الكتاب: تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم المؤلف: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملطة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ/2002م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الكتاب: تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم المؤلف: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملطة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1422هـ/2002م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المجلد الأول مقدمة ... تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم تأليف: د/عبد الرزاق بن فرج الصاعدي بسم الله الرَّحمن الرَّحيم المقدّمة الحمد لله، فاتحة كلّ خير، وتمام كلّ نعمة، أحمده سبحانه وتعالى حمدا طيّبا مباركا فيه، وأصلّي وأسلم على سَيِّدنا محمد، أفصح العرب لسانا، وأبينهم حُجّة، وأقومهم عبارة، وأرشدهم سبيلا، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته أجمعين. أمّا بعد، فإنّ مجال العمل المعجميّ يعدّ من أهم مجالات النشاط اللّغويّ وأصعبها؛ ويقتضي مواصفات خاصّة في روّاده؛ في مقدّمتها الدّقة والأناة والصّبر. ولنا أن ننظر -اليوم- إلى جهود علمائنا القدامى في صناعة المعاجم، وما خلّفوه لنا من تراث معجميّ زاخر لنرى ما عانوه من نَصَبٍ بالغ، وما بذلوه من دقّة متناهية في الجمع والاستيعاب، وفي التّنظيم والتّبويب؛ وما وَفّروه لهذا الأمر المهم من أسباب النّضج والنُّجْح ما كفل له أن يتصدّر قمة نشاطاتهم اللّغوية؛ فصفت لنا بذلك موارد اللّغة وحُفظت أصولها، وما ترمي إليه من صحاح المعاني، ودقائق الدّلالات. ولمّا كان جمهور المشتغلين بعلوم العربيّة في شتّى فنونها ومناحيها لا يستغنون عن الرّجوع إلى هذا الضّرب من المؤلفات؛ فقد استمرّت جهود العلماء، وتضافرت في هذا المجال، وتعاقبت، وامتازت بالشّمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 والتّنويع؛ فرأينا جوانب شتّى فيه؛ كالبسط والاختصار والتّهذيب والاستدراك والتّحشية والتّعليق والنّقد. وقد اتصل جهد الخلف بجهود السلف في النشاط المعجمي، الذي لا يزال معدودا في مجالات الدراسات اللغوية الخصيبة في الأصوات والأبنية والتراكيب والدلالات؛ فاستقطب – بأَخَرَةٍ – اهتمامات كثير من الباحثين؛ غير أنه لا يزال في حاجة إلى المزيد من الدراسات. ومن المعلوم أن الكلمات في اللغة العربية ترتبط بأصولها ومعانيها؛ في نظام بالغ الدقة، يكشف عن جمال هذه اللغة وجلالها. ومن الثابت عند علماء اللغة العربية أن لكل كلمة وما تفرع عنها أصلا واحدا فحسب، بَيْدَ أنَّ ثَمَّةَ أصولا - يصعب حصرها – تتداخل؛ وأعني بذلك: أن الكلمة الواحدة قد يتوارد عليها أصلان أو أكثر، مما يؤدّي إلى التداخل مع أصلها الحقيقي؛ فيلتبس الأصلان أو الأصول؛ فكلمة (المَدِينة) – مثلا – يتوارد عليها أصلان ثلاثيان؛ فيتداخلان؛ وهما (م د ن) و (د ي ن) ويتداخل في كلمة (الرُّمَّان) أصلان؛ وهما (ر م م) و (ر م ن) أما كلمة (القرآن) فإنها تحتمل ثلاثة أصول: (ق ر أ) و (ق ر ي) و (ق ر ن) وتحتمل كلمة (مَأْجَجٍ) ثلاثة أصول – أيضا -، وهي: (أج ج) و (م ج ج) و (م أج ج) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ومن أعجب ما وقع فيه التداخل كلمة (كَوْكَب) فإن فيها خمسة أصول متداخلة؛ وهي: (ك ك ب) على مذهب الجمهور، و (وك ب) على مذهب الأصمعي والأزهري، و (ك ب ب) على مذهب الراغب الأصفهاني، و (ك وك ب) على مذهب الخليل وأبي بكر الزبيدي، و (ك ب ك ب) على مذهب بعض الباحثين المعاصرين. وقد كثر التداخل في أنواع مخصوصة من ألفاظ اللغة، منها: الرباعي المضاعف؛ نحو: سلسل وزلزل ووسوس، فأثر ذلك في بناء معاجم القافية تأثيرا بالغا؛ إذ تابع صناع تلك المعاجم فيه المذهب الكوفي؛ وهو أن مثل تلك الكلمات هو من الثلاثي، وتركوا المذهب المشهور، وهو مذهب البصريين وجمهور النحاة واللغويين؛ وحاصله أن تلك الكلمات رباعية. وعلى الرغم من ذلك فإن متابعتهم الكوفيين لم تتصف بالاطراد؛ فثَمَّةَ كلمات من ذلك الضرب وضعت عندهم في الرباعي؛ وهو موضعها الصحيح؛ ومما يثير الانتباه أنّ ما جاء في موضعه الصحيح من هذا الضرب كاد يقتصر على باب الهمزة فقط. أما نحو: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ، ودَمِثٍ ودِمَثْرٍ؛ فهو باب من التداخل؛ وتداخل الأصلين منه عند المعجميين دفعهم إلى ترجمة أحدهما في الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ومما كثر فيه التداخل، واختلفت فيه المعاجم: المهموز والأجوف والناقص وