ساحل السويس خمسة مراكب من المراكب التي انشأها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها ووجههم إلى ناحة اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب وأن الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم. فيه حضر صالح أغا قوج حاكم اسيوط وتناقلت الأخبار عن الأمراء المصريين القبليين بأنهم حضروا إلى الطينة ورجعوا إلى ناحية قنا وقوض وخرج إليهم أحمد اغالاظ وتحارب معهم وقتل من عساكره عدة وافرة. وفيه قلد الباشا ابنه طوسون باشا ساري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز واخرجوا جيشهم إلى ناحية قبة العزب ونصبوا عرضيا وخياما واظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا لمحله وساري عسكرهم شاهين بك الألفي ونحو ذلك من الايهامات وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتا صالحا لإلباس ابنه خلعة السفر فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس رابعه طاف الاي جاويش بالأسواق على صورة الهيئة القديمة في المناداة على المواكب العظيمة وهو لابس الضلمة والطبق على رأسه وراكب حمار عال وإمامه مقدم بعكاز وحوله قابجية ينادون بقولهم يارن الاي ويكررون ذلك في اخطاط المدينة وطافوا بأوراق التنابية على كبار العسكر والبينبات والأمراء المصرية الالفية وغيرهم يطلبونهم للحضور في باكر النهار إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أما الموكب فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة وطلع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 المصرية بمماليكهم واتباعهم واجنادهم فدخل الأمراء عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طائفة الدلاة واميرهم المسمى ازون علي ومن خلفهم الوالي والمحتسب والاغا والوجاقلية والالداشات المصرية ومن تزيا بزيهم ومن خلفهم طوائف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وأرباب المناصب منهم وإبراهيم اغا آغات الباب وسليمان بك البواب يذهب ويجيء ويرتب الموكب وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج الكتخدا فقط غدر المصرية قتلهم واسر بذلك في صبحها إبراهيم أغا آغات الباب فلما انجر الموكب وفرغ طائفة الدلاة ومن خلفهم من الوجاقلية والالداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب وعرف طائفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية وقد انحصروا باجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في اعلي باب العزب مسافة ما بين الباب الاعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل وقد اعدوا عدة من العساكر اوقفوهم على علاوي النقر الجحر والحيطان التي به فلما حصل الضرب من التحتانيين أراد الأمراء الرجوع القهقري فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضا وعلم العسكر الواقفون بالاعلى المراد فضربوا أيضا فلما نظروا ما حل به سقط في أيديهم وارتبكوا في أنفسهم وتحيروا في امرهم ووقع منه أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيله ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الاعمدة وقد سقط أكثرهم واصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه واسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش وكان الباشا عندما ساروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب إلى البيت الذي به الحريم وهو بيت إسمعيل أفندي الضربخانه وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد إلى حائط البرج الكبير فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه أيضا وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ماعليهم من الثياب ولم يرحموا أحدا وأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملا معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول: أنا لست جنديا ولا مملوكا وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها والذين فروا ودخلوا في البيوت والأماكن وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص أو متخلفا عن الموكب وجالسا مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك ثم أحضروا أيضا المشاعلي لرمي اعناقهم في حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه وسحبو حثته إلى باقي الجثث حتى أنهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالا وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان هذا ما حصل بالقلعة وأما اسفل المدينة فأنه عند ما اغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس وهرب من كان واقفا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فأنزعجوا وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة واغلق الناس حوانيتهم وليس لأحد علم بما حصل وظنوا ظنونا وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الأمراء انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمراء المصريين ومن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 جاورهم طالبين النهب والغنيمة فولجوها بغتة ونهبوها نهبا ذريعا وهتكوا الحرائر والحريم وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب وأظهروا الكامن في نفوسهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المراءة وحل بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف وتوقع المكروه ما لا يوصف لأن المماليك والأجناد تداخلوا وسكنوا في جميع الحارات والنواحي وكل أمير له دار كبيرة فيها عيالة واتباعه ومماليكه وخيوله وجماله وله دار وداران صغار في داخل العطف ونواحي الأزهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بعدها وحمايتها بحرمة الخطة وصونها عند وقوع الحوادث وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم ويندخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل ويظهرون لهم الصداقة والمحبة وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم بل ولجميع ابناء العرب فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل مأمولهم واظهروا ما كان مخفيا في صدورهم وخصوصا من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به وتعافه وتأنف قربه وأن الح عليها استجارات بمن يحميها منه وإلا هربت من بيتها واختفت شهورا وذلك بخلاف ما إذا خطبها اسفل شخص من جنس المماليك اجابته في الحال واتفق أنه لما اصطلح الباشا مع الالفية وطلبوا البيوت ظهر كثير من النساء المستترات المخفيات وتنافسن في زواجهم وعملن لهم الكساوي وقدمن لهم التقادم وصرفن عليهم لوازم البيوت التي تلزم الازواج لزوجاتهم كل ذلك بمرأى من الاتراك يحقدونه في قلوبهم وفيهم من حمى جاره وصان دياره ومانع اعلاهم أدناهم وقليل ما هم وذلك لغرض يبتغيه وأمر يرتجيه فانه بعد ارتفاع النهب كانوا يقبضون عليهم من البيوت فيستولي الذي حماه ودافع عنه على داره وما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 فيها وانهبت دور كثيرة من المجاورين لهم أو لدور اتباعهم بأدنى شبهة أو يدخلون بحجة التفتيش ويقولون: عندكم مملوك أو سمعنا أن عندكم وديعة لمملوك وبات الناس وأصبحوا على ذلك ونهب في هذه الحادثة من الأموال والامتعة ما لا يقدر قدره ويحصيه إلا الله سبحانه وتعالى ونهبت دور كثيرة من دور الأعيان الذين ليسوا من الأمراء المقصودين ومن المتقيدين بخدمة الباشا مثل ذو الفقار كتخدا المتولي خوليا على بساتين الباشا التي انشأها بشبرا وبيت الأمير عثمان أغا الورداني ومصطفى كاشف المورلي والافندية الكتبة وغيرهم وأصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمختفين مستمر ويدل البعض على البعض أو يغمز عليه وركب الباشا في الضحوة ونزل من القلعة وحوله أمراؤه الكبار مشاة وإمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه وهم محدقون به وإمامه وخلفه عده وافرة والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم فكان كلما مر على أرباب الدرك والقلقات والضابطين وقف عليهم ووبخهم على النهب وعدم منعهم لذلك والحال أنهم هم الذين كانوا ينهبون أولا ويتبعهم غيرهم فمر على العقادين الرومي والشوائين فخرج إليه شخص من تجار المغاربة يسمى العربي الحلو وصرخ في وجهه وهو يقول ايش: هذا الحال وايش لنا علاقة حتى ينهبنا العسكر ونحن ناس فقراء مغاربة متسببون ولسنا مماليك ولا أجناد فوقف إليه وأرسل معه نفرا إلى داره فوجدوا بها شخصين احدهما تركي والآخر بلدي وهما يلتقطان آخر النهب وما سقط من النهابين فأمر بقتلهما فأخذوهما إلى باب الخرق وقطعوا رؤوسهما ثم أنه عطف على جهة الكعكيين فلاقاه من أخبره بأن المشايخ مجتمعون ونيتهم الركوب لملاقاته والسلام عليه والتهنئة بالظفر فقال: أنا اذهب إليهم ولم يزل في سيرة حتى دخل إلى بيت الشيخ الشرقاوي وجلس عنده ساعة لطيفة وكان قد إلتجأ إلى الشيخ شخصان من الكشاف المصرية فكلمه في شأنهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وترجى عنده في اعتاقهما من القتل وأن يؤمنهما على أنفسهما وقال له: لا تفضح شيبتي يا ولدي واقبل شفاعتي واعطهما محرمة الأمان فاجابه إلى ذلك وقال له: شفاعتك مقبولة ولكن نحن لا نعطي محارم وأنا اماني بالقول أو نكتب ورقة ونرسلها إليك بالأمان فاطمأن الشيخ لذلك ثم قام الباشا وركب وطلع إلى القلعة وأرسل ورقة إلى الشيخ بطلبهما فقال لهما الشيخ: إن الباشا أرسل هذه الورقة يؤمنكما ويطلبكما إليه فقالا: وما ي يفعل بذهابنا إليه فلاشك في أنه يقتلنا فقال الشيخ: لا يصلح ذلك ولا يكون كيف أنه يأخذكم من بيتي ويقتلكم بعد أن قبل شفاعتي فذهبا مع الرسول فعندما وصلا إلى الحوش وهو مملوء بالقتلى وضرب ذرب الرقاب واقع في المحبوسين والمحضرين قبضوا عليهما وادرجا في ضمنهم وفي ذلك اليوم نزل طوسون ابن الباشا وقت نزول أبيه وشق المدينة وقتل شخصا من النهابين أيضا فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة وحصل منهم غاية الضرر أما القبض على الأجناد والمماليك فمستمر وكذلك كل من كان يشبههم في الملبس والزي وأكثر من كان يقبض عليهم عساكر حسن باشا الارنؤدي فيكبسون عليهم في الدوراو في الأماكن التي تواروا فيها واستدلوا عليهم فيقبضون على من يقبضون عليه وينهبون من الأماكن ما يمكنهم حمله وثياب النساء وحليهن ويسحبون الواحد والإثنين أو أكثر بينهم ويأخذون عمائمهم وثيابهم وما في جيوبهم في اثناء الطريق وإذا كان كبيرا أو اميرا يستحى منه طلبوه بالرفق فإذا ظهر لهم قالوا له: سيدنا حسن باشا يستدعيك إليه فلا تخش من شىء ويطمئن قليلا ويظن أنهم يجبرونه وعلى اي حال لا يسعه إلا الاجابة لأنه أن امتنع أخذوه قهرا فإذا خرج من الدار استصحبه جماعة منهم وطلع البواقي إلى الدار فأخذوا ما قدروا عليه ولحقوا بهم وجرى على الماخوذ ما يجري على أمثاله من المأخوذين والبعض توارى والتجأ إلى طائفته الدلاة الفلاحات اللاتي يبعن الجلة والجبنة وذهبوا في ضمنهم وفر من نجا منهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وتزيا بشكلهم ولبس له طرطورا واجاروه وهرب كثير في ذلك اليوم وخرجوا إلى قبلي وبعضهم تزيا بزي نساء الفلاحين وخرج في ضمن إلى الشام وغيرها وأما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم أحدا فكان كل من أحضروه ولو فقيرا هرما من مماليك الأمراء الاقدمين يامر بضرب عنقه وأرسل أوراقا إلى كشاف النواحي والأقاليم بقتل كل من وجدوه بالقرى والبلدان فوردت الرؤوس في ثاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة وكان كثير من الأجناد بالارياف لتحصيل الفرض التي تعهدوا بدفعها عن فلاحيهم وانقضت اجلتهم وطولبوا بالدفع والفلاحون قصرت أيديهم ولم يقبلوا للملتزمين عذرا في التأخير فلم يسعهم إلا الذهاب بأنفسهم لأجل خلاص المطلوب منهم للديوان فعندما وصلت الأوامر إلى كشاف الاقاليم بقتل الكائنين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله ومن بعد عنهم أرسلوا لهم العساكر في محلاتهم فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم وما جمعوه من المال ويرسلون برؤوسهم أو يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم فصار يصل في كل يوم العدد من الرؤوس من قبلي وبحري ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة ولم يقبلوا شفاعة في أحد ابدا ويعطون الأمان للبعض فإذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم والباشا يعلم من كتخداه شدة الكراهة لجنس المماليك ففوض له الأمر فيهم حتى أنه كان بينه وبين محمد أغا كتخدا الجاويشية سابقا بعض منافرة من مدة سابقة أو لكونه صاهر بعض الالفية وزوجه ابنته وكان غائبا ببلدة يقال لها: الفرعونية جارية في اقطاعه وتعهد بسا! عليها من الفرضة فذهب إليها بنفسه ليستخلص منها الفرضة والمال الميري فأرسل الكتخدا بك إلى كاشف المنوفية قبل الحادث بيوم يامره فيه بأمره فأرسل إليه طائفة من العسكر دخلوا عليه في الفجرية وهو يتوضأ لصلاة الصبح فقتلوه وقطعوا رأسه وأحضروها إلى مصر وكانوا يأتون بأشخاص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا فيسألهم فيخبرون عن أنفسهم ونسبتهم فيكذبهم ويامر بهم إلى الحبس الاعلى حتى يتبين امرهم فأما تدركهم الالطاف فينجون بعد معاينة الموت وهذا في النادر فقتل في هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان وأمراء وأجناد وكشاف ومماليك ثم صاروا يحملون رممهم على الاخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الأرض فوق بعضهم البعض لا يتميز الأمير عن غيره وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء والقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم في تلك الحفر فكانت هذه الكائنة من اشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها ولم ينج الالفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فإنه كان غائبا بناحية بوش وامين بك تسلق من القلعة وهرب إلى ناحية الشام وعمر بك أيضا الألفي كان مسافرا في ذلك اليوم إلى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام ومعها نحو الخمسة عشر رأسا وأرسل دبوس اوغلي حاكم المنية خمسة وثلاثين رأسا وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير. وأما من قتل في ذلك اليوم ممن له ذكر وبلغني خبره. فهم شاهين بك كبير الألفية ويحيى بك ونعمان بك وحسين بك الصغير ومصطفى بك الصغير ومراد بك وعلي بك وهؤلاء من الالفية ومن غيرهم أحمد بك الكيلارجي ويوسف بك أبو دياب وحسن بك صالح ومرزوق بك بن إبراهيم الكبير وسليمان بك البواب وأحمد بك تابعه ورشوان بك وإبراهيم بك تابعاه وقاسم بك تابع مراد بك الكبير وسليم بك الدمرجي ورستم بك الشرقاوي ومصطفى بك ايوب ومصطفى بك تابع عثمان بك حسن وعثمان بك إبراهيم وذو الفقار تابع جوجر وهو رجل كبير من الاقدمين البطالين هرب هو ومصطفى بك الجداوي وآخر عند صالح بك السلحدار والتجؤا إليه وطمنهم وأرسل بخبرهم فحضر الأمر بقطع رؤوسهم فأحضر المشاعلي وقطع رؤوسهم في مقعده وأرسلها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 ومن الأمراء الكشاف الالفية فهم علي كاشف الخازندار وعثمان كاشف الحبشي ويحيى كاشف ومرزوق كاشف وعبد العزيز كاشف وروشوان كاشف وسليم كاشف ططر وقايد كاشف وجعفر كاشف وعثمان كاشف ومحمد كاشف ابو قطية وأحمد كاشف الفلاح وأحمد كاشف صهر محمد أغا وخليل كاشف وعلي كاشف قيطاس وأحمد كاشف وموسى كاشف وغير ذلك ممن لم يحضرني اسماؤهم وهم كثيرون وختم الله للجميع بالخير فانه بلغني ممن عاينهم بالحبوس وفي حال القتل أنهم كانوا يقرأون القرآن وينطقون بالشهادتين والاستغفار وبعضهم طلب ماء وتوضأ وصلى ركعتين قبل أن يرمى عنقه ومن لم يجد ماء تيمم ولاشتغال أهل المقتولين بأنفسهم وما حصل لهم من النهب والسلب والتشتيت عن اوطانهم لم يعوا ولم يسألوا عن موتاهم غير أم مرزوق بك بن إبراهيم بك الكبير فإنها وجدت عليه وجدا عظيما وطلبته في القتلى فعرفوا جثته بعلامة فيه وجمجمته بكونه كان كريم العين فأخرجوه وكفنوه ودفنوه في تربتهم وذلك بعد مضي يومين من الحادثة واجتمع عندها الكثير من أهل المقتولين ونسائهم واقاموا على ذلك شهورا. وفي الحادثة أرسل محرم بك صهر الباشا حاكم الجيزة فجمع مال المصرية بإقليم الجيزة في الربيع من الخيول والجمال والهجن وغيرها فكان شيئا كثيرا. وفي ثامنه نودى على نساء المقتولين بالأمان وأن يحضرن إلى بيوتهن ويسكن فيها كونها صارت بلاقع فرجع البعض وهن اللاتي لم يحصل لهن كثير الضرر وبقي البعض في اختفائه وانعم الباشا على خواصه بالبيوت بما فيها فنزلوها وسكنوها والبسوا النساء الخواتم وجددوا الفرش والأواني وغالبها من المنهوبات وانعم ببيت شاهين بك على حسين أغا من اقاربه ولم يحصل به ما حصل بغيره لكونه ملاصقا لبيت طاهر باشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وأرسل الباشا طائفة من العسكر جلسوا على بابه وأما أحمد بك الألفي فانه وصله النذير فانتقل من بوش وذهب عند الأمراء القبالي ولما وصلتهم خبار هذه الحادثة وبلغ إبراهيم بك موت ولده على هذه الصورة اقاموا العزاء على اخوانهم ولبسوا السواد. وفي ثاني يوم الوقعة حضر أحد الكشاف رسولا من عند الأمراء القبليين يطلبون العفو من الباشا وأن يعطيهم جهة يتعيشون منها فوعده برد الجواب في غير الوقت فاهمله وما ادري ما تم له. وفيه قلد الباشا مصطفى بك ابن اخته وجعله كبيرا على طائفة الدلاة وكان أحضره من ناحية الشرقية ليذهب إلى قبلي وأقام بدله في كشوفية الشرقية علي كاشف بن أحمد كتخدا من المصرلية. وفي ثامن عشره عدى مصطفى بك المذكور إلى بر الجيزة ليسافر إلى قبلي ونصب طاقه بحري بالقصر وعدى أيضا الباشا وأقام بالقصر وشرع عسكره الدلاة في التعذية ليلا ونهارا. وفيه أيضا خرج عدة من العسكر الدلاة نحو الخمسمائة نفر إلى ناحية قبة العزب ليسافروا إلى بلادهم فاستمروا في قضاء اشغالهم أياما ثم سافروا. وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه ارتحل مصطفى بك وانتقل إلى ناحية الشيخ عثمان مسافرا إلى قبلي وعدى الباشا راجعا إلى مصر. وفيه حضر ططريان من الروم يبشران بالعفو عن يوسف باشا المنفصل عن الشام وقبل فيه ترجى باشة مصر وشفاعته. وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه أحضروا من ناحية قبلي أربعةوستين شخصا وأكثرهم من الذين كانوا مستوطنين بالبلاد من بقايا البيوت القديمة السنين العديدة ومحترفين فلما أحضروهم إلى مصر القديمة ابقوهم إلى الليل في محبس ثو اوقدوا المشاعل بساحل البحر وقطعوا رؤوسهم ورموا بجثثهم إلى البحر واتوا بالرؤوس فوضعوها تجاه باب زويلة ليراها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 الناس كما راوا غيرها. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء سنة 1226 وفي يوم الأحد سادسه عمل الباشا لابنه طوسون باشا موكبا عظيما ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها ونزل هو إلى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا واستعد لذلك السيد المحروقي وفرش له بالجامع المذكور فروشا ومراتب ووسائد فمر الموكب وفي أوله طائفة الدلاة فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات وعربيتين تحملان هونين قنابر وخلفهم طوائف العسكر الرجالة ارنؤد واتراك وسجمان وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة ثم كبارهم ركبانا بطوائفهم ثم الوالي والمحتسب واغات مستحفظان ثم طوائف صاحب الموكب وجنائبه وكذا هجنه ثم الجاويشية والسعاة والملازمون ثم طوسون باشا وخلفه اتباعه واغواته ثم الكتخدا وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي وهو الذي كان كتخدا الألفي وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية ولما انقضى أمر الموكب دعاه المحروقي إلى منزله فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري وصحبته حسن باشا وتوجهوا إلى بيت المحروقي وتعدى عنده هو واتباعه وخواصيه وأحضر له الات الطرب واستمر هناك إلى آخر النهار في حظ وكيف وقدم له المحروقي تعابي هدية ثم ركب عائدا إلى محله. وفي يوم الإثنين رابع عشره نزل الباشا إلى ترعة الفراعونية للاهتمام بسدها ونقل الاحجار في المراكب مستمر فأقام عند السد أربع ليال وذهب إلى الاسكندرية عندما اتته الأخبار بورود مراكب الانكليز لأجل مشتري الغلال فذهب ليبيع عليهم الغلال التي جمعها فباع عليهم كل اردب بمائة قرش رومي عنها أربعة آلاف فضة وأكثر واجتهد ببناء اسوار الاسكندرية وجدد بها ابراجا وحصونا وأرسل بطلب البنائين والصناع فجمعوهم من كل ناحية وطالت غيبته هناك واقامته لتتميم اغراضه وأمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 مشايخ عربان أولاد على المتسولين على البحيرة وتحيل عليهم فلما حضروا إليه قبض عليهم وقرر عليهم أموالا عظيمة ثم خلع عليهم وعوقهم وأرسل العساكر فنهبت نجوعهم وسبوا نساءهم وأولادهم ومواشيهم وأما كتخدا بك فإنه بمصر يقرر الفرض على البلاد هو والكتبة حسب أوامر مخدومه ونظموا كيفية أخرى وهي أنهم جمعوا الميري المضاف والفائظ والرزق ايراد أربع سنوات وكتبوا بها مراسيم بنصف المقرر ليقبض في دفعتين وبعد أن تقرر النصف الأول وتحصل منه ما تحصل وبقى الباقي مع النصف الآخر ويطلب من أربابه ولا بد لا مسامحة في شىء منه ومن نكفل بما تقرر على حصته والزم نفسه بدفعه وكتب على نفسه وثيقة لأجل طولب به حتى قبل حلول الأجل لاحتياج المهمات فتتوجه عليه الحوالات بيد العساكر فينزلون بداره ويلازمونه ويضيقون انفاسه ويكلفونه ما لا يطيق فلا يجد ملجأ ولا خلاصا إلا باحد الشيئين أما الدفع باي وجه كتان وأما أن ينزل عن حصته بالفراغ للديوان ولا يبقى بيده ما يتقوت به هو وعياله ويصبح فقيرا لا يملك شيئا أن لم يكن له إيراد من جهة اخرى. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1226 والكتخدا يتنوع في استجلاب الأموال ويتحيل في استخراجها بأنواع من الحيل فمنها أنه يرسل إلى أهل حرفة من الحرف ويامرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها ويظهر أنه يريد الشفقة والرأفة بالناس ويرخص لهم في اسعار المبيعات وأن أرباب الحرف تعدوا الحدود في غلاء الاسعار فجتمع أهل الحرفة ويضجون ويأتون بدفاترهم وبيان رأس امالهم وما ينضاف إليه من غلو جريئات تلك البضاعة وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس وغلو الاجر في البحر والبر فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذرا ويامر بهم إلى الحبس فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على أنفسهم بقدر من المال يدفعونه ويوزعون ذلك على افرادهم فيما بينهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس معتذرين بتلك الغرامة وما حل بهم من الخسارة ثم تستمر الزيادة على الدوام واظن استمرار الغرامة أيضا فجمع بهذه الكيفية أموالا عظيمة وهي في الحقيقة سلب أموال الناس من الاغنياء والفقراء. وفي أواخره حضر الباشا من الاسكندرية على حين غفلة فبات بقصر شبرا ثم حضر إلى بيت الازبكية فأقام به يومين ثم طلع إلى القلعة. وفيه وصلت عساكر كثيرة من الارنؤد والاتراك حتى غصت بهم المدينة فلا يكاد المار يقع بصره إلا عليهم إمام وخلف وبداخل الازقة والعطف وذلك خلاف الذين اقرهم وابقاهم في الاسكندرية ومن هو بالجهات والاقاليم القبلية والبحرية وما يعلم جنود ربك إلا هو. وفيه اهتم الباشا بتشهيل العرضى اهتماما زائدا وفرض على البلاد جمالا واتبانا وغلالا. واستهل جمادى الأولى سنة 1226 وفيه ورد قاصد من الديار الرومية وعلى يده بشارة بأنه ولد للسلطان مولودة انثى فعملوا لها شنكا وهي مدافع تضرب من ابراج القلعة في الأوقات الخمسة ثلاثة أيام. وفيه فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس وأهل الحرف بغلة وبغلتين وثلاثة والذي لم يكن عنده بغلة تلزم بالشراء أو أنه يدفع ثمنها كيسا عشرون ألف فضة. وفيه انقطع الوارد من الديار الحجازية وغلا سعر البن حتى وصل إلى مائتين وسبعين نصف فضة كل رطل وقل وجوده من الأسواق والدكاكين فلا يوجد إلا مع المشقة وصنع الناس القهوة من أنواع الحبوب المحمصة كالشعير والقمح والفول وبزر العاقول وغيره مخلوطا مع البن وبغير خلط. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1226 وفي عشرينه خرج الباشا إلى البركة وطلب الجمال وقوافل العرب وشهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 طائفة من العسكر للسفر إلى السويس فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال وكل ما صادفوه من الدواب ومن وجدوه راكبا ولو من وجهاء الناس انزلوه عن دابته وركبوها فانقبض الناس وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم واخفوا حميرهم وبغالهم وأقام الباشا ثلاثة أيام جهة البركة ثم ركب إلى السويس. وفيه وردت مراكب وداوات وفيها البن وذلك باستدعاء الباشا لها من ناحية جدة واليمن لأجل حمل العساكر واللوازم وانحل سعر البن قليلا. واستهل شهر رجب سنة 1226 وفي ثاني عشرينه يوم الإثنين الموافق لسابع مسرى القبطي اوفى النيل اذرعه وكسر السد في صبحها يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والباشا غائب بالسويس. واستهل شهر شعبان سنة 1226 وفي ثانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس وشرع في تشهيل العساكر البرية. وفي خامس عشره خرج الباشا إلى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادا كبيرا وجمع من أهل كل حرفة طائفة وكذلك من أهل كل صنعة والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلا بدى وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية ومن الحنفية السيد أحمد الطحطاوي وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام وكانوا رسموا بإحضار السيد حسين كريت المالكي من رشيد والشيخ علي خفاجي من دمياط فحضرا واعتذرا فاعفيا من السفر ورجعا إلى بلديهما. وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذنب في جهة الشمال. بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى رأسه جهة المغرب وذنبه صاعدا إلى جهة المشرق وله شعاع مستطيل في مقدار الرمح واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون إليه ويتحدثون به ويسألون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 الفلكيين عنه ويبحثون عن دلائله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الاذناب واستمر ظهوره قريبا من ثلاثة اشهر واضمحل بعض جرمه ومشى إلى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطائر. واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1226 وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج. وفي يوم الأحد ثاني عشره ارتحلوا من البركة فكان مدة مكث العرضى من يوم خروج الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريبا من ستة اشهر ونصف والناس في أمر مريج في كل شيء. وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخها واوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بان لا يفعل شيئا من الأشياء إلا بمشورته واطلاعه ولا ينفذ أمرا من الأمور إلا بعد مراجعته. وفيه وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار وذلك أنه كان بمرساة الينبع عدة مراكب وادوات والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة والباشا أيضا يراسله ويكاتبه وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارا عديدة فكأناهما السفيرين بينهما وأيضا الشريف في كل كتابة مع كل مرسل يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه فيظهر له الموافقة والامتثال وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحوذلك ويميل باطنا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم وتعاقد مع الباشا أنه متى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته وأرسل إلى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت يد وزيره وترك معه نحو الخمسمائة من عسكره وأخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره وبنه وارسلها إلى السويس لتباع بمصر ثم توسق بمهمات العسكر البحرية فلما وصلت مراكب العساكر البحرية والقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء فلم يسعفوهم بالماء فطلع طائفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص والحال أن الأمر مبهم على الفريقين فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابر والمدافع وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها ولم ينج منهم إلا الوزير ومعه ستة انفار خرجوا هاربين على الخيول ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودائع والأموال والاقمشة والبن وسبو النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى يبيعوهن على بعضهم البعض ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكا وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش وأرسلوا بتلك البشارة شخصا معينا كبيرا إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام وكان ذلك أول فتح حصل. واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1226 وكان حقه أن يكون بيوم السبت لأن الهلال لم يكن موجودا ليلة الجمعة ولم يره ليلة السبت إلا النادر من الناس وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات. وفي سادس عشره وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 بوصولهم إلى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت. وفيه خرجت تجريدة لتسافر إلى قبلي لمحاربة من بقي من الأمراء المصريين بناحية ابريم. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأحد سنة 1226 وفيه وصلت حجاج مغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق. وفي سادسه حضر أيضا الركب الفاسي وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي إبراهيم ابن مولاي سليمان فاعتنى الباشا بشأنه وأرسل كتخدا بك لملاقاته وقدم له تقادم واعدوا له منزل علي كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه وتقيد بخدمته الرئيس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه فلما عدى طلع إلى القلعة وقابل الباشا ونزل إلى المنزل الذي اعده له وإمامه قواسة اتراك وطرادون واسخاص اتراك يضربون على طبلات وإمامه جميع المغاربة مشاة ويامرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام على اقدامهم فأقام خمسة أيام حتى قضى اشغاله وفي تلك المدة تغدو إليه وتروح رسل الباشا وأرسل له هدية وذخيرة من كل صنف سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط وأشياء آخر وبارود واعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص وبرز في عاشره وسافروا في ثاني عشره. وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطابا إلى الباشا وغيره وفيهم خبر بان العسكر البري قد اجتمع مع العسكر البحري وأخذوا ينبع البر من غير حرب وأن العربان اتت إليهم أفواجا وقابلوا طوسون باشا وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الاخبار. واستهل شهر ذي الحجة سنة 1226 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 في منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر القعدة مضمونها أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال واجتمع هناك العسكران البري والبحري وانهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية وتسمى قرية السويق وفر ابن جبارة هاربا وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا وانهم مقيمون وقت تاريخه في منزله الينبع منتظرين وصول الذخيرة وعاق المراكب ريح الشتاء المخألف وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبد الله ابن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة قصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر فوافاهم قبل شروق الشمس ووقع بينهم القتال والوهابية يوقولون هاه يا مشركون وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجينا من الهجن الجياد محملة أدوات وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين هذا ملخص ما ذكره وفي الاجوبة التي حضرت. وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات وحضر أيضا السيد أحمد الطحطاوي والسيخ الحنبلي وأخبروا أن العرضى ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة ووصلوا إلى منزله الصفراء الجديدة ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال فوجدوا هناك متاريس واحجارا فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه ثم أخذوا متراسا آخر وصعدت العساكر إلى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش وسارت الخيالة في مضيق الجبال هذا والحرب قائمة في اعلى الجبال يوما وليلة إلى بعد الظهيرة من يوم الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الاعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعا وولوا الادبار وطلبوا جميعا الفرار وتركوا خيامهم واحمالهم واثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 ما خف عليهم من امتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا اعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهى لا تسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من اخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطائر يخوضون في البحر إلى رقابهم وكإنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على اسكلة البريك ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر ووقع التشتيت في الدواب والاحمال والخلائق من الخدم وغيرهم ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يوما عن معسكره حتى أنهم ظنوا فقده ورجع أيضا المحروقي وديوان أفندي واستقروا بالينبع وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغربيات والخشكنانكات والمربيات وأنواع الشرابات فوقعوا عليها اكلا ونهبا ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأت في أثرهم اقاموا على ذلك يومين حتى استوفوا اغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت ابدانهم ثم لحقوا بإخوانهم فكانوا هم اثبت القوم واعقلهم ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة إقامة المعسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يوما وأما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح وقد اجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس وكانت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 علائفهم في كل يوم أربعمائة وخمسين اردبا وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه واسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير وحضر الكثير من اتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر فأما الذين ذهبوا إلى المويلح فهم تأمر كاشف وحسين بك دالي باشا وآخرون فأقاموا هناك في انتظار أذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم وأما صالح أغا قوج فانه عندما نزل السفينة كر راجعا إلى القصير واستقل برأيه لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الاحق بالرياسة ويسفه رأى المحروقي وطوسون باشا ويقول هؤلاء الصغار: كيف يصلحون لتدبير الحروب ويصرح بمثل هذا الكلام واذيد منه وكان هو أول منهزم وعلم كا ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير ولم ينتظر اذنا في الرجوع أو المكث ولما حصل ذلك لم بتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى وبرزوا إلى خارج البلدة وفرض على البلاد جمالا ذكر أنها من أصل الغرائم والفرض في المستقبل وكذلك فرض غلالا فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف اردب بعناية علي كاشف قابله الله بما يستحق وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة واظنها طويلة الذيل. ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغا عظيما حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي ولما انحسر عن الأرض زرعوا البرسيم والوقت صائف والحرارة مستجنة في الأرض فتولدت فيه الدودة واكلت الذي زرع فبدروه ثانيا فاكلته أيضا وفحش أمر الدودة جدا في الزرع البدري وخصوصا بإقليم الجيزة والقيلوبية والمنوفية بل وباقي الاقاليم. ومنها أن الباشا احدث ديوانا ورتبوه ببيت البكري القديم بالازبكية واظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسبتها والقصد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 الباطني غير ذلك وقيد به إبراهيم كتخدا الرزاز والشيخ أحمد يوسف كاتب حسين أفندي الروزنامجي وما انضم إليهم من الكتبة المسلمين دون الاقباط ليحرروا به قوائم المصروف المضاف والبراني فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة ثم تطرق الحال لسور بلاد الباشا وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعة ذلك اتوا من كل ناحية إلى مصر وكتبوا عرضحالات إلى كتخدا بك وللباشا ويتظلمون من أستاذيهم وينهون أنهم يزيدون عليهم زيادات في قوائم المصروف ويشددون عليهم في طلب الفرض أو بواقيها فيدفعهم الباشا أو الكتخدا إلى ذلك الديوان المحدث لينظر في أمرورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضا والفلاحين والشاهد والصراف وقوائم المصروف لأجل المحاققة فعند ذلك يتعنت إبراهيم كتخدا في القوائم ويطلب قوائم السنين الماضية المختومة ونحو ذلك ولما فشا هذا الأمر واشيع في البلدان اتت طوائف الفلاحين أفواجا إلى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ةويخاصمونهم ويكافحونهم فيكون أمرا مهولا وغاية في الزحام والعياط والشباط وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه إبراهيم بك الدفتردار وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي ومحمد أفندي سليم ومن انضم إليهم واظهر الباشا أنه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الاقباط والقصد الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلاء والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلا فيضرب هذا بهذا والناس اعداء بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة فيغرى هذا بذاك وذاك بهذا ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة. ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها وذلك أن حضرة الباشا ابقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظرا عليها وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسمائة كيس بعد أن كان شهريتها أيام نظارة المحروقي خمسين كيس في كل شهر ونقصوا وزن القروش نحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 النصف عن القرش المعتاد وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة ويصرف بأربعين نصفا وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش حتى وصل صرف الريال إلى مائتين وخمسين نصفا والمحبوب إلى مائتين وثمانين ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضا عن ذلك فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال أياما قليلة ويعود لما كان أو ازيد فتحصل المناداة أيضا ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك ويقبض عليه اعوان الحاكم ويحبس ويضرب ويغرمونه غرامة وربما مثلوا به وخرموا انفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في انفه ردعا لغيره وفي اثناء ذلك إذا بالمناداة بان يكون صرف الريال بمائتين وسبعين والمحبوب بثلثمائة وعشرة فاستمع وتعجب من هذه الاحكام الغريبة التي لم يطرق سمع سامع مثلها هذا مع عدم الفضة العديدة في أيدي الناس فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقض أربعة انصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع افرنجية منها ما هو باثنى عشر أو خمسة وعشرين أو خمسة فقط أو يشترى من يريد الصرف شيئا من الزيات أو الخضري أو الجزار ويبقى عنده الكسور الباقية يعده بغلاقها فيعود إليه مرارا حتى يتحصل عنده غلاقها وليس هو فقط بل أمثاله كثير وسبب شحة الفضة العددية أنه يضرب منها كل يوم بالضربخانة الوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة مائة نصف في كل ألف يرسلونها إلى بلاد الشام والروم ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والذهب لأنها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الألف مائتين وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف ثلاثين قرشا عنها ألف ومائتان ويأخذ الفا فقط والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب والأمر لله وحده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر. فلم يمت من مشاهير الفقهاء من له شهرة ولا ذكر. وأما الأمراء فقد تقدم ذكرهم. وما وقع لهم ومقتلهم اجمالا فأغنى عن التكرار فالله يرحمنا أجمعين. ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين وألف. وما تجدد بها من الحوادث فكان ابتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا وهم في اسوأ حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسحن ودوابهم وجمالهم في غاية العي ويدخلون إلى المدينة في كل يوم ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة وفرطوا في ذلك ويلومنهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي: بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع اين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا دخل الوقت اذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة اذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين المحرمات وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 ولما وصلوا بدرا واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون: هؤلاء الكفار الخوارج حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته فقال له: حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك من الغد. وفيه خرج العسكر المجرد إلى السويس وكبيرهم بونا بارته الخازندار ليذهب لمحافظة الينبع صحبة طوسون باشا. وفيه وصل جماعة من الانكليز وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها طيور ببغا هندية خضر الألوان وملونة وريالات فرانسة نقود معبأة في براميل وحديد وآلات ومجيئهم وحضورهم في طلب أخذ الغلال وفي كل يوم تساق المراكب المشحونة بالغلال إلى بحري وكلما وردت مراكب سيرت إلى بحري حتى شحت الغلال وغلا سعرها وارتفعت من السواحل والرقع ولا يكاد يباع إلا مادون الويبة وكان سعر الأردب من أربعمائة نصف إلى ألف ومائتين والفول كذلك وربما كان سعره ازيد من القمح لقلته فانه هاف زرعه في هذه السنة ولم يتحصل من رميه إلا نحو التقاوى وحصل للناس في هذه الأيام شدة بسبب ذلك ثم بعد قليل وردت غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالسواحل والرقع. وفي منتصفه حضر رجل نصراني من جبل الدروز وتوصل إلى الباشا وعرفه أنه يحسن الصناعة بدار الضرب ويوفر عليه كثيرا من المصاريف وأنها بها نحو الخمسمائة صانع وأن يقوم بالعمل بأربعين شخصا لا غير وأنه يصنع آلات وعدد الضرب القروش وغيرها ولا تحتاج إلى وقود نيران ولا كثير من العمل فصدق الباشا قوله أمر بأن يفرد له مكان ويضم إليه ما يحتاجه من الرجال والحدادين والصناع ليعمل لصناعته العدد والآلات التي يحتاجها وشرع في اشغاله واستمر على ذلك شهورا. وفيه التفت الباشا إلى خدمة الضربخانة وافنديتها وطمعت نفسه في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 مصادرتهم وأخذ الأموال لما يرى عليهم من التجمل في الملابس والمراكب لأن من طبعه داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم فكان ينظر إليهم ويرمقهم وهم يغدون ويروحون إلى الضربخانة هو وأولادهم راكبون البغال والرهوانات المجملة وحولهم الخدم والاتباع فيسأل عنهم ويستخبر عن أحوالهم ودورهم ومصارفهم وقد اتفق أنه رأى شخصا خرج آخر الصناع وهو راكب رهوانا وحوله ثلاثة من الخدم فسأل عنه فقيل له: إن هذا البواب الذي يغلق باب الضربخانة بعد خروج الناس منها ويفتحه لهم في الصباح فسأل عن مرتبه في كل يوم فعرفوا أن له في كل يومين قرشين لا غير فقال: إن هذا المرتب له لا يكفي خدمة الذين هم حوله فكيف بمصرف داره وعليق دوابه وجميع لوازمه مما ينفقه ويحتاجه في تجملاته وملابسه وملابس أهله وعياله أن هؤلاء الناس كلهم سراق وكل ما هم فيه من السرقة والاختلاس ولا بد من إخراج الأموال التي اختلسوها وجمعوها وتناجى في ذلك مع العلم غالي وقرنائه ثم طلب أولا إسمعيل أفندي ليلا وهو ألأفندي الكبير وقال له: عرفني خيانة فلان النصراني وفلان اليهودي المورد فقال: لا اعلم على أحد منهم خيانة وهذا شيء يدخل بالميزان ويخرج بالميزان ثم صرفه وأحضر النصراني وقال له: عرفني بخيانة إسمعيل أفندي وأولاده والمداد وإبراهيم أفندي الخضراوي الختام وغيره فلم يرد على ما قاله إسمعيل أفندي ثم أحضر الحاج سالم الجواهرجي وهدده فلم يزد على قول الجماعة شيئا فقال: الجميع شركاء لبعضهم البعض متفقون على خيانتي ثم أمر بحبس الحاج سالم وأحضر شخصا آخر من الجواهرجية يسمى صالح الدنف والبسه فروة وجعله في خدمة الحاج سالم ثم ركب الباشا إلى بيت الأزبكية وطلب إسمعيل أفندي ليلا هو وأولاده فأحضرهم بجماعة من العسكر في صورة هائلة وهددهم بالقتل وأمر بإحضار المشاعلي فأحضروه وأوقدوا المشاعل وسعت المتكلمون في العفو عنهم من القتل وقرروا عليهم مبلغا عظيما من الأكياس التزموا بدفعها خوفا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 القتل ففرضوا على الحاج سالم بمفرده سبعمائة وخمسين كيسا وعلى إبراهيم المداد مائتي كيس وعلى أحمد أفندي الوزان مائتي كيس وعلى أولاد الشيخ السحيمي مائتي كيس لأن لهم بها آلات ختم ووظائف يستغلون أجرتها وأخذ الجماعة في تحصيل ما فرض عليهم فشرعوا في بيع أمتعتهم وجهات إيرادهم ورهنوا وتداينوا بالربا وحولت عليهم الحوالات لطف الله بنا وبهم. واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة 1227 في سابعه يوم الخميس حضر السيد محمد المحروقي إلى مصر ووصل من طريق القصير ثم ركب بحر النيل ولم يحضر الشيخ المهدي بل تخلف عنه بقنا وقوص لبعض اغراضه. وفيه ألبس الباشا صالح أغا السلحدار خلعة وجعله سر عسكر التجريدة المتوجهة على طريق البر إلى الحجاز وكذلك البس باقي الكشاف. وفي يوم الأحد عاشره ورد قابجي وعلى يده مرسوم ببشارة مولود ولد للسلطان محمود وتسمى بمراد وصحبته أيضا مقرر للباشا على ولاية مصر فضربوا مدافع لوروده وطلع إلى القلعة في موكب وقرئت المراسيم وعملوا شكنا ومدافع تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام من القلعة والازبكية وبولاق والجيزة. واستهل شهر ربيع الأول سنة 1227 فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية. وفي منتصفه حضر أحمد أغا لاظ الذي كان أمير بقنا وقوص وباقي الكشاف بعد أن راكوا جميع البلاد القبلية والأراضي وفرضوا عليها الأموال على كل فدان سبعة ريالات وهو شيء كثير جدا واخصوا جميع الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والبر والصدقة بالصعيد ومصر فبلغت ستمائة ألف فدان أشاعوا بأنهم يطلقون للمرصد على المساجد خاصة نصف المفروض وهو ثلاثة ريال ونصف فضجت أصحاب الرزق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وحضر الكثير منهم يستغيثون بالمشايخ فركبوا إلى الباشا وتكلموا معه في شأن ذلك وقالوا: له: هذا يترتب عليه خراب المساجد فقال: وأين المساجد العامرة الذي لم يرضى بذلك يرفع يده وأنا اعمر المساجد المتخربة وارتب لها ما يكفيها ولم يفد كلامهم فائدة فنزلوا إلى بيوتهم. وفي أواخره انتقل السيد عمر مكرم النقيب من دمياط إلى طندتا وسكن بها. وسبب ذلك أنه لما طالت إقامته بدمياط وهو ينتظر الفرج وقد أبطأ عليه وهو ينتقل من المكان الذي هو فيه إلى مكان آخر على شاطيء البحر وتشاغل بعمارة خان أنشأه هناك والحرس ملازمون له فلم يزل حتى ورد عليه صديق أفندي قاضى العسكر فكلمه بأن يتشفع له عند الباشا في انتقاله إلى طندتا ففعل واجاب الباشا إلى ذلك. واستهل شهر ربيع الآخر سنة 1227 في رابعه وصل الحجاج المغاربة ووصل أيضا مولاي إبراهيم ابن السلطان سليمان سلطان المغرب! وسبب تأخرهم إلى هذا الوقت أنهم اتوا من طريق الشام وهلك الكثير من فقرائهم المشاة وأخبروا أنهم قضوا مناسكهم وحجوا وزاروا المدينة واكرمهم الوهابية إكراما زائدا وذهبوا ورجعوا من غير طريق العسكر. وفي عاشره حضر تامر كاشف ومحو بك وعبد الله أغا وهم الذين كانوا حضروا إلى المويلح بعد الهزيمة فأقاموا به مدة ثم ذهبوا إلى ينبع البحر عند طوسون باشا ثم حضروا في هذه الأيام باستدعاء الباشا وكان محو بك في مركب من مراكب الباشا الكبار التي انشأها فانكسر على شعب وهلك من عسكره أشخاص ونجا هو بمن بقي معه وأخبروا عنه أنه كان أول من تقدم في البحر هو وحسين بك فقتل من عسكرهما الكثير من دون البقية الذين استعجلوا الفرار. وفيه خرجت أوراق الفرضة على نسق العام الأول عن أربع سنوات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 مال وفائظ ومضاف وبراني ورزق واوسية واستقر طلبها في دفعة واحدة ويؤخذ من أصل حسابها الغلال من الاجران بحساب ثمانية ريال كل أردب ويجمع غلال كل إقليم في نواحي عيونها لتساق إلى الإسكندرية وتباع على الإفرنج فشخت الغلال وغلا سعرها مع كون الفلاح لا يقدر على رفع غلته المتحصلة له من زراعة أرضه التي غرم عليها المغارم بطول السنة بل تؤخذ منه قهرا مع الاجحاف في الثمن والكيل بحيث يكال الأردب أردبا ونصفا ثم يلزمونه بأجره حملها للمحل المعد لذلك ويلزم أيضا باجرة المعادي وبعض البلاد يطلق له الأذن بدفع المطلوب بالثمن والبعض النصف غلال والنصف الآخر دراهم حسب رسم المعلم غالي وأوامره واذنه فإنه هو المرخص في الأمر والنهي فيبيع المأذون له غلته بأقصى قيمة بمرأي من المسكين الآخر الذي لم تسعده الأقدار وحضر الكثير من الفلاحين وازدحموا بباب المعلم غالي وتركوا بيادرهم وتعطلوا عن الدراس. وفي ليلة الإثنين خامس عشره ذهب الباشا إلى قصر شبرا وسافر تلك الليلة إلى ثغر الإسكندرية ورجع ابنه إبراهيم بك إلى الجهة القبلية وكذلك أحمد أغا لاظ لتحرير وقبض الأموال. وفيه ورد خبر بأن العسكر القبلي ذهبوا خلف الأمراء القبليين الفارين إلى خلف ابريم وضيقوا عليهم الطرق وماتت خيولهم وجمالهم وتفرق عنهم خدمهم واضمحل حالهم وحضر عدة من مماليكهم وأجنادهم إلى ناحية أسوان بأمان من الأتراك فقبضوا عليهم وقتلوهم عن آخرهم وفعلوا قبل ذلك بغيرهم كذلك. وفي أواخره سافر عدة من عسكر المغاربة إلى الينبع ووصل جملة كبيرة من عسكر الاروام إلى الإسكندرية فصرف عليهم الباشا علائف وحضروا إلى مصر وانتظموا في سلك من بها ويعين منهم للسفر من يعين. وفيه وقعت حادثة بخط الجامع الأزهر وهو أنه من مدة سابفة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 قبل العام الماضي كان يقع بالخطة ونواحيها من الدور والحوانيت سرقات وضياع أمتعة وتكرر ذلك حتى ضج الناس وكثر لغطهم وضاع تخمينهم فمن قائل أنه مسترعيات يدخلون من نواحي السور ويتفرقون في الخطة ويفعلون ما يفعلون ومنهم من يقول: إن ذلك فعل طائفة من العسكر الذين يقال لهم: الحيطة في بلادهم إلى غير ذلك ثم في تاريخه سرق من بيت امرأة رومية صندوق ومتاع فاتهمت أشخاصا من العميان المجاورين بزاويتهم تجاه مدرسة الجوهرية الملاصقة للأزهر فقبض عليهم الآغا وقررهم فأنكروا وقالوا: لسنا سارقين وإنما سمعنا فلانا وسموه وهو محمد ابن ابى القاسم الدرقاوي المغربي المنفصل عن مشيخة رواق المغاربة ومعه اخوته وآخرون ونعرفه بصوته وهم يتذاكرون في ذلك ونحن نسمعهم فلما تحققوا ذلك وشاع بين الناس والأشياخ ذهب بعضهم إلى ابى القاسم وخاطبوه وكلموه سرا وخوفوه من العاقبة وكان المذكور جعل نفسه مريضا ومنقطعا في داره فغالطهم فقالوا له: نحن قصدنا بخطابك التستر على أهل الخرقة المنتسبين إلى الأزهر في العمل بالشريعة وأخذ العلم أو ما علمت ما قد جرى في العام السابق من حادثة الزغل وغير ذلك فلم يزالوا به حتى وعدهم أنه يتكلم مع أولاده ويفحصون على ذلك بنباهتهم ونجابتهم. وفي اليوم الثالث وقيل الثاني أرسل أبو القاسم المذكور فأحضر السيد أحمد الذي يقال له: جندي المطبخ وابن أخيه وهما اللذان يتعاطيان الحسبة والأحكام بخط الأزهر ويتكلمان على الباعة والخضرية والجزارين الكائنين بالخطة فلما حضرا عنده عاهدهما وحلفهما بأن يسترا عليه وعلى أولاده ولا يفضحاهم ويبعدا عنهم القضية وأخبرها بان ولده لم يزل يتفحص بفطانته حتى عرف السارق ووجد بعض الأمتعة ثم فتح خزانة بمجلسه واخرج منها أمتعة فسألوه عن الصندوق فقال: هو باق عند من هو عنده ولا يمكن إحضاره في النهار فإذا كان آخر الليل انتظروا ولدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 محمد هذا عند جامع الفكهاني بالعقادين الرومي وهو يأتيكم بالصندوق مع سارقه فاقبضوا عليه واتركوا أولادي ولا تذكروهم ولا تتعرضوا لهم فقالوا: له: كذلك وحضر الجندي وابن أخيه في الوقت الذي وعدهم به وصحبتهما أشخاص من أتباع الشرطة ووقفوا في انتظاره عند جامع الفكهاني فحضر إليهم وصحبته شخص صرماتي فقالا لهم: مكانكم حتى نأتيكم ثم طلعا إلى ربع بعطفة الانماطيين ورجعا في الحال بالصندوق حامله الصرماتي على رأسه فقبضوا على ذلك الصرماتي وأخذوه بالصندوق إلى بيت الآغا فعاقبوه بالضرب وهو يقول: أنا لست وحدي وشركائي ابن ابى القاسم وأخواه وآخر يسمى شلاطة وابن عبد الرحيم الجميع خمسة أشخاص فذهب الآغا وأخبر كتخدا بك فأمره بطلب أولاد أبي القاسم فأرسل إليه ورقة يطلبهم فأجابه بأن أولاده حاضرون عنده بالأزهر من طلبة العلم وليسوا بسارقين فبالاختصار أخذهم الآغا وأحضر ذلك الصرماتي معهم لأجل المحاققة فلم يزل يذكر لابن أبي القاسم ما كانوا عليه في سرحاتهم القديمة والجديدة ويقول له: أما كنا كذا وكذا وفعلنا ما هو كذا في ليلة كذا واقتسمنا ما هو كذا وكذا ويقيم عليه ادلة وقرائن وامارات ويقول له: أنت رئيسنا وكبيرنا في ذلك كله ولا نمشي إلى ناحية ولا سرحة إلا بإشارتك فعند ذلك لم يسع ابن أبي القاسم الانكار واقر واعترف هو واخوته وحبسوا سوية وأما شلاطة ورفيقه فإنهما تغيبا وهربا واختفيا وشاعت القضية في المدينة وكثر القال والقيل في الأزهر ونواحيه وتذكروا قضية الدراهم الزغل التي ظهرت قبل تاريخه وتذكروا اقوالا أخرى واجتمع كثير من الذين سرق لهم فمنهم رجل يبيع السمن أخذ من مخزنه عدة مواعين سمن وصينية الفطاطري التي يعمل عليها الكنافة وامتعة وفروش وجدت في ثلاثة أماكن وخاتم ياقوت ذكروا أنه بيع بجملة دنانير وعقد لؤلؤ وغير ذلك واستمروا أياما والناس يذهبون إلى الآغا ويذكرون ما سرق لهم ويسالهم فيقرون بأشياء دون أشياء ويذكرون ضياع أشياء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 تصرفوا فيها وباعوا وأكلوا بثمنها ثم اتفق الحال على المرافعة في المحكمة الكبيرة فذهبوا بالجميع واجتمع العالم الكثير من الناس وأصحاب السرقات وغيرهم نساء ورجالا وادعوا هؤلاء الأشخاص المقبوض عليهم فأحضروا بعض ما ادعوا به عليهم وقالوا: أخذنا ولم يقولوا سرقنا وبرا محمد بن ابي القاسم اخويه وقال: أنهما لم يكونا معنا في شيء من هذا وحصل الاختلاف في ئبوت القطع بلفظ أخذنا وقد حضرت دعوى أخرى مثل هذه على رجل صباغ ثم أن القاضي كتب اعلاما للكتخدا بك بصورة الواقع وفوض الأمر إليه فأمر بهم إلى بولاق وانزلوهم عند القبطان وصحبتهم ابوهم ابو القاسم فأقاموا أياما ثم أن كتخدا بك أمر بقطع أيدي الثلاثة وهم محمد بن ابي القاسم الدرقاوي ورفيقة الصرماني والصباغ الذي ثبتت عليه السرقة في الحادثة الأخرى فقطعوا أيدي الثلاثة في بيت القبطان ثم انزلوهم في م مركب وصحبتهم ابوهم ابو القاسم وولداه الآخران اللذان لم تقطع أيديهما وسفروهم إلى الاسكندرية وذلك في منتصف شهر جمادى الأولى من السنة. واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس سنة 1227 فيه حضر الثلاثة أشخاص المقطوعين الايدي وذلك أنهم لما وصلوا إلى الاسكندرية وكان الباشا هناك تشفع فيهم المتشفعون عنده قائلين أنه جرى عليهم الحد بالقطع فلا حاجة إلى نفيهم وتغريبهم فأمر بنفي ابي القاسم وولديه الصغيرين إلى ابي قير ورجع ولده الآخر م مع رفيقه الصرماتي والصباغ إلى مصر فحضروا إليها وذهبوا إلى دورهم وأما ابن ابي القاسم فذهب إلى داره وسلم على والدته ونزل إلى السوق يطوف على أصحابه ويسلم عليهم وهو يتألم مما حصل في نفسه ولا يظهر ذلك لشدة وقاحته وجمودة صدغه وغلاظة وجهه بل يظهر التجلد وعدم المبالاة بما وقع له من النكل وكسوف البال ومر في السوق والأطفال حوله وخلفه وإمامه يتفرجون عليه ويقولون: انظروا الحرامي وهو لا يبالي بهم ولا يلتفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 إليهم حتى قيل أنه ذهب إلى مسجد خرب بالباطنية ودعا إليه غلام يهواه بناحية الدرب الاحمر فجلس معه حصة من النهار ثم فارقه وذهب إلى داره واشتد به الالم لأن الذي باشر قطع يده لم يحسن القطع فمات في اليوم الثالث. وفي هذا الشهر وما قبله وردت عساكر كثيرة من الاتراك وعينوا للسفر وخرجوا إلى مخيم العرضى خارج بابي النصر والفتوح فكانوا يخرجون مساء ويدخلون في الصباح ويقع منهم ما يقع من أخذ الدواب وخطف بعض النساء والأولاد كعادتهم. وفي ليلة الخميس ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية ليلا وصحبته حسن باشا إلى القصر بشبرا وطلع في صبحها إلى القلعة وضربوا لقدومه مدافع من الابراج فكان مدة غيبته في هذه المدة شهرين وسبعة أيام واجتهد فيها عمارة سور المدينة وابراجها وحصنها وتحصينها عظيما وجعل بها جبجانات وبارودا ومدافع وآلات حرب ولم تزل العمارة مستمرة بعد خروجه منها على الرسم الذي رسمه لهم وأخذ جميع ما ورد عليه من مراكب التجار من البضائع على ذمته ثم باعه للمتسببين بما احب من الثمن وورد من ناحية بلاد الافرنج كثير من البن الافرنجي وحبه اخضر وجرمه أكبر من حب البن اليمني الذي ياتي إلى مصر في مراكب الحجاز وأخذه في جملة ما أخذ في معاوضة الغلال ورماه على باعة البن بمصر بثلاثة وعشرين فرانسة القنطار والتجار يبيعونه بالزيادة ويخلطونه مع البن اليمني وفي ابتداء وروده كان يباع رخيصا لأنه دون البن اليمني في الطعم واللذة في شربه وتعاطيه وبينهما فرق ظاهر يدركه صاحب الكيف البتة. وفيه وصل مرسوم صحبة قابجي من الديار الرومية مضمونه وكالة دار السعادة باسم كتخدا بك وعزل عثمان أغا الوكيل تابع سعيد أغا فعمل الباشا ديوانا يوم الأحد وقريء المرسوم وخلع على كتخدا بك خلعة الوكالة وخلعة أخرى باستمراره في الكتخدائية على عادته وركب في مركب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 إلى داره فلما استقر في ذلك أرسل في ثاني يوم فأحضر الكتبة من بيت عثمان أغا وامرهم بعمل حسابه من ابتداء سنة 1221 لغاية تاريخه فشرعوا في ذلك وأصبح عثمان أغا المذكور مسلوب النعمة بالنسبة لما كان فيه ويطالب بما دخل في طرفه وانتزعت منه بلاد الوكالة وتعلقات الحرمين وأوقافهما وغير ذلك. وفي يوم الخميس غايبته وصل صالح قوج ومحو بك وسليمان أغا وخليل أغا من ناحية الينبع على طريق القصير من الجهة القبلية وذهبوا إلى دورهم. واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1227 في ثالثه طلع الجماعة الواصلون إلى القلعة وسلموا على الباشا وخاطره منحرف منهم ومتكدر عليهم لأنه طلبهم للحضور مجردين بدون عساكرهم ليتشاور معهم فحضروا بجملة عساكرهم وقد كان ثبت عنده أنهم هم الذين كانوا سببا للهزيمة لمخالفتهم على ابنه واضطراب رأيهم وتقصيرهم في نفقات العساكر ومبادرتهم للهرب والهزيمة عند اللقاء ونزولهم بخاصتهم إلى المراكب وما حصل بينهم وبين ابنه طوسون باشا من المكالمات فلم يزالوا مقيمين في بيوتهم ببولاق ومصر والأمر بينهم وبين الباشا على السكوت نحو العشرين يوما وأمرهم في ارتجاج واضطراب وعساكرهم مجتمعة حولهم ثم أن الباشا أمر بقطع خرجهم وعلائفهم فعند ذلك تحققوا منه المقاطعة. وفي رابع عشرينه أرسل إليهم علائفهم المنكسرة وقدرها ألف وثمانمائة كيس جميعها ريالات فرانسة وأمر بحملها على الجمال ووجه إليهم بالسفر فشرعوا في بيع بلادهم وتعلقاتهم وضاق ذرعهم وندر طبعهم إلى الغاية وعسر عليهم مفارقة أرض مصر وماصاروا فيه من التنعم والرفاهية والسيادة والإمارة والتصرف في الأحكام والمساكن العظيمة والزوجات والسرارى والخدم والعبيد والجورى فإن لأقل منهم له البنتان والثلاثة من بيوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 الأمراء ونسائهم اللاتي قتلت أزواجهن على أيديهم وظنوا أن البلاد صفت لهم حتى أن النساء المترفهات ذوات البيوت والإيرادات والالتزامات صرن يعرضن أنفسهن عليهم ليحتمين فيهم بعد أن كن يعفنهم ويأنفن من ذكرهم فضلا عن قربهم. وفيه ورد أغا قابجي من دار السلطنة وعلى يده مرسوم بالبشارة بمولود ولد للسلطان فعملوا ديوانا يوم الأحد رابع عشرينه وطلع الأغا المذكور في موكب إلى القلعة وقرئ ذلك المرسوم وصحبته الأمراء وضربوا شنكا ومدافع واستمروا على ذلك ثلاثة أيام في وقت كل آذان كأيام الأعياد. وفي يوم الثلاثاء مات أحمد بك وهو من عظماء الارنؤد وأركانهم وكان عندما بلغه قطع خرج المذكورين أرسل إلى الباشا يقول له: اقطع خرجي واعطني علوفة عساكري وأسافر مع أخواني فمنعه الباشا واظهر الرأفة به فتغير طبعه وزاد قهره وتمرض جسمه فأرسل إليه الباشا حكيمه فسقاه شربه وفصده فمات من ليلته فخرجوا بجنازته من بولاق ودفنوه بالقرافة الصغرى وخرج إمامه صالح أغا وسليمان أغا وطاهر أغا وهم راكبون إمامه وطوائف الانؤد عدد كبير مشاة حوله. وإستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة 1227 في رابعه يوم الأربعاء الموافق لسابع مسرى القبطي أو في النيل المبارك ادرعه ونزل الباشا في صبح الخميس في جم غفير وعدة وافرة من العساكر وكسر السد بحضرته وحضرة القاضى وجرى الماء في الخليج ومنع المراكب من دخولها الخليج. وفي منتصفه سافر سليمان أغا ومحو بك بعد أن قضوا أشغالهم وباعوا تعلقاتهم وقبضوا علائفهم. وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر صالح أغا قوج وصحبته نحو المائتين ممن اختارهم من عساكره الارنؤدية وتفرق عنه الباقون وانضموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 إلى حسن باشا وأخيه عابدين بك وغيرهما. وفي يوم الجمعة برزت خيام الباشا خارج باب النصر وعزم على الخروج والسفر بنفسه إلى الحجاز وقد اطمان خاطره عندما سافر الجماعة المذكورين لأنه لما قطع خرجهم ورواتبهم وامرهم بالسفر جمعوا عساكرهم إليهم وخيولهم وأخذوا الدور والبيوت ببولاق وسكنوها وصارت لهم صورة هائلة وكثرت القالة وتخوف الباشا منهم وتحذرونبه على خاصته وسفاشيته وغيرهم بالملازمة والمبيت بالقلعة وغير ذلك. وفي يوم السبت حادي عشرينه اجتمعت العساكر وانجر الموكب من باكر النهار فكان أولهم طوائف الدلاة ثم العساكر وأكابرهم وحسن باشا واخوه عابدين بك وهو ماش على أقدامه في طوائفه إمام الباشا ثم الباشا وكتخدا بك واغواتهم الصقلية وطوائفهم وخلفهم الطبلخانات وعند ركوبه من القلعة ضربوا عدة مدافع فكان مدة مرورهم نحو خمس ساعات وجروا إمام الموكب ثمانية عشر مدفعا وثلاث قنابر. واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1227 في رابع عشرينه وردت هجانة مبشرون باستيلاء الأتراك على عقبة الصفراء والجديدة من غير حرب بالمخادعة والمصالحة مع العرب وتدبير شريف مكة ولم يجدوا بها أحدا من الوهابيين فعندما وصلت هذه البشارة ضربوا مدافع كثيرة تلك الليلة من القلعة وظهر فيهم الفرح والسرور. وفي تلك الليلة حضر أحمد أغا لاظ حاكم قنا ونواحيها وكان من خبره أنه لما وصلت إليه الجماعة الذين سافروا في الشهر الماضي وهم صالح أغا وسليمان أغا ومحو بك ومن معهم واجتمعوا على المذكور وبثوا شكواهم واسروا نجواهم واضمروا في نفوسهم أنهم إذا وصلوا إلى مصر ووجدوا الباشا منحرفا منهم أو أمرهم بالخروج والعود إلى الحجاز امتنعوا عليه وخالفوه وأن قطع خرجهم وأعطاهم علائفهم بارزوه ونابذوه وحاربوه واتفق أحمد أغا المذكور معهم على ذلك وأنه متى حصل هدا المذكور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 أرسلوا إليه فيأتيهم على الفور بعسكره وجنده وينضم إليه الكثير من المقيمين بمصر من طوائف الارنؤد كعابدين بك وحسن باشا وغيرهم بعساكرهم لاتحاد الجنسية فلما حصل وصول المذكورين وقطع الباشا راتبهم وخرجهم وأعطاهم علائفهم المنكسرة وأمرهم بالسفر أرسلوا لأحمد أغا لاظ المذكور بالحضور بحكم اتفاقهم معه فتقاعس واحب أن يبدي لنفسه عذرا في شقاقه مع الباشا فأرسل إليه مكتوبا يقول له فيه: إن كنت قطعت خرج أخواني وعزمت على سفرهم من مصر وإخراجهم منها فاقطع أيضا خرجي ودعني أسافر معهم فأخفى الباشا تلك المكاتبة وأخر عود الرسول ويقال له: الخجا لعلمه بما ضمروه فيما بينهم حتى أعطى للمذكورين علائفهم على الكامل ودفع لصالح أغا كل عاما طلبه واده حتى أنه كان انشأ مسجدا بساحل بولاق بجوار داره وبنى له منارة ظريفة واشترى له عقارا وأمكنه وقفها على مصالح ذلك المسجد وشعائره فدفع له الباشا جميع ما صرفه عليه وثمن العقار وغيره ولم يترك لهم مطالبة يحتجون بها في التأخير وأعطى الكثير من رواتبهم لحسن باشا وعابدين بك أخيه فمالوا عنهم وفارقهم الكثير من عساكرهم وانضموا إلى أجناسهم المقيمين عند حسن باشا وأخيه فرتبوا لهم العلائف معهم وأكثرهم مستوطنون ومتزوجون بل ومتناسلون ويصعب عليهم مفارقة الوطن وما صاروا فيه من التنعم ولا يهون بمطلق الحال استبدال النعيم بالجحيم ويعملون عاقبة ما هم صائرون إليه لأنه فيما بلغنا أن من سافر منهم إلى بلاده قبض عليه حاكمها وأخذ منه ما معه من المال الذي جمعه من مصر وما معه من المتاع وأودعه السجن ويفرض عليه قدرا فلا يطلقه حتى يقوم بدفعه على ظن أن يكون أودع شيئا عند غيره فيشتري نفسه به أو يشتريه أقاربه أو يرسل إلى مصر مراسلة لعشيرته وأقاربه فتأخذهم عليه الغيرة فيرسلون له ما فرض عليه ويفتدونه وإلا فيموت بالسجن أو يطلق مجردا أو يرجع إلى حالته التي كان عليها في السابق من الخدم الممتهنة والاحتطاب من الجبل والتكسب بالصنائع الدنيئة ببيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 الإسقاط والكروش والمؤاجرة في حمل الأمتعة ونحو ذلك فلذلك يختارون الإقامة ويتركون مخاديمهم خصوصا والخسة من طباعهم هذا والباشا يستحث صالح أغا ورفقاءه في الرحيل حيث لم يبق له عذر في التأخير فعندما نزلوا في المراكب وانحدروا في النيل أحضر الباشا الخاجا المذكور وهو عبارة عن ألأفندي المخصوص بكتابة سره وإيراده ومصرفه وأعطاه جواب الرسالة مضمونها تطمينه وتأمينه ويذكر له أنه صعب عليه وتأثر من طلبه المقاطعة وطلبه المفارقة وعدد له أسباب انحرافه عن صالح أغا ورفقائه وما استوجبوا به ما حصل لهم من الإخراج والابعاد وأما هو فلم يحصل منه ما يوجب ذلك وأنه باق على ما يعهده من المودة والمحبة فان كان ولا بد من قصده سفره! فهو لا يمنعه من ذلك فيأتي بجميع أتباعه ويتوجه بالسلامة أينما شاء والأبان صرف عن نفسه هذا الهاجس فليحضر في القنجة في قلة ويترك وطاقه وأتباعه ليواجهه ويتحدث معه في مشورته وانتظام أموره التي لا يتحملها هذا الكتاب ويعود إلى محل ولايته وحكمه مكرما فراج عليه ذلك التمويه وركن إلى زخرف القول وظن أن الباشا لا يصله بمكروه ولا يواجهه بقبيح من القول فضلا عن الفعل لأنه كان عظيما فيهم ومن الرؤساء المعدودين صاحب همة وشهامة واقدام جسورا في الحروب والخطوب وهو الذي مهد البلاد القبلية وأخلاها من الأجناد المصرية فلما خلت الديار منهم واستقر هو بقنا وقوص وهو مطلق أغا قوج بالاسيوطية ثم أن الباشا وجه صالح أغا إلى الحجاز وقلد ابنه إبراهيم باشا ولاية الصعيد فكان يناقض عليه أحمد أغا المذكور في أفعاله ويمانعه التعدي على أطيان الناس وأرزاق الأوقاف والمساجد ويحل عقد ابراماته فيرسل إلى أبيه بالأخبار فيحقد ذلك في نفسه ويظهر خلافه ويتغافل وأحمد أغا المذكور على جليته وخلوص نيته فلما وصلته الرسالة اعتقد صدقه وبادر بالحضور في قلة من أتباعه حسب إشارته وطلع إلى القلعة ليلة السبت وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فعبر عند الباشا وسلم عليه فحادثه وعاتبه ونقم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 عليه أشياء وهو يجاوبه ويرادده حتى ظهر عليه الغيظ فقام كتخدا بك وإبراهيم أغا فأخذاه وخرجا من عند الباشا ودخلا إلى مجلس إبراهيم أغا وجلسوا يتحدثون وصار الكتخدا وإبراهيم أغا يلطفان معه القول وأشارا عليه بأن يستمر معهما إلى وقت السحور وسكون حدة الباشا فيدخلون إليه ويتسحرون معه فأجالهم إلى رأيهم وأمر من كان بصحبته من العسكر وهم نحو الخمسين بالنزول إلى محلهم فامتنع كبيرهم وقال: لا نذهب ونتركك وحيدا فقال الكتخدا: وما الذي يصيبه وهو همشري ومن بلدي وأن أصيب بشيء كنت أنا قبله فعند ذلك نزلوا وفارقواه وبقي عنده من لا يستغنى عنه في الخدمة آتاه من يستدعيه إلى الباشا فلما كان خارج المجلس قبضوا عليه وأخذوا سيفه وسلاحه ونزلوا به إلى تحت سلم الركوب وأشعل الضوى المشعل واداروا كتافه ورموا رقبته ورفعوه في الحال وغسلوه وكفنوه ودفنوه وذلك في سادس ساعة من الليل وأصبح الخبر شائعا في المدينة وأحضر الباشا الخجا وطولب بالتعريف عن أمواله وودائعه وعين في الحال باشجاويش ليذهب إلى قناويختم على داره ويضبط ماله من الغلال والأموال وطلبت الودائع ممن هي عنده التي استدلوا عليها بالأوراق فظهر له ودائع في عدة أماكن وصناديق مال وغير ذلك ولم يتعرض لمنزله ولا لحريمه. واستهل شهر شوال بيوم الأربعاء سنة 1227 في رابعه يوم السبت قدم قابجي من إسلامبول وعلى يده مقرر للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة ومعه فروة لخصوص الباشا فلما وصل إلى بولاق فنزل كتخدا بك لملاقاته فركب في موكب جليل وخلفه النوبة التركية وشق من وسط البلد وصعد إلى القلعة وحضر الأشياخ وأكابر دولتهم وقرئ المرسوم بحضرة الجميع فلما انقضى الديوان ضربوا عدة مدافع من القلعة. وفيه البس شيخ السادات ابن أخيه سيدي أحمد خلعة وتاجا وجعله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وكيلا عنه في نقابة الأشراف واركبه فرسا بعباءة ومشى إمامه أيضا الجاويشية المختصين بنقيب الأشراف وأمره بأن يذهب إلى الباشا ويقابله ليخلع عليه وأرسل صحبته محمد أفندي فقال مبارك وأشار إليه محمد أفندي بان يخلع عليه فروة فقال الباشا: إن عمه جعله نائبا عنه ووكيلا له فليس له عندي تلبيس لأنه لم يتقلد بالأصالة من عندي فقام ونزل من غير شيء إلى داره بجوار المشهد الحسيني. وفي يوم الخميس ثالث وعشرينه سافر مصطفى بك دالي باشا بجميع الدلاة وغيرهم من العسكر إلى الحجاز وحصل للناس في هذا الشهر عدة كربات منها وهو أعظمها عدم وجود الماء العذب وذلك في وقت النيل وجريان الخليج من وسط المدينة حتى كاد الناس يموتون عطشا وذلك بسبب أخذهم الحمير للسخره والرجال لخدمة العسكر المسافرين وغلو ثمن القرب التي تشترى لنقل الماء فإن الباشا أخذ جميع القرب الموجودة بالوكالة عند الخليلية وما كان بغيرها أيضا حتى أرسل إلى القدس والخليل فأحضر جميع ما كان بهما وبلغت الغاية في غلو الأثمان حتى بيعت القربة الواحدة التي كان ثمنها مائة وخمسين نصفا بألف وخمسمائة نصف يأخذون أيضا الجمال التي تنقل الماء بالروايا إلى الاسبلة والصهاريج وغيرهما من الخليج فامتنع الجمع عن السراح والخروج واحتاج العسكر أيضا إلى الماء فوقفوا بالطرق يرصدون مرور السقائين وغيرهم من الفقراء والذين ينقلون الماء بالبلاليص والجرار على رؤوسهم فيوجد على كل موردة من الموارد عدة من العسكر وهم واقفون بالأسلحة ينتظرون من يستقى من السقائين أو غيرهم فكان الخدم والنساء والفقراء والبنات والصبيان ينقلون بطول النهار والليل بالأوعية الكبيرة والصغيرة على رؤوسهم بمقدار ما يكفيهم للشرب وبيعت القربة الواحدة بخمسة عشر نصف فضة وأكثر وشح وجود اللحم وغلافي الثمن زيادة على سعره المستمر حتى بيع بثمانية عشر نصف فضة كل رطل هذا أن وجد والجاموسي الجفيط بأربعة عشر وطلبوا للسفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 طائفة من القبانية ومن الخبازين ومن أرباب الصنائع والحرف وشددوا عليهم الطلب في أواخر الشهر فتغيبوا وهربوا فسمرت بيوتهم وحوانيتهم وكذلك الببازون والفرانون بالطوابين والأفران حتى عدم الخبز من الأسواق ولم يجد أصحاب البيوت فرنا يخبزون فيه عجينهم فمن الناس القادرين على الوقود من يخبز عجينه في داره أو عند جاره الذي يكون عنده فرن أو عند بعض الفرانين الذي تكون فرنه بداخل عطفة مستورة خفية أو ليلا من الخوف من العسس والمرصدين لهم وكذلك عدم وجود التبن بسبب رصد العسكر في الطرق لأخذ ما يأتي به الفلاحون من الأرياف فيخطفونه قبل وصوله إلى المدينة وحصل بسبب هذه الأحوال المذكورة شبكات ومشاجرات وضرب وقتل وتجريح أبدان ولولا خوف العسكر من الباشا وشدته عليهم حتى بالقتل إذا وصلت الشكوى إليه لحصل أكثر من ذلك. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الجمعة سنة 1227 في سابعه يوم الخميس سافر الباشا هجانا إلى السويس وصحبته حسن باشا. وفي يوم الجمعة خامس عشره وصل مبشرون من ناحية الحجاز وهم أتراك على الهجن والخبر عنهم أن عساكرهم وصلوا إلى المدينة المنورة ونزلوا بفنائها. وفي يوم الأحد سابع عشره رجع الباشا من ناحي السويس إلى مصر. وفيه وردت أخبار لطائفة الفرنساوية وقنصلهم المقيمين بمصر بأن بونابارته وعساكر الفرنساوية زحفوا في جمع عظيم على بلاد المسكوب ووقع بينهم حروب عظيمة فكانت الهزيمة على المسكوب وانكسروا كسرة قوية وكتبوا بذلك أوراقا الصقوها بحيطان دوائرهم وحاراتهم ولما حضر الباشا طلع إليه القنصل وأخبره بتلك الأخبار واطلعه على الكتب الواردة من بلادهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وفي ليلة الثلاثاء عدى الباشا إلى بر الجزيرة وأمر بخروج العساكر إلى البر الغربي وعدى أيضا كتخدا بك بسبب أن عربان أولاد علي نزلوا بناحية الفيوم بجمع عظيم وأكلوا الزروعات فخرج إليهم حسن أغا الشماشرجي فوزن نفسه معهم فرأى أنه لا يقاومهم لكثرتهم فحضر إلى مصر وأخبر الباشا وتحرك الباشا للخروج إليهم ثم بعقيبه أرسل لهم وخادعهم فحضر إليه عظماؤهم فأخذ منهم رهائن وخلع عليهم وكساهم وأعطاهم راحتهم وعين لهم جهات وشرط عليهم أن لا يتعدوها ثم رجع وعدى إلى بر مصر في ليلة الخميس حادي عشرينه. وفي سادس عشرينه نهب العرب القافلة القادمة من السويس بحمل بضائع التجار وغيرهم وقتلوا العسكر الذين بصحبتهم وخفارتهم وأخذوا الجمال بأحمالها وذهبوا بها لناحية الوادي والجمال المذكورة على ملك الباشا وأتباعه لأنهم صيروا لهم جمالا واعدوها لحمل البضائع ويأخذون أجرتها لأنفسهم بدلا عن جمال العرب وذلك من جملة الأمور التي احتكروها طمعا وحسدا في كل شيء ولم ينج من الجمال إلا البعض الذين سبقوهم وهم لكتخدا بك فحنق لذلك الباشا وأرسل في الحال مراسلات إلى سليمان باشا محافظ عكا يعلمه بذلك ويلزمه بإحضارها ويتوعده أن ضاع منها عقال بعير والذي ذهب بالمراسلة إبراهيم أفندي المهردار. واستهل شهر ذي الحجة بيوم السبت سنة 1227 في عاشره يوم الأضحى وردت هجانة من ناحية الحجاز وعلى يدهم البشائر بالاستيلاء على قلعة المدينة المنورة ونزول المتولي بها على حكمهم وأن القاصد الذي أتت بشائره وصل إلى السويس وصحبته مفاتيح المدينة فحصل للباشا بذلك سرور عظيم وضربوا مدافع وشنكا بعد مدافع العيد وانتشرت المبشرون على بيوت الأعيان لأجل أخذ البقاشيش. وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل القادمون إلى العادلية فعملوا لقدومهم شنكا عظيما وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وخارج قبة العزب حيث العرضي المعد للسفر وأيضا ضربوا بنادق كثيرة متتابعة من جميع الجهات حتى من اسطحة البيوت الساكنين بها واستمر ذلك أكثر من ساعتين فلكيتين فكان شيئا مهولا مزعجا أشيع في الناس دخول الواصلين في موكب واختلفت رواياتهم وخرج الباشا إلى ناحية العادلية فاصطف الناس على مساطب الدكاكين والسقائف للفرجة فلما كان قريب الغروب دخل طائفة من العسكر وصحبتهم بعض أشخاص راكبين على الهجن وفي يد أحدهم كيس اخضر وبيد الآخر كيس أحمر بداخلهما المكاتبات والمفاتيح وعاد الباشا من ليلته وصعد إلى القلعة هذا والمدافع والشنك يعمل في كل وقت من الأوقات الخمسة وفي الليل وفي صبح يوم الأربعاء شق الأغا والوالي وأغات التبديل وإمامهم المناداة على الناس بتزيين الأسواق وما فيها من الحوانيت والدور ووقود القناديل والتعاليق ويسهرون ثلاث ليال بأيامها أو لها يوم الخميس وآخرها يوم السبت الذي هو خامس عشره واخرجوا وطاقات وخياما إلى خارج بابي النصر والفتوح وخرج الباشا في ثاني يوم إلى ناحية العادلية وهو ليلة يوم الزينة وعملوا حراقات ونفوطا وسواريخ ومدافع من كل ناحية مدة أيام الزينة وكتبت البشائر إلى جميع النواحي وانعم الباشا بامريات ومناصب على عشرين شخصا من خواصه وعين لطيف بك أغات المفتاح للتوجه إلى دار السلطنة بالبشائر والمفاتيح صحبته وسافر في صبح يوم الزينة على طريق البر وتعين خلافه أيضا للسفر بالبشائر إلى البلاد الرومية والشامية والاساكل الإسلامية مثل بلاد الأناضول والرومنلي ورودس وسلانيك وازمير وكريت وغيرها. وفي أواخره وردت الأخبار المترادفة بوقوع الطاعون الكثير بإسلامبول فأشار الحكماء على الباشا بعمل كورنتينة بالإسكندرية على قاعدة اصطلاح الإفرنج ببلادهم فلا يدعون أحدا من المسافرين الواردين في المراكب من الديار الرومية يصعد إلى البر إلا بعد مضي أربعين يوما من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وروده وإذا مات بالمركب أحد في أثناء المدة استأنفوا الأربعين. وفيه وشى بعض اليهود على الحاج سالم الجواهرجي المباشر لا يراد الذهب والفضة إلى الضربخانة وانعزل عنها كما ذكر في وسط السنة وذلك عند ورود الرجل النصراني الدرزي الشامي بأنه كان في أيام مباشرته للإيراد يضرب لنفسه دنانير خارجة عن حساب الميري خاصة به فامر الباشا بإثبات ذلك وتحقيقه فحصل كلام كثير والحاج سالم يجحد ذلك وينكره فقال له: أيوب تابعك الذي كان ينزل آخر النهار بالخرج على حماره في كل يوم بحجة الانصاف العددية التي يفرقها على الصيارف بالمدينة وأكثر ما في الخرج خاص بك فأحضروا أيوب المذكور وطلبوه للشهادة فقال: لا اشهد بما لا اعلم ولم يحصل هذا مطلقا ولا يجوز لي ولا يخلصني من الله أن اتهم الرجل بالباطل فقال اليهودي: هذا رفيقه وصاحبه وخادمه ولا يمكنه أنه يخبر ويقر إلا إذا خوف وعوقب وإذا ثبت قولي فأنه يطلع عليه ستة آلاف كيس فلما سمع الباشا قول اليهودي ستة آلاف كيس أمر بحبس الحاج سالم ثم أحضروا اخوته والحاج أيوب وسجنوهم وضربوهم والباشا يطلب ستة آلاف كيس كما قال اليهودي: واستمروا على ذلك أياما وذلك الحبس عند قرأ علي بجوار بيت الحريم بالازبكية وسبب خصومة شمعون اليهودي مع الحاج سالم أنهم احتجوا على اليهودي بأشياء وقرروا عليه غرامة أيضا فطلب من الحاج سالم المساعدة وقال له: ساعدني كما ساعدتك في غرامتك فقال الحاج سالم: انك لم تساعدني بمال من عندك بل هو من حسابي معك فقال اليهودي: ألست كنت أدارى عليك فيما تفعله واتسع الكلام بينهما وحضرة الباشا وأعوانه مترقبون لحادث يستخرجون به الأموال بأي وجه كان ويتقولون ويوقعون بين هذا وهذا والناس أعداء لبعضهم البعض تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ثم أن السيد محمد المحروقي خاطب الباشا في شأن الحاج سالم وحلف له أن الغرامة الأولى تأخر عليه منها ثلثمائة كيس استدانها من الأوربيين ودفعها وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 باقية عليه إلى الآن ومطلوبة منه وذلك بعد أن باع أملاكه وحصة التزامه فإذا كان لا بد من تغريمه ثانيا فإننا نمهل أصحاب الديون ونقوم بدفع الثلمائة كيس المطلوبة للمداينين وندفعها للخزينة فأجابه لذلك وأمر بالإفراج عن الحاج سالم واخوته ومن معه فدفعوا القرا على المتولي سجنهم وعقوبتهم سبعة أكياس. وفيه اشتد الأمر على إسمعيل أفندي امين عيار الضربخانة وأولاده بالطلب من أرباب الحوالات مثل دالي باشا وخلافه وضيق العسكر المعينون عليهم منافسهم ولازموا دورهم ولم يجدوا شافعا ولادافعا ولارافعا فباعوا أملاكهم وعقاراتهم وفراشهم ومصاغ حريمهم وأوانيهم وملابسهم وكان الباشا أخذ من إسماعيل أفندي المذكور داره آلتي بالقلعة عندما انتقل إلى القلعة فأمره بإخلائها ففعل ونزل إلى دار بحارة الروم بالقرب من دار ابنه محمد أفندي فاتخذ الباشا دار إسمعيل أفندي دارا لحريمه وأسكنهم بها لأنها دار عظيمة جليلة عمرها المذكور وصرف عليها في الأيام الخالية أموالا جمة فلما استولى عليها الباشا اسكن بها حريمه وجواريه وسراريه ولما قرر عليه غرامته اسقط عنه منها عشرين كيسا لا غير وجعلها في ثمن داره المذكورة وذلك لا يقوم بثمن رخامها فقط فلما اشتد الحال بإسمعيل أفندي أشار عليه بعض المتشفعين بأن يكتب له عرضحال ويطلع به إلى الباشا صحبة المعلم غالي كبير الأقباط المباشرين ففعل ودخل معه المعلم غالي إلى الباشا فعندما رآه مقبلا صحبة المذكور أشار إليه بالرجوع ولم يدعه يتكلم فرجع بقهره ونزل إلى داره فمرض وتوفي بعد أيام إلى رحمة الله تعالى ومات قبله ولده حسن أفندي وبقي جميع الطلب على ولده محمد أفندي فحصل له مشقة زائدة وباع أثاث بيته وأوانيه وكتبه التي اقتناها وحصلها بالشراء والاستكتاب فباعها بأبخس الأثمان على الصحافين وغيرهم وطال عليه الحال وانقضت مواعيد المداينين له فطالبوه وكربوه فتداين من غيرهم بالربا والزيادة وهكذا والله يحسن لنا وله العاقبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وفيه قدم إلى الإسكندرية قليون من بلاد الإنكليز فيه بضائع وأشياء للباشا ومنها خمسون ألف كيس نقودا ثمن غلال وخيول يأخذونها من مصر إلى بلادهم فطفقوا يطلبون لهم الخيول من أربابها فيقيسون طولها وعرضها وقوائمها بالأشبار فإن وجدوا ما يوافق غرضهم ومطلوبهم في القياس والقيافة أخذوه ولو بأغلى ثمن وإلا تركوه. وفيه أيضا أرسل الباشا لجميع كشاف الوجه القبلي بحجز جميع الغلال والحجر عليها لطرفه فلا يدعون أحدا يبيع ولا يشتري شيئا منها ولا يسافر بشيء منها في مركب مطلقا ثم طلبوا ما عند أهل البلاد من الغلال حتى ما هو مدخر في دورهم للقوت فأخذوه أيضا ثم زادوا في الأمر حتى صاروا يكبسون الدور ويأخذون من الغلال قل أو كثر ولا يدفعون له ثمنا بل يقولون لهم: نحسب لكم ثمنه من مال السنة القابلة ويشحنون بذلك جميع مراكب الباشا التي استجدها وأعدها لنقل الغلال ثم يسيرون بها إلى بحري فتنقل إلى مراكب الإفرنج بحساب مائة قرش عن كل أردب وانقضت السنة ولم تنقض حوادثها بل استمر ما حدث بها كالتي قبلها وزيادة. فمنها ما أحاط به علمنا وذكرنا بعضه ومنها ما لم يحط به علمنا أو أحاط ونسيناه بحدوث غيره قبل التثبت ومنها أن الباشا عمل ترسخانه عظيمة بساحل بولاق واتخذ عدة مراكب بالإسكندرية لخصوص جلب الأخشاب المتنوعة وكذلك الحطب الرومي من أماكنها على ذمته ويبيعه على الحطابين بما حدده عليهم من الثمن ويحمل في المراكب المختصة به باجرة محددة أيضا ويأتي إلى ديوان الكمرك ببولاق فيؤخذ كركه أي مكسه وهو راجع إليه أيضا إلى أن استقر سعر القنطار الواحد من الحطب بثلثمائة وخمسة عشر نصف فضة واجرة حمله من بولاق إلى مصر ثلاثة عشر نصف وأجرة تكسيره مثل ذلك فيكون مجموع ذلك ثلثمائة وأربعين نصف فضة القنطار وقد اشتريناه قبل استيلاء هذه الدولة بثلاثين نصفا وأجرة حمله في المركب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 عشرة أنصاف وأجرته من بولاق إلى مصر ثلاثة أنصاف وتكسيره كذلك فيكون مجموع ذلك ستة وأربعين نصفا وكذلك فعل في أنواع الأخشاب الكرسنة والحديد والرصاص والقصدير وجميع المجلوبات واستمر ينشىء في المراكب الكبار والصغار التي تسرح في النيل من قبلي إلى بحري ومن بحري إلى قبلي ولا يبطل الإنشاء والأعمال والعمل على الدوام وكل ذلك على ذمته ومرمتها وعمارتها ولوازمها وملاحوها بأجرتهم على طرفه لابالضمان كما كان في السابق ولهم قومة ومباشرون متقيدون بذلك الليل والنهار. ومنها وهي من الحوادث الغريبة التي لم يتفق في هذه الإعصار مثلها أن في أواخر ربيع الآخر احترق بحر النيل وجف بحر بولاق وكثرت فيه الرمال وعلت فوق بعضها حتى صارت مثل التلول وانحسر الماء حتى كان الناس يمشون إلى قريب انبابة بمداساتهم وكذلك بحر مصر القديمة بقي مخاضا وفقدت أهل القاهرة الماء الحلو واشتد بالناس العطش بسبب ذلك وبسبب تسخير السقائين ونادى الأغا والوالي على أن يكون حمل القربة للمكان البعيد بإثني عشر نصف فضة واستهل شهر بشنس القبطي فزد النيل في أوله في ليلة واحدة نحو ذراع ثم كان يزيد في كل يوم وليلة مثل دفعات أواخر أبيب ومسرى وجرى بحر بولاق ومصر القديمة وغطى الرمال وسارت فيه المراكب الكبار منحدرة ومقلعة وغرقت المقافيء مثل البطيخ والخيار والعبد اللاوى وما كان مزروعا بالسواحل وهو شيء كثير جدا واستمرت الزيادة نحو عشرين يوما حتى تغير وأبيض وكاد يحمر وداخل الناس من ذلك وهم عظيم من هذه الزيادة آلتي في غير وقتها حتى اعتقدوا أنه يوفي أذرع الوفاء قبل نزول النقطة ولم يعهد مثل ذلك وكان ذلك رحمة من الله بعبيده الفقراء العطاش ثم أنى طالعت في تاريخ الحافظ المقريزي المسمى بالسلوك في دول الملوك فذكر مثل هذه النادرة في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ولما ترادفت هذه الزيادات خرج الوالي إلى قنطرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 السد وجمع الفعلة للعمل في سد فم الخليج ونادى على نزح الخليج وتنظيفه وكسح أوساخه وقطع أرضه ثم وقفت الزيادة بل نقص قليلا وزاد في أوان الزيادة على العادة وأوفى أذرعه في أيامه المعتادة فسبحان الفعال. ومنها شحة الغلال وخلو السواحل منها فلا يجد الناس إلا ما بقي بأيدي فلاحي الجهات البحرية القريبة فيحملونه على الحمير إلى العرصات والرقع ويبيعونه على الناس كل أردب بأربعة وعشرين قرشا خلاف المكس والكلف واستفر مكس الأردب الواحد أربعة وثلاثين ونصف فضة وأجرته إذا كان من طريق البحر من المنوفية أو نحوها مائة نصف واقل وأكثر وأجرته من بولاق إلى مصر خمسة وعشرون نصفا. ومنها أنه لما انتظم له ملك بلاد الصعيد ولم يبق له فيه منازع وقلد إمارته لابنه إبراهيم باشا ورسم بان يضبط جميع أطيان بلاد الصعيد حتى الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والخيرات الكائنة بمصر وغيرها وأوقاف سلاطين مصر المتقدمين وخيراتهم ومساجدهم ومكاتبهم وصهاريجهم ووظائف المدرسين والمقرئين وغير ذلك ففعل ذلك وراك الأراضي بأسرها وشاع أنه جعل على كل فدان من أراضى الرزق والأوقاف ثلاثة ريالات لا غير وعلى كل باقي فدادين الأطيان ثمانية ريالات خلاف النبارى وهو مزارع الذرة فجعل على كل عود من عيدان القطوة سبعة ريالات فرضي أصحاب الرزق والأطيان بهذا التنظيم وظنوا استمراره فإن الكثير من المرتزقة ما كان يحصل له من مزارعي رزقته مقدار ما يحصل له على هذا الحساب. ومنها أنه رسم له بالحجر على جميع حصص الالتزام فلم يبق لأربابها شيئا إلا ما ندر وهو شىء قليل جدا واحتج في ذلك باستيلاء الأمراء المصريين عليها عندما خرجوا من مصر وأقاموا بالبلاد القبلية فوضعوا أيديهم على ذلك وأنه حاربهم وطردهم وقتلهم وورث ما كان بأيديهم بحق أو باطل وسموه المضبوط وأما ما كان بأيدي أربابه أيام استيلاء المصريين وهم الملتزمون القانطون بالبلاد القبلية أو بمصر ممن يراعى جانبه فإنه إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 عرض حاله وطلب أذنا في التصرف وأخبر بأنه كان مفروجا عنه أيام استيلاء المصريين واثبت ذلك بالكشف من الروزنامه وغيرها فأما أن يؤذن له في التصرف أو يقال له: نعوضك بدلها من البلاد البحرية ويسوف وتتمادى الأيام أو يحيل ذلك على ابنه إبراهيم باشا ويقول: أنا لا علقه لي في البلاد القبلية والأمر فيها لإبراهيم باشا وإذا ذهب لإبراهيم باشا يقول له: أنا أعطيك الفائظ فان رضي أعطاه شيئا نزرا ووعده بالإعطاء وأن لم يرض قال له: هات لي أذنا من أفندينا وكل منهما أما مرتحل أو مسافر أو احدهما حاضر والآخر غائب فيصير صاحب الحاجة كالجملة المعترضة بين الشارط والمشروط وأمثال ذلك كثير. ومنها الاستيلاء على جميع مزارع الأرز بالبحر الغربي والشرقي ورتب لهم مباشرين وكتابا يصرفون عليهم من الكلف والتقاوى والبهائم ويؤخذ ذلك جميعه من حساب الفرض التي قررها على النواحي وعند استغلال الأرز يرفعونها بأيديهم ويسعرونها بما يريدونه ويستوفون المصاريف ومعاليم القومة والمباشرين المعين لهم وأن فضل بعد ذلك شىء أعطوه للمزارع أو أخذوه منه وأعطوه ورقة يحاسب بها في المستقبل وفرض على كل دائرة من دوائر الأرز خمسة أكياس في كل سنة خلاف المقرر القديم وعلى كل عود ثلاثة أكياس فإذا كان وقت الحصاد وزنوه شعيرا على أصحاب الدوائر والمناشر حتى إذا صلح وأبيض حسبوا كلفه من أصل المقرر عليهم فإن زاد لهم شيء أعطوهم به ورقة وحاسبوا بها من قابل وابطل تعامل المزارعين مع التجار الذين كانوا معتادين بالصرف عليهم واستقر الحال إلى أن صار جميعه أصلا وفرعا لديوان الباشا ويباع الموجود على ذمته لأهل الإقاليم المتسببين وغيرهم وهو عن كل أردب مائة قرش بل وزيادة وللإفرنج وبلاد الروم والشام بما لا أدرى. ومنها أنه حصل بين عبد الله أغا بكتاس الترجمان وبين النصراني الدرزي منافسة وهو الذي حضر من جبل الدروز ويسمى الياس واجتمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 بمصر على من أوصله إلى الباشا وهو بكتاش وخلافه وعرفوه عن صناعته وأنه يعمل آلات بأسهل مما يصنعه صناع الضربخانه ويوفر على الباشا كذا وكذا من الأموال التي تذهب في الدواليب والكلف وما يأخذه المباشرون من المكاسب لأنفسهم وافرد له بقعة خاصة به بجانب الضربخانة وأمر بحضور ما يطلبه إليه من الحديد والصناع واستمر على ذلك شهورا ولما تمم الآلة صنع قروشا وضربها ناقصة في الوزن والعيار وجعل كتابتها على نسق القروش الرومية ووزن القرش درهمان وربع وفيه من الفضة الخالصة الربع بل أقل والثلاثة أرباع نحاس وكان المرتب في الأموال من النحاس في كل يوم قنطارين فضوعف إلى ستة قناطير حتى غلا سعر النحاس والأواني المتخذة منه فبلغ سعر الرطل النحاس المستعمل مائة وأربعين نصف فضة بعد أن كان سعره في الأزمان السابقة أربعة عشر نصفا والفراضة سبعة أنصاف أو أقل ثم زاد الطلب للضربخانة إلى عشرة قناطير في كل يوم والمباشر لذلك كله بكتاش أفندي ثم أن بكتاش أفندي المذكور انحرف على ذلك الدرزي وذلك بإغراء المعاير وحصل بينهما مناقشة بين يدي الباشا والمعلم غالي بينهم وانحط الأمر في ذلك المجلس على منع الدرزي من مباشرة العمل ورتب له الباشا أربعة أكياس لمصرفه في كل شهر ومنعوا أيضا من كان معه من نصارى الشوام من الطلوع الضربخانة واستمر بكتاش أفندي ناظرا عليها ودقق على أرباب الوظائف والخدم ليأخذ بذلك وجاهة عند مخدومه ثم أن الباشا بعد أيام أمر بنفي الدرزي من مصر وجميع أهله وأولاده وانقضى أمره بعد أن تعلموا تلك الصناعة منه وفي تلك المدة بلغ ايراد الضربخانه لخزينة الباشا في كل شهر آلفا وخمسمائة كيس وكان الذي يرد منها في زمن المصريين ثلاثين كيسا في كل شهر أو أقل من ذلك فلما التزم بها السيد أحمد المحروقي أوصلها إلى خمسين واستمرت على ابنه السيد محمد كذلك مدة فانتبذ لها محمد أفندي طبل المعروف بناظر المهمات وزاد عليها ثلاثين كيسا وبقيت تحت نظارة المحروقي بذلك القدر ثم أن الباشا عزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 السيد محمد المحروقي عنها وأبقاها على ذمته وقيد خاله في نظارتها ولم يزل الباشا يلعب هذه الملاعيب حتى بلغت هذا المبلغ المستمر وربما تزيد وذلك خلاف الغرامات والمصادرات لأربابها ثم وشى له عبد الله أغا بكتاش بأنه يزيد في وزن القروش وينقص منه عن القدر المحدود فإذا حسب القدر المنقوص وعمل معدله في مدة نظارته تحصل منه مقدار عظيم من الأكياس فلما نوقش في ذلك قال: هذا الأمر يسئل فيه صاحب العيار فأحضروه وأحضروا محمد أفندي ابن إسمعيل أفندي بدفتره وتحاققوا في الحساب فسقط منهم خمسة أكياس لم تدخل الحساب فقالوا: أين ذهبت هذه الخمسة أكياس فطفقوا ينظرون إلى بعضهم فقال المورد: الحق أن هذه الخمسة أكياس من حساب محمد أفندي ومطلوبة له وتجاوز عنها لفلان اليهودي المورد من مدة سابقة فالتفت الباشا إلى محمد أفندي وقال له: لأي شيء تجاوزت لليهودي عن هذا القدر فقال لعلمي: إنه خلي ليس عنده شيء فأخذتني الرافة عليه وتركت مطالبته حتى يحصل له اليسار فقال: كيف تنعم بمالي على اليهودي فقال: إنه من حسابي فقال: ومن أين كان لك ذلك وأمر به فبطحوه وضربوه بالعصي ثم أقاموه وأضافوا الخمسة أكياس على باقي الغرامة المطلوبة منه التي هو متحير في تحصيلها ولو بالإستدانة من الربويين كما قال القائل: شكوت جلوس إنسان ثقيل فجأوني بمن هو منه أثقل فكنت كمن شكا الطاعون يوما فزادوه على الطاعون دمل ومحمد أفندي هذا من وجهاء الناس وخيارهم يفعل به هذه الفعال ثم انحط الحال مع بكتاش أفندي على أن فرض عليه ستمائة كيس يقوم بدفعها فقال: ويعفوني أفندينا من نظارة الضربخانة فلم يجبه إلى ذلك واستمر في تلك الخدمة مكرها خائفا من عواقبها. ومنها أن الريال الفرانسه بلغ في مصارفته من الفضة العددية إلى مائتين وثمانين نصفا بل وزيادة خمسة أنصاف فنودى عليه بنقص عشرة وشددوا في ذلك وبعد أيام نودى بنقص عشرة أخرى فخسر الناس حصة من أموالهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 ثم أن ذلك القرش الذي يضاف إليه من الفضة ربع درهم ووزن الريال تسعة دراهم فضة فيكون الريال الواحد بما يضاف إليه من النحاس على هذا الحساب ستة وثلاثين قرشا يخرج منها ثمن الريال ستة قروش ونصف وكلفة الشغل في الجملة قرش أو قرشان يبقى بعد ذلك سبعة وعشرون قرشا ونصف وهو المكسب في الريال الواحد وهو من جملة سلب الأموال لأن صاحب الريال إذا أراد صرفه أخذ بدله ستة قروش ونصفا وفيها من الفضة درهم ونصف وثمن وهي بدل التسعة دراهم التي هي وزن الريال ثم زيد في الطنبور نعمة وهي الحجر على الفضة العددية فلا يصرفون شيئا منها للصيارف ولا لغيرهم إلا بالفرط وهو أربعة قروش على كل ألف فيعطي للضربخانة تسعة وعشرون قرشا زلاقط! وبأخذ ألف فضة عنها خمسة وعشرون قرشا ثم زادوا بعد ذلك في الفرط فجعلوه خمسة قروش فيعطي الفا ومائتين ويأخذ بدلها الفا فانظر إلى هذه الزيادة والرذالة وكذا السفالة. ومنها استمرار غلاء الأسعر في كل شيء وخصوصا في الأقوات التي لا يستغني عنها الغني والفقير في كل وقت بسبب الإحداثات والمكوس التي ترتب على كل شيء ومنها المأكولات كاللحم والسمن والعسل والسكر وغير ذلك مثل الخصارات وإبطال جميع المذابح خلاف مذبح الحسينية والتزم به المحتسب بمبلغ عظيم مع كفاية لحم الباشا وأكابر دولته بالثمن القليل ويوزع الباقي على الجزارين بالسعر الأعلى الذي يخرج منه ثمن لحوم الدولة من غير ثمن فينزل الجزار بما يكون معه من الغنمة أو الإثنين الجفيط إلى بيت أو عطفة مستورة فتزدحم عليه المتبعون له والمنتظرون إليه ويقع بينهم من المضاربة والمشاجرة ما لا يوصف وثمن الرطل اثنا عشر نصفا وقد يزيد على ذلك ولا ينقص عن الاثنى عشر وكذلك الخضروات التي كانت تباع جزافا تباع بأقصى القيمة حتى أن الخس مثلا الذي كان يباع كل عشرة أعداد بنصف واحد صارت الواحدة تباع بنصف وقس على ذلك باقي الخضروات وأن الباشا لما وضع يده على الأراضي القريبة وأنشأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 السواقي تجاه القصر والبساتين بناحية شبرا وحرث الأراضي الخرس وزرع فيها أنواع الخضراوات واجرى عليها المياه وقيد لخدمتها المرابعين أيضا والمزارعين بالمؤاجرة والمباشر على ذلك كله ذو الفقار كتخدا وعندما يبدو صلاح البقول والخضراوات يبيعها المتسببين فيها بأغلى ثمن وهم يبيعونها على الناس بما احبوا وشاع بين الناس اضافة ذلك إلى الباشا فيقولون: كرنب الباشا ولفت الباشا وملوخية الباشا وفجل الباشا وقرنبيط الباشا وزرع أيضا بستانه من أنواع الزهور العجيبة المنظر المتنوعة الأشكال من الاحمر والاصفر والازرق والملون اتوا بنقائلها من بلاد الروم فنتجت وافلحت وليس لها الاحسن المنظر فقط ولا رائحة لها أصلا. ومنها أن ديوانا المكس ببولاق الذي يعبرون عنه بالكمرك لم يزل يتزايد فيه المتزايدون حتى أوصلوه إلى ألف وخمسمائة كيس في السنة وكان في زمن المصريين يؤدى من يلتزمه ثلاثين كيسا مع محاباة الكثير من الناس والعفو عن كثير من البضائع لمن ينسب إلى الأمراء وأصحاب الوجاهة من أهل العلم وغيرهم فلايتعرضون له ولو تحامى في بعض اتباعهم ولو بالكذب ويعاملون غيرهم بالرفق مع التجاوز الكثير ولا ينبشون المتاع ولارباط الشيء المحزوم بل على الصندوق أو المحزوم قدر يسير معلوم فلما ارتفع أمره إلى هذه المقادير صاروا لا يعفون عن شئ مطلقا ولايسامحون أحدا ولو كان عظيما من العلماء أو من غيرهم وكان من عادة التجار إذا بعثوا إلى شركائهم محزوما من الاقمشة الرخيصة مثل العاتكي والنابلسي جعلوا بداخل طيها أشياء من الاقمشة الغالية في الثمن المقصبات الحلبي والكشميري والهندي ونحو ذلك فتندرج معها في قلة الكمرك وفي هذا الأوان يحلون رباط المحزوم ويفتحون الصناديق وينبشون المتاع ويهتكون ستره ويحصون عدده ويأخذون عشره أي من كل عشرة واحدا أو ثمنه كما يبيعه التاجر غاليا أو رخيصا حتى البوابيج والاخفاف والمسوت التي تجلب من الروم يفتحون صناديقها ويعدونها بالواحد ويأخذون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 عشورها علينا أو ثمنا ويفعل ذلك أيضا متولي كمرك الاسكندرية ودمياط وإسلامبول والشام فبذلك غلت أسعار البضائع من كل شئ لفحش هذه الأمور وخصوصا في الاقمشة الشامية والحلبية والرومية المنسوجة من القطن والحرير والصوف فإن عليها بمفردها مكوسا فاحشة قبل نسجها وكان الدرهم الحرير في السابق بنصف فضة فصار الآن بخمسة عشر نصفا وما يضاف إليه من الاصباغ وكلف الصناع والمكوس المذكورة فبذلك بلغ الغية في غلو الثمن فيباع الثوب الواحد من القماش الشامي المسمى بالالاجة الذي كانت قيمته في السابق مائتي نصف فضة بألفين فضة مع ما يضاف إليه من ربح البائع وطمع التاجر والنعل الرومي الذي كان يباع بستين نصفا صار يباع بأربعمائة نصف والذراع الواحد من الجوخ الذي كان يباع بمائة نصف فضة بلغ في الثمن إلى ألف نصف فضة وهكذا مما يستقصى تتبعه ولاتستقصى مفرداته ويتولى هذه الكمارك كل من يزايد فيها من أي ملة كان من نصارى القبط أو الشوام والاروام ومن يدعى الإسلام وهم الاقل في الأشياء الدون والمتولي الآن في ديوان كمرك بولاق شخص نصراني رومي يسمى كرابيت من طرف طاهر باشا لأنه مختص بايراده واعوان كرابيت من جنسه وعنده قواسة اتراك يحجزون متاع الناس ويقبضون على المسلمين ويسجنونهم ويضربونهم حتى يدفعوا ما عليهم وإذا عثروا بشخص اخفى عنهم شيئا حبسوه وضربوه وسبوه ونكلوا به والزموه بغرامة مجازاة لفعله والعجب أن بضائع المسلمين يؤخذ عشرها يعني من العشرة واحد وبضائع الافرنج والنصارى ومن ينتسب إليهم يؤخذ عليها من المائة اثنان ونصف وكذلك احدث عدة أشياء واحتكارات في كثير من البضائع مثل السكر الذي يأتي من ناحية الصعيد وزيادات في المكوس القديمة خلاف المحدثات وذلك أن من كان بطالا أو كاسد الصنعة أو قليل الكسب أو خامل الذكر فيعمل فكرته في شيء مهمل مغفول عنه ويسعى إلى الحضرة بواسطة المتقربين أو بعرضحال يقول فيه: إن الداعي للحضرة يطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 الالتزام بالصنف الفلاني ويقوم للخزينه العامرة بكذا من الأكياس في كل سنة فإذا فعل تنبه المشار إليه فيعد بالانجاز ويؤخر أياما فتتسامع المتكالبون على أمثال ذلك فيزيدون على الطالب حتى تستقر الزيادة على شخص أما هو وخلافه ويقيد اسمه بدفتر الروزنامة ويفعل بعد ذلك الملتزم ما يريده وما يقرره على ذلك الصنف ويتخذ له اعوانا وخدمة واتباعا يتولون استخلاص المقررات ويجعلون لأنفسهم أقدار خارجة عن الذي يأخذه كبيرهم والذي تولى كبر ذلك وفتح بابه نصارى الاروام والارمن فتراسوا بذلك وعلت اسافلهم ولبسوا الملابس الفاخرة وركبوا البغال والرهوانات وأخذوا بيوت الأعيان التي بمصر القديمة وعمروها وزخرفوها وعملوا فيها بساتين وجنائن وذلك خلاف البيوت التي لهم بداخل المدينة ويركب الواحد منهم وحوله وإمامه عدة من الخدم والقواسة يطردون الناس من إمامه وخلفه ولم يدعوا شيئا خارجا عن المكس حتى الفحم الذي يجلب من الصعيد والحطب السنط والرتم وحطب الذرة الذي كان يباع منه كل مائة حزمة بمائة نصف فلما احتكروه صار يباع كل مائة حزمة بألف ومائتي نصف وبسبب ذلك تشحطت أشياء كثيرة وغلت أثمانها مثل الجبس والجبر وكل ماكان يحتاج للوقود حتى الخبازين في الافران فاننا ادكنا الاردب من الجبس بثمانية عشر نصف فضة والآن بمائتين وأربعين نصفا وكذلك ادركنا القنطار من الجير بعشرة انصاف والآن بمائة وعشرين والحال في الزيادة. ومنها أن الباشا شرع في عمارة قصر العيني وكان قد تلاشى وخربته العسكر وأخذت اخشابه ولم يبق فيه إلا الجدران فشرع في انشائة وتعميرة وتجديده على هذه الصورة التي هو عليها الآن على وضع الابنية الرومية. ومنها أنه هدم سراية القلعة وما اشتملت عليه من الأماكن فهدم المجالس التي كانت بها والدواوين وديوان قايتباي وهو المقعد المواجه للداخل إلى الحوش علو الكلار الذي به الاعمدة وديوان الغوري الكبير وما اشتمل عليه من المجالس التي كانت تجلس بها الافندية والقلفاوات أيام الدواوين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 وشرع في بنائها على وضع آخر واصطلاح رومي وأقاموا أكثر الابنية من الاخشاب ويبنون الاعالي قبل بناء السفل واسيع أنهم وجدا مخبأت بها ذخائر الملوك مصر الأقدمين. ومنها أن الباشا أرسل لقطع الاشجار المحتاج إليها في عمل المراكب مثل التوت والنبق من جميع البلاد القبلية والبحرية فانبث المعينون لذلك في البلاد فلم يبقوا من ذلك إلا القليل لمصانعة أصحابه بالرشا والبراطيل حتى يتركوا لهم ما يتركون فيجتمع بترسخانة الاخشاب لصناعة المراكب مع ما ينضم إليها من الاخشاب الرومية شيء عظيم جدا يتعدب منه الناظر من كثرته وكلما نقص منه شيء في العمل اجتمع خلافه أكثر منه. ومنها أن أحمد أغا اخا كتخدا بك لما تقلد وكالة دار السعادة ونظارة الحرمين انضم إليه اباليس الكتبة لتحرير الايراد والمصرف وحصروا الاحكار المقررة على الأماكن والاطيان التي اجرها النظار السابقون لمداد الطويلة وجعلوا عليها قدرا من المال يقبض في كل سنة لجة وقف أصله على عادة مصر السابقة واللاحقة في استئجار الاوقاف من نظارها والاطيان والأماكن المستاجرة من أوقاف الحرمين وتوابعها كالدشيشة والخاصكية والمحمدية والمرادية وغير ذلك كثير جدا ففتحوا هذا الباب وتسلطوا على الناس في طلب ما بايديهم من السندات والحج التأجرات فإذا اطلعوا عليها فلايخلو أما أن تكون المدة قد انقضت ومضت أو بقي منها بقية من السنين فإن كان بقي منها بقية زادوا في الاجرة المؤجلة التي هي الحكر مثلها أو مثليها بحسب حال المحل ورواجه وأن كانت المدة قد انقضت ومضت استولوا على حين المحل وضبطوه وجددوا له تاجرا وزادوا في حكره ويكون ذلك لمصلحة جسيمة وعلى كلتا الحاللاين لا بد من التغريم والمصالحات الجوانية والبرانية للكتاب والمباشرين والخدم والمعينين ثم المرافعة إلى القاضي ودفع المحاصيل والرسوم والتسجيل وكتابة السندات التي يأخذها واضع اليد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 ومنها التحجير على الاجراء والمعمرين المستعملين في الابنية والعمائر مثل البنائين والنجارين والنشارين الخراطين والزامهم في عمائر الدولة بمصر وغيرها بالاجارة والتسخير واختفى الكثير منهم وابطل صناعته واغلق من له حانوت حانوته فيطلبه كبير حرفته الملزم بإحضاره عند معمار باشا فاما أنه يلازم الشغل أو يفتدي نفسه أو يقيم بدلا عنه ويدفع له الاجرة من عنده فترك الكثير صناعته واغلق حانوته وتكسب بحرفة أخرى فتعطل بذلك احتياجات الناس في التعمير والبناء بحيث أن من أراد أن يبني له كانونا أو مزودا لدابته تحير في أمره وأقام أياما في تحصيل البناء وما يحتاجه من الطين والجير والقصر مل وكان الباشا اشترى ألف حمار وعملوا لها مزابل واعدوها لنقل اتربة عمائر وشيل القصرمل من مستوقدات الحمامات بالمدينةوبولاق ونودي في المدينة بمنع الناس كافة عن أخذ شئ من القصرمل فكان الذي تلزمه الضرورة لشيء منها أن كان قليلا أخذه كالسرقة في الليل من المستوقد بأغلى ثمن وأن كان كثيرا لا يأخذه إلا بفرمان بالأذن من كتخدا بك بعد أن كان شيئا مبتذلا وليس له قيمة ينقلونه إذا كثر بالمستوقدات إلى الكيمان بالأجرة وأن احتاجه الناس في ابنيتهم أما نقلوه على حميرهم أو نقله خدمة المشتوفد بأجرتهم كل فردين بنصف واقل وازيد ونحو ذلك كما إذا اضاع لإنسان مفتاح خشب لا يجد نجارا يصنع له مفتاحا آخر إلا خفية ويطلب ثمنه خمسة عشر نصف فضة وكان من عادة المفتاح نصف فضة أن كان كبير أو نصف نصف أن كان صغيرا. ومنها أن الذي التزم بعمل البارود قرر على نفسه مائتي كيس أو احتكر جميع لوازمه مثل الفحم وحطب الترمس والذرة والكبريت فقرر كل صنف من ذلك قدرا من الأكياس وابطل الذين كانوا يعملون في السباخ بالكيمان ويستخرجون منه ملح البارود ثم يؤخذ منهم عبيطا إلى المعمل فيكررونه حتى يخرج ملحا أبيض يصلح للعمل وهي صناعة قذرة ممتهنة فابطلهم منها وبنى احواضا بدلا عن الصناديق وجعلها متسعة وطلاها بالخافقي وعمل ساقية واجرى الماء منها إلى تلك الأحواض واوقف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 العمال لذلك بالاجرة يعملون في السباخ المذكور. ومنها شحة الحطب الرومي في هذه السنة وإذا ورد منه شيء حجزه الباشا لاحتياجاته فلايرى الناس منه شيئا فكان الحطابة يبيعون بدله خشب الاشجار المقطوعة من القطر المصري وافضلها السنط فيباع منه الحملة بثلثمائة نصف فضة واجرة حملها عشرة وتكسيرها عشرة وعز وجود الفحم أيضا حتى بيعت الاقة بعشرين نصفا وذلك لانقطاع الجالب إلا ما ياتي قليلا من ناحية الصعيد مع العسكر يتسببون فيه ويبيعونه بأغلى ثمن كل حصيرة باثني عشر قرشا وهي دون القنطار وكانت تباع في السابق بستين نصفا وهي قرش ونصف غير ذلك أمور واحداثات واتبداعات لا يمكن استقصاؤها ولم يصل الينا خبرها إذ لا يصل الينا إلا ما تعلقت به اللوازم والاحتياجات الكلية وقد يستدل بالبعض على الكل وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الشيخ الإمام العلامة والنحرير الفهامة الفقيه الاصولي النحوي شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشافعي الازهري الشهير بالشرقاوي شيخ الجامع الأزهر ولد ببلدة تسمى الطويلة بشرقية بلبيس بالقرب من القرن في حدود الخمسين بعد المائة وتربى بالقرين فلما ترعرع وحفظ القرآن قدم إلى الجامع الأزهر وسمع الكثير من الشهابين الملوي والجوهري والحفني وأخيه يوسف الدمنهوري والبليدي وعطية الاجهوري ومحمد الفارسي وعلي المنسفيسي الشهير بالصعيدي وعمر الطحلاوي وسمع الموطأ فقط على علي بن العربي الشهير بالسقاط وبآخره تلقن بالسلوك والطريقة على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولازمه وحضر معنا في اذكاره وجمعياته ودرس الدروس بالجامع الأزهر وبمدرسة السنانية بالصنادقية وبرواق الجبرت والطيبرسية وافتى في مذهبه وتميز في الالقاء والتحرير وله مؤلفات داله على سعة فضله من ذلك حاشيته على التحرير وشرح نظم يحيى العمريطي وشرح العقائد المشرقية والمتن له أيضا وشرح مختصر في العقائد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 والفقه والتصوف مشهور في بلاد داغستان وشرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد ومختصر الشمائل وشرحه له ورسالة في لا اله إلا الله ورسالة في مسئلة أصولية في جمع الجوامع وشرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف وشرح ورد سحر للبكري ومختصر المغني في النحو وغير ذلك ولما أراد السلوك في طريق الخلوتيه ولقنه الشيخ الحفني الاسم الأول حصل له وله اختلال في عقله ومكث بالمارستان أياما ثم شفى ولازم الاقراء والافادة ثم تلقن من شيخنا الشيخ محمود الكردي وقطع الأسماء عليه والبسه التاج وواظب على مجالسته وكان في قلة من خشونة العيش وضيق المعيشة فلا يطبخ في داره إلا نادرا وبعض معارفه يواسونه ويرسلون إليه الصحفة من الطعام أو يدعونه ليأكل معهم ولما عرفه الناس واشتهر ذكره فواصله بعض تجار الشوام وغيرهم بالزكوات والهدايا والصلات فراج حاله وتجمل بالملابس وكبر تاجه ولما توفي الشيخ الكردي كان المترجم من جملة خلفائه وضم إليه أشخاصا من الطلبة والمجاورين الذين يحضرون في درسه يأتون إليه كل ليلة عشاء يذكرون معه ويعمل لهم في بعض الاحيان ثريدا ويذهب بهم إلى بعض البيوت في مياتم الموتى وليالي السبح والجمع المعتادة ومعهم منشدون ومولهون ومن يقرا الاعشار عند ختم المجلس فياكلون العشاء ويسهرون حصة من الليل في الذكر والانشاد والتوله وينادون في انشادهم بقولهم يابكرى مدد يا حفني مدد يا شرقاوي مدد ثم ياتون إليهم بالطارى وهو الطعام بعد انقضاء المجلس ثم يعطونهم أيضا دراهم ثم اشترى له دار بحارة كتامة المسماة بالعينية وساعده في ثمنها بعض من يعاشره من المياسير وترك الذهاب إلى البيوت إلا في النادر واستمر على حالته حتى مات الشيخ أحمد العروسي فتولى بعده مشيخة الجامع الأزهر فزاد في تكبير عمامته وتعظيمها حتى كان يضرب بعظمها المثل وكانت تعارضت فيه وفي الشيخ مصطفى الصاوي ثم حصل الاتفاق على المترجم وأن الشيخ الصاوي يستمر في وظيفة التدريس بالمدرسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 الصلاحية المجاورة لضريح الإمام الشافعي بعد صلاة العصر وهي من وظائف مشيخة الجامع ولما تولاها الشيخ العروسي تعدى على الوظيفة المذكورة والشيخ محمد المصيلحي الضرير وكان يرى في نفسه أنه احق بالمشيخة من العروسي فلم ينازعه فيها حسما للشر فلما مات المصيلحي تنزه عنها العروسي واجلس فيها الصاوي وحضر درسه في أول ابتدائه لكونه من خواص تلامذته فلما مات العروسي وتولى المترجم المشيخة اتفقوا على بقاء الصاوي في الوظيفة ومضى على ذلك اشهر ثم أن المجتمعين على الشرقاوي وسوسوا له وحرضوه على أخذ الوظيفة وأن مشيخته لاتتم إلا بها وكان مطواعا فكلم في ذلك الشيخ محمد ابن الجوهري وأيوب بك الدفتردار ووافقاه على ذلك واغتر بهما وذهب بجماعته ومن انضم إليهم وهم كثيرون وقرا بها درسا فلم يحتمل الصاوي ذلك وتشاور مع ذوي الرأي والمكايد من رفقائه كالشيخ بدوي الهيتمي واضرابه فبيتوا امرهم وذهب الشيخ مصطفى إلى رضوان كتخدا إبراهيم بك الكبير وله به صداقة ومعاملة ومقارضه فسامحه في مبلغ كان عليه له فعند ذلك اهتم رضوان كتخدا المذكور وحضر عند الشرقاوي وتكلم معه وافحمة ثم اجتمعوا في ثاني يوم ببيت الشرقاوي وحضر الصاوي وعزوته وباقي الجماعة فقال الشرقاوي: اشهدوا ياجماعة أن هذه الوظيفة استحقاقي وأنا نزلت عنها إلى الشيخ مصطفى الصاوي فقال له: الصاوي ارجع أما الآن فلا ولا جميلة لك الآن في ذلك وباكته بكلام كثير وبانفاذه لرأي من حوله وغير ذلك وانفض المجلس على منعه من الوظيفة واستمرار الصاوي فيها إلى أن مات فعادت إلى المترجم عند ذلك من غير منازع فواظب الاقراء فيها مدة وطالب سدنة الضريح بمعلومها فماطلوه فتشاجر معهم وسبهم فشكوه للمعاضدين لهم وهم أهل المكايد من الفقهاء وغيرهم وتعصبوا عليه وانهوا إلى الباشا وضموا إلى ذلك أشياء حتى اغروا عليه صدره واتفقوا على عزله من المشيخة ثم انحط الأمر على أن يلزم داره ولا يخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 منها ولا يتداخل في شيء من الأشياء فكان ذلك أياما ثم عفا عنه الباشا بشفاعة القاضي فركب وقابله ولكن لم يعد إلى القراءة في الوظيفة بل استناب فيها بعض الفقهاء وهو الشيخ محمد الشبراويني ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر في سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف ورتبوا ديوانا لاجراء الاحكام بين المسلمين جعلوا المترجم رئيس الديوان وانتفع في أيامهم بما يتحصل إليه من المعلوم المرتب له عن ذلك وقضايا وشفاعات لبعض الأجناد المصرية وجعالات على ذلك واستيلاء على تركات ودائع خرجت أربابها في حادثة الفرنساوية وهلكوا واتسعت عليه الدنيا وزاد طمعه فيا واشترى دار ابن بيرة بظاهر الأزهر وهي دار واسعة من مساكن الأمراء الاقدمين وزوجته بنت الشيخ علي الزغفراني هي التي تدبر أمره وتحرز كل ما يأتيه ويجمعه ولا يروح ولا يغدو إلا عن أمرها ومشورتها وهي أم سيدي علي الموجود الآن وكانت قبل زواجه بها في قلة من العيش فلما كثرت عليه الدنيا اشترت الاملاك والعقار والحمامات والحوانيت بما يغل ايراده مبلغا في كل شهر له صورة وعمل مهما لزواج ابنه المذكور في أيام محمد باشا خسروسنة سبع عشرة ومائتين وألف ودعا إليه الباشا وعيان الوقت فاجتمع إليه شيء كثير من الهدايا ولما حضر إليه الباشا انعم على ابنه بأربعة أكياس عنها ثمانون ألف درهم وذلك خلاف البقاشيش واتفق للمترجم في أيام الأمراء المصرية أن طائفة المجاورين بالأزهر من الشرقاويين يقطنون بمدرسة الطيبرسية بباب الأزهر وعمل لهم المترجم خزائن برواق معمر فوقع بينهم وبين المجاورين بها مشاجرة فضربوا نقيب الرواق فتعصب لهم الشيخ إبراهيم السجيني شيخ الرواق على الشرقاويين ومنعوهم من الطيبرسية وخزائنها وقهروا المترجم وطائفته فتوسط بامراة عمياء فقيهة تحضر عنده في درسه إلى عديلة هانم ابنة إبراهيم بك فكلمت زوجها إبراهيم بك المعروف بالوالي بأن يبني له مكانا خاصا بطائفته فأجابه إلى ذلك وأخذ سكنا إمام الجامع المجاور لمدرسة الجوهرية من غير ثمن وأضاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 إليه قطعة أخرى وانشأ ذلك رواقا خاصا بهم ونقل إليه الاحجار والعامود والرخام الذي بوسطة من جامع الملك الظاهر بيبرس خارج الحسينية وهو تحت نظر الشيخ إبراهيم السجيني ليكون ذلك نكاية له نظير تعصبه عليه وعمل به قوائم وخزائن واشترى له غلال من جريات السون واضافها إلى اخباز الجامع وادخلها في دفتره يستلمها خباز الجامع ويصرفها خبز قرصه لأهل ذلك الرواق في كل يوم ووزعها على الانفار الذين اختارهم من أهل بلاده ومما اتفق للمترجم أن بخارج باب البرقية خانكاه انشأتها خوند طغاي الناصرية بالصحراء على يمنة السالك إلى وهدة الجبانة المعروفة الآن بالبستان وكان الناظر عليها شخص من شهود المحكمة يقال له ابن الشاهيني: فلما مات تقرر في نظيرها المترجم واستولى على جهات ايرادها فلما ولج الفرنساوية أراضي مصر واحدثوا القلاع فوق التلول والأماكن المستعلية حوالي المدينة هدموا منارة هذه الخانكاه وبعض الحوائط الشمالية وتركوها على ذلك فلما ارتحلوا عن أرض مصر بقيت على وضعها في التخرب وكانت ساقيتها تجاه بابها في علوة يصعد إليها بمزلقان ويجري الماء منها إلى الخانكاه على حائط مبنى وبه قنطرة يمر من تحتها المارون وتحت الساقية حوض لسقي الدواب وقد ادركنا ذلك وشاهدنا دوران الثور في الساقية ثم أن المترجم ابطل تلك الساقية وبنى مكانها زاوية وعمل لنفسه بها مدفنا وعقد عليه قبة وجعل تحتها مقصورة بداخلها تابوت عال مربع وعلى اركانه عساكر فضة وبنى بجانبها قصرا ملاصقا لها يحتوي على اروقة ومساكن ومطبخ وكلار وذهبت الساقية في ضمن ذلك وجعلها بئر وعليه خرزة يملؤن منها بالدلو ونسيت تلك الساقية وانطمست معالمها وكأنها لم تكن وقد ذكر هذه الخانكاه العلامة المقريزي في خططه عند ذكر الخوانك لابأس بإيراد ما نصه للمناسبة فقال خانكاه: أم انوك هذه الخانكا خارج باب البرقية بالصحراء انشأتها الخاتون طغاي تجاه تربة الأمير طاشتمر الساقي فجاءت من اجل المباني وجعلت بها صوفية وقراء ووقفت عليها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 الأوقاف الكثيرة وقررت لكل جارية من جواريها مرتبا يقوم بها ثم ترجمها بقوله طغاي الخوندة الكبرى زوج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وام ابنه الأمير آنوك كانت من جملة امائه فأعتقها وتزوجها ويقال: إنها اخت الأمير آفبغا عبد الواحد وكانت بديعة الحسن باهرة الجمال من السعادة مالم يره غيرها من نساء ملوك الترك بمصر وتنعمت في ملاذ ما وصل سواها لمثلها ولم يدم السلطان على محبة امرأة سواها وصارت خوندة بعد ابنة توكاي اكبر نسائه حتى من ابنه الأمير تنكز وحج بها القاضي كريم الدين الكبير واحتفل بامرها وحمل لها البقول في محايرطين على ظهور الجمال وأخذ لها الابقار الحلابة فسارت معها طول الطريق لأجل اللبن الطري والجبن وكان يقلي لها الجبن في الغداء والعشاء وناهيك بمن وصل إلى مداومة البقل والجبن واللبن في كل يوم بطريق الحج فما عساه يكون بعد ذلك وكان القاضي كريم الدين وأمير مجلس وعدة من الأمراء يترجلون عند النزول ويسيرون بين يدي محفتها ويقبلون الأرض لها كما يفعلون بالسلطان ثم حج بها الأمير بشتاك في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وكان الأمير تنكز إذا جهز من دمشق تقدمة للسلطان لأبدان يكون لخوند طغاي منها جزء وافر فلما مات السلطان الملك الناصر استمرت عظمتها من بعده إلى أن ماتت في شهر شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة أيام الوباء عن ألف جارية وثمانين خصيا وأموال كثيرة جدا وكانت عفيفة طاهرة كثيرة الخير والصدقات والمعروف جهزت سائر جواريها وجعلت على قبر ابنها بقبة المدرسة الناصرية بين القصرين قراء ووقفت على ذلك وقفا وجعلت من جملته خبزا يفرق على الفقراء ودفنت بهذه الخانكاه وهي من اعمر الأماكن إلى يومنا هذا انتهى كلامه. يقول الحقير: إني دخلت هذه الخانكاه في أواخر القرن الماضي فوجدت بها روحانية لطيفة وبها مساكن وسكان قاطنون بها وفيهم أصحاب الوظائف مثل المؤذن والوقاد والكناس والملاء ودخلت إلى مدفن الواقفة وعلى قبرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 تركيبة من الرخام الأبيض وعند رأسها ختمة شريفة كبيرة على كرسي بخط جليل وهي مذهبة وعليها اسم الواقفة رحمها الله تعالى فلوان الشيخ المترجم عمر هذه الخانكاه بدل هذا الذي ارتكبه من تخريبها لكان له بذلك منقبة وذكر حسن في حياته وبعد مماته وبالله التوفيق وللمترجم طبقات جمعها في تراجم الفقهاء الشافعية المتقدمين والمتأخرين من أهل عصره ومن قبلهم من أهل القرن الثاني عشر نقل تراجم المقتدمين من طبقات السبكي والاسنوى وأما المتأخرون فنقلهم من تاريخنا هذا بالحرف الواحد واظن أن ذلك آخر تأليفاته وعمل تاريخا قبله مختصرا في نحو أربعة كراريس عند قدوم الوزير يوسف باشا إلى مصر وخروج الفرنساوية منها واهداه إليه عدد في ملوك مصر وذكر في آخره خروج الفرنسيس ودخول العثمانية في نحو ورقتين وهو في غاية البرود وغلط فيه غلطات منها أنه ذكر الاشرف شعبان ابن الأمير حسن بن الناصر محمد بن قلاوون فجعله ابن السلطان حسن ونحو ذلك ولم يزل المترجم حتى تعلل ومات في يوم الخميس ثاني شهر شوال من السنة وصلى عليه بالأزهر في جمع كثير ودفن بمدفنه الذي بناه لنفسه كما ذكر ووضعوا له تابوته المذكور عمامة كبيرة اكبر من طبيزيته التي كان يلبسها في حياته بكثير وعموها بشاش اخضر وعصبوها بشال كشميري أحمر ووقف شخص عند باب مقصورته وبيده مقرعة يدعو الناس لزيارته ويأخذ منهم دراهم ثم أن زوجته وابنها ومن يلوذ بهم ابتدعوا له مولدا وعيدا في أيام مولد العفيفي وكتبوا بذلك فرمانا من الباشا ونادى به تابع الشرطة بأسواق المدينة على الناس بالاجتماع والحضور لذلك المولد وكتبوا أوراقا ورسائل للأعيان وأصحاب المظاهر وغيرهم بالحضور وذبحوا ذبائح وأحضروا طباخين وفراشين مدوا اسمطة بها أنواع الاطعمة والحلاوات والمحمرات والخشافات لمن حضر من الفقهاء والمشايخ والأعيان وأرباب الاشارير والبدع ونصبوا قالبة تلك القبة صواري علقوا بها قناديل وبيارق وشراريب حمرا وصفرا يلوحها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 الريح واجتمع حول ذلك من غوغاء الناس وعملوا قهاوي وبياعين الحلو والمخللات والترمس المملح والفول المقلي ودهسوا ما بتلك البقعة من قبور الاموات واوقدوا بها النيران وصبوا عليها والقاذورات مع مايلحقهم من البول والغائط وأما ضجة الاوباش والأولاد وصراخهم وفرقعتهم بالبارود وصياحهم وضجيجهم فقد شاهدنا به ما كنا نسمعه من عفاريت الترب وضرب المثل بهم فهم اقبح منهم فإن العفاريت الحقيقية لم نر لهم أفعالا مثل هذه. ولما مات الشيخ المترجم ومضى على موته ثلاثة أيام اجتمع المشايخ في يوم الأحد خامسه وطلعوا إلى القعلة ودخلوا إلى الباشا وذكروا له موت المترجم ويستأذنوه فيمن يجعلونه شيخا على الأزهر فقال لهم الباشا: اعملوا رأيكم واختاروا شخصا يكون خاليا عن الاغراض وأنا اقلده ذلك فقاموا من مجلسه ونزلوا إلى بيوتهم واختلفت آراؤهم فالبعض اختار الشيخ المهدي والبعض ذكر الشيخ محمد الشنواني وأما الشيخ محمد الأمير فانه امتنع من ذلك وكذلك ابن الشيخ العروسي والشيخ الشنواني المذكور منعزل عنهم وليس له درس بالأزهر ويقرأ دروسه بجامع الفاكهاني الذي في العقادين وبيده وظائف خدم الجامع وعند فراغه من الدروس يغير ثيابه ويكنس المسجد ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت والفتائل حتى يكنس المراحيض فلما بلغه أنهم ذكروه تغيب ثم أن الباشا أمر القاضي وهو بهجة أفندي بأن يجمع المشايخ عنده ويتفقوا على شخص يجتمع رأيهم عليه بالشرط المذكور فأرسل إليهم القاضي وجمعهم وذلك في يوم الثلاثاء سابعه وحضر فقهاء الشافعية مثل القويسني والفضالي وكثير من المجاورين والشوام والمغاربة فسأل القاضي هل بقي أحد فقالوا: لم يكن أحد غائبا عن الحضور إلا ابن العروسي والهيثمي والشنواني فأرسلوا إليهم فحضر العروسي والهيثمي فقال: واين الشنواني فلا بد من حضوره فأرسلوا رسولا فغاب ورجع وبيده ورقة ويقول الرسول: إنه له ثلاثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 ايام غائبا عن داره وترك هذه الورقة عند أهله وقال: إن طلبوني اعطوهم هذه الورقة فأخذها القاضي وقرأها جهارا يقول فيها: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم لحضرة شيخ الإسلام اننا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي إلى آخر ما قال فعندما سمع الحاضرون ذلك القول قاموا قومة وأكثرهم طائفة الشوام وقال بعضهم: هو لم يثبت له مشيخة حتى أنه ينزل عنها لغيره وقال: كبارهم من المدرسين لا يكون شيخا إلا من يدرس العلوم ويفيد الطلبة وزادوا في اللغط فقال القاضي: ومن الذي ترضونه فقالوا: نرضى الشيخ المهدي وكذلك قال البقية: وقاموا وصافحوه وقراوا الفاتحة وكتب القاضي اعلاما إلى الباشا بما يحصل وانفض الجمع وركب الشيخ المهدي إلى بيته في كبكبة وحوله وخلفه المشايخ وطوائف المجاورين وشربوا الشربات واقبلت عليه الناس للتهنئة وانتظر جواب الاعلام بقية ذلك اليوم فلم يأت الجواب ومضى اليوم الثاني والمدبرون يدبرون شغلهم وأحضروا الشيخ الشنواني من المكان الذي كان متغيبا فيه بمصر القديمة وتمموا شغلهم وأحضروا السيد منصور اليافاوي المنفصل عن مشيخة الشوام ليلا ليعيدوه إلى مشيخة الشوام ويمنعوا الشيخ قاسما المتولي فعالة ولطائفته الذين تطاولوا في مجلس القاضي بالكلام وجمعوا بقية المشايخ آخر الليل وركبوا في الصباح إلى القلعة فقابلوا الباشا فخلع على الشيخ محمد الشنواني فروة سمور وجعله شيخا على الأزهر وكذلك على السيد منصور اليافاوي ليكون شيخا على رواق الشوام كما كان في السابق ثم نزلوا وركبوا وصحبتهم آغات الينكجرية بهيئة الموكب وعلى راسه المجوزة الكبيرة وإمامه الملازمون بالبراقع والريش على روؤسهم وما زالوا سائرين حتى دخلوا حارة خوشقدم فنزلوا بدار ابن الزليجي لأن دار ذات الشيخ الشنواني صغيرة وضيقة لا تسع ذلك الجمع والذي انزله في ذلك المنزل السيد محمد المحروقي وقام له بجميع الاحتياجات وأرسل من الليل الطباخين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 والفراشين والاغنام والأرز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة واوقف عبيده وخدمه لخدمة القادمين للسلام والتهنئة ومناولة القهوة والشربات والبخور وماء الورد وازدحمت الناس عليه واتوا أفواجا إليه وكان ذك يوم الثلاثاء رابع عشره ووصل الخبر إلى الشيخ المهدي ومن معه وحصل لهم كسوف وبطلت مشيخته ولما كان يوم الجمعة حضر الشيخ الجديد إلى الأزهر وصلى الجمعة وحضر باقي المشايخ وعملوا الختم للشيخ الشرقاوي وحصل ازدحام عظيم وخصوصا للتفرج على الشيخ الجديد وكأنه لم يكن طول دهره بينهم ولايلتفتون إليه وبعد فراغ الختم انشد المنشد قصيدة يرثي بها المتوفي من نظم الشيخ عبد الله العدوي المعروف بالقاضي وانفض الجمع. ومات الأستاذ المكرم بقية السلف الصالحين ونتيجة الخلف المعتقد الشيخ محمد المنكى ابا السعود ابن الشيخ محمد جلال بن الشيخ محمد أفندي المكنى بأبي المكارم بن السيد عبد المنعم بن السيد محمد المكنى بأبي السرور صاحب الترجمة بن السيد القطب الملقب بابي السرور البكري الصديقي العمري من جهة الام تولى خلافة سجادتهم في سنة سبع عشرة ومائتين وألف عندما عزل ابن عمه السيد خليل البكري ولم تكن الخلافة في فرعهم بل كانت في أولاد الشيخ أحمد بن عبد المنعم وآخرهم السيد خليل المذكور فلما حضرت العثمانية إلى مصر واستقر في ولايتها محمد باشا خسروا سعي في السيد خليل الكارهون له وانهوا إليه فيه ورموه بالقبائح ومنها تداخله في الفرنسيس وامتزاجه بهم وعزلوه من نقابة الاشراف وردت للسيد عمر مكرم ولم يكتفوا بذلك وذكروا أنه لا يصلح لخلافة البكرية فقال الباشا: وهل موجود في أولادهم خلافة قالوا: نعم وذكروا المترجم فيمن ذكروه وأنه قد طعن في السن وفقير من المال فقال الباشا: الفقر لا ينفي النسب وأمر له بفرس وسرج وعباءة كعادة مركوبهم فأحضروه هـ والبسوه التاج والفرجية وخلع عليه الباشا فروة سمور وأنعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 عليه بخمسة أكياس وأن يأخذ له فائظا في بعض الاقطاعات ويعفى من الحلوان وسكن بدار جهة باب الخرق وراج أمره واشتهر ذكره من حينئذ وسار سيرا حسنا مقرونا بالكمال جاريا على نسق نظامهم بحسب الحال ويتحاكم لديه خلفاء الطرائق الصورية وأصحاب الاشاير البدعية كالاحمدية الرفاعية والبرهامية والقادرية فيفصل قوانينهم العادية وينتقل في أوائل شهر ربيع الأول إلى داره بالازبكية بدرب عبد الحق فيعمل هناك وليمة المولد النبوي على العادة وكذلك مولد المعراج في شهر رجب بزاوية الدشطوطي خارج باب العدوى ولم يزل على حالته وطريقته مع انكسار النفس إلى أن ضعفت قواه وتعلل ولازم الفراش فعند ذلك طلب الشيخ الشنواني وباقي المشايخ وعرفهم أن مرضه الذي هو به مرض الموت لأنه بلغ التسعين وزيادة وأنه عهد بالخلافة على سجادتهم لولده السيد محمد لأنه بالغ رشيد والتمس منهم بأن يركبوا معه من الغد ويطلعوا إلى القلعة ويقابلوا به الباشا فأجابوه إلى ذلك وركبوا من الغد صحبته إلى القعلة فخلع عليه الباشا فروة سمور ونزل على داره بالازبكية بدرب عبد الحق وتوفي المترجم في أواخر شهر شوال من السنة وحضروا بجنازته إلى الأزهر فصلوا عليه وذهبوا به إلى القرافة ودفن بمشهد اسلافهم رحمه الله تعالى. ومات الأجل المكرم المذهب في نفسه النادرة في ابناء جنسه محمد أفندي الودنلي الذي عرف بناظر المهمات ويعرف أيضا بطبل أي الاعرج لأنه كان به عرج قدم إلى مصر في أيام قدوم الوزير يوسف باشا وولاه محمد باشا خسرو كشوفية اسيوط ثم رجع إلى مصر في ولاية محمد علي باشا فجعله ناظرا على مهمات الدولة وسكن ببيت سليمان أفندي ميسوا بعطفة أبي كلبة بناحية الدرب الاحمر فتقيد بعمل الخيام والسروج واليرقات ولوازم الحروب فضاقت عليه الدار فاشترى بيت ابن الدالي باللبودية بالقرب من قنطرة عمر شاه وهي دار واسعة عظيمة متخربة هي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 وما حولها من الدور والرباع والحوانيت فعمرها وسكن بها ورتب بها ورشات أرباب الأشغال والصنائع والمهمات المتعلقة بالدولة كسبك المدافع والجلل والقنابر والمكاحل والعربات وغير ذلك من الخيام والسروج ومصاريف طوائف العساكر الطبجية والعربجية والرماة وعمر ماحول تلك الدار من الرباع والحوانيت والمسجد الذي بجواره ومكتبا لاقراء الأطفال ورتب تدريسا في المسجد المذكور بعد العصر وقرر فيه السيد أحمد الطحطاوي الحنفي ومعه عشرة من الطلبة ورتب لهم ألف عثماني تصرف لهم من الروزنامة وللأطفال وكسوتهم خلاف ذلك ويشتري في عيد الاضحى جواميس وكباشا يذبح منها ويفرق على الفقراء والموظفين ويرسل إلى أصحابه عدة كباش في عيد الاضحية إلى بيوتهم الكبش والكبشين على قدر مقاديرهم ويرسل في كل ليلة من ليالي رمضان عدة قصاع مملوءة بالثريد واللحم إلى الفقراء بالجامع الأزهر واتفق أن الباشا قصد تعمير المجراة والسواقي التي تنقل الماء من النيل إلى القلعة وكانت قد تهدمت وتخربت وتلاشت وبطل عملها مدة سنين فأحضروا المعمارجية فهولوا عليه أمرها وأخبروه أنها تحتاج خمسمائة كيس تنفق في عمارتها فعرض ذلك على المترجم فقال له: أنا اعمرها بمائة كيس قال: كيف تقول قال: بل بثمانين كيسا والتزم بذلك ثم شرع في عمارتها حتى اتمها على ماهي عليه الآن واهدى إليه رجال دولتهم عدة انوار معونة له فعمر أيضا سواقيها وادارها وجرى فيها الماء إلى القلعة ونواحيها وانتفع بها أهل تلك الجهات ورخص الماء وكثر في تلك الاخطاط وكانوا قاسوا شدة من عدم الماء عدة سنين ومما عد من مناقبه أن القلقات المقيدين بالمراكز وأبواب المدينة كانوا يأخذون من الواردين والداخلين والخارجين والمسافرين من الفلاحين وغيرهم ومعهم أشياء أو أحمال ولو حطبا أو برسيما أو تبنا أو سرجينا دراهم على كل شيء ولو امراة فقيرة معها أو على رأسها مقطف من رجيع البهائم تبيعه في الشارع وتقتات بثمنه فيحجزونها ولا يدعونها تمر حتى تدفع لهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 نصف فضة ثم يأخذون أيضا من ذلك الشيء ويأخذون على كل حمل حمار أو بغل أو جمل نصف فضة وإذا اشترى شخص من ساحل بولاق أو مصر القديمة اردب غلة أو حملة حطب لعياله أخذ منه المتقيدون عند قنطرة الليمون فإذا خلص منهم استقبله الكائنون بالباب الحديد وهكذا سائر الطرق التي يدخل منها المارة إلى المدينة ويخرجون مثل باب النصر وباب الفتوح وباب الشعرية وباب العدوى وطرق الازبكية وباب القرافة والبرقية وطرق مصر القديمة فسعى المترجم بإبطال ذلك وتكلم مع الباشا وعرفه تضرر الناس وخصوصا الفقراء وهؤلاء المتقيدون لهم علائف يقبضونها من الباشا كغيرهم وهذا قدر زائد فرخص له في ابطال هذا الأمر وكتب له بيورلدى بمنع هؤلاء المركوزين عن أخذ شيء من الناس جملة كافية وقيد بكل مركز شخصا من اتباعه لمراقبتهم واشاع ذلك في الناس فانكفوا وامتنعوا عن أخذ شيءمن عامة الناس وكانوا يجمعون من ذلك مقادير من الفضة العددية يتقاسمونها آخر النهار وذلك خلاف ما يأخذونه من الأشياء المحمولة كالجبن والزبد والخيار والقثاء وأنواع البطيخ والفاكهة والبرسيم والاحطاب والخضارات وغير ذلك ومن مناقبه أيضا أن الجاويشية والقواسة الاتراك المختصين بخدمة الباشا والكتخدا كان من عوائدهم القبيحة أنهم في كل يوم جمعة يلبسون احسن ملابسهم وينتشرون بالمدينة ويطوفون على بيوت الأعيان وأرباب المظاهر وأصحاب المناصب ويأخذون منهم البقاشيش ويسمونها الجمعية فما هو إلا أن يصطبح أحد من ذكر ويجلس مجلسه إلا واثنان أو ثلاثة عابرون عليه من غير استئذان فيقفون قبالته وبأيديهم العصي المفضضة فيعطيهم القرشين أو الثلاثة بحسب منصبه ومقامه فإذا ذهبوا وانصرفوا حضر إليه خلافهم وهكذا ولا يرون في ذلك ثقلا ولا رذالة بل يرون أن ذلك من اللازمات الواجبة فلا يكفي أحد المقصودين الخمسون قرشا أو أقل أو أكثر في ذلك اليوم تذهب سبهللا فكان منهم من ينقطع في حريمه ذلك اليوم أو يتوارى ويتغيب عن منزله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 يخرجونه بعد ذلك ويبردخونه ويصبغونه بأنواع الاصباغ ويضعونه في مكبس كبير يقال له التخت: صنعه لذلك وعند ذلك يتم عمله فكان الناس يذهبون للتفرج على ذلك لغرابته عندهم ثم حضر إليه شخص فرنساوي واشار عليه بإشارات في تغيير المدقات وافسد العمل واشتغل هو بكثرة المهمات فتكاسل عن اعادتها ثانيا وبطل ذلك وكان مع كثرة اشغاله ومصاريفه ليس كاتب بل يكتب ويحسب لنفسه وبين يديه عدة دفاتر لكل شيء دفتر مخصوص ولا يشغله شيء عن شيء ولما اتسعت دائرته وكثرت حاشيته واجتمعت فيه عدة مناصب مضافة لنظر المهمات مثل معمل البارود وقاعة الفضة ومدابغ الجلود وغير ذلك فكان كتخدا بك يحقد عليه في الباطن لأمور بينهما حتى قيل أن نفسه طمحت في الكتخدائية فكان يتصدر في الأمور والقضايا ويرافع ويدافع ويهزل مع الباشا ويضاحكه ويرادده ويدخل عليه من غير استئذان فلم يزل الكتخدا يلقي فيه الدسائس ويعمل معدل الاشغال التي تحت نظره ويعرف الباشا بما يتوفر من ذلك حتى نزعه من نظارة جميع المهمات وقلدها صالح كتخدا الرزاز. ومما نقمه عليه أن الكتخدا حضر لزيارة المشهد الحسيني في عصرية يوم من رمضان ثم ركب متوجها إلى داره قبيل الغروب فصادف في طريقه عدة قصاع كبار مغطاءة تحملها الرجال فسأل عنها فعرفوه أن المترجم يرسلها في كل ليلة من ليالي رمضان إلى فقراء الجامع الأزهر وبها الثريد واللحم فامتعض من ذلك وعرف الباشا أنه يؤلف الناس ويتوادد إليهم بأموالك ونحو ذلك واستمر المترجم بطالا نحو السنتين ولم يتضعضع ولم يظهر عليه تغير ونظامه ومطبخه على حاله وطعامه مبذول وراتبه جار وفي تلك المدة اشتغل بمطالعة الكتب والممارسة والمدارسة وعانى الحسابيات وصناعة التقويم حتى مهر في ذلك وعمل الدستور السنوي وما يشتمل عليه من تقويم الكواكب السيارة وتداخل التواريخ والاهلة والاجتماعات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 والاستقبالات وطوالع التحاويل والنصبات ويصنع بيده أيضا الصنائع الفائقة مثل الظروف التي تاتي من بلاد الهند والافرنج والروم ويضع فيها الكتبة محاربهم واقلامهم فيصنعها أولا من الخشب الرقيق والقرطاس المقوم المتلاصق ويصبغها وينقشها بأنواع الليق ويعيد على النقوشات بالسندروس المحلول ويضعها في صندوق من الزجاج صنعه لخصوص تلك الأشياء والقبورات وجفاف دهانها بحرارة الشمس المحجوب بالزجاج عن الهواء والغبار وعند تمامها تكون في غاية الحسن والظرافة والبهجة بحيث ر يشك من يراها بأنها من صناعة الهند أو الافرنج المتقنين الصناعة وكان كلما سمع بشخص ذي معرفة لصناعة من الصنائع أو المعارف اجتهد في تحصيلها وتلقيها عنه بأي وجه كان ولو ببذل الرغائب واعد بمنزله أماكن لأشخاص من أرباب المعارف ينزلهم فيها ويجري عليهم النفقات والكساوي حتى يجتني ثمار معارفهم وصنائعهم ويجتمع عنده في كل ليلة جمعة جماعة من القراء التي مسكانهم قريبة من داره فيذكر الله معهم حصة من الليل ثم يفرق فيهم دراهم ولما طال به الاهمال وفتور الأحوال والباشا قليل الإقامة بمصر وأكثر أيامه غائب عنها فحسن بباله الرحلة من مصر إلى الديار الرومية ويذهب إلى بلاده فأستاذن الباشا عند وداعه وهو متوجه إلى ناحية قبلي فأذن له وأخذ في أسباب السفر فأرسل الكتخدا إلى الباشا ودس إليه كلاما فأرسل بمنعه ويرتب له خروجا لمطبخه فتعوق عن السفر على غير خاطره وفي أوائل السنة حضرت إليه والدته وابنته وزوجها فانزلهم في دار تجاه داره واجرى عليهم ما يحتاجون إليه من النفقة فاتفق أن صهره المذكور حلف يمينا بالطلاق الثلاث وحنث فيه ففرق بينه وبين ابنته وطرده فشكاه إلى كتخدا بك فكلمه في شانه فلم يقبل وقال: لا يجوز أن حلل المحرم لاجلك واستمر صهره يتردد على الكتخدا ويلقي ما يلقيه في حقه من النميمة ويذكر له عنه في حقه ما يزيده غيضا وكراهة ويقول له: إنه يجمع اناسا في كل ليلة جمعة يقرأون ويدعون عليك وعلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 مخدومك وذكر له أنه يقول لكم: إن قصده السفر إلى بلده وإنما قصده السفر إلى إسلامبول ليجتمع على مخدومه الأول لكونه تولى قبودان باشا ورياسة الدونانمة ويقول: عندما اكون بدار السلطنة افعل وافعل وأخبرهم بحقيقة هؤلاء وافاعيلهم وانقض عليهم امرهم وذكر له أيضا أنه استخرج من احكام النجوم التي يعانيها أن الباشا يحصل له نكبة بعد مدة عربيه ويحصل ما يحصل من الفتن فيريد الخروج من مصر قبل وقوع ذلك ونحو ذلك فلما رجع الباشا من سفرته توسل المنرجم بالكتخدا في أن يأخذ له اذنا من الباشا بالسفر وهو لا يعلم سريرته ففاوض الباشا في ذلك والقى إليه ما القاه حتى اوغر صدره منه ثم رد عليه بقوله إني أستاذنت الباشا فلم يسهل به مفارقتك وقال: إن كان عن ضيق في المعيشة فأطلق له في كل شهر كيسين عنها أربعون ألف نصف فضة فلما قال له ذلك قال: أنا لا يكفيني هذا المقدار فان كان فيطلق لي خمسة أكياس فقال: لم يرض بأزيد مما ذكرته لك وكل ذلك مخادعة من الكتخدا ليحقق ما حشده في صدر مخدومه وما زال يتردد في طلب الاذن حتى اذن له واضمر له القتل بعد خروجه من مصر فعند ذلك باع داره وما استجده حولها والبستان خارج قناطر السباع وما زاد عن حاجته من الأشياء والامتعة واشترى عبيدا وجواري وقضى لوازمه وسافر إلى رشيد فعندما مضى من نزوله يومان أو ثلاثة كتبوا إلى خليل بك حاكم الاسكندرية مرسوما بقتله فبلغه خبر ذلك وهو بثغر رشيد فلم يصدقه وقال: اي ذنب استوجب به القتل ولو أراد قتلي ما الذي يمنعه منه وأنا عنده بمصر وأنا سافرت بإذنه وودعته وقبلت يديه وطرفه وأخذت خاطره وهو مبشوش معى كعادته فلما حصل بالاسكندرية واستقر بالسفينة ومضى أيام وهم ينتظرون اعتدال الريح والاذن من الحاكم بالاقلاع ووصل المرسوم إلى خليل بك فأرسل إليه في وقت يدعوه ليتغدى معه في رأس التين ونظر إلى خليل بك وهو واقف في انتظاره على بعد منه فوق علوة فاجاب وخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 من السفينة فوصل إليه جماعة من العسكر وأحاطوا به فتحقق عند ذلك ما كان بلغه وهو برشيد ونظر إلى خليل بك فلم يره فقال: امهلوني حتى اتوضا وأصلي ركعتين وقام من حلاوة الروح والقى بنفسه في البحر فضربوا عليه بالرصاص واخرجوه وتمموا قتله واخرجوا صناديقه وأخذوا ما فيها من الكتب لأن الباشا أرسل بطلبها وأخذ ما معه من المال والدراهم خليل بك فاعطى لولده جانبا منه واذن له بالسفر مع عياله وانقضى أمر هـ ووصلت الكتب إلى سراية الباشا واودعت عند ولي خوجا وتبدد الكثير منها وفرق منها عدة على غير أهلها وكانت قتلته في أواخر شهر صفر من السنة والله اعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 ثم دخلت سنة ثماني وعشرين ومائتين والف استهل المحرم بيوم الإثنين سنة 1228 وفيه وصل الخبر من الجهة القبلية بان إبراهيم بك ابن الباشا قبض على أحمد أفندي ابن حافظ أفندي الذي بيده دفاتر الرزق الاحباسية وشنقه وضرب قاسم أفندي بن امين الدين كاتب الشهر عالقة قوية وكان والده أصحبهما معه ليباشرا معه الأمور ويعرفاه الأحوال وكان قاسم أفندي خصيصا به مثل الوزير والصاحب والنديم ورتب له الباشا في كل سنة ثمانين كيسا خلاف الخروج والكساوى وشرط عليه المناصحة في كشف المستورات وما يكون فيه تحصيل الأموال فكأنه قصر في كشف بعض الأشياء وأرسل إلى والده يعلمه بخيانته هو وكاتب الأرزاق وانهما منهمكان في ملاذهما فأذن له في فعله بهما ما ذكر وأخذ ما كانا جمعاه لأنفسهما واظهر أنه إنما فعل بهما ذلك عقوبة على ارتكابهما المعصية. وفي عشرينه حضر إبراهيم بك المذكور إلى مصر وفيه حصلت منافسة بين حسين أفندي الروزنامجي وبين شخصين من كتابه وهما مصطفى أفندي باش جاجرت وقيطاس أفندي ولعل ذلك بإعراء باطني على حسين أفندي فرفعا امرهما إلى الباشا وعرفاه عن مصارف وأمور يفعلها حسين افندي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 ويحفيها عن الباشا وأنه إذا حوسب على السنين الماضية يطلع عليه الوف من الأكياس فعندما سمع ذلك امرهما بمباشرة حسابه عن أربع سنوات متقدمة فخرجا من عنده وأخذ صحبتهما مباشرا تركيا ونزلوا على حين غفلة بعد العصر وتوجهوا إلى منزل أخيه عثمان أفندي السرجي ففتحوا خزانة الدفاتر وأخذوها بتمامها إلى بيت ابن الباشا إبراهيم بك الدفتردار واجتمعوا في صبحها للمحاققة والحساب مع أخيه عثمان أفندي المذكور واستمروا في المناقشة والمحاققة عدة أيام مع المرافعة والمدافعة والميل الكلي على حسين أفندي ويذهبون كل ليلة يخبرون الباشا بما يفعلون وبالقدر الذي ظهر عليه فيعجبه ذلك ويثنى عليهما ويحرضهما على التدقيق فتنتفخ اوداجهما ويزيدان في الممانعة والمدافعة والمرافعة في الحساب وحسين أفندي على جليته ويظن أنه على عادته في كونه مطلق التصرف في الأموال الميرية ويبلغها إذا سئل فيها للقائم بالدولة ايرادا ومصرؤفا ليكون اجمالا لا تفصيلا لكونه امينا وعدلا وكان الايراد والمصرف محررا أو مضبوطا في الدفاتر التي بايدي الافندية الكتاب ومن انضم إليهم من كتاب اليهود في دفاترهم أيضا بالعبراني لتكون كل فرقة شاهدة وضابطة على الأخرى فلما استقل هذا الباشا بمملكة الديار المصرية واستغول في تحصيل الأموال باي وجه واستحدث اقلام المكوس وجعلها في دفاتر تحت أيدي الافندية وكتبة الروزنامة فصارت من جملة الأموال الميرية في قبضها وصرفهاوتحويلها والباشا مرخى العنان للروزنامجي ومرخص له في الاذن والتصرف والروزنامجي كذلك مرخي العنان لاحد خواص كتابه المعروف باحمد اليتيم لفطانته ودرايته فكان هو المشار إليه من دون الجميع ويتطأول عليهم ويمقت من فعل فعلا دون اطلاعه وربما سبه ولو كان كبيرا أو اعلى منزلة منه في فنه فيمتلىء غيظا وينقطع عن حضور الديوان فيهمله ولا يسال عنه والأفندي الكبير لا يخرج عن رايه لكونه ساد امسد الجميع فدبروا على أحمد أفندي المذكور وحفروا له واغروا به حتى نكبه الباشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وصادره في ثمانين كيسا ومخدومه حسين أفندي في أربعمائة كيسا وانقطع أحمد أفندي عن حضور الديوان وتقدم المتأخر وضم الباشا إلى ديوانهم من طرفه خليل أفندي وسموه كاتب الذمة بمعنى أنه لا يكتب تحويل ولا ورقة ميري ولا خلاف ذلك مما يسطر في ديوانهم حتى يطلع عليه خليل أفندي المذكور ويرسم عليه علامته فاحاط علمه بجميع اسرارهم وكل قليل يستخبر منه الباشا فيحيطه بمعلوماته ولم يزل حتى تحول ديوانهم وانتقل إلى بيت خليل أفندي تجاه منزل إبراهيم بك ابن الباشا بالازبكية وتراس بالديوان قاسم أفندي كاتب الشهر وقريبه قيطاس أفندي ومصطفى أفندي باش جاجرت وبعد مدة اشهر سافر إبراهيم بك وأخذ صحبته قاسم أفندي على الصورة المتقدمة والروزنامجي وولده محمد أفندي يرأعيان جانب رفيقية ولا يتعرضان لهما فيما يتصدران له ويضمانه في عهدتهما فلما وصل الخبر بنكبة إبراهيم بك لقاسم أفندي فعند ذلك قصر معهما واظهر أن الروزنامجي مكمون غيظه في حقهما ومانعهما أيضا وخشن القول لهما فاتفقا على أنهاء الحال إلى باب الباشا ففعلا ما ذكر وكان حسين أفندي عندما أستاذن الباشا في صرف ما يتعلق بمشايخ العلم والافندية الكتبة والسيد محمد المحروقي بالكامل وما عداهم ربع استحقاقهم وكتب له فرمانا بذلك فقال له: الروزنامجي في بعضهم من يستحق المراعاة كبعض أهل العلم الخاملين وأهل الحرمين والمهاجرين ومستوطنين بمصر بعيالهم وليس لهم ايراد يتعيشون منه إلا ما هو مرتب لهم من العلائف في كل سنة وكذلك بعض الملتزمين الذين اعتادوا سداد ما عليهم من الميري وبعضه بما لهم من الاتلافات والعلائف والغلال فقال له: النظر في ذلك لرأيك فان هذا شىء يعسر ضبط جزئياته فاعتمد ذلك وطفق يفعل في البعض بالنصف والبعض بالثلث أو الثلثين وأما العامة والأرامل فيصرف لهم الربع لا غير حسب الأمر ويقاسمون في تحصيل ربع استحقاقهم الشدائد من السعي وتكرار الذهاب والتسويف والرجوع في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 الأكثر من غير شيء مع بعد المسافة وفيهم الكثير من العواجز فلما ترافعوا في الحساب مانع المتصدر فيما زاد على الربع وطلع إلى الباشا فعرفه بذلك فقال الباشا: لا تخصموا له إلا ما كان بأذني وفرماني وما كان بدون ذلك فلا وانكر الحال السأبق منه له وقال: هو متبرع فيما فعله فتأخر عليه مبلغ كبير في مدة أربع سنوات وكذلك كان يحول عليه حوالات لكبار العسكر برسول من اتباعه فلا يسعه الممانعة ويدفع القدر المحول عليه بدون فرمان اتكالا على الحالة التي هو معه عليها فرجعوا عليه في كثير من ذلك وتاخر عليه مبلغ كبير أيضا فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الألف كيس فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الألف كيس والمائتي كيس وكسور تبلغ في الأربع سنوات خمسة آلاف كيس فتقلق حسين أفندي وتحير في أمره وزاد وسواسه ولم يجد مغيثا ولا شافعا ولا دافعا. وفي أواخره عمل الباشا مهما لختان ابن بونابارته الخازندار الغائب ببلاد الحجاز وعملوا له زفة في يوم الجمعة بعد الصلاة اجتمع الناس للفرجة عليه. وفيه ايضت زاد الارجاف بحصول الطاعون وواقع الموت منه بالاسكندرية فأمر الباشا بعمل كورنتينة بثغر رشيد ودمياط والبراس وشبرا وأرسل إلى الكاشف الذي بالبحيرة بمنع المسافرين المارين من البر وأمر أيضا بقراءة صحيح البخاري بالأزهر وكذلك يقرأون بالمساجد والزوايا سورة الملك والاحقاف في كل ليلة بنية رفع الوباء فاجتمعوا إلا قليلا بالأزهر نحو ثلاثة أيام ثم تركوا ذلك وتكاسلوا عن الحضور. وفي يوم الإثنين تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف نحو ثلاثة ارباع الجرم وكانت الشمس في برج الدلو أيام الشتاء فاظلم الجو إلا قليلا ولم ينتبه له كثير من الناس لظنهم أنها غيوم متراكمة لأنهم في فصل الشتاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء سنة 1228 فيه في اخريات النهار هبت ريح جنوبية غربية عاصفة باردة واستمرت لعصر يوم السبت وكانت قوتها يوم الجمعة أثارت غبارا اصفر ورمالا مع غيم مطبق وقتام ورش مطر قليل في بعض الأوقات. وفي يوم الثلاثاء سابعه وردت بشائر من البلاد الحجازية باستيلاء العساكر على جدة ومكة من غير حرب وذلك أنه لما أنهزمت الاتراك في العام الماضي ورجعوا على الصورة التي رجعوا عليها مشتتين ومتفرقين وفيهم من حضر من طريق السويس ومنهم من أتى من البر ومنهم من حضر من ناحية القصير ونفى الباشا من استعجل بالهزيمة والرجوع من غير أمره ويخشى صولته ويرى في نفسه أنه احق بالرياسة منه مثل صالح قوج وسليمان وحجو واخرجهم من مصر واستراح منهم ثم قتل أحمد أغا لاظ جدد ترتيبا آخر عرفه كبراء العرب الذين استمالهم واندرجوا معه وشيخ الحويطات أن الذي حصل إنما هو من العرب الموهبين وهم عرب حرب والصفراء وانهم مجهودون والوهابية لا يعطونهم شيئا ويقولون لهم: قاتلوا عن دينكم وبلادكم فإذا بذلتم لهم الأموال واغدقتم عليهم بالانعام والعطاء ارتدو ورجعوا وصاروا معكم وملكوكم البلاد فاجتهد الباشا في جمع الأموال باي وجه كان واستأنف الطلب ورتب الأمور واشاع الخروج بنفسه ونصب العرضي خارج بالموكب كما تقدم وجلس بالصيوان وقرر للسفر في المقدمة بونابارتة الخازندار واعطاه صناديق الأموال والكساوى وارفق معه عابدين بك ومن يصحبهما وواظب على الخروج إلى العرضي والرجوع تارة إلى القلعة وتارة إلى الازبكية والجيزة وقصر شبرا ويعمل الرماحة والميدان في يومي الخميس والإثنين والمصاف على طرائف حرب الافرنج وسافر بونابارتة في أواخر شعبان واستمر العرضي منصوبا والطلب كذلك مطلوبا والعساكر واردة من بلادها على طريق الاسكندرية ودمياط ويخرج الكثير إلى العرضى ويستمرون على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 الدخول إلى المدينة في الصباح لقضاء اشغالهم والرجوع اخريات النهار مع تعدي اذاهم للباعة والخمارة وغيرهم ولما غدر الباشا باحمد أغا لاظ وقتله في أواخر رمضان ولم يبق أحد ممن يخشى سطوته وسافر عابدين بك في شوال وارتحل بعده بنحو شهر مصطفى بك داني باشا وصحبته عدة وافرة من العسكر ثم سافر أيضا يحيى أغا ومعه نحو الخمسمائة وهكذا كل قليل ترحل طائفة بعد أخرى والعرضي كما هو وميدان الرماحة كذلك ولما وصل بونابارته إلى ينبع البر أخذوا في تأليف العربان واستمالتهم وذهب إليهم ابن شديد الحويطي ومن معه وتقابلوا مع شيخ حرب ولم يزالوا به حتى وافقهم وحضروا به إلى بونابارتة فأكرمه وخلع عليه الخلع وكذلك على من حضر من أكابر العربان فألبسهم الكساوى والفراوى السمور والشالات الكشميري ففرق عليهم من الكشمير ملء أربع سحاحير وصب عليهم الأموال واعطى لشيخ حرب مائة ألف فرانسة عين وحضر باقي المكشايخ فخلع عليهم وفرق فيهم فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشر ألف فرانسة ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر لكل شخص خمسة فرانسة وغرارة بقسماط وغرارة عدس فعند ذلك ملكوهم الأرض والذي كان متأمرا بالمدينة من جنسهم فاستمالوه أيضا وسلم لهم المدينة وكل ذلك بمخامرة الشريف غالب أمير مكة وتدبيره واشارته فلما تم ذلك اظهر الشريف غالب ارمره وملكهم مكة والمدينة وكان ابن مسعود الوهابي حضر في الموسم وحج ثم ارتحل إلى الطائف وبعد رحيله فعل الشريف غالب فعله وسيلقى جزاءه ولما وصلت البشائر بذلك في يوم الثلاثاء سابعه ضربوا مدافع كثيرة ونودى في صبح ذلك بزينة المدينة ومصر وبولاق فزينوا خمسة أيام أولها الأربعاء وآخرها الأحد وقاسى الناس في ليالي هذه الأيام العذاب الاليم من شدة البرد والصقيع وسهر الليل الطويل وكان ذلك في قوة فصل الشتاء وكل صاحب حانوت جالس فيها وبين يديه مجمرة نار يتدفأ ويصطلي بحرارتها وهو ملتف بالعباءة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 والاكيسة الصوف أو اللحاف وخرج الباشا من ليلة الأربعاء المذكور ونصبت الخيام وخرجت الجمال المحملة باللوازم من الفرش والأواني وازيار الماء والبارود لعمل الشنانك والحرائق وفي كل يوم يعمل مرماح وشنك عظيم مهول بالمدافع وبنادق الرصاص المتواصلة من غير فاصل مثل الرعود والطبول من طلوع الشمس إلى قريب الظهر وفي أول يوم من أيام الرمي اصيب إبراهيم بك ابن الباشا برصاصة في كتفه اصابت شخصا من السواس ونفذت منه إليه وهي باردة فتعلل بسببها وخرج بعد يومين في عربة إلى العرضى ثم رجع ولما كان يوم الأحد وقت الزوال ركب الباشا وطلع إلى القلعة وقلعوا خيام الشنك وحملوا الجمال ودخلت طوائف العسكر واذن للناس بقلع الزينة ونزول التعاليق وكان الناس قد عمروا القناديل واشاعوا أنها سبعة أيام فلما حصل الاذن بالرفع فكإنما نشطوا من عقال وخلصوا من السجون لما قاسوه من البرد والسهر وتعطيل الاشغال وكساد الصنائع والتكليف بما لا طاقة لهم به وفيهم من لا يملك قوت عياله أو تعمير سراجه فيكلف مع ذلك هذه التكاليف وكتب الباشا بالبشائر إلى دار السلطنة وارسلها صحبة امين جاويش وكذلك إلى جميع النواحي وانعم بالمناصب على خواصه. وفي هذا الشهر وردت أخبار بوقوع امطار وثلوج كثيرة بناحية بحري وبالاسكندرية ورشيد بحدود الغربية والمنوفية والبحيرة وشدة برد ومات من ذلك اناس وبهائم والزروع البدرية وطف على وجه الماء اسماك موتى كثيرة فكان موج البحر يلقيه على الشطوط وغرق كثير من السفن من الرياح العواصف التي هبت في أول الشهر. وفي سابعه يوم وصول البشارة أحضر الباشا حسين أفندي الروزنامجي وخلع عليه خلعة الإبقاء على منصبه في الروزنامة وقرر عليه الفين وخمسمائة كيس وذلك أنهم رافعوه في الحساب على الطريقة المذكورة أرسل إليه الباشا بطلب خمسمائة كيس من أصل الحساب فضاق خناقه ولم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 يجد له شافعا ولا ذا مرحمة فأرسل ولده إلى محمود بك الدويدار يستجير فيه ليكون واسطة بينه وبين الباشا وهو رجل ظاهره خلاف باطنه فذهب معه إلى الباشا فبش في وجهه ورحب به واجلسه محمود بك في ناحية من المجلس وتناجى هو مع الباشا ورجع إليه يقول له: إنه يقول: إن الحساب لم يتم إلى هذا الحين وأنه ظهر على ابيك تاريخ امس خمسة ألاف كيس وزيادة وأنا تكلمت معه وتشفعت عنده في ترك باقي الحساب والمسامحة في نصف المبلغ المذكور والكسور فيكون الباقي الفين وخمسمائة كيس تقومون بدفعها فقال: ومن اين لنا هذا القدر العظيم وقد عزلنا من المنصب أيضا حتى كنا نتداين ولا يأمننا الناس إذا كان القدر دون هذا أيضا فرجع إلى الباشا وعاد إليه يقول له: لم يمكني تضعيف القدر سوى ما سامح فيه وأما المنصب فهو عليكم وفي غد يطلع والدك ويتجدد عليه الابقاء وينكمد الخصم وعلى الله السداد ونهض وقبل يده وتوجه فنزل إلى دارهم وأخبر والده بما حصل فزاد كربه ولم يسعه إلا التسليم وركب في صبحها وطلع إلى الباشا فخلع عليه ونزل إلى داره بقهره وشرع في بيع تعلقاته وما يتحصل لديه. وفي يوم الإثنين ثالث عشره خلع الباشا على مصطفى أفندي ونزل إلى داره واتاه الناس يهنؤنه بالمنصب. وفي يوم الأربعاء ثالث وعشرينه وردت بشائر بتملكهم الطائف وهروب المضايفي منها فعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها ثلاثة أيام في كل وقت اذان وشرع الباشا في تشهيل ولده إسماعيل باشا بالبشارة ليسافر إلى إسلامبول وتاريخ تملكها في سادس عشرين المحرم. وفي هذه الأيام ابتدعوا تحرير الموازين وعملوا لذلك ديوانا بالقلعة وأمروا بابطال موازين الباعة واحضار ما عندهم من الصنج فيزنون الصنجة فان كانت زائدة أو ناقصة أخذوها وابقوها عندهم وأن كانت محررة الوزن ختموها بختم وأخذوا على كل ختم صنجة ثلاثة انصاف فضة وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 النصف اوقية والاوقية إلى الرطل الذي يكون وزنه غير محور يعطونه رطلا من حديد ويدفع ثمنه مائة نصف فضة والنصف رطل خمسون وهكذا وهو باب ينجمع منه أكياس كثيرة. وفيه أيضا طلب الباشا من عرب الفوائد غرامة سبعين ألف فرانسة فعصوا ورمحوا بإقليم الجيزة وأخذوا المواشى وشلحوا من صادفوه ورمح كاشف الجيزة عليهم فصادف منهم اباعر محملة امتعة لهم وصحبتهم نساء وأولاد فأخذهم ورجع بهم. وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا إلى ناحية قبلي ووصلت الأخبار بوقوع الطاعون بالإسكندرية فاشتد خوف الباشا والعسكر مع قساوتهم وعسفهم وعدم مرحمتهم. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1228 فيه قلدوا شخصا يسمى حسين البرلي وهو الكتخدا عند الكتخدا بك وجعلوه في منصب بيت المال وعزلوا رجب أغا وكان إنسانا سهلا لا بأس به فلما تولى هذا أرسل لجميع مشايخ الخطط والحارات وقيد عليهم بانهم يخبرونه بكل من مات من ذكر أو انثى ولو كان ذا أولاد وورثة أو غير ذلك وكذلك على حوانيت الاموات وأرسل فرامانات إلى بلاد الارياف والبنادر بمعنى ذلك. وفي يوم الأحد رابعه طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي وطلب منه ما قرره عليه وكان قد باع حصصه واملاكه ودار مسكنه فلم يوف إلا خمسمائة كيس فقال له: مالك لم توف القدر المطلوب وما هذا التأخير وأنا محتاج إلى المال فقال: لم يبق عندي شيء وقد بعت التزامي واملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتى اوفيت خمسمائة كيس وها أنا بين يديك فقال له: هذا كلام لا يروج علي ولا ينفعك بل اخرج المال المدفون فقال: لم يكن عندي مال مدفون وأما الذي أخبرك عنه فيذهب فيخرجه من محله فحنق منه وسيه! وقبض على لحيته ولطمه على وجهه وجرد السيف ليضربه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 فترجى فيه الكتخدا والحاضرون فامر به فبطحوه وأمر القواسة الاتراك بضربه فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي وشج جبهته حتى اتو عليه ثم اقاموه والبسوه فروته وحملوه وهو مغشي عليه واركبوه حمارا وأحاط به خدمه واتباعه حتى أوصلوه إلى منزله وأرسل معه جماعة من العسكر يلازمونه ولا يدعونه يدخل إلى حريمه ولا يصل إليهم منه أحد وركب في أثره محمود بك الدويدار بأمر الباشا وعبر داره ودار أخيه عثمان أفندي المذكور وأخذه صحبته إلى القلعة وسجنوه وأما ولده واخواه فانهم تغيبوا من وقت الطلب واختفوا ونزل في اليوم الثاني إبراهيم أغا آغات الباب يطالبه بغلاق ثمانمائة كيس وقتئذ فقال له: وكيف احصل شيئا وأنا رجل ضعيف واخي عثمان عندكم في الترسيم وهو الذي يعينني ويقضى اشغالي وأخذتم دفاتري المختصة بأحوالي مع ما أخذتموه من الدفاتر فأقام عنده إبراهيم أغا برهة ثم ركب إلى الباشا وكلمه في ذلك فأطلقوا له اخاه ليسعى في التحصيل. وفي حادي عشره عدى الباشا إلى بر الجيزة بقصد السفر إلى بلاد الفيوم وأخذ صحبته كتبة مباشرين مسلمين ونصارى واشاع أن سفره إلى الصعيد ليكشف على الأراضي وروكها وارتحل في ليلة الثلاثاء ثالث عشره بعد أن وجه ابنه إسمعيل إلى الديار الرومية في تلك الليلة بالبشارة. وفي خامس عشرينه حضر لطيف أغا راجعا من إسلامبول وكان قد توجه ببشارة فتح الحرمين وأخبروا أنه لما وصل إلى قرب دار السلطنة خرج لملاقاته الأعيان وعند دخوله إلى البلدة عملوا له موكبا عظيما مشى فيه أعيان الدولة وأكابرها وصحبته عدة مفاتيح زعموا أنها مفاتيح مكة وجدة والمدينة وضعها على صفائح من الذهب والفضة وإمامها البخورات في مجامر الذهب والفضة والعطر والطيب وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك شنكا ومدافع وانعم عليه السلطان واعطاه خلعا وهدايا وكذلك أكابر الدولة وانعم عليه الخنكار بطوخين وصار يقال له: لطيف باشا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وفيه وردت الأخبار بقدوم قهوجي باشا ومعه خلع واطواخ للباشا وعدة اطواخ بولايات لمن يختار تقليده فاحتفل الباشا به عندما وصلته اخباره وأرسل إلى أمراء الثغور بالاسكندرية ودمياط بالاعتناء بملاقاته عند وروده على ثغر منها. وفيه حضر خليل بك حاكم الاسكندرية إلى مصر فرارا من الطاعون لأنه قد فشا بها ومات أكثر عسكره واتباعه. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأحد سنة 1228 وفي ثامنه حضر الباشا على حين غفلة من الفيوم إلى الجيزة وأخبروا أنه لما وصل إلى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو ومعه بعض خواصه على الهجن والبغال فوصل إلى الفيوم في أربع ساعات وانقطع أكثر المرافقين له ومات منهم سبعة عشر هجينا. وفي يوم الثلاثاء عاشره علموا مولدا المشهد الحسيني المعتاد وتقيد لتنظيمه السيد المحروقي الذي تولى النظارة عليه وجلس ببيت السادات المجاور للمشهد بعد أن اخلوه له وفي ذلك اليوم أمر الباشا بعمل كورنتينة بالجيزة ونوه بأقامته بها وزاد به الخوف والوهم من الطاعون لحصول القليل منه بمصر وهلك الحكيم الفرنساوي وبعض النصارى اروام وهم يعتقدون صحة الكونتينة وأنها تمنع الطاعون وقاضي الشريعة الذي هو قاضي العسكر يحقق قولهم ويمشي على مذهبهم ولرغبة الباشا في الحياة الدنيا وكذلك أهل دائرته وخوفهم من الموت يصدقون قولهم حتى أنه اتفق أنه مات بالمحكمة عند القاضي شخص من اتباعه فأمر بحرق ثيابه وغسل المحل الذي مات فيه وتخيره بالبخورات وكذلك غشل الأواني التي كان يمسها وبخورها وأمروا أصحاب الشرطة أنهم يامرون الناس وأصحاب الأسواق بالكنس والرش والتنظيف في كل وقت ونشر الثياب وإذا ورد عليهم مكاتبات خرقوها بالسكاكين ودخنوها بالبخور قبل ورودها ولما عزم الباشا على كورنتينة الجيزة أرسل في ذلك اليوم بأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 ينادوا بها على سكانها بان من كان يملك قوته وقوت عياله ستين يوما واحب الإقامة فليمكث بالبلدة وإلا فليخرج منها ويذهب ويسكن حيث أراد في غيرها ولهم مهلة أربع ساعات فانزعج سكان الجيزة وخرج من خرج وأقام من أقام وكان ذلك وقت الحصاد ولهم مزارع وأسباب مع مجاوريهم من أهل القرى ولا يخفى احتياجات الشخص لنفسه وعياله وبهائمه فمنعوا جميع ذلك حتى سدوا خروق السور والأبواب ومنعوا المعادي مطلقا وأقام الباشا ببيت الازبكية لا يجتمع بأحد من الناس إلى يوم الجمعة فعدى في ذلك اليوم وقت الفجر وطلع إلى قصر الجيزة واوقف مركبين الأولى ببر الجيزة والأخرى في مقابلتها ببر مصر القديمة فإذا أرسل الكتخدا أو المعلم غالي إليه مراسلة ناولها المرسل للمقيد بذلك في طرف مزراق بعد تبخير الورقة بالشيخ واللبان والكبريت ويتناولها منه الآخر بمزراق آخر على بعد منهما وعاد راجعا فإذا قرب من البر تناولها المنتظر له أيضا بمزراق وغمسها في الخل وبخرها بالبخور المذكور ثم يوصلها لحضرة المشار إليه بكيفية أخرى فأقام أياما وسافر إلى الفيوم ورجع كما ذكر وأرسل مماليكه ومن يعز عليه ويخاف عليه من الموت إلى اسيوط. وفي يوم السبت سابعه نودى بالأسواق بان السيد محمد المحروقي في شاه بندر التجار بمصر وله الحكم على جميع التجار وأهل الحرف والمتسببين في قضاياهم وقوانينهم وله الأمر والنهي فيهم. وفيه وصل إلى مصر عدة كبيرة من العساكر الرومية على طريق دمياط ونصبوا ونصبوا لهم وطاقا خارج باب النصر وحضر فيهم نحو الخمسمائة نفر أرباب بنائين ونجارين وخراطين فانزلوهم بوكالة بخط الخليفة. وفي يوم الأحد ثامنه تقلد الحسبة الخواجا محمود حسن ولبس الخلعة وركب وشق المدينة وإمامه الميزان فرسم برد الموازين إلى الارطال الزياتي التي عبره الرطل منها أربع عشرة وقية في جميع الادهان والخضروات على العادة القديمة ونقص من اسعار اللحم وغيره ففرح الناس بذلك ولكن لم يستمر ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 وفي يوم الأربعاء حادي عشره بين الظهر والعصر كانت السماء مصحبة والشمس مضيئة صافية فما هو إلا والسماء والجو طلع به غيم وقتام ورياح نكباء غربية جنوبية واظلم ضوء الشمس وارعدت رعدتين الثانية اعظم من الأولى وبرق ظهر ضوؤه وامطرت مطرا متوسطا ثم سكن الريح وانجلت السماء وقت العصر وكان ذلك سابع بشنس القبطي وآخر يوم من نيسان الرومي فسبحان الملك الفعال مغير الشؤن والأحوال وحصل في تاليه يوم الجمعة مثل ذلك الوقت أيضا غيوم ورعود كثيرة ومطر ازيد من اليوم الاول. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1228 في ثاني عشره وصل في النيل على طريق دمياط أغا من طرف الدولة يقال له: قهوجي باشا السلطان فاعتنى الباشا بشأنه وحضر إلى قصره بشبرا وأمر بإحضار عدة من المدافع والآت الشنك وعملوا إمام القصر بساحل النيل تعاليق وقناديل وقدات ونبه على الطوائف بالاجتماع بملابسهم وزينتهم ووصل الآغا المذكور يوم الأحد فخرج الاغوات والسفاشية والصقلية وهم لابسون القوايق وجميع العسكر الخيالة ليلا فما طلعت الشمس حتى اجتمعوا بأسرهم جهة شبرا وانتظموا في موكب ودخلوا من باب النصر ويقدمهم طوائف الدلاة وأكابرهم ويتلوهم أرباب المناصب مثل الآغا والوالي والمحتسب وبواقي وجاقات المصرية ثم موكب كتخدا بك وبعده موكب الآغا الواصل وفي أثره ما وصل معه من الخلع وهي أربع بقج وخنجران مجوهران وسيف وثلاثة شلنجات عليها ريش مجوهرة وخلف ذلك العساكر الخيالة والتفكجية وخلفهم النوبة التركية فكان مدة مرورهم نحو ساعتين وربع وليس فيهم رجالة مشاة سوى الخدم وقليل من عسكر مشاة وأما بقية العسكر فهم متفرقون بالأسواق والازقة كالجراد المنتشر خلاف من يرد منهم في كل وقت من الاجناس المختلفة برا وبحرا فمن الخلع الواردة ما هو مختص بالباشا وهو فروة وخنجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وريشة بشلنج واطواخ ولابنه إبراهيم بك مثل ذلك واسكنوا ذلك الآغا ورفيقه واتباعهما بمنزل إبراهيم بك ابن الباشا بالازبكية بقنطرة الدكة وأرسل بأحضار ولده من ناحية قبلي فحضر على الهجن ولبس الخلعة بولايته على الصعيد فنزل بالجيزة وعدى إلى بر مصر عند أبيه بقصر شبرا ولبس الخلعة وأقام عند أبيه ثلاث ليال ثم عدى إلى بر الجيزة وعندما وصل إلى البر أمر بتغريق السفينة بما فيها من الفرش ثم اخرجوها كذلك أمر من معه من الرجال بالغطوس في الماء وغسل ثيابهم كل ذلك خوفا من رائحة الطاعون وتطيرا وهروبا من الموت. وفي خامس عشرينه سافر إبراهيم بك راجعا إلى الصعيد. وفي حضر عرضى الباشا الذي كان سافر في ربيع الأول إلى الجهة القبلية ومعه الكتبة أيضا المسلمون لتحرير حساب الاقباط ومساحة الأراضي. وفي أواخره نودى على أهل الجيزة باستمرار الكورتنينة شهري رجب وشعبان وأن يعطوا لهم فسحة للمتسببين والباعة ثلاثة أيام وكذلك لمن يخرج أو إذا دخل لا يخرج إذا كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله في مدة الشهرين والثلاثة أيام المفسح لهم فيها ليقضوا اشغالهم واحتياجاتهم فخرج أهل البلدة بأسرهم ولم يبق منهم إلا القليل النادر القادر وأيضا تفرقوا في البلاد وبقي الكثير منهم حول البلدة وفي الغيطان حول بيادرهم واجرانهم وعملوا لهم اعشاشا تظلهم من حر الشمس ووهج الهجير وينادى المقيم بالبلدة بحاجته من اعلى السور لرفيقه أو صاحبه الذي هو خارج البلدة فيجيبه ويرد جوابه من مكان بعيد ولا يمكنونهم من تنأول الأشياء وأما العسكر فإنهم يدخلون ويخرجون ويقضون حوائجهم ويشترون الخضروات والبطيخ وغيره ويبيعونه على المقيمين بالبلدة بأغلى الأثمان وإذا أراد أحد من أهل البلدة الخروج منعوه من أخذ شىء من متاعه أو بهيمته أو شاته أو حماره ولا يخرج إلا مجرد بطوله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وفي أواخره وصل من الديار الرومية وأصل وعلى يده مرسوم فقرىء بالمحكمة في يوم الأحد ثامن عشرينه بحضرة كتخدا بك والقاضى والمشايخ وأكابر الدولة والجم الغفير من الناس ومضمونه الأمر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان فيقولوا السلطان ابن السلطان بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان بن السلطان أحمد خان المغازي خادم الحرمين الشريفين لأنه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج واخرجتهم منها لأن المفتي افناهم بأنهم كفار لتفكيرهم المسليمن ويجعلونهم مشركين ولخروجهم على السلطان وقتلهم الأنفس وأن من قاتلهم يكون مغازيا ومجاهدا وشهيدا إذا قتل ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكا واستمر ضربهم المدافع عند كل اذان عشرة أيام وذلك ونحوه من الخور. واستهل شهر رجب سنة 1228 وفي منتصفه حضر بونابارتة الخازندار من الديار الحجازية على طريف! القصير. وفي أواخره سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما اعطى خدمته مبلغ من الأكياس وأصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة وأكابرها وقدره من الذهب العين أربعين ألف دينار ومن النصفيات يعنى نصف الدينار ستون الفا ومن فروق البن خمسمائة فرق ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار ومائتان قدر صيني الذي يقال له: اسكى معدن مملوء بالمربيات وأنواع الشرابات الممسك المطيب المختلفة الأنواع ومن الخيول خمسون جوادا مرخته بالجواهر والنمدكش واللؤلؤ والمرجان وخمسون حصانا من غير رخوت واقمشة هندية كمشيرية ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور وعود وعنبر وأشياء أخرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وفيه أيضا حضر أغا يقال له: جانم أفندي وصحبته مرسوم قرىء بالديوان في يوم الإثنين مضمونه البشارة بمولود ولد للسلطان وسموه عثمان واجتمع لسماع المشايخ والأعيان وضربوا بعد قراءته شنكا ومدافع واستمر ذلك سبعة أيام في كل وقت من الأوقات الخمسة. وفي يوم الثلاثاء عشرينه الموافق الثالث عشر مسرى القبطي وافى النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك في الأسواق على العادة وكثر اجتماع غوغاء الناس للخروج إلى الروضة وناحية السد والولائم في البيوت المطلة على الخليج وما يحصل من اجتماع الاخلاط إمام جري الماء كما هو المعتاد في كل سنة وأنه إذا تودى بالوفاء حصل ذلك الاجتماع في تلك الليلة وكسروا السد في صبحها عادة لا تتخلف فيما نعلم فلما كان آخر النهار ورد الخبر بان الباشا أمر بتأخير فتح الخليج إلى يوم الخميس ثانيه فكان كذلك وخرج الباشا في صبح يوم الخميس وكسر السد وجرى الماء في الخليج وتكلف أرباب الدور المطلة على الخليج كلفة ثانية لضيفانهم. واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1228 وفي خامسة يوم الثلاثاء حضر ابن الباشا المسمى بإسمعيل من الديار الرومية ووصل إلى ساحل النيل وبشبرا وضربوا لوصوله مدافع من القلعة وبولاق وشبرا والجيزة وتقدم أنه توجه ببشارة الحرمين واكرمته الدولة واعطوه أطواخا. وفي عاشره حضر قاصد من الديار الرومية ووصل إلى ساحل النيل وصحبته بشارة بمولودة ولدت لحضرة السلطان فعملوا الديوان بالقلعة واجتمع به المشايخ والأعيان وأكابر الدولة وقرئ الفرمان الواصل في شأن ذلك وفي مضمونه الأمر للكافة بالفرح والسرور وعمل الشنك وبعد الفراغ من ذلك ضربت المدافع من ابراج القلعة واستمر ضربها في كل وقت آذان خمسة أيام وهذا لم يعهد في الدولة الماضية إلا للاولاد الذكور وأما الاناث فليس لهن ذكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه عمل الباشا جمعية ببيت الازبكية وحضر الأعيان والمشايخ والقضاة الثلاثة وهم بهجت أفندي المنفصل عن قضاء مصر وصديق أفندي المتوجه إلى قضاء مكة المنفصل عن قضاء مصر العام الذي قبله والقاضي المتوجه إلى المدينة فعقدوا عقد ابنه إسمعيل باشا على ابنة عارف بك التي حضرت بصحبته من الديار الرومية وعقدوا عقد اخته ابنة الباشا على محمد أفندي الذي تقلد الدفتردارية ولما تم ذلك قدموا لهم تعابي بقج في كل واحدة أربع قطع من الاقمشة الهندية وهي شال كشميري وطاقة مسجر وطاقة قطني هندي وطاقة شاهي وفرقوا على الدون من الناس الحاضرين محارم ثم أن الباشا شرع في الاهتمام إلى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك أربعون صندوقا من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكي وبالخشب من خارج وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي ليشربه وشرب خاصته ومثلها في كل شهر يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر. واستهل شره شوال بيوم الأحد سنة 1228 في سابعه يوم السبت اداروا كسوة الكعبة وكانت مصنوعةمن نحو خمس سنوات ومودوعه في مكان بالمشهد الحسيني فأخرجوها في مستهل الشهر وقد توسخت لطول المدة فحلوها ومسحوها وكانت عليها اسم السلطان مصطفى فغيروه وكتبوا اسم السلطان محمود فاجتمع الناس للفرجة عليها وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي فركب في موكبها. وفي ليلة السبت رابع عشره خرج محمد علي باشا مسافرا إلى الحجاز وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور إلى بركة الحاج وخرج الأعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار فأخذوا خأطره ورجعوا آخر النهار وركب هو متوجها إلى السويس بعد مضي ثمان ساعات وربع من النهار وبرزت الخيالة والسفاشية إلى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 عثمان المضايفي بناحية الطائف وكان قد جرد على الطائف فبرز إليه الشريف غالب وصحبته عساكر الاتراك والعربان فحاربوه وحاربهم فأصيب جواده فنزل على الأرض واختلط بالعسكر فلم يعرفوه فخرج من بينهم ومشى وتباعد عنهم نحو أربع ساعات فصادفه جماعة من جند الشريف فقبضوا عليه واصابته جراحة وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين اخريات النهار ولما أحضروه إلى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير والمضايفي هذا زوج اخت الشريف وخرج عنه وانضم إلى الوهابيين فكان اعظم اعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الاقطار وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها وقتل الرجال وسبى النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة وهزمهم وشتت شملهم ولما قبضوا عليه أحضروه إلى جدة واستمر في الترسيم عند الشريف ليأخذ بذلك وجاهة عند الاتراك الذي هو على ملتهم ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته اياهم وسيلقى قريبا منهم جزاء فعله ووبال أمره كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل. واستهل شهر ذي القدة بيوم الثلاثاء سنة 1228 وفي أوائله وردت أخبار من الجهة الرومية بأن عساكر العثمانيين استولوا على بلاد بلغارد من أيدي طائفة الصرب وكانوا استولوا عليها نيفا وأربعين سنة والله اعلم بصحة ذلك. وفيه عزل محمود حسن من الحسبة وتقلدها عثمان أغا المعروف بالورداني. وفي خامس عشره وصل عثمان المضايفي صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل واشيع ذلك فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 القلعة اعلاما وسرورا بوصوله اسيرا وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته واحضاره فلما واجهه صالح بك نزع من عنقه الحديد واركبه هجينا ودخل به إلى المدينة وإمامه الجاويشية والقواسة الاتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به إلى القلعة وادخله إلى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخرا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة فلما دخل عليهم اجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وافصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه أثار الإمارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض: يا اسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه ولم يزل يتحدث معهم حصة ثم أحضروا الطعام فواكلهم ثم أخذه كتخدابك إلى منزله فأقام عننده مكرما ثلاثا حتى تمم نجيب أفندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وانزلوه في سفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الإثنين حادي عشرينه. وفي أواخره وصلت أخبار بأن مسعود الوهابي أرسل قصادا من طرفه إلى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم وأخذهم إلى أبيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤا فيه فقالوا: الأمير مسعود الوهابي يطلب الافراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة وكذلك يريد اجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم: فإنه سافر إلى الدولة وأما الصلح فلا نأباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من أول ابتداء الحرب إلى وقت تاريخه وأن ياتي بكل ما أخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وأن يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي واتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وإن أبي ذلك ولم يأتى فنحن ذاهبون إليه فقالوا: له: اكتب له جوابا فقال: لا اكتب جوابا لأنه لم يرسل معكم جوابا ولا كتابا وكما ارسلكم بمجرد الكلام فعودوا إليه كذلك فلما أصبح الصباح وقت انصرافهم أمر باجتماع العساكر فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحروب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه ويخبروا عنه مرسلهم. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الأربعاء سنة 1228 وفي ليلة الأحد تاسع عشره وقعت كائنة لطيف باشا وذلك أن المذكور مملوك الباشا اهداه له عارف بك وهو عارف أفندي بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر نحو خمس سنوات واختص به الباشا واحبه ورقاه في الخدم والمناصب إلى أن جعله انختار اغاسي اي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة في باب الباشا وشهرة فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة واتوا بمفاتيح زعموا أنها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة وأرسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمرا بالمدينة ولما وصل إلى دار السلطنة ووصلت اخباره احتفل أهل الدولة بشأنه احتفالا زائدا ونزلوا لملاقاته في المراكب في مسافة بعيدة ودخلوا إلى إسلامبول في موكب جليل وابهة عظيمة إلى الغاية وسعت أعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانا وكان يوم دخوله يوما مشهودا وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه اعلى باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وافراحا وولائم وانعم السلطان على لطيف المذكور واعطاه اطواخا وأرسل إليه أعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع إلى مصر في ابهة زائدة وداخله الغرور وتعاظم في نفسه ولم يحتفل الباشا بأمره وكذلك أهل دولته لكونه من جنس المماليك وأيضا قد تأسست عدواتهم في نفوسهم وكراهتهم له اشد من كراهتهم لابنائنا وخصوصا كتخدا بك فإنه اشد الناس عداوة وبغضا في جنس المماليك وطفق يلقي لمخدومه ما يغير خاطره عليه ومنها أنه يضم إليه اجناسه من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 المماليك البطالين ليكونوا عزونه ويغترونه به حيث أن الباشا فوض إليه الأمر أن ظهر منه شىء في غيابه وسافر الباشا في أثر ذلك واستمر لطيف باشا مع الجماعة في صلف وهم يحدقون عليه ويرصدون حركاته ويتوقعون ما يوجب الايقاع به وهو في غفلة وتيه لا يظن بهم سوا فطلب من الكتخدا الزيادة في رواتبه وعلائفه لسعة دائرته وكثرة حواشيه ومصاريفه فقال له: الكتخدا أنا لست صاحب الأمر وقد كان هنا ولم يزدك شيئا فراسله وكاتبه فإن أمر بشىء فأنا لا اخألف مأمورياته وتزايد هو والحاضرون في الكلام والمفاقمة ففارقهم على غير حالة ونزل إلى داره وأرسل في العشية إلى مماليك الباشا ليحضروا إليه في الصباح ليعمل معهم ميدان رماحه على العادة واسر إليهم أن يصبحوا ما خف من متاعهم واسلحتهم فما أصبحوا استعدوا كما اشار إليهم وشدوا خيولهم ووصل خبرهم إلى الكتخدا فطلب كبيرهم وسأله فأخبره أن لطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة فقال: إن هذا اليوم ليس هو موعد الرماحة ومنعهم من الركوب وفي الحال أحضر حسن باشا وطاهر باشا وأحمد أغا المسمى بونابارته الخازندار وصالح بك السلحدار وإبراهيم أغا آغات الباب ومحو بك وخلافهم ودبوس اوغلي وإسمعيل باشا بن الباشا ومحمود بك الدويدار وتوافق الجميع على الايقاع به وأصبحوا يوم السبت مجتمعين وقد بلغه الخبر وأخذوا عليه الطرق وأرسلوا يطلبونه للحضور في مجلسهم فامتنع وقال: ما المراد من حضوري فنزل إليه دبوس اوغلي وخدعه فلم يقبل فركب وعاد إليه ثانيا يأمره بالخروج من مصر أن لم يحضر مجلسهم فقال: أما الحضور فلا يكون وأما الخروج فلا اخألف فيه بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا أو طاهر باشا فإني لا آمن أن يتبعوني ويقتلوني خصوصا وقد اوقفوا بجميع الطرق ففارقه دبوس اوغلي فتحير في أمره وأمر بشد الخيول وأراد الركوب فلم يتسع له ذلك ولم يزل في نقض وابرام إلى الليل فشركوا الجهات وأبواب المدينة أيضا بالعساكر وكثر جمعهم بالقلعة وأبوابها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 وفي تاسع ساعة من الليل نزل حسن باشا ومحو بك في نحو الالفين من العسكر واحتاطوا بداره بسويقة العزى وقد اغلق داره فصاروا يضربون بالبنادق والقرابين إلى آخر الليل فلما اعياهم ذلك هجموا على دور الناس التي حوله وتسلقوا عليه من الاسطحة ونزلوا إلى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره واتباعه واختفى هو في مخباة اسف الدار مع ستة أشخاص من الجواري ومملوك واحد وعلم بمكانهم آغات الحريم فداروا بالدار يفتشون عليه فلم يجدوه فنهبوا جميع ما في الدار ولم يتركوا بها شيئا وسبوا الحريم والجواري والمماليك والعبيد وكذلك ما حوله وما جاوره من دور الناس ودور حواشيه وهم نيف وعشرون دارا حتى حوانيت الباعة وغيرهم التي بالخطة ودار علي الكتخدا صالح الفلاح هذا ما جرى بتلك الناحية وباقي نواحي المدينة لا يدورون بشىء من ذلك إلا أنهم لما طلع نهار يوم الأحد وخرج الناس إلى الأسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وأبواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شىء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التي من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظنا واستمر لطيف باشا بالمخباة إلى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه فلما اظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخباة بمفرده ونط من الاسطحة حتى خلص إلى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الأجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الإثنين والكتخدا وأهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيرا من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره اوقف أشخاصا من عسكره على الاسطحة ليلا ونهارا لرصده وكان المذكور له اعتقاد في شخص يسمى حسن أفندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر اي المقلي ومن شأن حسن أفندي هذا أنه رجل درويش يدخل إلى بيوت الأعيان والأكابر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 الناس الاتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على أهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن اعطاه شيئا أخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئا وبعضهم يقول له: انظر ضميري أو فإلي فيعد على سبحته ازواجا وافرادا ثم يقول: ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن أفندي هذا إلى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا: إنه سيلي سيادة مصر واحكامها ويقول له: هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وأنه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره وترب له ترتيبا وأشاعوا أنه أراد أن يضم إليه اجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد أثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وأمثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وأن اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له: جاء وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحته فأرسل كتخدا بك إلى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الإثنين فسأله عنه فقال: لا ادري فقال: انظر في حسابك هل نجده أم لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال: إنكم تجدونه وتقتلونه ثم أن الكتخدا اشار إلى اعوانه فأخذوه ونزلوا به واركبوه على حماره وذهبوا به إلى بولاق فانزلوه في مركب وانحدروا به إلى شلقان وشلحوه من ثيابه واغرقوه في البحر. وفي ذلك اليوم عرفهم آغات حريم لطيف باشا بعد أن هددوه وقرروه عن محل أستاذه وأخبرهم أنه في المخباة واراهم المكان ففتحوه فوجدوا به الجواري الستة والمملوك ولم يجدوه معهم فسألوهم عنه فقالوا: إنه كان معنا وخرج في ليلة امس ولم نعلم اين ذهب فأخرجوهم وأخذوا ما وجدوه في المخباة من متاع وسروج ومصاغ ونفوذ وغير ذلك فلما كان بعد الغروب من ليلة الثلاثاء اشتد بلطيف باشا الخوف والقلق فأراد أن ينتقل من بيت الخازندار إلى مكان آخر فطلع إلى السطح وصعد على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيوكباشي ليخلص إلى حوش مجاور لتلك الدار فنظرهما شخص من العسكر المرصد باعلى سطح دار محمود بك الدويدار فصاح على القريبين منه لينتبهوا له فعندما صاح ضربه لطيف باشا رصاصة فأصابه وتسارعوا إليه من كل ناحية وقضوا عليه وعلى رفيقه وأتوا بهما إلى محمود بك فبات عنده ورمحت المبشرون إلى بيوت الأعيان يبشرونهم بالقبض عليه ويأخذون على ذلك البقاشيش فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك إلى القلعة وقد اجتمع أكابرهم بديوان الكتخدا واتفقوا على قتله ووافقهم على ذلك إسمعيل ابن الباشا بما نقموه عليه لأنه في الأصل مملوك صهره عارف بك فعندما وصل إلى الدرج قبض عليه الاعوان وهو بجانب محمود بك فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركي: عرظندايم يعني أنا في عرضك وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكينا وقطع القيطان وجذبوه إلى اسفل سلم الركوبة وأخذوا عمامته وضربه المشاعلي بالسيف صربات ووقع إلى الأرض ولم ينقطع عنقه فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه وفعلوا برفيقه كذلك وعلقوا رؤسهما تجاه باب زويلة طول النهار. وفي ثاني يوم وهو يوم الأربعاء ثاني عشرينه أحضروا أيضا يوسف كاشف دياب وقتلوه أيضا عند باب زويلة وانقضى امرهم والله اعلم بحقيقة الحال وفتح أهل الأسواق حوانيتهم بعدما تخيل الناس بانها ستكون فتنة عظيمة وأن العسكر ينهبون المدينة وخصوصا الكائنون بالعرضي خارج باب النصر فإنهم جياع وبردانون وغالبهم مفلس لأن معظمهم من الجدد الواردين الذين لم يحصل لهم كسب من نهب أو حادث واقع ادركوه ولولا أنهم اوقفوا عساكر عند الأبواب منعتهم من العبور لحصل منهم غاية الضرر. وانقضت السنة وحوادثها التي ربما استمرت إلى ما شاء الله بدوامها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وانقضائها فمنها أن الباشا لما فرغ من أمر الجهة القبلية بعدما ولى ابنه إبراهيم باشا عليها وحرر أراضي الصعيد وقاس جملة ارضيه وفدنه وضبطه بأجمعه ولم يترك منه إلا ما قل وضبط لديوانه جميع الأراضي والميرية والاقطاعات التي كانت للملتزمين من أمراء والهوارة وذوى البيوت القديمة والرزق الاحباسية والسراوي والمتأخرات والمرصد على الأهالي والخيرات وعلى البر والصدقة وغير ذلك مثل مصارف الولاية التي رتبها أهالي الخير المتقدمون لأربابها رغبة منهم في الخير وتوسعه على الفقراء المحتاجين وذوى البيوت والدواوير المفتوحة المعدة لاطعام الطعام للضيفان والواردين والقاصدين وابناء السبيل والمسافرين فمن ذلك أن نباحية سهاج دار الشيخ عارف وهو رجل مشهور كأسلافه ومعتقد بتلك الناحية وغيرها ومنزله محط الرجال الوافدين والقاصدين من الأكابر والاصناغر والفقراء والمحتاجين فيقرى الكل بما يليق بهم ويرتب لهم التراتيب والاحتياجات وعند انصرافهم بعد قضاء اشغالهم يزودهم ويهاديهم بالغلال والسمن والعسل والتمر والاغنام وهذا دأبه ودأب اسلافه من قبله على الدوام والاستمرار ورزقته المرصدة التي يزرعها وينفق منها ستمائة فدان فضبطوها ولم يسمحوا له منها إلا بمائة فدان بعد التوسط والترجي والتشفع وأمثال ذلك بجرجا واسيوط ومنفلوط وفرشوط وغيرها وإذا قال المتشفع والمترجي للمتأمر: ينبغي مراعاة مثل هذا ومسامحته لأنه يطعم الطعام وتنزل بداره الضيفان فيقول: ومن كلفه بذلك فيقال له: وكيف يفعل إذا نزلت به الضيوف على حسب ما اعتادوه فيقول: يشترون ما يأكلون بدراهمهم من اكياسهم أو يغلقون ابوابهم ويستقلون بأنفسهم وعيالهم ويقتصدون في معايشهم فيعتادون ذلك وهذا الذي يفعلونه تبذير واسراف ونحو ذلك على حسب حالهم وشأنهم في بلادهم ويقول الديوان: احق بهذا فإن عليه مصاريف ونفقات ومهمات ومحاربات الاعداء وخصوصا افتتاح بلاد الحجاز ولما حضر إبراهيم باشا إلى مصر وكان ابوه على اهبة السفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 إلى الحجاز حضر الكثير من أهالي الصعيد يشكون ما نزل بهم ويستغيثون ويتشفعون بوجهاء المشايخ وغيرهم فإذا خوطب الباشا في شىء من ذلك يعتذر بانه مشغول البال واهتمامه بالسفر وأنه اناط أمر الجهة القبلية واحكامها وتعلقاتها بإبنه إبراهيم باشا وأن الدولة قلدته ولاية الصعيد فأنا لا علاقة لي بذلك وإذا خوطب ابنه اجابهم بعد المحاججة بما تقدم ذكره ونحو ذلك وذا قيل له هذا على مسجد فيقول: كشفت على المساجد فوجدتها خرابا والنظار عليها يأكلون الايراد والخزينه أولى منهم ويكفيهم إني أسامحهم فيما اكلوه في السنين الماضية والذي وجدته عامرا اطلقت له ما يكفيه وزيادة واني وجدت لبعض المساجد اطيانا واسعة وهي خراب ومعطلة والمسجد يكفيه مؤذن واحد واجرته نصفان وإمام مثل ذلك وأما فرشه واسراجه فإنى ارتب له راتبا من الديوان في كل سنة فإذا تكرر عليه الرجاء أحال الأمر على أبيه ولا يمكن العود إليه لحركاته وتنقلاته وكثرة اشغاله وزوغانه ولما زاد الحال بكثرة المكتشين والواردين وبرزالباشا للسفر بل وسافر بالفعل فلم يمكث بعده ابنه إلا أياما قليلة يبيت بالجيزة ليلة وعند أخيه ببولاق ليلة أخرى ثم سافر راجعا إلى الصعيد يتمم ما بقي عليه لأهله من العذاب الشديد فإنه فعل بهم فعل التتار عندما جالوا بالاقطار واذل اعزة أهله واساء لسوء معهم في فعله فيسلب نعهم وأموالهم ويأخذ ابقارهم واغنامهم ويحاسبهم على ما كان في تصرفهم واستهلكوه أو يحتج عليهم بذنب لم يقترفوه ثم يفرض عليهم المغارم الهائلة والمقادير من الأموال التي ليست أيديهم إليها طائلة ويلزمهم بتحصيلها وغلاقها وتعجيلها فتعجز أيديهم عن الاتمام فعند ذلك يجري عليهم أنواع الالام من الضرب والتعليق والكي بالنار والتحريق فانه بلغني والعهدة على الناقل أنه ربط الرجل ممدودا على خشبة طويله وامسك بطرفيها الرجال وجعلوا يقلبونه على النار المضرمة مثل الكباب وليس ذلك ببعيد على شاب جاهل سنه دون العشرين عاما وحضر من بلده ولم ير غير ما هو فيه لم يؤدبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 مؤدب ولا يعرف شريعة ولا مأمورات ولا منهيات وسمعت أن قائلا قال له: وحق من اعطاك قال: ومن هو الذي اعطاني قال له: ربك قال له: إنه لم يعطني شيئا والدي اعطاني أبي فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وأنا ببلدي وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة فلهذا لم تبلغه دعوى ولم يتخلق إلا باخلاف الي داربه عليها والده وهي تحصيل المال بأي وجه كان فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان فلقد كان به من المقادم والهوارة كل شهم يستحي الرئيس من مكالمته والنظر إليه بالملابس الفاخرة والاكراك السمور والخيول المسمومة والانعام والاتباع والجند والعبيد والاكمام الواسعة والمضايف والانعامات والاغداقات والتصدقات وخصوصا أكابرهم المشهورون وهمام ما إدراك ما همام وقد تقدم في ترجمته ما يغني عن الاعادة فخرجت دور الجميع وتشتتوا وماتوا غرباء ومن عسر عليه مفارقة وطنه جرى عليه ما جرى على غيره وصار في عداد المزارعين وقد رأيت بعض بني همام وقد حضروا إلى مصر ليعرضوا حالهم على الباشا لعله يرفق بهم ويسامحهم في بعض ما ضبطه ابنه من تعلقاتهم يتعيشون به وهم أولاد عبد الكريم وشاهين ولدي همام الكبيرومعهم حريمهم وجواريهم وزوجة عبد الكريم ويقولون لها: ألست الكبيرة وهي أم أولاده فلما وصلوا إلى ساحل مصر القديمة ورأى أرباب ديوان المكس الجواري وعدتهن ثلاثة حجزوهن وطالبوهم بكمركهن فقالوا: هؤلاء جوارنا للخدمة وليسوا مجلوبين للبيع فلم يعبئوا بذلك وقبضوا منهم ما قبضوه ثم أنهم لم يتمكنوا من الباشا وكان إذا ذاك قد توجه إلى الفيوم وعاد إلى العرضي مسافرا إلى الحجاز فاستمروا بمصر حتى نفذت نفقاتهم ورايتهم مرة مارين بالشارع وهم هكذا وردت وفيهم صغير مراهق واتفق أنهم تفاقموا مع ابن عمهم وهو عمر وشكوه إلى مصطفى بك دالي باشا بانه حاف عليهم في أشياء من استحقاقهم دعوى مفلس على مفلس فأحضره وحبسه دة وما ادرى ما حصل لهم بعد ذلك وهكذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 تخفض العالى العال وتعلى من سفل. اللهم أنا نعوذ بك من زوال النعم ونزول النقم. وأما من مات في هذه السنة. فمات الأستاذ الشهير والجهبذ النحرير الرئيس المفضل والفريد المبجل نادرة عصره ووحيد دهر الشيخ شمس الدين محمد أبو الانوار ابن عبد الرحمن المعروف بابن عارفين سبط بني الوفاء وخليفة السادات الحنفاء وشيخ سجادتها ومحط رحال سيادتها وشهرته غنية عن مزيد الافصاح ومناقبه اطهر من البيان والأيضاح وامه السيدة صفية بنت الأستاذ جمال الدين يوسف أبي الارشاد ابن وفا تزوج بها الخواجا عبد الرحمن المعروف بعارفين فاولدها المترجم واخاه الشيخ يوسف وكان اسن منه فتربى مع أخيه في حجر السيادة والصيانة والحشمة وقراء القران وتولع بطلب العلم وحضر دروس أشياخ الوقت وتلقى طريقة اسلافه واوردادخم واخرابهمم عن خاله الأستاذ شمس الدين محمد أبو الاشراق ابن وفا عن عمه الشيخ عبد الخالق عن أبيه الشيخ يوسف أبي الارشاد عن والده أبي التخصيص عبد الوهاب إلى آخر السند المنتهي إلى الأستاذ أبي الحسن الشاذلي ولازم العلامة القدوة الشيخ موسى البجيرمي فحضر عليه كما ذكره في برنامج شيوخه أم البراهين وشرح المصنف عليها والاجرومية وشرحها للشيخ خالد وشرح الستين مسئلة للجلال المحلي وهو أول أشياخه ثم لازم الشيخ خليلا المغربي حضر عليه شرح ايسا غوجي لشيخ الإسلام زكريا الانصاري وشرح العصام على السمر قندية والفاكهي على القطر ومتن التوضيح والاسموني على الخلاصة ورسالة الوضع والمغنى وحضر دروس شيخ الشيوح الشيخ أحمد الميجري الملوي في صحيح البخاري والشيخ عبد السلام علي الجوهرة واجازه بمرورياته ومؤفاته الاجازة العامة وكذلك اجازه الشيخ أحمد الجوهري الشافعي اجازة عامة واجازة خاصة بطريقة مولاي عبد الله الشريف ولازم وقرا وشارك ولده الشيخ محمد الجوهري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 الصغير وحضر أيضا دروس الأستاذ الحنفي في شرح التخليص للسعد التفتازاني وشرح التحرير لشيخ الإسلام وشرح الالفيه لابن عقيل والاشواني وحضر دروس الشيخ عمر الطحلاوي المالكي في شرح الاجرومية للشيخ خالد وشيئا من شرح الهمزية للعلامة ابن حجر وشيئا من تفسير الجلالين والبيضاوي وحضر الشيخ مصطفى السندوبي الشافعي في شرح ابن القاسم الغزي على أبي شجاع وعلي السيد البليدي في شرح التهذيب للخصبيي وعلى الشيخ عطية الاجهوري الشافعي في شرح الخطيب على أبي شجاع وشرح التحرير لشيخ الإسلام وتفسير الجلالين وعلى الشيخ محمد النارى شرح السلم لمصنفه وشرح التحرير وعلى الشيخ أحمد القوصي شرح الورقات الكبير لابن قاسم العبادي وسمع المسلسل بالاولية من علم أهل المغرب في وقته الشيخ محمد بن سودة التاودي الفاسي المالكي عند وروده مصر في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف بقصد الحج وكتب له اجازة بخطه مع سنده واجازه أيضا بدلائل الخيرات واحزاب الشاذلي وكذلك تلقي الاجازة من الأستاذ المسلك عبد الوهاب بن عبد السلام العفيفي المرزوقي وتلقى أيضا من إمام الحرم المكي الشيخ إبراهيم ابن الرئيس محمد الزمزمي الاجازة بالمسبعات واستجازه هو أيضا بما لاسلافه من الاحزاب وكناه بأبي الفوز وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة وألف بمكة سنة حجة المترجم. وصل ولما مات السيد محمد أبو هادي وانقرضت بموته سلسلة أولاد الظهور وذلك في سنة ست وسبعين ومائة وألف تاقت نفس المترجم لخلافة بيتهم وتهيأ لذلك ولبس التاج أيضا والعصابة التي يجعلونها عليه فلم يتم له ذلك وعورض بسيدي أحمد بن إسماعيل بك المعروف بالدالي المكني بأبي الامداد لأنه في طبقته في النسب وامه السيدة أم المفاخر ابنه الشيخ عبد الخالق باتفاق أرباب الحل والعقد لكونه من بيت الإمارة وقد صار منزلهم كمنازل الأمراء في الاتساع والتأنق والمجالس المزخرفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 والقيعان والقصور وفي ضمنه البستان بالنخيل والاشجار وما يجتني منها من الفواكه والثمار لأن معظم الوجاهة والسيادة في هذه الأزمان بالمساكن الانيقة والملابس الفاخرة وكثرة الايراد والخدم والحشم خصوصا أن اقترن بذلك شىء من المزايا المتعدية من بذل الإحسان وإكرام الضيفان فعند ذلك يصير ربه قطب الزمان وفريد العصر والأوان فلو فرضنا أن شخصا اجتمعت فيه أوصاف الكمالات المحنوية والمعارف الدينية وخلاعما ذكر وكان صعلوكا قليل المال كثير العيال فلا يعد في الرجال ولا يلتفت إليه بحال حكم الهية واحكام ربانية فلما تقلدها سيدي أحمد المذكوردون المترجم بقي متطلعا يسلي نفسه بالاماني ثم قصد الحج في سنة تسع وسبعين كما ذكر فلما عاد من الحج تزوج بوالدة الشيخ محمد أبي هادي واسكنها بمنزل ملاصق لدار الخليفة توصلا وتقربا لمأموله ولم تطل مدة الشيخ أبي الامداد وتوفي سنة اثنتين وثمانين كما ذكرناه في ترجمته وعند ذلك لم يبق للمترجم معأرض وقد مهد أحواله وتثبت أمره مع من يخشى صولته ومعارضته من الأشياخ وغيرهم ودفن السيد أحمد وركب المترجم في صبحها مع أشياخ الوقت والشيخ أحمد البكري وجماعة الحزب ونقبائهم إلى الرباط بالخرنفش ودخل إلى خلوة جدهم فجلس بها ساعة وقرأ أرباب الحزب وظيفتهم ثم ركب مع المشايخ إلى أمير البلدة وكان إذ ذاك علي بك فخلع عليه وركبوا إلى دارهم ومحل سيادتهم المعهودة وأصبح متقلدا خلافة اسلافهم ومشيخة سجادتهم فكان لها أهلا ومحلا وتقدم على أخيه الشيخ يوسف مع كونه اسن منه لما فيه من زيادة الفضيلة ولما ثبطه به من مخادعته وسلامة صدر أخيه وحسن ظنه فيه وانتظم أمره واحسن سلوكه بشهامة وحشمة ورآسة وتؤدة وأدب مع الأشياخ والاقران وتحبب إلى أرباب المظاهر والأكابر واستجلاب الخواطر وسلوك الطرائق الحميدة والتباعد عن الأمور المخلة بالمروءة والأخذ بالحزم والرفق مع الاشتغال في بعض الاحيان بالمطالعة والمذاكرة في المسائل الدينية والادبية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 ومعاشرة الفضلاء ومجالستهم والمناقشة معهم في النكات واقتناء الكتب من كل فن كل ذلك مع الجد والتحصيل للأسباب الدنيوية وما يتوصل به إلى كثرة الايراد بحسن تداخل وجميل طريقة مبعدة عما يخل بالمقدار بحيث يقضى مرامه من العظيم وجميل الفضل له ويراسل ويكاتب ويشاحح على أدنى شىء ويحاسب ولا يدفع لأرباب الاقلام عوائدهم المقررة في الدفاتر بل يرون أخذها منه من الكبائر وكذلك دواوين المكوس المبني على الاجحاف فكل ما نسب له فيها فهو معاف وكلما طال الامد زاد المدد وخصوصا إذا تقلبت الدول وارتفعت السفل كان الاسبق القديم في اعينهم هو الجليل العظيم وهم لديه صغار لا ينظر إليهم إلا بعين الاحتقار ولما انقرضت بقايا الشيوخ الذين كان يهابهم ويخضع لهم ويتأدب معهم وكانوا على طرائق الاقدمين في العفة والانجماع عما يخل بتعظيم العلم وأهله والتباعد عن بني الدنيا إلا بقدر الضرورة وخلف من بعدهم من هم على خلاف ذلك وهم اعاظم مدرسي الوقت فاحدقوا به وأكثروا من الترداد عليه وعلى موائده وبالغوا في تعظيمه وتقبيل يده ومدحوه بالقصائد البليغة طمعا في صلاته وجوائزه القليلة وحصول الشهرة لهم وزوال الخمول والتعارف بمن يتردد إلى داره من الأمراء والأكابر وزاد هو أيضا وجها ووجاهة بمجالستهم ولا يريهم فضلا بسعيهم إليه ويزداد كبرا وتيها وبلغ به أنه لا يقوم لأكثرهم إذا دخل عليه وقتهم من يدخل بغاية الأدب فيضم ثيابه ويقول عند مشاهدته: يا مولاي يا واحد فيجيبه هو بقوله يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم فإذا حصل بالقرب منه بنحو ذراعين حبا على ركبتيه ومد يمينه لتقبيل يده أو طرف ثوبه وأما الادون فلا يقبل طراف ثوبه وكذلك اتباعه وخدمه الخواص وإذا كان من أهل الذمة أو كبار المباشرين وقبلوا يده وخاطبهم في أشغاله وهم قيام وانصرف فوا طلب الطشت والأبريق وغسل يده بالصابون لازالة ءاثر افواههم ولا يجيب في رد التحية إلا بقول خير خير ولا يقطع غالب أوقاته مع مجالسيه وخاصته ومسامريه إلا بانتقاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 أهل مصره وغيبة أهل عصره وتنبسط نفسه لذلك واليه يصغى كلا أن الإنسان ليطغى وفي سنة تسعين ومائة وألف ورد إلى مصر عبد الرزاق أفندي رئيس الكتاب ومن أكابر أهل الدولة فتداخل معه واصطحب به واهدى إليه هدايا واستدعاء وأضافة وحضر في ذلك العام محمد باشا المعروف بالعزتي واليا على مصر فأنهى إليه بمعونة الرئيس المذكور احتياج زاوية اسلافه للعمارة ودعا الباشا لزيارة قبورهم في يوم المولد المعتاد السنوي وذكر له المقصود واظهر له بعض الخلل وزين له ذلك الفعل وأنه من تمام الشعائر الإسلامية والمشاهد التي يجب الاعتناء بشأنها والسعي والطواف بحرمها وكان المعين والسفير والمساعد في ذلك أيضا شيخنا محدث العصر محمد مرتضى وهو عند العثمانين مقبول القول الرزاق الرئيس يتلقى عنه المسلسلات والاجازات وقرأ عليه مقامات الحريري فأجاب الباشا ووعد بإتمام ذلك وكاتب الدولة وورد الأمر بإطلاق خمسين كيسا لمصرف العمارة من خزينة مصر فشرع في هدم حوائطها ووسعها عن وضعها الاصلي واندرس في جدارانها قبور ومدافن وحوطها وزخرفها بالنقوش وأنواع الرخام الملون والمموه بالذهب والاعمدة الرخام ثم كاتب الدولة وانهى أن ذلك القدر لم يكف وأن العمارة لم تكمل والاحسان بالاتمام فأطلقوا له خمسين كيسا أخرى واتمها على هذا الوضع الذي هي عليه الآن وانشا حولها مساكن ومخادع ووسع القصر الملاصق لها المختص به لجلوسه ومواضع الحريم أيام الموالد ثم أرسل في أثر ذلك كتخداه ووزيره الشيخ إبراهيم السنبدوبي إلى دار السلطنة بمكاتبات وعرض لرجال الدولة والتمس رفع ما على قرية زفتا وغيرها مما في حوزه من الالتزام من المال الميري الذي يدفع إلى الديوان في كل سنة وكان إبراهيم المذكور غاية في الدهاء والحيل الساسانية والتصنعات الشيطانية والتخليطات الوهمية وتقلبات الملامية فتمم مرامه بما ابتدعه من المخرقة والايهامات الملفقة ولم يدفع ما جرت به العادة من العوائد بل اجتلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 خلاف ذلك فوائد ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر على رأس القرن وخرج الأمراء المصريون إلى الجهة القبلية واستباح أموالهم وقبض على نسائهم وأولادهم وأمر بإنزالهم سوق المزاد وبيعهم زاعما أنهم ارقاء المال وفعل ذلك فاجتمع الأشياخ وذهبوا إليه فكان المخاطب له المترجم قائلا له أنت اتيت إلى هذه البلدة وارسلك السلطان إلى إقامة العدل ورفع الظلم كما تقول أو لبيع الاحرار وامهات الأولاد وهتك الحريم فقال: هؤلاء ارقاء لبيت المال فقال له: هذا لا يجوز ولم يقل به أحد فاغتاظ غيظا شديد وطلب كاتب ديوانه وقال له: أكتب أسماء هؤلاء وأخبر السلطان بمعارضتهم الأوامره فقال له: السيد محمود البنوفري اكتب ما تريد بل نحن نكتب اسمانا بخطنا فافحم وانكف عن إتمام قصده وأيضا نتبع أموالهم وودائعهم وكان إبراهيم بك الكبير قد اودع عند المترجم وديعة وكذلك مراد بك اودع عند محمد أفندي البكري وديعة وعلم ذلك حسن باشا فأرسل عسكرا إلى السيد البكري فلم تسعه المخالفة وسلم ما عنده وأرسل كذلك يطلب من المترجم وديعة إبراهيم بك فامتنع من دفعها قائلا أن صاحبها لم يمت وقد كتبت على نفسي وثيقة فلا اسلم ذلك ما دام صاحبها في قيد الحياة فاشتد غيظ الباشا منه وقصد البطش به فحماه الله منه ببركة الانصار للحق فكان يقول: لم أر في جميع الممالك التي ولجتها من اجترا على مخالفتي مثل هذا الرجل فإنه احرق قلبي ولما ارتحل من مصر ورجع المصريون إلى دولتهم حصل من مراد بك في حق السيد البكري ما حصل وغرمه مبلغا عظيما باع فيه اقطاعه في نظير تفريطه في وديعته واحتج عليه بامتناع نظيره وحصل له قهر تمرض بسببه وتسلسل به المرض حتى مات ويقال: إن مراد بك أرسل إليه الحكيم ودس له السم في العلاج ثم مات رحمه الله وكانت منه هفؤة ولا بد للجواد من كبوة ومن لم ينظر في العواقب فليس له الدهر بصاحب حتى قيل أنه هو الذي عرف حسن باشا عن ذلك لينال به زيارة في الحظوة عنده ويترك منها حصة لنفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 بقرينة ما ظهر عليه في عقب ذلك من التوسع وقد غلب على ظنه بل وظن غالب الناس انقراض المصريين وغفلوا عن تقلبات الدهر في كل حين وأما المترجم فإنه لما أخذ بالحزم سلم ورد الامانة إلى صاحبها حين قدم وحسنت فيهم سيرته وزادت عندهم محبته وفي عقب ذلك نزل السيد محمد أفندي البكري المذكور عن وظيفة نظر المشهد الحسيني للمترجم وأرسل إليه بصندوق دفاتر الوقف وكان نظر المشهد يبيتهم مدة طويلة ووعده المترجم بأن يبدله عنه وظيفة النظر على وقف الشافعي فلما حصل الفراغ واحتوى على الدفاتر نكث وطمع على الوظيفتين بل ومد يده إلى غيرهما لعدم من يعارضه ولا يدافعه من الأمراء وغيرهم مثل نظر المشهد النفيسي والزيني وباقي الاضرحة الكثيرة الايراد التي يصاد بها الدنيا من كل ناد وتأتيها الخلائق بالقربانات وأنواع النذورات وأخذ يحاسب المباشرين وخدمة الاضرحة المذكورة على الايرادات والنذورات ويحاققهم على الذرات ويسبهم ويهينهم ويضربهم بالجريد المحمص على ارجلهم وفعل ذلك بالسيد بدوي مباشر المشهد الحسيني وهو من وجهاء الناس الذين يخشى جانبهم ومشهور ومذكور في المصر وغيره وكان معظم انقباض السيد البكري ونزوله عن نظر المشهد ضيق صدره من المذكور ومنكادته له واستيلاءه على المحل ومحصول الوقف والتقصير في مصارفه اللازمة وينسب التقصير للناظر وكان رحمه الله عظيم الهمة يغلب عليه الحياء والمسامحة ويرى خلاف ذلك من سفاسف الأمور فتنصل من ذلك وترك فعله لغيره فلما اوقع المترجم بالسيد بدوي وباقي عظماء السدنة ما اوقع انقمع الباقون وذلوا وخافوه اشد الخوف ووشوا على بعضهم البعض وطفق يطالبهم بالنذور والشموع والاغنام والعجول وما يتحصل من صندوق الضريح من المال وكانوا يختصون بذلك كله واقلهم في رفاهية من العيش وجمع المال مع السفالة والشحاذة حتى من الفقير المعدم المفلس والكسرة الناشفة وكان إذا أراد الايقاع بشخص أو اهانته وخشى عاقبة ذلك أو لو ما يلحقه ممن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 ينتصر له مهد له الطريق سرا قبل الايقاع به فإنه لما أراد ضرب السيد بدوي طاف على الشيخ العروسي وأمثاله واسرهم ما في نفسه وامتدت يده أيضا إلى شهود بيت القاضي فكان إذا بلغه أن احدهم كتب حجة استبدال واجارة مكان مدة طويلة لناظر أو مستحق وكان ذلك المكان يؤل بعد انقراض مستحقيه لضريح من الاضرحة التي تحت نظر أحضر ذلك الكاتب ووبخه ولعنه ولربما ضربه وابطل تلك المكاتبة ومحاها من سجل القاضي أو يصالحونه على تنفيذ ذلك مع أنها لا تؤل إلى تلك الجهة إلا بعد سنين واعوام متطاولة وقد نص علماء الشرع على أن الوقف والنذر للقبور والاضرحة باطل فإن قيل بصحته على الفقراء قلنا أن سدنة هذه الاضرحة ليسوا بفقراء بل هم الآن اغنى الناس على والفقراء حقيقة خلافهم من أولاد الناس الذين لا كسب لهم والكثير من أهل العلم الخاملين والذين يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف ولما استولى المترجم على وظيفة نظر المشهد الحسيني قهر السيد بدوي المباشر المذكور وأخذ دار سكنه شرقي المسجد واخرجه منها وهدمها وانشأها دارا لنفسه ينزل بها أيام المولد المعتاد ويأتي إليها في كل جمعة أو جمعتين ولما تم بناؤها ونظامها وقرب وقت أيام المولد انتقل إليها بخدمه وحريمه وتقدم إلى حكام الشرطة بأمر الناس والمناداة على أهل الأسواق والحوانيت بالسهر بالليل ووقود السرج والقناديل خمس عشرة ليلة المولد وكان في السابق ليلة واحدة واحدثوا في تلك الليالي سيارات وجمعيات وطبولا وزمورا ومناور ومشاعل وجمع خلائق من اوباش العالم الذين ينتسبون إلى الطرائق كالاحمدية والسعدية والشعيبية ويتجاوبون في وسط الطبول بألفاظ مستهجنة ينادون بها مشايخ طرقهم بكلمات وعبارات تشمئز منها الطباع وامرهم بأن يمروا من تحت داره ودعا أمراء البلدة في ظرف تلك الأيام متفرقين ودعا عابدين باشا يوم المولد ولما سكن بتلك الدار وهي قبالة الميضاة والمراحيض فكان يتضرر من الرائحة فقصد ابطالها من تلك الجهة فاشترى دارا قبلي المسجد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وهي بجانب حائط المسجد الجنوبية الفاصلة بينها وبين المسجد وادخل منها جانبا في المسجد وزاد فيه مقدار باكية وجعلها مرتفعة عن أرض المسجد درجة لتمتاز عن البناء القديم وجعل به محرابا ومن خلفه خلوة يسلك إليها من باب بصدر الليوان المذكور إلى فسحة لطيفة إمام الخلوة وبالخلوة شباك مطل على الليوان الصغير الذي بقبة الضريح وانشأ فيما بقي من الدار ميضاة ومراحيض وفتح لها بابا من داخل المسجد من أخره بجانب باب السبيل وابطل الميضاة القديمة لانحراف مزاجه وتأذيه من رائحتها وتحول عبور الناس من داخل وخارج إلى هذه الجديدة واتت عليها عدة أيام ففاحت الروائح على المصلين ومن بالمسجد وما انضاف إلى ذلك أيضا من البلل والتقذير من ارجل الاوباش لقربها من المسجد فلغط الناس ومن يحضر في أوقات الصلاة من اتراك خان الخليلي والتجار وشنعوا القالة وقاموا قومة واحدة واغلقوا الباب وابطلوا تلك الميضاة ومنعوا من دخولها وساعدهم المتصوفون من اجناسهم فانكسف بال المترجم لذلك ولم يمكنه تنفيذ فعله واعاد الميضاة القديمة كما كانت وجعل المستجدة مربطا للحمير يستغل اجرته بعد أن ازال تلك الميضاة ومحا أثر ذلك وكان بناء هذه الزيادة سنة ست بد المائتين ثم زاد في منزل سكنهم زيادة من ناحية البركة المعروفة ببركة الفيل خلف البستان أخذ في تلك الزيادة مقدارا كبيرا من أرض البركة وانشأ مجلسا مربعا متسعا مطلا على البركة من جهتيه وبوسطه عامود من الرخام وبلط دور قاعته بالرخام وجعل به مخدعا وخارجه فسحة كبيرة وشبابيكها مطلة على البركة وصارت القاعة القديمة المعروفة بالغزال الملتفت بابها في ضمن الفسحة وبها باب القيطون وسمى هذه المنشية الاسعدية وبتلك الفسحة باب يدخل منه إلى منافع ومرافق ثم عن له التغيير والتبديل لاوضاع البيت من ناحية أخرى فهدم الساتر على القاعة الكبيرة وفسحتها وهي التي يسمونها بأم الافراح وهي من انشاء الشيخ أبي التخصيص وهي اعظم المجالس التي بدارهم مزخرفة بالنقوش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 الذهب والقيشاني الصينى بجميع حيطانها والرخام الملون وبها الفسقية والسلسبيل والقمريات الملونة فكشف حائطها وادخل فسحتها في رحبة الحوش وهدم القاعة الأخرى التي كان يصعد إليها يسلم من الفسحة الأخرى وابطل الحواصل التي اسفلها وساواها بالأرض وعمل بها فسقية بالرخام ومرافقها من داخلها وبها باب يتوصل منه إلى الحريم وسماها الانوارية نسبة لكنيته وإمامها فسحة عظيمة ديوان بدكك وكراسي بجانب البستان وبها الطرقة والدهليز الممتد بوسط البستان الموصل إلى القاعة المسماة بالغزال والاسعدية وهدم المقعد القديم الذي به العامود وقناطره وما كان بظاهر الحاصل المسمى بحاصل السجادة من الحواصل السفلية وجعله مسجدا يصلى فيه الجمعة ونصب فيه منبرا للخطبة وذلك لبعد المساجد الجامعة عن داره وتعاظمه عن السعي الكثير والاختلاط بالعامة وأخذ قطعة وافرة من بيت كتخدا الجاويشية وسع بها البستان وغرس بها الاشجار والرياحين والثمار وافنى غالب عمره في تحصيل الدنيا وتنظيم المعاش والرفاهية واقتناء كل مرغوب للنفس وشراء الجواري والمماليك والعبيد والحبوش والخصيان والتأنق في المآكل والمشارب والملابس واستخراج الادهان والعطريات المفرحة والمنعشة للقوة وتعاظم في نفسه وتعالى على ابناء جنسه حتى أنه ترفع على لبس التاج وحضور المحيا بالأزهر ليلة المعراج وكذا الحضور في مجلس وردهم الذى هو محل عزهم وفخرهم وصار يلبس قاووقا بعمامة خضراء تشبها بأكابر الأمراء وبعدا عن التشبه بالمتعممين والفقهاء والمقرئين ولما طالت أيامه وماتت اقرانه والذين كان يستحي منهم ويهابهم وتقلبت عليه الدول واندرجت أكابر الأمراء وتأمر اتباعهم ومماليكهم الذين كانوا يقومون على اقدامهم بين يدي مخاديمهم واسيادهم جلوس بالادب مع المترجم لا جرم كانت هيبته في قلوبهم اعظم من اسلافهم واستصغاره هو لهم كذلك فكان يصدعهم بالكلام وينفذ أمره فيهم ويذكر الأمير الكبير بقوله ولدنا الأمير فلان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 وحوائجه عندهم مقضية وكلامه لديهم مسموع وشفاعته مقبولة وأوامره نافذة فيهم وفي حواشيهم وحريماتهم واتفق أن بعض اعاظم المباشرين من الاقباط توقف معه في أمر فأحضره ولعنه وسبه وكشف رأسه وضربه على دماغه بزخمة من الجلد ولم يراع حرمة أميره وهو إذ ذاك أمير البلدة ولما شكا إلى مخدومه ما فعل به قال له: ما تريد أن اصنع بشيخ عظيم ضرب نصرانيا فرحم الله عظامهم. واتفق أيضا أن جماعة من أولاد البلد ووجهائها اجتمعوا ليلة بمنزل بعض أصحابهم وتباسطوا فأخذ بعضهم يسخر ويقلد بعض أصحاب المظاهر فوشى للمترجم مجلسهم وانهم ادرجوه في سخريتهم فتسماهم وأحضرهم واحد بعد واحد وعزرهم بالضرب والاهانة فكان كل قليل يقع في بيته الضرب والاهانة لافراد من الناس وكذلك فلاحو الحصص التي حازها والتزم بها فإنه زاد في خراجهم عن شركائه ويفرض عليهم زيادات ويحبسهم عليها شهورا ويضربهم بالكرابيج وبالجملة فقد قلب الموضوع وغير الرسم المطبوع بعد أن كان منزلهم محل سلوك ورشاد وولاية واعتقاد فصار كبيت حاكم الشرطة يخافه من غلط أدنى غلطة ويتحاماه الناس من جميع الاجناس وجلساؤه ومرافقوه لا يعارضونه في شىء بل يوافقونه ولا يتكلمون معه إلا بميزان وملاحظة الاركان ويتأدبون معه في رد الجواب وحذف كاف الخطاب ونقل الضمائر عن وضعها في غالب الالفاظ بل كلها حتى في الاثار المروية والاحاديث النبوية وغير ذلك من المبالغات وتحسين العبارات والوصف بالمناقب الجليلة والاوصاف الجميلة حتى أن السيد حسينا المنزلاوي الخطيب كان ينشىء خطبا يخطب بها يوم الجمعة التي يكون المترجم حاضرا فيها بالمشهد الحسيني وبزاويتهم أيام المولد ويدرج فيها الاطراء العظيم في المترجم والتوسل به في كشف المهمات وتفريج الكروب وغفران الذنوب حتى إني سمعت قائلا يقول بعد الصلاة: لم يبق على الخطيب إلا أن يقول: اركعوا واسجدوا واعبدوا شيخ السادات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 ولما قدمت الفرنساوية إلى الديار المصرية في أوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف لم يتعرضوا له في شئ وراعوا جانبه وافرجوا عن تعلقاته وقبلوا شفاعاته وتردد إليه كبيرهم واعاظمهم وعمل لهم ولائم وكنت اصاحبه في الذهاب إلى مساكنهم والتفرج على صنائعهم ونقوشهم وتصاويرهم وغرائبهم الىأن حضر ركب العثمانيين في سنة خمسة عشرة وحصلت بينهم المصالحة على انتقال الفرنساوية من أرض مصر ورجوعهم إلى بلادهم على شروط اشترطوها بينهم وبين وزير الدولة العثمانية. ومنها حسابات تدفع إليهم وأخرى تخصم عليهم وظن المترجم وخلافه اتمام الأمر والارتحال لا محالة فعند ذلك لحقه الطمع فذكوا مصلحة دفعها لكاتب جيشهم في نظير الافراج عن تعلقاته وأرسل يطلبها من بوسليك مدبر الجمهور وكذلك ما قبضه ترجمانه فقال: هذه عوائد لا بد منها ودخلت في حساب الجمهور وتغير خاطرهم منه وكانت منه هفوة ترتب عليها بينهم وبينه الجفوة ولما انتقض الصلح وحصلت المفاقمة ووقعت المحاربة في داخل المدينة وتترست العساكر الإسلامية وأهل البلد في النواحي والجهات وانقطع الجالب عن أهل البلد مدة ستة وثلاثين يوما التزم اغنياء الناس وأصحاب المظاهر الاطعام والانفاق على المحاربين والمقاتلين في جهتهم ونواحيهم والتزم المترجم كغيره الانفاق على من حوله فلما انقضت أيام المحاربة وانتصر الفرنساوية ورجع الوزير ومن معه إلى جهة الشام منهزمين فعند ذلك انتقم الفرنساوية من المبارزين لهم بأخذ المال بدلا عن الارواح وقبضوا على المترجم وحبسوه واهانوه أياما وفرضوا عليه قدرا عظيما من المال قام بدفعه كما ذكرنا ذلك مفصلا في محله وقيل أن الذي زاد الفرنساوية اغراء به مراد بك حين اصطلح معهم وعمل لهم ضيافة ببر الجيزة وسببه أنه لما دهمت الفرنساوية وطلعوا الاسكندرية ووصل الخبر إلى مصر اجتمع الأمراء بالمساطب وطلبوا المشايخ ليشاوروا في هذا الحادث فتكلم المترجم وخاطبهم بالتوبيخ وقال: كل هذا سوء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 فعالكم وظلمكم واخر امرنا معكم ملكتمونا للافرنج وشافه مراد بك وخصوصا بأفعالك وتعديك أنت وأمرائك على متاجرهم وأخذ بضائعهم واهانتهم فحقدها عليه وكتمها في نفسه حتى اصطلح مع الفرنساوية والقى إليهم ماالقاه ففعلوا ما ذكر وذلك في ثاني يوم الضيافة فلما رجع العثمانية في السنة الثانية إلى مصر بمعونه الانكليز وصاروا بالقرب من المدينة حبسوا المترجم مع من حبس بالقلعة من أرباب الظاهر خوفا من احداتهم فتنة بالبلدة ومات ولده الذي كان سماه محمدا نور الله وهو معوق ومميوع فأذنوا له في حضوره جنازة ولده فنزل وصحبته شخص حرسي منهم فلازمه حتى واراه وعاد به ذلك الحرسي إلى القلعة وكان هذا الولد مراهقا له من العمر اثنتا عشرة سنة كان في امله أن يكون هو الخليفة في بيتهم من بعده ويأبى الله إلا ما يريد ولما انفصل الأمر وارتحل الفرنساوية من أرض مصر ودخل إليها يوسف باشا الوزير ومن معه تقدم المترجم يشكو إليه حاله وما اصابه وادعى الفقر والاملاق مع أن الفرنساوية لم يحجزوا عنه شيئا من تعلقاته وايراده وجعل شكواه وما حصل له سلما للافراج عن جميع تعلقاته وايراده من غير حلوان كغيره من الناس وزاد على ذلك أشياء ومطالب ومسامحات ودعا الوزير إلى داره وافراد رجال الدولة الذين بيدهم مقاليد الأمور وعاد إلى حالته في التعاظم والكبرياء وارتحل الوزير بعد استقرار محمد باشا خسروا على ولاية مصر وكان سموحا وكذلك شريف أفندي الدفتردار فرمح في غفلتهما واستكثر من التحصيل والايراد إلى أن تقلبت الأحوال وعادت للمصريين في سنة ثمان عشرة ثم خرجوهم وما وقع من الحوادث التي تقدم ذكرها واستقر محمد علي باشا وثبتت قدمه بمعونة العامة والسيد عمر مكرم بمملكة مصر وشرع في تمهيد مقاصد فكان السيد عمر يمانعه فدبر على اخراجه من مصر وجمع المشايخ وأحضر المترجم وخلع عليه وقلده النقابة واخرج السيد عمر من مصر منفيا إلى دمياط وذلك في سنة أربع وعشرين كما تقدم ووافق فعله ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 عرض المترجم بل ربما كان بمعونته لحقده الباطني على السيد عمر وتشوفه إلى النقابة وادعائه أنها كانت ببيتهم لكون الشيخ أبي هادي تولاها أياما ثم تولاها بعده أبو الامداد ثم نزل عنها لمحمد أفندي البكري الكبير فلم يزل في نفس المترجم التطلع لنقابة الاشراف ويصرح بقوله أنها من وظائفنا القديمة وأحضر بها مرسوما من دار السلطنة واخفاه ولم يظهره مدة حياة محمد أفندي البكري الكبير فلما مات وتقلدها ولده محمد أفندي ادعاها واظهر المرسوم وشاع خبر ذلك فاجتمع الجم الغفير من الاشراف بالمشهد الحسيني ممانعين وقائلين لا نرضاه نقيبا ولا حاكما علينا فلم يتم له مراده فلما توفي محمد أفندي الصغير ظن أنه لم يبق له فيها منازع فلا يشعر إلا وقد تقلدها السيد عمر بمعونة مراد بك وإبراهيم بك لصحبته معهما ومرافقته لهما في الغربة حين كان المصريون بالصعيد فسكت على ضغن وغيظ يخفيه تارة ويظهره أخرى وخصوصا وهو يرى أن السيد عمر فلي ذلك دون ذلك بكثير فلما خرج الفرنساوية ودخل الوزير إلى مصر وصحبته السيد عمر متقلدا للنقابة كما كان وانفصل عنها السيد خليل البكري وارتفع شأن السيد عمر وزاد أمره بمباشرة الوقائع وولاية محمد علي باشا وصار بيده الحل والعقد والأمر والنهي والمرجع في الأمور الكلية والجزئية والمترجم يحقد عليه في الباطن ويظهر له خلافه وهو الاخر كذلك. ولكنني اخشاه وهو يخافني فيخفى ويبدو بيننا البغض والود فلما اخرج الباشا السيد عمر وتقلد المترجم النقابة وبلغ مأموله عند ذلك اظهر الكامن في نفسه وصرح بالمكروه في حق السيد عمر ومن ينتمي إليه أو يواليه وسطر فيه عرضا محضرا إلى الدولة نسب إليه فيه أنواعا من الموبقات التي منها أنه ادخل جماعة من الاقباط في الاشراف وقطع اناسا من الشرفاء المستحقين وصرف راتبهم للاقباط المدخلين ومنها أنه تسبب في خراب الإقليم واثاره الفتن وموالاة البغاة المصريين وتطميعهم في المملكة حتى أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وعدهم بالهجوم على البلدة يوم قطع الخليج في غفلة الباشا والناس والعساكر وأنه هو الذي اغرى المصريين على قتل علي باشا برغل الطرابلسي حين قدم واليا على مصر وهو الذي كاتب الانكليز وطمعهم في البلادد مع الألفي حين حضروا إلى اسكندرية وملكوها ونصر الله عليهم العساكر الإسلامية وغير ذلك من عبارات عكس القضية وتمنيق الاغراض النفسانية وكتب الأشياخ عليه خطوطهم وطبعوا تحتها ختومهم ما عدا الطحطاوي الحنفي فإنه تنحى عن الشرور وامتنع عن شهادة الزور فأوسعوه سخطا ومقتا وعزلوه من الافتا وقد تقدم خبر ذلك في حوادث سنة أربع وعشرين وإنما المعنى باعادة ذلك لك هنا تتمة لترجمة المشار إليه وحذار من نقصها النسيان لأكثر جملها فلو سلمت الفكرة من النسيان لفاقت سيرته كان وكان وفي سنة ست وعشرين انشا دارا عظيمة بجانب المنزل وصرف جملا من المال وانشأ بها مجالس وقاعات ورواشن ومنافع ومرافق وفساقي وانشأ فيها بستانا غرس فيه أنواع الاشجار المثمرة وادخل به ما حازه من دور الأمراء المتخربة وكان السيد خليل البكري اشترى دارا بدرب الفرن وذلك بعد خروج الفرنساوية وخمول أمره وعزله من مشيخة البكرية والنقابة وانشا بها بستانا انيقا وانشا قصرا برسم ولده مطلا على البستان فلما توفي السيد خليل تعدى على ولده سيدي أحمد وقهره وأخذ منه ذلك البستان بأبخس الأثمان وخلطه ببستان الدار الجديد وبنى سوره وأحاطه وأقام حائطا بينه وبين دار المذكور وطمسها واعماها وسدت الحائط شبابيك ذلك القصر واظلمته ولم يزل كلما طال عمره زاد كبره وقل بره وتعدى شره ولما ضعفت قواه تقاعد عن القيام لاعاظم الناس إذا دخل عليه محتجا بالاعياء والضعف ولازم استعمال المنعشات والمركبات المفرحة ولا يصلح العطار ما افسد الدهر. وفي شهر شوال من السنة التي توفي فيها أحضر ابن أخيه سيدي أحمد الذي تولى المشيخة بعده والبسه خلعة وتاجا وجعله وكيلا عنه في نقابة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 الاشراف واركبه فرسا بعباءة وارسله إلى الباشا صحبة سيدي محمد المعروف بابي دفية وإمامه جاويشية النقابة على العادة فلما دخلا إلى الباشا وعرفه المرسول بأن عمه اقامه وكيلا عنه فقال: مبارك فأشار إليه أن يلبسه خلعة فقال: إن موكله البسه ولم يتقلدها بالاصاله ولو كنت قلدته أنا كنت اخلع عليه والبسه فقام ونزل إلى داره التي اسكنه بها عمه وهي الدار التي عند المشهد الحسيني وحضر إليه الناس للسلام والتهنئة وفي هذه السنة أيضا عن للمترجم أن يزيد في السجد الحسيني زيادة مضافة لزيادتة الأولى التي كان زادها في سنة ست ومائتين وألف فهدم الحاط التي كان بناها الجنوبية وادخل القطعة التي كان عمل بها الميضاة وزاد باكية أخرى وصف عواميد وصارت مع القديمة ليوانا واحدا وشرع في بناء دار عظيمة لينزل فيها وقت مجيئه هناك في أيام المولد وغيره عوضا عن الدار التي نزل عنها لابن أخيه فتكون هذه بعيدة عن روائح الميضاة القديمة وتكون بالشارع وتمر من تحتها مواكب الأشاير ولا يحتاجون إلى تعديهم المسجد ودخولهم من طريق باب القبة وجعل بالحائظ الفاصل بين الزيادة والدار المستجده شبابيك مطلة على المسجد لينظر منها المجالس والقودات من يكون بالدار من الحريم وغيرهم فما هو إلا وقد هرب إتمام ذلك إلا وقد زاد به الاعياء والمرض وانقطع عن النزول من الحريم وتمت الزيادة ولم يق إلا اتمام الدار فيستعجل ويشتم المشد والمهندس وينسب إليهم اهمال استحثاث العمال ويقول: قد قرب المولد ولم تكمل الدار فأين نجلس أيام المولد هذا وكل يوم يزيد مرضه وتورمت قدماه وضعف عن الحركة هو يقول ذلك ويؤمل الحياة فلما زاد به الحال وتحقق الرحيل إلى مغفرة المولى الجليل أوصى لاتباعه بدراهم ولذي الفقار الذي كان كتخدا الألفي والآن في خوالة بستان الباشا الذي بشبرا بخمسمائة ريال لكون زوجته خشداشة حريمه هما من جواري إسماعيل بك الكبير وليكون معينا لها ومساعدا في مهماتها ولسيدي محمد أبي دفية مثلها في نظير خدمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وتقيده وملازمته له واوصى أن لا يغسل إلا على سريره الهندي الذي كان ينام عليه في حياته ليكون مخالفا للعالم حتى في حال الموت فلما كان يوم الأحد ثامن عشر ربيع الأول من السنة انقضى نحبه وتوفي إلى رحمة الله تعالى وقت العصر وبات بالمنزل ميتا فلما أصبح يوم الإثنين غسل وكفن كما أوصى على السرير وخرجوا بجنازته من المنزل ووصلوا بها إلى الأزهر فصلى عليه بعد ما انشد المنشد مرثية من انشاء العلامة الشيخ حسن العطار وجعل براعة استهلالها الاشارة إلى ما كان عليه المترجم من التعاظم والتفاخر فقال:. سلام على الدنيا فقد ذهب الفخر ثم حمل إلى مشهد اسلافه بالقرافة ودفن في التربة التي اعدها لنفسه بجانب مقام جدهم وتقلد مشيخة سجادتهم في ذلك اليوم السيد أحمد بن الشيخ يوسف وهو ابن عمه وعصبته وكنيته أبو الاقبال بإجماع من الخاص والعام وجلس هو واخوه سيدي يحيى لتلقي العزاء وفي الصباح حضر إلى الرباط بالخرنفش وكان بزاوية الرباط المذكور خلوة جدهم أقام بها حين حضر من الغرب إلى مصر وعادتهم إذا تولى شخص منهم المشيخة لا بد أن يأتي في الصباح ويدخل الخلوة فيجلس بها حصة لطيفة فيتروحن وتلبش الولاية فلما كان المترجم هدم حائط تلك الخلوة زاعما أنه خاتمة أوليائه وأنه لم يأت من يصلح للمشيخة سواه وكأنه أخذه بذلك عهدا وميثاقا ولم يعلم أن ربه لم يزل خلاقا وأن الولاية ليست بفعل العبد ولا بالسعي والقصد قال تعالى في محكم آياته الله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وقال: سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ, الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} و {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} تسأله التوفيق والهدايا والحفظ عن أسباب الغواية ولما كان القديمة حضر المتولي وصحبته أشياخ الوقت والسيد محمد المحروقي وجماعة الحزب وغيرهم من المتفرجين وقد جعلوا على محل الخلوة سائرا بدل الحائط المهدوم ودخل المتولي خلفها وقرا جماعة الحزب شيئا من القرآن ثم قام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 النقيب مع الشيخ البكري فتلقوا الشيخ فخرج على الحاضرين متطيلسا وصافحهم وركب بصحبتهم إلى القلعة فخلع عليه كتخدا بك خلعة سمور وقاموا ونزلوا إلى زاويتهم بالقرافة وإمامهم جماعة الحزب وجاويشية النقابة فجلسوا حصة وقرؤا احزابهم ثم ركب ورجع إلى المنزل وجلس مع أخيه لعمل المأتم والقراءة الجمعية على العادة وأرسل كتخدا بك ساعيا يخبر موته إلى الباشا بالضيوم لأنه لما سافر إلى جهة قبلي ووصل إلى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو وركب خلفه خواصه بالهجن والبغال فوصلها في أربع ساعات وانقطع أكثر المتوجهين معه ومات منهم سبعة عشر هجينا ورجع الساعي بعد ثلاثة أيام بجواب الرسالة ومضمونها عدم التعرض لورثة المتوفي حتى يقدم الباشا من غيبته فبقي الأمر على السكوت أربعة عشر يوما وحضر الباشا ليلة الأحد ثامن ربيع الاخر فبمجرد وصوله إلى الجيزة أرسل بالختم على منزلهم فما يشعرون إلا وحسين كتخدا الكتخدا بك وبيت المال وأصل إليهم ومعه آخرون فختموا على المجالس التي بالحريم ومجلس الجلوس الرجالي ختموا على خزائنه وقبضوا على الكاتب القبطي المسمى عبد القدوس والفراش وحبسوهما وعدى الباشا من ليلته إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فركب إليه في صبحها المشايخ وصحبتهم ابن اخي المتوفي وهو الذي تولى المشيخة فخاطبوه وقالوا له: كلاما معناه أن بيوت الأشياخ مكرمة ولم تجر العادة بالختم على أماكنهم وخصوصا أن هذا المتوفي كان عظيما في بابه وأنتم أخبر به وكان لكم به مزيد عناية ومراعاة فقال: نعم إني لا أريد اهانة بيتهم ولا اطمع في شئ مما يتعلق بمشيختهم ولاوظائفهم القديمة ولا يخفاكم أن المتوفي كان طماعا وجماعا للمال وطالت مدته وحاز التزامات واقتطاعات وكان لا يحب قرابته ولايخصهم بشئ بل كتب ما حازه لزوجته وهي جارية نهاية ثمنها الفا قرش أو أقل أو أكثر ولم يكتب لاولاد أخيه شيئا فلا يصح أن امه تختص بذلك كله والخزينة أولى به لاحتياجات مصاريف العساكر ومحاربة الخوارج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 واستخلاص الحرمين وخزينة السلطان وأنا ارفع الختم رعاية لخواطركم فدعوا له وقاموا إلى مجلس الكتخدا وخلع على الشيخ المتولي فروة سمور أخرى وقلد السيد محمد الدواخلي نقابة الاشراف وخلع عليه فروة سمور عضا عن سيدي أحمد أبي الاقبال على خلافة السادات فانفصل من النقابة ونزلت الجاويشية ولوازم النقابة مثل باش جاويش والكاتب إمام الدواخلي وخلفه وقلد السيد المحروقي نظارة المشهد الحسيني عوضا عن المتوفي وكان فرغ بها لابن أخيه فلم ينفذ الباشا ذلك وفي ثاني يوم حضر الاعوان إلى بيت السادات وفكوا الختوم وطلبوا سقاء الحريم فأخذوه معهم واوجعوه بالضرب وأحضروا البناء وسألوهما عن محل الخبايا ثم رجعوا إلى المنزل ففتحوا مخبأة مسدودة بالبناء فوجدوا بها قوالب مساند قطيفة غير محشوة ووجدوا نحاسا وقطنا وأواني صيني فتركوا ذلك وذهبوا وابقوا بالدار عدة من العسكر فباتوا بها ثم رجعوا في ثالث يوم وفتحوا مخبأة أخرى فوجدوا بها اكياسا مربوطة فظنوا بداخلها المال ففتحوها فوجدوا بها بن قهوة وبغيرها صابون وشموع عسل ولم يجدوا شيئا من المال فتركوا تلك الأشياء ونزلوا إلى قاعة جلوسه وفتحوا خزانة فوجدوا بها نقودا فعدوها وحصروها فبلغت مائة وسبعة وعشرين كيسا فأخذوها ثم سعى السيد محمد المحروقي في مصالحة الباشا حتى قرر عليهم ألف كيس وخمسين كيسا وخمسة أكياس براني لبيت المال وخصموا منها الذي وجدوه بالخزانة وطولبوا بالباقي وذلك بعد التشديد والتهديد على الزوجة وتوعدوها بالتغريق في البحر أن لم تظهر المال وأمر الكاتب حساب ايراده ومصرفه في كل سنة وما صرفه في الابنية وينظر ما يتبقى بعد ذلك في مدة سنين ماضية فلم يزل السيد محمد المحروقي يدافع ويسعى حتى تقرر القدر المذكور والتزم هو بدفعه وحولت عليه الحوالات وضبط الباشا حصص الالتزام التي كتبت بإسم الزوجة ومنها قلقشندة بالقليوبية وسوادة ودفرينة بالجهة القبلية وغير ذلك وبعد انقضاء عدة الزوجة أستاذن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن اخي المتوفي الذي هو السيد أحمد أبو الاقبال الذي تولى خلافة بيتهم فاذن بذلك فحضر في الحال واجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التي في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها أولاد واستقر المشار إليه في المنزل خليفة وشيخا على سجادتهم وسكن معه اخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقا وخيرا واتفاقا واشرق نجم المتصدر على افق السعادةاشراقا فهو أبو الاقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة واضح البرهان.. أن الهلال إذا رأيت نموه ايقنت أن سيزيد في اللمعان. ومات الشيخ الناسك محمد بن عبد الرحمن اليوسي المغربي وردالى مصر وحج ورجع ونزل بدار الحاج مصطفى الهجين العطار منجمعا عن خلطة الناس والسعي على طريقة حميدة ومذاكرة حسنة ويأتي إليه الناس يزورونه ويتبركون به ويسألونه الدعاء ويستفهمون منه مسائل فجيب كل إنسان بما ينسر منه بتواضع وانكسار وتزهيد في الدنيا وتمرض سنينا وتوفي يوم الثلاثاء عشرين المحرم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بجانب الخطيب الشربيني بتربة المجاورين وهي القرافة الكبرى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين والف استهل المحرم بيوم الجمعة فيه في ليلة الجمعة ثامنه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وفيها الأخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب أمير مكة وقبض على أولاده الثلاثة وأربعة عبيد طواشية من عبيده وارسلهم إلى جدة وانزلهم في مركب من مراكبه وهي وأصلة بهم والذي وصل في مركب صغيرة تسمى السبحان سبقتهم في الحضور إلى السويس وأخبروا أيضا في المكاتبة أنه لما قبض عليهم أحضر يحيى ابن الشريف سرور وقلده الإمارة عوضا عن عمه غالب وقبضوا أيضا على وزيره الذي بجدة وأصحبوه معهم وقلد مكانه في الكمارك شخصا من الاتراك يسمى علي الوجاقلي فلما وصل الهجان بهذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 المكاتبة إلى السيد محمد المحروقي ليلا ركب من وقته إلى كتخدا بك في بيته واطلعه على المكاتبات فلما طلع النهار نهار يوم الجمعة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما وسرورا بذلك. وفيه احتفل كتخدا بك بعمل مهم أيضا لزواج إسمعيل باشا ابن محمد علي باشا ومحمد بك الدفتردار على ابنة الباشا وإسماعيل باشا على ابنة عارف بك ابن خليل باشا التي أحضرها صحبته من إسلامبول وقد ذكر العقد عليهما في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من السنة الماضية قبل توجه الباشا إلى الحجاز فألزم كتخدا بك السيد محمد المحروقي بتنظيم الفرح والاحتياجات واللوازم واتفقوا على أن يكون نصبة الفرح ببركة الازبكية تجاه بيت حريم الباشا وطاهر باشا تعمل الولائم واجتماع المدعوين ببيت طاهر باشا والمطبخ بخرائب بيت الصابونجي وارسدوا أوراق التنابيه للمدعوين على طبقات الناس بالترتيب ونصبوا بوسط البركة عدة صواري لأجل الوقدات والقناديل التي تعمل عليها التصاوير من القناديل فترى من البعد صورة مركب أو سبعين متقابلين أو شجرة أو محمل على جمل أو كتابة مثل ما شاء الله نحو ذلك وصفوا بوسط البركة عدة مدافع صفين متقابلين ونصب بهلوان الحبل حبله أوله من اتجاه بيت الباشا وآخره برأس المنارة التي جهة حارة الفوالة خلف رصيف الخشاب حيث الابنية المتخربة في الحوادث الماضية بالقرب من القشلة وعمارات محمد باشا خسرو التي لم تكمل وبهلوان آخر شامي بالناحية الأخرى وانتقل السيد محمد المحروقي من داره إلى بيت الشرايبي تجاه جامع ازبك لأجل مباشرة المهمات فلما أصبح يوم السبت وهو يوم الابتداء ودعوة الأشياخ رتبوهم فرقتين فرقة تاني ضحوة النهار وأخرى بعد العصر واجتمع بالازبكية أصناف أرباب الملاعيب والمغز لكين والجنباذية والحببظية والحواة والقرداتية والرقاصين والربامكة وغير ذلك أصناف وأشكال فاحتفلت واقبل من كل ناحية أصناف الناس رجال ونساء واقارب واباعد وأكابر واصاغر وعساكر وفلاحون ويهود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 ونصارى واروام لأجل التفرج حتى ازدحمت الطرق الموصلة إلى الازبكية من جميع النواحي بأنصاف الناس الذاهبين والراجعين والمترددين واستمر ضرب المدفع من ليلة السبت المذكور إلى ليلة الجمعة التالية الأخرى ليلا ونهارا والحرائق والنفوط والسواريخ في الليل ولعبت أرباب الملاعيب والبهلوانات على الحبال وكذلك احتفل النصارى وعملوا وقدات وحراقات تجاه حاراتهم ومساكنهم وصادف ذلك عيد الميلاد وعملوا لهم مراجيح وملاعيب. وفي اثناء ذلك وقع التنبيه على أصحاب الحرف والصنائع بعمل عربات مشكلة وممثلة بحرفتهم وصنائعهم ليمشوا بها في زفة العروس فاعتنى أهل كل حرفة وصناعة بتنميق وتزيين شكله وتباهوا وتناظروا وتفاخروا على بعضهم البعض فكان كل من سولت له نفسه وحدثه الشيطان باحداث شىء فعله وذهب إلى المتعين لذلك فيعطيه ورقة لأن ذلك لم يكن لاناس مخصوصة أو عدد مقدر بل بتحكماتهم والزم بعضهم البعض فيفرض رئيس الحرفة على أشخاص أهلها فرائض ودراهم يجمعها منهم وينفقها على العربة وما يلزمها من اخشاب وحبال وحمير أو خيل أو رجال يسحبونها وما يكتريه أو يستعيره لزينتها من المزركشات والمقصبات والطليعات وادوات الصنعة التي تتميز بها عن غيرها فتصير في الشكل كأنها حانوت والبائع جالس فيها كالحلواني وإمامه الأواني فيها أنواع الحلو والسكري وحوله أواني الملبس واقماع السكر معلقة حوله والشربات والشربتلي والعطار والحريري والعقاد البلدي والرومي والزيات والحداد والنجار والخياط والقزاز والحباك والنشار وهو ينشر الخشب بمنشاره المعلق والطحان والفران ومعه الفرن وهو يخبز فيه الفطاطري والجزار وحوله لحم الغنم ومثله جزار الجاموس والكبابجي والنيفاوي وقلاء الجبن والسمك والجيارين والجباسين بالبحر والثور يدور به وهو ماش بالعربة والبناء والمبلط والمبيض النحاس وللبناء والسمكري تتمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 إحدى وتسعون عربة وفيهم حتى المراكبي في قنجة كبيرة كامل العدة والقلوع تمشى على الأرض على العجل خلاف أربع عربات المختصة بالعروس فلما كان يوم الأربعاء سحبوا تلك العربات وانجروا بمواكبهم وطبولهم وزمورهم وإمام كل عربة أهل حرفتها وصناعتها مشاة خلف الطبول والزمور وهم مزينون بالملابس وملابسهم الفاخرة وأكثرها مستعارة فكانوا ينزلون إلى البركة من ناحية باب الهواء ويمرون من تحت بيت الباشا إلى ناحية رصيف الخشاب ويأتي كبير الحرفة بورقته إلى المتعين لملاقاتهم فينعم عليه بخلعة ودراهم فيعطى البعض شال كشميري والفين فضة والبعض طاقة تفصيلة قطني أو أربعة اذرع جوخ على قدر مقام الصنعة وأهلها واستمر مرورهم من أول النهار إلى بعد الغروب واصطفوا بأسرهم عند رصيف الخشاب ولما أصبح يوم الخميس رتبوا مرور الزفة وعين لترتيبها أشخاصا ومنهم السيد محمد درب الشمسي وهو كبير المنظمين وكان خروجها من بيت الحريم وهو الذي كان سكن الشيخ خليل البكري وذهبوا وانجروا على طريق الموسكي على تحت الربع إلى باب زويلة إلى الغورية إلى بين القصرين إلى سوق مرجوش إلى باب الحديد إلى بولاق إلى سراية إسماعيل باشا التي جددوها قبلي بولاق قريبا من الشون فلم تصل إلى منزلها إلا عند الغروب وكان أول الزفة طائفة من العسكر الدلاة ثم والي الشرطة ثم المحتسب ثم موكب آغات الينكجرية وبعدهم المساخر والنقاقير وعدتها عشرة نقاقير وعلى كل نقارة تفصيلة ثم العربات المذكورة وفيها أيضا تجار الغورية وطائفة تجار خان الخليلي في موكب حفل وتجار الحمزاوي من نصارى الشوام وغيرهم وكان يوما مشهودا اجتمعت فيه الخلائق للفرجة في طرقها حتى طريق بولاق واكترى الناس الأماكن المطلة على الشارع والحوانيت بأغلى الأثمان ولما وصلت العروس إلى قصرها ضربوا عدة مدافع من بولاق والازبكية والجيزة وكان العزم على المهم الثاني والابتداء فيه من يوم السبت الذي بعد الجمعة فرسموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 بتأخير إلى الجمعة الأخرى لتأخر أم العريس ومن يصحبها من النساء واقمن ببولاق تلك الجمعة واستمرت قصبة الصواري والحبال والالات على حالها بالازبكية. وفي يوم الأحد سابع عشره وصل السيد غالب شريف مكة إلى مصر القديمة وقد اتت به السفينة من القلزم إلى مرساة ثغر القصير فتلقاه إبراهيم باشا وحضر صحبته إلى قنا وقوص ثم ركب النيل بمن معه من أولاده وعبيده والعسكر الواصلين صحبته وحضر إلى مصر القديمة فلما وصل الخبر إلى كتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بوصوله واكراما على حد قوله تعالى دق انك أنت العزيز الكريم وركب صالح بك السلحدار وأحمد أغا اخو كتخدا بك في طائفة لملاقاته واحضاره وهيؤا له مكانا بمنزل أحمد أغا اخي كتخدا بك بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا بك بعطفه ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا هناك وصحبته بونابارته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وإبراهيم أغا آغات الباب والسيد محمد المحروقي فلما وصل إلى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولا قو عند سلم الركوبة وقبلوا يده ولزم الكتخدا بيده تحت ابطه حتى صعد إلى محل الجلوس الذي اعدوه له واستمر الكتخدا قائما على قدميه حتى اذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة وعرفه الكتخدا عن السيد محمد المحروقي فتقدم وقبل يده فقام له وسلم عليه وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره ثم أن الكتخدا اعتذر له باشتغاله بأحوال الدولة وأستاذنه في الذهاب إلى ديوانه وعرفه أن اخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه فقبل عذره وقام منصرفا هو وباقي الجماعة ما عدا السيد محمد المحروقي ومحمود بك فإن الكتخدا امرهما بالتخلف عنده ساعة فجلسا معه وتغديا صحبته ومعه أولاده الثلاثة وعبيد ثم انصرفا إلى منزلهما ولم يأذن الكتخدا لاحد من الأشياخ أو غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به والذي بلغنا في كيفية القبض عليه أنه لما ذهب الباشا إلى مكة واستمر هو وابنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة وجدد معه العهود والإيمان في جوف الكعبة بأن لا يخون أحد صاحبه وكان الباشا يذهب إليه في قلة وهو الآخر ياتي إليه والى ابنه كذلك واستمروا على ذلك خمسة عشر يوما من ذي القعدة دعاه طوسون باشا إليه فأتى إليه كعادته في قلة فوجد بالدار عساكر كثيرة فعند ما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة وطلع إلى المجلس فدنا منه وأخذ الجنبية من حزامه وقال له: أنت مطلوب للدولة فقال: سمعا وطاعة ولكن حتى اقضى اشغالي في ظرف ثلاثة أيام واتوجه فقال: لا سبيل إلى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة وصعدوا على ابراج سرايته وأرادوا الحرب فأرسل إليهم الباشا يقول لهم: إن وقع منكم حرب احرقت البلدة وقتلت أستاذكم وأرسل لهم أيضا الشريف يكفهم عن ذلك وكان بها أولاده الثلاثة فحضر إليهم الشيخ أحمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم وقال لهم: لم يكن هناك باس وإنما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم نيابة عن أبيه إلى حين رجوعه ولم يزل حتى انخدع كبيرهم لكلامه وقاموا معه فذهب بهم إلى محل خلاف الذي به والدهم محتفظا بهم وفي الوقت أحضر الباشا الشريف يحيى بن سرور وهو ابن اخي الشريف غالب وخلع عليه وقلده إمارة مكة ونودي في البلدة بإسمه وعزل الشريف غالبا حسب الأوامر السلطانية واستمر الشريف غالب أربعة أيام عند طوسون باشا ثم اركبوه وأصحبوا معه عدة من العسكر وذهبوا به وبأولاده إلى بندر جدة وانزلوهم السفينة وساروا بها من ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر. وفي يوم الأربعاء وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده مثالان فعمل كتخدا بك ديوانا في صبيحة يوم الخميس حادي عشرينه وقرئ ذلك وهما مثالان يتضمن احدهما التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 السنة الجديدة والثاني الأخبار والبشارة باستيلاء العثمانيين على بلاد الصرب ولما فرغوا من قراءتها ضربوا عدة مدافع من القعلة وفي عصرية ذلك اليوم حضر حريم الباشا من بولاق إلى الازبكية في عربات فضربوا لحضورهن مدافع من الازبكية وشرعوا في عمل المهم الثاني لابنة الباشا على الدفتردار وافتتحوا ذلك من ليلة السبت على النسق المتقدم وعملوا العزائم والولائم واحتفلوا زيد من المهم الأول وأحضروا الشريف غالبا واعدوا له مكانا ببيت الشرايبي على حدته هو وأولاده ليتفرجوا على الملاعيب والبهلوانات نهارا والشنك والحراقات ليلا وعلى الشريف وأولاده الحرس ولايجتمع بهم أحد على الوجه والصورة التي كانوا عليها بالمنزل الذي نزلوا فيه فلما كان في يوم الأربعاء اجتمع أرباب العربات وأصحابها وقد زادوا عن الأولى خمسة عشر عربة وفيهم معمل الزجاج وباتوا بنواحي البركة على النسق المتقدم ونصبوا لهم خياما تقيهم من البرد والمطر لأن الوقت شات ولما أصبح يوم الخميس انجرت العربات وموكب الزفة من ناحية باب الهواء على قنطرة الموسكي على باب الخرق على درب الجماميز وعطفوا من الصليبة على المظفر على السروجية على قصبة رضوان بك على باب زويلة على شارع الغورية على الجمالية على سوق مرجوش على بين السورين على لازبكية على باب الهواء إلى المنزل الذي اعدوه لها وهو بيت ابنة إسمعيل بك وهي بنت إبراهيم بك وكانت متزوجة بإسمعيل بك ولما مات تزوج بها مملوكه محمد أغا ويعرف بالالفي وقد تولى اغاوية مستحفظان في هذه الدولة واعتنى بهذه الدار وعمر بها مكانين بداخل الحريم وزخرفها ونقشها نقشا بديعا صناعة صناع العجم واستمروا في نقشها سنتين ولما ماتت المذكورة في أوائل هذه السنة واستمر هو ساكنا فيها وانزل الباشا عنده القاضي المنفصل عن قضاء مصر المعروف ببهجة أفندي وقاضي مكة صادق أفندي حين حضر من إسلامبول ثم أمره الباشا بالخروج منها واخلائها لأجل أن يسكن بها ابنته هذه المزفوفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 فخرج منها في أوائل شوال وكذلك سافر القاضيان إلى الحجاز بصحبة الباشا وعند ذلك بيضوها وزادوا في زخرفتها وفرشوها بأنواع الفرش الفاخرة ونقلوا إليها جهاز العروس والصناديق وما قدم إليها من الهدايا والامتعه والجواهر والتحف من الأعيان وحريماتهم حتى من نساء الأمراء المصريين المنكوبين وقد تكلفوا فوق طاقتهم وباعوا واستدانوا وغرموا في النقوط والتقادم والهدايا في هذين المهمين ما أصبحوا به مجردين ومديونين وكان إذا قدمت إحدى المشهورات منهن هديتها عرضوها على أم العروسين التي هي زوجة الباشا فقلبت ما فيها من المصاغ المجوهر والمقصبات وغيرها فإن اعجبتها تركتها وإلا امرت بردها قائلة هذا مقام فلانة التي كانت بنت أمير مصر أو زوجة فتتكلف المسكينة للزيادة ونحو ذلك مع ما يلحقها من كسر الخاطر وانكساف البال ثم ادخلوا العروس إلى تلك الدار عندما وصلت بالزفة. ومما حصل أنه قبل مرور موكب الزفة بيومين طاف أصحاب الشرطة ومعهم رجال وبأيديهم مقياس فكلما مروا بناحة أو طريق يضيق عن القياس هدموا ما عارضهم من مساطب الدكاكين أو غيرها من الجهتين لاتساع الطريق لمرور العربات والملاعيب وغيرها فأتلفوا كثير من الابنية ونودي في يوم الأربعاء بزينة الحوانيت والطرق التي تمر عليها الزفة بالعروس. ومما حصل من الحوادث السماوية أن في يوم الخميس المذكور عندما توسطت الزفة في مرورها بوسط المدينة اطبق الجو بالغيام وامطرت السماء مطرا غزيرا حتى تبحرت الطرق وتوحلت الأرض وابتلت الخلائق من النساء والرجال المجتمعين للفرجة وخصوصا الكائنين بالسقائف وفوق الحوانيت والمساطب وأما المتعينون للمشي في الموكب ولابد الذين لامفر لهم من ذلك ولا مهرب فاختل نظامهم وابتلت ثيابهم وتكدرت طباعهم وانتقضت اوضاعهم وزادت وساوسهم وتلفت ملابسهم وهطل الغيث على الابريسم والحرير والشالات الكرخانة والسليمي والكشمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 وما زينت بها العربات من أنواع المزركش والمقصبات ونفذت على من بداخلها من القيان والاغاني الحسان وكثير من الناس وقع بعدما تزحلق وصار نوبة بالوحل ابلق ومنهم من ترك الزفة وولى هاربا في عطفة يمسح بيده في الحيط بما تلطخ بها من الرطريط وتعارجت الحمير وتعثرت البياجير وانهدم تنور الزجاج ولم ينفع به العلاج وتلف للناس شئ كثير ولايدفع قضاء الله حيلة ولاتدبير ولم تصل العروس إلى دارها إلا قبيل دنو الشمس من غروبها وعند ذلك انجلى الجو وانكشفت بيوت النور ووافق ذلك اليوم ثالث عشر طوبة من شهور القبط المحسوبة وحصل بذلك الغيث العميم النفع لمزارع الغلة والبرسيم. وفيه وردت مكاتبات من العقبة فيها الأخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل وأميرها مصطفى بك دالي باشا. وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه وصل كثير من الحجاج الاتراك وغيرهم وردوا في البحر إلى بندر السويس ووصل تابع قهوجي باشا وأخبر عنه أنه فارق مخدومه من العقبة ونزل في مركب مع أم عابدين بك وحضر إلى السويس. واستهل شهر صفر بيوم الأحد سنة 1229 مما وقع في ذلك اليوم من الحوادث أن صناع البارود الكائنين بباب اللوق حملوا نحو عشرة حمال من الجمال اوعية ملانه بارودا وهي الظروف المصنوعة من الجلود التي تسمى البطط يريدون بها القلعة فمروا من باب الخرق إلى ناحية تحت الربع فلما وصلوا تجاه معمل الشمع وبصحبة الجمال شخص عسكري فتشاجر مع الجمال ورد عليه القول فحنق منه فضربه بفرد الطبنجة فأصابت إحدى البطط فالتهبت بالنار وسرت إلى باقي لاحمال فالتهب الجميع وصعد إلى عنان السماء فاحترقت السقيفة المطلة على الشارع وما بناحيتها من البيوت والذمم اسفلها من الحوانيت وكذلك من صادف مروره في ذلك الوقت واحترق ذلك العسكري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 والجمال فيمن احترق واتفق مرور امرأة من النساء المحتشمات مع رفيقتها فاحترقت ثيابها مع رفيقتها وذهبت تجري والنار ترعى فيها وكانت دارها بالقرب من تلك الناحية فما وصلت إلى الدار حتى احترق ما عليها من الثياب واحترق أكثر جسدها ووصلت الأخرى بعدها وهي محترقة وعريانة فماتت من ليلتها ولحقتها الأخرى في صحوة اليوم الثاني ومات في هذه الحادثة أكثر من المائة نفس من رجال ونساء وأطفال وصبيان وأما الجمال فأخذوها إلى بيت أبي الشوارب وهي سود محترقة الجلود وفيها من خرجت عينه فاما يعالجوها أو ينحروها وكل هذه الذي حصل من الحرق والموت والهدم في طرفة عين. وفي الإثنين وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر وترك الحجاج بالدار الحمراء فبات في داره وأصبح عائدا إلى البركة فدخل مع المحمل يوم الأربعاء ودخل الحجاج واتبعهم بحيث أنه أخذ المسافة في أحد وعشرين يوما وسبب حضور المذكور أنه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة والمتأمر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة فحنق عليه الباشا وأمره بالذهاب إلى مصر مع المحمل. وفيه أرسل الباشا يستدعي اثنتين أو ثلاثة عينهن من محاظيه وصحبتهن خمسة من الجواري السود الاسطاوات في الطبخ وعمل أنواع الفطور فأرسلوهن في ذلك اليوم إلى السويس وصحبتهن نفيسة القهرمانة وهي من جواريه أيضا وكانت زوجا لقاضي اوغلى المحتسب الذي مات بالحجاز في العام الماضي. وفيه أيضا وصل حريم الشريف غالب فعينوا له دارا يسكنها مع حريمه جهة سويفة العزى فسكنها ومعه أولاده وعليهم المحافظون واستولى الباشا على موجودات الشريف غالب من نقود وامتعة وودائع ومخبات وشرك وتجارات وبن وبهار ونقود بمكة وجدة والهند واليمن شئ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 لا يعلم قدره إلا الله واخرجوا حريمه وجواريه من سرايته بما عليهن من الثياب بعد ما فتشوهن تفتيشا فاحشا وهتك حرمته قل الهم مالك الملك هذا الشريف غالب انتزع من مملكته وخرج من دولته وسيادته وأمواله وذخائر وانسل من ذلك كله كالشعرة من العجين حتى أنه لما ركب وخرج مع العسكر وهم متوجهون به إلى جدة أخذوا مافي جيوبه فليعتبر من يعتبر وكل الذي وقع له وما سيقع له بعد من التغريب وغيره فيما جناه من الظلم ومخالفة الشريعة والطمع في الدنيا وتحصيلها بأي طريق نسأل الله السلامة وحسن العاقبة. وفي يوم الخميس خامسه طاف الاغا أيضا بأسواق المدينة وإمامه المناداة على أبواب الخانات والوكائل من التجار بأنهم لا يتعاملون في بيع البن والبهار إلا بحساب الريال المتعارف في معاملة الناس وهو الذي يصرف تسعين نصفا لأن باعة البن لا يسمون في بيعه إلا الفرانسة ولا يقبضون في ثمنه إلا إياها بأعيانها ولايقبلون خلافها من جنس المعاملات فيحصل بذلك تعب للمتسببين الفقراء والقطاعين ومن يشتري بالقنطار أو دونه فبهذه المناداة يدفع المشتري مايشاء من جنس المعاملات قروشا أو ذهبا أو فرانسة أو أي صنف من المعاملات ويحسبه المعاملة والريال المعروف بين الناس الذي صرفه تسعون نصفا فضة وإذا سمى سعر القنطار فلا يسمى إلا بهذا الريال وهذه المناداة بإشارة السيد محمد المحروقي بسبب ما كان يقع من تعطيل الأسباب. وفيه سافر محمود بك وصحبته المعلم غالي للكشف عن قياس الأراضي البحرية التي نزل إليها القياسون بصحبة مباشريهم من النصارى والمسلمين من وقت انحسار الماء عن الأراضي وانتشروا بالاقاليم البحرية وهم يقيسون بقصبة تنقص عن القصبة القديمة. وفي يوم الإثنين تاسعه وصل حريم الشريف غالب من السويس فأنزلوهن ببيت السيد محمد المحروقي وعدتهن خمسة إحداهن جارية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 بيضاء والأربعة حبشيات ومعهن جواري سود وطواشية وحضر إليهم سيدهم وصحبته أحمد أغا اخو كتخدا بك وصحبتهم نحو العشرين نفرا من العسكر واستمر الجميع مقيمين بمنزل المذكور وهو يدري عليهم النفقات اللائقة بهم والمصاريف وفصل لهم كساوي من مقصبات وكشمير وتفاصيل هندسة. وفي يوم السبت رابع عشره خرج محو بك إلى ناحية الاثار بعساكره ليسافر من ساحل القصير إلى الحجاز باستدعاء الباشا فاستمر مقيما هناك عدة أيام لمخالفة الريح وارتحل في أواخره وفي أوائل هذا الشهر بل والذي قبله وعملوا كورنتينة في اسكندرية ودمياط فيه رجع محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما. واستهل شهر ربيع الاول 1229 وفيه انتقل الشريف غالب بعياله من بيت السيد محمد المحروقي إلى المنزل الذي اعدوه له وهو بيت لطيف باشا بسويقة العزى بعد ما أصلحوه وبيضوه واسكنوه به وعليه اليسق والعسكر الملازمون لبابه. وفيه ابرز كتخدا بك فرمانا وصل إليه من الباشا يتضمن ضبط جميع الالتزام لطرف الباشا ورفع أيدي المتزمين عن التصرف بل الملتزم يأخذ فائظه من الخزينة فلما اشيع ذلك ضج الناس وكثر فيهم اللغط واجتمعوا على المشايخ فطلعوا إلى كتخدا بك وسألوه فقال: نعم ورد من افندينا أمر ذلك ولايمكنني مخالفته فقالوا له: كيف تقطعون معايش الناس وأرزاقهم وفيهم ارامل وعواجز وللواحدة قيراط أو نصف قيراط يتعيشن من ايراده فينقطع عنهن فقال: يأخذن الفائظ من الخزينة العامرة عرضحال وننتظر الجواب فأجابهم إلى ذلك من باب المسايرة وفك المجلس وشرع الشيخ المهدي في ترصيف العرضحال فكتبوه وختموا عليه بعد امتناع البعض الذي ليس له التزام وكثر اللغط فيهم بسبب ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 وفي خامسه حضر جمع كثير من النساء الملتزمات إلى الجامع الأزهر وصرخوا في وجوه الفقهاء وابطلوا الدروس وبددوا محافظهم وأوراقهم فتفرقوا وذهبوا إلى دورهم وكان قد اجتمع معهم الكثير من العامة واستمروا في هرج إلى بعد العصر ثم جاءهم من يقول لهم كلاما كذبا سكن به حدتهم فانفض الجمع وذهب النساء وهن يقلن نأتي في كل يوم على هذا المنوال حتى يفرجوا لنا عن حصصنا ومعايشنا وأرزاقنا وفي ظن الناس وغفلتهم أن في الاناء بقية أوانهم يدفعون الرزية وما علموا أن البساط قد انطوى وكل قد ضل واضل وغوى ومال عن الصراط واتبع الهوى وكلب الجور قد كشر انيابه وعوى ولم يجد له طاردا ولا معارضا ولا معاندا ولما وصل الخبر إلى كتخدا بك طلب بعض المشايخ وقال له: ما خبر هذه الجمعية بالأزهر فقال له: بسبب ما بلغهم عن قطع معاشهم وإنما أنتم الذين تسلطونهم على هذه الفعال لاغراضكم ولابد إني استخبر على من غراهم واخرج من حقه وطلبه علي أغا الوالي وقال له: أخبرني عن هؤلاء النساء من أي البيوت فقال: وما علمي ومن يميزهن وغالبهن وأكثرهن نساء العساكر ولا قدرة لي على منعهن وانفض المجلس وبردت همتهم وانكمشوا وشرعوا في تنفيذ ما امروا به وترتيبه وتنظيمه. وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي فأقاما أياما وسافرا في ثالث عشره. وفيه أحضروا حسن أغا محرم المعروف بنجائي من إقليم المنوفيه وهو مريض وتوفي في ثاني يوم ودفن. وفي خامس عشره مر الاغا والوالي واغات التبديل وهم يأمرون الناس بكنس الأسواق ورشها حالا في ذلك الوقت من غير تأخير فابتدر الناس ونزلوا من حوانيتهم وبأيديهم المكانس يكنسون بها تحت حوانيتهم ثم يرشونها. وفي تاسع عشره حضر الشريف عبد الله ابن الشريف سرور ارسله الباشا إلى مصر من ناحية القصير منفيا من أرض الحجاز فأنزلوه بمنزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 أحمد أغا كتخدا بك محجورا عليه ولم يجتمع بعمه ولم يره. وفيه كثر الطلب للريال الفرانسه بسبب احتياج دار الضرب وما يرسل إلى الباشا من ذلك والزموا التجار باحضار جملة من ذلك ويأخذون بدلها قروشا فوزعوا مقادير على افرادهم بما يحتمله وجمعوا ماقدروا عليه منها. وفيه شنق شخص يسمى صالحا عند باب زويلة واستمر معلقا يومين وسبب ذلك أنه يدعي الجذب والولاية وتزوج امرأة وأخذ متاعها ومالها وحصل لها خلل في عقلها فأنهوا أمره إلى كتخدا بك فامر بحبسه واستخلصوا منه جانبا مما أخذه من متاع المرأة وكثر كلام الناس في حقه فامر الكتخدا بشنقه. وفي أواخره حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية ونزل بالبيت الذي اشتراه بنحاية الجمالية بدرب المسمط وهو بيت أحمد بن محرم. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء سنة 1229 وفي ليلة الإثنين سادسه حضر ميمش أغا من ناحية الحجاز مرسلا من عند الباشا بأستعمال حسن باشا للحضور إلى الحجاز وكان قبل ذلك بأيام أرسل يطلب سبعة الاف عسكري وسبعة الاف كيس فشرع كتخدا بك في استكتاب أشخاص من اخلاط العالم ما بين مغاربة وصعايدة وفلاحي القرى فكان كل من ضاق به الحال في معاشه يذهب ويعرض نفسه فيكتبونه وأن كان وجيها جعله اميرا على مائة أو مائتين ويعطيه اكياسا يفرقها في انفاره ويشتري فرسا وسلاحا ويتقلد بسيف وطبنجات وكذلك انفاره ويلبسون قناطيش ولباسا مثل لبس العسكر ويعبى له وزنه بارود تحت ابطه ويأخذ على كتفه بندقية ويمشون إمام كبيرهم مثل الموكب وفيهم أشخاص من الغعلة الذين يستعملون في شيل التراب والطين في العمائر وبرابرة وأرسل الكتخدا إلى الفيوم وغيرها بطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 رجال من أمثال ذلك وجمعوا الكثير من أرباب الصنائع مثل الخبازين والفرانين والنجارين والحدادين والبيطارة وغيرهم من أرباب الصنائع ويسحبونهم قهرا فأغلق الفرانون مخابزهم وتعطل خبيز خبز الناس أياما. وفيه ورد الطلب لحسن باشا فشرع في تشهيل أحواله ولوازم سفر ثم حضر ميمش أغا باستعجاله واستعجال المطلوبات من الأموال وغيرها. وفيه قبضوا على اليهود الموردين الذين يوردون الذهب والفضة لدار الضرب بسبب احضار الفرانسة وقد قلت بأيدي الناس جد الكثير أخذها والطلب لها وانقطاع مجيئها من بلادها فحبسوهم وضربوهم وانزلوا في اسوا حال متحيرين وذلك أن راتب الضربخانة سبعة ألاف في كل يوم عنها ثلاثة وستون ألف درهم وقدرها ثلاث مرات من النحاس يضربون ذلك قروشا حتى بلغ سعر النحاس القراضة مائة وعشرين نصفا فضة. وفي تاسعه حضر محمود بك الدويدار والمعلم غالي من سرحتهما إلى مصروهما المتأمران على مباشرة قياس الأراضي وتشهيل المال المفروض وسبب حضورهما أن إبراهيم باشا أرسل بطلبهما للحضور ليتشاور معهما في أمر فاقاما أربعة أيام وعادا راجعين إلى شغلهما. وفي منتصفه سافر إبراهيم باشا عائدا إلى اسيوط وذهب صحبته اخوه إسمعيل باشا والبيكات الصغار خوفا وهروبا من الطاعون. وفيه كمل تعمير الجامع الذي عمره دبوس اوغلي الذي بقرب داره التي بفيط العدة وهو جامع جوهر العيني وكان قد تخرب فهدمه جميعه وانشأه وزخرفه ونقل لعمارته انقاضا كثيرة واخشابا ورخاما من بيت أبي الشوارب وعمل به منبرا بديع الصنعة واستخلص جهة أوقافه اطيانا وأماكن من واضعي اليد. وفيه أرسلوا جملة اخشاب إلى حجاز مطلوبة إلى الباشا. وفيه أيضا نادوا على سكان الجيزة بالخروج منها بعد عصر يوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 السبت ومن لا يريد الخروج فلا يخرج بعد ذلك ومن خرج فلا يدخل وامهلوهم إلى الغروب فخرجوا بأمتعتهم وأطفالهم وأولادهم وأوانيهم إلى خارج البلدة وبات الأكثر منهم تحت السماء لضيق الوقت على الرحيل إلى بلدة أخرى وخرج أيضا الكثير من عساكرهم واتباعهم ممن لا يريد المقام والحبس فكانوا كلما وجدوا من حمل متاعه من أهل البلدة على حمار ليذهب إلى جهة يستقر بها رموا به إلى الأرض وأخذوا الحمار وحصل لأهل الجيزة في تلك الليلة ما لا مزيد عليه من الكر ب والجلاء عن اوطانهم وكل ذلك مجرد وهم مع قلة وجود الطعن إلا النزر السير. وفي ثالث عشرينه سافرت خزينة المال المطلوبة إلى الباشا إلى جهة السويس وأصبحوا معها عدة كبيرة من عسكر الدلاة لخفارتها وقدرها الفان وخمسمائة كيس جميعها قروش. شهر جمادي الأولى سنة 1229 استهل بيوم الجمعة في ثالثه خرج حسن باشا بعساكره ونزل بعساكره ونزل بوطاقه وخيامه التي نصبت له بالعادلية قبل خروجه بيومين. وفي رابعه وصلت هجانة من ناحية الحجاز بطلب حسين بك دالي باشا واخشاب واحتياجات وجمال والذي أخبر به المخبرون عن الباشا وعساكره وأن طوسون باشا وعابدين ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها: غالية فوقعت بينهم حروب ثمانية أيام ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل ولأن العربان نفرت طباعهم من الباشا لما حصل منه في حق الشريف من القبض عليه وهاجر الكثير من الاشراف وانضموا إلى الاخصام وتفرقوا في النواحي ومنهم شخص يقال له الشريف: راجح فأتى من خلف العسكر وقت قيام الحرب وحاربهم ونهب الذخيرة والاحمال وقطع عنهم المدد وأخبروا أن الجمال قل وجودها عند الباشا ويشتريها من العربان المسالمين له بأغلى ثمن وأخبروا أيضا أنه واقع بالحرمين غلاء شديد لقلة الجالب واحتكار الباشا للغلال الواصلة إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 من مصر فيبيعه حتى على عسكره بأغلى ثمن مع التجبر على المسافرين والحجاج في استصحابهم شيئا من الحب والدقيق فيفتشون متاعهم في السويس ويأخذون ما يجدونه معهم مما يتزودون به في سفرهم من القمح أو الدقيق وما يكون معهم من الفرانسة لنفقتهم واعطوهم بدلها من القروش. وفيه بلغ صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية ثمانمائة وعشرين نصفا عنها ثمانية قروش والمشخص عشرون قرشا وقل وجود الفرانسة والمشخص والمحبوب المصري بأيدي الناس جدا ثم نودي على أن يصرف الريال بسبعة قروش والمشخص بستة عشر قرشا وشددوا في ذلك وعاقبوا من زاد على ذلك في قبض أثمان المبيعات واطلقوا في الناس جواسيس وعيونا فمن عثروا عليه في مبيع اوغيره أنه قبض بالزيادة أحاطوا به وأخذوه وعاقبوه بالحبس والضرب والتغريم وربما أرسلوا من طرفهم أشخاصا متنكرين ياتي احدهم للبائع فيساومه السلعة كانه مشتر ويدفع له في صمن الثمن ريالا أو مشخصا ويحسبه بحسابه الأول ويناكره في ذلك فربما تجاز البائع خوفا من بوار سلعته وخصوصا إذا كانت البيعة رابحة أو بيعة استفتاح على زعم الباعة وقلة الزبون بسبب وقف حال الناس أو افلاسهم فما هو إلا أن يتباعد عنه يسيرا فما يشعر إلا وهو بين يدي الاعوان ويلاقي وعده. وفي منتصفه وصلت قافلة من السويس وفيها جملة من العسكر المتمرضين ونحو العشرة من كبارهم نفاهم الباشا إلى مصر وفيهم حجوا اوغلى ودالي حسن وعلي اغادرمنلي وترجوا وحسن أغا ازرجنلي ومصطفى ميسوا وأحمد أغا قنبور. وليه أيضا خرج عسكر المغاربة ومن معهم من الاجناس المختلفه إلى مصر العتيقة ليذهبوا من ناحية القصير إلى الحجاز وأما محو بك فإنه لم يزل بقنا القلة! المراكب بالقصير التي تحملهم إلى الحجاز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 وفي سادس عشره وصلت قافلة وفيها انفار من أهل مكة والمدينة وسفار وبضائع تجارة بن واقمشة وبياض شئ كثير وقد اتت إلى جدة من تجارات الشريف غالب ولم يبلغهم خبر الشريف غالب وما حصل له فلما حضر وضع الباشا يده عليه جميعه وأرسل إلى مصر فتولى ذلك السيد محمد المحروقي ورقها على التجارة بالثمن الذي قدره عليهم والزمهم أن لا يدفعوه إلا فرانسة. وفي هذا الشهر وصل الخبر بموت الشيخ مسعود كبير الوهابية وتولى مكانه ابنه عبد الله. وفيه خرج طائفة الكتبة والاقباط والروزنامجي والجاجرتية وذهب الجميع إلى جزيرة شلقان ليحرروا دفاتر على الروك الذي راكوه من قياس الأراضي زيادة الاطيان وجفل الكثير من الفلاحين وأهالي الارياف وتركوا اوطانهم وزرعهم وهالهم هذا الواقع لكونهم لم يعتادوه ويألفوه وباعوا مواشيهم ودفعوا أثمانها في الذي طلع عليهم في الزيادات الهائلة وسيعودون مثل الكلاب ويعتادون سلخ الارهاب وأما الملتزمون فبقوا حيارى باهتين وارتفع أيدي تصرفهم في حصصهم ولايدرون عاقبة امرهم منتظرين رحمة ربهم وأن وقت الحصاد وهم ممنوعون عن ضم زرع وسياهم إلى أن اذان لهم الكتخدا بذلك وكتب لهم أوراقا وتوجهوا بأنفهسم أو بمن ينوب عن مخدومه وأراد ضم زرعه ولم يجد من يطيعه بهم وتطاولوا عليهم بالالسنة فيقول الحرفوش منهم: إذا دعى للشغل بأجرته روح انظر غيري أنا مشغول في شغلي أنتم ايش بقالكم في البلاد قد انقضت أيامكم احنا صرنا فلاحين الباشا وقد كانوا مع الملتزمين اذل من العبيد المشترى فربما أن العبد يهرب من سيده إذا كلفه فوق طاقته أو اهانه بالضرب وأما الفلاح فلا يمكنه ولايسهل به أن يترك وطنه وأولاده وعياله ويهرب وإذا هرب إلى بلدة أخرى واستعلم أستاذه مكانه أحضره قهرا وازادا ذلا ومقتا واهانة وكان من طرائفهم أنه إذا أن وقت الحصاد والتحضير طلب الملتزم أوقائم مقامه الفلاحين فينادي عليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 الغفير امس اليوم المطلوبين في صبحه بالتبكير إلى شغل اللمتزم فمن تخلف لعذر أحضره الغفير أو المشد وسحبه من شنبه واشبعه سبا وشتما وضربا وهو المسمى عندهم بالعونة والسخرة واعتادوا ذلك بل يرونه من اللازم الواجب وهذا خلاف ما يلقونه من الاذلال والتحكم من مشايخهم والشاهد والنصراني الصراف وهو العمدة والعهدة خصوصا عند قبض المال فيغالطهم ويناكرهم وهم له اطوع من أستاذهم وأمره نافذ فيهم فيأمر قائمقام بحبس من شاء اوضربه محتجا عليهم ببواقي لا يدفعها وإذا غلق احدهم ماعليه من المال الذي وجب عليه في قائمة المصروف وطلب من المعلم ورده وهي ورقه الغلاق وعده لوقت آخر حتى يحرر حسابه فلا يقدر الفلاح على مرادته خوفا منه فإذا سأله من بعد ذلك قال له: بقي عليك جبتان من فدان أو خروبتان أو نحو ذلك ولايعطيه ورقة الغلاق حتى يستوفي منه قدر المال أو يصانعه بالهدية والرشوة وغير ذلك أمور واحكام خارجة عن إدراك البهيمية فضلا عن البشرية كالشكاوي ونحوها وذلك كما إذا تشاجر احدهم مع آخر على أمر جزئي بادر احدهم الحضور إلى الملتزم وتمثل بين يديه قائلا اشكو إليه فلانا بمائة ريال مثلا فبمجرد قوله ذاك يأمر بكتابة ورقة خطابا إلى قائمقام أو المشايخ بأحضار ذلك الرجل المشتكي واستخلاص القدر الذي ذكره الشاكي قليلا أو كثيرا أو حبسه وضربه حتى يدفع ذلك القدر ويرسل والورقة مع بعض اتباعه ويكتب بها مشها كراء طريقة قليلا أو كثير أو يسمونه حق الطريق فعند وصوله أول شئ يطالب به الرجل حق الطريق المعين ثم الشكوى فإن بادر ودفعها وإلا حبس أو حضر به المعين إلى بيت أستاذه فيوعده الحبس ويعاقبه بالضرب حتى يوفي القدر الذي تلفظ به الشاكي وأن تاخر عن حضوره المعين اردفه بآخر وحق طريق الاخر كذاك ويسمونها الاستعجالة وغير ذلك احكام وأمور غير معقولة المعنى قد ربوا عليها واعتادوا لا يرون فيها بأسا ولاعيبا وقد سلط الله على هؤلاء الفلاحين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 بسوء افعالهم وعدم ديانتهم وخيانتهم واضرارهم لبعضهم البعض من لا يرحمهم ولايعفو عنهم كما قال: فيهم البدر الحجازي وسبعة بالفلح قد انزلت لما حووه من قبيح الفعال شيوخهم أستاذهم والمشد والقتل فيما بينهم والقتال مع النصارى كاشف الناحية وزد عليها كدهم في اشتغال وفقرهم ما بين عينيهم مع اسودادالوجه الوجه هذا النكال وإذا التزم بهم ذو رحمة إزدروة في أعينهم واستهانوا به وبخدمه وماطلوه في الخراج وسموه بأسماء النساء وتمنوا زوال التزامه بهم وولاية غيره من الجبارين الذين لا يخافون ربهم ولايرحمهم لينالوا بذلك اغراضهم بوصول الاذى لبعضهم وكذلك أشياخهم إذا لم يكن الملتزم ظالما يتمكنون هم أيضا من ظلم فلاحيهم لأنهم لهم يحصل له رواج لا بطلب الملتزم الزيادة والمغارم فيأخذون لأنفسهم في ضمنها ما احبوا وربما وزعوا خراج اطيانهم وزراعاتهم على الفلاحين وقد انحرم هذا الترتيب بما حدث في هذه الدولة من قياس الأراضي والفدن وما سيحدث بعد ذلك من الاحداثات التي تبدوا قرائنها شيئا بعد شئ. وفي ثاني عشرينه برز حسن بك دالي باشا خيامه إلى خارج باب النصر وخرج هو في ثاني يوم في موكب ونزل بوطاقه ليتوجه إلى الحجاز على طريق البر. وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه قبل الغروب بنحو نصف ساعة وصل جراد كثير مثل الغمام وصار يتساقط على الدور والاسطحة والازقة مثل الغمام وافسد كثيرا من الاشجار وانقطع أثره في ثاني يوم. وفي يوم الإثنين عاشره ارتحل حسن باشا من ناحية الشيخ فمر إلى بركة الحج. وفي منتصفه حضر الروزنامجي والافندية بعد أن استملى منهم القبط الدفاتر وأسماء الملتزمين ومقادير حصصهم ثم حضر محمود بك والمعلم غالي ومن معهم من الكتبة الاقباط وظهر للناس عند حضورهم نتيجة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 ما صنعوه ونظموه ورتبوه من قياس الأراضي ورك البلاد وهو أن الأراضي زادت في القياس بالقصبة التي قاسوا بها وحدودها مقدار الثلث أو الربع حتى قاسوا الرزق الاحباسية بأسماء أصحابها ومزارعيها واطيان الوسايا على حدتها حتى الاجران وما لا يصلح للزراعة وما يصلح من البور الصالح وغير الصالح فلما تم ذلك حسبوها بزياداتها الافدنة ثم جعلوها ضرائب منها ضريبة خمسة عشر ريالا وأربعة عشر واثني عشر واحد عشر وعشرة مال الفدان بحسب جودة الإقليم والأرض فبلغ ذلك مبلغا عظيما بحيث أن البلدة التي كانت يفرض عليها في مغارم الفرض التي كانوا فرضوها قبل ذلك في سنيهم الماضية ويتشكي منها الفلاحون والملتزمون ويستغيثون ويبقى منها بواقي ويعجوزن عنها ألف ريال طلع عليها في هذه اللفة عشرة آلاف ريال إلى مائة ألف وأقل وأكثر وأحضر الكتخدا إبراهيم أغا الرزاز والشيخ أحمد يوسف وخلع عليهما خلعتين وجعلوا لهما ديوانا خاصا لمن يلتزم بالقدر الذي تحرر على حصته التي في تصرفه فيعطونه ورقة تصرف ويكتب على نفسه وثيقة بأجل معلوم يقوم بدفع ذلك ويتصرف في حصته بشرط أن لا يكون له إلا اطيان الاوسية أن ساء زرعها وأخذ غلتها وأن شاء اجرها لمن شاء وليس له من مال الخراج إلا المال الحر المعين بسند الديوان والمعروف بالتقسيط وما زاد في قياس الأرض من بين الفلاحة والاوسية فهو للميري قل أو أكثر وأما الرزق الاحباسية المرصدة على البر والصدقة ولاهل المساجد والاسبلة والمكاتب والخيرات فإنهم مسحوها بقايسهم فما وجدوه زائدا عن الحد الاصلي جعلوه للديوان وما بقى قيدوه وحروره بإسم واضع اليد عليها وإسم وافقها وزعها أو ما يمليه المزارع الحاضر وقت القياس وسؤال المباشرين وقرروا عليها المال مثل ضريبة البلد فإن اثبتها صاحبها وكان بيده سند جديد من أيام الوزير وشريف أفندي وما بعده على سبقه لوقت تاريخه قيدوا له نصف مال تآجرها والنصف الثاني الباقي للديوان ورسموا لكاتب الرزق أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 يعمل ديوانا لذلك ومعه عدة من الكتبة ويأتي إليه الناس بأوراق سنداتهم فمن وجد بيده سندا جديدا كتب له صورة قيد الكشف بموجب ما هو بدفتره في ورقة فيذهب بها إلى الديوان فيقيدون ذلك بعد البحث والتعنت من الطرفين ويقع الاشتباه الكثير في أسماء أربابها وأسماء حيضانها وغيطانها فيكلفون صاحب الحاجة بإثبات ما ادعاه ويكتب له أوراقا لمشايخ الناحية وقاضيها بإثبات ما يدعيه ويعود مسافرا ويقاسي ما يقاسيه من مشقة السفر والمصرف ومعاكسة المشايخ وقاضي الناحية ثم يعود إلى الديوان بالجواب ثم يمكن الاحتجاج عليه بحجة أخرى وربما كان سعيه وتعبه على فدان واحد أو أقل أو أكثر وازدحم الناس على بيت كاتب الرزق وانفتح له بذلك باب لأنه لا يكتب كشفا حتى يأخذ عليه دراهم تعينت على قدر الافدنة واضاع الكثير من الناس ما تلقوه عن اسلافهم وما كانوا يرتزقون منه واهملوا تجديد السندات واتكلوا على ما بأيديهم من السندات القديمة لجهلهم وظنهم انقضاء الأمر وعدم دوام الحال وتغير الدولة وعود النسق الأول أو لفقرهم وعدم قدرتهم على ما ابتدعوه من كثرة المصاريف التي تصرف على تجديد السند واشتغال ما الحماية التي قدرها شريف أفندي على أراضي الرزق عن كل فدان عشرة انصاف أو خمسة فكثير من الناس استعظم ذلك واعتمد على أوراقه القديمة فضاعت عليه رزقته وانحلت وأخذها الغير والذي لم يرض بالتوت بل ولاحصل حطبة رضي بالولاش وكان الشان في أمر الرزق أن أراضيها تزيد عن موقوع أراضي البلاد زيادة كثيرة وخراجها أقل من خراج أراضي البلاد الذي يقال له: المال الحر الاصلي وليس عليها مصاريف ولا مغارم ولا تكاليف فالمزارع من الفلاحين إذا كان تحت يده تآجر رزقه أو رزقتين فإنه يكون مغبوطا ومحسودا في أهل بلده ويدفع لصاحب الاصل القدر النزر والمزارع يتلقى ذلك سلفا عن خلف ولايقدر صاحب الاصل أن يزيد عليه زيادة وخصوصا إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 كانت تحت يد بعض مشايخ البلاد فلا يقدر أحد أن يتعدى عليه من الفلاحين ويستأجرها من صاحبها وأن فعل لا يقدر على حمايتها والكثير من الرزق واسعة القياس جدا وما لها قليل جدا وخصوصا في الأراضي القبلية فإن غالبها رزق وشراوي ومتأخرات لم تمسح ولم يعلم لها فدادين ولا مقادير وقد تزيد أيضا بانحسار البحر عن سواحلها وكذلك في البلاد البحرية ولكن دون ذلك ومعظم أراضي الرزق القبلية مرصدة على جهات الاوقاف بمصر وغيرها والواضعون أيديهم عليها لا يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها إلا ما هو مرتب ومقرر من الزمن والأول السابق وهو شئ قليل وليتهم لو دفعوه فإن في أوقاف السلاطين المتقدمة القطمة من الأراضي التي عبرتها أكثر من ألف فدان وخراجها خمسون زكيبة والزكيبة خمس ويبات أو من الدراهم الفان فضة واقل وأكثر وهي تحت يد بعض كبراء البلاد يزرعها ويأخذ منها الالوف من الاردب من اجناس الغلال ويضمن ويبخل بدفع ذاك القدر اليسير لجهة وقفه ويكسر السنة على السنة فإن كانت يد صاحب الاصل قوية أو كان واضع اليد فيه خيرية وقليل ما هم دفع لأربابها ثمنها بعد أن يرد الخمسين إلى الأربعين بالتكسير والخلط ثم يبخس الثمن جدا فإن كان ثمن الاردب أربعمائة حسبه بأربعين نصفا أو أقل فيعود ثمن الخمسين زكيبة إلى ثمن زكيبتين وقس على ذلك والذي يكون تحت يده شئ من اطيان هذه الاوقاف ورثها من بعده ذريته فزرعوها وتقاسموها معتقدين ملكيتها تلقوها بالارث من مورثهم ولا يرون أن لأحد سواهم فيها حقا ولايهون بهم دفع شئ لأربابه ولو قل الاقهرا وبالجملة ما اصاب الناس إلا ما كسبت أيديهم ولا جنوا لا ثمرات اعمالهم وكان معظم ادارات دوائر عظماء النواحي وتوسعاتهم ومضايفهم من هذه الأرزاق التي تحت أيديهم بغير استحقاق إلى أن سلط الله عليهم من استحوذ على جميع ذلك وسلب عنهم ما كانوا فيه من النعمة وتشتتوا في النواحي وتغربوا عن أوطانهم وخربت دورهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 ومضايفهم وذهبت سيادتهم وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحدا وتسمع له ركزا وفي بعض أرزاق من مات أربابه وخربت جهاته ونسي أمره وبقي تحت يد من هو تحت يده من غير شئ أصلا وقد أخبرني بنحو ذلك شمس الدين ابن حمودة من مشايخ برما بالمنوفية عند ما أحضر إلى مصر في وقت هذا النظام أنه كان في حوزهم ألف فدان لاعلم للملتزم ولا غيره بها وذلك خلاف ما بأيديهم من الرزق التي يزرعونها بالمال اليسير وخلاف المرصد على مساجد بلادهم التي لم يبق لها أثر وكذلك الاسبلة وغيرها واطيانهم تحت أيديهم من غير شئ وخلاف فلاحتهم الظاهرة بالمال القليل لمصارف الحج لأنها كانت من جملة البلاد الموقوفة على مهمات أمير الحاج وقد انتسخ ذلك كله. وفيه أخبر المخبرون أن مراكب الموسم وصلت في هذا العام إلى جدة وكان لها مدة سنين ممتنعة عن الوصول خوفا من جور الشريف وزواله وتملك الدولة البلاد وظنهم فيهم العدل فاطمأنوا وعبوا متاجرهم وحضروا إلى جدة فجمع الباشا مكوسهم فبلغت أربعة وعشرين لكاواللك الواحد مائة ألف فرانسة فيكون أربعة وعشرين مائة ألف فرانسة فقبضها منهم بضائع ونقودا وحسب البضائع بأبخس الأثمان ثم التفت إلى التجار الذين اشتروا البضائع وقال لهم: إني طلبت منكم مرارا أن تقرضوني المال فادعيتم الافلاس ولما حضر الموسم بادرتم يأخذه وظهرت أموالكم التي كنتم تبخلون بها فلا بد أن تقرضوني ثلثمائة ألف فرانسة فصالحوه على مائتي ألف دفعوها له نقودا وبضائع مشترواتهم حسبها لهم العشرة ستة ثم فرض على أهل المدينة ثلاثين ألف فرانسه. واستهل شهر رجب سنة 1229. في خامسه ضربوا عدة مدافع وأخبروا بوصول بشارة وأن عساكرهم حاربوا قنفدة واستولوا عليها ولم يجدوا بها غير أهلها. وفي سادسه سار حسين بك دالي باشا بعساكره الخيالة برا. وفيه عزم على السفر والد محرم بك زوج ابنة الباشا إلى بلاده وذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 يعد عود من الحجاز فأرسلوا إلى الأعيان تنابيه بالأمر لهم بمهاداته ففعلوا وعبوا له بقجا وبناوازا واقمشة هندية محلاوية كل أمير على قدر مقامه. وفي ليلة الادثنين تاسعه حصلت في وقت اذان العشاء زلزلة نحو دقيقتين وكان المؤذنون طلعوا على المنارات وشرعوا في الاذان فلما اهتزت بهم ظن كل من كان على منارة سقوطها فأسرعوا بالنزول فلما علموا أنها زلزلة طلعوا واعادوا الاذان وسقط من شرائف الجامع الأزهر شرافة وتحركت الأرض أيضا في خامس ساعة من الليل ولكن دون الأولى وكذلك وقت الشروق هزة لطيفة. وفي حادي عشره هرب الشريف عبد الله ابن الشريف سرور في وقت الفجرية ولم يشعروا بهروبه إلا بعد الظهر فلما بلغ كتخدا بك الخبر فتكدر لذلك وأرسل إلى مشايخ الحارات وغيرهم وبث العربان في الجهات فلما كان ليلة السبت حضروا به وقت الغروب وقد حجزوه بحلوان واتوا به إلى بيت السيد محمد المحروقي فأخذه إلى كتخدا بك فأرسله إلى بيت أخيه أحمد أغا ومن ذلك الوقت ضيقوا عليه ومنعوه من الخروج والدخول بعد أن كان مطلق السراح يخرج من بيت أحمد أغا ويذهب إلى بيت عمه الشريف غالب ويعود وحده فعند ذلك ضيقوا عليه وعلى عمه أيضا. وفي يوم الخميس تاسع عشره حضر المشايخ عند كتخدا بك وعاودوه في الحطاب فيما احدثوه على الرزق وعرفوه أنه يلزم من هذا الاحداث ابطال المساجد والشعائر فتنصل من ذلك وقال: هذا شئ لا علاقة لي فيه وهذا شئ أمر به افندينا ومحمود بك والمعلم غالي ثم كلموه أيضا في صرف الجامكية المعروفة بالسائرة والدعاجوي للفقراء والعامة فوعدهم بصرفها وقت ما يتحصل المال فإن الخزينة فارغة من المال. وفي يوم السبت حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما فذهب إليهم المشايخ في ثاني يوم ثم خاطبوهما بالكلام في شأن الرزق فأجابهم المعلم غالي بقوله يا اسيادنا هذا أمر مفروغ منه بأمر افندينا من عام أول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 من قبل سفره فلا تتعبوا خاطركم واجب عليكم مساعدته خصوصا في خلاص كعبتكم ونبيكم من أيدي الخوارج فلم يردوا عليه جوابا وانصرفوا. وفي يوم الأحد تاسع عشرينه حصل كسوف شمس وكان ابتداؤه بعد الشروق ومتداره قريبا من ثلثي الجرم وثم انجلاؤه في ثاني ساعة من النهار وكانت الشمس ببرج السرطان أربعا وعشرين درجة في حادي عشره ابيب القبطي. وفيه وصلت القافلة من ناحية السويس وأخبر الواصلون عن واقعة قنفذة وما حصل بها بعد دخول العسكر إليها وذلك أنهم لما ركبوا عليها برا وبحرا وكبيرهم محمود بك وزعيم اوغلي وشريف أغا فوجدوها خالية فطلعوا إليها وملكوها من غير مدافع ولا مدجافع وليس بها غير أهلها وهم اناس ضعاف فقتلوهم وقطعوا اذانهم وارسلوها إلى مصر ليرسلوها إلى إسلامبول وعندما علم العربان بمجئ الاتراك خلوا منها ويقال لهم: عرب العسير وترافعوا عنها وكبيرهم يسمى طامي فلما استقر بها الاتراك ومضى عليهم بها نحو ثمانية أيام رجعوا عليهم وأحاطوا بهم ومنعوهم الماء فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم فانهزموا وقتل الكثير منهم ونجا محو بك بنفسه في نحو سبعة انفار وكذلك زعيم اوغلي وشريف أغا فنزلوا في سفينة وهربوا فغضب الباشا وقد كان أرسل لهم نجدة من الشفاسية الخيالة فحاربهم العرب ورجعوا منهزمين من ناحية البر وتواتر هذا الخبر. واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1229 في ثانيه حضر ميمش أغا من الديار الحجازية وعلى يده فرمانات خطابا لدبوس اوغلي واخرين يستدعيهم إلى الحضور بعساكرهم وكان دبوس اوغلي في بلده البرلس فتوجه إليه الطلب وكذلك شرح كتخدا بك في الكتابات عساكر اتراك ومغاربة وعربان وغير ذلك. وفي رابعه سافر طائفة من العسكر وأرسل كتخدا بك يمنع الحجاج الواردين من بلاد الروم وغيرهم من النزول إلى السفائن الكائنة بساحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 السويس والقصير وبأن يخلوها لأجل نزول العساكر المسافرين وبتأخير الحجاج وذلك أنه لما وصلت البشائر إلى الديار الرومية بفتح الحرمين وخلاص مكة وجدة والطائف والمدينة ووصول ابن مضيان والمضايقي وغيرهم إلى دار السلطنة وهروت الوهابين إلى بلادهم فعملوا ولائم وافراحا وتهاني وكتبت مراسيم سلطانية إلى بلاد الرومنلي والانضول بالبشائر بالفتح والاذن والترخيص والاطلاق لمن يريد الحج إلى الحرمين بالأمن والأمان والرفاهية والراحة فتحركت همم مريدي الحج لأن لهم سنين وهم ممتنعون ومتخوفون عن ورود الحج فعند ذلك اقبلوا أفواجا بحريمهم وأولادهم ومتاعهم حتى أن كثيرا من المتصوفين منهم باع داره وتعلقاته وعزم على الحج والمجاورة بالحرمين بأهله وعياله ولم يبلغهم استمرار الحروب وما بالحرمين من الغلاء والقحط إلا عند وصولهم إلى ثغر اسكندرية ولم يتحققوها إلا بمصر فوقعوا في حيرة ما بين مصدق ومكذب فمنهم من شد للسفر ولم يرجع عن عزمه وسلم الأمر لله ومنهم من تأخر بمصر إلى أن ينكشف له الحال وقرروا على كل شخص من المسافرين في مراكب السويس عشرين فرانسه وذلك خلاف اجرة متاعه وما يتزود به في سفره فإنهم يزنونه بالميزان وعلى كل اقة قدر معلوم من الدراهم وأما من يسافر في بحر النيل على جهة القصير في مراكب الباشا فيؤخذ على رأس كل شخص من مصر القديمة إلى ساحل قنا ثلاثون قرشا ثم عليه اجرة حمله من قنا إلى القصير ثم اجرة بحر القلزم أن وجد سفينة حاضرة وإلا تأخر أما بالقصير أو السويس حتى يتيسر له النزول ويقاسي ما يقاسيه في مدة انتظاره وخصوصا في الماء وغلو ثمنه ورداءته ولا يسافر شخص ويتحرك من مصر إلا بأذن كتخدا بك ويعطيه مرسوما بالاذن وبلغني أن الذين خرجوا من إسلامبول خاصة بقصد الحج نحو العشرة آلاف خلاف من وصل من بلاد الرومنلي والانضول وغيرهما وحضر الكثير من أعيانهم مثل إمام السلطان وغيره فنزل البعض بمنزل عثمان أغا وكيل دار السعادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 سابقا والبعض بمنزل السيد محمد المحروقي وبيت شيخ السادات ومنهم من استأجر دورا في الخانات والوكائل. وفيه حضر قاصد من باب الدولة وعلى يده مرسوم مضمونه الأمر باسترجاع ما أخذ من الشريف غالب من المال والذخائر إليه وكان الباشا أرسل إلى الدولة بسبحتى لؤلؤ عظام من موجودات الشريف فحضر بهما ذلك القبجي وردهما إلى الشريف غالب ثم سافر ذلك القبجي بالأوامر إلى الباشا بالحجاز. وفي سابعه وصلت هجانة باستعجال العساكر وتوالى حضور الهجانة لخصوص الاستعجال. وفي يوم السبت تاسع عشره انزلوا الشريف غالبا إلى بولاق بحريمه وأولاده وعبيده وكان قد وصل إلى مصر أغا معين بقصد سفر المذكور إلى سلانيك فنزل صحبته إلى بولاق وصالحوه عما أخذ منه من المال وغيره بخمسمائة كيس فأرادوا دفعها له قروشا فامتنع قائلا أنهم أخذوا مالي ذهبا مشخصا فرانسة فكيف أخذ بدل ذلك نحاسا لانفع بها في غير مصر فأعطوه مائتي كيس ذهبا وفرانسة وتحول الباقي وكيله مكي الخولاني ثم زودوه واعطوه سكرا وبنا وأرزا وشرابات وغير ذلك ونزل مسافرا إلى المراكب صحبة المعين إلى الحجاز من ناحية القصير وبرز ابن باشت طرابلس وصحبته عساكر أيضا إلى ناحية العادلية وأخر يقال له: قنجة بك ومعهم نحو الألف خيال من العرب والمغاربة على طريق البر إلى الحجاز. وفي يوم الخميس رابع عشرينه الموافق لسادس شهر مسرى القبطي اوفي النيل المبارك اذرعه فداروا بالرايات ونودى بالوفاء وكسروا السد في صبح يوم الجمعة بحضرة كتخدا بك والقاضي والجم الغفير من العساكر. وفي أواخره وصلت الأخبار بأن الباشا توجه إلى الطائف وابقى حسن باشا بمكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1229 في رابعه حضر موسى أغا تفكجي باشا من الديار الحجازية وكان فيمن باشر حرابة قنفدة ومن جملة من أنهزم بها وهلكت جميع عساكره وخدمه ورجع إلى مصر وصحبته أربعة انفار من الخدم. وفي عاشره خرجت العساكر المجردة لسفر الحجاز إلى بركة الحج وهم مغاربة وعربان وارتحلوا يوم الأحد ثاني عشره. وفي الأربعاء خامس عشره برز دبوس اوغلي خارج باب الفتوح ليسافر بعساكره إلى الحجاز وكذلك حسن أغا سر ششمه ونصبوا خيامهم واستمروا يخرجون من المدينة ويدخلون غدوا وعشايتهم ياكلون ويشربون جهارا في نهار رمضان ويقولون: نحن مسافرون ومجاهدون ويمرون بأسواق ويجلسون على المساطب وبأيديهم الاقصاب والشبكات التي يشربون فيها الدخان من غير احتشام ولا حياء ويجوزون بحارات الحسينية على القهاوي في الضحوة فيجدونها مغلوقة فيسألون عن القهوجي ويطلبونه ليفتح لهم القهوة ويوقد لهم النار ويغلي لهم القهوة ويسقيهم فربما هرب القهوجي واختفى منهم فيكسرون الباب ويعبثون بالاته واونيه فما يسعه المجىء وايقاد النار واشيع من ذلك أنه اجتمع بناحية عرضيهم وخيامهم الجم الكثير من النساء الخواطي والبغايا ونصبوا لهن خياما واخصاصا وانضم اليهن بياع البوظة والعرقي والحشاشون والغوازي والرقاصون وأمثال ذلك وانحشر معهم الكثير من الفساق وأهل الأهواء والعياق من أولاد البلد فكانوا جميعا عظيما يأكلون الحشيش ويشربون المكسرات ويزنون ويلوطون ويشربون الجوزة ويلعبون القمار جهارا في نهار رمضان ولياليه مختلطين مع العساكر كإنما سقط عن الجميع التكاليف وخلصوا من الحساب وسمعت ممن شاهد بعينه محمود بك المهردار الذي هو اعظم أعيانهم وهو المتولي على قياس الأراضي مع المعلم غالي وهو جالس في ديوانهم المخصوص بالقرب من سويقة اللالا وهو يشرب في النرجيلة التنباك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 ويأتونه بالغداء جهارا ويقول: أنا مسافر الشرقية لعمل نظام الأراضي. وفي غايته وصلت هجانة باستعجال العساكر. واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1229 في ليلته قلدوا عبد الله كاشف الدرندلي اميرا على ركب الحجاج. وفي يوم السبت ثالثة خرج دبوس اوغلي في موكب إلى مخيمة وكذلك حسن أغا سرششه ليسافر إلى الحجاز. وفي يوم السبت حادي عشره نزلوا بكسوة الكعبة بالطبول والزمور إلى المشهد الحسيني واجتمع الناس على عادتهم للفرجة. وفيه انتقل محمود بك والمعلم غالي إلى بيت حسن أغا نجاتي وعملوا ديوانهم فيه وتلقوا الجنينة التي به وجلسوا تحت اشجارها وربط الاقباط حميرهم فيها وشرع محمود بك في عمارة الجهة القبلية منه وانزوت صاحبة المنزل في ناحية منه. وفي سابع عشره ارتحل دبوس اوغلي وحسن أغا سرششمه ومن معهم من العساكر من منزلتهم متوجهين إلى الديار الحجازية. وفي يوم الخميس ثاني عشرينه رسم كتخدا بك بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا إلى أبي قير بسبب فتيا افتوها في حادثة ببلدهم وقضى بها قاضيهم وانهيت الدعوى إلى ديوان مصر فطلبوا إلى اعادة الدعوى فحضروا وترافعوا إلى قاضى العسكر واثبتوا عليهم الخطا فرسم بنفي الشاكي والمفتيين ولقاضي ربعهم. وفي يوم السبت رابع عشرينه عملوا موكبا لخروج المحمل واستعد الناس للفرجة على عادتهم فكان عبارة عن نحو مائة جمل تحمل روايا الماء والقرب وعدة من طائفة الدلاة على رؤسهم طراطير سود قلابها وأمير الحاج على شكلهم وخلفه أرباب الاشاير ببيارقهم وشراميطهم وطبولهم وزمورهم وجوقاتهم وخلفهم المحمل فكان مدة مرورهم مع تقطيعهم وعدم نظامهم نحو ساعتين فأين ما كان يعمل من المواكب بمصر التي يضرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 بحسنها وترتيبها ونظامها المثل في الدنيا فسبحان مغير الشؤن والأحوال. وفيه خرجت زوجة الباشا الكبيرة وهي أم أولاده تريد الحج إلى خارج باب النصر في ثلاثة تخوت والمتسفر بها بونابارته الخازندار وقد حضر لوداعها ولدها إبراهيم باشا من الصعيد وخرج لتشييعها هو واخوه إسمعيل باشا وصحبتهما محرم بك زوج ابنتها حاكم الجيزة ومصطفى بك دالي باشا ويقال: إنه اخوها وكذلك محمد بك الدفتردار زوج ابنتها أيضا وطاهر باشا وصالح بك السلحدار وارتحلت ومن معها في سادس عشرينه إلى بندر السويس وفي ذلك اليوم برزت عساكر المغاربة وغيرهم ممن تعسكر وارتحل أمير الحج من الحصوة إلى البركة. وفي يوم الثلاثاء خرجت عساكر كثيرة مجردين للسفر. وفي يوم الخميس تاسع عشرينه ارتحل أمير الحج ومن معه من البركة في تاسع ساعة من النهار وفي ذلك اليوم هبت رياح غربية شمالية باردة واشتد هبوبها أواخر النهار واطبقت السماء بالغيوم والقتام وابرق البرق برقا متتابعا وارعدت رعدا له دوي متصل ولما قرب من سمت رؤسنا كان له صوت عظيم مزعج ثم نزل مطر غزير استمر نحو نصف ساعة ثم سكن بعد أن تبحرت منه الازقة والطرق وكان ذلك اليوم رابع شهر بابه القبطي. وفيه ورد الخبر من السويس أن امرأة الباشا لما وصلت هناك وجدت عالما كبيرا من الحجاج المختلفه الاجناس ممنوعين من المراكب فصرحوا في وجهها وشكوا إليها تخلفهم وأن أمير البندر مانعهم من النزول في المراكب وبذلك المنع يفوتهم الحج الذي تجشموا الاسفر وصرفوا أيضا الأموال من اجله وهم في مشقة عظيمة من عدم الماء ولا يمكنهم الرجوع لعدم من يحملهم وأن أمير البندر يشتط عليهم في الاجرة ويأخذ على كل رأس خمسة عشر فرانسا فحلفت أنها لا تنزل إلى المركب حتى ينزل جميع من السويس من الحجاج المراكب ولا يؤخذ منهم إلا القدر الذي جعلته على كل فرد منهم فكان ما حكمت به هذه الحرمة صار لها به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 منقبة حميدة وذكرا حسنا وفرجا لهؤلاء الخلائق بعد الشدة. واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة 1229 وفي يوم الإثنين نادى المنادي بوقود قناديل سهارى على البيوت والوكائل وكل أربع دكاكين قنديل. وفي ثامنه جرسوا شخصا واركبوه على حمار بالمقلوب وهو قابض بيده على ذنب الحمار وعمموه بمصارين ذبيحة وعلى كتفه كرش بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه قيل أن سبب ذلك أنه زور حجة تقرير على أماكن تتعلق بإمرأة اجنبية وباع بعض الأماكن وكانت تلك المرأة غائبة من مصر فلما حضرت وجدت مكانها مسكونا بالذي اشتراه فرفعت قصتها إلى كتخدا بك ففعل به ذلك بعد وضوح القضية. وفي ثاني عشره سافر عبد الله ابن الشريف سرور إلى الحجاز باستدعاء من الباشا فأعطوه اكياسا وقضى اشغاله وخرج مسافرا. وفيه وقعت حادثة بحارة الكعكيين بين شخصين من الدلاتية رمحا خلف غلام بدوي عمل نفسه عسكريا مع طائفة المغاربة يدعي احدهما أن له عنده دراهم فهرب منهما إلى الخطة المذكورة فرمحا خلفه وبيد كل منهما سيفه مسلولا فدخل الغلام إلى عطفة الحمام وفزعت عليهما المغاربة المتعسكرون القاطنون بتلك الناحية وضربوا عليهما بنادق فسقط حصان أحد الدلاة واصيب راكبه وهرب رفيقه إلى كتخدا بك فأخبره فأمر باحضار كبراء المغاربة وطالبهم بالضارب فلم يتبين أمره وقبضوا على الغلام الهارب فحبسوه وفي ذلك الوقت حصل في الناس فزعة واغلقت أهل سوق الغورية والشوائين والفحامين حوانيتهم وبقي ذلك الغلام محبوسا ومات الدلاتي المضروب في ليلة السبت خامس عشره فأحضروا ذلك الغلام إلى باب زويلة وقطعوا رأسه ظلما ولم يكن هو الضارب. وفي عشرينه سافر ابن باشت طرابلس وسافر معه عسكر المغاربة الخياله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 واستهل شهر ذى الحجة الحرام ختام سنة 1229 في أوله ورد نجاب من الحجاز وأخبر بموت طاهر أفندي وهو أفندي ديوان الباشا وكان موته في شهر شوال بالمدينة حتف انفه وورد الخبر أيضا بصلح الشريف راجح مع الباشا وأنه قابله واكرمه وانعم عليه بمائتي كيس وأخبر أيضا بأنه تركه الباشا بناحية الكلخة وهي ما بين الطائف وتربة وانقضت السنة بحوادثها. وأما من مات في هذه السنة فمات العمدة الفاضل الفقيه النبيه الشيخ حسين المعروف بابن الكاشف الدمياطي ويعرف بالرشيدي تعلق بالعلم وانخلع من الامرية والجندية وحضر أشياخ العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي وانتقل من مذهب الحنفية إلى الشافعية لملازمته لهم في المعقول والمنقول وتلقى عن السيد مرتضى اسانيد الحديث والمسلسلات وحفظ القرآن في مبدأ أمره برشيد وجوده على السيد صديق وحفظ شيئا من المتون قبل مجيئه إلى مصر واكب على الاشتغال بالأزهر وتزيا بزي الفقهاء بلبس العمامة والفرجية وتصدر ودرس في الفقه والمعقول وغيرهما ولما وصل محمد باشا إلى ولاية مصر اجتمع عليه عند قلعة أبي قير فجعله إماما يصلي خلفه الأوقات وحضر معه إلى مصر ولم يزل مواظبا على وظيفته وانتفع بنسبته إليه واقتنى حصصا واقطاعات وتقلد قضايا مناصب البلاد البنادر ويأخذ ممن يتولاها الجعالات والهدايا وأخذ أيضا نظر وقف ازبك وغيره ولم يزل تحت نظره بعد انفصال محمد باشا خسرو واستمر المذكور على القراءة والاقراء حتى توفي أواخر السنة. ومات الفاضل الشيخ عبد الرحمن الجمل وهو اخو الشيخ سليمان الجمل وتفقه على أخيه ولازم دروسه وحضر غيره من أشياخ العصر ومشى على طريقة أخيه في التقشف والانجماع عن خلطة الناس ولما مات اخوه وكان يملي الدروس بجامع المشهد الحسيني بين المغرب والعشاء على جمع مجاوري الأزهر والعامة وتصدر للاقراء في محله في ذلك الوقت فقرالشمايل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 والمواهب والجلالين ولم يزل على حالته حتى توفي ثاني عشر ذي الحجة. ومات الشيخ المفيد محمد الاسناري الشهير بجاد المولى ممن جاور بالأزهر وحضر دروس وبه تخرج وواظب عليه في مجالس الذكر وتلقى عنه طريقة الخلوتية والبسه التاج وتقدم في خطابة الجمعة والاعياد بالجامع الأزهر بدلا عن الشيخ عبد الرحمن البكري عندما رفعوها عنه وخطب بجامع عمر وبمصر العتيقة يوم الاستسقاء عندما قصرت زيادة النيل في سنة ثلاث وعشرين وتأخر في الزيادة عن أوانه ولما حضر محمد باشا خسرو إلى مصر وصلى صلاة الجمعة بالأزهر في سنة سبع عشرة خلع عليه بعد الصلاة فروة سمور فكان يخرجها من الخزنة ويلبسها وقت خطبة الجمعة والاعياد وواظب على قراءة الكتب للمبتدئين كالشيخ خالد والازهرية ثم قرأ شرح الاشموني على الخلاصة واشتهر ذكره ونما أمره في أقل زمن وكان فصيحا مفوها في التقرير والالقاء لتفهيم الطلبة ولم يزل على حالة حميدة في حسن السلوك والطريقة حتى توفي في شهر الحجة وقد ناهز الأربعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 سنة ثلاثين ومائتين والف استهل المحرم بيوم الثلاثاء وفي خامسه وصل نجاب من الحجاز وعلى يده مكاتبات بالأخبار عن الباشا والحجاج بأنهم حجوا ووقفوا بعرفة وقضوا المناسك. وفي تاسعه حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية إلى داره بالجمالية. وفي عاشره يوم الخميس وصل في ليلته قابجي وعلى يده تقرير للباشا من الحجاز إلى ساحل القصير فضربوا لذلك مدافع من القلعة. وفي صبحها خرج ابن الباشا واخوه وكذلك أكابر دولتهم إلى ناحية البساتين ومنهم من عدى النيل إلى البر الغربي لملاقاته على مقتضى عادته في عجلته في الحضور وعلى حساب مضي الأيام من يوم وصوله إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 القصير فغابوا في انتظاره حتى انقضى النهار ثم رجعوا. وفي صبح اليوم الثاني خرجوا ثم عادوا إلى دورهم آخر النهار واستمروا على الخروج والرجوع ثلاثة أيام ولم يحضر زكثر لغط الناس عند ذلك واختلفت رواياتهم وأقاويلهم مدة أيام وليلا ونهارا ثم ظهر كذب هذا الخبر وأن الباشا لم يزل بأرض الحجاز وقيل أن سبب اشاعة خبر مجيئه أنه وصل إلى ساحل القصير سفينة بها سبعة عشر شخصا من العسكر فسألهم الوكيل الكائن بالقصير عن مجيئهم فأجابوه أنهم مقدمة الباشا وأنه وأصل في أثرهم فعندما سمع جوابهم أرسل خطابا إلى كاتب من الاقباط بقنا يعرفه بقدوم الباشا فكتب ذلك القبطي خطابا إلى وكيل شخص من أعيان كتبة الاقباط بأسيوط يسمى المعلم بشارة فعندما وصله الجواب أرسل جوابا إلى موكله بشارة المذكور بمصر ذلك الخبر وفي الحال طلع به إلى القلعة واعطاه لإبراهيم باشا فانتقل به إبراهيم باشا إلى مجلس كتخدا بك فخلع كتخدا بك على بشارة خلعة وأمر بضرب المدافع ونزلت المبشرون وانتشروا بالبشائر إلى بيوت الأعيان وأخذ البقاشيش ولما حصل التراخي والتباطؤ والتأخر في الحضور بعد الاشاعة أخذ الناس في اختلاف الروايات والاقاويل كعادتهم فمنهم من يقول: إنه حضر مهزوما ومنهم من يقول: مجروحا ومنهم من يثبت موته والشىء الذي اوجب في الناس هذه التخليطات وما شاهدوه من حركات أهل الدولة وانتقال نسائهم من المدينة وطلوعهم إلى القلعة بمتاعهم واخلاء الكثير منهم البيوت وانتقال طائفة الارنؤد من الدور المتباعدة واجتماعهم وسكناهم بناحية خطة عابدين وكذلك انتقل إبراهيم باشا إلى القلعة ونقل إليها الكثير من متاعه واغرب من هذا كله اشاعة اتفاق عظماء الدولة على ولاية إبراهيم باشا على الاحكام عوضا عن أبيه في يوم الخميس ويرتبوا له موكبا يركب فيه ذلك اليوم ويشق من وسط المدينة واجتمع الناس للفرجة عليه واصطفوا على المساطب والدكاكين فلم يحصل وظهر كذب ذلك كله وبطلانه واتفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 في اثناء ذلك من زيادة الأهموم والتخيلات أن رضوان كاشف المعروف بالشعراوي سد باب داره التي بالشارع بخط باب الشعرية وفتح له بابا صغيرا من داخل العطفة التي بظاهره فأوشى بعض مبغضيه إلى كتخدا بك فعلته في هذا الوقت والناس يزداد بهم الوهم ويعتقدون صحة ما دار بينهم من الاكاذيب وخصوصا كونه من الأعيان المعروفين فطلبه كتخدا بك وقال له: لأي شىء سددت باب دارك وما الذي قاله المنجم لك فقال: إن طائفة من العسكر تشاجروا بالخطة ودخلوا إلى الدار وازعجونا فسددتها من ناحية الشارع بعدا من الشر وخوفا مما جرى على داري سابقا من النهب فلم يلتفت لكلامه وأمر بقتله فشفع فيه صالح بك السلحدار وحسن أغا مستحفظان فعفا عنه من القتل وأمر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي ثم نزل بصحبته الاغا إلى داره وفتح الباب كما كان. وفي رابع وعشرينه وصلت مكاتبات من الديار الحجازية من عند الباشا وخلافه مؤرخة في ثالث عشر ذي الحجة يذكرون فيها أن الباشا بمكة وطوسون باشا ابنه بالمدينة وحسن باشا واخاه عابدين بك وخلافهم بالكلخة ما بين الطائف وتربة. واستهل شهر صفر الخير بيوم الخميس سنة 1230 وفي خامس عشرينه نودى بنقص مصارفة أصناف المعاملة وقد وصل صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية إلى ثلثمائة وأربعين نصفا عنها ثمانية قروش ونصف فنودى عليه بنقص نصف قرش والمحبوب وصل إلى عشرة قروش فنودى عليه بتسعة قروش وشددوا في هذه المناداة تشديدا زائدا وقتل كل من زاد على ذلك من غير معارضة وكتبوا مراسيم إلى جميع البنادر وفيها التشديد والتهديد والانتقام ممن يزيد. وفي أواخره التزم المعلم غالي بمال الجزية التي تطلب من النصارى على خمسة وثمانين كيسا وسبب ذلك أن بعض اتباع المقيد لقبض الجوالي قبض على شخص من النصارى وكان من قسوسهم وشدد عليه في الطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 وأهانه فأنهوا الأمر إلى المعلم غالي ففعل ذلك قصد المنع الايذاء عن ابناء جنسه ويكون الطلب منه عليهم ومنع المتظاهرين بالإسلام عنهم. واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة 1230 وفي تاسعه وصلت قافلة طياري من الحجاز قدم صحبتها السيد عبد الله القماعي ومعها هجانة من الحجاز وعلى يدهم مكاتبات وفيها الأخبار والبشرى بنصرة الباشا على العرب وأنه استولى على تربة وغنم منها جمالا وغنائم وأخذ منهم أسرى فلما وصلت الأخبار بذلك انطلق المشردون إلى بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش وضربوا في صبحها مدافع كثيرة من القلعة. وفي يوم الثلاثاء حادي عشره كان المولد النبوي فنودى في صبحه بزينة المدينة ببولاق ومصر القديمة ووقود القناديل والسهر ثلاثة أيام بلياليها فلما أصبح يوم الأربعاء والزينة بحالها إلى بعد اذان العصر نودى برفعها ففرح أهل الأسواق بإزالتها ورفعها لما يحصل لهم من التكاليف والسهر في البرد والهواء خصوصا وقد حصل في آخر ليلة رياح شديدة باردة. وفي هذه الأيام سافر محمود بك والمعلم غالي ومن يصحبهما من النصارى الاقباط وأخذوا معهم طائفة من الكتبة الافندية المختصين بالروزنامة ومنهم محمد أفندي بن حسين أفندي المنفصل عن الروزنامة ونزلوا لاعادة قياس الأراضي وتحرير الري والشراقي وسبقهم القياسون بالاقصاب نزلوا وسرحوا قبلهم بنحو عشرة أيام وشرع كشاف النواحي في قبض الترويجة من المزارعين وفرضوا على كل فدان الأدنى تسعة ريالات إلى خمسة عشر بحسب جودة الأراضي ورداءتها وهذا الطلب في غير وقته لأنه لم يحصل حصاد للزرع وليس عند الفلاحين ما يقتاتون منه ومن العجب أنه لم يقع مطر في هذه السنة ابدا ومضت أيام الشتاء ودخل فصل الربيع ولم يقع غيث ابدا سوى ما كان يحصل في بعض الأيام من غيوم واهوية غربية ينزل مع هبوبها بعض رشاش قليل لا تبتل الأرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 منه ويجف بالهواء بمجرد نزوله. وفي أواخره ورد لحضرة الباشا هدية من بلاد الانكليز وفيها طيور مختلفة الاجناس والأشكال كبار وصغار وفيها ما يتكلم ويحاكي واله مصنوعة لنقل الماء يقال له: الطلمبة وهي تنقل الماء إلى المسافة البعيدة ومن الأسفل إلى العلو ومرآة زجاج نجف كبيرة قطعة واحدة وساعة نضرب مقامات موسيقى في كل ربع يمضي من الساعة بأنغام مطربة وشمعدان به حركة غريبة كلما طالت فتيلة الشمعة غمز بحركة لطيفة فيخرج منه شخص لطيف من جانبه فيقط رأس الفتيلة بمقص لطيف بيده ويعود راجعا إلى داخل الشمعدان هذا ما بلغني ممن ادعى أنه شاهد ذلك. وفيه عملوا تسعيرة على المبيعات والمأكولات مثل اللحم والسمن والجبن والشمع ونادوا بنقص اسعارها نقصا فاحشا وشددوا في ذلك بالتنكيل والشنق والتعليق وحرم الآناف فارتفع السمن والزبد والزيت من الحوانيت واخفوه وطفقوا يبيعونه في العشيات بالسعر الذي ختارونه على الزبون وأما السمن فلكثرة طلبه لأهل الدولة شح وجوده وذا ورد منه شىء خطفوه وأخذوه من الطريق بالسعر الذي سعره الحاكم وانعدم وجود عند القبانية وإذا بيع منه شىء بيع سرابا قصى الثمن وأما السكر والصابون فبلغا الغاية في غلو الثمن وقلة الوجود لأن إبراهيم باشا احتكر السكر بأجمعه الذي يأتي من الصعيد وليس بغير الجهة القبلية شىء منه فيبيعه على ذمته وهو في الحقيقة لابيه ثم صار نفس الباشا يعطي لأهل المطابخ بالثمن الذي يعينه عليهم ويشاركهم في ربحه فزاد غلو ثمنه على الناس وبيع الرطل من السكر الصعيدي الذي كان يباع بخمسة انصاف فضة بثمانين نصفا وأما الصابون ففرضوا على تجاره غرامة فامتنع وجوده وبيع الرطل الواحد منه خفية بستين نصفا وأكثر وفي هذه الأيام غلا سعر الحنطة والفول وبيع الاردب بألف ومائتي نصف فضة خلاف الكلف والاجرة مع أن الاهراء والشون ببولاق ملانة بالغلال ويأكلها السوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 ولا يخرجون منها لبيع شيئا حتى قيل الكتخدا بك في اخراج شئ منها يباع في الناس فلم يأذن وكأنه لم يكن مأذونا من مخدومه. واستهل شهر ربيع الثاني يوم الإثنين سنة 1230 وفي وثامنه عمل محرم بك الكورنتينه بالجيزة على نسق السنة الماضية من اخراج الناس وازاعاجهم تطيرا وخوفا من الطاعون. وفيه خوزفوا شيخ عرب بلى فيما بين العزب والهلايل بعد حبسه أربعة اشهر. وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه ضربت مدافع واشيع الخبر بوصول شخص عسكري بمكاتبات من الباشا وخلافه والخبر بقدوم الباشا وانتشرت المبشرون إلى بيوت الأعيان وأصحاب المظاهر على عادتهم لأخذ البقاشيش فمن قائل أنه وصل إلى القصير من قائل أنه نزل إلى السفينه بالبحر ومنهم من يقول: إنه حضر إلى السويس ثم اختلفت الروايات وقالوا: إن الذي وصل إلى السويس حريم الباشا فقط ثم تبين كذب هذه الاقاويل وأنها مكاتبات فقط مؤرخة أواخر شهر صفر يذكرون فيها أن الباشا حصل له نصر واستولى على ناحية يقال لها: بيشة ورينة وقتل الكثير من الوهابين وأنه عازم على الذهاب إلى ناحية قنفدة ثم ينزل مد ذلك إلى البحر ويأتي إلى مصر ووصل الخبر بوفاة الشيخ إبراهيم كاتب الصرة. واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الثلاثاء سنة 1230. في سادسه يوم الأحد ضربت مدافع بعد الظهيرة لورود مكاتبة بان الباشا استولى على ناحية من النواحي جهة قنفذة. وفي يوم الجمعة ثامن عشره وصل المحمل إلى بركة الحج وصحبته من بقي من رجال الركب مثل خطيب الجبل والصيرفي والمحملجية ووردت مكاتبات بالقبض على طامي الذي جرى منه ما جرى في وقائع قنفذة السابقة وقتله العساكر فلم يزل راجح الذي اصطلح مع الباشا ينصب له الحبائل حتى صاده وذلك أنه عمل لابن أخيه مبلغا من المال أن هو أوقعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 في شركه فعمل له وليمة ودعاه إلى محلة فأتاه امنا فقبض عليه واغتاله طمعا في المال واتوا به إلى عرضي الباشا فوجهه إلى بندر جدة في الحال وانزلوه السفينة وحضروا به إلى السويس وعجلوا بحضوره فلما وصل إلى البركة والمحمل إذ ذاك بها خرجت جميع العساكر في ليلة الإثنين حادي عشرينه وانجروا في صبحها طوائف وخلفهم المحمل وبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وهو راكب على هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين وصورته رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ويقرا وهو راكب وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضر أيضا عابدين بك وتوجه إلى داره في ليلة الاثنين. واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة 1230 في خامسه وصلت عساكر في داوات إلى السويس وحضوروا إلى مصر وعلى رؤوسهم شلنجات فضة اعلاما واشارة بأنهم مجاهدون وعائدون من غزو الكفار وانهم افتتحوا بلاد الحرمين وطردوا المخالفين لدينانتهم حتى أن طوسون باشا وحسن باشا كتبا في امضائهما على المراسلات بعد اسمهما لفظه المغازي والله اعلم بخلقه. وفي تاسعه اخرجوا عساكر كثيرة وجوههم إلى الثغور ومحافظة الاساكل خوفا من طارق يطرق الثغور لأنه اشيع أن بونابارته كبير الفرنساوية خرج من الجزيرة التي كان بها ورجع إلى فرانسا وملكها واغار على بلاد الجورنه وخرج بعمارة كبيرة لا يعلم قصده إلى اي جهة يريد فربما طرق ثغر الاسكندرية أو دمياط على حين غفلة وقيل غير ذلك وسئل كتخدا بك عن سبب خروجهم فقال خوفا عليهم من الطاعون ولئلا يوخموا المدينة لأنه وقع في هذه السنة موثان بالطاعون وهلك الكثير من العسكر وأهل البلدة والأطفال والجواري والعبيد خصوصا السودان فإنه لم يبق منهم إلا القليل النادر وخلت منهم الدور. وفي منتصفه اخرج كتخدا بك صدقة تفرق على الأولاد الايتام الذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 يقرؤون بالكتاتيب ويدعون برفع الطاعون فكانوا يجمعونهم ويأتي بهم فقهاؤهم إلى بيت حسين كتخدا الكتخدا عند حيضان مصلى ويدفعون لكل صغير ورقة بها ستون نصفا فضة يأخذ منها جزا الذي يجمع الطائفة منهم ويدعي أنه معلمهم زيادة عن حصته لأن معظم المكاتب مغلوقة وليس بها أحد بسبب تعطيل الاوقاف وقطع ايرادهم وصار لهذه الأطفال جلبه وغوغاء في ذهابهم ورجوعهم في الأسواق وعلى بيت الذي يقسم عليهم. واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1230 في سادسه يوم الأربعاء وصلت هجانة من ناحية قبلي وأخبروا بوصول الباشا إلى القصير فخلع عليهم كتخدا بك مساوي ولم يامر بعمل شنك ولا مدافع حتى يتحقق صحة الخبر. وفي ليلة الجمعة ثامنه احترق بيت طاهر باشا بالازبكية والبيت الذي بجواره أيضا. وفي يوم الجمعة المذكور قبل العصر ضربت مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وذلك عندما ثبت وتحقق ورود الباشا إلى قنا وقوص ووصل أيضا حريم الباشا وطلعوا إلى قصر شبرا وركب للسلام عليها جليع نساء الأكابر والأعيان بهداياهم وتقاديمهم ومنعوا المارين من المسافرين والفلاحين الواصلين من الارياف المرور من تحت القصر الذي هو الطريق المعتاد للمسافرين فكانوا يذهبون ويمرون من طريق استحدثوها منعطفة خلف تلك الطريق ومستبعدة بمسافة طويلة. وفي ليلة الخميس رابع عشره انخسف جرم القمر جمعيه بعد الساعة الثالثة وكان في آخر برج القوس. وفي ليلة الجمعة خامس عشرة وصل الباشا إلى الجيزة ليلا فأقام بها إلى آخر الليل ثم حضر إلى داره بالازبكية فأقام بها يومين وحضر كتخدا بك وأكابر دولته للسلام عليه فلم يأذن لاحد وكذلك مشايخ الوقت ذهبوا ورجعوا ولم يجتمع به أحد سوى ثاني يوم وترادفت عليه التقادم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 والهدايا من كل نوع من أكابر الدولة والنصارى بأجناسهم خصوصا الارمن وخلافهم بكل صنف من التحف حتى السراري البيض بالحلي والجواهر وغير ذلك واشيع في الناس في المصر وفي القرى بأنه تاب عن الظلم وعزم على إقامة العدل وأنه نذر على نفسه أنه إذا رجع منصورا واستولى على أرض الحجاز افرج للناس عن حصصهم ورد الازراق الاحباسية إلى أهلها وزادوا على هذه الاشاعة أنه فعل ذلك في البلاد القبلية ورد كل شئ إلى أصله وتناقلوا ذلك في جميع النواحي وباتوا يتخيلونه في احلامهم ولما مضى من وقت حضوره ثلاثة أيام كتبوا أوراقا لمشاهير الملتزمين مضمونها أنه بلغ حضرة افندينا ما فعله الاقباط من ظلم الملتزمين والجور عليهم في فائظهم فلم يرض بذلك والحال انكم تحضرون بعد أربعة أيام وتحاسبون على فائظكم وتقبضونه فإن افندينا لا يرضى بالظلم وعلى الأوراق امضاء الدفتردار ففرح أكثر المغفلين بهذا الكلام واعتقدوا صحته واشاعوا أيضا أنه نصب تجاه قصر شبرا خوازيق للمعلم غالي وأكابر القبط. وفي رابع عشرينه حضر الكثير من أصحاب الأرزاق الكائنين بالقرى والبلاد مشايخ واشرافا وفلاحين ومعهم بيارق واعلام مستبشرين وفرحين بما سمعوه واشاعوه وذهبوا إلى الباشا وهو يعمل رماحة بناحية القبة برمي بنادق كثيرة وميدان تعليم فلما رآهم وأخبروه عن سبب مجيئهم فأمر بضربهم وطردهم ففعلوا بهم ذلك ورجعوا خائبين. وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما وقابلا الباشا وخلع عليهما وكساهما والبسهما فراوي سمور فركب المعلم غالي وعليه الخلعة وشق من وسط المدينة وخلفه عدة كثيرة من الاقباط ليراه الناس ويكمد الاعداء ويبطل ما قيل من التقولات ثم أقام هو ومحمود بك أياما قليلة ورجعا لاشغالهما وتتميم افعالهما من تحرير القياس وجبي الأموال وكانا ارسلا قبل حضورهما عدة كثيرة من الجمال الحاملة للأموال في كل يوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 قطارات بعضها أثر بعض من الشرقية والغربية والمنوفية وباقي الاقاليم. وفيه حضر شيخ طرهونة بجهة قبلي ويسمى كريم بضم الكاف وفتح الراء وتشديد الياء وسكون الميم وكان عاصيا على الباشا ولم يقابله ابدا فلم يزل يحتال عليه إبراهيم باشا ويصالحه ويمنيه حتى أتى إليه وقابله وامنه فلما حضر الباشا ابوه من الحجاز اتاه على أمان ابنه وقدم معه هدية وأربعين من الابل فقبل هديته ثم أمر برمي عنقه بالرميلة. واستهل شهر شعبان سنة 1230 والناس في أمر مريج من قطع أرزاقهم وأرباب الالتزامات والحصص التي ضبطها الباشا ورفع أيديهم عن التصرف في شئ منها خلاطين الاوسية فإنه سامحهم فيه سوى ما زاد عن الروك الذي قاسوه فإنه لديوانية ووعدهم بصرف المال الحر المعين بالسند الديواني فقط بعد التحرير والمحاققة ومناقضة الكتبة الاقباط في القوائم واقاموا منتظرين انجاز وعده أياما يغدون ويروحون ويسالون الكتبة ومن له وصلة بهم وقد ضاق خناقهم من التفليس وقطع الايراد ورضوا بالاقل وتشوقوا لحصوله وكل قليل يعدون بعد أربعة أيام أو ثلاثة أيام حتى تحرر الدفاتر فإذا تحررت قيل أن الباشا أمر بتغييرها وتحريرها على نسق آخر ويكرر ذلك ثانيا وثالثا على حسب تفاوت المتحصل في السنين وما يتوفرا في الخزينة قليلا أو كثيرا. وفيه وصل رجل تركي على طريق دمياط يزعم أنه عاش من العمر زمنا طويلا وأنه ادرك أوائل القرن العاشر ويذكر أنه حضر إلى مصر مع السلطان سليم وادرك وقته وواقعته مع السلطان الغوري وكان في ذلك الوقت تابعا لبعض البيرقدارية وشاع ذكره وحكي من راه أن ذاته نخألف دعواه وامتحنه البعض في مذاكرة الأخبار والوقائع فحصل منه تخليط ثم أمر الباشا بنفيه وابعاده فأنزلوه في مركب وغاب خبره فيقال: أنهم اغرقوه والله اعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 وفي خامس عشرينه عملوا الديوان ببيت الدفتردار ووفتحوا باب صرف الفائظ على أرباب حصص الالتزام فجعلوا يعطون منه جانبا وأكثر ما يعطونه نصف القدر الذي قرروه واقل وازيد قليلا. وفيه أمر الباشا لجميع العساكر بالخروج إلى الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب فخرجوا من ثلث الليل الاخير وأخذوا في الرماحة والبندقة المتواصلة المتتابعة مثل الرعود على طريقة الافرنج وذلك من قبيل الفجر إلى الضحوة ولما انقضى ذلك رجعوا داخلين إلى المدينة في كبكة عظيمة حتى زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية وداسوا أشخاصا من الناس بخيولهم بل وحميرا أيضا واشيع أن الباشا قصده احصاء العسكر وترتيبهم على النظام الجديد واوضاع الافرنج ويلبسهم الملابس المقمطة ويغير شكلهم وركب في ثاني يوم إلى بولاق وجمع عساكر ابنه إسمعيل باشا وصنفهم على الطريقة المعروفة بالنظام الجديد وعرفهم قصده فعل ذلك بجميع العساكر ومن أبي ذلك قابله بالضرب والطرد والنفي بعد سلبه حتى من ثيابه ثم ركب من بولاق وذهب إلى شبرا وحصل في العسكر قلقلة ولغط وتناجوا فيما بينهم وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم وأكابرهم ووافقهم على النفور بعض أعيانهم واتفقوا على غدر الباشا ثم أن الباشا ركب من قصر شبرا وحضر إلى بيت الازبكية ليلة الجمعة ثامن عشرينه وقد اجتمع عند عابدين بك بداره جماعة من أكابرهم في وليمة وفيهم حجو بك وعبد الله أغا صاري جلة وحسن أغا الازرنجلي فتفاوضوا بينهم أمر الباشا وما هو شارع فيه واتفقوا على الهجوم عليه في داره بالازبكية في الفجرية ثم أن عابدين بك غافلهم وتركهم في انسهم وخرج متنكرا مسرعا إلى الباشا وأخبره ورجع إلى أصحابه فاسرع الباشا في الحال الركوب في سادس ساعة من الليل وطلب عساكر طاهر باشا فركبوا معه وحوط المنزل بالعساكر ثم اخلف الطريق وذهب على ناحية الناصرية ومرمى النشاب وصعد إلى القلعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وتبعه من يثق به من العساكر وانخرم أمر المتوافقين ولم يسعهم الرجوع عن عزيمتهم فساروا إلى بيت الباشا يريدون نهبه فمانعهم المرابطون وتضاربوا بالرصاص والبنادق وقتل بينهم أشخاص ولم ينالوا غرضا فساروا على ناحية القلعة واجتمعوا بالرميلة وقراميدان وتحيروا في امرهم واشتد غيظهم وعلموا أن وقوفهم بالرميلة لا يجدي شيئا وقد اظهروا المخاصمة ولاثمرة تعود عليهم في رجوعهم وسكنوهم بل ينكسف بالهم وتنذل أنفسهم ويلحقهم اللوم من اقرانهم الذين لم ينضموا إليهم فأجمع رأيهم لسوء طباعهم وخبث عقيدتهم وطرائقهم أنهم يتفرقون في شوارع المدينة وينهبون متاع الرعية وأموالهم فإذا فعلوا ذلك فيكثر جمعهم وتقوى شوكتهم ويشاركهم المخلفون عنهم لرغبة الجميع في القبائح الذميمة ويعودون بالغنيمة ويحوصلون من الحواصل ولايضيع سعيهم في الباطل كما يقال في المثل ما قدر على ضرب الحمار فضرب البرذعة ونزلوا على وسط قصبة المدينة على الصليبة على السروجية وهم يكسرون ويهشمون أبواب الحوانيت المغلوقة وينهبون ما فيها لأن الناس لما تسامعوا بالحركة اغلقوا حوانيتهم وابوابهم وتركوا اسبابهم طلبا للسلامة وعندما شاهد باقيهم ذلك اسرعوا للحوق وبادروا معهم للنهب والخطف بل وشاركهم الكثير من الشطار والزعر والعامة المقلين والجياع ومن لادين له وعند ذلك كثر جمعهم ومضوا على طريقهم إلى قصبة رضوان إلى داخل باب زويلة وكسروا حوانيت السكرية وأخذوا ما وجدوه من الدراهم وما احبوه من أصناف السكر فجعلوا يأكلون ويحملون ويبددون الذي لم يأخذوه ويلقونه تحت الارجل في الطريق وكسروا أواني الحلو وقدور المربيات وفيها ماهو من الصيني والبياغوري والافرنجي ومجامع الاشربة واقراص الحلو الملونة والرشال والملبس والفانيد والحماض والبنفسج وبعد أن ياكلوا ويحملواهم واتباعهم ومن انضاف لهم من الاوباش البلدية والحرافيش والجعيدية يلقون ما فضل عنهم على قارعة الطريق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 بحيث صار السوق من حد باب زويلة إلى المناخلية مع اتساعه وطوله مرسوما ومنقوشا بألوان السكاكر واقراص الاشربة الملونه واعسال المربيات سائلة على الارفن وكان أهل ذلك السوق المتسببون جدودا وطبخوا أنواع المربيات والاشربة عند وفور الفواكه وكثرتها في أوانها وهو هذا الشهر المبارك مثل الخوخ والتفاح والبرقوق والتوت والقرع المسير والحصرم والسفرجل وملؤا الاوعية وصففوها في حوانيتهم للمبيع وخصوصا على موسم شهر رمضان ومضوا في سيرهم إلى العقادين الرومي والغورية والاشرفية وسوق الصاغة ووصلت طائفة إلى سوق مرجوش فكسروا أبواب الحوانيت والوكائل والخانات ونهبوا ما في حواصل التجار من الاقمشة المحلاوي والبز والحرير والزردخان ولما وصلت طائفة إلى رأس خان الخليلي وأرادوا العبور والنهب فزعت منهم الاتراك والارنؤد الذين يتعاطون التجارة الساكنون بخان اللبن والنحاس وغيرهما وضربوا عليهم بالرصاص وكذلك سوق الصرماتية والاتراك الخردجية الساكنون بالرباع بباب الزهومة جعلوا يرمون عليهم من القيطان بالرصاص حتى ردوهم ومنعوهم وكذلك تعصبت طائفة المغاربة الكائنون بالفحامين وحارة الكعكيين روموا عليهم بالرصاص وطردوهم عن تلك الناحية واغلقوا البوابات التي على رؤوس العطف وجلس عند كل درب اناس ومن فوقهم اناس من أهل الخطة بالرصاص تمنع الواصل إليهم ووصلت طائفة إلى خان الحمزاوي فعالجوا في بابه حتى كسروا الخوخة التي في الباب وعبروا الخان وكسروا حواصل التجار من نصارى الشوام وغيرهم ونهبوا ما وجدوه من النقود وأنواع الاقمشة الهندية والشامية والمقصبات وبالات الجوخ والقطيفة والاسطوافة وأنواع الاطلس والالاجات والسلاوي والجنفس والصندل والحبر وأنواع الشيت والحرير والخام والابريسم وغير ذلك وتبعهم الخدم والعامة في النهب واخرجوا في الدكاكين والحواصل من أنواع الاقمشة وأخذوا ما اعجبهم واختاروه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وانتقوه وتركوا ما تركوه ولم يقدروا على حمله مطروحا على الأرض ودهليز الخان وخارج السوق يطؤن عليه بالارجل والنعالات ويعدو القوى على الضعيف فيأخذ ما معه من الأشياء الثمينة وقتل بعضهم البعض وكسروا أبواب الدكاكين التي خارج الخان بالخطة واخرجوا ما فيها من التحف والأواني الصيني والزجاج المذهب والكاسات البلور والصحون والاطباق والفناجين البيشة وأنواع الخردة وأخذوا ما اعجبهم وما وجدوه من نقود ودراهم وهشموا البواقي وكسروه والقوه على الأرض تحت الارجل شقاقا وما به من حوانيت العطارين وطرحوا أنواع الأشياء العطرية بوسط الشارع تداس بالارجل أيضا وفعلوا ما لا خير فيه من نهب أموال الناس والاتلاف ولولا الذين تصدوا لدفعهم ومنعهم بالبنادق والكرانك وغلق البوابات لكان الوقع افظع من ذلك ولنهبوا أيضا البيوت وفجروا بالنساء والعياذ بالله ولكن الله سلم وشاركهم في فعلهم الكثير من الاوباش والمغاربة المدافعين أيضا فإنهم أخذوا أشياء كثيرة وكانوا يقبضون على من يمر بهم ممن يقدرون عليه من النهابين ويأخذون ما معهم لأنفسهم وإذا هشمت العساكر حانوتا وخطفوا منها شيئا ولحقهم من يطردهم عنها استأصل اللاحقون ما فيها واستباح الناس أموال بعضهم البعض وكان هذا الحادث الذي لم نسمع بنظيره في دولة من الدول في ظرف خمس ساعات وذلك من قبيل صلاة الجمعة إلى قبيل العصر حصل للناس هذه المدة اليسيرة من الانزعاج والخوف الشديد ونهب الأموال واتلاف الأسباب والبضائع ما لا يوصف ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم واغلقت المساجد الكائنة بداخل المدينة وأخذ الناس حذرهم ولبسوا اسلحتهم واغلقوا البوابات وقعدوا على الكرانك والمرابط والمتاريس وسهروا الليالي واقاموا على التحذر والتحفظ والتخوف أياما وليالي. وفي يوم السبت تاسع عشرينه الموافق لآخر يوم من شهر ابيب القبطي أو فى النيل المبارك اذرعه وكان ذلك اليوم أيضا ليلة رؤية هلال رمضان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 فصادف حصول الموسمين في أن واحد فلم يعمل فيها موسم ولا شنك على العادة ولم يركب المحتسب ولا أرباب الحرف بموكبهم وطبولهم وزمورهم وكذلك شنك قطع الخليج وما كان يعمل في ليلته من المهرجان في النيل وسواحله وعند السد وكذلك في صبحه وفي البيوت المطلة على الخليج فبطل ذلك جليعه ولم يشعر بهما أحد وصام الناس باجتهادهم وكان وفاء النيل في هذه السنة من النوادر فإن النيل لم تحصل فيه الزيادة بطول الأيام التي مضت من شهر ابيب إلا شيئا يسيرا حتى حصل في الناس وهم زائد وغلا سعر الغلة ورفعوها من السواحل والعرصات فافاض المولى في النيل واندفعت فيه الزيادة العظيمة وفي ليلتين اوفى اذرعه قبل مظنته فإن الوفاء لا يقع في الغالب إلا في شهر مسرى ولم يحصل في أواخر ابيب إلا في النادر وأنى لم ادركه في سنين عمري أو في ابيب إلا مرة واحدة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فتكون المدة بين تلك وهذه المدة سبعا وأربعين سنة. وفيه أرسل الباشا بطلب السيد محمد المحروقي فطلع إليه وصحبته عدة كبيرة من عسكر المغاربة لخفارته فلما واجهه قال له: هذا الذي حصل للناس من نهب أموالهم في صحائفي والقصد انكم تتقدمون لأرباب المنهوبات وتجمعونهم بديوان خاص طائفة بعد أخرى وتكتبون قوائم لكل طائفة بما ضاع لها على وجه التحرير والصحة وأنا اقوم لهم بدفعه بالغا ما بلغ فشكر له ودعا له ونزل إلى داره وعرف الناس بذلك وشاع بينهم فحصل لأربابه بعض الاطمئنان وطلع إلى الباشا كبار العسكر مثل عابدين بك ودبوس اوغلي وحجو بك ومحو بك واعتذروا وتنصلوا وذكروا واقروا أن هذا الواقع اشتركت فيه طوائف العسكر وفيهم من طوائفهم وعساكرهم ولا يخفاه خبث طباعهم فتقدم إليهم بأن يتفقدوا بالفحص وإحصاء ما حازه وأخذه كل من طوائفهم وعساكرهم وشدد عليهم في الأمر بذلك فاجابوه بالسمع والطاعة وامتثلوا لامره وأخذوا في جمع ما يمكنهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وارساله إلى القلعة وركبوا وشقوا بشوارع المدينة وإمامهم المناداة بالأمان وأحضر الباشا المعمار وأمره بجمع النجارين والمعمرين واشغالهم في تعمير ما تكسر من اخشاب الدكاكين والأسواق ويدفع لهم اجرتهم وكذلك الاخشاب على طرف الميري. واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1230 والناس في أمر مريج وتخوف شديد وملازمون للسهر على الكرانك ويتحاشون المشي والذهاب والمجىء وكل أهل خطة ملازم لخطته وحارته وكل وقت يذكرون وينقلون بينهم روايات وحكايات ووقائع مزعجات وتطاولت أيدي العساكر بالتعدي والاذية والفتك والقتل لمن ينفردون به من الرعية. وفي ثاني ليلة طلع السيد محمد المحروقي وطلع صحبته الشيخ محمد الدواخلي نقيب الاشراف وابن الشيخ العروسي وابن الصاوى المتعينون في مشيخة الوقت وصحبتهم شيخ الغورية وطائفته قد ابتدؤا بهم في املاء ما نهب لهم من حوانيتهم بعدما حرروها عند السيد محمد المحروقي وتحليفهم بعد الاملاء على صدق داعواهم وبعد التحليف والمحاققة ويتجاوز عن بعضه لحضرة الباشا ثم يثبتون له الباقي فاستقر لأهل الغورية خاصة مائة وثمانون كيسا فدفع لهم ثلثيها واخر لهم الثلث وهو ستون كيسا يستوفونها فيما بعد أما من عروضهم أن ظهر لهم منها شىء أو من الخزينة ولازم الجماعة الطلوع والنزول في كل ليلة لتحرير بواقي المنهوبات وأيضا استقر لأهل خان الحمزاوي نحو من ثلاثة آلاف كيس كذلك ولطائفة السكرية نحو من سبعين كيسا خصمت لهم من ثمن السكر الذي يبتاعونه من الباشا واستمر الباشا بالقلعة يدير أموره ويجب قلوب الناس من الرعية وأكابر دولته بما يفعله من بذل المال ورد المنهوبات حتى ترك الناس يسخطون على العسكر ويترضون عنه ولو لم يفعل ذلك وسارت العساكر هذه الثور ولم يقع منهم نهب ولا تعد لساعدتهم الرعية واجتمعت عليهم أهالي القرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وأرباب الاقطاعات لشدة نكايتهم من الباشا بضبط الرزق والالتزامات وقياس الأراضي وقطع المعايش وذلك من سوء تدبير العسكر وسعادة الباشا وحسن سياسته باستجلايه الخواطر وتملقه بالكلام اللين والتصنع ويلوم على فعل العسكر ويقول: بمسمع الحاضرين ما ذنب الناس معهم خصوصا خصامهم معي أو مع الرعية ها أنا لي منزل بالازبكية فيه أموال وجواهر وامتعة وأشياء كثيرة وسراية ابنى إسمعيل باشا ببولاق ومنزل الدفتردار ونحو ذلك ويتحسبل ويحوقل ويعمل فكرته ويدبر أمره في أمر العسكر وعظمائهم وينقم عليهم ويعطيهم الأموال الكثيرة والأكياس العديدة لأنفسهم وعساكرهم وتنتبذ طائفة منهم ويقولون: نحن لم ننهب ولم يحصل لنا كسب فيعطهم ويفرق فيهم المقادير العظيمة فأنعم على عابدين بك بألف كيس وبغيره دون ذلك. وفي اثناء ذلك اخرج جردة من عسكر الدلاة ليسافروا إلى الديار الحجازية فبرزوا إلى خارج باب الفتوح حيث المكان المسمى بالشيخ قمر ونصبوا هناك وطاقهم وخرجت أحمالهم واثقالهم. وفي ليلة الخميس ثارت طائفة الطبجية وخاضوا وضجوا وهم نحو الأربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيسا ففرقت فيهم فسكتوا وفي يوم الخميس المذكور نزل كتخدا بك وشق من وسط المدينة ونزل عند جامع الغورية وجلس فيه ورسم لأهل السوق بفتح حوانيتهم وأن يجلسوا فيها فامتثلوا وفتحوا الحوانيت وجلسوا على تخوف كل ذلك مع عدم الراحة والهدو وتوقع المكروه والتطير من العسكر وتعدى السفهاء منهم في بعض الاحايين والتحرز والاحتراس وأما النصارى فإنهم حصنوا مساكنهم ونواحيهم وحاراتهم وسدوا المنافذ وبنوا كرانك واستعدوا بالأسلحة والبنادق وامدهم الباشا بالبارود وآلات الحرب دون المسلمين حتى أنهم أستاذنوا كتخدا بك في سد بعض الحارات النافذة التي يخشون وقوع الضرر منها فمنع من ذلك وأما النصارى فلم يمنعهم وقد تقدم ذكر فعله مع رضوان كاشف عندما سد باب داره وفتحه من جهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 أخرى وعزره وبهدله بوسط الديوان. وفيه وصل نجيب أفندي وهو قبي كتخدا الباشا عند الدولة إلى بولاق فركب إليه كتخدا بك وأكابر الدولة والاغا والوالي وقابلوه ونظموا له موكبا من بولاق إلى القلعة ودخل من باب النصر وحضر صحبته خلع برسم الباشا وولده طوسون باشا وسيفان وشلنجان وهدايا واحقاق نشوق مجوهرة وعملوا له شنكا ومدافع من القلعة وبولاق. وفيه ارتحل الدلاة المسافرون إلى الحجاز ودخل حجو بك إلى المدينة بطائفته. وفي ضحوة ذلك اليوم بعد انفضاض أمر الموكب حصل في الناس زعجة وكرشات واغلقوا البوابات والدروب واتصل هذا الانزعاج بجميع النواحي حتى بولاق ومصر القديمة ولم يظهر لذلك أصل ولا سبب من الأسباب مطلقا. وفي تلك الليلة البس الباشا حجو بك خلعة وتوجه بطرطور طويل وجعله اميرا على طائفة الدلاة وانخلع هو واتباعه من طريقتهم التركية التي كانوا عليها وهؤلاء الطائفة التي يقال لهم: دلاة ينسبون أنفسهم إلى طريقة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأكثرهم من نواحي الشام وجبال الدروز والمتاولة وتلك النواحي يركبون الاكاديش وعلى رؤوسهم الطراطير السود مصنوعة من جلود الغنم الصغار طول الطرطور نحو ذراع وإذا دخل لكنيف نزعه من على رأسه ووضعه على عتبة الكنيف وما أدري ذلك تعظيم له عن مصاحبته معه في الكنيف أو الخوف وحذر من سقوطه أن انصدم بأسفكة الباب في صحن المرحاض أو الملاقي وهؤلاء الطائفة مشهورة في دولة العثمانيين بالشجاعة والاقدام في الحروب ويوجد فيهم من هو على طريقة حميدة ومنهم دون ذلك وقليل ما هم ولكونهم من تمام النظام رتبهم الباشا من اجناسه واتراكه خلاف الاجناس الغريبة ومن بقي من أولئك يكون تبعا لا متبوعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 وفي يوم الثلاثاء سادس عشره حصل مثل ذلك المتقدم من الانزعاج والكرشات بل أكثر من المرة الأولى ورمحت الرامحان واغلقت الحوانيت وطلبت الناس السقائين الذين ينقلون الماء من الخليج وبيعت القربة بعشرة انصاف فضة والراوية بأربعين فنزل الاغا واغات التبديل وإمامهم المناداة بالأمان وينادون على العساكر أيضا ومنعهم من حمل البنادق ويأمرون الناس بالتحفظ واستمر هذا الأمر والارتجاج إلى قبيل العصر وسكن الحال وكثر مرور السقائين وبيعت القربة بخمسة انصاف والراوية بخمسة عشر ولم يظهر لهذه الحركة سبب أيضا وتقول الناس بطول نهار ذلك اليوم اصنافا وأنواعا من الروايات والاقاويل التي لا أصل لها. وفي يوم الأربعاء سابع عشره حضر الشريف راجح من الحجاز ودخل المدينة وهو راكب على هجين وصحبته خمسة انفار على هجن أيضا معهم أشخاص من الارنؤد من اتباع حسن باشا الذي بالحجاز فطلعوا به إلى القلعة ثم انزلوه إلى منزل أحمد أغا اخي كتخدا بك. وفي ليلة الخميس قلد الباشا عبد الله أغا المعروف بصارى جله وجعله كبيرا على طائفة من الينكجرية أيضا وجعل على راسه الطربوش الطويل المرخي على ظهره كما هي عادتهم هو واتباعه وكان من جملة المتهومين بالمخامرة على الباشا. وفيه برز أمر الباشا لكبار العسكر بركوب جميع عساكرهم الخيول ومنعهم من حمل البنادق ولا يكون منهم راجل أو حامل للبندقية إلا من كان من اتباع الشرطة والاحكام مثل الوالي والاغا واغات التبديل ولازم كتخدا بك وايوب أغا تابع إبراهيم أغا آغات التبديل والوالي المرور بالشوارع والجلوس في مراكز الأسواق مثل الغورية والجمالية وباب الحمزاوي وباب زويلة وباب الخرق وأكثر اتباعهم مغطرون في نهار رمضان ومتجاهرون بذلك من غير احتشام ولا مبالاة بانتهاك حرمة شهر الصوم ويجلسون على الحوانيت والمساطب يأكلون ويشربون الدخان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 ويأتي أحدهم وبيده شبك الدخان فيدني مجمرته لانف ابن البلد على غفلة منه وينفخ فيه على سبيل السخرية والهذيان بالصمائم وزادوا في الغي والتعدي وخطف النساء نهارا وجهارا حتى اتفق أن شخصا منهم ادخل امرأة إلى جامع الاشرفية وزنى بها في المسجد بعد صلاة الظهر في نهار رمضان. وفي أواخره عملوا حساب أهل سوق مرجوش فبلغ ذلك أربعمائة وخمسين كيسا قبضوا ثلثيها وتاخر لهم الثلث كل ذلك خلاف النقود لهم ولغيرهم مثل تجار الحمزاوي وهو شئ كثير ومبالغ عظيمة فإن الباشا منع من ذكرها وقال: لأي شئ يؤخرون في حوانيتهم وحواصلهم النقود ولايتجرون فيها واتفق لتاجر من أهل اسوق أمير الجيوش أنه ذهب من حاصله من حواصل الخان ثمانية آلاف فرانسة فلم يذكرها ومات قهر وكذلك ضاع لأهل خان الحمزاوي من صرر الأموال والنقود والودائع والرهونات والمصاغ والجوهر مما يرهنه النساء على ثمن ما يشترونه من التجارة والتفاصيل والمقصبات أو على ما يتأخر عليهم من الأثمان ما لا يدخل تحت المحصر ويستحيا من ذكره وضاع لرجل يبيع الفسيخ والبطارخ تجاه الحمزاوي من حانوته أربعة آلاف فلم يذكرها وأمثال ذلك كثير وانقضى شهر رمضان والناس في أمر مريج وخوف وانزعاج وتوقع المكروه ولم ينزل الباشا من القلعة بطول الشهر وذلك على خلاف عادته فإنه لا يقدر على الاستقرار بمكان أياما وطبيعته الحركة حتى في الكلام وكبار العساكر والسيد محمد المحروقي ومن يصحبه من المشايخ ونقيب الاشراف مستمرون على الطلوع والنزول في كل يوم ليلة وللمتقيدين بالمنهوبين ديوان خاص وفرق الباشا كساوي العيد على أربابها ولم يظهر في هذه القضية شخص معين والكثير من العساكر الذين يمشون مع الناس في الأسواق يظهرون الخلاف والسخط ويظهر منهم التعدي ويخطفون عمائم الناس والنساء جهارا ويتوعدون الناس بعودهم في النهب وكأنما بينهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وبين أهل البلدة عداوة قديمة اوثارات يخلصونها منهم وفيهم من يظهر التأسف والندم واللوم على المعتدين ويسفه رايهم وهو المحروم الذي غاب على ذلك وبالجملة فكل ذلك تقادير الهية وقضايا سماوية ونقمة حلت بأهل الإقليم وأهله من كل ناحية نسأل الله العفو والسلامة وحسن العاقبة ومما اتفق أن بعض الناس زاد بهم الوهم فنقل ماله من حانوته أو حاصله الكائن ببعض الوكائل والخانات إلى منزله أو حرز آخر فسرقها السراق وحانوته أو حاصله لم يصبه ما اصاب غيره وتعدد نظير ذلك لأشخاص كثيرة وذلك من فعل أهل البلدة يراقبون بعضهم بعضا ويداورنوهم في أوقات الغفلات في مثل هذه الحركات ومنهم من اتهم خدمة واتباعه وتهددهم وشكاهم إلى حكام الشرطة ويغرم مالا على ذلك أيضا وهم بريئون ولايفيده إلا ارتكاب الاثم والفضيحة وعداوة الاهل والخدم وزيادة الغرم وغالب ما بايدي التجار أموال الشركاء والودائع والرهونات ويطالبه أربابها ومنهم قليل الديانة وذهب من حانوته أشياء وبقي أشياء فادعى ضياع الكل لقوة الشبهة. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1230 وهو يوم عيد الفطر وكان في غاية البرودة والخمول عديم البهجة من كل شئ ولم يظهر فيه علامات الاعياد إلا فطر والضائمين ولم يغير أحد ملبوسه بل ولافصل ثيابا مطلقا ولا شيئا جديدا ومن تقدم له ثوب وقطعة وفصلة في شعبان تأخر عند الخياط مرهونا على مصاريفه ولوازمه لتعطيل جمع الأسباب من بطانة وعقادة وغيرها حتى أنه إذا مات ميت لم يدرك أهله كفنه إلا بمشقة عظيمة وكسد في هذا العيد سوق الخياطين وما اشبههم من لوازم الاعياد ولم يعمل فيه كعك ولا شريك ولاسمك مملح ولا نقل ولم يخرجوا إلى الجبانات والمدافن أيضا كعادتهم ولا نصبوا خياما على المقابر ولم يحسن في هذه الحادثة إلا امتناع هذه الأمور وخصوصا خروج النساء إلى المقابر فإنه لم يخرج منهن إلا بعض حرافيشهن على تخوف ووقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 لبعضهن من العسكر ما وقع عند باب النصر والجامع الأحمر. وفي ثالثه نزل الباشا من القلعة من باب الجبل وهو في عدة من عسكر الدلاة والاتراك الخيالة والمشاة وصحبته عابدين بك وذهب إلى ناحية الاثار فعيد على يوسف باشا المنفصل عن الشام لأنه مقيم هناك لتغيير الهواء بسبب مرضه ثم عدى إلى الجيزة وبات بها عند صهره محرم بك ولما أصبح ركب السفائن وانحدر إلى شبرا وبات بقصره ورجع إلى منزله بالازبكية ثم طلع إلى القعلة. وفي يوم الثلاثاء ثامنه عمل ديوانا وجمع المشايخ المتصدرين وخاطبهم بقوله أنه يريد أن يفرج عن حصص الملتزمين ويترك لهم وساياهم يؤجرونها ويزرعوهنا لأنفسهم ويرتب نظاما لأجل راحة الناس وقد أمر الافندية كتاب الروزنامه بتحرير دفاتر وآمهلهم اثني عشر يوما يحررون في ظرفها الدفاتر على الوجه المرضى فأثنوا عليه خيرا ودعوا له فقال الشيخ السشواني: ونرجو من افندينا أيضا الافراج عن الرزق الاحباسية كذلك فقال: كذلك ننتظر في محاسبات الملتزمين ونحررها على الوجه المرضى أيضا ومن أراد منهم أن يتصرف في حصته ويلتزم بخلاص ما تحرر عليها من المال الميري لجهة الديوان من الفلاحين بموجب المساحة والقياس صرفناه فيها وإلا ابقاها على طرفنا ويقبض فائظه الذي يقع عليه التحرير من الخزينة نقدا وعدا فدعوا له أيضا وسكتوا فقال لهم: تكلموا فإني ما طلبتكم إلا للمشاورة معكم فلم يفتح الله عليهم بكلمة يقولها احدهم غير الدعاء له على أن الكلام ضائع لأنها حيل ومخادعة تروج على أهل الغفلات ويتوصل بها إلى ابراز ما يرومه من المرادات وعند ذلك انفض المجلس وانطلقت المبشرون على الملتزمين بالبشائر وعود الالتزام لتصرفهم يأخدون منهم ويأخذون منهم بقاشين مع أن الصورة معلومة والكيفية مجهولة ومعظم السبب في ذكره ذلك أن معظم حصص الالتزام كان بيدي العساكر وعظمائهم وزوجاتهم وقد انحرفت طباعهم وتكدرت امزجتهم بمنعهم عنه وحجزهم عن التصرف ولم يسهل بهم ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 فمنهم من كظم غيظه وفي نفسه ما فيها ومنهم من لم يطق الكتمان وبأرز بالمخالفة والتسلط على من لاجناية عليه فلذلك الباشا اعلن في ديوانه بهذا الكلام بمسمع منهم لتسكن حدتهم وتبرد حرارتهم إلى أن يتم أمر تدبيره معهم. وفيه وصلت الهجانة وأخبار ومكاتبات من الديار الحجازية بوقوع الصلح بين طوسون باشا وعبد الله بن مسعود الذي تولى بعد موت أبيه كبيرا على الوهابية وأن عبد الله المذكور ترك الحروب والقتال واذعن للطاعة وحقن الدماء وحضر من جماعة الوهابية نحو العشرين نفرا من الانفار إلى طوسون باشا ووصل منهم اثنان إلى مصر فكأن الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك ولم يحسن نزل الواصلين ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا وذكرا أن الأمير مسعودا المتوفي كان فيه عناد وحدة مزاج وكان يريد الملك وإقامة الدين وأما ابنه الأمير عبد الله فإنه لين الجانب والعريكة ويكره سفك الدماء على طريقة سلفه الأمير عبد العزيز المرحوم فإنه كان مسالما للدولة حتى أن المرحوم الوزير يوسف باشا حين كان بالمدينة كان بينه وبينه غاية الصداقة ولم يقع بينهما منازعة ولا مخالفة في شىء ولم يحصل التفاقم والخلاف إلا في أيام الأمير مسعود ومعظم الأمر للشريف غالب بخلاف الأمير عبد الله فإنه احسن السير وترك الخلاف وامن الطرق والسبل للحجاج والمسافرين ونحو ذلك من الكلمات والعبارات المستحسنات وانقضى المجلس وانصرفا إلى المحل الذي أمرا بالنزول فيه ومعهما بعض اتراك ملازمون لصحبتهما مع اتباعهما في الركوب والذهاب والاياب فإنه اطلق لهما الاذن إلى اي محل أراده فكانا يركبان ويمران بالشوارع بأتباعهما ومن يصحبهما ويتفرجان على البلدة وأهلها ودخلا إلى الجامع الأزهر في وقت لم يكن به أحد من المتصدرين لاقراء والتدريس وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه فقيل انقرضوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 من أرض مصر بالكلية واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغيرذلك وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما انسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالأخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الاخلاق وحسن الادب في الخطاب والتفقة في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف واسم احدهما عبد الله والاخر عبد العزيز وهو الاكبر حسنا ومعنى. وفي يوم السبت تاسع عشره خرجوا بالمحمل إلى الحصوة خارج باب النصر وشقوا به من وسط المدينة وأمير الركب شخص من الدلاة يسمى اوزون اوغلي وفوق رأسه طرطور الدالاتية ومعظم الموكب من عساكر الدلاة وعلى رؤوسهم الطراطير السود بذاتهم المستبشعة وقد عم الإقليم المسخ في كل شئ فقد تغص الطبيعة وتتكدر النفس إذا شاهدت ذلك أو سمعت به وقد كانت نضارة الموكب السالفة في أيام المصريين ونظامها وحسنها وترتيبها وفخامتها وجمالها وزينتها التي لم يكن لها نظير في الربع المعمور ويضرب بها المثل في الدنيا كما قال قائلهم: فيها مصر السعيدة مالها من مثيل فيها ثلاثة من الهنا والسرور مواكب السلطان وبحر الوفا ومحمل الهادي نهار يدور فقد فقدت هذه الثلاثة في جملة المفقودات. وفي ثالث عشرينه وصل قابجي وعلى يده تقرير ولاية مصر لمحمد علي باشا على السنة الجديدة فعملوا لذلك الواصل موكبا من بولاق إلى القلعة وضربوا مدافع وشنكا وبنادق. واستهل شهر ذي القعدة الحرام بيوم الأربعاء سنة 1230 في سادس عشره سافر الباشا إلى الاسكندرية وأخذ صحبته عابدين بك وإسمعيل باشا ولده وغيرهما من كبرائهم وعظمائهم وسافر ابضا نجيب أفندي وسليمان اغا وكيل دار السعادة سابقا تابع صالح بك المصري المحمدي إلى دار السلطنة وأصحب الباشا إلى الدولة وأكابرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 الهدايا من الخيول والمهاري والسروج المكللة بالذهب واللؤلؤ والمخيش وتعابي الاقمشة الهندية المتنوعة من الكشمير والمقصبات والتحف ومن الذهب المضروب السكة أربعة قناطير ومن الفضة الثقيلة في الوزن والعيار عدة قناطير ومن السكر المكرر مرارا وأنواع الشراب خافاه في القدور الصيني وغير ذلك. وفيه وردت الأخبار بوصول طوسون باشا إلى الطور فهرعت أكابرهم وأعيانهم إلى ملاقاته وأخذوا في الاهتمام واحضار الهدايا والتقادم وركبت الخوندات والنساء والستات أفواجا أفواجا يطلعن إلى القلعة ليهنين والدته بقدومه. وفي غايته وصل طوسون باشا إلى السويس فضربوا مدافع اعلاما بقدومه وحضر نجيب أفندي راجعا من الاسكندرية لأجل ملاقاته لأنه قبي كتخدا اليوم أيضا عند الدولة كما هو لوالده. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة سنة 1230. في رابعه يوم الإثنين نودي بزينة الشارع الاعظم لدخول طوسون باشا سرورا بقدومه فلما أصبح يوم الثلاثاء خامسه احتفل الناس بزينة الحوانيت بالشارع وعملوا له موكبا حافلا ودخل من باب النصر وعلى رأسه الطلخان وشعار الوزارة وطلع إلى القلعة وضربوا في ذلك اليوم مدافع كثيرة وشنكا وحراقات. وفي ليلة الجمعة خامس عشره سافر طوسون باشا المذكور إلى الاسكندرية ليراه ابوه ويسلم هو عليه وليرى هو ولداله ولد في غيبته يسمى عباس بك أصحبه معه جده مع حاضنته وسنه دون السنتين يقال: إن جده قصد ارساله إلى دار السلطنة فلم يسهل بابيه ذلك وشق عليه ففارقه وخصوصا كونه لم يره وسافر صحبة طوسون باشا نجيب أفندي عائدا إلى الاسكندرية. وفي يوم السبت عشرينه حضر طوسون باشا إلى مصر راجعا من الاسكندرية في تطريدة ومعه ولده فكانت مدة غيبته ذهابا وايابا ثمانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 أيام فطلع إلى القلعة وصار ينزل إلى بستان بطريق بولاق ظاهر التبانة عمره كتخدا بك وبنى به قصرا فيقيم به غالب الأيام الىي اقامها بمصر وانقضت السنة وما تجدد فيها من استمرار المبتدعات والمكوس والتحكير واهمال السوقة والمتسببين حتى عم غلو الاسعار في كل شئ حتى بلغ سعر كل صنف عشرة أمثال سعره في الأيام الخالية مع الحجر على الايراد وأسباب المعايش فلا يهنا بعيش في الجملة الأمن كان مكاسا أو في خدمة من خدم الدولة مع كونه على خطر فإنه وقع لكثير ممن تقدم في منصب أو خدمة أنه حوسب واهين والزم بما رافعوه فيه وقد استهلكه في نفقات نفسه وحواشيه فباع ما يملكه واستدان وأصبح ميؤسا مديونا وصارت المعايش ضنكا وخصوصا الواقع في اختلاف المعاملات والنقود والزيادة في صرفها واسعارها واحتجاج الباعة والتجار والمتسببين بذلك وبما حدث عليها من مال المكس مع طمعهم أيضا وخصوصا سفلة الأسواق وبياعي الخضارات والجزارين والزياتين فإنهم يدفعون ماهو مرتب عليهم للمحتسب مياومة ومشاهرة ويخلصون اضعافة من الناس ولا رادع لهم بل يسعرون لأنفسهم حتى أن البطيخ في أوان كثرته تباع الواحدة التي كانت تساوي نصفين بعشرين وثلاثين والرطل من العنب الشرقاوي الذي كان يباع في السابق بنصف واحد يبيعونه يوما بعشرة ويوما باثني عشر ويوما بثمانية وقس على ذلك الخوخ والبرقوق والمشمش وأما الزبيب والتين واللوز والبندق والجوز والأشياء التي يقال لها: اليميش التي تجلب من بلاد الروم فبلغت الغاية في الثمن بل قد لا يوجد في أكثر الأوقات وكذلك ما يجلب من الشام مثل الملبن والقمر الدين والمشمش الحموي والعناب وكذلك الفستق والصنوبر وغير ذلك ما يطول شرحه ويزداد بطول الزمان قبه. ومات في هذه السنة العلامة الاوحد والفهامة الامجد محقق عصره ووحيد دهره الجامع لاشتات العلوم والمنفرد بتحقيق المنطوق والمفهوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 بقيه الفصحاء الفضلاء المتقدمين المتميز عن المتأخرين الشيخ محمد ابن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ولد ببلده دسوق من قرى مصر وحضر إلى مصر وحفظ القرآن وجوده على الشيخ محمد المنير ولازم حضور دروس الشيخ علي الصعيدي والشيخ الدردير وتلقى الكثير من المعقولات عن الشيخ محمد الجناجي الشهير الشافعي وهو مالكي ولازم الوالد حسنا الجبرتي مدة طويلة وتلقى عنه بواسطة الشيخ محمد بن إسمعيل النفراوي علم الحكمة الهيئة والهندسة وفن التوقيت حضر عليه أيضا في فقه الحنفية وفي المطول وغيره برواق الجبرت بالأزهر وتصدر للاقراء والتدريس وافادة الطلبة وكان فريدا في تسهيل المعاني وتبيين المباني يفك كل مشكل بواضح تقريره ويفتح كل مغلق برائق تحريره ودرسه مجمع اذكياء الطلاب والمهرة من ذوي الافهام والالباب مع لين جانب وديانة وحسن خلق وتواضع وعدم تصنع واطراح تكلف جاريا على سجيته لا يرتكب ما يتكلفه غيره من التعاظم وفخامة الالفاظ ولهذا كثر الأخذون عليه والمترددون إليه. ومات الأستاذ الفريد واللودعي المجيد الإمام العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي المنطقي الشيخ محمد المهدي الحفني ووالده من الاقباط واسلم هو صغيرا دون البلوغ على يد الشيخ الحفني وحلت عليه انظاره واشرقت عليه انواره وفارق أهله وتبرا منهم وحضنه الشيخ ورباه واحبه واستمر بمنزله مع أولاده واعتنى بشأنه وقرا القرآن ولما ترعرع اشتغل بطلب العلم وحفظ أبا شجاع والفية النحو والمتون ولازم دروس الشيخ وأخيه الشيخ يوسف وغيرهما من أشياخ الوقت مثل الشيخ العدوي والشيخ عطية الاجهوري والشيخ الدردير والبيلي والجمل والخرشي وعبد الرحمن المقري والشرقاوي وغيرهم واجتهد في التحصيل ليلا ونهارا ومهر وانجب ولازم في غالب مجالس الذكر عن الشيخ الدردير بعد وفاة الشيخ الحفني وتصدر للتدريس في سنة تسعين ومائة وألف ولما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 مات الشيخ محمد الهلباوي سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه بالأزهر وقرا شرح الالفية لابن عقيل ولازم الالقاء وتقرير الدروس مع الفصاحة وحسن البيان والتفهم وسلاسة التعبير وأيضاح العبارات وتحقيق المشكلات ونما أمره واشتهر ذكره وبعد صيته ولم يزل أمره ينمو واسمه يسمو مع حسن السمت ووجاهة الطلعة وجمال الهيئة وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان وسرعة الجواب واستحضار الصواب في ترداد الخطاب ومسايرة الاصحاب وفارق الدنيا وأرسلوا إلى أولاده فحضر واحملوه في تابوت إلى الدار الكبيرة بالمرسكي ليلا وشاع موته وجهز وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل جدا ودفن عند الشيخ الحنفي بجانب القبر فسبحان الحي الذي لا يموت. ومات الأستاذ العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبية المهذهب المتواضع الشيخ مصطفى بن محمد بن يوسف ابن عبد الرحمن الشهير بالصفوى القلعاوي الشافعي ولد في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وخمسين ومائة وألف وتفقه على الشيخ الملوي والسحيمي والبراوي والحفني ولازم شيخنا الشيخ أحمد العروسي وانتفع عليه واذن له في الفتيا عن لسانه وجمع من تقريراته واقتطف من تحقيقاته وألف وصنف وكتب حاشية على ابن قاسم الغزي على ابي شجاع في الفقه وحاشية على شرح المطول للسعد التفتازائي على التلخيص وشرح شرح السمرقندي على الرسالة العضدية في علم الوضع وله منظومة في آداب البحث وشرحها ومنظومة المتن التهذيب في المنطق وشرحها وديوان شعر سماه اتحاف الناظرين في مدح سيد المرسلين وعدة من الرسائل في معضلات المسائل وغير ذلك وكان سكنه بقلعة الجبل ويأتي في كل يوم إلى الأزهر للأقرباء والأفادة فلما أمر الباشا سكان القلعة بإخلائها والنزول منها إلى المدينة فنزلوا إلى المدينة وتركوا دورهم واوطانهم نزل المترجم مع من نزل وسكن بحارة أمير الجيوش جهة باب الشعرية ولم يزل هناك حتى تمرض أياما وتوفي ليلة السبت سابع عشري شهر رمضان وصلى عليه بالأزهر ودفن بزاوية الشيخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 سراج الدين البلقبني بحارة السيارج رحمه الله تعالى فإنه كان من احسن من رأينا سمتا وعلما وصلاحا وتواضعا وانكسارا وانجماعا عن خلطة الكثير من الناس مقبلا على شأنه راضيا مرضيا طاهرا نقيا لطيف المزاج جدا محبوبا للناس عفا الله عنه وغفر لنا وله. ومات الشيخ الفاضل الأجل الامثل والوجيه المفضل الشيخ حسين بن حسن كناني بن علي المنصوري الحنفي تفقه على خاله الشيخ مصطفى بن سليمان المنصوري والشيخ محمد الدلجي والشيخ أحمد الفارسي والشيخ عمر الدبركي والشيخ محمد المصيلي وأقرا في فقه المذهب دروسا في محل جده لأمه بالأزهر وسكن داره بحارة الحبانية على بركة الفيل مع أخيه الشيخ عبد الرحمن ثم انتقلا في حوادث الفرنساوية إلى حارة الأزهر ولما كانت حادثة السيد عمر مكرم النقيب من مصر إلى دمياط وكنبوا فيه عرضا للدولة وامتنع السيد أحمد الطحطاوي من الشهادة عليه كما تقدم وتعصبوا عليه وعزلوه من مشيخة الحنفية قلدوها المترجم فلم يزل فيها حتى تمرض وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشري المحرم وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وايانا. ومات البليغ النجيب والنبيه الاريب نادرة الزمان وفريد الأوان اخونا ومحبنا في الله تعالى ومن اجله السيد إسمعيل بن سعد الشهير بالخشاب كان ابوه نجارا ثم فتح له مخزنا لبيع الخشب تجاه تكية الكلشني بالقرب من باب زويلة وولد له المترجم واخوه إبراهيم ومحمد وهو اصغرهما فتولع السيد إسمعيل المترجم بحفظ القرآن ثم بطلب العلم ولازم حضور السيد علي المقدسي وغيره من افاضل الوقت وانجب في فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة وتثقيف اللسان والفروع الفقهية الواجبة والفرائض وتنزل في حرفة الشهادة بالمحكمة الكبيرة لضرورة التكسب في المعاش ومصارف العيال وتمسك بمطالعة الكتب الادبية والتصوف والتاريخ وأولع بذلك وحفظ أشياء كثيرة من الاشعار والمراسلات وحكايات الصوفية وما تكلموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 فيه من الحقائق حتى صار نادرة عصره في المحاضرات والمحأورات واستحضار المناسبات والماجريات وقال الشعر الرائق ونثر النثر الفائق وصحب بسبب ما احتوى عليه من دماثة الاخلاق ولطف السرايا وكرم الشمائل وخفة الروح كثيرا من رباب المظاهر والرؤساء من الكتاب والأمراء والتجار. ولم يزل المترجم على حالته ورقته ولطافته مع ما كان عليه من كرم النفس والعفة والنزاهة والتولع بمعالي الأمور والتكسب وكثرة الانفاق وسكنى الدور الواسعة والحزم وكان له صاحب يسمى أحمد العطار بباب الفتوح توفي وتزوج هو بزوجته وهي نصف وأقام معها نحو ثلاثين سنة ولها ولد صغير من المتوفي فتبناه ورباه ورفهه بالملابس واشفق به اضعاف والد بولده بلغ عمل له مهما وزوجته ودعا الناس إلى ولائمه وانفق عليه في ذلك انفاقا كثيرة وبعد نحو سنة تمرض ذلك الغلام اشهرا فصرف عليه وعلى معالجته جملة من المال ومات فجزع عليه جزعا شديدا ويبكي وينتحب وعمل له مأتما وعزاء واختارت امه دفنه بجامع الكردي بالحسينية ورتبت وقراء واتخذت مسكنا ملاصقا لقبره اقامت به نحو الثلاثين سنة مع دوام عمل الشريك والكعك بالعجمية والسكر وطبخ الاطعمة للمقرئين والزائرين ثم ملازمة الميت واتخاذ ما ذكر في كل جمعة على الدوام والمترجم طوع يدها في كل ماطلبته وما كلفته به تسخيرا من الله تعالى وكل ما وصل إلى يده من حرام أو حلال فهو مستهلك عليها وعلى اقاربها وخدمها لا لذة له في ذلك حسية ولا معنوية لأنها في ذاتها عجوز شوهاء وهو في نفسه نحيف البنية ضعيف الحركة جدا بل معدومها وابتلى بحصر البول وسلسه القليل مع الحرقة والتألم استدام بها مدة طويلة حتى لزم الفراش أياما وتوفي يوم السبت ثاني شهر الحجة الحرام بمنزله الذي استأجره بدرب قرمز بين القصرين وصلينا عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند ابنه المذكور بالحسينية وكثيرا ما كنت اتذكر قول القائل ومن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 تراه بأولاد السوى فرحا في عقله عزه أن شئت وانتدب أولاد صلب الفتى قلت منافعهم فكيف يلمح نفع إلا بعد الجنب مع أنه كان كثير الانتقاد على غيره فيما لا يداني فعله وانقياده إلى هذه المراة وحواشيها نسأل الله السلامة والعافية وحسن العاقبة كما قيل من تكمله ما تقدم فلا سرور سوى نفع بعافية وحسن ختم وما يأتي من الشعب وامن نكر نكير القبر ئمة ما يكون بعد من الاهوال والتعب. واستهلت سنة 1230 استهل شهر المحرم بيوم السبت وحاكم مصر وصاحبها واقطاعها وثغورها وكذلك بندر جدة ومكة والمدينة المنورة وبلاد الحجاز محمد علي باشا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولاظ محمد الذي هو كتخدا بك قائمقامه هو المتصدر لاجراء الاحكام بين الناس عن أمر مخدومه وإبراهيم اغا اغات الباب والدفتردار محمد أفندي صهر الباشا ولروزنامجي مصطفى أفندي تابع محمد أفندي باش جاكرت سابقا وغيطاس أفندي سرجي وسليمان أفندي الكماخي باشمحاسب ورفيقه أحمد أفندي باش زعيم مصر وهو الوالي واغات التبديل أحمد اغا وهو اخو حسن اغا قلفة وصالح بك السلحدار وحسن اغا اغات الينكجرية وعلي اغا الشعراوي المذكور وكاتب الخزينة ولي خوجة ورئيس كتبة الاقباط المعلم غالي وأولاده الباشا إبراهيم باشا حاكم الصعيد وطوسون باشا فاتح بلاد الحجاز وإسمعيل باشا ببولاق ومحرم بك صهر الباشا أيضا على ابنته بالجيزة أحمد اغا المعروف ببونابارته الخازندار وباقي كشاف الاقاليم وأكابر أعيانهم مثل دبوس اوغلي وحسن اغا سرششمة وحجو بك ومحو بك وخلافهم. وفي ذلك اليوم قبض كتخدا بك على المعلم غالي وأمر بحبسه وكذلك اخوه المسمى فرنسيس وخازنداره المعلم سمعان وذلك عن أمر مخدومه من الاسكندرية لأنه حول عليه الطلب بستة الاف كيس تأخر اداؤها اياه من حسابه القديم فاعتذر بعدم القدرة على ادائها في الحين لأنها بواقي على أربابها وهو ساع في تحصيلها ويطلب المهلة إلى رجوع الباشا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 غيبته فأرسل الكتخدا بمقالته واعتذاره إلى الباشا وانتبذ طائفة من الاقباط في الحط على غالي مع الكتخدا وعرفوه أنه إذا حوسب يظهر عليه ثلاثون ألف كيس فقال لهم: وأن لم يتأخر عليه هذا القدر تكونوا ملزومين به إلى الخزينة فأجابوه إلى ذلك فأرسل يعرف الباشا بذلك فورد الأمر بالقبض عليه وعلى أخيه وخازنداره وحبسهم وعزله ومطالبته بستة آلاف كيس القديمة أولا ثم حسابه بعد ذلك فأحضر المرافعين عليه وهم المعلم جرجس الطويل ومنقريوس البتنوني وحنا الطويل والبسهم خلعا على رياسة الكتاب عوضا عن غالي ومن يليه واستمر غالي في الحبس ثم أحضره مع أخيه وخازنداره فضربوا اخاه إمامه ثم أمر بضربه فقال: وأنا ضرب أيضا قال: نعم ثم ضربوه على رجليه بالكرابيج ورفع وكرر عليه الضرب وضرب سمعان ألف كرباج حتى اشرف على الهلاك ووجدوا في جيبه ألف شخص بندقي ومائتي محبوب عنها اثنان وعشرون ألف قرش ثم بعد أيام افرجوا عن أخيه وسمعان ليسعيا في التحصيل وهلك سمعان واستمر غالي في السجن وقد رفعوا عنه وعن أخيه العقاب لئلا يموتا. وفي عاشره رجع الباشا من غيبته من الاسكندرية وأول ما بادا به اخراج العساكر مع كبرائهم إلى ناحية بحري وجهة البحيرة والثغور فنصبوا خيامهم بالبر الغربي والشرقي تجاه الرحمانية وأخذوا صحبتهم مدافع وبارودا والات الحرب واستمر خروجهم في كل يوم وذلك من مكايده معهم وابعادهم عن جزاء فعلتهم التقدمه فخرجوا ارسالا. واستهل شهر صفر الخير سنة 1231. فيه تشفع جوني الحكيم في المعلم غالي وأخذه من الحبس إلى داره والعساكر مستمرون في التشهيل والخروج وهم لا يعلمون المراد بهم وكثرت الروايات والأخبار والايهامات والظنون ومعنى الشعر في بطن الشاعر. واستهل شهر ربيع الاول 1231. فيه سافر طوسون باشا واخوه إسمعيل باشا إلى ناحية رشيد ونصبوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 عرضيهما عند الحماد وناحية ابي منضور وحسين بك دالي باشا وخلافه مثل حسن اغا زجنلي ومحو بك وصارى جلة وحجو بك جهة البحيرة وكل ذلك تواطين وتلبيس للعساكر بكونه اخراج حتى أولاده العزاز للمحافظة وكذلك الكثير من كبرائهم إلى جهة البحر الشرقي ودمياط. وفي ثاني عشره صبيحة المولد النبوي طلب الباشا المشايخ فلما جلسوا مجلسهم وفيهم الشيخ البكري أحضروا خلعة والبسوها له على منصب نقابة الاشراف عوضا عن السيد محمد المحروقي وفاوضه في ذلك ورأى أن يقلده اياه فاعتذر السيد محمد المحروقي واستعفى وقال: أنا متقيد بخدمة افندينا ومهمات المتاجر والعرب والحجاز فقال: قد قلدتك اياها فأعطها لمن شئت فذكر أنها كانت مضافة للشيخ البكري وهو أولى من غيره فلما حضروا وتكاملوا لبسوه الخلعة واستصوب الجماعة ذلك وانصرفوا وفي الحال كتب فرمان بإخراج الدواخلي منفيا إلى قرية دسوق فنزل إليه السيد أحمد الملا الترجمان وصحبته قواس تركي وبيده الفرمان فدخلوا إليه على حين غفلة وكان بداخل حريمه لم يشعر بشئ مما جرى فخرج إليهم فأعطوه الفرمان فلما قرأه غاب عن حواسه واجاب بالطاعة وامروه بالركوب فركب بغلته وسارا به إلى بولاق إلى المنزل الذي كان شراه بعد موت ولده والشيخ سالم الشرقاوي وانسل مما كان فيه كانسلال الشعرة من العجين وتفرق الجمع الذي كان حوله وشرع الأشياخ في تنميق عرضحال عن لسانهم بأمر الباشا بتعداد جنايات الدواخلي وذنوبه وموجبات عزله وأن ذلك بترجيهم والتماسهم عزله ونفيه ويرسل ذلك العرضحال لنقيب الاشراف بدار السلطنة لأن الذي يكون نقيبا بمصر نيابة عنه ويرسل إليه الهدية في كل سنة فالذي نقموه عليه من الذنوب أنه تطأول على حسين أفندي شيخ رواق الترك وسبه وحبسه من غير جرم وذلك أنه اشترى منه جارية حبشية بقدر من الفرانسة فلما اقبضه الثمن اعطاه بدلها قروشا بدون الفرط الذي بين المعاملتين فتوقف السيد حسين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وقال: أما تعطيني العين التي وقع عليها الانفصال أو تكمل فرط النقص وتشاحا وادى ذلك إلى سبه وحبسه وهو رجل كبير متضلع ومدرس وشيخ رواق الاتراك بالأزهر وهذه القضية سابقة على حادثة نفيه بنحو سنتين. ومنها أيضا أنه تطأول على السيد منصور اليافي بسبب فتيا رفعت إليه وهي أن امرأة وقفت وقفا في مرض موتها وافتى بصحة الوقت على قول ضعيف فسبه في ملا من الجميع وأراد ضربه ونزع عمامته من اعلى رأسه. ومنها أيضا أنه يعأرض القاضي في احكامه وينقص محاصيله ويكتب في بيته وثائق قضايا صلحا ويسب اتباع القاضي ورسل المحكمة ويعأرض شيخ الجامع الأزهر في أموره ونحو ذلك وعندما سطروه وتمموه وضعوا عليه ختومهم وأرسلوا إلى إسلامبول على أن جناياته عند الباشا ليست هذه النكات الفارغة بل ولا علم له بها ولا التفات وإنما هي أشياء وراء ذلك كله ظهر بعضها وخفي عنا باقيها وذلك أن الباشا يحب الشوكة ونفوذ أوامره في كل مرام ولايصطفى ويحب إلا من لا يعارضه ولو في جزئية أو يفتح له بابا يهب منه ريح الدراهم والدنانيراويدله على ما فيه كسب أو ربح من أي طريق أو سبب من أي ملة كان ولما حصلت واقعة قيام العسكر في أواخر السنة الماضية وأقام الباشا بالقلعة يدبر أمره فيهم والزم أعيان المتظاهرين الطلوع إليه في كل ليلة واجل المتعممين الدواخلي لكونه معدودا في العلماء ونقيبا على الاشراف وهي رتبة الوالي عند العثمانيين فداخله الغرور وظن أن الباشا قد حصل في ورطة يطلب النجاة منها بفعل القربات والندور ولكونه رآه يسترضي خواطر الرعية المنهوبين ويدفع لهم أثمانها ويستميل كبار العساكر وينعم عليهم بالمقادير الكثيرة من أكياس المال ويسترسل معه في المسامرة والمسايرة ولين الخطاب والمذاكرة والمضاحكة فلما رأى اقبال الباشا عليه زاد طمعه في الأسترسال معه فقال له: الله يحفظ افندينا وينصره على اعدائه والمخالفين له ونرجوا من احسانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 بعد هدؤوسر وسكون هذه الفتنة أن ينعم علينا ويجرينا على عوائدنا في الحمايات والمسامحات في خصوص ما يتعلق بنا من حصص الالتزام والرزق فأجابه بقوله: نعم يكون ذلك ولابد من الراحة لكم ولكافة الناس فدعا له وآنس فؤاده وقال الله تعالى يحفظ افندينا وينصره على اعدائه كذلك يكون تمام ما اشرتم به من الراحة لكافة الناس الافراج عن الرزق الاحباسية على المساجد والفقراء فقال: نعم ووعده مواعيدة العرقوبية فكان الدواخلي إذا نزل من القلعة إلى داره يحكي في مجلسه ما يكون بينه وبين الباشا من أمثال هذا الكلام ويذيعه في الناس ولما أمر الباشا الكتاب بتحرير حساب الملتزمين على الوجه المرضي بديوان خاص لرجال دائرة الباشا وأكابر العسكر وذلك بالقعلة تطييبا لخواطرهم وديوان آخر في المدينة لعامة الملتزمين فيحررون للخاصة بالقلعة ما في قوائم مصروفهم وما كانوا يأخذونه من المضاف والبراني والهدايا وغير ذلك والديوان العام التحتاني بخلاف ذلك فلما رأى الدواخلي ذلك الترتيب قال للباشا: وأنا الفقير محسوبكم من رجال الدائرة فقال: نعم وحرروا قوائمه مع الأكابر وأكابر الدولة وانعم عليه الباشا بأكياس أيضا كثيرة زيادة على ذلك فلما راق الحال ورتب الباشا أموره مع العسكر أخذ يذكر الباشا بإنجاز الوعد ويكرر القول عليه وعلى كتخدا بك بقوله أنتم تكذبون علينا ونحن نكذب على الناس وأخذ يتطأول على كتبة الاقباط بسبب أمور يلزمهم ويكلفهم بإتمامها وعذرهم يخفي عنه في تأخيرها فيكلمهم بحضرة الكتخدا ويشتمهم ويقول لبعضهم: أما اعتبر ثم بما حصل للعين غالي فيحقدون عليه ويشكون منه للباشا والكتخدا وغير ذلك أمور مثل تعرضه للقاضي في قضاياه وتشكيه منه واتفق أنه لما حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية وكان بصحبته أحمد جلبي ابن ذي الفقار كتخدا الفلاح وكأنه كان كتخداه بالصعيد وتشكت الناس من افاعله واغوائه إبراهيم باشا فاجتمع به الدواخلي عند السيد محمد المحروقي وحضر قبل ذلك إليه للسلام عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 وفي كل مرة يوبخه بالكلام ويلومه على افعاله بالقول الخشن في ملا من الناس فذهب إلى الباشا وبالغ في الشكوى ويقول فيها: أنا نصحت في خدمة افندينا جهدي واظهرت من المخبات ما عجز عنه غيري فأجازي عليه من هذا الشيخ ما اسمعنيه من قبيح القول وتجبيهي بين الملا وإذا كان محبا لافندينا فلا يكره نفعه ولا النصح في خدمته وأمثال ذلك مما يخفي عنا خبره فمثل هذه الأمور هي التي اوغرت صدر الباشا على الدواخلي مع أنها في الحقيقة ليست خلافا عند من فيه قابلية للخير وأنا اقول أن الذي وقع لهذا الدواخلي إنما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم فإنه كان من اكبر الساعين عليه إلى أن عزلوه واخرجوه من مصر والجزاء من جنس العمل كما قيل:. فقل للشامتين بنا افيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا ولما جرى على الدواخلي ما جرى من العزل والنفي اظهر الكثير من نظرائه المتفقهين الشماتة والفرح وعملوا ولائم وعزائم ومضاحكات كما قيل: أمور تضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في الماثم والمسارعة إلى الولائم في الافراح والمآتم يتكالبون على اسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين. وفي أواخره شرعوا في عمل مهم عظيم بمنزل ولي أفندي ويقال له: ولي جحا وهو كاتب الخزينة العامرة وهو من طائفة الارنؤد واختص به الباشا واستأمنه على الأمور وضم إليه دفاتر الايراد من جميع وجوه جبايات الأموال من خراج البلاد والمحدثات وحسابات المباشرين وانشا دارا عظيمة بخطة باب اللوق على البركة المعروفة بأبي الشوارب وادخل فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 عدة بيوت بجانبها على نسق واصطلاح الابنية الافرنجية والرومية وتأنق في زخرفتها واتساعها واستمرت العمارة بها نحو السنتين ولما كملت وتمت أحضروا القاضي والمشايخ وعقدوا لولديه على ابنتين من اقارب الباشا بحضرة الأعيان ومن ذكر واحتفلوا بعمل المهم احتفالا زائدا وتقيد السيد محمد المحروقي بالمصاريف والتنظيم واللوازم كما كان في افراح أولاد الباشا واجتمعت الملاعيب والبهلوانات بالبركة وما حولها وبالشارع وعلقوا تعاليق قناديل ونجفات واحمال بلور وزينات واجتمع الناس للفرجة وبالليل حراقات ونفوط ومدافع وسواريخ سبع ليال متوالية وعملت الزفة يوم الخميس واجتمعت العربات لاباب الحرف كما تقدم في العام الماضي بل ازيد وذلك لأن الباشا لم يشاهد افراح أولاده لكونه كان غائبا بالديار الحجازية وحضر الباشا للفرجة وجلس بمدرسة الغورية بقصد الفرجة وعمل له السيد محمد المحروقي الغداء وخرجوا بالزفة أوائل النهار وداروا بها دورة طويلة فلم يمروا بسوق الغورية إلا قريب الغروب أواخر النهار. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1231 وخروج العساكر إلى ناحية بحرى مستمر وافصح الباشا وذكر في كلامه في مجالسه وبين السر في اخراجهم من المدينة بأن العساكر قد كثروا وفي اقامتهم بالبلدة مع كثرتهم ضرر وافساد وضيق على الرعية مع عدم الحاجة إليهم داخل البلدة والأولى والاحوط أن يكونوا خارجها وحولها مرابطين لحفظ الثغور من طارق على حين غفلة أو حادث خارجي وليس لهم إلا رواتبهم وعلائفهم تأتيهم في أماكنهم ومراكزهم والسر الخفي اخراج الذين قصدوا غدره وخيانته ووقع بسبب حركتهم ما وقع من النهب والازعاج على أواخر شعبان من السنة الماضية وكان قد بدا باخراج أولاده وخواصه من تحيله واحدا بعد واحد واسر إلى أولاده بما في ضميره وأصحب مع ولده طوسون باشا شخصا من خواصه يسمى أحمد اغا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 البخورجي المدللي وأخذ طوسون باشا في تدبير الايقاع مع من يريد به فبدا بمحو بك وهو اعظمهم وأكثرهم جندا فأخذ في تأليف عساكره حتى لم يبق معه إلا القليل ثم أرسل في وقت بطلب محو بك عنده في مشروة فذهب إليه أحمد اغا المدللي المذكور واسر إليه ما يراد به واشار إليه بعدم الذهاب فركب محو بك في الحال وذهب عند الدلاة فأرسلوا إلى مصطفى بك وهو كبير على طائفة من الدلاة وأخو زوجة الباشا وقريبه والى إسمعيل باشا ابن الباشا ليتوسطا في صلح محو بك مع الباشا وليعفوه ويذهب إلى بلاده فأرسلا إلى الباشا بالخبر وبما نقله أحمد اغا المدللي إلى محو بك فسفه رأيه في تصديق المقالة وفي هروبه عند الدلاة ثم يقول: لولا أن في نفسه خيانة لما فعل ما فعل من التصديق والهروب وكان طوسون باشا لما جرى من أحمد اغا ما جرى من نقل الخبر لمحو بك عوقه وأرسل إلى أبيه يعلمه بذلك فطلبه للحضور إليه بمصر فلما مثل بين يديه وبخه وعزره بالكلام وقال له: ترمي الفتن بين أولادي وكبار العسكر ثم أمر بقتله فنزلوا به إلى با زويلة وقطعوا رأسه هناك وتركوه مرميا طول النهار ثم رفعوه إلى داره وعملوا له في صبحها مشهدا ودفنوه. وفيه حضر إسمعيل باشا ومصطفى بك إلى مصر. وفي أواخره حضر شخص يسمى سليم كاشف من الأجناد المصرية مرسلا من عند بقاياهم من الأمراء واتباعهم الذين رماهم الزمان بكلكله واقصاهم وابعدهم عن اوطانهم واستوطنهم دنقلة من بلاد السودان يتقوتون مما يزرعونه بأيديهم من الدخن وبينهم وبين اقصى الصعيد مسافة طويلة نحو من أربعين يوما وقد طال عليهم الامد ومات أكثرهم ومعظم رؤساهم مثل عثمان بك حسن وسليم اغا وأحمد اغا شويكار وغيرهم ممن لاعلم لنا بخبرة اخبارهم لبعد المسافة حتى على أهل منازلهم وبقي ممن لم يمت منهم إبراهيم بك الكبير وعبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي وعثمان بك يوسف وأحمد الالفي زوج عديلة ابنة إبراهيم بك الكبير وعلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 بك ايوب وبواقي صفار الأمراء والمماليك على ظن خيانتهم وقد كبر سن إبراهيم بك الكبير وعجزت قواه ووهن جسمه فلما طالت عليهم الغربة أرسلوا هذا المرسل بمكاتبة إلى الباشا يستعطفونه ويسألون فضله ويرجون مراحمه بأن ينعم عليهم بالأمان على نفوسهم ويأذن لهم بالانتقال من دنقلة إلى جهة من أراضي مصر يقيمون بها أيضا ويتعيشون فيها بأقل العيش تحت امانه ويدفعون ما يجب عليهم من الخراج الذي يقرره عليهم ولايتعدون مراسمه وأوامره فلما حضر وقابل الباشا وتكلم معه وسأله عن حالهم وشأنهم ومن مات ومن لم يمت منهم وهو يخبره خبرهم ثم أمره بالانصراف إلى محله الذي نزل فيه إلى أن يرد عليه الجواب وانعم عليه بخمسة أكياس فأقام أياما حتى كتب له جواب رسالته مضمونه أنه أعطاهم الأمان على أنفسهم بشروط شروطها عليهم أن خالفوا منها شرطا واحد كان امانهم منقوضا وعهدهم منكرثا ويحل بهم ما حل بمن تقدم منهم فأول الشروط أنهم إذا عزموا على الانتقال من المحل الذي هم فيه يرسلون إمامهم نجابا يخبره بخبرهم وحركتهم وانتقالهم لياتيهم من أعينه لملاقاتهم الثاني إذا حلوا بأرض الصعيد لا يأخذون من أهل النواحي كلفة ولا دجاجة ولا رغيفا واحدا وإنما الذي يتعين لملاقاتهم يقوم لهم بما يحتاجون إليه من مؤنة وعليق ومصرف الثالث إني لا اقطعهم شيئا من الأراضي والنواحي ولا إقامة في جهة من جهات أراضي مصر بل ياتون عندي وينزلون على حكمي ولهم ما يليق بكل واحد منهم من المسكن والتعيين والمصرف ومن كان ذا قوة قلدته منصبا أو خدمة تليق به أو ضمته إلى بعض الأكابر من رؤساء العسكر وأن كان ضعيفا أو هرما اجريت عليه نفقة لنفسه وعياله والرابع أنهم إذا حصلوا بمصر على هذه الشروط وطلبوا شيئا من اقطاع أو زرقه أو قنطرةاو أقل مما كان في تصرفهم في الزمن الماضي أو نحو ذلك انتقض معي عهدهم وبطل اماني لهم بمخالفة شرط واحد من هذه الشروط وهي سبعة غاب عن ذهني باقيها فسبحان المعز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 المذل مقلب الأحوال ومغير الشؤون. فمن العبر أنه لما حضر المصريون ودخلوا إلى مصر بعد مقتل طاهر باشا وتأمروا وتحكموا فكانت عساكر الاتراك في خدمتهم ومن ارذل طوائفهم وعلائفهم تصرف عليهم من أيدي كتابهم واتباعهم وإبراهيم بك هو الأمير الكبير وراتب محمد علي باشا هذا من الخبز واللحم والأرز والسمن الذي عينه له من كبلاره نعوذ بالله من سوء المنقلب ورجع سليم كاشف المرسل إليهم بالجواب المشتمل على مافيه من الشروط. وفيه أمر الباشا بحبس أحمد أفندي المعايرجي بدار الضرب وحبس أيضا عبد الله بكتاش ناظر الضربخانة واحتج عليهما باختلاسات يختلسانها واستمر أياما حتى برر عليهما نحو السبعمائة كيس وعلى الحاج سالم الجواهرجي وهو الذي يتعاطى ايراد الذهب والفضة إلى شغل الضربخانة مثلها ثم اطلق المذكوران ليحصلا ما تقرر عليهما وكذلك اطلق الحاج سالم وشرعوا في التحصيل بالبيع والاستدانة واشتد القهر بالحاج سالم ومات على حين غفلة وقيل أنه ابتلع فص الماس وكان عليه ديون باقية من التي استدانها في المرة الأولى والغرامة السابقة. ومن النوادر الغريبة والاتفاقات العجيبة. انه لما مات إبراهيم بك المداد بالضربخانة قبل تاريخه تزوج بزوجته أحمد أفندي المعايرجي المذكور فلما عوق أحمد أفندي خافت زوجته المذكورة أن يدهمها أمر مثل الختم على الدار أو نحو ذلك فجمعت مصاغها وما تخاف عليه مما خف حمله وثقل ثمنه وربطته في صرة واودعتها عند امرأة من معارفها فسطا على بيت تلك المرأة شخص حرامي وأخذ تلك الصرة وذهب بها إلى دار امرأة من اقاربه بالقرب من جامع مسكة وقال لها: احفظي عند هذه الصرة حتى ارجع ونزل إلى اسفل الدار فنادته المراة أصبر حتى آتيك بشئ تأكله فقال: نعم فإني جيعان وجلس اسفل الدار ينتظر اتيانها له بما يأكله وصادف مجئ زوج المرأة تلك الساعة فوجده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 فرحب به وهو يعلم بحاله ويكره مجيئه إلى داره وطلع إلى زوجته فوجد بين يدها تلك الصرة فسألها عنها فأخبرته أن قريبها المذكور أتى بها إليها حتى يعود لأخذها فجسها فوجدها ثقيلة فنزل في الحال ودخل على محمد أفندي سليم من أعيان جيران الخطة فأخبره فأحضر محمد أفندي انفارا من الجيران أيضا وفيهم الخجا المنسوب إلى أحمد اغا لاظ المقتول ودخل الجميع إلى الدار وذلك الحرامي جالس ومشتغل بالاكل فوكلوا به الخدم وأحضروا تلك الصرة وفتحوها فوجدوا بها مصاغا وكيسا بداخله انصاف فضة عددية ذكروا أن عدتها أربعون الفا ولكنها من غير ختم وبدون نقش السكة فأخذوا ذلك وتوجهوا لكتخدا بك وصحبتهم الحرامي فسألوه وهددوه فأقر وأخبر عن المكان الذي اختلسها منه فأحضروا صاحبة المكان فقالت هو وديعة عندي لزوجة أحمد أفندي المعايرجي فثبت لديهم خيانته واختلاسه وسئل أحمد أفندي فحلف أنه لا يعلم بشئ من ذلك وأن زوجته كانت زوجا لإبراهيم المداد فلعل ذلك عندها من أيامه وسئلت هي أيضا عن تحقيق ذلك فقالت الصحيح أن إبراهيم الداد كان اشترى هذه الدراهم من شخص مغربي عندما نهب عسكر المغاربة الضربخانة في وقت حادثة الأمراء المصريين وخروجهم من مصر عندما قامت عليهم عسكر الاتراك فلم يزيلوا الشبهة عن أحمد أفندي بل زادت وكانت هذه النادرة من عجائب الاتفاق فقدروا أثمانها وخصموها من المطلوب منه. وفي يوم الخميس عشرينه حصلت جمعية ببيت البكري وحضر المشايخ وخلافهم وذلك بأمر باطني من صاحب الدولة وتذاكروا ما يفعله قاضي العسكر من الجور والطمع في أخذ أموال الناس والمحاصيل وذلك أن القضاة الذين يأتون من باب السلطنة كانت لهم عوائد وقوانين قديمة لا يتعدونها في أيام الأمراء المصريين فلما استولت هؤلاء الاروام على المماليك والقاضي منهم فحش امرهم وزاد طمعهم وابتدعوا بدعا وابتكروا حيلا لسلب أموال الناس والايتام والارامل وكلما ورد قاض ورأى ما ابتكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 الذي كان قبله احدث هو الاخر أشياء يمتاز بها عن سلفه عن حتى فحش الأمر وتعدى ذلك لقضايا أكابر الدولة وكتخدا بك بل والباشا وصارت ذريعة وأمرا محتما لا يحتشمون منه ولايراعون خليلا وكبيرا ولا جليلا وكان المعتاد القديم أنه إذا ورد القاضي في أول السنة التوتية التزم بالقسمة بعض المميزين من رجال المحكمة بقدر معلوم يقوم بدفعه للقاضي وكذلك تقرير الوظائف كانت بالفراغ أو المحلول وله شهريات على باقي المحاكم الخارجة كالصالحية وباب سعادة والخرق وباب الشعرية وباب زويلة وباب الفتوح وطيلون وقناطر السباع وبولاق ومصر القديمة ونحو ذلك وله عوائد واطلاقات وغلال من الميري وليس له غير ذلك إلا معلوم الامضاء وهو خمسة انصاف فضة فإذا احتاج الناس في قضاياهم ومواريثم أحضروا شاهدا من المحكمة القريبة منهم فيقضي فيها مايقضيه ويعطونه اجرته وهو يكتب التوثيق أو حجة المبايعة أو التوريث ويجمع العدة من الأوراق في كل جمعة أو شهر ثم يمضيها من القاضي ويدفع له معلوم الامضاء لاغير وأما القضايا لمثل العلماء والأمراء فبالمسامحة والاكرام وكان القضاة يخشون صولة الفقهاء وقت كونهم يصدعون بالحق ولا يداهنون فيه فلما تغيرت الأحوال وتحكمت الاتراك وقضاتها ابتدعوا بدعا شتى. منها ابطال نواب المحاكم وابطال القضاة الثلاثة خلاف مذهب الحنفي وأن تكون جميع الدعاوي بين يديه ويدي نائبه وبعد الانفصال يأمرهم بالذهاب إلى كتخداه ليدفع المحصول فيطلب منهم المقادير الخارجة عن المعقول وذلك خلاف الرشوات الخفية والمصالحات السرية واضاف التقرير والقسمة لنفسه ولايلتزم بها أحد من الشهود كما كان في السابق وإذا دعى بعض الشهود لكتابة توثيق أو مبايعة أو تركة فلا يذهب إلا بعد أن يأذن له القاضي أو يصحبه بجوخدار ليباشر القضية وله نصيب أيضا وزاد طمع هؤلاء الجوخدارية حتى لا يرضون بالقليل كما كانوا في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 أول الأمر وتخلف منهم أشخاص بمصر عن مخاديمهم وصاروا عند المتولي لما انفتح لهم هذا الباب وإذا ضبط تركة من التركات وبلغت مقادر أخرجوا للقاضي العشر من ذلك ومعلوم الكاتب والجوخدار والرسول ثم التجهيز والتكفير والمصرف والديون وما بقي بعد ذلك يقسم بين الورثة فيتفق أن الوارث واليتيم لا يبقى له شئ ويأخذ من أرباب الديون عشر ديونهم أيضا ويأخذ من محاليل وظائف التقارير معلوم سنتين أو ثلاثة وقد كان يصالح عليها بأدنى شئ وإلا اكراما وابتدع بعضها الفحص عن وظائف القبانية والموازين وطلب تقاريرهم القديمة ومن اين تلقوها وتعلل عليهم بعدم صلاحية المقرر وفيها من هو بإسم النساء وليسوا أهلا لذلك وجمع من هذا النوع مقدارا عظيما من المال ثم محاسبات نظار الاوقاف والعزل والتولية فيهم والمصالحات على ذلك وقرر على نصارى الاقباط والاروام قدرا عظيما في كل سنة بحجة المحاسبة على الديور والكنائس ومما هو زائد الشناعة أيضا أنه إذا ادعى مبطل على إنسان دعوى لا أصل لها بأن قال: ادعى عليه بكذا وكذا من المال وغيره كتب المقيد ذلك القول حقا كان أو باطلا معقولا أو غير معقول ثم يظهر بطلان الدعوى أو صحة بعضها فيطالب الخصم بمحصول القدر الذي ادعاه المدعي وسطره الكاتب يدفعه المدعي عليه للقاضي على دور النصف الواحد أو خلاف ما يؤخذ من الخصم الاخر وحصل نظيرها لبعض من هو ملتجئ لكتخدا بك فحبس على المحصول فأرسل الكتخدا يترجى في اطلاقه والمصالحة عن بعضه فأبى فعند ذلك حنق الكتخدا وأرسل من اعوانه من استخرجه من الحبس ومن الزيادات في نغمة الطنبور كتابة الاعلامات وهو أنه إذا حضر عند القاضي دعوى بقاصد من عند الكتخدا أو الباشا ليقضي فيها وقضى فيها لاحد الخصمين طلب المقضي له اعلاما بذلك إلى الكتخدا أو الباشا يرجع به مع القاصد تقييدا واثباتا فعند ذلك لا يكتب له ذلك الاعلام إلا بما عسى لا يرضيه إلا أن يسلخ من جلده طاقا أو طاقين وقد حكمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 عليه الصورة وتابع الباشا أو الكتخدا ملازم له ويستعجله ويساعد كتخدا القاضي عليه ويسليه على ذلك الظفر والنصرة على الخصم مع أن الفرنساوية الذين كانوا لا يتدينون بدين لما قلدوا الشيخ أحمد العريشي القضاء بين المسلمين بالمحكمة حددوا له حدا في أخذ المحاصيل لا يتعداه بأن يأخذ على المائة إثنين فقط له منها جزء الكتاب جزء فلما زاد الحال وتعد إلى أهل الدولة رتبوا هذه الجمعية فلما تكاملوا بمجلس بيت البكري كتبوا عرضا محضرا ذكروا فيه بعض هذه الاحداثات والتمسوا من ولي الأمر رفعها ويرجون من المراحم أن يجري القاضي ويسلك في الناس طريقا من إحدى الطرق الثلاث أما الطريقة التي كان عليها القضاة في زمن الأمراء المصريين وأما الطريقة التي كانت في زمن الفرنساوية أو الطريقة التي كانت أيام مجئ الوزير وهي الاقرب والاوفق وقد اخترناها ورضيناها بالنسبة لما هم عليه الآن من الجور وتمموا العرض محضرا واطلعوا عليه الباشا فارسله إلى القاضي فامتثل الأمر وسجل بالسجل على مضض منه ولم تسعه المخالفة. واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1231 في منتصفه ورد الخبر بموت مصطفى بك دالي باشا بناحية الاسكندرية وهو قريب الباشا واخو زوجته. واستهل شهر رجب الاصم بيوم الثلاثاء سنة 1231 في ثالثه يوم الخميس قبل الغروب حصل في الناس انزعاج ولغط ونقل أصحاب الحوانيت بضائعهم منها مثل سوق الغورية ومرجوش وخان الحمزاوي وخان الخليلي وغيرهم ولم يظهر لذلك سبب من الأسباب وأصبح الناس مبهوتين ولغطوا بموت الباشا وحضر اغات الينكجرية واغات التبديل إلى الغورية واقاما بطول النهار وهما يامران الناس بالسكون وفتح الدكاكين وكذلك علي اغا الوالي بباب زويلة وأصبح يوم السبت فركب الباشا وخرج إلى قبة العزب وعمل رماحة وملعبا ورجع إلى شبرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 وحضر كتخدا بك إلى سوق الغورية وجلس بالمدفن وأمر بضرب شيخ الغورية فبطحوه على الأرض في وسط السوق وهو مرشوش بالماء وضربه الاتراك بعصيهم ثم رفعوه إلى داره ثم أمر الكتخدا بكتابة أصحاب الدكاكين الذين نقلوا متاعهم فشرعوا في ذلك وهرب الكثير منهم وحبسهم في داه ثم ركب الكتخدا ومر في طريقه على خان الحمزاوي وطلب البواب فلما مثل بين يديه أمر بضربه كذلك وضرب أيضا شيخ مرجوش وأما طائفة خان الخليلي ونصارى الحمزاوي فلم يتعرض لهم. واستهل شهر شعبان بيوم الخميس سنة 1231 فيه من الحوادث أن بعض العيارين من السراق تعدوا على قهوة الباشا بشبرا وسرقوا جميع ما بالنصبة من الأواني والبكارج والفناجين والظروف فأحضر الباشا بعض أرباب الدرك بتلك الناحية والزمه بإحضار السراق والمسروق ولايقبل له عذرا في التأخير ولو يصالح على نفسه بخزينة أو أكثر من المال ولايكون غير ذلك ابدا وإلا نكل به نكالا عظيما وهو المأخوذ بذلك فترجى في طلب المهلة فأمهله أياما وحضر بخمسة أشخاص وأحضروا المسروق بتمامه لم ينقص منه شئ وأمر بالسراق فخوزقوهم في نواحي متفرقين بعد أن قرروهم على أمثالهم وعرفوا عن أماكنهم وجمع منهم زيادة على الخمسين وشنق الجميع في نواح متفرقة بالاقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية. وفي منتصفه يوم الجمعة الموافق لرابع مسرى القبطي اوفي النيل اذرعة وفتح سد الخليج يوم السبت. وفيه وقع من النوادر أن امرأة ولدت مولودا برأسين وأربعة أيدي وله وجهان متقابلان والوجهان بكتفيهما مفروقان من حد الرأس وقيل لحد الصدر والبطن واحدة وثلاثة ارجل وإحدى الارجل لها عشرة اصابع فيقال: إنه أقام يوما وليلة حيا ومات وشاهده خلق كثير وطلعوا به إلى القلعة وراه كتخدا بك وكل من كان حاضرا بديوانه فسبحان الله الخلاق العظيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1231 حصل فيه من النوادر أن في تاسع عشره علق شخص عسكري غلاما من أولاد البلد وصار يتبعه في الطرقات إلى أن صادفه ليلة بالقرب من جامع الماس بالشارع فقبض عليه وأراد الفعل به في الطريق فخدعه الغلام وقال له: إن كان لا بد فادخل بنا في مكان لا يرانا فيه أحد من الناص فدخل معه درب حلب المعروف الآن بدرب الحمام خير بك حديد وهناك دور الأمراء التي صارت خرائب فحل العسكري سراويله فقال له: الغلام ارني بتاعك فلعله يكون عظيما لا اتحمله جميعه وقبض عليه وكان بيده موسى مخفيه في يده الأخرى فقطع ذكره بتلك الموسى سريعا وسقط العسكري مغشيا عليه وتركه الغلام وذهب في طريقه وحضر رفقاء ذلك العسكري وحملوه وأحضروا له سليما الجرائحي فقطع ما بقي من مذاكيره وأخذ في معالجته ومداواته ولم يمت العسكري. واستهل شهر شوال بيوم السبت سنة 1231 وكان حقه يوم الأحد وذلك أن أواخر رمضان حضر جماعة من دمنهور البحيرة وأخبروا عن أهل دمنهور أنهم صاموا يوم الخميس فطلب الباشا حضور من رأى الهلال تلك الليلة فحضر اثنان من العسكر وشهدا برؤيته ليلة الخميس فأثبتوا بذلك هلال رمضان ويكون تمامه يوم الجمعة وأخبر جماعة أيضا أنهم راوا هلال شوال ليلة السبت وكان قوسه في حساب قواعد الاهلة تلك الليلة قليلا جدا ولم ير في ثاني ليلة منه إلا بعسر وإنما اشتبه على الرائين لأن المريخ كان مقارنا للزهرة في برج الشمس من خلفها وبينهما وبين الشمس رؤيا بعدها في شعاع الشمس شبه الهلال فظن الراؤن أنه الهلال فلينتبه لذلك فإن ذلك من الدقائق التي تخفي على أهل الفطانة فضلا عن غيرهم من العوام الذين يسارعون إلى افساد العبادات حسبه بالظنون الكاذبة لأجل أن يقال: شهد فلان ونحو ذلك. وفي أواخره قلد الباشا شخصا من اقاربه يسمى شريف اغا على دواوين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 المبتدعات وضم إليه جماعة من الكتبة أيضا المسلمين والاقباط وجعلوا ديوانهم ببيت ابي الشوارب وعمروه عمارة عظيمة وواظبوا الجلوس فيه كل يوم التحرير والمبتدعات ودفاتر المكوس. واستهل شهر ذي القعدة سنة 1231 فيه أنهدم جنب من السواقي التي انشأها الباشا بشبرا على حين غفلة وقد قوي عليها النيل فتهدمت وتكسرت اخشابها وسقط معها أشخاص كانوا حولها فنجا منهم من نجا وغرق منهم من غرق وكان الباشا بصر شبرا مقيما به وهو يرى ذلك وانقضت السنة وأخبار بعض حوادثها واستمرار ما تجدد فيها من المبتدعات التي لا حصر لها. ومنها الحجر على المزارع التي يزرعها الفلاحون في الأراضي التي يدفعون خراجها من الكتاب والسمسم والعصفر والنيلة والقطن والقرطم وإذا بدا صلاحه لا يبيعون منه شيئا كعادتهم وإنما يشتريه الباشا بالثمن الذي يفرضه ويقدره على يد امناء النواحي والكشاف ويحملونه إلى المحل الذي يؤمرون بحمله إليه ويعطى لهم الثمن أو يحسب لهم من أصل المال فإن احتاجوا الشئ من ذلك اشتروه بالثمن الزائد المفروض وكذلك القمح والفول والشعير لا يبيعون منه شيئا لغير طرف الباشا بالثمن المفروض والكيل الوافي. ومنها الأمر لكشاف الأقاليم بالمناداة العامة بالمنع لمن يأخذ أو يأكل من الفول الاخضر والحمص والحلبة وأن المعينين في الخدم والمباشرين وكشاف النواحي لا يأخذون شيئا من الفلاحين كعادتهم من غير ثمن فمن عثر عليه بأخذ شئ ولو رغيفا أو تبنا أو من رجيع البهائم حصل له مزيد الضرر ولو كان من الاعاظم وكذلك الأمر بتكميم افواه المواشي التي تسرح للمرعى حوالي الجسور والغيطان. ومنها أن نصرانيا من الارمن التزم بقلم الأبراز التي تأتي من بلاد الصعيد مثل الحبة السوداء والشمر والانيسون والكمون والكراويا ونحو ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 بقدر كبير من الأكياس ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذي يفرضه ومقدار ما التزم بدفعه من الأكياس للخزينة على ما بلغنا خمسمائة كيس وكانت في أيام الأمراء المصريين عشرة أكياس لاغير فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدي زادها عشرة أكياس وكانت وكالة الابزار والقطن وقفا لمصطفى اغا دار السعادة سابقا على خيرات الحرمين وخلافهما فلما كانت هذه الدولة تولاها شخص على مائتي كيس وعند ذلك سعر الابزار اضعاف الثمن الاصلي ومن داخل الابزار الثمر الابريمي والسلطاني والخوص والمقاطف والسلب والليف وبلغ سعر المقفطف الذي يسع الكيلة من البر خمسة وعشرين نصفا وكان يباع بنصف أو نصفين أن كان جيدا وفي الجملة بأقل من ذلك. ومنها أن كرابيت معلم ديوان الكمرك ببولاق التزم بمشيخة الحمامية واحدث عليها وعلى توابعها حوادث وعلى النساء البلانات في كل جمعة قدرا من الدراهم وجعل لنفسه يوما في كل جمعة يأخذ ايراده من كل حمام. ومنها ما حصل في هذه السنة من شحة الصابون وعدم وجوده بالأسواق ومع السراحين وهو شئ لا يستغنى عنه الغني ولا الفقير وذلك أن تجارة بوكالة الصابون زادوا في ثمنه محتجين بما عليهم من المغارم والرواتب لأهل الربح فيأمر الكتخدا فيه بأمر وبسعر بثمن فيدعون الخسران وعدم الربح وتكرر الحال فيه المرة بعد المرة ويشتكون من قلة المجلوب إلى أن سعر رطله بستة وثلاثين نصفا فلم يرتضوا ذلك وبالغوا في التشكي فطلب قوائمهم وعمل حسابهم وزادهم خسمة انصاف في كل رطل وحلف أن لا يزيد على ذلك وهم مصممون على دعوى الخسران فأرسل من اتباعه شخصا تركيا لباشرة البيع وعدم الزيادة فيأتي إلى الخان في كل يوم يباشر البيع على من يشترى بذلك الثمن لأربابه ويمكث مقدار ساعتين من النهار ويغلق الحواصل ويرفع البيع لثاني يوم وفي ظرف هاتين الساعتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 تزدحم العسكر على الشراء ولايتمكن خلافهم من أهل البلد من أخذ شيء وتخرج العسكر فيبيعون من الذي اشتروه على الناس بزيادة فاحشة فيأخذ الرطل بقرش ويبيعه على غيره بقرشين ورفع التشكي إلى كتخدا فامر ببيعه عند باب زويلة في السبلين المواجه احدهما للباب والسبيل الذي انشأته الست نفيسة المرادية عند الخان تجاه الجامع المؤدي ليسهل على العامة تحصيله وشراؤه فلم يزداد الحال إلا عسرا وذلك أن البائع يجلس داخل السبيل ويغلق عليه بابه ويتنأول من خروق الشبابيك من المشتري الثمن ويناوله الصابون فازدحمت طوائف العساكر على الشراء ويتعلقون بأيديهم وارجلهم على شبابيك السبيلين والعامة اسفلهم لا يتمكنون من أخذ شئ ويمنعون من يزاحمهم فيكون على السبيلين ضجة وصياح من الفريقين فلا يسع ابن البلد الفقير المضطر إلا أن يشترى من العسكري بما احب وإلا رجع إلى منزله من غير شئ واستمر الحال على هذا المنوال أياما وفي بعض الاحاجيين يكثر من وجود الصابون بين أيدي الباعة بوسط السوق ولاتجد عليه مزاحمة وإمام البائع كوم عظيم وهو ينتظر من يشتري وذلك في غالب الأسواق مثل الغورية والاشرفية وباب زويلة والبندقانيين والجهات الخارجة ثم يصبحون فلا يوجد منه شئ ويرجع الازدحام على السبيلين كالاول. ومنها أن الباشا اطلق المناداة في البلدة وندب جماعة من المهندسين والمباشرين للكشف على الدور والمساكن فإن وجدوا به أو ببعضه خلالا أمروا صاحبه بهدمه وتعميرة فإن كان يعجز عن ذلك فيؤمر بالخروج منها واخلائها ويعاد بناؤها على طرف الميري وتصير من حقوق الدولة وسبب هذه النكتة أنه بلغ الباشا سقوط دار بعض الجهات ومات تحت ردمها ثلاثة أشخاص من سكانها فأمر بالمناداة وأرسل المهندسين والأمر بما ذكر فنزل بأهالي البلد من الكرب أمر عظيم مع ماهم فيه من الافلاس وقطع الايراد وغلوا الاسعار على أن من كان له نوع مقدرة على الهدم والبناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 لا يوجد من أدواته شيئا بحسب التحجير الواقع على أرباب الاشغال واستعمال الجميع في عمائر الباشا وأكابر الدولة حتى أن الإنسان إذا احتاج لبناء كانون لا يجد من يبنيه ولايقدر على تحصيل صانع أو فاعل أو أخذ شئ من رماد الحمام إلا بفرمان ومن حصل شيئا من ذلك على طريق السرقة في غفلة وعثر عليه نكلوا به وبرئيس الحمام وحمير الباشا وهي ازيد من الفي حمار تنقل بالمزابل والسرقانيات طول النهار ما يوجد بالحمامات من الرماد وتنقل أيضا الطوب والدبش والاتربة وانقاض البيوت المنهدمة لمحل العمائر بالقلعة وغيرها فترى الأسواق والعطف مزدحمة بقطارات الحمير الذاهبة والراجعة وإذا هدم إنسان داره التي امروه بهدمها وصل إليه في الحال قطار من الحمير لأخذ الطوب الذي يتساقط إلا أن يكون من أهل القدرة على منعهم وربما كان هذه الأوامر حيلة على أخذ الانقاض وأما الاتربة فتبقى بحالها حتى في طرق المارة للعجز عن نقلها فترى غالب الطرق والنواحي مردومه بالاتربة وأما الهدم ونقل الانقاض من البيوت الكبار والدور الواسعة التي كانت مساكن الأمراء المصريين بكل ناحية وخصوصا بركة الفيل وجهة الحبانية فهو مستمر حتى بقيت خرابا ودعائم قائمة وكيمان هائلة واختلطت بها الطرق وأصبحت موحشة ولا مارى بها حتى لليوم بعد أن كانت مراتع غزلان فكنت كلما رأيتها اتذكر قول القائل: هذي منازل اقوام عهدتهم ... في خفض عيش نعيم ما له خطر صاحت بهم نوب الأيام فارتحلوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر وكذلك بولاق كانت منتزه الرفاق فإنه تسلط عليها سليمان اغا السلحدار وإسمعيل باشا في الهدم وأخذ انقاض الابنية ببر انبابه والجزيزة الوسطى بين انبابة وبولاق فإن سليمان إنما أنشأ ستانا كبير بين إبنابة وسوره وبنى به قصراوسواقي وأخذ يهدم ابنية بولاق من الوكائل والدور وينقل احجارها وانقاضها في المراكب ليلا ونهارا إلى البر الاخر وإسماعيل باشا كذلك انشا بستانا وقصرا بالجزيرة وشرع أيضا في اتساع سرايته ومحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 سكنه ببولاق وأخذ الدور والمساكن والوكائل من حد الشون القديم إلى آخر وكالة الابزار العظيمة طولا فيهدمون الدور وغيرها من غير مانع ولا شافع وينقلون الانقاض إلى محل البناء وكذلك ولي خوجة شرع في بناء قصر بالروضة ببستان فهو الاخر يهدم مايهدمه من مصر القديمة وينقل انقاضه لبنائه وهلك قبل اتمامه وأما نصارى الارمن وما إدراك ما الارمن الذين هم اخصاء الدولة الآن فانهم انشؤا دورا وقصورا وبساتين بمصر القديمة لكنهم فهم يهدمون أيضا وينقلون لا بنيتهم ما شاؤا ولا حرج عمليهم وإنما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من أهل البلدة فقط. ومنها أن الباشا أمر ببناء مساكن للعسكر الذين اخرجهم من مصر بالاقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من أقاليم الارياف لسكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الإقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في كل حين إلى تجديد وترقيع وكثير خدمة وهي جمع قشلة بكسر القاف وسكون الشين وهي في اللغة التركية المكان الشتوي لأن الشتاء في لغتهم يسمى قش بكسر القاف وسكون الشين فكتب مراسيم إلى النواحي بسائر القرى بالأمر لهم بعمل الطوب اللبن ثم حرقه وحملة إلى محل البناء وفرضوا على كل بلد وقرية فرضا وعددا معينا فيفرض على القرية مثلا خمسمائة ألف لبنة وأكثر بحسب كبر القرية وصغرها فيجمع كاشف الناحية مشايخ القرى ثم يفرض على كل شيخ قدرا وعددا من اللبن عشرين الفا أو ثلاثين الفا أو أكثر أو أقل ويلزم بضربها وحرقها ورفعها واجلهم مدة ثلاثين يوما وفرضوا على كل قرية أيضا مقادير من افلاق النخل ومقادير من الجريد ثم فرضوا عليهم أيضا شخاصا من الرجال لمحل الاشغال والعمائر يستعملونهم في فعالة نقل أدوات العمارة في النواحي حتى الاسكندرية وخلافها ولهم اجرة اعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة انصاف فضة لاغير ولمن يعلم اللبن اجرة أيضا والثمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 الافلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل. ومنها أنه توجه الأمر لكشاف النواحي عند انكشاف الماء عن الأراضي بأن يتقدموا إلى الفلاحين بأن من كان زارعا في العام الماضي فداني كنان أو حمص أو سمسم أو قطن فليزرع في هذه السنة أربعة افدنة ضعف ما تقدم لأن المزارعين عزموا على عدم زراعة هذه الأشياء لما حصل لهم من أخذ ثمرات متاعهم وزراعاتهم التي دفعوا خراجها الزائد بدون القيمة التي كانوا يبيعون بها مع قلة الخراج الذي كانوا يماطلون فيه الملتزمين السابقين مع التظلم والتشكي فيزرع الزارع ما يزرعه من هذه الأشياء من التقاوي المتروكة في مخزنه ثم يبيع الفدان من الكتان الاخضر في غيطه أن كان مستعجلا بالثمن الكثير وإلا ابقاه إلى تمام صلاحه فيجمعه ويدقه ويبيع ما يبيعه من البزر خاصة بأغلى ثمن ثم يتمم خدمته من التعطين والنشر والتمحير إلى أن يصفى وينظف من ادرانه وخشوناته وينصلح للغزل والنسج فيباع حينئذ بالاوقية والرطل وكذا القطن والنيلة والعصفر فلما وقع عليهم التحجير وحرموا من المكاسب التي كانوا يتوسعون بها في معايشهم باقتناء المواشي والحلي للنساء قالوا: ما عدنا نزرع هذه الأشياء وظنوا أن يتركوا على هواهم ونسوا مكر أوليائهم فنزل عليهم الأمر والالزام بزرع الضعف فضجوا وترجوا واستشفعوا ورضوا بمقدار العام الماضي فمنهم من سومح ومنهم من لم يسامح وهو ذو المقدرة وبعد اتمامه وكمال صلحه يؤخذ بالثمن المفروض على طرف الميري ويباع لمن يشتري من أربابه أو خلافهم بالثمن المقدر وربح زيادته لطرف حضرة الباشا مع التضييق والحجر البليغ والفحص عن الاختلاس فمن عثروا عليه باختلاس شئ ولو قليلا عوقب عقابا شديدا ليرتدع خلافه والكتبة والموظفون لتحرير كل صنف ووزنه وضبطه في تنقلات اطواره وعند تسليم الصناع ونتج من ذلك واثمر عزة الأشياء وغلو الاسعار على الناس منها أن المقطع القماش الذي كان ثمنه ثلاثين نصفا بلغ سعره عشرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 قروش مع عزة وجدانه بالأسواق المعدة لبيعه مثل سوق مرجوش وخلافه خلا الطوافين به والثوب البطانة الذي كان ثمنه قرشين بلغ ثمنه سبعة قروش وادركناه في الأزمان السابقة ويباع بعشرين نصفا وبلغ ثمن الثوب من البفتة المحلاوي أربعة عشر قرشا وكان يباع فيما ادركنا بدكان التاجر بستين نصفا وقس على ذلك وبسبب التحجير على النيلة غلا صبغ ثياب الفقراء حتى بلغ صبغ الذراع الواحد نصف قرش والله يلطف بحال خلقه ومادام توزون له امرأة مطاعة فالميل في الجمر. ومنها استمر التحجير على الأرز ومزارعه على مثل هذا النسق بحيث أن الزراعين له التعبانين فيه لا يمكنون من أخذ حبة منه فيؤخذ باجمعه لطرف الباشا بما قدره من الثمن ثم يخدم ويضرب ويبيض في المداوير والمدقات والمناشر بأجرة العمال على طرفه ثم يباع بالثمن المفروض واتفق أن شخصا من ابناء البلد يسمى حسين جلبي عجوة ابتكر بفكره صورة دائرة وهي التي يدقون بها الأرز وعمل لها مثالا من الصفيح تدور بأسهل طريقة بحيث أن الالة المعتادة إذا كانت تدور بأربعة اثوار فيدير هذه ثوران وقدم ذلك المثال إلى الباشا فأعجبه وانعم عليه بدراهم وأمره بالمسير إلى دمياط ويبني بها دائرة ويهندسها برأيه ومعرفته واعطاه مرسوما بما يحتاجه من الاخشاب والحديد والمصرف ففعل وصح قوله ثم فعل أخرى برشيد وراج أمره بسبب ذلك. ومنها أن الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذه قال: إن في أولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف فأمر ببناء مكتب بحوش السراية ويرتب فيه جملة من أولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات مع مشاركة شخص رومي يقال له: روح الدين أفندي بل وأشخاص من الافرنج وأحضر لهم الات هندسية متنوعه من اشغال الانكليز يأخذون بها الابعاد والارتفاعات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 والمساحة ورتب له شهريات وكساوي في السنة واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب وسموه مهندس خانة في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهيرة ثم ينزلون إلى بيوتهم ويخرجون في بعض الأيام إلى الخلاء لتعليم مساحات الأراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا. ومنها استمرار الانشاء في السفن الكبار والصغار لنقل الغلال من قبلي وبحري لناحية الاسكندرية لتباع على الافرنج من سائر أصناف الحبوب فيشحنون السفن من سواحل البلاد القبلية وتأتي إلى ساحل بولاق ومصر القديمة فيصبونها كيمانا هائلة عظيمة صاعدة في الهواء فتصل المراكب البحرية لنقلها فتصبح ولا يبقى شئ منها ويأتي غيرها وتعود كما كانت بالامس ومثل ذلك ساحل رشيد وأما الحبوب البحرية فإنها لاتاتي إلى هذه السواحل بل تذهب من سواحلها إلى حيث هي برشيد ثم إلى الاسكندرية ولما بطل البغاز جمعوا الحمير الكثيرة والجمال ينقلون عليها على طريق البر بالاجرة القليلة فكانت تموت من قلة العلف ومشقة الطريق وتوسق بها السفن الواصلة بالطلب إلى بلاد الافرنج بالثمن عن كل اردب من البر ستة آلاف فضة وأما الفول والشعير والحلبة والذرة وغيرها من الحبوب والادهان فأسعارها مختلفة ويعوض بالبضائع والنقود من الفرانسة معبأة في صناديق صغيرة تحمل الثلاثة منها على بعير إلى الخزينة وهي مصفحة بالحديد يمرون بها قطارات إلى القلعة وعند قلة الغلال ومضى وقت الحصاد يتقدم إلى كشاف النواحي القبلية البحرية بفرض مقادير من الغلال على البلدان والقرى فيلزمون مشايخ البلدان بما تقرر على كل بلد من القمح والفول والذرة ليجمعوه ويحصلوه من الفلاحين وهم أيضا يعملون بفلاحي بلادهم ما يعملون بجورهم واغراضهم ويأخذون الاقوات المدخرة للعيال وذلك بالثمن عن كل اردب من البر ثمانية ريالات يعطى له نصفها ويبقى له النصف الثاني ليحسب له من أصل المال الذي سيطالب به العام القابل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 ومنها أن الباشا سنح له أن ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادي بشرقية بلبيس سواقي وعمارات ومزارع واشجار توت وزيتون فذهب هناك وكشف عن أراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع وهي أراضي رمال واودية فوكل اناسا لاصلاحها وتمهيدها وأن يحفروا بها جملة من السواقي تزيد عن الألف ساقية ويبنوا ابنية ومساكن ويزرعوا اشجار التوت لتربية دود القز واشجارا كثيرة من الزيتون لعمل الصابون وشرعوا في العمل والحفر والبناء وفي انشاء توابيت خشب للسواقي تصنع ببيت الحبجي بالتبانة وتحمل على الجمال إلى رأس الوادي شيئا بعد شئ وأمر أيضا ببناء جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية وأن يعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه مثل الذي يصنع ببلاد الشام وتوكل بذلك السيد أحمد بن يوسف فخر الدين وعمل به احواضا كبيرة للزيت والقلي. ومن المتجددات أيضا محل بخطة تحت الربع يعمل به وتسبك أوان ودسوت من النحاس في غاية الكبر والعظم. ومنها شغل البارود وصناعته بالمكان والصناع المعدة لذلك بجزيرة الروضة بالقرب من المقياس بعد أن يستخرجوه من كيمان السباخ في احواض مبنية ومخفقة ثم يكررونه بالطبخ حتى يكون ملحه غاية في البياض والحدة كالذي يجلب من بلاد الانكليز والمتقيد كبيرا على صناعة شخص افرنكي ولهم معاليم تصرف في كل شهر ومكان أيضا بالقلعة عند باب الينكرجية لسبك المدافع وعملها وقياساتها وهندستها والبنبات وارتفاعها ومقاديرها وسمي ذلك المكان الطبخانة وعليه رئيس وكتبة وصناع وله شهريات. ومنها شدة رغبة الباشا في تحصيل الأموال وزيادة من ذلك من أي طريق بعد استيلائه على البلاد والاقطاعات والرزق الاحباسية وابطال الفراغ والبيع والشراء والمحلول عن الموتى من ذلك والعلوفات وغلال الانبار ونحو ذلك فكل من مات عن حصته أو رزقته أو مرتب الحل بموته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 ما كان على اسمه وضبطه واضيف إلى ديوانه ولو له أولادا وكان هو كتبه باسم أولاده وماتت أولاده قبله انحل عنه وأصبح هو وأولاده من غير شئ فإن عرض حاله على الباشا أمر بالكشف عن ايراده فإن وجدوا بالدفاتر جهة أو وظيفة أخرى قيل له هذه تكفيك وأن لم يوجد في حوزه خلافها أمر له بشئ يستغله من اقلام المكوس أما قرش أو نصف قرش في كل يوم أو نحو ذلك هذا مع التفاته ورغبته في أنواع النجارات والشركات وانشاء السفن ببحر الروم والقلزم وأقام له وكلاء بسائر الاساكل حتى ببلاد فرانسة والانكليز ومالطة وازمير وتونس والنابلطان والونديك والبنادقة واليمن والهند واعطى اناسا جملا عظيمة من أموال يسافرون بها ويجلبون البضائع وجعل لهم الثلث في الربح في نظير سفرهم وخدمتهم فمن ذلك أنه اعطى للرئيس حسن المحروقي خمسمائة ألف فرانسة يسافر بها إلى الهند ويشتري البضائع الهندية ويأتي بها إلى مصر ولشخص نصراني أيضا ستمائة ألف فرانسة وكذلك لمن يذهب إلى بيروت وبلاد الشام لمشترى القز والحرير وغير ذلك وعمل بمصر أماكن ومصانع لنسج القطاني التي يتخذها الناس في ملابسهم من القطن والحرير وكذلك الجنفس والصندل واحتكر ذلك بأجمعه وابطل دواليب الصناع لذلك ومعلميهم واقامهم يشتغلون وينسجون في المناسج التي احدثها بالاجرة وابطل مكاسبهم أيضا وطرائقهم التي كانوا عليها فيأخذ من ذلك ما يحتاجه في اليكات والكساوي وما زاد يرميه على التجار وهم يبيعونه على الناس باغلى ثمن وبلغ ثمن الدرهم من الحرير خمسة وعشرين نصفا بعد أن كان يباع بنصفين. ومنها أنه ابطل ديوان المنجرة وهي عبارة عما يؤخذ من المعاشات وهي المراكب التي تغدو وتروح لموارد الارياف مثل شيبين الكوم وسمنود والبلاد البحرية وعليها ضرائب وفرائض للملتزم بذلك وهو شخص يسمى عليا الجزار وسبب ذلك أن معظم المراكب التي تصعد ببحر النيل وتنحدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 ومن انشاء الباشا ولم يبق لغيره إلا القليل جدا والعمل والانشاء بالترسخانة مستمر على الدوام والرؤساء والملاحون يخدمون فيها بالاجرة وعمارة خللها واحبالها وجميع احتياجاتها على طرف الترسخانة ولذلك مباشرون وكتاب وامناء يكتبون ويقيدون الصادر والوارد وهذه الترسخانة بساحل بولاق بها الاخشاب الكثيرة والمتنوعة ويصلح للعمائر والمراكب ويأتي إليها المجلوب من البلاد الرومية والشامية فإذا ورد شئ من أنواع الاخشاب سمحو للخشابة بشئ يسير منها بالثمن الزائد ورفع الباقي إلى الترسخانة وجميع الاخشاب الواردة والاحطاب جميعها في متاجر الباشا وليس لتجارها إلا ماكان من داخل متاجره وهو القليل. ومن النوادر أنه وصل من بلاد الانكليز سواقي بالات الحديد تدور بالماء فلم يستقم لها دوران على بحر النيل. ومنها أنه انشا جسرا ممتدا من ناحية قنطرة الليمون على يمنه السالك إلى طريق بولاق متصلا إلى شبرا على خط مستقيم وزرعوا بحافتيه اشجار التوت وعلى هذا النسق جسور بطرق الارياف والأقاليم. ومنها أن اللحم قل وجوده من أول شهر رجب إلى غاية السنة وغلا سعره مع رداءته وهزاله حتى بيع الرطل بعشرين نصفا وازيد واقل مع مافيه من العظام واجزاء السقط والشغت وسبب ذلك رواتب الدولة وأخذها بالثمن القليل فيستعوض الجزارون خسارتهم من الناس وكان البعض من العسكر يشتري الاغنام ويذبحها ويبيعها بالثمن الغالي وينقص الوزن ولايقدر ابن البلد على مراجعته. ومنها أن إبراهيم اغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا قلده الباشا كشوفية المنوفية فمن افاعيله أنه يطلب مشايخ البلدة أو القرية فيسأل الشخص منهم على من شيخه فيقول: أستاذ البلدة فيقول له: في أي وقت فيقول: سنة كذا فيقول: وما الذي قدمته له في شياختك ويهدده أو يحبسه على الانكار أو يخبر من بادئ الأمر ويقول: اعطيته كذا وكذا أما دارهم أو اغناما فيأمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 الكاتب بتقييده وتحريره وضبطه على الملتزم وسطر بذلك دفترا وأرسله إلى الديوان ليخصم على الملتزمين من فائظهم المحرر لهم بالديوان فيتفق أن المحرر عليه يزيد على القدر المطلوب له فيطالب بالباقي أو يخصم عليه من السنة القابلة. ومنها التحجير على القصب الفارسي فلا يتمكن أحد من شراء شئ منه ولو قصبة واحدة إلا بمرسوم من كتخدا بك فمن احتاج منه في عمارة أو شباك أو لدوارت الحرير أو اقصاب الدخان أخذ فرمانا بقدر احتياجه واحتاج إلى وسائط ومعالجات واحتجاجات حتى يظفر بمطلوبه. ومنها وهي من محاسن الافعال أن الباشا اعمل همته في اعادة السد الاعظم الممتد الموصل إلى الاسكندرية وقد كان اتسع أمره وتخرب من مدة سنين وزحف منه ماء البحر المالح واتلف أراضي كثيرة وخربت منه قرى ومزارع وتعطلت بسببه الطرق والمسالك وعجزت الدول في أمره ولم يزل يتزايد في التهور وزحف المياه المالحة على الأراضي حتى وصلت إلى خليج الاشرفية التي يمتلئ منها صهاريج الثغر فكانوا يجسرون عليه بالاتربة والطين فلما اعتنى الباشا بتعمير الاسكندرية وتشييد اركانها وابراجها وتحصينها ولم تزل بها العمارات اعتنى أيضا بأمر الجسر وأرسل إليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسأمير والات الحديد والاحجار والمؤن والاخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تممه وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان فلو وفقه الله لشئ من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان اعجوبة زمانه وفريد أوانه وأما أمر المعاملة فلم يزل حاله في التزايد حتى وصل صرف الريال الفرانسة إلى تسعة قروش وهو أربعة أمثال الريال المتعارف ولما بطل ضرب القروش من العام الماضي ضربوا بدلها انصاف قروش وارباعها وأثمانها وتصرف بالفرط والانصاف العددية لاوجود لها بأيدي الناس إلا ما قل جدا فإذا أراد إنسان منها دفع في أبدالها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 عشرة قروش عنها أربعمائة نصف فضة زيادة على المبدل أن كان ذهبا أو فرانسة أو قروشا ووصل صرف البندقي إلى ثمانمائة نصف والمجر ثمانية عشر قرشا والمحبوب المصري إلى أربعمائة والإسلامبولي إلى أربعمائة وثمانين كل ذلك أسماء لا مسميات لانعدام الانصاف مع أنه يضرب منها المقادير والقناطير يأخذها التجار الشاميون والروميون بالفرط ثم يرسلونها متاجرة بدلا عن البضائع لأن الريال في تلك البلاد صرفه ثلثمائة نصف فقط فيكون فيه من الربح ستون نصفا في كل ريال ولما علم الباشا ذلك جعل يرسل لوكلائه بالشام في كل شهر ألف كيس من الفضة العددية ويأتيه بدلها فرانسة فيضيف عليها ثلاثة أمثالها نحاسا ويضربها فضة عددية فيربح فيها ربحا بدون حاء عظيما وهكذا من هذا الباب فقط. ومن حوادث السنة الافاقية واقعة الانكليز مع أهل الجزائر وهو أن لأهل الجزائر صولة واستعداد وغزوات في البحر ويغزون مراكب الافرنج ويغتنمون منها غنائم ويأخذون منهم أسرى وتحت أيديهم من اسارى الانكليز وغيرهم شئ كثير ومينتهم حصينة يدور بها سور خارج في البحر كنصف الدائرة في غاية الضخامة والمتانة ذو ابراج مشحونة بالمدافع والقنابر والمرابطين والمحاربين ومراكبهم من داخله فوصل إليهم بعض مراكب الانكليز ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا اسارهم بمال فاعطوهم ما يزيد عن الألف اسير ودفعوا عن كل رأس اسير مائة وخمسين فرانسا ورجعوا من حيث اتوا وبعد مدة وصل منهم بعض سفائن إلى خارج المينا رافعين اعلام السلم والصلح فعبروا داخل المينا من غير ممانع ونزل منهم انفار في فلوكة وبيدهم مرسوم بطلب باقي الأسرى فامتنع حاكمهم من ذللك وترددوا في المخاطبات وفي اثناء ذلك وصلت عدة مراكب من مراكبهم وشلنبات وهي المراكب الصغار المعدة للحرب وعبروا مع مساعدة الريح إلى المينا واثاروا الحرب والضراب بطرائقهم المستحدثه فأحرقوا مراكب أهل الجزائر مع المضاربة أيضا من أهل المدينة مع تأخر استعدادهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 وسرعة استعداد الخصم ومدافع الابراج الداخلة لا تصيب الشلنبات الصغيرة المتسفلة وهم لا يخطؤن ثم هم في شدة الغارة والحرب إذا قيل للحاكم بأن عساكره الاتراك تركوا المحاربة واشتغلوا بنهب البلدة واحراق الدور فقط في يده واحتار في أمره ما بين قتال العدو الواصل أو قتال عسكره ومنعهم وكفهم عن النهب والاحراق والفساد وهذا شأنهم فلم يسعه إلا خفض الاعلام وطلب الأمان من الانكليز فعند ذلك ابطلوا الحرب وكفوا عن الضراب وترددوا في الصلح على شرائطهم التي منها تسليم بواقي الأسرى واسترداد المال الذي سلموه في الفداء السابق حالا من غير مهلة فكان ذلك وتسلموا الأسرى وفيهم من كان صغيرا واسلم وقرا القرآن واتفقوا على المتاركة والمهلة زمنا مقداره ستة اشهر ورجعوا إلى بلادهم بالظفر والأسرى والأمر لله وحده ثم أن الجزائرلية اجتهدوا في تعمير ما تهدم وتخرب من السور والابراج والجامع في الحرب وكذلك ما اخربه عساكرهم الذين هم اعدى من الاعداء واضر ما يكون على الإسلام وأهله وصارت الأخبار بذلك في الافاق وامدهم سلطان المغرب مولاي سليمان وبعث إليهم مراكب عوضا عن الذي تلف من مراكبهم فأرسل إليهم معمرين وادوات ولوازم عمارات وكذلك حاكم تونس وغيرها ومن السلطان العثماني أيضا ولم يتفق فيما نعلم لأهل الجزائر مثل هذه الحادثة الهائلة ولا اشنع منها وكانت هذه الواقعة غرة شهر شوال من السنة وهو يوم عيد الفطر وكان عيدا عليهم في غاية الشناعة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الشيخ الفهامة والنحرير العلامة الفقيه النحوي الاصولي إبراهيم البسيوني البجيرمي الشيخ الصالح المقتصد الورع الزاهد حضر جل الأشياخ المتقدمين وهو في عداد الطبقة الأولى ودرس وافاد وانتفع به الطلبة بل غالب الناس كان طارحا للتكلف متقشفا مع التواضع والانكسار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 ملازما على العبادة مستحضرا للفروع الفقهية والمعقولية والمناسبات الشعرية والشواهد النحوية والادبية جيدا لحافظة لا تمل مجالسته ومؤانسته ولم يزل على حالته وافادته وانجماعه وعفته حتى تمرض وتوفي يوم السبت منتصف المحرم من السنة عن نحو الخمسة وسبعين وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل رحمه الله تعالى وايانا. ومات الشيخ العلامة الاصولي الفقيه النحوي على الحصاوي الشافعي نسبة إلى بلدة بالقليوبية تسمى الحصة حضر إلى الجامع الأزهر صغير وحفظ القران والمتون وحضر دروس الأشياخ كالشيخ على العدوي المنسفيسي الشهير بالصعيدي والشيخ عبد الرحمن النحريري الشهير بالمقرى ولازم الشيخ سليمان الجمل وبه تخرج وحضر على الشيخ عبد الله الشرقاوي مصطلح الحديث وكان يحفظ جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي في الاصول ومختصر السعد ويقرأ الدروس ويفيد الطلبة وكان إنسانا حسنا مهذبا متواضعا ولايرى لنفسه مقاما عاش معانقا للخمول في جهد وقلة من العيش مع العفة وعدم التطلع لغيره صابرا على مناكدة زوجته وبآخره اصيب في شقه بداء الفالج انقطع بسببه اشهرا ثم انجلى عنه يسيرا مع سلامة حواسه وعاد إلى الاقراء والافادة ولم يزل على حسن حاله ورضاه وانشراح صدره وعدم تضجره وشكواه للخلوقين إلى أن توفي في شهر جمادي الثانية سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف رحمة الله وايانا. ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد أحمد بن محمد بن إسمعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي والده رومي حضر إلى أرض مصر متقلدا القضاء بطهطا بلدة بالقرب من اسيوط بالصعيد الأدنى فتزوج بامرأة شريفة فولد له منها المترجم واخوه السيد إسمعيل ولم يزل مستوطنا بها إلى أن مات وترك ولديه المذكورين واختالهما حضر المترجم إلى مصر في سنة إحدى وثمانين ومائة وألف وكان قد بدا نبات لحيته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 بعد ما حفظ القرآن ببلدة وقرا شيئا من النحو فدخل الأزهر ولازم الحضور في الفقه على الشيخ أحمد الحماقي والمقدسي والحريري والشيخ مصطفى الطائي والشيخ عبد الرحمن العريشي حضر عليه من أول كتاب الدر المختار إلى كتاب البيوع وتمم حضوره على المرحوم الوالد مع الجماعة لتوجسه الشيخ عبد الرحمن لدار السلطنة لبعض المقتضيات عن أمر علي بك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فالتمس الجماعة تكملة الكتاب على الوالد فأجابهم لذلك فكانوا يأتون للتلقي عنه في المنزل والمترجم معهم وفي اثناء ذلك قرأت مع المترجم عل الوالد متن نور الأيضاح بعد انصراف الجماعة عن الدرس ويتحلف المترجم وذلك لعلو السند فإن الوالد تلقاه عن ابن المؤلف وهو عن جد الوالد عن المؤلف وجد الوالد والمؤلف يسميان بحسن فهو من عجيب الاتفاق وكان المترجم يلائم طبع الفقير في الصحبة فكنت معه في غالب الأوقات أما في الجامع أو في المنزل للطاقة طبعه وقرب سني من سنه وكان الوالد يرى ذلك ويسألني عنه إذا تخلف في بعض الاحيان ويقول: أين رفيقك الصعيدي فكان يعيد معي ويفهمني ما يصعب على فهمه ولم يزل يدأب في الاشتغال والطلب مع جودة ذهنه وخلو باله وتفرغه والفقير بخلاف ذلك وتلقى المترجم الحديث سماعا واجازة عن كل من الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد العليم الفيومي ثلاثتهم عن الشيخ علي العدوي المنسفيسي عن الشيخ محمد عقيلة بسنده المشهور والمترشح للافادة والتدريس وكان مسكنه بناحية لصليبة وجلس للاقراء بالمدرسة الشيخونيه والصرفثمئية احتف به سكان تلك الناحية وأكابرهم واعتنوا بشانه واسكنوه في دار تليق به وهاوده وواسوه واكرموه وكانت تلك الناحية عامرة بأكابرها وانفرد المترجم عندهم لكونه على مذهبهم وأصله من جنس الاتراك وخلو تلك النواحي من أهل العلم وخصوصا الاحناف وملازمة المترجم للحالة المحمودة من الافادة مع شرف النفس والتباعد عما يخل بالمروءة الاماياتيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 عفوا فازدادت محبتهم له ووثقوا فيما يقضيه ثم تصدى لوقف الشيخونيتين وايرادهما واستخلاص أماكنهما وشرع في تعميرهما وساعده على ذلك كل من كان يحب الاصلاح فجدد عمارة المسجد والتكية وانشأ بها صهريجا وفي اثناء ذلك انتقل بأهله إلى دار مليحة بجوار المسجد بالدرب المعروف بدرب الميضاة وقفها بانيها على المسجد كل ذلك والمترجم لم ينقطع عن الحضور إلى الأزهر في كل يوم ويقرأ درسه أيضا بالجامع ولما كثرت جماعته انتقل إلى المدرسة العينية بالقرب من الأزهر ولما عمر محمد أفندي الودنلي الجامع المجاور لمنزله تجاه القنطرة المعروفة بعمار شاه والمكتب قرر المترجم في درس الحديث بها في كل يوم بعد العصر وقرر له عشرة من الطلبة ورتب للشيخ والطلبة معلوما وافرا يقبض من الديوان ولما مات الشيخ إبراهيم الحريري تعين المترجم لمشيخة الحنفية فتقلدها على امتناع منه فاستمر إلى أن اخرج السيد عمر مكرم من مصر منفيا وكتبوا في شأنه عرضحال إلى الدولة نسبوا إليه فيه أشياء لم تحصل منه وطلبوا الشهادة فيها فامتنع فشنعوا عليه وبالغوا في الحطط عليه وعزلوه من المشيخة وقلدوه الشيخ حسينا المنصورى فلما مات المذكور أعيد المترجم إلى مشيخة الحنفية وذلك في غرة شهر صفر سنة ألف ومائتين وثلاثين ولبس الخلع من الشيخ الشنواني شيخ الجامع ثم من الباشا وباقي المشايخ أرباب المظاهر ولم يختلف عليه اثنان وفي هذه السنة أستاذن الفقير في بناء مقبرة يدفن فيها إذا مات بجوار الشيخ ابي جعفر الطحاوي بالقرافة لكوني ناظرا عليها فأذنت له في ذلك فبنى له قبرا بجانب مقام الأستاذ ولما توفي دفن فيه وكانت وفاته ليلة الجمعة بعد الغروب خامس عشر شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف وله من المآثر حاشية على الدر المختار شرح تنوير الابصار في أربع مجلدات جمع فيها المواد التي على الكتاب وضم إليها غيرها. ومات النجيب الاريب والنادرة العجب اعجوبة الزمان وبهجة الخلان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي كما أخبر عن نفسه الذكي الالمعي والسميذع اللوذعي كان وإنسانا عجيبا في نفسه مميزا شهيرا في مصر طاف البلاد والنواحي وجال في الممالك والضواحي واطلع على عجائب المخلوقات وعرف الكثير من الالسن واللغات ويتعزى لكل قبيل ويخالط كل جيل فمرة ينتسب إلى فارس وأخرى إلى بني مكانس فكأنه المعنى بما قيل طور إيمان إذا لاقيت ذا يمن وأن رايت معديا فعدناني هذا مع فصاحة لسان وقوة جنان والمشاركة في كل فن من الرياضيات والادبيات حتى يظن سامعه أنه مجيد في ذلك الفن منفرد به وليس الأمر كذلك وإنما ذلك بقوة الفهم والحفظ ومافيه من القابلية فيستغنى بذلك عن التلقي من الأشياخ وأيضا فقد انقرض أهل الفنون فيحفظ اصطلاحات الفن واوضاع أهله ويرزه في الفاظ ينمقها ويحسنها ويذكر اسماءكتب مؤلفه وأشياخا وحكما يقل الاطلاع عليها والوصول إليها ولمعرفته باللغات خالط كل ملة حتى يظن كل أهل ملة أنه واحد منهم ويحفظ كثيرا من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية واهمل الواجبات الشرعية والفرائض القطعية وربما قلد كلام الملحدين وشكوك المارقين ويزلق لسانه في بعض المجالس بغلطات من ذلك ووساوس فلذلك طعن الناس عليه في الدين واخرجوه عن اعتقاد المسلمين وساءت فيه الظنون وكثر عليه الطاعنون وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه في حياته لاتقاء شره وسطواته وكان له تداخل عجيب في الأعيان ومع كل أهل دولة وزمان ورؤساء الكتبة والمباشرين من الاقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة لا تمل مجالسته ولا معاشرته وباخره لما رغب الباشا في انشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيسا ومعلما لمن يكون متعلما بذلك المكتب وذلك أنه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك ورتب له خروجا وشهرية ونجب تحت يده بعض المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها واعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 له بأن يفرد مكانا للتعليم ويضم إلى مماليكه من يريد التعليم من أولاد الناس فأمر بإنشاء ذلك المكتب وحضر إليه أشياء من الات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الانكليز وغيرهم واستجلب من أولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصا من الشبان الذين فيهم قابلية للتعليم ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة في آخر السنة فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجمل بها بين اقرانه ويواسي من يستحق المواساة ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم إلى القلعة فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهر واضيف إليه آخر حضر من إسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون اعجميا لا يعرف العربية مساعدا للمترجم في التعليم يسمى روح الدين أفندي فاستمرا نحوا من تسعة اشهر ومات المترجم وذلك أنه اقتصد وطلع إلى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحم حمى مختلطة واستمر أياما وتوفي ودفن بجامع السراج البلقيني بين السيارج وعند ذلك زاد قول الشامتين وصرحوا بما كانوا يخفونه في حياته فيقول البعض: مات رئيس الملحدين واخر يقول: انهدم ركن الزندقة ونسبوا إليه أن عنده الكتاب الذي الفه ابن الرواني لبعض اليهود وسماه دافع القرآن وأنه كان يقرؤه ويعتقد به وأخبروا بذلك كتخدا بك فطلب كتبه وتصفحوها فلم يجدوا بها ذلك الكتاب وما كفى مبغضه وحاسده من الشناعات حتى رأوا له منامات شنيعة تدل على أنه من أهل النار والله اعلم بخلقة وبالجملة فكان غريبا في بابه وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشري جمادي الثانية من السنة وانفرد برياسة المكتب روح الدين أفندي المذكور. ومات الأجل المكرم الشريف غالب بسلانيك وهو المنفصل عن إمارة مكة وجدة والمدينة وما انضاف إلى ذلك من بلاد الحجاز فكانت امارته نحوا من سبع وعشرين سنة فانه تولى بعد موت الشريف سرور في سنة ثلاث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 ومائتين وألف وكان من دهاة العالم واخباره ومناقبه تحتاج إلى مجلدين ولم يزل حتى سلط الله عليه بأفاعيله هذا الباشا فلم يزل يخادعه حتى تمكن منه وقبض عليه وارسله إلى بلدة سلانيك وخرج من سلطته وسيادته إلى بلاد الغربة ونهبت أمواله وماتت أولاده وجواريه ثم مات هو في هذه السنة. ومات الأمير مصطفى بك دالي باشا ونسيبه أيضا وكان من اعاظم اركان دولته شهير الذكر موصوفا بالاقدام والشجاعة ومات بالاسكندرية ولما وصل خبره إلى الباشا اغتم غما شديدا وتأسف عليه وكان الباشا ولاه كشوفية الشرقية وقرن به على كاشف فأقام بها نحو السنتين ومهد البلاد واخاف العربان واذلهم وقتل منهم الكثير وجمع لمخدومه أموالا جمة وكان جسيما بطينا ياكل التيس المخصي وحده ويشرب عليه الزق من الشراب ثم يتبعه بشالية أو اثنتين من اللبن ويستلقي نائما مثل العجل العظيم ذي الخوار إلا أنه كان يقضي حاجة من التجا إليه ويحب أولاد الناس ويواسيهم يتجاوز عن الكثير ويعطي ما يلزمه من الحقوق لأربابها ولما تحققت اخته التي هي زوج الباشا وكذلك والدته امرتا بإحضار رمته إلى مصر ويدفن بمدفنهم وتعين لذلك سليمان اغا السلحدار فسافر إلى الاسكندرية ووضعه في صندوق من فق على عربية ووصل به بعد اثني عشر يوما من موته وكان وصوله في ثاني ساعة من ليلة الجمعة سادس عشري جمادي الثانية وذهبوا به إلى المدفن في المشاعل من خلف المجراة فلما وصلوا إلى المدفن أرادوا انزله إلى القبر بالصندوق فلم يمكنهم فكسروا الصندوق فعبقت رائحته وقد تهرى فهرب كل من كان حاضرا فكبوه على حصير ولفوه فيه وانزلوه إلى الحفرة وغشي على الفحارين وخزعت النفوس من رائحة اخشاب الصندوق فحثوا عليه الاتربة وليس من يفتكر ويعتبر. ومات أيضا حسن اغا حاكم بندر السويس مطعونا قولي الباشا عوضه السيد أحمد الملا الترجمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 ومات أيضا سليما اغا حاكم رشيد. ومات الأمير الكبير المشهير بإبراهيم بك المحمدي عين أعيان أمراء الالوف المصريين ومات بدنقلة متغربا عن مصر وضواحيها وهو من مماليك محمد بك ابي الذهب تقلد الامرة والإمارة في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف في أيام علي بك الكبير وتقلد مشيخة البلد ورياسة مصر بعد موت أستاذه في سنة تسع وثمانين ومائة وألف مع مشاركة خشداشه مراد بك وباقي أمرائهم والجميع راضون برياسته وامارته لا يخالفهم ولايخالفونه ويراعي جانب الصغير منهم قبل الكبير ويحرص على جمعية امرهم والفة قلوبهم فطالت أيامه وتولى قائم مقامية مصر على الوزراء نحو العشرة مرار وطلع اميرا على الحج في سنة ست وثمانين وتولى الدفتردارية في سنة سبع وثمانين وكلاهما في حياة أستاذه واشترى المماليك الكثيرة ورباهم واعتقهم وأمر وقلد منهم صناجق وكشافا واسكنهم الدور الواسعة واعطاهم الاقطاعات ومات الكثير منهم في حياته وأقام خلافهم من مماليكه ورأى أولاد أولاده بل وأولادهم وما زال يولد له وأقام في الإمارة نحو ثمان وأربعين سنة وتنعم فيها وقاسى في أواخر أمره شدائد واغترابا عن الاهل والاوطان وكان موصوفا بالشجاعة والفروسية وباشر عدة حروب وكان ساكن الجأش صبور ذا تؤدة وحلم قريبا للانقياد للحق متجنبا للهزل إلا نادرا مع الكمال والحشمة لا يحب سفك الدماء مرخصا لخشداشينه في افاعيلهم كثير التغافل عن مساويهم مع معارضتهم له في كثير من الأمور وخصوصا مراد بك واتباعه فيغضي ويتجاوز ولايظهر غما ولا خلافا ولا تأثرا حرصا على دوام الالفة وعدم المشاغبة وأن حدث فيما بينهم ما يوجب وحشة تلافاه وأصلحه وكان هذا الاهمال والترخص والتغافل سببا لمبادئ الشرور فانهم تمادوا في التعدي وداخلهم الغرور وغمرتهم الغفلة عن عواقب الأمور واستصغروا من عداهم وامتدت أيديهم لأخذ أموال التجار وبضائع الافرنج الفرنساوية وغيرهم بدون الثمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 مع الحقارة لهم ولغيرهم وعدم المبالاة والاكتراث بسلطانهم الذي يدعون أنهم في طاعته مع مخالفة أوامره ومنع خزينته واحتقار الولاة ومنعهم من التصرف والحجر عليهم فلا يصل للمولى عليهم إلا بعض صدقاتهم إلى أن تحرك عليهم حسن باشا الجزائرلي في سنة مائتين وألف وحضر على الصورة التي حضر فيها وساعدته الرعية وخرجوا من المدينة إلى الصعيد وانتهكت حرمتهم ثم رجعوا بعد الفصل في سنة ست ومائتين إلى امارتهم ودولتهم وعادوا إلى حالتهم الأولى بل وازيد منها في التعدي فأوجب ذلك ركوب الفرنساوية عليهم ولم يزل الحال يتزايد والاهوال يتلو بعضها بعضا حتى انقلبت اوضاع الديار المصرية وزالت حرمتها بالكلية وادي الحال بالمترجم إلى الخروج والتشتيت والتشريد هو ومن بقي من عشيرته إلى بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه وملابسهم القمصان التي يلبسها الجلابة في بلادهم إلى أن وردت الأخبار بموته في شهر ربيع الأول من السنة وأما جملة اخباره فقد تقدمت في ضمن السوابق والماجريات واللواحق. ومات الأمير الأجل أحمد اغا الخازندار المعروف ببونابارته وهو أيضا شهير الذكر من اعاظم الدولة وقد تقدم كثير من اخباره وسفره إلى الحجاز وكان عمر دارا عظيمة على بركة الازبكية جهة الرويعي ثم عمل مهما كبير الزواج ابنه وهو إذ ذاك مريض في حياض الموت حتى اشيع في الناس يوم زفة العروس ثم مات بعد أيام قليلة مضت من الفرح وذلك يوم الأربعاء ثالث شهر جمادي الثانية. وماتت الست الجليلة خاتون وهي سرية علي بك بلوط قبان الكبير وكانت محظيته وبنى لها الدار العظيمة على بركة الازبكية بدرب عبد الحق والساقية والطاحون بجانبها ولما مات علي بك وتأمر مراد بك فتزوج بها وعمرت طويلا مع العز والسيادة والكلمة النافذة وأكثر نساء الأمراء من جواريها ولم يأت بعد الست شويكار من اشتهر ذكره وخبره سواها وكان أيام الفرنساوية واصطلح معهم مراد بك حصل لها منهم غاية الكرامة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 ورتبوا لها من ديوانهم في كل شهر مائة ألف نصف فضة وشفاعتها عندهم مقبولة لا ترد بالجملة فإنها كانت من الخيرات ولها على الفقراء بر واحسان ولها من المآثر الخان الجديد والصهريج داخل باب زويلة توفيت يوم الخميس لعشرين من شهر جمادي الأولى بمنزلها المذكور بدرب عبد الحق ودفنت بحوشهم في القرافة الصغرى بجوار الاما الشافعي واضيفت الدار إلى الدولة وسكنها بعض أكابرها وسبحان الحي الذي لا يموت. ومات المقر الكريم المخدوم أحمد باشا الشهير بطوسون ابن حضرة الوزير محمد علي باشا مالك الاقاليم المصرية والحجازية والثغور وما اضيف إليها وقد تقدم ذكر رجوعه من البلاد الحجازية وتوجهه إلى الاسكندرية ورجوعه إلى مصر ثم عود إلى ناحية رشيد وعرضي خيامة جهة الحماد بالعسكر على الصورة المذكورة وهو ينتقل من العرضي إلى رشيد ثم إلى برنبال وابي منضور والعزب ولما رجع في هذا المرة أخذ صحبته من مصر المغنين وأرباب الالات المطربة بالعود والقانون والناي والكمنجات وهم إبراهيم الوراق والحباني وقشوة ومن يصحبهم من باقي رفقائهم فذهب ببعض خواصه إلى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فأقام أياما وحضر إليه من جهة الروم جوار وغلمان أيضا رقاصون فانتقل بهم إلى قصر برنبال ففي ليلة حلوله بها نزل به ما نزل به من المقدور فتمرض بالطاعون وتململ نحو عشرة ساعات وانقضى نحبه وذلك ليلة الأحد سابع شهر القعدة وحضره خليل أفندي قوللي حاكم رشيد وعندما خرجت روحه انتفخ جسمه وتغير لونه إلى الزرقة فغسلوه وكفنوه ووضعوه في صندوق من الخشب ووصل به في السفينة منتصف ليلة الأربعاء عاشره وكان والده بالجيزة لم يتجاسروا على اخباره فذهب إليه أحمد اغا اخو كتخدا بك فلما علم بوصوله ليلا استنكر حضوره في ذلك الوقت فأخبره عنه أنه ورد إلى شبرا متوعكا فركب في الحين القنجة وانحدر إلى شبرا وطلع إلى القصر وصار يمر بالمخادع ويقول: اين هو فلم يتجاسر أحد أن يصرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 بموته وكانوا ذهبوا به وهو في السفية إلى بولاق ورسوا به عند الترسخانة واقبل كتخدا بك على الباشا فرآه يبكي فانزعج انزعاجا شديدا وكاد أن يقع على الأرض ونزل السفينة فأتى بولاق آخر الليل وانطلقت الرسل لأخبار الأعيان فركبوا بأجمعهم إلى بولاق وحضر القاضي والأشياخ والسيد المحروقي ثم نصبوا تظلك ساترا على السفينة واخرجوا الناووس والدم والصديد يقطر منه وطلبوا القلاقطة لسد خروقة ومنافسه ونصبوا عودا عند رأسه ووضعوا عليه تاج الوزارة المسمى بالطلخان وانجروا بالجنازة من غير ترتيب والجميع مشاه إمامه وخلفه وليس فيها من جوقات الجنائز المعتادة كالفقهاء وأولاد الكتاتيب والاحزاب شئ من ساحل بولاق على طريق المدابغ وباب الخرق على الدرب الاحمر على التبانة إلى الرميلة فصلوا عليه بمصلى المؤمنين وذهبوا به إلى المدفن الذي اعده الباشا لنفسه ولموتاه كل هذه المسافة ووالده خلف نعشه ينظر إليه ويبكي ومع الجنازة أربعة من الحمير تحمل القروش وربعيات الذهب ودراهم انصاف عديدة ينثرون صبها على الأرض وعلى الكيمان وعن يمين الكتخدا ويساره شخصان يتنأول منهما قراطيس الفضة يفرق على من يتعرض له من الفقراء والصبيان فإذا تكاثروا عليه نثر ما بقي في يده عليهم فيشتغلون عنه بالتقاطها من الأرض فكان جملة ما فرق وبدر من الانصاف العددية فقط خمسة وعشرين كيسا عنها خمسمائة ألف فضة وذلك خلاف القروش وساقوا إمام الجنازة ستة رؤوس من الجواميس الكبار أخذ منها خدمة التربة ومن حولهم وخدمة ضريح الإمام الشافعي ولم ينل الفقراء إلا ما فضل عنهم واخرجوا لاسقاط صلاة المتوفي خمسة وأربعين كيسا تناولها فقراء الأزهر وفرقت بجامع الفاكهاني بحسب الاغراض للغني منهم اضعاف قسم الفقير وأكثر الفقراء من الفقهاء لم ينالوا ولا القليل ولما وصلوا إلى المدفن هدموا التربة وانزلوه فيها بتابوته الخشب لتعسر اخراجه منه بسبب انتفاخه وتهربه حتى أنهم كانوا يطلقون حول تابوته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 البخورات في المجامر الذهب والرائحة غالبة على ذلك وليس ثم من يتعظ أو يعتبر ولما مات لم يخبروا والدته بموته إلا بعد دفنه فجزعت عليه جزعا شديدا ولبست السواد وكذلك جميع نسائهم واتباعهم وصبغوا براقعهم بالسواد والزرقة وكذلك من ينافقهم من الناس حتى لطخوا أبواب البيوت ببولاق وغيرها بالوحل وامتنع الناس بالأمر عليهم من عمل الافراح ودق الطبول مطلقا ونوبة الباشا وإسمعيل باشا وطاهر باشا حتى ما يفعله دراويش المولوية في تكاياهم عند المقابلة من الناي والطبل أربعين يوما واقامو عليه العزاء عن القبر وعدة من الفقهاء والمقرئين ينتابون قراءة القرآن مدة الأربعين يوما ورتبوا له ذبائح ومآكل وكل ما يحتاجونه ثم ترادفت عليهم العطايا من والدته واخواته والواردين من اقاربه وغيرهم على حد قول القائل مصائب قوم عند قوم فوائد ومات وهو مقتبل الشبيبة لم يبلغ العشرين وكان أبيض جسيما كما قد دارت لحيته بطلا شجاعا جوادا له ميل لاولاد العرب منقادا لملة الإسلام ويتعرض على أبيه في افعاله تخافه العسكر وتهايه ومن اقترف ذنبا صغيرا قتله مع احسانه وعطاياه للمنقاد منهم ولامرائه ولغالب الناس إليه ميل وكانوا يرجون تأمره بعد أبيه ويأبى الله إلا ما يريد. ومات الوزير المعظم يوسف باشا المنفصل عن إمارة الشام وحضر إلى مصر من نحو ثلاث سنوات هاربا وملتجئا إلى حاكم مصر وذلك في أواخر سنة سبع وعشرين ومائتين وألف وأصله من الاكراد الدكرلية وينسب إلى الاكراد الملية وابتداء أمره بأخبار من يعرفه أنه هرب من أهله وعمره إذ ذاك خمس عشرة سنة فوصل إلى حماة وتعاطى بيع الحشيش والسرجين والروث ثم خدم عند رجل يسمى ملا حسين مدة سنين إلى أن البسه قلبق ثم خدم بعده ملا إسمعيل بالكتاش وتعلم الفروسية والرماحة فلعب يوما في القمار وخسر فيه وخاف على نفسه فخرج هاربا إلى عمر اغا باسيلي من اشراقات إبراهيم باشا المعروف بالازدن فتوجه معه إلى غزة وكان مع المترجم جواد اشقر من جياد الخيل فقلد علي اغا متسلم غزة عمر اغا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 المذكور وجعله دالي باش ففي بعض الأيام طلب المتسلم من المترجم الجواد فقال له: إن قلدتني دالي باشا قدمته لك فأجابه إلى ذلك وعزل عمر اغا وقلد المترجم المنصب عوضا عنه وامتنع من اعطائه ذلك الجواد وأقام في خدمته مدة فوصل مرسوم من أحمد باشا الجزار خطابا للمترجم بالقبض على المتسلم واحضاره إلى طرفه وأن فعل ذلك ينعم عليه بمبلغ خمسين كيسا ومائة بيرق ففعل ذلك واوقع القبض على علي اغا المتسلم وتوجه إلى عكا بلدة الجزار فقال المتسلم للمترجم في اثناء الطريق: تعلم أن الجزار رجل سفاك دماء فلا توصلني إليه وأن كان وعدك بمال أنا اعطيك اضعافه واطلقني اذهب حيث شاء الله ولا تشاركه في دمي فلم يجبه إلى ذلك واوصله إلى الجزار فحبسه ثم قتله ورماه في البحر وأقام المترجم بباب الجزار أياما ثم أرسل إليه يأمره بالذهاب إلى حيث يريد فانه لا خير فيه لخيانته لمخدومه فذهب إلى حماة وأقام عند اغاته إسمعيل اغا وهو متول من طرف عبد الله باشا المعروف بابن العظم فأقام في حدمته كلاجي زمنا نحو الثلاث سنوات وكان بين عبد الله باشا وأحمد باشا الجزار عداوة فتوجه عبد الله باشا إلى الدورة فأرسل الجزار عساكره ليقطع عليه الطريق فسلك طريقا أخرى فلما وصل إلى جنيني وهي مدينة قريبة من بلاد الجزار وجه الجزار عساكره عليه فلما تقارب العسكران وتسامعت أهل النواحي امتنعوا من دفع الأموال فما وسع عبد الله باشا إلا الرحيل وتوجه إلى ناحية نابلس مسافة يومين وحاصر بلدة تسمى صوفين وأخذ مدافع من يافا وأقام محاصرا لها ستة أيام ثم طلبوا الأمان فأمنهم ورحل عنهم إلى طرف الجليل مسيرة نصف ساعة وفرق عساكره لقبض أموال الميري من البلاد وأقام هو في قلة من العسكر فوصل إليه خيال وقت العصر في يوم من الأيام يخبره بوصول عساكر الجزار وأنه لم يكن بينه وبينهم إلا نصف ساعة وهم خمسة الاف مقاتل فارتبك في أمره وأرسل إلى النواحي فحضر إليه من حضروهم نحو الثلثمائة خيال وهو بدائرته نحو الثمانين فأمر بالركوب فلما تقاربا هاله كثرة عساكر العدو وايقنوا بالهلاك فتقدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 المترجم إلى العسكر واشار عليهم بالثبات وقال لهم: لم يكن غير ذلك فاننا أن قررنا هلكنا عن اخرنا وتقدم المترجم مع اغاته ملا إسمعيل وتبعهم العسكر وولجوا اوسط خيل العدو وصدقوا الحملة جملة واحدة فحصلت في العدو الهزيمة وركبوا اقفيتهم وتبعهم المترجم حتى حال الليل بينهم فرجعوا برؤوس القتلى والقلائع فلما أصبح النهار عرضوها على الوزير وهي نحو الألف رأس وألف قليعة فخلع عليهم وشكرهم وارتحلوا إلى دمشق وذهب المترجم مع اغاته إلى مدينة حماة واستمر هناك إلى أن حضر الوزير الاعظم يوسف باشا المعروف بالمعدن إلى دمشق بسبب الفرنساوية ففارق المترجم مخدومه في نحو السبعين خيالا وجعل يدور بأراضي حماة بطالا ويقال له قيس: فيراسل الجزار لينضم إليه وكان الجزار عند حضور الوزير انفصل حكمه عن دمشق ووجه ولايتها إلى عبد الله باشا العظم فلما بلغ المترجم ذلك توجه إلى لقاء عبد الله باشا بالمعرة فأكرمه عبد الله باشا وقلده دالي باشا كبيرا على جميع الخيالة حتى على اغاته ملا إسمعيل اغا وأقام بدمشق مدة إلى أن حاصر عبد الله باشا مدينة طرابلس فوصل إليه الخبر بان عساكر لجزار استولوا على دمشق وبلادها فركب عبد الله باشا وذهب إلى دمشق ودخلها بالسيف ونصب عرضيه خارجها فوصل خبر ذلك إلى جزار فكاتب عساكر عبد الله باشا يستميلهم لأن معظمهم غرباء فاتفقوا على خيانته والقبض عليه وتسليمه إلى الجزار وعلم ذلك وتثبته فركب في بعض مماليكه وخاصته إلى وطاق المترجم وهو إذ ذاك دالي باشا واعلمه الخبر وأنه يريد النجاة بنفسه فركب بمن معه واخرجه من بين العسكر قهرا عنهم واوصله إلى شول بغداد ثم ذهب على الهجن إلى بغداد ورجع المترجم إلى حماة فقبل وصوله إليها ورد عليه مرسوم الجزار يستدعيه فذهب إليه فجعله مقدم ألف وقلده باش الجردة فسافر إلى الحجاز بالملاقاة وكان أمير الحاج الشامي إذ ذاك سليمان باشا عوضا عن مخدومه أحمد باشا الجزار فلما حصلوا في نصف الطريق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 وصلهم خبر موت الجزار فرجع يوسف المترجم إلى الشام واستولى إسمعيل باشا على عكا وتوجه منصب ولاية الشام إلى إبراهيم باشا المعروف بقطر اغاسي اي اغات البغال وفي فرمان ولايته الأمر بقطع رأس إسمعيل باشا وضبط مال الجزار فذهب المترجم بخيله واتباعه إلى إبراهيم باشا وخدم عنده وركب إلى عكا وحصروها وحطوا في أرض الكرداني مسيرة ساعة من عكا وكانت الحرب بينهم سجالا وعساكر إسمعيل باشا نحو العشرة الاف والمترجم يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم ففي يوم من الأيام لم يشعروا إلا وعسكر إسمعيل باشا نافذ إليهم من طريق أخرى فركب المترجم وأخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم وقاتلهم وهزمهم إلى أن حصرهم بقرية تسمى دعوق ثم اخرجهم بالأمان إلى وطاقه واكرمهم وعمل لهم ضيافة ثلاثة أيام ثم ارسلهم إلى عكا بغير أمر الوزير ثم توجه إبراهيم باشا إلى الدورة وصحبته المترجم وتركوا سليمان باشا مكانهم وخرج إسمعيل باشا من عكا واغلقت ابوابها فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه إلى إبراهيم باشا فعند ذلك برز أمر إبراهيم باشا بتسليم عكا إلى سليمان باشا وذهب بالمرسوم المترجم فأدخله إليها ورجع إلى مخدومه وذهب معه إلى الدورة ثم عاد معه إلى الشام وورد الأمر بعزل إبراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم على يد باشت بغداد فخرج المترجم لملاقاته من على حلب فقلده دالي باشا على جميع العسكر فلما وصل إلى الشام ولاه على حوران واربد والقنيطرة ليقبض أموالها فأقام نحو السنة ثم توجه صحبه الباشا مع الحج وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم المترجم وهزمهم وحجوا واعتمروا ورجعوا ومكثوا إلى السنة الثانية فخرج عبد الله باشا بالحج وابقى المترجم نائبا عنه بالشام فلما وصل إلى المدينة المنورة منعه الوهابيون ورجع من غير حج ووصل خبر ذلك إلى الدولة فورد الأمر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية المترجم على الشام وضواحيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 فارتاعت النواحي والعربان وأقام السنة ولم يخرج بنفسه إلى الحج بل أرسل ملا حسن عوضا عنه فمنع أيضا عن الحج فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة وعصى عليه بعض البلاد فخرج إليها وحاصر بلدة تسمى كردانية ووقع له فيها مشقة كبيرة إلى أن ملكها بالسيف وقتل أهلها ثم توجه إلى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم أموالا عظيمة ثم رجع إلى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته وسلك طريق العدل في الاحكام وأقام الشريعة والسنة وابطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطئ وزوجهن وطفق يفرق الصدقات على الفقراء وأهل العلم والغرباء وابن السبيل وأمر بترك الاسراف في المأكل والملابس وشاع خبر عدله في النواحي ولكن نقل ذلك على أهل البلاد بترك مألوفهم ثم أنه ركب إلى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم وأولادهم وكان خيرهم بين الدخول في الإسلام أو الخروج من بلادهم فامتنعوا وحاربوا واتخذلوا وبيعت نساؤهم وأولادهم فلما شاهدوا ذلك اظهروا الإسلام تقيه فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم ورحل عنهم إلى طرابلس وحصارها بسبب عصيان أميرها بربر باشا على الوزير وأقام محاصرا لها عشرة اشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها ونهبت منها أموال للتجار وغيرهم ثم ارتحل إلى دمشق وأقام بها مدة فطرقه خبر الوهابية أنهم حضروا إلى المزيريب فبادر مسرعا وخرج إلى لقائهم فلما وصل إلى المزيرب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال فأقام هناك أياما فوصل إليه الخبر بأن سليمان باشا وصل إلى الشام وملكها فعاد مسرعا إلى الشام وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران إلى المساء وبات كل منهم في محله ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعساكره أيضا هامدة فلم يشعروا إلا وعساكر سليمان باشا كبستهم فحضر إليه كتخداه وايقظه من منامه وقال له: إن لم تسرع وإلا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هاربا وصحبته ثلاثة أشخاص من مماليكه فقط ونهبت أمواله وأرزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة ولم يزل حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 وصل إلى حماة فلم يتمكن من الدخول إليها ومنعه أهلها عنها وطردوه فذهب إلى سيجر وارتحل منها إلى بلدة يعمل بها البارود ومنها إلى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد اغا فأقام عنده ثلاثة أيام ثم توجه إلى نواحي انطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد اغا المذكور ثم إلى السويدة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم أنه أرسل إلى محمد علي باشا صاحب مصر وأستاذنه في حضوره إلى مصر فكاتبه بالحضور إليه والترحيب به فوصل إلى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر واكرمه وقدم إليه خيولا وقماشا ومالا وانزله بدار واسعة بالازبكية ورتب له خروجا زائدة من لحم وخبز وسمن وأرز وحطب وجميع اللوازم المحتاج إليها وانعم عليه بجوار وغير ذلك وأقام بمصر هذه المدة وأرسل في شانه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداغ عنه ويذهب إليه جماعة الحكماء من الافرنج وغيرهم ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع فيه علاج وانتقل إلى قصر الاثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيما هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنازته من الاثار إلى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي انشأه الباشا واعده لموتاه وكان مدة اقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لا يموت الدائم الملك السلطان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 ودخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف واستهل المحرم بيوم الخميس وحاكم مصر والمتولي عليها وعلى ضواحيها وثغورها من حد رشيد ودمياط إلى اسوان واقصى الصعيد واسكاسة القصير والسويس وساحل القلزم وجدة ومكة والمدينة والاقطار الحجازية بأسرها محمد علي باشا القوللي ووزيره وكتخداه محمد اغا لاظو والدفتردار محمد بك صهر الباشا وزوج ابنته واغات الباب إبراهيم اغا ومدبر أمور البلاد والاطيان والرزق والمساحات وقبض الأموال الميرية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 وحساباتها ومصاريفها محمود بك الخازندار والسلحدار سليمان اغا حاكم الوجه القبلي محمد بك الدفتردار صهر الباشا عوض إبراهيم باشا ولد الباشا لانفصاله عن إمارة الوجه القبلي وسفره إلى الحجا انفار لمحاربة الوهابيين وباقي أمراء الدولة مثل عابدين بك وإسمعيل باشا ابن الباشا وخليل باشا وهو الذي كان حاكم الاسكندرية سابقا وشريف اغا وحسين بك دالي باشا وحسين بك الشماشرجي وحسن بك الشماشرجي الذي كان حاكما بالفيوم وغير هؤلاء وحسن اغا اغات الينكجرية وعلي آغا الوالي وكاتب الروزنامة مصطفى أفندي وحسن باشا بالديار الحجازية وشاة بندر التجار السيد محمد المحروقي وهو المتعين لمهات الاسفار وقوافل العربان ومخاطباتهم وملاقاة الأخبار الواصلة من الديار الحجازية والمتوجه إليها واجر المحمول وشحنة السفن ولوازم الصادرين والواردين والمتجعين والمقيمين والراحلين والمتعهد بجميع فرق القبائل والعشير وغوائلهم ومحاكماتهم وارغابهم وارهابهم وسياستهم على اختلاف اخلاقهم وطباعهم وهو المتعين أيضا لفصل قضايا التجار والباعة وأرباب الحرف البلدية وفصل خصوماتهم ومشاجرتهم وتأديب المنحرفين منهم والنصابين وبعوثات الباشا ومراسلاته ومكاتباته وتجارته وشركاته وابتداعاته واجتهاده في تحصيل الأموال من كل وجه واي طريق ومتابعة توجيه السرايا والعساكر والذخائر إلى نواحي الحجاز للاغارة على بلاد الوهابية وأخذ الدرعية مستمر لا ينقطع والعرضي منصوب خارج باب النصر وباب الفتوح وإذا ارتحلت طائفة خرجت أخرى مكانها. وفيه سومحت أرباب الحرف والباعة والزياتون والجزارون والخضرية والخبازون ونحوهم من المسانهات والمشاهرات واليوميات الموظفة عليهم للمحتسب ونودي برفعها إمام المحتسب في الأسواق وعوض المحتسب عنها بخمسة أكياس كل شهر يستوفيها من الخزينة وعملوا تسعيرا بترخيص اسعار المبيعات بدلا عما كانوا يعرفونه للمحتسب من غير مراعاة النسبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 والمعادلة في غالب الأصناف فإن العادة عند اقبال وجود الفاكهة أو الخضراوات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذ وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الأشياء وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه كما يقال: لكل جديد لذة فلم يراعوا ذلك ولم ينظروا في أصول الأشياء أيضا فإن غالب الأصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين وما يضاف إلى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخاء ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وأنواع الخضراوات والفاكهة والادهان فلما أصبح اليوم الثاني لم يوجد بالأسواق شئ من ذلك واغلقت الفكهانية حوانيتهم واخفوا ما عندهم وطفقوا يبيعونه خفية وفي الليل بالثمن الذي يرتضونه والمحتسب يكثر الطواف بالأسواق ويتجسس عليهم ويقبض على من اغلق حانوته أو وجدها خالية أو عثر عليه أنه باع بالزيادة وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الرؤوس مشنوقين وموثقين بالحبال ويضربهم ضربا مؤلما ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الانوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه فلم يرتجعوا عن عادتهم ثم أن هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الاسعار وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعد عن قريب وذلك أن ولي الأمر لم يكن له من الشغل إلا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الأسباب ولا يتقرب إليه من يريد قربه إلا بمساعدته على مراداته ومقاصده ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقا ومن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح أو فعل مناسب ولو على سبيل التشفع حقد عليه وربما اقصاه وابعده وعاداه معاداة من لا يصفوا ابدا وعرفت طباعه واخلاقه في دائرته وبطانته فلم يمكنهم إلا الموافقة والمساعدة في مشروعاته أما رهبة أو خوفا على سيادتهم ورياستهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 ومناصبهم وأما رغبة وطمعا وتوصلا للرياسة والسيادة وهم الأكثر وخصوصا اعداء الملة من نصارى الارمن وأمثالهم الذين هم الآن اخصاء لحضرته ومجالسته وهم شركاؤه في أنواع المتاجر وهم أصحاب الراي والمشورة وليس لهم شغل ودرس إلا فيما يريد حظوتهم ووجاهتهم عند مخدومهم وموافقة اغراضه وتحسين مخترعاته وربما ذكروه ونبهوه على أشياء تركها أو غفل عنها من المبتدعات وما يتحصل منها من المال والمكاسب التي يسترزقها أرباب تلك الحرفة لمعاشهم ومصاريف عيالهم ثم يقع الفحص على أصل الشئ وما يتفرع منه وما يؤل إذا احكم أمره وانتظم ترتيبه وما يتحصل منه بعد التسعير الذي يجعلونه مصاريف الكتبة والمباشرين ابرزت مبادية في قالب العدل والرفق بالرعية ولما وقع الالتفات إلى أمر المذابح والسلخانة وما يتحصل منها وما يكتسبه الموظفون فيها فأول ما بدؤا به ابطال جميع المذابح التي بجهات مصر والقاهرة وبولاق خلاف السلخانة السلطانية التي خارج الحسينية وتولى رياستها شخص من الاتراك ثم سعرت هذه التسعيرة فجعل الرطل الذي يبيعه القصاب بسبعة انصاف فضة وثمنه على القصاب من المذبح ثمانية انصاف ونصف وكان يباع قبل هذه التسعيرة بالزيادة الفاحشة فشح وجود اللحم واغلقت حوانيت الجزارين وخسروا في شراء الاغنام وذبحها وبيعها بهذا السعر وانهي أمر شحة اللحم إلى ولي الأمر وأن ذلك من قلة المواشي وغلوا ثمان مشترواتها على الجزارين وكثرة رواتب الدولة والعساكر واشيع أنه أمر بمراسيم إلى كشاف الاقاليم قبلي وبحري لشراء الاغنام من الارياف لخصوص رواتبه ورواتب العسكر والخاصة وأهل الدولة ويترك ما يذبحه جزار والمذبح لأهل البلدة وعند ذلك ترخص الاسعار ثم تبين خلاف ذلك وأن هذه الاشاعة توطئة وتقدمة لما سيتلى عن قريب. وفي منتصفه وصلت اغنام وعجول وجواميس من الارياف هزيلة وازدادت باقامتها هزالا من الجوع وعدم مراعاتها فذبحوا منها بالمذابح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 أقل من المعتاد وزعت على الجزارين فيخص الشخص منهم الاثنان أو الثلاثة فعند ما يصل إلى حانوته وهو مثل الحرامي فيتخاطفها العساكر التي بتلك الخطة وتزدحم الناس فلا ينوبهم شئ وتذهب في لمح البصر ثم امتنع وجودها واستمر الحال والناس لا يجدون ما يطبخونه لعيالهم وكذلك امتنع وجود الخضراوات فكان الناس لا يحصلون القوت إلا بغاية المشقة واقتاتوا بالفول والمصلوق والعدس والبيصار ونحو ذلك وانعدم وجود السمن والزيت والشيرج وزيت البزر وزيت القرطم لاحتكارها لجهة الميري واغلقت المعاصر والسيارج وامتنع وجود الشمع العسل والشمع المصنوع من الشحم لاحتكار الشحم والحجز على عمال الشمع فلا يصنعه الشماعون ولا غيرهم ونودي على بيع الموجود منه بأربعة وعشرين نصفا وكان يباع بثلاثين وأربعين فاخفوه وطفقوا يبيعونه خفية بما احبوا وانعدم وجود بيض الدجاج لجعلهم العشرة منه بأربعة انصاف وكان قبل المناداة اثنان بنصف وكل ذلك والمحتسب يطوف بالأسواق والشوارع ويشدد على الباعة ويؤلمهم بالضرب والتجريس وفقد وجود الدجاج فلا يكاد يوجد بالأسواق دجاجة لأنه نودي على الدجاجة باثني عشرة نصفا وكان الثمن عنها قبل ذلك خمسة وعشرين فأكثر. واستهل شهر صفر الخير سنة 1232 فيه حضر المعلم غالي من الجهة القبلية ومعه مكاتبات من محمد بك الدفتردار الذي تولى إمارة الصعيد عوضا عن إبراهيم باشا ابن الباشا الذي توجه إلى البلاد الحجازية لمحاربة الوهابية يذكر فيها نصح المعلم غالي وسعيه في فتح أبواب تحصيل الأموال للخزينة وأنه ابتكر أشياء وحسابات يتحصل منها مقادير كثيرة من المال فقوبل بالرضا والاكرام وخلع عليه الباشا واختص به وجعله كاتب سره ولازم خدمته وأخذ فيما ندب إليه وحضر لاجله التي منها حسابات جميع الدفاتر واقلام المبتدعات ومباشريها وحكام الأقاليم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 وفيه تجردت عدة عساكر اتراك ومغاربة إلى الحجاز وصحبتهم أرباب صنائع وحرف. وفيه أرسل الباشا إلى بندر السويس اخشابا وادوات عمارة وبلاط كذان وحديدا وصناعا بقصد عمارة قصر لخصوصة إذا انزل هناك. واستهل شهر ربيع الأول سنة 1232. فيه شحت المبيعات والغلال والادهان وغلا سعر الحبوب وقل وجودها في الرقع والسواحل فكان الناس لا يحصلون شيئا منها إلا بغاية المشقة. وفيه عزل الباشا حكام الاقاليم والكشاف ونوابهم وطلبهم للحضور وأمر بحسابهم وما أخذوه من الفلاحين زيادة على مافرضه لهم وأرسل من قبله أشخاصا مفتشين للفحص والتجسس على ماعسى يكون أخذوه منهم من غير ثمن فأخذوا يقررون المشايخ والفلاحين ويحررون أثمان مفرق الأشياء من غنم أو دجاج أو تبن أو عليق أو بيض أو غير ذلك في المدة التي اقامها احدهم بالناحية فحصل للكثير من قائم مقاماتهم الضرر وكذلك من انتمى إليهم فمنهم من اضطر وباع فرسه واستدان. وفيه حضر علي كاشف من شرقية بلبيس معزولا عن كشوفيتها وقلدها خلافه وكان كاشفا بالإقليم عدة سنوات وكذلك جرى لكاشف المنوفية والغربية وحضر أيضا حسن بك الشماشرجي من الفيوم معزولا ووجهه الباشا إلى ناحية درنة لمحاربة أولاد علي. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1232 فيه حصل الحجز والمنع على من يذبح شيئا من المواشي في داره أو غيرها ولا يأخذ الناس لحوم اطعمتهم إلا من المذبح واوقفت عساكر بالطرق رصدا لمن يدخل المدينة بشيء من الاغنام وذلك أنه لما نزلت المراسيم إلى الكشاف بمشترى المواشي من الفلاحين وارسالها إلى المكان الذي اعده الباشا لذلك ويؤخذ منها مقدار ما يذبح بالسلخانة في كل يوم لرواتب الدولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 والبيع طلب كشاف النواحي شراء الاغنام والعجول والجواميس بالثمن القليل من أربابها فهرب الكثير من الفلاحين باغنامهم فيخرجون من القرية ليلا ويدخلون المدينة ويمرون بها في الأسواق ويبيعونها بما احبوا من الثمن على الناس فانكب الناس على شرائها منهم لجودتها ويشترك الجماعة في الشاة فيذبحونها ويقسمونها بينهم وذلك لقلة وجدان اللحم كما سبقت الاشارة إليه وأن تيسر وجوده فيكون هزيلا رديئا فإن في كل يوم ترد الجملة الكثيرة من بحرى وقبلي إلى المكان المعد لها ولم يكن ثم من يراعيها بالعلف والسقي فتهزل وتضعف فلما كثر ورود الفلاحين بالأغنام وشراء الناس لها ووصل خبر ذلك إلى الباشا فأمر بوقوف عساكر على مفارق الطرق خارج المدينة من كل ناحية فيأخذون الشاة من الفلاحين أما بالثمن أو يذهب صاحبها معها إلى المذبح فتذبح في يومها ومن الغد ويوزن اللحم خالصا ويعطى لصاحبها ثمنه عن كل رطل ثمانية فضة ونصف ويوزن على الجزارين بذلك الثمن بما فيه من القلب والكبد والمنحر والمذاكير والمخرج بما فيه من الزبل أيضا والجزارون يبيعونها على من يشتري لشدة الطلب بزيادة النصف والنصفين بل والثلاثة والأربعة أن كان به نوع جودة وأما الاسقاط من الرؤوس والجلود والكروش فهو للميري وكذلك يفعل فيما يرد لخاصة الناس من الاغنام يفعل بها كذلك ولايأخذ إلا قدر راتبه في كل يوم من المذبح. وفيه شح وجود الغلال في الرقع والسواحل حتى امتنع وجود الخبز في الأسواق فأخرج الباشا جانب غلة ففرقت على الرقع وبيعت على الناس وهي ألف اردب انفضت في يومين ولا يبيعون ازيد من كيلة أو كيلتين وبيع الاردب بألف ومائتين وخمسين نصفا. وفيه افرد محل لعمل الشمع الذي يعمل من الشحوم بعطفة ابن عبد الله بك جهة السروجية واحتكروا لأجل عمله جميع الشحوم التي من المذبح وغيره وامتنع وجود الشحم من حوانيت الدهانين ومنعوا من يعمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 شيئا من الشمع في داره أو في القوالب الزجاج وتتبعوا من يكون عنده شيء منها فأخذوها منه وحذروا من عمله خارج المعمل كل التحذير وسعروا رطله بأربعة وعشرين نصفا. واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1232 وفيه حول معمل الشمع إلى الحسينية عند الدرب الذي يعرف بالسبع والضبع. وفيه ارتحلت عساكر مجردة إلى الحجاز. وفيه برزت أوامر إلى كشاف النواحي باحصاء عدد اغنام البلاد والقرى ويفرض عليها كل عشرة شياه واحدة من اعظمها أما كبش أو نعجة بأولادها يجمعون ذلك ويرسلون به إلى مجمع اغنام الباشا وفرض أيضا على كل فدان رطلا من السمن يجمع الارطال مشايخ البلاد من الفلاحين عند كشاف النواحي ويرسلونها إلى مصر وسبب هذه المحدثه أنه لما عملت التسعيرة وتسعر رطل السمن بستة وعشرين نصفا ويبيعه السمان والزيات بزيادة نصفين امتنع وجوده وظهوره فيأتي به الفلاح ليلا في الخفية ويبيعه للزبون أو للمتسبب بما احب ويبيعه المتسبب أيضا بالزيادة لمن يريده سرا فيبيعون الرطل بأربعين وخمسين ويزيد على ذلك غش المتسبب وخلطه بالدقيق والقرع والشحم وعكر اللبن فيصفو على النصف ولايقدر مشتريه على رد غشه للبائع لأنه ما حصله إلا بغاية المشقة والعزة والانكار والمنع وأن فعل لا يجد من يعطيه ثانيا وتقف الطائفة من العسكر بالطرق ليلا وفي وقت الغفلات يرصدون الواردين من الفلاحين ويأخذونه منهم بالقهر ويعطونهم ثمنه بالسعر المرسوم ويحتكرونه هم أيضا ويبيعونه لمن يشتريه منهم بالزيادة الفاحشة فامتنع وروده إلا في النادر خفية مع الغرر أو الخفارة والتحامي في بعض العساكر من أمثالهم واشتد الحال في انعدام السمن حتى على أكابر الدولة فعند ذلك ابتدع الباشا هذه البدعة وفرض على كل فدان من طين الزراعات رطلا من السمن ويعطى في ثمن الرطل عشرين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 نصفا فاشتغلوا بتحصيل ما دهمهم من هذه النازلة وطولب المزارع بمقدار ما يزرعه من الافدنة ارطالا من السمن ومن لم يكن متاخرا عنده شيء من سمن بهيمته أو لم يكن له بهيمة أو احتاج إلى تكملة موجود عنده فيشتريه ممن يوجد عنده باغلى ثمن ليسد ما عليه اضطرار اجزاء وفاقا. وفيه حصل الاذن بدخول ما دون العشرة من الاغنام إلى المدينة وكذلك الاذن لمن يشتري شيئا منها من الأسواق وسبب اطلاق الاذن بذلك مجيء بعض اغنام إلى أكابر الدولة ولا غنى عن ذلك لا دني منهم أيضا وحجزوا عن وصولها إلى دورهم فشكوا إلى الباشا فأطلق الاذن فيما دون العشرة. وفيه أيضا امتنع وجود الغلال بالعرصات والسواحل بسبب احتكارها واستمرار انجرارها ونقلها في المراكب قبلي وبحري إلى جهة الاسكندرية للبيع على الافرنج بالثمن الكثير كما تقدم ووجهت المراسيم إلى كشاف النواحي بمنع بيع الفلاحين غلالهم لمن يشتري منهم من المتسببين والتراسين وغيرهم وبأن كل ما احتاجوا لبيعه مما خرج لهم من زراعتهم يؤخذ لطرف الميري بالثمن المفروض بالكيل الوافي واشتد الحال في هذا الشهر وما قبله حتى قل وجود الخبز من الأسواق بل امتنع وجوده في بعض الأيام واقبلت الفقراء نساء ورجالا إلى الرقع بمقاطفهم ورجعوا بها فوارغ من غير شيء وزاد الهول والتشكي وبلغ الخبر الباشا فأطلق أيضا ألف اردب توزع على الرقع ويباع على الناس أما ربع واحد وكيلة فقط وكل ربع ثمنه قرش فيكون الاردب بأربعة وعشرين قرشا. وفيه حضر حسن بك الشماشرجي من ناحية درنة وبلد أخرى يقال لها: سيوة وصحبته فرقة من أولاد علي وذلك أن أولاد علي افترقوا فرقتين احدهما طائعة والأخرى عاصية عن الطاعة ومنحازون إلى هذه الناحية فجرد الباشا عليهم حسن بك المذكور فحاربهم فهزمهم وهزموه ثانيا فرجع إلى مصر فضم إليه الباشا جملة من العساكر وأصحب معه الفرقة الأخرى الطائعة فسار الجمع ودهموهم على حين غفلة وتقدم لحربهم اخوانهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 الطائعة وقتلوا منهم واغاروا على مواشيهم واباعرهم واغنامهم فأرسلوا المنهوبات إلى جهة الفيوم وفي ظن العرب أن الغنائم تطيب لهم وحضر حسن بك وصحبته كبار العرب من أولاد علي الطائعين وفي ظنهم الفوز بالغنيمة وأن الباشا لا يطمع فيها لكون النصرة كانت بأيديهم وأنه يشكرهم ويزيدهم انعاما وكانوا نزلوا ببر الجيزة وحضر حسن بك إلى الباشا فطلب كبار العرب ليخلع عليهم ويكسوهم فلما حضروا إليه أمر بحبسهم واحضار الغنيمة من ناحية الفيوم بتمامها فأحضروها بعد أيام واطلقهم فيقال: إن الاغنام ستة عشر ألف رأس أو أكثر ومن الجمال ثمانية الاف جمل وناقة وقيل أكثر من ذلك. وفيه نجزت عمارة السواقي التي انشأها الباشا بالأرض المعروفة برأس الوادي بناحية شرقية بلبيس قيل أنها تزيد على ألف ساقية وهي سواقي دواليب خشب تعمل في الأرض التي يكون منبع الماء فيها قريبا واستمر الصناع مدة مستطيلة في عمل آلاتها عند بيت الجبجي وهو بيت الرزاز الذي جهة التبانة بقرب المحجر وتحمل على الجمال إلى الوادي هناك المباشرون للعمل المقيدون بذلك وغرسوا بها اشجار التوت الكثيرة لتربية دود القز واستخراج الحرير كما يكون بنواحي الشام وجبل الدروز ثم برزت الأوامر إلى جميع بلاد الشرقية بأشخاص انفار من الفلاحين البطالين الذين لم يكن لهم اطيان فلاحة يستوطنون بالوادي المذكور وتبنى لهم كفور يسكنون فيها ويتعاطون خدمة السواقي والمزارع ويتعلمون صناعة تربية القز والحرير واستجلب اناسا من نواحي الشام والجبل من أصحاب المعرفة بذلك ويرتب للجميع نفقات إلى حين ظهور النتيجة ثم يكونون شركاء في ربع المتحصل ولما برزت المراسيم بطلب الأشخاص من بلاد الشرق اشيع في جميع قرى الاقاليم المصرية اشاعات وتقولوا اقاويل منها: أن الباشا يطلب من كل بلدة عشرة من الصبيان البالغين وعشرة من البنات يزوجهم بهن ويمهرهن من ماله ويرتب لهم نفقات إلى بدو صلاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 المزارع ثم اشاعوا الطلب للصبيان الغير مختونين ليرسلهم إلى بلاد الافرنج ليتعلموا الصنائع التي لم تكن بأرض مصر وشاع ذلك في أهل القرى وثبت ذلك عندهم فختن الجميع صبيانهم ومنهم من أرسل ابنه أو بنته وغيبها عند معارفه بالمدينة إلى غير ذلك من الاقاويل التي لم يثبت منها إلا ما ذكر أولا من أن المطلوب جلب الفلاحين البطالين من بلدة الشرقية لاغير وقد تعمر هذا الوادي بالسواقي والاشجار والسكان من جميع الاجناس وانتشأ دنيا جديدة متسعة لم يكن لها وجود قبل ذلك بل كانت برية خرابا وفضاء واسعا. وفيه سافر جملة من عساكر الاتراك والمغاربة وكبيرهم إبراهيم اغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا ثم تولى كشوفية المنوفية وصحبته خزينة وجبخانة ومطلوبات لمخدومه. واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1232 في أوائله حضر إلى مصر بن يوسف باشا حاكم طرابلس ومعه اخوه اصغر منه يستأذنان الباشا في حضور والدهما إلى مصر فارا من والده وكان ولاه على ناحية درنة وبنى غازي فحصل منه ما غير خاطر والده عليه وعزم على أن يجرد عليه فأرسل أولاده إلى صاحب مصر بهدية ويستأذن في الحضور إلى مصر والإلتجاء إليه فأذن له في الحضور وهو ابن اخي الذي بمصر أولا وسافر مع الباشا إلى الحجاز ورجع إلى مصر واستمر ساكنا بالسبع قاعات. وفيه وصل الخبر بأن إبراهيم اغا الذي سافر مع الجردة لما وصل إلى العقبة أمر من بصحبته من المغاربة والعسكر بالرحيل فلما ارتحلوا ركب هو في خاصته وذهب على طريق الشام. وفي ليلة الأربعاء سادس عشره وصل جراد كثير ليلا ونزل ببستان الباشا بشبرا وتعلق بالاشجار والزهور وصاحت الخولة والبستانجية وأرسل الباشا إلى الحسينية وغيرها فجمعوا مشاعل كثيرة واوقدوها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده وأمر الباشا لكل من جمع منه رطلا فله قرشان فجمع الصبيان والفلاحون منه كثيرا. ثم في ليلة السبت تاسع عشرة قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق مارا بين السماء والأرض مثل السحاب وكان الريح ساكنا فسقط منه الكثير على الجنائن والمزارع والمقاثيء فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار واثارت غبارا اصفر وعبوقا بالجو ودامت إلى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراد واذهبته فسبحان الحكيم المدبر اللطيف. وفي يوم الأحد طاف مناد اعمى يقوده آخر بالأسواق ويقول في ندائه: من كان مريضا أو به رمدا وجراحه وادارة فليذهب إلى خان بالموسكي به أربعة من حكماء الافرنج اطباء يداوونه من غير مقابلة شيء فتعجب الناس من هذا وتحاكوه وسعوا إلى جهتهم لطلب التداوي. وفيه حضر ابن باشت طرابلس ودخل إلى المدينة وصحبته نحو المائتي نفر من اتباعه فانزله الباشا في منزل أم مرزوق بك بحارة عابدين واجرى عليه النفقات والراواتب له ولأتباعة. وفي يوم الخميس حادي عشرينه وصل خبر الاطباء ومناداتهم إلى كتخدا بك فأحضر حكيم باشا وسأله فأنكر معرفتهم وأنه لاعلم عنده بذلك فامر باحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال وذهبوا إلى حيث شاء الله ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل أو الخازوق وكان صورة جلوسهم أن يجلس احدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان ويأتي مريد العلاج إلى الأول وهو كأنه الرئيس فيجس نبضه أو بيضه وكأنه عرف علته ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بدخل المكان فيعطيه شيئا من الدهن أو السفوف أو الحب المركب ويطلب منه أما قرشا أو قرشين أو خمسة بحسب الحال وذلك ثمن الدواء لا غير وشاع ذلك وتسامع به الناس وأكثرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 معلول من طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الأيام القليلة جملة من الدراهم واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذي يدعون التطبيب من الافرنج واصطلاحهم إذا دعى الواحد منهم لمعالجة المريض فأول ما يبدا به نقل قدمه بدراهم يأخذها أما ريال فرانسة أو أكثر بحسب الحال والمقام ثم يذهب إلى المريض فيجسه ويزعم أنه عرف علته ومرضه وربما هول على المريض داءه وعلاجه ثم يقأول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة أما خمسين أو مائة أو أكثر بحسب مقام العليل ويطلب نصف الجعالة ابتداء ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة أيضا ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم وهي مياه مستقطرة من الاعشاب أو ادهان كذلك يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها بأسماء بلغاتهم ويعربونها بدهن البادزهر واكسير الخاصة ونحو ذلك فإن شفى الله العليل أخذ منه بقية ما قاوله عليه أو اماته طالب الورثة بباقي الجعالة وثمن الادوية طبق ما يدعيه وإذا قيل له أنه قد مات قال في جوابه: إني لم اضمن اجله وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة. وفيه راى رايه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضا بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها ومبدؤها من مبدأ خليج الاشرفية عند الرحمانية فطلب لذلك خمسين ألف فاس ومسحة يصنعها صناع الحديد وأمر بجمع الرجال من القرى وهم مائة ألف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة وبرزت الأوامر بذلك فارتبك أمر الفلاحين ومشايخ البلاد لأن الأمر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزودون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم باقل أو أكثر. واستهل شهر رجب بيوم الأحد سنة 1232 في ثانيه يوم الإثنين الموافق لثاني عشر بشنس القبطي وسابع آيار الرومي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 قبل الغروب بنحو ساعة تغير الجو بسحاب وقتام وحصل رعد متتابع واعقبه مطر بعد الغروب ثم انجلى ذلك والسبب في ذكر مثل هذه الجزئية شيئان الأول وقوعها في غير زمانها لما فيه من الاعتبار بخرق العوائد والثاني الاحتياج إليها في بعض الاحيان في العلامات السماوية وبالأكثر في الوقائع العامية فإن العامة لا يؤرخون غالبا باللأعوام والشهور بل بحادثة ارضية أو سماوية خصوصا إذا حصلت في غير وقتها أو ملحمة أو معركة أو فصل أو مرض عام أو موت كبير أو أمير فإذا سئل الشخص عن وقت مولده أو مولد ابنه أو ابنته أو موت أبيه أو سنة بولغه سن الرشد يقول: كان بعد الحادثة الفلانية بكذا من الأيام ثم لا يدري في أي شهر أو عام وخصوصا إذا طال الزمان بعدها وقد تكرر الاحتياج إلى تحرير الوقت في مسائل شرعية في مجلس الشرع في مثل الحضانة والعدة والنفقة وسن اليأس ومدة غيبة المفقود بأن يتفق قولهم على أن الصبي ولد يوم السيل الذي هدم القبور أو يوم موت الأمير فلان أو الواقعة الفلانية ويختلفون في تحقيق وقتها عند ذلك يحتاجون إلى السؤال ممن عساه يكون ارخ وقتها وفي غير وقت الاحتياج يسخرون بمن يشغل بعض أوقاته بشيء من ذلك لاعتيادهم اهمال العلوم التي كان يعتني بتدوينها الأوائل إلا بقدر إقامة الناموس الذي يحصلون به الدنيا ولولا تدوين العلوم وخصوصا علم الأخبار ما وصل الينا شيء منها ولا الشرائع الواجبة ولا يشك شاك في فوائد التدوين وخصائصه بنص التنزيل قال تعالى: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} . وفي عاشره وصلت هجانة وأخبار عن إبراهيم باشا من الحجاز بأنه وصل إلى محل يسمى الموتان فوقع بينه وبين الوهابية وقتل منهم مقتلة عظيمة وأخذ منهم أسرى وخياما ومدفعين فضربوا لتلك الأخبار مدافع سرورا بذلك الخبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 وفي يوم الأربعاء ثامن عشره سافر الباشا إلى اسكلة السويس وصحبته السيد محمد المحروقي ليتلقى سفائنه الواصلة بالبضائع الهندية. واستهل شهر شعبان بيوم الإثنين سنة 1232 وفيه رجع الباشا من السويس واخلوا للبضائع الواصلة ثلاث خانات توضع في حواصلها ثم توزع على الباعة بالثمن الذي يفرضه. وفيه وصل الخبر اياضا بوصول سفائن إلى بندر جدة وفيها ثلاثة من الفيلة. وفيه قوى اهتمام الباشا لحفر الترعة الموصلة إلى الاسكندرية كما تقدم وأن يكون عرضها عشرة اقصاب والعمق أربعة اقصاب بحسب علو الأراضي وانخفاضها وتعينت كشاف الاقاليم لجمع الرجال وفرضوا اعدادهم بحسب كثرة أهل القرية وقلتها وعلى كل عشرة أشخاص شخص كبير وجمعت الغلقان ولكل غلق فأس وثلاثة رجال لخدمته واعطوا كل شخص خسمة عشر قرشا ترحيلة ولكل شخص ثلاثون نصفا في اجرته كل يوم وقت العمل وحصل الاهتمام لذلك في وقت اشتغال الفلاحين بالحصيدة والدراس وزراعة الذرة التي هي معظم قوتهم وشرعوا في تشهيل احتياجاتهم وشراء القرب للماء فإن بتلك البرية لا يوجد ماء إلا ببعض الحفائر التي يحفرها طالب الماء وقد تخرج مالحة لأنها اراض مسبخة وتعين جماعة من مهندسخانة ونزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الاشرفية حيث الرحمانية إلى حد الحفر المراد بقرب عمود السواري الذي بالاسكندرية فبلغ ذلك ستة وعشرين ألف قصبة ثم قاسوا من أول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداؤها من المكان المعروف بالعطف عند مدينة فوة فكان أقل من ذلك ينقص عنه خمسة آلاف قصبة وكسر فوقع الاختيار على أن يكون ابتداؤها هناك. وفي اثناء ذلك زاد النيل قبل المناداة عليه بالزيادة وذلك في منتصف بؤنة القبطي وغرق المقاثيء من البطييخ والخيار والعبدلاوي واهمل امر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 الحفر في الترعة المذكورة إلى ما بعد النيل واستردت الدراهم التي اعطيت للفلاحين لأجل الترحيلة وفرحوا بذلك الاهمال وقد كان اطلق الباشا لمصارفها أربعة آلاف كيس من تحت الحساب ورجع المهندسون إلى مصر وقد صوروا صورتها في كواغد ليطلع عليها الباشا عيانا وكان رجوعهم في ثامن عشرة شعبان. وفيه تقلد إبراهيم اغا المعروف بآغات الباب أمر تنظيم الأصناف والمحدثات وعمل معدلاتها لبيان سرقات ومخفيات المتقلدين أمر كل صنف من الأصناف بعد البحث والتفتيش والتفحص على دقائق الأشياء. وفيه وصل نحو المائتي شخص من بلاد الروم أرباب صنائع معمرين ونجارين وحدادين وبنائين وهم مابين ارمني واجريجي ونحو ذلك. وفيه أيضا اهتم الباشا ببناء حائطين بحري رشيد عند الطينة على يمين البغاز وشماله لينحصر فيما بينهما الماء ولاتطمى الرمال وقت ضعف النيل ويقع بسبب ذلك العطب للمراكب وتلف أموال المسافرين وقد كمل ذلك في هذا الشهر وهذه الفعلة من اعظم الهمم الملوكلة التي لم يسبق بمثلها. وفي عشرينه شنق شخص بباب زويلة بسبب الزيادة في المعاملة وعلقوا بأنفه ريال فرانسة مع أن الزيادة سارية في المبيعات والمشتروات من غير انكار. وفيه أيضا خزم المحتسب آناف أشخاص من الجزارين في نواحي وجهات متفرقة وعلق في آنافهم قطعا من اللحم وذلك بسب الزيادة في ثمن اللحم وبيعهم له بما احبوه من الثمن في بعض الأماكن خفية لأن الجزارين إذا نزلوا باللحم من المذبح وأكثره هزيل ونعاج ومعز والقليل من المناسب الجيد فيعلقون الرديء بالحوانيت ويبيعونه جهارا بالثمن المسعر ويخفون الجيد ويبيعونه في بعض الأماكن بما يحبون. وفي يوم الخميس خامس عشرينه وصلت الافيال الثلاثة من السويس احدها كبير عن الإثنين ولكن متوسط في الكبر فعبروا بها من باب النصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 وشقوا من وسط المدينة وخرجوا بها من باب زويلة على الدرب الاحمر وذهبوا بها إلى قراميدان وهرولت الناس والصبيان للفرجة عليها وذهبوا خلفها وازدحموا في الأسواق لرؤيتها وكذلك العسكر والدلاة ركبانا ومشاة وعلى ظهر الفيل الكبير مقعد من خشب. واستهل شهر رمضان بيوم الثلاثاء سنة 1232 وعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب وكذا مشايخ الحرف كعادتهم واثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة وكان عسر الرؤية جدا. وفي صبح ذلك اليوم عزل عثمان اغا الورداني من الحسبة وتقلدها مصطفى كاشف كرد وذلك لما تكرر على سمع الباشا افعال الوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والايذاء وخزم انوف والتجريس قال في مجلس خاصته: لقد سرى حكمي في الاقاليم البعيده فضلا عن القريبة وخافني العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقه مصر فأنهم لا يرتدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الاهانة والايذاء فابدلهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم ولا يهملهم فوقع اختياره على مصطفى كاشف كرد هذا فقلده ذلك اطلق له الاذن فعند ذلك ركب في كبكبة وخلفه عدة من الخيالة وترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه وكذلك الذي إمامه بالميزان ومن بأيديهم الكرابيج لضرب المستحق والمنقص في الوزن وبات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس هشما بأدنى سبب ويعاقب بقطع شحمة الاذن فأغلقوا الحوانيت ومنعوا وجود الأشياء حتى ما جرت به العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق المعروف بالسحير وغيره فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد في العسف ولم يرجع عن سعيه واجتهاده ولازم على السعي والطواف ليلا ونهارا لا ينام الليل بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون في الحواصل ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض ويوزعه لأرباب الحوانيت ليبيعوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 على الناس بزيادة نصف أو نصفين في كل رطل وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج منهما سمنا كثيرا ومعظم ذلك في مخازن العسكر فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذونه منهم بالسعر المفروض هو مائتان وأربعون في العشرة منه ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما احبوا من الزيادة الفاحشة فلم يراع جانبهم واستخرج مخباتهم قهرا عنهم ومن خألف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به وذهب في بعض الأوقات إلى بولاق فاخرج من حاصل ببعض الوكائل ثلثمائة وخمسين ماعونا لكبير من العسكر فحضر إليه بطائفته فلم يلتفت إليه ووبخه وقال له: أنتم عساكر لكم الرواتب والعلائف واللحوم والاسمان وخلافها ثم تحتكرون أيضا اقوات الناس وتبيعونها عليهم بالثمن الزائد واعطاه الثمن المفروض وحمل المواعين على الجمال إلى الامكنة التي اعدها لها عند باب الفتوح وعندما رأى أرباب الحوانيت الجد وعدم الاهمال والتشديد عليهم فتح المعلق منهم حانوته واظهروا مخباتهم إمامهم وملؤا السدريات والطسوت من السمن وأنواع الجبن خوفا من بطش المحتسب وعدم رحمته بهم ويقف بنفسه على باعة البطيخ والقاوون. وفي منتصف شهر رمضان وصلوا برمة إبراهيم بك الكبير من دنقلة وذلك أنه لما وصل خبر موته أستاذنت زوجته أم ولده الباشا في ارسالها امرأة تدعى نفيسة لإحضار رمته فأذن بذلك واعطى المتسفرة فيما بلغنا عشرة أكياس وكتب لها مكاتبات لكشاف الوجه القبلي بالمساعدة وسافرت وحضرت به في تابوت وقد جف جلده على عظمه لنحافته وذلك بعد موته بنحو ستة شهور وعملوا له مشهدا وإمامه كفارة ودفنوه بالقرافة الصغرى عند ابنه مرزوق بك. وفي ليلة الخميس سابع عشره طلب المحتسب حجاجا الخضري الشهير بنواحي الرميلة فأخذه إلى الجمالية شنقه على السبيل المجاور لحارة المبيضة وذلك في سادس ساعة من الليل وقت السحور وتركوه معلقا لمثلها من الليلة القابلة ثم اذن برفعه فأخذه أهله ودفنوه وحجاج هو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 الذي تقدم ذكره غير مرة في واقعة خورشيد باشا وغيرها وكان مشهورا بالإقدام والشجاعة طويل القامة عظيم الهمة وكان شيخا على طوائف الخضرية صاحب صولة وكلمة بتلك النواحي ومكارم اخلاق وهو الذي بنى البوابة باخر الرميلة عند عرصة الغلة أيام الفتنة واختفى مرار بعد تلك الحوادث وانضم إلى الالفي ثم حضر إلى مصر بامان ولم يزل على حالته في هدوء وسكون ولم يؤخذ في هذه بجرم فعله يوجب شنقه بل قتل مظلوما لحقد سابق وزجرا لغيره. وفي يوم الإثنين ثامن عشرين شهر رمضان الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل أذرعه فنودي بالوفاء وكسر السد صبح يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والقاضي وغيره وجرى الماء في الخليج ولم يقع فيه مهرجان مثل العادة هذا والمحتسب مواظب على السروح ليلا ونهارا ويعاقب بجرح الآذان والضرب بالدبوس واقعد بعض صناع الكنافة على صوانيهم التي على النار وأمر بكنس الأسواق ومواظبة رشها بالماء ووقود القناديل على أبواب الدور وعلى كل ثلاثة من الحوانيت قنديل ويركب آخر الليل ثم يذهب إلى بولاق ليتلقى الواردين بالبطيخ الاخصر والاصفر ويعرف عدة الشروات ويأمرهم بدفع مكوسها المفروضة ثم يأمرهم بالذهاب إلى مراكز بيعهم ولا يبيعون شيئا حتى يأتيهم بنفسه أو بحضرة من يرسله من طرفه ثم يعود طائفا عليهم فيحصى ما في فرش احدهم عددا ويميز الكبير بثمن والصغير بثمن ويترك عند البائع من يباشره أو يقف هو بنفسه ويبيع على الناس بما فرضه ويعطي لصاحبه الثمن والربح فيراه وقد ربح العشرة قروش وأكثر بعد مكسه ومصارفه فيقول له: أما يكفي مثلك ربح هذا القدر حتى تطمع أيضا في الزيادة عليه وهو مع ذلك يكر ويطوف على غيرهم ويحلق على ما يرد من السمن الوارد الذي تقرر على المزارعين فيزنه منهم بالسعر المفروض وهو أربعة وعشرون نصفا الرطل ويرد عليهم الفوارغ ويعطيه للبائع بالثمن المقرر وهو ستة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 وعشرون وهم يبيعونه بزيادة نصفين في كل رطل وهو ثمانية وعشرون ويناله الناس بأسهل وجدان سالما من الخلط والغش ويامرهم باعادة ما عسى يوجد فيه من المرته والعكار إلى مواعينه ليوزن مع فوارغه ورصد أيضا ما يرد للناس ولو لأكابر الدولة من السمن فيطلق البعض ويأخذ الباقي بالثمن وكذلك ما يأتيهم من البطيخ والدجاج ولو كان لصاحب الدولة حسب اذنه له بذلك كل ذلك للحرص على كثرة وجدان الأشياء وتعدت احكامه إلى بضائع التجار والاقمشة الهندية وأهل مرجوش والمحلاوية وخلافهم وطلب قوائم مشترواتهم والنظر في مكايلهم فضاق خناق أكثر الناس من ذلك لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة واحكامهم في الدول المصرية القديمة فإن وظيفة امين الاحتساب وظيفة قضاء وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الأشياء وكان لا يتولاها إلا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة حتى على من يتصدر لتقرير العلوم فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه أهلية للإلقاء اذن له بالتصدر أو منعه حتى يستكمل وكذلك الاطباء والجراحية حتى البياطرية والبزدرية ومعلموا الأطفال في المكاتب ومعلموا السباحة في الماء والنظر في وسق المراكب في الاسفار واحمال الدواب في نقل الأشياء ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه وفي ذلك مؤلف للشيخ بن الرفعة وقد يسهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي وتطلعه لما في أيدي الناس وأرزاقهم. ومما يحكى أن الرشيد سأل الليث بن سعد فقال له: يا ابا الحرث ما صلاح بلدكم يعني مصر فقال له: أما صلاح أمرها ومزارعها فبالنيل وأما احكامها فمن رأس العين يأتي الكدر. وفي أواخر رمضان زاد المحتسب في نغمات الطنبور وهو أنه أرسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الارمن والاروام والشوام باخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بالانشاء والملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 والمؤاجرة المطلة على النيل وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهونات الفارهة واستخدامهم المسلمين فتقدم اعاظمهم إلى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا اخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة. وأيضانادى مناديه على المردان ومحلقي اللحي بأنهم يتركونها ولا يحلقونها وجميع العسكر وغالب الاتراك سنتهم حلق اللحي ولو طعن في السن فاشيع فيهم أن يامرهم بترك لحاهم وذلك خرم لقواعدهم بل يرونه من الكبائر وكذلك السيد محمد المحروقي بسبب تعرضه إلى بضائع التجار وأهل الغورية فإن ذلك منوط به. وفي اثناء ذلك ورد إلى عابدين بك مواعين سمن فأرسل الجمال إلى حملها من ساحل بولاق فبلغ خبرها المحتسب فأخذها وادخلها مخزنه وعادت الجمال فارغة وأخبروا مخدومهم بحجز المحتسب لها فأرسل عدة من العسكر فأخرجوها من المخزن وأخذوها ولم يكن المحتسب حاضرا واتفق أنه ضرب شخصا من عسكر المذكور ارنؤدي بالدبوس حتى كاد يموت فاشتد بعابدين بك الحنق وركب إلى كتخدا بك وشنع على المحتسب وتعددت الشكاوي وصادفت في زمن واحد فانهى الأمر إلى الباشا فتقدم إليه بكف المحتسب عن هذه الافعال فأحضره الكتخدا وزجره وأمره أن لا يتعدى حكمه الباعة ومن كان يسري عليهم احكام من كان في منصبه قبله وا يكون إمامه الميزان ويؤدب المستحق بالكرابيج دون الدبوس. واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1232 فترك السروح في أيام العيد واشيع بين السوقة عزله فأظهروا الفرح ورفعوا ما كان ظاهرا بين أيديهم من السمن والجبن واخفوه عن الاعين ورجعوا إلى حالتهم الأولى في الغش والخيانة وغلاء السعر واغلق بعضهم الحانوت وخرجوا إلى المنتزهات وعملوا ولائم. وفي رابعه شنقوا عدة أشخاص في أماكن متفرقة قيل أنهم سراق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 وزغلية وكانوا مسجونين في أيام رمضان ولم يركب المحتسب حسب الأمر بل اركب خازنداره وشق بالميزان عوضا عنه ثم ركب هو أيضا وبيده الدبوس لكن دون الحالة الأولى في الجبروت ولم يسر حكمه على النصارى فضلا عن غيرهم. وفي عاشره يوم السبت نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة وشقوا بها من وسط الشارع إلى المشهد الحسيني. وفي يوم السبت سابع عشره اداروا المحمل وخرج أمير الركب إلى خارج باب النصر ووصلت حجاج كثيرة من ناحية المغرب إلى برانبابة وبولاق وطفقوا يشترون الاغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونا ببولاق وطرقها على الناس جزافا من غير وزن ويذهب الكثير من الناس إلى الشراء منهم فيقعون في الغبن الفاحش والزيادة على السعر بالضعف وأكثر ضرورتهم في الشراء منهم رداءة ما يحمله القصابون من المذبح من اغنام الباشا المحضرة من البلاد والقرى وقد هزلت من السفر والإقامة بالجوع والعطش ويموت الكثير منها فيسلمونه ويزنونه على الجزارين بالبيع للناس وفيه المتغير الرائحة وما تعافه النفوس فبسبب ذلك اضطر الناس إلى الشراء من هؤلاء الاجناس بالغبن وتحمل سوء اخلاقهم وحصل بينهم وبين بعض العسكر شرور وقتل بينهم قتلى ومجاريح والباشا وحكام الوقت يتغافلون عنهم خوفا من وقوع الفتن ثم ارتحلوا لأنهم كثروا وملؤا الازقة والنواحي وحضر أيضا الركب الفاسي وفيه ولدا السلطان سليمان ومن يصحبهما فاحسن الباشا نزلهم وتقيد السيد محمد المحروقي بملاقاتهم ولوازمهم وانزلوهم في منزل بجوار المشهد الحسيني واجريت عليهم نفقات تليق بهم واهديا للباشا هدية وفيها عدة بغال وبرانس حرير وغير ذلك. وفي ثامن عشرينه ارتحل الحج المصري من البركة وكانت الحجوج في هذه السنة كثيرة من سائر الاجناس اتراك وططر وبشناق وجركس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 وفلاحين ومن سائر الاجناس ورجع الكثير من المسافرين على بحر القلزم إلى الحجاز من السويس لقلة المراكب التي تحملهم وغصت المدينة من كثرة الزحام زيادة على ما بها من ازدحام العساكر واخلاط العالم من فلاحي القرى المشيعين والمسافرين ومن يرد من الافاق والبلاد الشامية ونصارى الروم والارمن والدلاة والواردين والذين استدعاهم الباشا من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم لعمل الصنائع والمزارع وشغل الحرير وما استجده بوادي الشرق حتى أن الإنسان يقاسي الشدة والهول إذا مر بالشارع من كثرة الازدحام ومرور الخيالة وحمير الاوسية والجمال التي تحمل الاتربة والانقاض والاحجار لعمائر الدولة سوى ما عداها من حمول الاحطاب والبضائع والتراسين حتى الزحمة في داخل العطف الضيقة وزيادة على ذلك كثرة الكلاب بحيث يكون في القطعة من الطريق نحو الخمسين ثم صياحها ونباحها المستمر وخصوصا في الليل على المارين وتشاجرها مع بعضها مما يزعج النفوس ويمنع الهجوع وقد احسن الفرنساوية بقتلهم الكلاب فإنهم لما استقروا وتكرر مرورهم ونظروا إلى كثرة الكلاب من غير حاجة ولا منفعة سوى الهبهبة والعواء وخصوصا عليهم لغرابة أشكالهم فطاف عليها طائف منهم باللحم المسموم فما أصبح النهار إلا وجميعها موتى مطروحة بجميع الشوارع فكان الناس والصغار يسحبونها كذا بالحبال إلى الخلاء واستراحت الأرض ومن فيها منها فالله يكشف عنها مطلق الكرب في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه. واستهل شهر ذي القعدة سنة 1232 وفي خامسه يوم الأربعاء وليلة الخميس ارتحل ركب الحجاج المغاربة من الحصوة. وفي أواخره حصل الأمر للفقهاء بالأزهر بقراءة صحيح البخاري فاجتمع الكثير من الفقهاء والمجاورين وفرقوا بينهم اجزاء وكراريس من البخاري يقرؤون فيها في مقدار ساعتين من النهار بعد الشروق فاستمروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 على ذلك خمسة أيام وذلك بقصد حصول النصر لإبراهيم باشا على الوهابية وقد طالت مدة انقطاع الأخبار عنه وحصل لأبيه قلق زائد ولما انقضت أيام قراءة البخاري نزل للفقهاء عشرون كيسا فرقت عليهم وكذلك على أطفال المكاتب. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأحد سنة 1232 في رابعه شنقوا أشخاصا قيل أنهم خمسة ويقال: أنهم حرامية. وفيها ارسلت الافيال الثلاثة إلى دار السلطنة صحبة الهدايا المرسلة ثلاثة سروج ذهب وفيها سرج مجوهر وخيول وكباش ونقود واقمشة هندية وسكاكر وارز. وفيه وصل فيل آخر كبير مروا به من وسط المدينة وذهبوا به إلى رحبة بيت السيد محمد المحروقي وقفوا به في أواخر النهار والناس تجتمع للفرجة عليه إلى أواخر النهار ثم طلعوا به إلى القلعة واوقفوا بالطبخانة وهي محل عمل المدافع وحضر بصحبته شخص يدعي العلم والمعرفة بالطب والحكمة ومعه مجلد كبير في حجم الوسادة يحتوي على الكتب الستة الحديثية وخطه دقيق قال: إنه نسخه بيده ونزل ببيت السيد محمد المحروقي وركب له معجون الجواهر انفق فيه جملة من المال وكجلا وركب أيضا تراكيب لغيره وشرط عليهم في الاستعمال بعد مضي ستة اشهر وشيء منها بعد شهرين وثلاثة وأقام أياما ثم سافر راجعا إلى صنعاء. وفي يوم الثلاثاء عاشره كان عيد النحر ولم يرد فيه مواش كثيرة كالأعياد السابقة من الاغنام والجواميس التي تأتي من الارياف فكانت تزدحم منها لأسواق لكثرتها والوكائل والرميلة فلم يرد إلا النزر القليل قبل النحر بيومين ويباع بالثمن الغالي ولم يذبح الجزارون في أيام النحر للبيع كعادتهم إلا القليل منهم مع التحجير على الجلود وعلى من يشتريها وتباع لطرف الدولة بالثمن الرخيص جدا وانقضت السنة مع استمرار ما تجدد فيها من الحوادث التي منها ما حدث في آخر السنة من الحجر وضبط انوال الحياكة وكل ما يصنع بالمكوك وما ينسج على نول أو نحوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 من جميع الأصناف من ابريسم أو حرير أو كتان إلى الخيش والفل والحصير في سائر الإقليم المصري طولا وعرضا قبلي وبحري من الاسكندرية ودمياط إلى اقصى بلاد الصعيد والفيوم وكل ناحية تحت حكم هذا المتولي وانتظمت لهذا الباب دواوين ببيت محمود بك الخازندار وأياما ببيت السيد محمد المحروقي وبحضرة من ذكر والمعلم غالي ومتولي كبر ذلك والمفتتح لأبوابه المعلم يوسف كنعان الشامي والمعلم منصور ابو سربمون القبطي ورتبوا الضبط ذلك كتابا ومباشرين يتقررون بالنواحي والبلدان والقرى وما يلزم لهم من المصاريف والمعليم والمشاهرات ما يكفيهم في نظير تقيدهم وخدمتهم فيمضي المتعينون لذلك فيحصون ما يكون موجودا على الانوال بالناحية من القماش والبزوالأكسية الصوف المعروفة بالزعابيط والدفافي ويكتبون عدده على ذمة الصانع ويكون ملزوما به حتى إذا تم نسجه دفعوا لصاحبه ثمنه بالفرض الذي يفرضونه وأن أرادها صاحبها أخذها من الموكلين بالثمن الذي يقدرونه بعد الختم عليها من طرفيها بعلامة الميري فإن ظهر عند شخص شئ من غير علامة الميري أخذت منه بل وعوقب وغرم تأديبا على اختلاسه وتحذيرا لغيره هذا شأن الموجود الحاصل عند النساجين واستئناف العمل المجدد فإن الموكل بالناحية ومباشريها يستدعون من كل قرية شخصا معروفا من مشايخها فيقيمونه وكيلا ويعطونه مبلغا من الدراهم ويأمرونه باحصاء الانوال والشغالين والبطالين منهم في دفتر فيأمرون البطالين بالنسج على الانوال التي ليس لها صناع بأجرتهم كغيرهم على طرف الميري ويدفع المتوكل لشخصين أو ثلاثة دراهم يطوفون بها على النساء اللاتي يغزلن الكتان بالنواحي ويجعلنه اذرعا فيشترون ذلك منهن بالثمن المفروض ويأتون إلى النساجين ثم تجمع أصناف الاقمشة في أماكن للبيع بالثمن الزائد وجعلوا لمبيعها امكنة مثل خان ابو طقية وخان الجلاد وبه يجلس المعلم كنعان ومن معه وغير ذلك وبلغ ثمن الثوب القطن الذي يقال له: البطانة إلى ثلثمائة نصف فضة بعد ما كان يشترى بمائة نصف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 وأقل وأكثر بحسب الرداء والجودة وادركناه يباع في الزمن السابق بعشرين نصفا وبلغ ثمن المقطع القماش الغليظ إلى ستمائة نصف فضة وكان يباع باقل من ثلث ذلك وقس على ذلك باقي الأصناف وهذه البدعة اشنع البدع المحدثه فإن ضررها عم الغني والفقير والجليل والحقير والحكم لله العلي الكبير. ومنها أن المشار إليه هدم القصر الذي بالآثار وانشأه على الهيئة الرومية التي ابتدعوها في عمائرهم بمصر وهدموه وعمروه وبيضوه في أيام قليلة وذلك أنه بات هناك ليلتين فاعجبه هواؤه فاختار بناءه على هواه وعند تمامه وتنظيمه بالفرش والزخارف جعل يتردد إلى المبيت به بعض الاحيان مع السراري والغلمان كما يتنقل ما قصر الجيزة وشبرا والازبكية والقلعة وغيرها من سرايات أولاده واصهاره والملك لله الواحد القهار. ومنها أن طائفة من الافرنج الانكليز قصدوا الاطللاع على الاهرام المنهورة الكائنة ببر الجيزة غربي الفسطاط لأن طبيعتهم ورغبتهم الاطلاع على الأشياء المستغريات والفحص عن الجزئيات وخصوصا الآثار القديمة وعجائب البلدان والتصاوير والتماثيل التي في المغارات والبرابي بالناحية القبلية وغيرها ويطوف منهم أشخاص في مطلق الاقاليم بقصد هذا الغرض ويصرفون لذلك جملا من المال في نفقاتهم ولوازمهم ومؤاجريهم حتى أنهم ذهبوا إلى اقصى الصعيد وأحضروا قطع احجار عليها نقوش واقلام وتصاوير ونواويس من رخام أبيض كان بداخلها موتى باكفانها أو اجسامها باقية بسبب الاطلية والادهان الحافظة لها من البلاد ووجه المقبور مصور على تمثال صورته التي كان عليها في حال حياته وتماثيل آدمية من الحجر السماقي الأسود المنقط الذي لا يعمل فيه الحديد جالسين على كراسي واضعين أيديهم على الركب وبيد كل واحد شبه مفتاح بين اصابعه اليسرى والشخص مع كرسيه قطعة واحدة مفرغ معه اطول من قامة الرجل الطويل وعلو رأسه نصف دائرة منه في علوا الشبر وهم شبه العبيد المشوهين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 الصور وهم ستة على مثال واحد كإنما افرغوا في قالب واحد يحمل الواحد منهم الجملة من العتالين وفيهم السابع من رخام أبيض جميل الصورة وأحضروا أيضا راس صنم كبير دفعوا في اجرةالسفينة التي أحضروه فيها ستة عشر كيسا عنها ثلثمائة وعشرون ألف نصف فضة وارسلوها إلى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها وذلك عندهم من جملة المتاجر في الأشياء الغريبة ولما سمعت بالصور المذكورة فذهبت بصحبة ولدنا الشيخ مصطفى باكير المعروف بالساعاتي وسيدي إبراهيم المهدي الانكليزي إلى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الازبكية وشاهدت ذلك كما ذكرته وتعجبنا من صناعتهم وتشابههم وصقالة ابدانهم الباقية على مر السنين والقرون التي لا يعلم قدرها الاعلام الغيوب وأرادوا الاطلاع على أمر الاهرام واذن لهم صاحب المملكة فذهبوا إليها ونصبوا خيمة وأحضروا الفعلة والمساحي والغلقان وعبروا إلى داخلها واخرجوا منها اتربة كثيرة من زبل الوطواط وغيره ونزلوا إلى الزلاقة ونقلوا منها ترابا مربع من الحجر المنحوت غير مسلوك هذا ما بلغنا عنهم وحفورا حوالي الرأس العظيمة التي بالقرب من الاهرام التي تسميها الناس رأس ابي الهول فظهر أنه جسم كامل عظيم من حجر واحد ممتد كأنه راقد على بطنه رافع رأسه وهي التي يراها الناس وباقي جسمه مغيب بما أنهال عليه من الرمال وساعداه من مرفقية ممتدان إمامه وبينهما شبه صندوق مربع إلى استطالة من سماق أحمر عليه نقوش شبه قلم الطير في داخله صورة سبع مجسم من حجر مدهون بدهان أحمر رابض باسط ذراعيه في مقدار الكلب رفعوه أيضا إلى بيت القنصل ورايته يوم ذاك وقيس المرتفع من جسم ابي الهول من عند صدره إلى اعلى رأسه فكان اثني وثلاثين ذراعا وهي نحو الربع من باقي جسمه واقاموا في هذا العمل نحو من أربعة اشهر. وأما من مات في هذه السنة من المشاهير فمات العالم العلامة الفاضل الفهامة صاحب التحقيقات الرائقة والتأليفات الفائقة شيخ شيوخ أهل العلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 وصدر صدور أهل الفهم المتفنن في العلوم كلها نقليها وعقليها وادبيها إليه انتهت الرياسة في العلوم بالديار المصرية وباهت مصر ما سواها بتحقيقاته البهية استنبط الفروع من الاصول واستخراج نفائس الدور من بحور المعقول المنقول واودع الطروس فوائد وقلدها عوائد فرائد الأستاذ الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمد السنباوي المالكي الازهري الشهير بالأمير وهو لقب جده الأدنى أحمد وسببه أن أحمد واباه عبد القادر كان لهما امرة بالصعيد وأخبرني المترجم من لفظه أن أصلهم من المغرب نزلوا بمصر عند سيدي عبد الوهاب ابي التخصيص كما أخبر عن ذلك وثائق لهم التزموا بحصة بناحية سنبوا وارتحلوا إليها وقطنوا بها وبها ولد المترجم وكان مولده في شهر ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة وألف بأخبار والديه وارتحل معهما إلى مصر وهو ابن تسع سنين وكان قد ختم القران فجوده على الشيخ المنير على طريقة الشاطبية والدرة وحبب إليه طلب العلم فأول ما حفظ متن الاجرومية وسمع سائر الصحيح والشفاء على سيدي علي بن العربي السقاط وحضر دروس أعيان عصره واجتهد في التحصيل ولازم دروس الشيخ الصعيدي في الفقه وغيره من كتب المعقول وحضر على السيد البليدي شرح السعد على عقائد النسفي والأربعين النووية وفقع الموطأ على هلال المغرب وعالمه الشيخ محمد التاودي بن سودة بالجامع الأزهر سنة وروده بقصد الحج ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي سنين وتلقى عنه الفقه الحنفي وغير ذلك من الفنون كالهيئة والهندسة والفلكيات والاوفاق والحكمة عنه وبواسطة تلميذه الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوي المالكي وكتب له اجازة مثبتة في برنامج شيوخه وحضر الشيخ يوسف الحفني في آداب البحث وبانت سعاد وعلى الشيخ محمد الحفني أخيه مجالس من الجامع الصغير والشمايل والنجم الغيطي في المولد وعلى الشيخ أحمد الجوهري في شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وسمع منه المسلسل بالأولية وتلقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 عنه طريق الشاذلية من سلسلة مولاي عبد الله الشريف وشملته اجازة الشيخ الملوي وتلقى عنه مسائل في أواخر أيام انقطاعه بالمنزل ومهر وانجب وتصدر لالقاء الدروس في حياة شيوخه ونما أمره واشتهر فضله خصوصا بعد موت أشياخه وشاع ذكره في الافاق وخصوصا بلاد المغرب وتأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك النواحي في كل عام ووفد عليه الطالبون للأخذ عنه والتلقي منه وتوجه في بعض المقتضبات إلى دار السلطنة والقى هناك دروسا حضره فيها علماؤهم وشهدوا بفضله واستجازوه واجازهم بما هو مجاز به من أشياخه وصنف عدة مؤلفات اشتهرت بايدي الطلبة وهي غاية التحرير منها مصنف في فقه مذهبه سماه المجموع حاذى به مختصر خليل جمع فيه الراحج في المذهب وشرحه شرحا نفيسا وقد صار كل منهما مقبولا في أيام شيخه العدوي حتى كان إذا توقف شيخه في موضع يقول: هاتوا مختصر الأمير وهي منقبة شريفة وشرح مختصر خليل وحاشية على المغنى لابن هشام وحاشية على الشيخ عبد الباقي على المختصر وحاشية على الشيخ عبد السلام على الجوهرة وحاشية على شرح الشذور لابن هشام وحاشية على الازهرية وحاشية على الشنشوري على الرحبية في الفرائض وحواش على المعراج وحاشية على شرح املوي على السمرقندية ومؤلف سماه مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين واتحاف الانس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ورفع التلبيس عما يسئل به ابن خميس وثمر الثمام في شرح آداب الفهم والافهام وحاشية على المجموعة وتفسير سورة القدر وكان رحمه الله رقيق القلب لطيف المزاج ينزعجطبعه من غير انزعاج يكاد الوهم يؤلمه وسماع المنافر يوهنه ويسقمه وبآخره ضعفت قواه وتراخت اعضاه وزاد شكواه ولم يزل يتعلل ويزداد انينه ويتململ والامراض به تسلسل وداعي المنون عنه لا يتحول إلى أن توفي يوم الإثنين عاشر ذي القعدة الحرام وكان له مشهد حافل جدا ودفن بالصحراء بجوار مدفن الشيخ عبد الوهاب العفيفي بالقرب من عمارة السلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 قايتباي وكثر عليه الاسف والحزن وخلف ولده العلامة النحرير الشيخ محمد الأمير وهو الآن أحد الصدور كوالده يقرأ الدروس ويفيد الطلبة ويحضر الدواوين والمجالس العالية بارك الله فيه. ومات الشيخ الفقيه العلامة الشيخ خليل المدابغي لكونه يسكن بحارة المدابغ حضر دروس الأشياخ من الطبقة الأولى وحصل الفقه والمعقول واشتهر فضله مع فقره وانجماعه عن الناس متقشفا متواضعا ويكتسب من الكتابة بالأجرة ولم يتجمل بالملابس ولا بزي الققهاء يظن الجاهل به أنه من جملة العوام توفي يوم الإثنين ثامن عشر ذي القعدة من السنة. ومات الشيخ الفقيه الورع الشيخ علي المعروف بأبي زكرى البولاقي لسكنه ببولاق وكان ملازما لإقراء الدروس ببولاق ويأتي إلى الجامع الأزهر في كل يوم يقرأ الدروس ويفيد الطلبة ويرجع إلى بولاق بعد الظهر ومات حماره الذي كان يأتي عليه إلى الجامع الأزهر فلم يتخلف عن عادته ويأتي ماشيا ثم يعود مدة حتى اشفق عليه بعض المشفقين من أهالي بولاق واشتروا له حمارا ولم يزل على حالته وانكساره حتى توفي يوم الخميس ثامن شهر ذي القعدة من السنة رحمه الله وايانا وجمعنا في مستقر رحمته آمين. ومات من أكابر الدولة المسمى ولي افندي. وقال له ولي خوجا وهو كاتب خزينة الباشا وانشأ الدار العظيمة التي بناحية باب اللوق وادخل فيها عدة بيوت ودورا جليلة تجاهها وملاصقة لها من الجهتين وبعضها مطل على البركة المعروفة ببركة ابي الشوارب وتقدم في أخبار العام الماضي أن الباشا صاهره وزوج ابنته لبعض اقارب الباشا الخصيصين به مثل الذي يقال له: شريف آغا وآخر وعمل له مهما عظيما احتفل فيه إلى الغاية وزفة وشنكا كل ذلك وهو متمرض إلى أن مات في ثاني عشرين ربيع الثاني وضبطت تركته فوجد له كثير من النقود والجواهر والامتعة وغير ذلك فسبحان الحي الذي لا يموت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 واستهل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين والف واستهل المحرم بيوم الإثنين ووالي مصر وحاكمها الوزير محمد علي باشا وهو المتصرف فيها قبليها وبحريها بل والاقطار الحجازية وضواحيها وبيده ازمة الثغور الإسلامية ووزيره محمد بك لاظ المعروف بكتخدا بك وهو قائم مقامه في حال غيابه وحضوره والمتصدر في ديوان الاحكام الكلية والجزئية وفصل الخصومات ومباشرة الأحوال نافذ الكلمة وافر الحرمة واغات الباب إبراهيم اغا ومتولي أيضا أمر تعديل الأصناف ليوفر على الخزينة ما يأكله المتولي على كل صنف ويخفي أمره فيشدد الفحص في المكيل والموزون والمذروع حتى يستخرج المخبأ ولو قليلا فيجمتمع من القليل والكثير من الأموال فيحاسب المتولي مدة ولايته فيجمتع له مالا قدره له على وفاء بعضه الآن ذلك شيء قد استهلك في عدة أيدي أشخاص واتباع ويلزم الكبير بإدائه وبقاسي ما يقاسيه من الحبس والضرب وسلب النعمة ومكابدة الاهوال وسلحدار الباشا سليمان اغا عوضا عن صالح بك السلحدار لاستعفائه عنها في العام السابق وهو المسلط على أخذ الأماكن وهدمها وبنائها خانات ورباعا وحوانيت فياتي إلى الجهة التي يختار البناء فيها ويشرع في هدمها ويأتيه ارباها فيعطيهم أثمانها كما هي في حججهم القديمة وهو شيء نادر بالنسبة لغلو أثمان العقارات في هذا الوقت لعموم التخرب وكثرة العام وغلاءالمؤن وضيق المساكن بأهلها حتى أن المكان الذي كان يؤجر بالقليل صار يؤجر بعشرة أمثال الاجرة القديمة ونحو ذلك ومحمود بك الخازندار وخدمته قبض أموال البلاد والاطيان والرزق وما يتعلق بذلك من الدعاوي والشكاوي وديوانه بخط سويقة اللالا والمعلم غالي كاتب سر الباشا ورئيس الاقباط وكذلك الدفتردار محمد بك صهر الباشا وحاكم الجهة القبلية والروزنامجي مصطفى أفندي واغا مستحفظان حسن اغا البهلوان والزعيم علي اغا الشعراوي ومصطفى اغا كرد المحتسب وقد بردت همته عما كان عليه ورجع الحال في قلة الادهان كالأول وازدحم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 الناس على معمل الشمع فلا يحصل الطالب منه شيئا إلا بشق الأنفس وكذلك انعدم وجود بيض الدجاج لعدم المجلوب ووقوف العسكر ورصدهم من يكون معه شيء منه من الفلاحين الداخلين إلى المدينة من القرى فيأخذونه منهم بدون القيمة حتى بيعت البيضة الواحدة بنصفين وأما المعاملة فلم يزل أمرها في اضطراب بالزيادة والنقص وتكرار المناداة كل قليل وصرف الريال الفرانسة إلى أربعمائة نصف فضة والمحبوب إلى أربعمائة وثمانين والبندقي إلى تسعمائة نصف والمجر إلى ثمانمائة نصف وأما هذه الانصاف العددية التي تذكر فهي أسماء لاوجود لمسمياتها في الأيدي. وفي ثاني عشره سافر الباشا إلى جهة الاسكندرية لمحاسبة الشركاء والنظر في بيع الغلال والمتاجر والمراسلات. وفي تاسع عشره ارتحلت عساكر اتراك وماربة مجردة إلى الحجاز. واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء سنة 1233 في ثالث عشره وصل الكثير من حجاج المغاربة. وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل جاويش الحاج وفي ذلك اليوم وقت العصر ضربوا عدة مدافع من القلعة لبشارة وصلت من إبراهيم باشا بأنه حصلت له نصرة وملك بلدة من بلاد الوهابية وقبض على أميرها ويسمى عتيبة وهو طاعن في السن. وفي يوم الثلاثاء حادي عشرينه وصل ركب الحاج المصري والمحمل وأمير الحاج من الدلاة. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الجمعة سنة 1233 وفيه وصل قابجي من دار السلطنة فعملوا له موكبا وطلع إلى القلعة وضربوا له شنكا سبعة أيام وهي مدافع تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة. وفي هذا الشهر انعدم وجود القناديل الزجاج وبيع القنديل الواحد الذي كان ثمنه خمسة انصاف بستين نصفا إذا وجد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1233 وو فقه أيضا وأول مشير القبطي. وفي منتصفه سافر أولاد سلطان المغرب والكثير من حجاج المغاربة وكانوا في غاية الكثرة بحيث ازدحمت منهم أسواق المدينة وبولاق وما بينهما من جميع الطرق فكانوا يشترون الاغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونها على الناس جزافا من غير وزن وبعد أن يتركوا لأنفسهم مقدار حاجتهم فذهب الكثير للشراء منهم بسب رداءة اللحم الموجود بحوانيت الجزارين ولو وقف عليهم بالثمن الزائد. وفي أواخره حضر مبشر من ناحية الديار الحجازية يخبر بنصرة حصلت لإبراهيم باشا وأنه استولى على بلدة تسمى السقراء وأن عبد الله ابن مسعود كان بها فخرج منها هاربا إلى الدرعية ليلا وأن بين عسرك الاتراك والدرعيين مسافة يومين فلما وصل هذا المبشر ضربوا لقدومه مدافع من ابراج القلعة وذلك وقت الغروب من يوم الأربعاء سادس عشرينه. واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الأحد سنة 1233 فيه نودي على طائفة المخالفين للملة من الاقباط والاروام بان يلزموا زيهم من الازرق والأسود ولا يلبسوا العمائم البيض لأنهم خرجوا عن الحد في كل شيء ويتعممون بالشيلان الكشميري الملونة والغالية في الثمن ويركبون الرهونات والبغال والخيول واماهم وخلفهم الخدم بايديهم العصي يطردون الناس عن طريقهم ولايظن الرائي لهم إلا أنهم من أعيان الدولة ويلبسون الأسلحة وتخرج الطائفة منهم إلى الخلاء ويعملون لهم نشابا يضربون عليه بالبنادق الرصاص وغير ذلك فما احسن هذا النهي لو دام. وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر الباشا من غيبته بالإسكندرية أواخر النهار فضربوا لقدومه مدافع فبات بقصر شبرا وطلع في صبحها إلى القلعة فضربوا بها مدافع أيضا فكانت مدة غيبته بالإسكندرية أربعة اشهر وتسعة أيام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 وفي أواخره وصل هجان من شرق الحجاز ببشارة بأن إبراهيم باشا استولى على بلد كبير من بلاد الوهابية ولم يبق بينه وبين الدرعية الأثمان عشرة ساعة فضربوا شنكا ومدافع. وفيه وصل هجان حسن باشا الذي بجدة بمراسلة يخبر فيه بعصيان الشريف حمود بناحية يمن الحجاز وأنه حاصر من بتلك النواحي من العساكر وقتلهم ولم ينج منهم إلا القليل وهو من فر على جواد الخيل. ووقع فيه أيضا الاهتمام في تجريد عساكر للسفر وأرسل الباشا بطلب خليل باشا للحضور من ناحية بحري هو وخلافه وحصل الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر فقري يومين وفرق على مجاوري الأزهر عشرة أكياس وكذلك فرقت دراهم على أولاد المكاتب. واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1233 في منتصفه ليلة الثلاثاء حصل خسوف للقمر في سادس ساعة من الليل وكان المنخسف منه مقدار النصف وحصل الأمر أيضا بقراءة صحيح البخاري بالأزهر. وفيه ورد الخبر بموت الشريف حمود وأنه اصيب بجراحة مات بها. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه حصل كسوف للشمس في ثالث ساعة من النهار وكان المنكسف منها مقدار الثلث. وفي ذلك اليوم ضربت مدافع لوصول بشارة من إبراهيم باشا بأنه ملك جانبا من الدرعية وأن الوهابية محصورون وهو ومن معه من العربان محيطون بهم. واستهل شهر شعبان سنة 1233 فيه حضر خليل باشا وحسين بك دالي باشا من الجهة البحرية ونزلوا بدورهم. واستهل شهر رمضان بيوم الأحد سنة 1233 في منتصفه وصل نجاب وأخبر بأن إبراهيم باشا ركب إلى جهة من نواحي الدرعية لأمر يبتغيه وترك عرضية فاغتنم الوهابية غيابه وكبسوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 على العرضي على حين غفلة وقتلوا من العساكر عدة وافرة واحرقوا الجبخانة فعند ذلك قوى الاهتمام وارتحل جملة من العساكر في دفعات ثلاث برا وبحر يتلو بعضهم بعضا في شعبان ورمضان وبرز عرضي خليل باشا إلى خارج باب النصر وترددوا في الخروج والدخول واستباحوا الفطر في رمضان بحجة السفر فيجلس الكثير منهم بالأسواق يأكلون ويشربون ويمرون بالشوارع وبأيديهم اقصاب الدخان والتتن من غير احتشام ولا احترام لشهر الصوم وفي اعتقادهم الخروج بقصد الجهاد وغزو الكفار المخالفين لدين الإسلام وانقضى شهر الصوم والباشا متكدر الخاطر ومتقلق. واستهل شهر شوال بيوم الإثنين سنة 1233 وكان هلاله عسر الرؤية جدا فحضر جماعة من الاتراك إلى المحكمة وشهدوا برؤيته. وفي ذلك اليوم الموافق لثامن عشرى شهر ابيب القبطي أو في النيل اذرعه فأخروا فتح سد الخليج ثلاثة أيام العيد ونودي بالوفاء يوم الأربعاء وحصل الجمع يوم الخميس رابعه وحضر فتح الخليج كتخدا بك والقاضي ومن له عادة بالحضور فكان جمعا وازدحاما عظيما من اخلاط العالم في جهة السد والروضة تلك الليلة واشتغلت النار في الحريقة واحترق فيها لأشخاص ومات بعضهم. وفي سادسه يوم السبت خرج خليل باشا المعين إلى السفر في موكب وشق من وسط المدينة وخرج من باب النصر وعطف على باب الفتوح ورجع إلى داره في قلة من اتباعه في طريقه التي خرج منها. وفيه انتدب مصطفى اغا المحتسب ونادى في المدينة ويأمر الناس بقطع أراضي الطرقات والازقة حتى العطف والحارات الغير النافذة فأخذ أرباب الحوانيت والبيوت يعملون بأنفسهم في قطع الأرض والحفر ونقل الاتربة وحملها من خوفهم من اذيته ولعدم الفعلة والاجراء واشتغال حمير الترابين باستعمالهم في عمائر أهل الدولة فلو كان هذا الاهتمام في قطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 أرض الخليج الذي يجري به الماء فإنه لم تقطع ارضه وينقطع جريانه في أيام قليلة لعلو ارضه من الطمي وبما يتهدم عليه من الدور القديمة وما يلقيه على ذلك بهذه الفعلة القاء ما يحفرونه وينقلونه من اتربة لأزقة البيوت القديمة منه فيه ليلا ونهارا. وفي ثامنه ارتحل خليل باشا مسافرا إلى الحجاز من القلزم وعساكره الخيالة على طريق البر. وفي يوم السبت ثالث عشره نزلوا بكسوة الكعبة إلى المشهد الحسيني على العادة. وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه عمل الموكب لأمير الحاج وهو حسين بك دالي باشا وخرج بالمحمل خارج باب النصر تجاه الهمائل ثم انتقل في يوم الأربعاء إلى البركة وارتحل منها يوم الإثنين تاسع عشرينه وسافر الكثير من الحجاج وأكثر فلاحي القرى الصعايدة ومن باقي الاجناس مثل المغاربة والقرمان والاتراك انفار قليلة. وفي ذلك اليوم وصل قبجي وعلى يده تقرير لحضرة الباشا على السنة الجديدة وطلع إلى القلعة في موكب وقري التقرير بحضرة الجمع وضربت مدافع كثيرة وكذلك وصل قبله قابجي صحبته فرمان بشارة بمولود ولد لحضرة السلطان فعمل له شنك ومدافع ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة وذلك في منتصفه. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1233 واقضى والباشا منفعل الخاطر لتأخر الأخبار وطول الانتظار وكل قليل يأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر ويفرق على صغار المكاتب والفقراء دراهم ولضيق صدره واشتغال فكره لا يستقر بمكان فيقيم بالقلعة قليلا ثم ينتقل إلى قصر شبرا ثم إلى قصر الآثار ثم الازبكية ثم الجيزة وهكذا. واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة سنة 1233 وفي سابعه وردت بشائر من شرق الحجاز بمراسلة من عثمان اغا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 الورداني أمير الينبع بأن إبراهيم باشا استولى على الدرعية والوهابية فانسر الباشا لهذا الخبر سرورا عظيما وانجلى عنه الضجر والقلق وانعم على المبشر وعند ذلك ضربوا مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وبولاق والازبكية وانتشر المبشرون على بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش. وفي ثاني عشره وصل المرسوم بمكاتبات من السويس والينبع وذلك قبل العصر فأكثروا من ضرب المدافع من كل جهة واستمر الضرب من العصر إلى المغرب بحيث ضرب بالقلعة خاصة ألف مدفع وصادف ذلك شنك أيام العيد وعند ذلك أمر بعمل مهرجان وزينة داخل المدينة وخارجها وبولاق ومصر القديمة والجيزة وشنك على بحر النيل تجاه الترسخانة ببولاق من النجارين والخراطين والحدادين وتقيد لذلك امين أفندي المعمار وشرعوا في العمل وحضر كشاف النواحي والاقاليم بعساكرهم واخرجوا الخيام والصواوين والوطاقات خارج باب النصر وباب الفتوح وذلك يوم الثلاثاء سادس عشرينه ونودي بالزينة وأولها الأربعاء فشرع الناس في زينة الحوانيت والخانات وأبواب الدور ووقود القناديل والسهر واظهروا الفرح والملاعيب كل ذلك مع ماالناس فيه من ضيق الحال والكد في تحصيل أسباب المعاش وعدم ما يسرجون به من الزيت والشيرج والزيت الحار وكذا السمن فانه شح وجوده ولايوجد منه إلا القليل عند بعض الزياتين ولا يبيع الزيات زيادة عن الاوقية وكذلك اللحم لا يوجد منه إلا ما كان في غاية الرداءة من لحم النعاج الهزيل وامتنع أيضا وجود القمح بالساحل وعرصات الغلة حتى الخبز امتنع وجوده بالأسواق ولما أنهي الأمر إلى من لهم ولاية الأمر فأخرجوا من شون الباشا مقدارا ليباع في الرقع وقد اكلها السوس ولايباع منها ازيد من الكيلة أكثرها مسوس وكذلك لما شكا الناس من عدم ما يسرج به في القناديل اطلقوا للزياتين مقدار من الشيرج في كل يوم يباع في الناس لوقود الزينة وفي كل يوم يطوف المنادي ويكرر المناداة بالشوارع على الناس بالسهر والوقود والزينة وعدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 غلق الحوانيت ليلا ونهارا وانقضى العام بحوادثه ومعظمها مستمر. فمنها وهو اعظمها شدة الاذية والضيق وخصوصا بذوي البيوت والمساتير من الناس بسبب قطع ايرادهم وأرزاقهم من الفائظ والجامكية السائرة والرزق الاحباسية وضبط الانوال التي تقدم ذكرها وكان يتعيش منها الوف من العالم ولما اشتد الضنك بالملتزمين وتكرر عرضحالهم فأمر لهم بصرف الثلث وتحول المصرفجي على بعض الجهات فكان كلما اجتمع لديه قدر يلحقه الطلب بحوالة من لوازم عساكر السفر المجردين وانقضى العام وأكثر الناس لم يحصل على شي وذلك لكثرة المصاريف والارساليات من الذخائر والغلال والمؤن وخزائن المال من أصناف خصوص الريال الفراسنة والذهب البندقي والمحبوب الإسلامي بالأحمال وهي الأصناف الرائجة بتلك النواحي وأما القروش فلا رواج لها إلا بمصر وضواحيها فقط أخبرني أحد أعيان كتاب الخزينة عن اجرة حمل الذخيرة على جمال العرب خاصة في مرة من المرات خمسة وأربعين ألف فرانسة وذلك من الينبع إلى المدينة حسابا عن اجرة كل بعير ستة فرانسة يدفع نصفها أمير الينبع والنصف الآخر يدفعه أمير المدينة عند وصول ذلك ثم من المدينة إلى الدرعية ما يبلغ المائة والأربعين ألف فرانسة وهو شيء مستمر التكرر والبعوث ويحتاج إلى كنوز قارون وهامان واكسير جابرين حيان!. ومنها العمارة التي أمر بانشائها الباشا المشار إليه بين السورين وحارة النصارى المعروفة بخميس العدس المتوصل منها إلى جهة الخرنفش وذلك بإشارة أكابر نصارى الافرنج ليجتمع بها أرباب الصنائع الواصلون من بلاد الافرنج وغيرهم وهي عمارة عظيمة ابتدؤا فيها من العام الماضي واستمروا مدة في صناعة الآلات الاصولية التي يصطنع بها اللوازم مثل السند الات والمخارط للحديد والقواديم والمناشير والتزجات ونحو ذلك وافردوا لكل حرفة وصناعة مكانا وصناعا يحتوي المكان على الانوال والدواليب والآلات الغريبة الوضع والتركيب لصناعة القطن وأنواع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 الحرير والاقمشة والمقصبات. وفي أواخر هذا العام جمعوا مشايخ الحارات والزموهم بجمع أربعة الاف غلام من أولاد البلد ليشتغلوا تحت أيدي الصناع ويتعلموا ويأخذوا اجرة يومية ويرجعوا لأهاليهم أواخر النهار فمنهم من يكون له القرش والقرشان والثلاثة بحسب الصناعة وما يناسبها وربما احتيج إلى نحو العشرة الاف غلام بعد اتمامها والمحتاج إليه في هذا الوقت القدر المذكور وهي كرخانة عظيمة صرف عليها مقادير عظيمة من الأموال. ومنها أنه ظهر بأراضي الأرز بالبحر الشرقي ناحية دمياط حيوان يخرج من البحر الشرقي في قدر الجاموس العظيم ولونه فيرعى الفدان من الزرع ثم يتقيأ أكثره وكان ظهوره من العام الماضي فيجتمع عليه الكثير من أهل الناحية ويرجمونه بالحجارة ويضربون عليه بنادق الرصاص فلا تؤثر في جلده ويهرب إلى البحر واتفق أنه ابتلع رجلا إلى أن اصيب في عينه وسقط وتكاثر عليه وقتلوه وسلخوا جلده وحشوه تبنا واتوا به إلى بولاق وتفرج عليه الباشا والناس وأخبرني غير واحد ممن رآه أنه اعظم من الجاموس الكبير طوله ثلاثة عشر قدما ولونه لونه وجلده املس ورأسه عظيم يشبه رأس ابن عرس وعيناه في اعلى دماغه واسع الفم وذنبه مثل ذنب السمك وارجله غلاظ مثل ارجل الفيل في أواخرها أربع ظلوف طوال واسفلها كخف الجمل وادخلوه إلى بيت الافرنج وانعم به الباشا على بغوص الترجمان الأرمني وهو يبيعه على الافرنج بثمن كبير. ومنها أن امرأة يقال لها: الشيخة رقية تتزر بمئزر أبيض وبيدها خيزرانة وسبحة تطوف على بيوت الأعيان وتقرأ وتصلي وتذكر على السبحة ونساء الأكابر يعتقدون فيها الصلاح ويسألن منها الدعاء وكذلك الرجال حتى بعض الفقهاء وتجتمع على الشيخ العالم المعتقد الشيخ تعيلب الضرير ويكثر من مدحها للناس فيزدادون فيها اعتقادا ولها بمنزل خليل بك طوقان النابلسي مكان مفرد تأوي إليه على حدتها وإذا دخلت بيتا من البيوت قام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 اليها الخدم واستقبلوها بقولهم نهارنا سعيد ومبارك ونحو ذلك وإذا دخلت على الستات قمن إليها وفرحن بقدومها وقبلن يدها وتبيت معهن ومع الجواري فذهبت يوما إلى دار الشيخ عبد العليم الفيومي وذلك في شهر شوال فتمرضت أياما وماتت فضجوا وتأسفوا عليها واحبوا تغيير ما عليها من الثياب فرأوا شيئا نعجز ما بين افخاذها فظنوه صرة دراهم وإذا هو آلة الرجال الخصيتان والذي فوقهما فبهت النساء وتعجبن وأخبروا الشيخ تعيلب بذلك فقال: استروا هذا الأمر وغسلوه وكفنوه وواروه في التراب ووجدوا في جيبه مراة وموسى وملقاطا وشاع أمره واشتهر وتناقله الناس بالتحدث والتعجب. ومنها زيادة النيل في هذا العام الزيادة المفرطة التي لم نسمع ولم نر مثلها حتى غرق الزروع الصيفية مثل الذرة والنيلة والسمسم والقصب والأرز وأكثر الجنائن بحيث صار البحر وسواحله والملق لجة ماء وانهدم بسببه قرى كثيرة وغرق الكثير من الناس والحيوان حتى كان الماء ينبع بين الناس من وسط الدور واختلط بحر الجيزة ببحر مصر العتيتة حتى كانت المراكب تمشي فوق جزيرة الروضة وكثر عويل الفلاحين وصراخهم على ما غرق لهم من المزارع وخصوصا الذرة الذي هو معظم قوتهم وكثير من أهل البلاد ندبوا بالدفوف. ومنها أن الباشا زاد في هذه السنة الخراج وجعل على كل فدان ستة قروش وسبعة وثمانية وذكر أنها مساعدة على حروب الحجاز والخوارج فذهي الفلاحون بهاتين الداهيتين وهي زيادة النيل وزيادة الخراج في غير وقت وأوان فإن من عادة الفلاحين وأهل القرى إذا انقضت أيام الحصاد والدراوي وشطبوا أما عليهم من مال الخراج لملتزميهم ويكون ذلك مبادي زيادة النيل وارتفع عنهم الطلب وارتحلت كشاف النواحي وقائم مقام الملتزمين والصيارف والمعينون وخلت النواحي منهم فعند ذلك ترتاح نفوسهم وتجتمع حواسهم ويعملون اعراسهم ويجدون ملبوسهم ويزوجون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 بناتهم ويختنون صبيانهم ويشيدون بنيانهم ويصلحون جسورهم وحبوسهم فإذا أخذ النيل في الزيادة شرعوا في زراعة الصيف الذي هو معظم قوتهم وكسبهم حتى إذا انحسر الماء وانكشفت الأراضي وأن أوان التحضير وزراعة الشتوي من البرسيم والغلة وجدوا ما يسدون به مال التجهية وما يرقعون به أحوالهم من بهائم الحرث ومحاريث وتقاوي واجر عمال ونحو ذلك فدهموا هذه السنة بهاتين الآفتين الارضية والسماوية ورحل الكثير عن أهله ووطنه وكان ابتداء طلب هذه الزيادة قبل زيادة النيل ومجيء خبر النصرة فلما ورد خبر النصرة لم يرتفع ذلك. ومنها الاضطراب في المعاملة بالزيادة والنقص والمناداة عليها كل قليل والتنكيل والترك وبلغ صرف البندقي ثمانمائة وثمانين نصفا فضة والفرانسة أربعمائة نصف وعشرة والمحبوب أربعمائة وأربعين وهو المصري وأما الإسلامبولي فيزيد أربعين والمجر ثمانمائة نصف وأما هذه الانصاف وهي الفضة العددية فهي أسماء من غير مسميات لمنعها واحتكارها فلا يوجد منها في المعاملة بأيدي الناس إلا النادر جدا ولايوجد بالأيدي في محقرات الأشياء وغيرها إلا المجزأ بالخمسة والعشرة والعشرين وتصرف من اليهود والصيارف بالفرط والنقص ومن حصل بيده شيء من الانصاف عض عليه بالنواجذ ولايسمح بإخراج شيء منها إلا عند شدة الاضطرار اللازم. ومنها أن السيد محمد المحروقي انشأ ببركة الرطلي دار وبستانا في محل الأماكن التي تخربت في الحوادث وذلك أنه لما طرقت الفرنساوية الديار المصرية واختل النظام وجلا أكثر الناس عن اوطانهم وخصوصا سكان الاطراف فبقيت دور البركة خالية من السكان وكان بها عدة من الديار الجليلة منها دار حسن كتخدا الشعراوي وتابعه عمر جاويش وداره على سمته أيضا ودار علي كتخدا الخربطلي ودار قاضي البهار ودار سليمان اغا ودار الحموي وخلاف ذلك دور كانت جارية في وقف عثمان كتخدا القازدغلي وغيره وهذه الدور هي التي ادركناها بل وسكنا بها عدة سنين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 وكانت في الزمن الأول عدة دور مختصرة يسكنها أهل الرفاهية من أهالي البلد وكان بها بيت البكرية القديم بالناحية الجنوبية تجاه زاوية جدهم الشيخ جلال الدين البكري وكان الناس يرغبون في سكناها لطيب هوائها وانكشاف الريح البحري بها وليس في اتجاهها من البر الآخر سوى الأشجار والمزارع ويعبرها المراكب والسفائن والقنج في أيام النيل بالمتفرجين والمتنزهين وأهل الخلاعة بمزامرهم ومغانيهم ولصدى اصواتهم المطربة طرب آخر فلما انقشع عنها السكان تداعت الدور إلى الخراب وبقيت مسكنا للبوم والغراب مدة إقامة الفرنساوية فلما حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى وذلك سنة أربع عشرة ومائتين وألف وانقض الصلح بينه وبين الفرنساوية وحصلت المفاقمة ووقعت الحروب داخل البلدة واحتاطت الفرنساوية بجهات البلد وجرى ما تقدم ذكره في الحوادث السابقة وكان طائفة من الفرنساوية اتوا إلى هذه البركة وملكوا التل المعروف بتل ابو الريش وأخذوا يرمون بالمدافع والقنابر على أهل باب الشعرية وتلك النواحي فما انجلت الحروب حتى خربت بيوت البركة وما كان بتلك النواحي من الدور التي بظاهرها وبقيت كيمانا فحسن ببال السيد المذكور أن يجعل له سكنا هناك فاحتكر أراضي تلك المساكن من أربابها من مدة سابقة ثم تكاسل عن ذلك واشتغل بتوسعة دار سكنه التي بخطة الفحامين محل دكة الحسبة القديمة حتى اتمها على الوضع الذي قصده ثم شرع في السنة الماضية في انشاء سكن لخصوص نزاهته فشرع في تنظيف الاتربة واصلاح الأرض وانشأ دار متسعة وقيعانا وفسحات وهي مفروشة بالرخام وحولها بستان وغرس به أنواع الاشجار ودوالي الكروم وهي بمكان حسن كتخدا وما كان على سمته من الدور نحو الثلاثين وانشأ كاتبة السيد عمر الحسيني دارا عظيمة لخصوصه أخذ فيها باقي أراضي الأماكن وزخرفها وانتقل إليها بأهله وعياله وجعلها دارا لسكناه صيفا وشتاء وبنيا خارج ظاهرها حائطا يكون لدورهما سورا وعملا بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 بوابة تفتح وتقفل وكان بجوار ذلك جامع متخرب يسمى جامع الحريشي فعمره أيضا السيد محمد لمحروقي وأقام حوائطه واعمدته وسقفه وبيضه وأقام الخطبة آخر جمعة شهر المحرم وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر. فمات شيخ الإسلام وعمدة الانام الفقيه العلامة والنحرير الفهامة الشيخ محمد الشنواني نسبة إلى شنوان الغرف الشافعي الازهري شيخ الجامع الأزهر من أهل الطبقة الثانية الفقيه النحوي المعقولي حضر الأشياخ اجلهم الشيخ فارس وكالصعيد والدردير والفرماوي وتفقه على الشيخ عيسى البرواي ولازم دروسه وبه تخرج واقرأ الدروس وافاد الطلبة بالجامع المعروف بالفكهاني بالقرب من دار سكناه بخشقدم مهذب النفس مع التواضع والانكسار والبشاشة لكل أحد من الناس ويشمر ثيابه ويخدم بنفسه ويكنس الجامع ويسرج القناديل ولما توفي الشيخ عبد الله الشرقاوي اختاروه للمشيخة فامتنع وهرب إلى مصر العتيقة بعدما جرى ما تقدم ذكره من تصدر الشيخ محمد المهدي فأحضروه قهرا عنه وتلبس بالمشيخة مع ملازمته لجامع الفاكهاني كعادته واقبلت عليه الدنيا فلم يتهنا بها واعترته الامراض وتعلل بالزخير اشهرا ثم عوفي ثم بآخره بالبرودة وانقطع بالدار كذلك اشهرا ولم يزل منقطعا حتى توفي يوم الأربعاء رابع عشري المحرم وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم ودفن بتربة المجاورين وله تاليف منها حاشية جليلة على شرح الشيخ عبد السلام عي الجوهرة مشهورة بايدي الطلبة وكان يجيد حفظ القران ويقرا مع فقهاء الجوقة في الليالي وتقلد المشيهة بعده الشيخ العلامة السيد محمد ابن شيخنا الشيخ أحمد العروسي من غير منازع وبإجماع أهل الوقت ولبس الخلع من بيوت الأعيان مثل البكري والسادات وباقي أصحاب المظاهر ومن يحب لتظاهر. ومات العمدة الشيخ محمد بن أحمد بن محمد المعروف هو بالدواخلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 الشافعي ويقال له: السيد محمد لأن اباه تزوج بفاطمة بنت السيد عبد الوهاب البرديني فولد له المترجم منها ومنها جاءه الشرف وهم من محلة الداخل بالغربية وولد المترجم بمصر وتربي في حجر أبيه وحفظ القرآن واجتهد في طلب العلم وحضر الأشياخ من أهل وقته كالشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ مصطفى الصاوي وخلافه من أشياخ هذا العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي في فقه مذهبه وغيره من المعقولات ملازمة كلية وانتسب له وصار من اخص تلامذته ولما مات السيد مصطفى الدمنهوري الذي كان بمنزلة كتخداه قام مقامه واشتهر به واقرأ الدروس الفقهية والمعقوله وحف به الطلبة وتداخل في قضايا الدعاوي والمصالح بين الناس واشتهر ذكره وخصوصا أيام الفرنساوية حين تقلد شيخه رآسه ديوانهم وانتفع في أيامهم انتفاعا عظيما من تصديه لقضايا نساء الأمراء المصرية وغيرهم ومات والده فأحرز ميراثه وكذلك لما قتل عديله الحاج مصطفى البشتيلي في الحرابة ببولاق لا عن وارث فاستولى على تعلقاته واطيانه وبستانه التي ببشتيل واستع حاله واشترى العبيد والجواري والخدم ولما ارتحل الفرنساوية ودخلها العثمانيون انطوى إلى السيد أحمد المحروقي لأنه كان يراسله سرا بالأخبار حين خرج مع العثمانيين في الكسرة إلى الشام فلما رجع فراعاه وراشاه ونوه بذكره عند أهل الدولة وفي أيام الأمراء المصريين حين رجعوا إلى مصر بعد قتل طاهر باشا في سنة ثمان عشرة واحتوى على رزق واطيان وحصص التزام ولبس الفراوي بالأقبية وركب البغال واحدق به الأشياخ والاتباع وعنده ميل عظيم للتقدم والرياسة ولايقنع بالكثير ولما وقع ما وقع في ولاية محمد علي باشا وانفرد السيد عمر أفندي في الرياسة وصار بيده مقاليد الأمور ازداد به الحسد فكان هو من اكبر الساعين عليه سرا مع المهدي وباقي الأشياخ حتى أوقعوا به واخرجه الباشا من مصر كما تقدم فعند ذلك صفا لهم الوقت وتقلد المترجم النقابة بعد موت الشيخ محمد بن وفأ وركب الخيول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 ولبس التاج الكبير ومشت إمامه الجاويشية والمقدمون وأرباب الخدم وازدحم بيته بأرباب الدعاوي والشكاوي وعمر دار سكنهم القديمة بكفر الطماعين وادخل فيها دورا وانشأ تجاهها مسجدا لطيفا وجعل فيه منبرا وخطبة وعمر دارا ببركة جناق واسكنها إحدى زوجاته وداخله الغرور وظن أن الوقت قد صفا له فأول ما بتدأه به الدهر من نكباته أن مات ولده أحمد وكان قد ناهز البلوغ ولم يكن له من الأولاد الذكور غيره فوجد عليه وجدا شديدا حتى كان يتكلم بكلام نقمه الناس عليه وعمل ميتما ودفنه بمسجده تجاه بيته وعمل عليه مقاما ومقصورة مثل المقامات التي تقصد للزيارة وكان موته في منتصف سنة تسع وعشرين ووقعت حادثة قومه العسكر على الباشا في أواخر شهر شعبان من السنة المذكورة والمترجم إذ ذاك من أعيان الرؤوس يطلع وينزل في كل ليلة إلى القلعة ويشار إليه ويحل ويعقد في قضايا الناس ويسترسل معه الباشا كما تقدم ذكه ذلك وداخله الغرور الزائد ولقد تطأول على كبار الكتبة الاقباط وغيرهم ويراجع الباشا في مطالبه بعد انقضاء الفتنة إلى أن ضاق صدر الباشا منه وأمر بإخراجه ونفيه إلى دسوق وذلك في سنة إحدى وثلاثين فأقام بها اشهرا ثم توجه بشفاعة السيد المحروقي إلى المحلة الكبرى فلم يزل بها متقلق الحواس منحرف المزاج متكدر الطبع وكل قليل يراسل السيد المحروقي في أن يشفع فيه عند الباشا ليأذن له في الحج مرة يحتج بالمرض ليموت في داره فلم يؤذن له في شيء من ذلك ولم يزل بالمحلة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول من السنة ودفن هناك وكان رحمه الله يميل إلى الرياسة طبعا وفيه حدة مزاج وهي التي كانت سببا لموته بأجله رحمه الله تعالى وايانا. ومات الصدر المعظم والدستور المكرم الوزير طاهر باشا ويقال: إنه ابن اخت محمد علي باشا وكان ناظرا على ديوان الكمرك ببولاق وعلى الخمأمير ومصارفه من ذلك وشرع في عمارة داره التي بالأزبكية بجوار بيت الشراييبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 تجاه جامع ازبك على طرف الميري وهي في الاصل بيت المدني ومحمود حسن واحترق منه جانب ثم هدم أكثرهما وخرج بالجدار إلى الرحبة وأخذ منها جانبا وادخل فيه بيت رضوان كتخدا الذي يقال له: ثلاثة ولية تسمية له باسم العامودين الرخام الملتفين على مكسلتي الباب الخارج وشيد البناء بخرجات في العلو معددة وجعل بابه مثل باب القلعة ووضع في جهتيه العامودين المذكورين وصارت الدار كأنها قلعة مشيدة في غاية من الفخامة فما هو إلا أن قارب الاتمام وقد اعتراه المرض فسافر إلى الاسكندرية بقصد تبديل الهواء فأقام هناك أياما وتوفي في شهر جمادي الثانية وأحضروا رمته في أواخر الشهر ودفنوه بمدفنه الذي بناه محل بيت الزعفراني بجوار السيدة بقناطر السباع وترك ابنا مراهقا فابقاه الباشا على منصب أبيه ونظامه وداره. ومات الأمير ايوب كتخدا الفلاح وهو مملوك الأمير مصطفى جاويش تابع صالح الفلاح وكان آخر الأعيان المبجلين من جماعة الفلاح المشهورين وله عزوة واتباع وبيته مفتوح للواردين ويحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم وكان الباشا يجله ويقبل شفاعته وكذلك أكابر الدولة في كل عصر وعلى كل حال كان لابأس به توفي يوم الأربعاء لعشرين من شهر شعبان وقد جاوز سبعين رحمه الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 واستهل سنة أربع وثلاثين ومائتين والف . واستهل المحرم بيوم السبت وسلطان الإسلام السلطان محمود شاه ابن عبد الحميد بدار سلطنته إسلامبول ووالي مصر وحاكمها محمد علي باشا القوللي وكتخداه وباقي أرباب المناصب على حالهم وما هم عليه في العام الماضي. ووردت الأخبار من شرق الحجاز والبشائر بنصرة حضرة إبراهيم باشا على الوهابية قبل استهلال السنة بأربعة أيام فعند ذلك نودي بزينة المدينة سبعة أيام أولها الأربعاء سابع عشري الحجة ونصبت الصواوين خارج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 باب النصر عند الهمايل وكذلك صيوان الباشا وباقي الأمراء والأعيان خرجوا بأسرهم لعمل الشنك والحرائق واخرجوا من المدافع مائة مدفع وعشرة وتماثيل وقلاعا وسواقي وسواريخ وصورا من بارود بدأوا في عمل الشنك من يوم الأربعاء فيضربون بالمدافع مع رماحه الخيالة من أول النهار مقدار ساعة زمانية وربع قريبا من عشرين درجة ضربا متتابعا لا يتخلله سكون على طريقة الافرنج في الحروب بحيث أنهم يضربون المدفع الواحد اثنتي عشرة مرة وقيل أربع عشرة مرة في دقيقة واحدة فعلى هذا الحساب يزيد ضرب المدافع في تلك المدة على ثمانين ألف مدفع بحيث يتخيل الإنسان اصواتها مع اصوات بنادق الخيالة المترامحين رعودا هائلة ورتبوا المدافع أربعة صفوف ورسم الباشا أن الخيالة ينقسمون كذلك طوابير ويكمنون في الاعالي ثم ينزلون مترامحين وهم يضربون بالبنادق ويهجمون على المدافع في حال اندفاعها بالرمي فمن خطف شيئا من أدوات الطبجية الرماة يأتي به إلى الباشا ويعطيه البقشيش والانعام فمات بسبب ذلك أشخاص وسواس ويكون مبادىء نهاية وقوف الخيالة نهاية محط جلة المدفع فانهم عند طلوع الفجر يضربون مدافع معمروة بالجلل بعدد الطوابير فتستعد الخيالة ويقف كل طابور عند مرمى جلته ويأخذون اهبتهم من ذلك الوقت إلى بعد شروق الشمس ويبتدؤن في الرمي والرماحة الحصة المذكورة وبعد العشاء خيرة! لا يعمل كذلك الشنك برمي المدافع المتتالية المختلطة اصواتها بدون الرماحة ومع المدافع الحراقة والنفوط والسواريخ التي تصعد في الهواء وفيها من خشب الزان بدل القصب وكرنجة بارودها اعظم من تلك بحيث اناها تصعد من الأسفل إلى العلو مثل عامود النهار وأشياء آخر لم يسبق نظائرها تفنن في عملها الافرنج وغيرهم وحول محل الحراقة حلقة دائرة متسعة حولها الوف من المشاعل الموقدة وطلبوا لعمل أكياس بارود المدافع مائتي ألف ذراع من القماش البز وكان راتب الأرز الذي يطبخ في القزانات ويفرق في عراضي العساكر في كل يوم أربعمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 اردب وما يتبعها من السمن وهذا خلاف مطابخ الأعيان وما ياتيهم من بيوتهم من تعابي الاطعمة وغيرها واستمر هذا الضرب والشنك إلى يوم الثلاثاء رابع المحرم وأهل البلد ملازمون للسهر والزينة على الحوانيت والدور ليلا ونهارا وتكرار المناداة عليهم في كل يوم وركب حضرة الباشا وتوجه إلى داره بالازبكية وهدمت الصواوين والخيام وبطل الرمي ودخلت العساكر والبينبات بمتاعهم وعازتهم أفواجا إلى المدينة وذهبوا إلى دورهم ورفع الناس الزينة وكان معظمها حيث مساكن الافرنج والارمن فإنهم تفننوا في عمل التصاوير والتماثيل وأشكال السرج والفنيارات الزجاج والبلور وأشكال النجف ومعظمها في جهات المسلمين بخان الخليلي والغورية والجمالية وببعض الأماكن والخانات ملاهي واغاني وسماعات وقيان وجنك رقاصات هذاو التهيؤ والاشغال والاستعداد لعمل الدونانمة على بحر النيل ببولاق فصنعوا صورة قلعة بأبراج وقباب وزوايا وانصاف دوائر وخورنقات وطيقان للمدافع وطلوها وبيضوها ونقشوها بالألوان والاصباغ وصورة باب مالطة وكذلك صورة بستان على سفائن وفيه الطين ومغروس به الاشجار ومحيط به دار بزين مصبغ وبه دوالي العنب واشجار الموز والفاكهة والنخيل والرياحين في قصارى الطيفة على حافاته وصورة عربة يجرها افراس وبها تماثيل وصور جالسين وقائمين وتمثال مجلس وبه جنك رقاصات من تماثيل مصورة تتحرك بآلات ابتكار بعض المبتكرين لأن كل من تخيل بفكره شيئا ملعوبا أو تصويرا ذهب إلى الترسخانة حيث الاخشاب والصناع فيعمله على طرف الميري حتى يبرزه في الخارج ويأخذ على ابتكاره البقشيش وأكثرها لخصوص الحراقات والنفوط والبارود والسواريخ وغير ذلك وبعد انقضاء السبعة أيام المذكورة حصل السكون من يوم الثلاثاء المذكورة إلى يوم الأحد التالي له من الجمعة الأخرى مدة خمسة أيام في اثنائها اجتهد الناس من الأعيان وكل من له اسم من أكابر الناس وأهل الدائرة والافندية الكتبة حتى الفقهاء أرباب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 المناصب والمظاهر ومشايخ الافتاء والنواب والمتفرجين في نصب الخيام بحافتي النيل واستأجروا الأماكن المطلة على البحر ولو من البعد وتنافسوا واشتط أربابها في الاجرة حتى بلغ اجرة حقر طبقة بمثل وكالة الفسيخ إلى خمسمائة قرش وزيادة وكان الباشا أمر بإنشاء قصر لخصوص جلوسه بالجزيرة تجاه بولاق قبلي قصر ابنه إسمعيل باشا وتمموا بياضه ونظامه في هذه المدة القليلة فلما كان ليلة الإثنين وهو يوم عاشوراء خرج الباشا في ليلته وعدى إلى القصر المذكور وخرج أهل الدائرة والأعيان إلى الأماكن التي استاجروها وكذلك العامة أفواجا وأصبح يوم الإثنين المذكور فضربت المدافع الكثيرة التي صففوها بالبرين وزين أهالي بولاق اسواقهم وحوانيتهم وأبواب دورهم ودقت الطبول المزأمير والنقرزانات في السفائن وغيرها وطبلخانة الباشا تضرب في كل وقت والمدافع الكثيرة في ضحوة كل يوم وعصره وبعد العشاء كذلك وتوقد المشاعل وتعمل أصناف الحراقات والسواريخ والشعل وتتقابل القلاع المصنوعة على وجه الماء ويرمون منها المدافع على هيئة المتحاربين وفيها فوانيس وقناديل وهيئة باب مالطة بوابة مجسمة مقوصرة لها بدنات ويرى بداخلها سرج وشعل ويخرج منها حراقات وسواريخ وغالب هذه الاعمال من صناعة الافرنج وأحضروا سفائن رومية صغيرة تسمى الشلنبات يرمى منها مدافع وشنابر وشيطيات وغلايين مما يسير في البحر المالح وفي جميعها وقدات وسرج وقناديل وكلها مزينة بالبيارق الحرير والأشكال المختلفة الألوان ودبوس اوغلي ببولاق التكرور وعنده أيضا الحراقات الكثيرة والشعل والمدافع والسواريخ وبالجيزة عباس بك بن طوسون باشا والنصارى الارمن بمصر القديمة وبولاق والافرنج وابرز الجميع زينتهم وتماثيلهم وحرائقهم وعند الأعيان حتى المشايخ في القنج والسفائن المعدة للسروح والتفرج والنزاهة والخروج عن الاوضاع الشرعية والادبية واستمروا على ما ذكر إلى يوم الإثنين سابع عشره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 وفي ذلك اليوم وصل عبد الله بن مسعود الوهابي ودخل من باب النصر وصحبته عبد الله بكتاش قبطان السويس وهو راكب على هجين وبجانبه المذكور وإمامه طائفة من الدلاة فضربوا عند دخوله مدافع كثيرة من القلعة وبولاق وخلافهما وانقضى أمر الشنك وخلافه من ساحل النيل وبولاق ورفعوا الزينة وركب الباشا إلى قصر شبرا في تلك السفينة وانفض الجمع وذهبوا إلى دورهم وكان ذلك من اغرب الاعمال التي لم يقع نظيرها بأرض مصر ولا ما يقرب من ذلك ومطبخ الميري يطبخ به الأرز على النسق المتقدم والاطعمة ويؤتى لأرباب المظاهر منها في وجبتي الغداء والعشاء خلاف المطابخ الخاصة بهم وما يأتيهم من بيوتهم وأما العامة والمتفرجون من الرجال والنساء فخرجوا أفواجا وكثر زحامهم في جميع الطرق الموصلة إلى بولاق ليلا ونهارا باولادخم وأطفالهم ركبانا ومشاة وقد ذهب في هاتين الملعبتين من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر وأهل الاستحقاق يتلظون من الفشل والتفليس مع ما هم فيه من غلاء الاسعار في كل شيء وانعدام الادهان وخصوصا السمن والشيرج والشحم فلا يوجد من ذلك الشيء اليسير إلا بغاية المشقة ويكون على حانوت الدهان الذي يحصل عنده بعض السمن شدة الزحام والصياح ولا يبيع بأزيد من خمسة انصاف وهي اوقية اثنا عشر درهما! بما فيها من الخلط واعوان المحتسب مرصدون لمن يرد من الفلاحين والمسافرين بالسمن فيحجزونه لمطالب الدولة ومطابخهم ودورهم في هذه الولائم والجمعيات ويدفع لهم ثمنه على موجب التسعيرة ثم يوزع ما يوزعه وهو الشيء القليل على المتسببين وهم يبيعونه على هذه الحالة ومثل ذلك الشيرج وخلافه حتى الجبن القريش. وفيه وصل عبد الله الوهابي فذهبوا به إلى بيت إسمعيل باشا بن الباشا فأقام يومه وذهبوا به في صبحها عند الباشا بشبرا فلما دخل عليه قام له وقابله بالبشاشة واجلسه بجانبه وحادثه وقال له: ما هذه المطاولة فقال: الحرب سجال قال: وكيف رايت إبراهيم باشا قال: ما قصر وبذل همته ونحن كذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 حتى كان ما كان قدره المولى فقال: أنا إن شاء الله تعالى اترجى فيك عند مولانا السلطان فقال: المقدر يكون ثم البسه خلعة وانصرف عنه إلى بيت إسمعيل باشا ببولاق ونزل الباشا في ذلك اليوم السفينة وسافر إلى جهة دمياط وكان بصحبة الوهابي صندوق صغير من صفيح فقال له: الباشا ما هذا فقال: هذا ما أخذه ابي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان وفتحه فوجد به ثلاثة مصاحف قرانا مكلفة ونحو ثلثمائة حبة لؤلؤ كبار وحبة زمرد كبيرة وبها شريط ذهب فقال له: الباشا الذي أخذه من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا فقال: هذا الذي وجدته عند ابي فإنه لم يستاصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذ كذلك كبار العرب وأهل المدينة واغوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا: صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره سافر عبد الله بن مسعود إلى جهة الاسكندرية وصحبته جماعة من الططر إلى دار السلطنة ومعه خدم لزومه. واستهل شهر صفر بيوم الإثنين سنة 1234 وفيه ثالثه وصل طائفة من الحجاج المغاربة يوم الأربعاء وصحبتهم حجاج كثيرة من الصعائدة وأهل القرى فدخلوا على حين غفلة وكان الرئيس فيهم شخص من كبار عرب أولاد علي يسمى الحبالي وهذا لم يتفق نظيره فيما وعيناه وسببه امن الطريق وانكماش العربان وقطاع الطرق. وفيه أخبر المخبرون بأن الباشا أقام بدمياط أياما قليلة ثم توجه إلى البرلس ويزل في نقيرة وذهب إلى الاسكندرية على ظهر البحر المالح وقد استعد أهلها لقدومه وزينوا البلد والذي تولى الاعتناء بذلك طائفة الفرنج فانهم نصبوا طريقا من باب البلد إلى القصر الذي هو سكن الباشا وجعلوا بناحيتيه يمنى ويسرى أنواع الزينة والتماثيل والتصاوير والبلور والزجاج والمرايات وغير ذلك من البدع البديعة الغريبة. وفي غايته وصل الحاج المصري ودخلوا ارسالا شيئا فشيئا ومنهم من دخل ليلا وخصوصا ليلة الإثنين وفي صبحه دخل حسن باشا ارنؤد الذي كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 مقيما بجدة وفي ذلك اليوم دخل بواقي الحجاج إلى منازلهم. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء سنة 1234 في صبحه دخلوا بالمحل المدينة وأكثر الناس لم يشعر بدخوله وهذا لم يتفق فيما نعلم تاخر الحاج إلى شهر ربيع الاول. وفي ليلة الثلاثاء ثامنه احترق سوق الشرم والجملون والكائن اسفل جامع الغورية بما فيه من الحوانيت وبضائع التجار والاقمشة الهندية وخلافها فظهرت به النار من بعد العشاء الاخيرة فحضر الوالي واغات التبديل فوجدوا الباب الذي من جهة الغورية مغلقا من داخل وكذلك الباب الذي من الجهة الأخرى وهما في غاية المتانة فلم يزالوا يعالجون فتح الباب بالعتالات والكسر إلى بعد نصف الليل والنار عمالة من داخل وهرب الخفير واحترق ليوان الجامع البراني والدهليز وأخذوا في الهدم وصب المياه بآلات القصارين مع صعوبة العمل بسبب علو الحيطان الشاهقة والاخشاب العظيمة والاحجار الهائلة والعقود فلم يخمد لهب النار إلا بعد حصة من النهار وسرحت النار في اخشاب الجامع التي بداخل البناء ولم يزل الدخان صاعدا منها وسقط الشبابيك النحاس العظام وبقيت مفتتة ومكلسة واستمر العلاج في اطفاء الدخان ثلاثة أيام ولولا لطف المولى وتأخير فتح الباب لكونه مصفحا بالحديد فلم تعمل فيه النار فهو لم يكن كذلك لاحترق وسرحت النار إلى الحوانيت الملاصقة به وهي كلها اخشاب ويعلوها سقائف اخشاب كذلك ومن فوق الجميع السقيفة العظيمة الممتده على السوق من أوله إلى آخره وهي في غاية العلو والارتفاع وكلها اخشاب وحجنة وسهوم وبراطيم من اعلى ومن اسفل لحملها من الجهتين ومن ناحيتها الرباع والوكائل والدور وحيطان الجميع من الحجنة والاخشاب العتيقة التي تشتعل بأدنى حرارة فلو وصلت النار والعياذ بالله تعالى إلى هذه السقيفة لما امكن اطفاؤها بوجه وكان حريقا دوميا ولكن الله سلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 وفي يوم السبت ثاني عشره حضر السيد عمر أفندي نقيب الاشراف سابقا وذلك أنه لما حصلت النصرة والمسرة للباشا فكتب إليه مكتوبا بالتهنئة وارسله مع حفيده السيد صالح إلى الاسكندرية فتلقاه بالبشاشة وطفق يسأله عن جده فيقول له: بخير ويدعوا لكم فقال له: هل في نفسه شيء أو حاجة نقضيها له فقال: لا يطلب غير طول البقاء لحضرتكم ثم انصرف إلى المكان الذي نزل به فأرسل إليه في ثاني يوم عثمان السلانكي ليسأله ويستفسره عما عسى أن يستحى من مشافهة الباشا بدكره فلم يزل يلاطفه حتى قال: لم يكن في نفسه إلا الحج إلى بيت الله أن أذن له افندينا بذلك فلما عاد بالجواب نعم عليه بذلك واذن له بالذهاب إلى مصر وأن يقيم بداره إلى أوان الحج أن شاء برا وأن شاء بحرا وقال: أنا لا أتركه في الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة والآن لم يبق شيء من ذلك فإنه ابي وبين وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف وكتب له جوابا بالإجابة وصورته بحروفه مظهر الشمائل سنيها حميد الشؤون وسميها سلالة بيت المجد الاكرم والدنا السيد عمر مكرم دام شانه أما بعد فقد ورد الكتاب اللطيف من الجناب الشريف تهنئة بما انعم الله علينا وفرحا بمواهب تأييده لدينا فكان ذلك مزيدا في السرور ومستديما لحمد الشكور ومجلبة لثناكم واعلانا بنيل مناكم جزيتم حسن الثناء مع كمال الوقار ونيل المنى هذا وقد بلغنا نجلكم عن طلبكم الاذن بالحج إلى البيت الحرام وزيارة روضته عليه الصلاة والسلام للرغبة في ذلك والترجي لما هنالك وقد اذناكم في هذا المرام تقربا لذي الجلال والاكرام ورجاء لدعواتكم بتلك المشاعر العظام فلا تدعوا الابتهال ولا الدعاء لنا بالقال والحال كما هو الظن في الطاهرين والمامول من الاصفياء المقبولين والواصل لك جواب منا خطابا إلى كتخدائنا ولكم الاجلال والاحترام مع جزيل الثناء والسلام وأرسل إليه المكتوبين صحبة حفيده السيد صالح وأرسل إلى كتخدا بك كتابا وصل إليه قبل قدومه فأرسل الكتخدا ترجمانه إلى منزله ليبشرهم بذلك واشيع خبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 مقدمة فكان الناس بين مصدق ومكذب حتى وصل في اليوم المذكور إلى بولاق فركب من هناك وتوجه إلى زيارة الإمام الشافعي وطلع إلى القلعة وقابل الكتخدا وسلم عليه وهنئه الشعراء بقصائدهم واعطاهم الجوائز واستمر ازدحام الناس أيام ثم امتنع عن الجلوس في المجلس العام نهارا واعتكف بحجرته الخاصة فلا يجتمع به إلا بعض من يريده من الافراد فانكف الكثير عن الترداد وذلك من حسن الرأي. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1234 فيه حصل الاهتمام بحفر الترعة المعروفة بالاشرفية الموصلة إلى الاسكندرية وقد تقدم في العام الماضي بل والذي قبله اهتمام الباشا ونزل إليها المهندسون ووزنوا ارضها وقاسوا طولها وعرضها وعمقها المطلوب ثم اهمل أمرها لقرب مجيء النيل وتركوا الشغل في بمدئها ولم يترك الشغل في منتهاها عند الاسكندرية بالقرب من عامود السواري فحفورا هناك منبتها وهي بركة متسعة وحوطوها بالبناء المحكم المتين وهي مرسى المراكب التي تعبر منها إلى الاسكندرية بدلا عن البعاز وهو ملتقى البحرين وما يقع فيه من تلف المراكب فتكون هذه اسلم واقرب واقل كلفة أن صحت بل واقرب مسافة ونزل الأمر لكشاف الاقاليم بجمع الفلاحين والرجال على حساب مزارع القدادين فيحصون رجال القرية المزارعين ويدفعون للشخص الواحد عشرة ريالات ويخصم له مثلها من المال وإذا كان له شريك واحب المقام لأجل الزرع الصيفي اعطاه حصته وزاده عليها حتى يرضي خاطره وزوده بما يحتاج إليه أيضا وعند العمل يدفع لكل شخص قرش في كل يوم ويخرج أهل القرية أفواجا ومعهم انفار من مشايخ البلاد ويجتمعون في المكان المأمورين باجتماعهم فيه ثم يسيرون مع الكاشف الذي بالناحية ومعهم طبول وزمور وبيارق ونجارون وبناؤن وحدادون وفرضوا على البلاد التي فيه النخيل غلقانا ومقاطف وعراجين وسلبا وعلى البنادر فؤسا ومساحي شيء كثير بالثمن وطلبوا أيضا طائفة الغواصين لأنهم كانوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 إذا تسفلوا في قطع الأرض في بعض المواضع منها ينبع الماء قبل الوصول إلى الحد المطلوب. وفي يوم الخميس عشرينه ورد مرسوم من الباشا بعزل كتخدا بك عن منصب الكتخدائية وتولية محمود بك فيها عوضا عنه وحضر محمود بك في ذلك اليوم قادما من الاسكندرية وطلع إلى القلعة وحضر أيضا حسن باشا وكان قد ذهب إلى الاسكندرية ليسلم على الباشا لكونه كان بالديار الحجازية المدة المديدة وحضر إلى مصر والباشا بالإسكندرية فتوجه إليه وأقام معه أياما وعاد إلى مصر صحبة محمود بك وحضرأيضا إبراهيم أفندي من إسلامبول وهو ديوان أفندي الباشا فتقلد في نظر الاطيان والرزق والالتزام عوضا عن محمود بك. واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1234 في سابعه يوم الخميس ضربت مدافع كثيرة وقت الشروق بسبب ورود نجابة من الديار الحجازية باستيلاء خليل باشا على يمن الحجاز صالحا. وفيه وصلت الأخبار أيضا عن عبد الله بن مسعود أنه لما وصل إلى إسلامبول طافوا به البلدة وقتلوه عند باب همايون وقتلوا اتباعه أيضا في نواح متفرقة فذهبوا مع الشهداء. وفيه اشيع وصول قابجي كبير من طرف الدولة يقال له: قهوجي باشا إلى الاسكندرية وورد الأمر بالاستعداد لحضوره مع الباشا فطلعوا بالمطابخ إلى ناحية شبرا وطلبت الخيول من الربيع واستمر خروج العساكر ودخولهم وكذلك طبخ الاطعمة وفي كل يوم يشيعون الورود فلم يأت أحد ثم ذكروا أن ذلك القابجي حين قرب من الاسكندرية رده الريح إلى رودس واستمر هذا الريح إلى آخر الشهر. وفيه قوي الاهتمام بأمر حفر الترعة المتقدم ذكرها وسبقت الرجال والفلاحون من الاقاليم البحرية وجدوا في العمل بعدما حددوا لكل أهل إقليم اقصابا توزع على أهل كل بلد من ذلك الإقليم فمن اتم عمله المحدود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 انتقل إلى مساعدة الآخرين وظهر في حفر بعض الأماكن منها صورة أماكن ومساكن وقيعان وحمام بعقوده واحواضه ومغاطسه ووجد ظروف بداخلها فلوس نحاس كفرية قديمة وأخرى لم تفتح لا يعلم مافيها رفعوها للباشا مع تلك. وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه حضر الباشا إلى شبرا ووصل في أثره قهوجي باشا وعملوا له موكبا في صبيحة يوم الخميس وطلعوا إلى القلعة ومع الاغا المذكور ما أحضره برسم الباشا وولده إبراهيم باشا الذي بالحجاز وهو خلعتا سمور لكل واحد خلعة وخنجر مجوهر لكل واحد وشلنجان مجوهران وساعة جوهر وغير ذلك وقريء الفرمان بحضرة الجمع وفيه الثناء الكثير على الباشا والعفو عمن بقي من الوهابية وبعد القراءة ضربت مدافع كثيرة وكذلك عند ورودهم واستمر ضرب المدافع ثلاثة أيام في جميع الأوقات الخمس ونزل القابجي المذكور ببيت طاهر باشا ب الأزبكية وحضر أيضا عقبه أطواخ لكل من عباس بك بن طوسون باشا بن الباشا ولأحمد بك ابن طاهر باشا وفي ضمن الفرمان الاذن للباشا بتولية امريات وقبجيات لمن يختار. وفي صبحها يوم الجمعة خلع الباشا على أربعة أو خمسة من أمرائه بقبجيات باشا وهم علي بك السلانكلي قابجي باشا وحسن اغا ازرجانلي كذلك وخليل أفندي حاكم رشيد وشريف بك. واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1234 وفيه حضر محمد بك الدفتردار من الجهة القبلية فأقام أياما وعاد إلى قبلي وفي أواخره رجع الكثير من فلاحين الاقاليم إلى بلادهم من الاشرفية وهم الذين اتموا ما لزمهم من العمل والحفر ومات الكثير من الفلاحين من البرد ومقاساة التعب. وفي هذا الشهر حصل بعض موت بالطاعون فداخل الناس وهم يسبب ما حدث في أكابر الدولة والنصارى من التحجب وعمل الكورنتينات وهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 التباعد من الملامسة وتبخير الأوراق والمجالس ونحو ذلك. واستهل شهر رجب بيوم الإثنين سنة 1234 في خامسه مات عبود النصراني كاتب الخزينة وكان مشكور السيرة في صناعته وعنده مشاركة ودعوى عريضة ودعوى علم ويتكلم بالمناسبات والآيات القرآنية ويضمن انشاءاته ومراسلاته آيات وأمثالا وسجعات وأخذ دار القيسرلي بدرب الجنينة وما حولها وانشأها دارا عظيمة وزخرفها وجعل بها بستانا ومجالس مفروشة بالرخام الملون وفساقي وشاذروانات وزجاج بلور وكل ذلك على طرف الميري وله مرتب واسع وكان الباشا يحبه ويثق به ويقول: لولا الملامة لقلدته الدفتردارية. وفي سابعه حضر إلى مصر حاكم يافا المعروف بمحمد بك ابو نبوت معزولا عن ولايته فأرسل إلى الباشا يستأذنه في الحضور إلى مصر فاطلق له الاذن فحضر فانزله بقصر العيني وصحبته نحو الخمسمائة مملوك وأجناد واتباع واجتمع بالباشا واجله وسلم عليه وأقام معه حصة من الليل ورتب له مرتبا عظيما وعين له ما يقوم بكفايته وكفاية اتباعه فمن جملة ما رتب له ثلاثة الاف تذكرة كل تذكرة بالفين وستمائة نصف فضة في كل شهر وذلك خلاف المعين واللوازم من السمن والخبز والسكر والعسل والحطب والأرز والفحم والشمع والصابون فمن الأرز خاصة في كل يوم اردبان وللعليق خمسة وعشرون اردبا في كل يوم. وفي يوم السبت ثالث عشره سافر قهوجي باشا عائدا إلى إسلامبول واحتفل به الباشا احتفالا زائدا وقدم له ولمخدومه وأرباب الدولة من الأموال والهدايا والخيول والبن والأرز والسكر والشربات وتعابي الاقمشة الهندية وغيرها شيئا كثيرا وكذلك قدم له أكابر الدولة هدايا كثيرة ولأنه لما حضر إلى مصر قدم لهم هدايا فقابلوه بأضعافها وعندما سافر احتجب الباشا وأمر كل من كان يلازم ديوانه بالانصراف والتحجب فتكرتن منهم من تكرتن في داره ومنهم في القصور وسافر مع قهوجي باشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 سليمان اغا السلحدار وشربتشي باشا وآخرون لتشييعه إلى الاسكندرية. وفي يوم الخميس ثامن عشره حضر بواقي الوهابية بحريمهم وأولادهم وهم نحو الأربعمائة نسمة واسكنوا بالقشلة التي بالابكية وابن عبد الله ابن مسعود بدر عند جامع مسكة وخواصه من غير حرج عليهم وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون على المشايخ وغيرهم ويمشون في الأسواق ويشترون البضائع والاحتياجات. واستهل شهر شعبان سنة 1234 وفيه وصل جماعة هجانة من جهة الحجاز وصحبتهم ابن حمود أمير يمن الحجاز وذلك أنه لما مات ابوه تامر عوضه واظهر الطاعة وعدم المخالفة للدولة فلما توجه خليل باشا إلى اليمن اخلى له البلاد واعتزل في حصن له ولم يخرج لدفعه ومحاربته كما فعل ابوه وترددت بينهما المراسلات والمخادعات حتى نزل من حصنه وحضر عند خليل باشا فقبض عليه وارسله مع الهجانة إلى مصر وفيه صرفوا الفلاحين عن العمل في الترعة لأجل حصاد الزرع ووجهوا عليهم طلب المال. واستهل شهر رمضان سنة 1234 والباشا مكرتن بشبرا ولم يطلع إلى القلعة كعادته في شهر رمضان. وفي ثامن عشرينه طلع إلى القلعة وعيد بها. واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1234 وفي رابع عشره الموافق لآخر يوم من شهر ابيب نودي بوفاء النيل وكان الباشا سافر إلى جهة الاسكندرية بسبب ترعة الاشرفية وأمر حكام الجهات بالارياف بجمع الفلاحين للعمل فأخذوا في جمعهم فكانوا يربطونهم قطارات بالحبال وينزلون بهم المراكب وتعطلوا عن زرع الدراوي الذي هو قوتهم وقاسوا شدة بعد رجوعهم من المرة الأولى بعد ما قاسوا ما قاسوه ومات الكثير منهم من البرد والتعب وكل من سقط اهالوا عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 من تراب الحفر ولو فيه الروح ولما رجعوا إلى بلادهم للحصيدة طولبوا بالمال وزيد عليهم عن كل فدان حمل بعير من التبن وكيله قمع! وكيلة فول وأخذ ما يبيعونه من الغلة بالثمن الدون والكيل الوافر فما هم إلا والطلب للعود إلى الشغل في الترعة ونزح المياه التي لا ينقطع نبعها من الأرض وهي في غاية الملوحة والمرة الأولى كانت في شدة البرد وهذه المرة في شدة الحر وقلة المياه العذبة فينقلونها بالروايا على الجمال مع بعد المسافة وتأخر ري الاسكندرية. وفي سابع عشرينه ارتحل ركب الحجاج من البركة واميرالحاج وأمير الحاج عابدين بك اخو حسن باشا. واستهل شهر ذي القعدة سنة 1234 والعمل في الترعة مستنر. واستهل شهر ذي الحجة سنة 1234 وفي منتصفه سافر الباشا إلى الصعيد وسافر صحبته حسن باشا طاهر ومحمد اغا لاظ المنفصل عن الكتخدائية وحسن اغا ازرجانلي وغيرهم من أعيان الدولة. وفيه وصل الخبر بموت سليمان باشا حاكم عكا وهو من مماليك أحمد باشا الجزار. وفي أواخره وصل ابن إبراهيم باشا وصحبته حريم أبيه فضربوا لوصولهم مدافع وعملوا للصغير موكبا ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة. وانقضت السنة وما تجدد بها من الحوادث التي منها زيادة النيل الزيادة المفرطهةأكثر من العام الماضي وهذا من النوادر وهو الغرق في عامين متتابعين واستمر أيضا في هذه السنة إلى منتصف هاتور حتى فات أوان الزراعة وربما نقص قليلا ثم يرجع في ثاني يوم أكثر ما نقص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 ودخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف فكان أول المحرم بالهلال يوم الخميس فيه وما قبله بايام حصل بالارياف بل وبداخل المدينة انزعاجات بسبب تواتر سرقات واشاعة سروح مناسر وحرامية وعمر الناس أبواب الدور والدروب وحصل منع الناس من المسير والمشي بالازقة من بعد الغروب وصار كتخدا بك واغات التبديل والوالي يطوفون ليلا بالمدينة وكل من صادفوه قبضوا عليه وحبسوه ولو كان مما لا شبهة فيه واستمر هذا الحال إلى آخر الشهر. وفي سابع عشرينه حضر الباشا من الصعيد بعد أن وصل في سرحته إلى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه إلى قبلي اقاويل منها أنه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فانهم استفحل امرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها أنه يريد التجريد أيضا وأخذ بلاد دار فور والنوبة ويمهد طريق الوصول إليها ومنها أنهم قالوا: إنه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وأن ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه وأما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك أنه ظهر بأرض احجار خضر تشبه الزمرد وليست اياه وبما كان آخر شيء أسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد أخبرني اخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي أنه أخذ منه قطعة وذهب بها إلى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها إلى بوط آخر ولم يزل يعالجها بطول النهار واحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم. وفيه حضر أيضا جماعة من الوهابية وانزلوا بدار بحارة عابدين. واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1235 في غرته سافر محمد اغا المعروف بأبو نبوت الشامي إلى دار السلطنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 باستدعاء من الدولة وذلك أنه لما حضر إلى مصر ونزل برحاب الباشا كما تقدم وكاتب الباشا في شأنه إلى الدولة فحضر الأمر بطلبه واوكد بالإكرام فعند ذلك هيأ له الباشا ما يحتاج إليه من هدية وغيرها وتعين للسفر صحبته خمسة وثلاثون شخصا أرسل إليهم الباشا كساوي وفراوي وترك باقي اتباعه بمصر انزلوهم في دار بسويقة اللالا وهم يزيدون عن المائتين ويصرف لهم الرواتب في كل يوم والشهرية. وفيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من الوهابية نساء وبنات وغلمانا نزلوا عندالهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع أنهم مسلمون واحرار. وفي منتصفه مات مصطفى اغا وكيل دار السعادة سابقا ومات أيضا الشيخ عبد الرحن القرشي الحنفي. وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكذلك كثرت الحمى بأرض مصر وكأنها تناقلت من أرض الحجاز. وفي حادي عشرينه وصل إبراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله إلى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الأعيان واجتمعت نساء أكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان انشأه ولي خوجة وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسرا من الروضة إلى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر إلى البر وردموه بالاتربه من فوق الاخشاب. وفي ذلك اليوم وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع إلى القلعة في موكب. وفي يوم الخميس حادي عشرينه وعند وصول إبراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة أيام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 بما امكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات وأما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فانهم ابدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل وأشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك ويأخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الانكار والكتمان. ولما أصبح يوم الجمعة وقد عدى إبراهيم باشا إلى بر مصر رتبوا له موكبا ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد ارخى لحيته بالحجاز وحضر والده إلى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب إلى القلعة ثم رجع سائرا بالهيئة الكاملة إلى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب إلى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر باليل وعمل الحراقات وضرب المدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة أيام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الاخطاط ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى أن المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم فلما اقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة فلم يجبهم ولا بالاشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأحد سنة 1235 في ثامنه مات ابن إبراهيم باشا وهو الذي تقدمه في المجيء إلى مصر وعملوا له الموكب وعمره نحو ست سنوات وكان موته في أول الليل من ليلة الأحد فأرسلوا التنابيه لأعيان الدولة والمشايخ فخرج البعض منهم في ثلث الليل الاخير إلى مصر القديمة حيث المعادي لأنه مات بقصر الجيزة فما طلع النهار حتى ازدحموا بمصر القديمة وما حضروا به إلا قرب الزوال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 وانجروا بالمشهد إلى دفنهم بالقرب من الإمام الشافعي وعملوا له مأتما وفرقوا دراهم على الناس والفقهاء وغير ذلك ثم حكى المخبرون عن كيفية موته أنه كان نائما في حجر دادته جارية سوداء فشاجرتها جارية بيضاء ورفصتها برجلها فأصابت الغلام فاضطرب ووصل الخبر إلى أبيه فدخل إليهم وقبض على الجواري الحاضرات وحبسهن في مكان بالقصر وقال: إن مات ولدي قتلتكن عن اخركن فمات من ليلته فحنق الجميع والقاهن في البحر بما فيهن الدادة قيل أنهن وخمسة قيل ستة والله اعلم. وفي أواخره انقضى أمر الحفر بترعة الاسكندرية ولم يبق من الشغل إلا القليل ثم فتحوا لها شرما خلاف فمها المعمول خوفا من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من ارضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الأرض وليس هناك جسور تمنع وصادف أيضا وقوع نوة واهوية على فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل إلى الترعة فأشيع في الناس أن الترعة فسد أمرها ولم تصح وأن المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الاسكندرية وخرج أهلها منها إلى أن تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون إلى بلادهم بعد ما هلك معظمهم. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1235 في أوله عزل الباشا محمد بك الدفتردار عن إمارة الصعيد وقلد عوضه أحمد باشا ابن طاهر باشا وسافر في خامسه. وفي سابعه سافر الباشا إلى الاسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه إبراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس اوغلي. وفي ثالث عشره حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب وشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 الاسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة إلا الأمر اليسير واصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصا من الافرنج الانكليز ورد من الاسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيرا ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصا من الارنؤد بيده هراوة أو مسوقة فجاء إلى ذلك الافرنجي وقال له: أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا واشار بهما في يده على رأس الافرنجي لكونه لا يفهم لغته فاغتاظ من ذلك الافرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتا فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الافرنجي ورفعوا الارنؤدي المقتول حضروا إلى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الارنؤد وقالوا: لا بد من قتل الافرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الافرنج إلى الغاية فقال: حتى نرسل لى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك وأرسل بإحضارهم وقد تكاثر الارنؤد وأخذتهم الحمية وقالوا: لأي شئ تؤخر قتله إلى مشورة القناصل وأن لم يقتل هذا في الوقت نزلنا إلى حارة الافرج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الافرنج فلم يسع الكتخدا إلا أن أمر بقتله فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع أيضا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر وكان ذلك في غيبة الباشا. واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1235 فيه جرد الباشا حسن بك الشماشرجي حاكم البحيرة على سيوة من الجهة القبلية فتوجه إليها من البحيرة بجنده ومعه طائفة من العرب. وفيه قوي عزم الباشا على الاغارة على نواحي السودان فمن قائل أنه متوجه إلى سنار ومن قائل إلى دار فور وساري العسكر ابنه إسمعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم إلى الجهة القبلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتماما عظيما وأرسل أيضا بإحضار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 مشايخ العربان والقبائل. فيه خرج الباشا إلى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشندة واخرج خياما وجمالا كثيرة محملة بالفرش والنحاس والات المطبخ والأرز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك واضافه ثلاثة أيام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك أحضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه إبراهيم باشا وإسمعيل باشا وحسن باشا. وفي اثناء ذلك ورد الخبر بموت عابدين بك اخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من اتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في أواخره لعمل العزاء والميتم وأخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا: إنه لمب يبق من طائفة عابدين بك إلا القليل جدا. واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1235 في عشرينه وردت هدية من والي الشام فيها من الخيول الخاص عشرة بعضها ملبس والباقي من غير سروج وأشياء آخر لا نعلمها. وفي أواخره ورد الخبر بان حسن بك الشمشارجي استولى على سيوة. وفيه ورد الخبر بأنه وقع بإسلامبول حريق كثير. وفيه ورد الخبر أيضا عن حلب بأن أحمد باشا المعروف بخورشيد الذي كان سابقا والي مصر استولى على حلب وقتل من أهلها وأعيانها اناسا كثيرة وذلك أنه كان متوليا عليها فحصل منه ما اوجب قيام أهل البلدة عليه وعزلوه واخرجوه وذلك من مدة سابقة فلما اخرجوه أقام خارجها وكاتب الدولة في شأنهم وقال ما قال في حقهم فبعثوا أوامر ومراسيم لولاة تلك النواحي بأن يتوجهوا لمعونته على أهل حلب فاحتاطوا بالبلدة وحاربوها اشهرا حتى ملكوها وفتكوا في أهلها وضربوا عليهم ضرائب عظيمة وهم على ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 وفي أواخره أيضا تقلد اغاوية مستحفظان مصطفى اغا كرد مضافة للحسبة عوضا عن حسن اغا الذي توفي في الحج فأخذ يعسف كعادته في مبادئ توليته للحسبة وجعل يطوف ليلا ونهارا ويحتج على المارين بالليل بأدنى سبب فيضرب من يصادفه راجعا من سهر ونحوه أو يقطع من اذنه أو انفه. واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1235 في ثالثه تقلد نظر الحسبة شخص يسمى حسين اغا المورلي وهو بخشونجي بساتين الباشا. وفيه رجع حسن بك الشماشرجي من ناحية سيوة بعد أن استولى عليها وقبض من أهاليها مبلغا من المال والتمر وقرر عليها قدرا يقومون به في كل عام إلى الخزينة. وفي عشرينه سافر محمد اغا لاظ وهو المنفصل عن الكتخدائية إلى قبلي بمعنى أنه في مقدمة الجردة يتقدمها إلى الشلال. وفي أواخره وصل الخبر بموت خليل باشا بالديار الحجازية فخلع الباشا على أخيه أحمد بك وهو ثالث اخوته وهو اوسطهم وقلده في منصب أخيه عوضا عنه واعطى البيرق واللوازم. وفي أواخره توجه الباشا إلى ناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي وقد صار هذا الوادي إقليما على حدته وعمر به قرى ومساكن ومزارع. واستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة 1235 فيه سافر إبراهيم باشا إلى القليوبية ثم إلى المنوفية والغربية لقبض الخراج عن سنة تاريخه والطلب بالبواقي التي انكسرت على الفقراء وكان الباشا سامح في ذلك وتلك بواقي سبع سنين فكان يطلب مجموع ما على القرية من المال والبواقي في ظرف ثلاثة أيام ففزعت الفلاحون ومشايخ البلاد وتركوا غلالهم في الاجران وطفشوا في النواحي بنسائهم وأولادهم وكان يحبس من يجده من النساء ويضربهن فكان مجموع المال المطلوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 تحصيله على ما أخبرني به بعض الكتاب مائة ألف كيس. وفي منتصفه حضر الباشا من ناحية الوادي. وفي أواخره وقع حريق ببولاق في مغالق الخشب التي خلف جامع مرزة وأقام الحريق نحو يومين حتى طفئ واحترق فيه الكثير من الخشب المعد للعمائر المعروف بالكرسنة والزفت وحطب الاشراق وغيره. واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1235 والاهتمام حاصل وكل قليل يخرج عساكر ومغاربة مسافرين إلى بلاد السودان ومن جملة الطلب ثلاثة انفار من طلبة العلم يذهبون بصحبة التجريدة فوقع الاختيار على محمد أفندي الاسيوطي قاضي اسيوط والسيد أحمد البقلي الشافعيين والشيخ أحمد السلاوي المغربي المالكي واقبضوا محمد أفندي المذكور عشرين كيسا وكسوة ولكل واحد من الإثنين خسمة عشر كيسا وكسوة ورتبوا لهم ذلك في كل سنة. وفي سابعه وقع حريق في سراية القلعة فطلع الاغا والوالي واغات التبديل واهتموا بطفئ النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتى شح الماء ولا يكاد يوجد وكان ذلك في شدة الحر وتواقق شهر بؤتة ورمضان واقاموا في طفء النار يومين واحترق ناحية ديوان كتخدا بك ومجلس شريف بك وتلفت أشياء وامتعة ودفاتر حرقا ونهبا وذلك أن ابنية القلعة كانت من بناء الملوك المصرية بالاحجار والصخور والعقود وليس بها إلا القليل من الاخشاب فهدموا ذلك جميعه وبنوا مكانه الابنية الرقيقة وأكثرها من الحجنة والاخشاب على طريق بناء إسلامبول والافرنج وزخرفوها وطلوها بالبياض الرقيق والادهان والنقوش وكله سريع الاشتعال حتى أن الباشا لما بلغه هذا الحريق وكان مقيما بشبرا تذكر بناء القلعة القديم وما كان فيه من المتانة ويلوم على تغيير الوضع السابق ويقول: أنا كنت غائبا بالحجاز والمهندسون وضعوا هذا البناء وقد تلف في هذا الحريق ما ينيف عن خمسة وعشرين ألف كيس حرقا ونهبا ولما حصل هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 الحريق انتقلت الدواوين إلى بيت طاهرباشا بالازبكية وانقضى شهر رمضان. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1235 وقع في تلك الليلة اضطراب في ثبوت الهلال لكونه كان عسر الرؤية جدا وشهد اثنان برؤيته ورد الواحد ثم حضر آخر ولم يزالوا كذلك إلى آخر الليل ثم حكم به عند الفجر بعد أن صليت التراويح واوقدت المنارات وطاف المسحرون بطبلاتهم وتسحرت الناس وأصبح العيد باردا. وفي خامسه سافر الباشا إلى ثغر الأسكندرية كعادته وأقام ولداه إبراهيم باشا للنظر في الاحكام والشكاوي والدعاوي وكانت اقامته بقصره الذي انشأه بشاطئ النيل تجاه مضرب النشاب وتعاظم في نفسه جدا ولما رجع إبراهيم باشا من سرحته شرعوا في عمل مهم لختان عباس باشا ابن أخيه طوسون باشا وهو غلام في السادسة فشرعوا في ذلك في تاسع عشرة ونصبوا خياما كثيرة تحت القصر وحضرت أرباب الملاعيب والحواة والمفزلكون والبهلوانيون وطبخت الاطعمة والحلواء والاسمطة واوقدت الوقدات بالليل من المشاعل والقناديل والشموع بداخل القصر وتعاليق النجفات البلور وغير ذلك ورسموا باحضار غلمان أولاد الفقراء فحضر الكثير منهم وأحضروا المزينين فختنوا في اثناء أيام الفرح نحو الأربعمائة غلام ويفرشون لكل غلام طراحة ولحافا يرقد عليها حتى يبرأ 2 جرحه ثم يعطى لكل غلام كسوة وألف نصف فضة وفي كل ليلة يعمل شنك وحراقات ونفوط ومدافع بطول الليل ودعوا في اثناء ذلك كبار الأشياخ والقاضي والشيخ السادات والبكري وهو نقيب الاشراف أيضا والمفاتي وصار كل من دخل منهم يجلسونه من سكوت ولم يقم لواحد منهم ولم يرد على من يسلم ولا بالاشارة السلام ولم يكلمهم بكلمة يؤانسهم بها وحضرت المائدة فتعاطوا الذي تعاطوه حتى انقضى المجلس وقاموا وانصرفوا من سكوت. وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه خرجوا بالمحمل إلى الحصوة وأمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 الحاج شخص من الدلاة لم نعرف اسمه. وفي يوم الخميس عملوا الزفة لعباس باشا ونزلوا به من القلعة على الدرب الاحمر على باب الخرق إلى القصر وختنوه في ذلك اليوم وامتلا طشت المزين الذي ختنه بالدنانير من نقوط الأكابر والأعيان وخلعوا عليه فروة وشال كشميري وانعموا على باقي المزينين بثلاثين كيسا وانقضى ذلك. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي أو في النيل اذرعة وكسر السد في صبحها يوم الأربعاء وجرى الماء في الخليج وذلك بحضرة كتخدا بك والقاضي. وفي هذا الشهر حضر طائفة من بواقي الأمراء المصرية من دنقلة إلى بر الجيزة وهم نحو الخمسة وعشرين شخصا وملابسهم قمصان بيض لا غير فأقاموا في خيمة ينتظرون الاذن وقد تقدم منهم الإرسال بطلب الأمان عند ما بلغهم خروج التجاريد وحضر ابن علي بك ايوب وطلب أمانا لابيه فاجيبوا إلى ذلك وأرسل لهم أمانا لاجمعهم ما عدا عبد الرحمن بك والذي يقال له: المنفوخ فليس يعطيهما أمانا ولما حضرت مراسله الأمان لعلي بك ايوب وتأهب للرحيل حقدوا عليه وقتلوه ووصل خبر موته فعملوا نعيه في بيته سكن زوجته الكائن بشمس الدولة وأكثروا من الندب والصراخ عدة أيام. وفي هذا الشهر أيضا حضر أشخاص من بلاد العجم وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها خيول فأنزلوهم ببيت حسين بك الشماشرجي بناحية ستوفة العزى. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الخميس سنة 1235 في رابعه يوم الأحد وصل قابجي وعلى يده مرسوم تقرير للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة وتقرير آخر لولده إبراهيم باشا بولاية جدة وركب القابجي المذكور في موكب من بولاق إلى القلعة وقرئت المراسلين بحضرةكتخدا بك وإبراهيم باشا وأعيانهم وضربوا مدافع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 وفيه سافر إسمعيل باشا إلى جهة قبلي وهو أمير العسكر المعينة لبلاد النوبة كل ذلك والباشا الكبير على حاله بالاسكندرية. واستهل شهر ذي الحجة سنة 1235 فيه توجه إبراهيم باشا إلى أبيه بالاسكندرية فأقام هناك أياما وعاد في آخر الشهر فأقام بمصر أياما قليلة وسافر إلى ناحية قبلي ليجمع ما يجده عند الناس من القمح والفول والعدس الثلاثة أصناف وأخذوا كل سفينة غصبا وساقوا الجميع إلى قبلي لحمل الغلال وجمعها في الشون البحرية لتباع على الافرنج والروم بالأثمان الغالية وانقضت السنة. ومن حوادثها زيادة النيل الزيادة المفرطة وخصوصا بعد الصليب وقد كان حصل الاعتناء الزائد بأمر الجسور بسبب ما حصل في العامين السابقين من التلف فلما حصلت هذه الزيادةبعد الصليب وطف الماء على اعلى الجسور وغرق مزارع الذرة والنيلة والقصب والأرز والقطن واشجار البساتين وغالب اشجار الليمون والبرتقال بما عليها من الثمار وصار الماء ينبع من الأرض الممنوعة نبعا ولا عاصم من أمر الله وطال مكث الماء على الأرض حتى فات أوان الزراعة ولم نسمع ولم نر في خوالي السنتين تتابع الغرقات بل كان الغرق نادر الحصول وعلماء الخليج حتى سد غالب فرجات القناطر ونبع الماس من الأراضي الواطية القريبة من الخليج مثل غيط العدة وجامع الأمير حسين ونحو ذلك. ومنها أن ترعة الاسكندرية المحدثة لما تم حفرها وسموها بالمحمودية على اسم السلطان محمود فتحوا لها شرما دون فمها المعد لذلك وامتلات بالماء فلما بدأت الزيادة فزادت وطف الماء في المواضع الوطية وغرقت الأراضي فسدوا ذلك الشرم وابقوا من داخله فيها عدة مراكب للمسافرين فكانوا ينقلون منها إلى مراكب البحر ومن البحر إلى مراكبها وبقي ماؤها مالحا متغيرا واستمر أهل الثغر في جهد من قلة الماء العذب وبلغ ثمن الراوية قرشين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 ومنها أنه لما وقع القياس في أراضى القرى قرروا مسموحا لمشايخ البلاد في ظنير مضايقهم خمسة افدنة من كل مائة فدان وفي هذا العام يدفع مال المسوح سنتين وذلك عقب مطالبتهم بإخراج قبل أوانه وما صدقوا أنهم غلقوه ببيع غلالهم بالنسيئة والاستدانة وبيع المواشي والامتعه ومصاغ النساء وكانوا أيضا طولبوا بالبواقي في السنين الخوالي التي كانوا عجزوا عنها ولم يزك رمي الغلال في هذه السنة وكذلك الفول وثمر النخيل والفواكهة ولما طولب مشايخ البلاد بمال المسوح ازداد كريهم فإنه ربما يجئ على الواحد ألف ريال واقل وأكثر وقد قاسوا الشدائد في غلاق الخراج الخارج عن الحد وعدم زكاء الزرع وغرق مزارع النيلة والأرز والقطن والقصب والكتان وغير ذلك. وفي أثر ذلك فرضوا على الجواميس كل راس عشرون قرشا وعلى الجمل ستون قرشا وعلى الشاة قرش والرأس من المعز سبعة وعشرون نصف وثلث والبقرة خمسة عشر والفرس كذلك. ومنها احتكار الصابون ويحجز جميع الوارد على ذمة الباشا ثم سمومح تجارة بشرط أن يكون جميع صابون الباشا ومرتباته ودائرته من غير ثمن وهو شئ كثير ويستقر ثمنه على ستين نصفا بعد أن كان بخمسين جردا من غير نقو. ومنها ما أحدثه على البلح بأنواعه وما يجلب من الصعيد واليا الأبريمي وأنواع العجوة حتى جريد النخل والليف والخوص يؤخذ جميع ذلك بالثمن القليل ويباع ذلك للمتسببين بالثمن الزائد وعلى الناس بازيد من ذلك وفي هذه السنة لم تثمر النخيل الآم القليل جدا ولم يظهر البلح الأحمر في أيام وفرته ولم يوجد بالأسواق الآم أياما قليلة وهو شئ ردئ وبسر ليس بجيد ورطله بخمسة أنصاف وهي ثمن العشرة أرطال في السابق وكذلك العنب لم يظهر منه الآم القليل وهو الفيومي والشرقاوي وقد التزم به من يعصره شرابا بأكياس كثيرة مثل غيره من الأصناف وغير ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 جزئيات لم يصل ألينا علمها ومنها ما وصل ألينا علمها واهملنا ذكرها. ومنها أن حسن باشا سافر آلي الجهة القبلية وصحبته بعض الإفرنج الذين كان رخص لهم الباشا السياحة والغوص بأراضي الصعيد والفحص وفحر الأراضي والكهوف والبرابي واستخراج الآثار القديمة والأمم السالفة من التماثيل والتصاوير ونواويس الموتى وقطع الصخور بالبارود واشعاوا أنه ظهر لهم شئ مخرفش يشبه خرء الرصاص أو الحديد وبه بعض بريق ذكروا أنه معدن إذا تصفى خرج منه فضة وذهب وأخبرني بعض من اثق بخبره أنه أخذ منه قطعة تزيد في الوزن على رطلين وذهب بها عند رجل صائغ فاوقد عليها نحو قنطار من الفحم بطول النهار فخرج منها في آخر الأمر وهو ينقلها من بوط آلي آخر بعد كسره قطعة مثل الرصاص قدر الأوقية وذكروا أيضا أن الجبل أحجارا سوداء مثل الفحم وذلك أنهم آتوا بمثل ذلك من بلاد الإفرنج واوقدها بالضربخانة كريهة الرائحة مثل الكبريت وإلا تصير رمادا بل تبقى على حجريتها مع تغير اللون ويحتاج آلي نقلها آلي الكيمان وقالوا: إن بداخل جبال الصعيد كذلك فسافر حسن باشا بقصد استخراج هذه الأشياء وأمثالها فأقام نحو ثلاثة اشهر وذلك بأمر الباشا الكبير وهم يكسرون الجبل بالبارود فظهر بالجبل بجس يسيل منه دهن أسود بزرقة ورائحته زنخة كبريتية يشبه النفط وليس هو وآتوا بشيء منه آلي مصر أوقدوا منه في السرج فملؤا منه سبعة مصافي وانقطع أشيع في الناس قبل تحقق صورته بل وصلت مكاتبات بأنه خرج من الجبل عين تسيل بالزيت الطيب ولا ينقطع جريانها يكفي مصر واقطاعها بل والدنيا أيضا وأخبرني بعض اتباعهم أن الذي صرف في هذه المرة نحو الألفي كيس. ومن حوادث هذه السنة الخارجة عن أرض مصر أن السلطان محمود تغير خاطره على علي باشا المعروف بتية رنلي حاكم بلاد الارنؤد وجرد عليه العساكر ووقع لهم معه حروب ووقائع واستولوا على أكثر البلاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 التي تحت حكمه وتحصن هو في قلعة منيعة وعلى باشا هذا في مملكة واسعة وجنود كثيرة وله عدة أولاد متآمرين كذلك وبلادهم بين بلاد الرومنلي والنمسا ويقال: إن بعض أولاده دخل تحت الطاعة ووكذلك الكثير من عساكره وبقي الأمر على ذلك ودخل الشتاء وانقضت السنة ولم يتحقق عنه خبر. ومنها أمر المعاملة وما يقع فيها منن التخليط والزيادة حتى بلغ صرف الريال الفرانسة اثني عشرة قرشا عنها أربعمائة وثمانون نصفا والبندقي ألف فضة وكذلك المجر الفندقلي الإسلامي سبعة عشر قرشا والقرش الإسلامبولي بمعنى المضروب هناك المنقول إلى مصر يصرف بقرشين وربع يزيد عن المصري ستين نصفا وكذلك الفندقلي الإسلامبولي يصرف في بلدته باحد عشرة قرشا وبمصر بسبعة عشر كما تقدم فتكون زيادة ستة قروش وكذلك الفرانسا في بلادها تصرف بأربعة قروش وبإسلامبول بسبعة وبمصر باثني عشر وأما الانصاف العددية التي تذكر في المصارفات فلا وجود لها أصلا إلا في النادر جدا واستغنى الناس عنها لغلو الأثمان في جميع المبيعات والمشتروات وصار البشلك الذي يقال له الخمساوية: أي صرفه خمسة انصاف هي بدل النصف لأنه لما بطل ضرب القروش بضربخانة مصر وعوض عنها نصف القرش وربعه وثمنه الذي هو البشلك ولم يبق بالقطر إلا ما كان موجودا قبل وهو كثير يتناقل بأيدي الناس وأهل القرى ويعود إلى الخزينة ويصرف في المصارف والمشاهرات وعلائف العساكر وكذلك يشترون لوازمهم فتذهب وتعود وهكذا تدور مع الفلك كلما دار ويصرف القرش عند الاحتياج إلى صرفه بسبعة من البشلك بنقص الثمن فباعتبار كونها في مقام النصف يكون القرش بسبعة انصاف لاغير وباعتبار ذلك يكون الألف فضة بمائة وخمسة وسبعين فضة لأن الخمسة وعشرين قرشا التي هي بدل الألف إذا نقصت في المصارفة الثمن تكون إحدى وعشرين وإذا ضربنا السبعة في الخمسة وعشرين كانت مائة وخمسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 وسبعين وفيها من الفضة الخالصة ستة دراهم لاغير واوزان هذه القطع مختلفة لا تجد قطعة وزن نظيرتها وفي ذلك فرط آخر والقليل في الكثير كثير والذي ادركناه في الزمن السابق أن هذه القروش لم يكن لها وجود بالقطر المصري البتة وأول من احدثها بمصر علي بك القازدغلي بعد الثمانين ومائة وألف عندما استفحل أمره وأكثر من العساكر والنفقات واظهر العصيان على الدولة ولما استولى محمد بك المعروف بأبي الذهب ابطلها رأسا من الإقليم وخسر الناس بسبب ابطالها حصة من أموالهم مع فرحهم بابطالها ولم يتأثروا بتلك الخسارة لكثرة الخير والمكاسب ولم يبق من أصناف المعاملة إلا أنواع الذهب الإسلامي ولافرنجي والفرانسة ونصفه وربعه والفضة الصغيرة التي يقال لها: نصف فضة مع رخاء الاسعار وكثرة المكاسب ويصرف هذا النصف بعدد من الافلس النحاس التي يقال لها: الجدد أما عشراو اثنا عشر إذا كانت مضروبة ومختومه أو عشرين إذا كانت صغيرة وبخلاف ذلك ويقال لها: السحاتة فكان غالب المحقرات يقضي بهذه الجدد بل وخلاف المحقرات وفي البيع والشراء وكان يجلب منها الكثير مع الحجاج المغاربه في المخالي ويبعونها على أهل الأسواق بوزن الارطال ويربحون فيها فكان الفقير أو الاجير إذا اكتسب تصفا وصرفه بهذه الجدد كفاه نفقة يومه مع رخاء الاسعار ويشترى منها خبزا وادما وإذا احتاج الطابخ لوزام الطبخة في التقلية أخذ من البقال البصل والثوم والسلق والكسبرة والبقدونس والفجل والكراث والليمون الصنف أو الصنفين أو الثلاثة بالجديد الواحد وقد انعدمت هذه الجدد بالكلية وإذا وجدت فلا ينتفع بها أصلا وصار النصف الفضة بمنزلة الجديد النحاس ولا وجود له أيضا وصارت الخمساوية بمنزلة النصف بل واحقر لأنه كان يصرف بعدد كثير من الجدد وهذه بخمسة فقط فإذا أخذ الشخص شيئا من المحقرات بنصف أو نصفين أو ثلاثة ماكان يؤخذ بجديد أو جديدين لم يجد عند البائع بقية الخمساوية فأما يترك الباقي لوقت احتياج آخر أن كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 يعرفه وإلا تعطلا وإذا كان الإنسان بالسوق ولحقه العطش فيشرب من السقاء الطواف ويعطيه جديدا أو يملا صاحب الحانوت ابريقه بجديد وفي هذه الأيام إذا كان الشخص لم يكن معه بشلك يشرب به وإلا بقي عطشان حتى يشرب من داره ولا يهون عليه أن يدفع ثمن قربة في شربة ماء وذلك لعدم وجود النصف وكذلك الصدقة على الفقراء وأمثالهم وقد كان الناس من أرباب البيوت إذا زاد بعد ثمن اللحم والخصار نصف يسألون الخادم في اليوم الثاني عنه لكونه نصف المصروف ويحاسبونه عليه وكان صاحب العيال وذوو البيوت المحتوية على عدة أشخاص من عيال وجوار وخدم إذا ادخر الغلة والسمن والعسل والحطب ونحو ذلك يكفيه في مصرف يومه العشرة انصاف في ثمن اللحم والخضار وخلافه وأما اليوم فلا يقوم مقامها العشرة قروش وازيد لغلو الاسعار في كل شئ بسبب الحوادث والاحتكارات السابقة والتجددة كل وقت في جميع الأصناف ولايخفى أن أسباب الخراب التي نص عليها المتقدمون اجتمعت وتضاعفت في هذه السنين وهي زيادة الخراج واختلال المعاملة أيضا والمكوس وزاد على ذلك احتكار جميع الأصناف والاستيلاء على أرزاق الناس فلا تجد مرزوقا إلا من كان في خدمة الدولة متوليا على نوع من أنواع المكوس أو مباشرا أو كاتبا أو صانعا في الصنائع المحدثة ولا يخلوا من هفوة ينم بها عليه فيحاسب مدة استيلائه فيجتمع عليه جملة من الأكياس فيلزم بدفعها وربما باع داره ومتاعه فلا يفي بما تأخر عليه فأما يهرب أن امكنه الهرب وأما بقي في الحبس هذا أن كان من ابناء العرب وأهالي البلدة وما أن كان بخلاف ذلك فربما سومح أو تصدى له من يخفف عنه أو يدخله في منصب أو شركة فيرتفع حاله ويرجع احسن ما كان. ومما حدث أيضا في هذه السنة الاستيرء على صناعة المخيش والقصب والتلي الذي يصنع من الفضة للطرازات والمقصبات والمناديل والمحارم وخلافها من الملابس وذلك بإغراء بعض صناعهم وتحاسدهم وأن مكسبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 يزيد على ألف كيس في السنة لأن غالب الحوادث باغراء الناس على بعضهم البعض وكذلك الاستيلاء على وكالة الجلابة التي يباع فيها الرقيق من العبيد والجواري السود وغيرهم من البضائع التي تجلب من بلاد السودان كسن الفيل والتمر هندي والشتم وروايا الماء وريش النعام وغير ذلك. ومنها الحجر على عسلي النخل وشمعه فيضبط جميعه للدولة ويباع رطل الشمع بستة قروش ولا يوجد إلا ما كان مختلسا ويباع خفية وكان رطله قبل الحجر بثلاثة قروش فإذا وردت مراكب إلى الساحل نزل إليها المفتشون على الأشياء ومن جملتها الشمع فيأخذون ما يجدونه ويحسب لهم بأبخس ثمن فن اخفى شيئا وعثر وعليه أخذوه بلا ثمن ونكلوا بالشخص الذي يجدون معه ذلك وسموه حراميا ليرتدع غيره والمتولي على ذلك نصارى واعوانهم لادين لهم وقد هاف النحل في هذه السنة وامتنع وجود العسل وكذلك ثمر النخيل بل والغلال فلم تزك في هذه السنين مع كثرة الاسيال التي غرقت منها الأراضي بل وتعطل بسببها الزرع وزادت أثمانها وخصوصا الفول وأما العدس فلا يوجد أيضا إلا نادرا. وكذلك التزم بالملاحة وتوابعها من زاد في مالها وبلغ ثمن الكيلة قرشا وكانت قبل ذلك بثلاثين نصفا وفيما ادركناه بلاثة انصاف وأما اجر الاجراء والفعلة والمعمرين فأبدل النصف بالقرش وكذلك ثمن الجير البلدي والجبس لأن عمائر أهل الدولة مستديمة لا تنقضي ابدا ونقل الاتربة إلى الكيمان على قطارات الجمال والحمير من شروق الشمس إلى غروبها حتى ستر علوها الافق من كل ناحية وإذا بنى احدهم دار فلا يكفيه في ساحتها الكثير ويأخذ ما حولها من دور الناس بدون القيمة ليوسع بها داره ويأخذ ما بقي في تلك الخطة لخاصته وأهل دائرته ثم يبني أخرى كذلك ليدوانه وجمعيته وأخرى لعسكره وهكذا. وأما سليمان اغا السلحدار فهو الداهية العظمى والمصيبة الكبرى فإنه تسلط على بقايا المساجد والمدارس والتكايا التي بالصحراء ونقل احجارها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 إلى داخل باب البرقية المعروف بالغريب وكذلك ما كان لجهة باب النصر وجمعوا احجارها خارج باب النصر وانشأ جهة خان الخليلي وكالة وجعل بها حواصل وطباقا واسكنها نصارى الاروام والارمن بأجره زائدة اضعاف الاجر المعتادة وكذلك غيرهم ممن رغب في السكنى وفتح لها بابا يخرج منه إلى وكالة الجلابة الشهيرة التي بالخراطين لأنها بظاهرها واجر الحوانيت كذلك بأجرة زائدة فأجر الحوانوت بثلاثين قرشا في الشهر وكانت الحانوت تؤجر بثلاثين نصفا في الشهر والعجب في اقدام الناس على ذلك واسراعهم في تأجرهم قبل فراغ بنائها مع ادعائهم قلة المكاسب ووقف الحال ولكنهم أيضا يستخرجونها من لحم الزبون وعظمه ثم أخذ بناحية داخل باب النصر مكانا متسعا يسمى حوش عطى بضم العين وفتح الطاء وسكون الياء كان محطا لعربان الطور ونحو هم إذا وردوا بقوافلهم بالفحم والقلي وغيره وكذلك أهالي شرقية بلبيس فأنشأ في ذلك المكان ابنية عظيمة تحتوي على خانات متداخلة وحوانيت وقهاوي ومساكن وطباق وسكن غالبها أيضا الارمن وخلافهم بالاجر الزائدة ثم انتقل إلى جهة خان الخليلي فأخذ الخان المعروف بخان القهوة وما حوله من البيوت والأماكن والحوانيت والجامع المجاور لذلك تصلى فيه الجمعة بالخطبة فهدم ذلك جميعه وانشأ خانا كبيرا يحتوي على حواصل وطباق وحوانيت عدتها أربعون حانوتا اجرة كل حانوت ثلاثون قرشا في كل شهر وانشأ فوق السبيل وبعض الحوانيت زاوية لطيفة يصعد إليها بدرج عوضا عن الجامع ثم انتقل إلى جهة الخرنفش بخط الامشاطية فأخذ أماكن ودورا وهدمها وهو الآن مجتهد في تعميرها كذلك فكان يطلب رب المكان ليعطيه الثمن فلا يجد بدا من الاجابة فيدفع له ما سمحت به نفسه أن شاء عشر الثمن أو أقل أو ازيد بقليل وذلك لشافعة أو واسطة خير وإذا قيل له وقف ولا سموع لاستبدال العدم تخربة أمر بتخريبة ليلا ثم يأتي بكشاف القاضي فيراه خرابا فيقضي له وكان يثقل عليه لفظة وقف ويقول ايش: يعني وقف وإذا كان على المكان حكر لجهة وقف أصله لا يدفعه ولا يلتفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 لتلك اللفظة أيضا ويتمم عمائره في اسرع وقت لعسفه وقوة مراسه على أرباب الاشغال والموانة ولا يطلبق للفعلة الرواح بل يحبسهم إلى الدوام إلى باكر النهار ويوقظونهم في آخر الليل بالضرب ويبتدؤن في العمل من وقت صلاة الشافعي إلى قبيل الغروب حتى في شدة الحر في رمضان وإذا ضجوا من الحر والعطش امرهم مشد العمارة بالشرب وأحضرلهم السقاء ليسقهم وظن أكثر الناس أن هذه العمائر إنما هي لمخدومه لأنه لا يسمع لشكوى أحد فيه واشتد في هذا التاريخ أمر المساكن بالمدينة وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الاغراب وخصوصا المخالفين للملة فهم الآن أعيان الناس يتقلدون المناصب ويلبسون ثياب الأكابر ويركبون البغال والخيول المسومة والرهوانات وإمامهم وخلفهم العبيد والخدم وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق ويتسرون بالجواري بيضاء وحبوشا ويسكنون المساكن العالية الجليلة يشترونها بأغلى الأثمان ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة ومنهم من عمر له دارا وصرف عليها الوفا من الأكياس وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها وأخذها من أربابها بأي وجه وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع إلى اذلال المسلمين لأنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم واعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير انكار ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلا فضاقت بالناس المساكن وزادت قيمتها اضعاف الاضعاف وابدل لفظ الريال الذي كان يذكر في قيم الأشياء بالكيس وكذلك الاجر والأمر في كل شئ في الازدياد والله لطيف بالعباد ولو اردنها استيفاء بعض الكليات فضلا عن الجزئيات لطال المقال وامتد الحال وعشنا ومتنا مانرى غير ما نرى تشابهت العجما وزاد انعجامها نسأل الله حسن اليقين وسلامة الدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين والف استهل شهر المحرم بيوم الاثنين وفي أوائله حضر الباشا من الاسكندرية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 وفيه من الحوادث أن الشيخ إبراهيم الشهير بباشا المالكي بالاسكندرية قرر في درس الفقه أن ذبيحة أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز اكلها وما ورد من اطلاق الاية فإنه قبل أن يغيروا ويبدلوا في كتبهم فلما سمع فقهاء الثغر ذلك انكروه واستغربوه ثم تكلموا مع الشيخ إبراهيم المذكور وعارضوه فقال: أنا لم اذكر ذلك بفهمي وعلمي وإنما تلقيت ذلك عن الشيخ علي الميلي المغربي وهو رجل عالم متورع موثوق بعلمه ثم أنه أرسل إلى شيخه المذكور بمصر يعلمه بالواقع فألف رسالة في خصوص ذلك واطنب فيها فذكر اقوال المشايخ والخلافات في المذاهب واعتمد قول الإمام الطرطوشي في المنع وعدم الحل وحشا الرسالة بالحط على علماء الوقت وحكامه وهي نحو الثلاثة عشر كراسة وارسلها إلى الشيخ إبراهيم فقرأها على أهل الثغر فكثر اللغط والانكار خصوصا وأهل الوقت أكثرهم مخالفون للملة وانتهى الأمر إلى الباشا فكتب مرسوما إلى كتخدا بك بمصر وتقدم إليه بان يجمع مشايخ الوقت لتحقيق المسئلة وأرسل إليه بالرسالة أيضا المصنفة فأحضر كتخدا بك المشايخ وعرض عليهم الأمر فلطف الشيخ محمد العروسي العبارة وقال الشيخ علي الميلي: رجل من العلماء تلقى عن مشايخنا ومشايخهم لا ينكر علمه وفضله وهو منعزل عن خلطة الناس إلا أنه حاد المزاج وبعقله بعض خلل والأولى أن نجمع به ونتذاكر في غير مجلسكم وننهي بعد ذلك الأمر إليكم فاجتمعوا في ثاني يوم وأرسلوا إلى الشيخ علي يدعونه للمناظرة فابى عن الحضور وأرسل الجواب مع شخصين من مجاوري المغاربة يقولان: أنه لا يحضر مع الغوغاء بل يكون في مجلس خاص يتناظر فيه مع الشيخ محمد ابن الأمير بحضرة الشيخ حسن القويسني والشيخ حسن العطار فقط لأن ابن الأمير يناقشه ويشن عليه الغارة فلما قالا ذلك القول تغير ابن الأمير وارعد أبرق وتشاتم بعض من بالمجلس مع الرسل وعند ذلك أمروا بحبسهما في بيت الاغا وأمروا الاغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي واحضاره بالمجلس ولو قهرا عنه فركب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 الاغا وذهب إلى بيت المذكور فوجده قد تغيب فاخرج زوجته ومن معها من البيت وسمر البيت فذهبت إلى بيت بعض الجيران ثم كتبوا عرضا محضرا وذكروا فيه بأن الشيخ عليا على خلاف الحق وابى عن حضور مجلس العلماء والمناظرة معهم في تحقيق المسئلة وهرب واختفى لكونه على خلاف الحق ولو كان على الحق ما اختفى ولا هرب والرأي لحضرة الباشا فيه إذا ظهر وكذلك في الشيخ إبراهيم باشا السكندري وتمموا العرض وامضوه بالختوم الكثيرة وارسلوه إلى الباشا وبعد أيام اطلقوا الشخصين من حبس الآغا ورفعوا الختم عن بيت الشيخ علي ورجع أهله إليه وحضر الباشا إلى مصر في أوائل الشهر ورسم بنفي الشيخ إبراهيم باشا إلى بني غازي ولم يظهر الشيخ علي من اختفائه. واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء سنة 1236 وفي أوائله حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية بعد ما طاف الفيوم أيضا وأحضر معه جملة أشخاص قبض عليهم من المفسدين من العربان وهم في الجنازير الحديد وشقوا بهم البلد ثم حبسوهم. وأستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1236 في أوائله حضر نحو العشرة أشخاص من الأمراء المصرية البواقي في حالة رثة وضعف وضيم واحتياج واجتياح وكانوا أرسلوا وطلبوا الأمان واجيبوا إلى ذلك. وفيه اشهروا العربان الذين أحضرهم إبراهيم باشا معه وقتلوهم وهم أربعة اثنان بالرميلة واثنان بباب زويلة. واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1236 وفيه اخرج الباشا عبد الله بك الدرندلي منفيا وكان عبد الله بك هذا يسكن بخطة الخرنفش وهو رجل فيه سكون قليل الأذى وملك بتلك الناحية دورا وأماكن وله عزوة وعساكر واتباع وكان يجلس بحضرة الباشا وينادمه ويتوسع معه في الكلام والمسامرة وسبب تغير خاطر الباشا عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 انه جرى ذكر علي باشا تبدلان الارنودي وحروبه ومخالفة العساكر عليه فقال عبد الله المذكور: إن العساكر يرون محاربة السلطان معصية أو كلاما هذا معناه فتغير وجه الباشا من ذلك القول ويقال: إنه أمر بقتله فشفع فيه حسن باشا طاهر من القتل وأن يخرج منفيا هكذا اشيع واستفيض وانضم إلى ذلك أنه قال لشريف بك: امين الخزنة عند تاخر علوفته خدمه نصراني احسن من خدمتكم مع المشاجرة فبلغها شريف بك للباشا أيضا واوغر صدره عليه ودفع له الباشا علوفته وثمن ما حازه من الأماكن والاملاك ووصله ذلك على عدة جمال محملة بالدراهم وسافر في ثامنه على طريق البر وابقى حريمه واثقاله ليأتوه على سفن البحر. وفي سادس عشره أمر الباشا بقراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر فاجتمعوا في يوم الإثنين سابع عشره وقرأوا في الاجزاء على العادة ضحوة النهار أربعة أيام اخرها الخميس وفرقوا على أولاد المكاتب دراهم وكذلك على مجاوري الأزهر في نظير قراءة البخاري. واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الأحد سنة 1236 فيه حضر إبراهيم باشا ونزل بقصره الجديد بل قصوره لانقا انشا عدة قصور متصلة وبساتين ومصانع متصله متسعة مزخرفة منها قصر لديوانه وقصر لحريمه وقصر لخصوص عباس باشا ابن أخيه وغيرذلك. واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1236 فيه عزم إبراهيم باشا على اعادة قياس أراضي قرى مصر وأحضر من بلاد الصعيد عدة كبيرة من القياسين نحو الستين شخصا. وفي يوم السبت خامسه عدى إلى الجيزة تجاه القصور وجمع القياسين والمهندسين وكذلك مهندسي الافرنج وقاس كل قياسته وكيفية عمله فعاند المعلم غالي واحب تأييد أهل حرفته من قياسي القبط وقال: كل منهم على الصحيح وعلم إبراهيم باشا أن قياس المهندسين وأرباب المساحة أصح ولكن فيها بطء فقال: أريد الصحيح ولكن مع السرعة بعد أن عمل امتحانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 ومثالا في قطعة من الأرض يظهر بها برهان الصحة والتفاوت وامسى الوقت فأمرهم بالذهاب والرجوع يوم الخميس الاتي فحضروا كذلك واشتغلوا يومهم بالعمل إلى آخر النهار ثم اختار من مهندسي الاقباط طائفة وطرد الاخرين وسافر في رابع عشره إلى ناحية شرق اطفيح واخد من المهندسخانة كبيرها وصحبته سبعة عشر شخصا وكذلك أشخاص من الافرنج المهندسين وانتقصوا من القصبة في هذه المرة مقادر قبضة. واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1236 فيه سافر مماليك الباشا إلى جهة اسيوط مثل العام الماضي ليكرتنوا هناك حذرا وخوفا عليهم من حدوث الطاعون بمصر. وفي سابع عشره ارتحل محمد بك الدفتردار مسافرا إلى دار فورد ببلاد السودان بعد أن تقدمه طوائف كثيرة عساكر اتراك ومغاربة. وفي خامس عشرينه أمر الباشا بنفي محمد المعروف الدرويش كتخدا محمود بك الذي هو الآن كتخدا بك والسيد أحمد الرشيدي كاتب المرزق وسليمان أفندي ناظر المدابغ والجلود ثلاثتهم إلى قلعة ابي قير لمقتضيات واهية في خدم مناصبهم ومحمد كتخدا كان ناظرا على الجلود في العام الماضي قبل سليمان أفندي المذكور. وفي أواخره حضر جماعة من المماليك المصرية الذين كانوا بدنقلة فيهم ثلاث صناجق احدهم أحمد بك الالفي وهو زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير. واستهل شهر شعبان بيوم الجمعة سنة 1236 في ثامنه يوم الجمعة عمل سليمان اغا السلحدار الجمعة بالجامع المعروف بالاحمر وكان قد تخرب ولم يبق به إلا الجدران فتصدى لعمارته سليمان اغا المذكور وسقفه أيضا بإفلاق النخيل والجريد والبوص وأقام له عمدا من الحجارة وجدد منبره وبلاطه وميضاته ومراحيضه وفرشه بالحصر وعمل به الجمعية في ذلك اليوم واجتمع به عالم كثيرون من الناس وخطب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 على منبره الشيخ محمد الأمير وبعد انقضاء الصلاة قرا درسا واملي فيه حديث من "بنى الله مسجدا"! وبعد انقضاء ذلك خلع عليه فروة وكذلك على الشيخ العروسي وعمل لهم شربات سكر. وفي يوم السبت ثالث عشرينه حضر إبراهيم باشا من ناحية شرق اطفيح. وفي يوم الثلاثاء سادس عشرينه سافر بمن معه إلى ناحية شرقية بلبيس. واستهل شهر رمضان بيوم الأحد 1236 وعملت الرؤية في تلك الليلة كالعادة وركب فيها مشايخ الحرف والمحتسب واثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة بعد مضى أربع ساعات من الليل ولم يحصل فيه من الحوادث غير تعالي الأثمان وتعاليها بسوء فعل السوقة واظهار ردئ المأكولات واخفاء جيدها وقد انقضى بخير. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1236 في ثالثه حضرت هجانة من أراضي نجد وبصحبتهم أشخاص من كبار الوهابية مقيدون على الجمال وهم عمر ابن عبد العزيز وأولاده وابناء عمه وذلك أنهم لما رجعوا إلى الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا وعساكره وكان معهم مشارى بن مسعود وقد كانوا هربوا في الدرعية بعدما رحل عنها إبراهيم باشا وتركي ابن عبد الله ابن اخي عبد العزيز وولد عم مسعود الامشاري فإنه هرب من العسكر الذين كانوا مع أولاد مسعود وجماعتهم حين ارسلهم إبراهيم باشا إلى مصر في الحمراء وهي قرية بين الجديدة وينبع البحر وذهب إلى الدرعية واجتمع عليه من فرحين قدمت العساكر وأخذوا في تعميرها ورجع أكثر أهلها وقدموا عليهم مشارى ودعا الناس إلى طاعته فأجابه الكثير منهم فكادت تتسع دولته وتعظم شوكته فلما بلغ الباشا ذلك جهز له عساكر رئيسها حسين بك فاوثقوا مشارى وارسلوه إلى مصر فمات في الطريق وأما عمر وأولاده وبنو عمه فتحصنوا في قلعة الرياض المعروفة عند المتقدمين بحجر اليمامة بينهما وبين الدرعية أربع ساعات للقافلة فنزل عليهم حسين بك وحاربهم ثلاثة أيام أو أربعة وطلبوا الأمان لما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 علموا أنهم لا طاقة لهم به فأعطاهم الأمان على أنفسهم فخرجوا له إلا تركي فإنه خرج من القلعة ليلا وهرب وأما حسين بك فإنه قيد الجماعة وارسلهم إلى مصر في الشهر المذكور وهم الآن مقيمون بمصر بخطة الحنفي قريبا من بيت جماعتهم الذين اتوا قبل هذا الوقت. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1236 فيه حضر إبراهيم باشا من سرحته بالشرقية بسبب قياس الأراضي والمساحة. وفي منتصفه سافر الباشا إلى الاسكندرية لداعي حركة الاروام وعصيانهم وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر وقطعهم الطريق على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل حتى أنهم أخذوا المراكب الخارجة من إسلامبول وفيها قاضي العسكر المتولي قضاء مصر ومن بها أيضا من السفار والحجاج فقتلوهم ذبحا عن اخرهم ومعهم القاضي وحريمه وبناته وجواريه وغير ذلك وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل فنزل الباشا إلى الاسكندرية وشرع في تشهيل مراكب مساعدة للدونانمة السلطانية وسياتي تتمة هذه الحادثة وبعد سفر الباشا سافر أيضا ابرهيم باشا إلى ناحية قبلي قاصدا بلاد النوبة. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1236 فيه خرجت عساكر كثيرة ومعهم رؤساهم وفيهم محو بك ومغاربة والات الحرب كالمدافع وجبخانات البارود واللغمجية وجميع اللوازم قاصدين بلاد النوبة وما جاورها من بلاد السودان. وفيه سافر أيضا محمد كتخدا لاظ المنفصل عن الكتخدائية إلى اسنا ليتلقى القادمين ويشيع الذاهبين. وفيه وصلت بشائر من جهة قبلي باستيلاء إسمعيل باشا على سنار بغير حرب ودخول أهلها تحت الطاعة فضربت لتلك الأخبار مدافع من القلعة. وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث وانقضى بعضها والبعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 باقي إلى الآن. فمنها توقف زيادة النيل وذلك أنه لم يستتم اذرع الوفاء إلى ثامن عشر مسرى القبطي حتى ضجر الناس وضج الفلاحون. ومنها أمر المعاملة التي زادت زيادة فاحشة حتى بلغ البندقي الفا ومائتي نصف والمجر والفندقلي عشرين قرشا عنها ثمانمائة نصف وبلغ صرف الريال الفرانسة أربعة عشر قرشا عنها خمسمائة نصف وستون نصفا وقس على ذلك باقي الأصناف. ومنها غلو الأثمان في جميع المبيعات من ملبوسات ومأكولات والغلال حتى وصل الاردب إلى ألف وخمسمائة نصف والرطل السمن إلى خمسين نصفا والى ستين نصفا وقس على ذلك. وأما حادثة الاروام التي هي باقية إلى الآن وما وقع منهم من الأفساد وقطع الطريق على المسافرين واستيلائهم على كل ما صادفوه من مراكب المسلمين وخروجهم عن الذمة وعصيانهم وما وقع معهم من الوقائع وما سينتهي حالهم إليه فسيتلى عليك إن شاء الله تعالى بكماله في الجزء الاتي بعد ذلك والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630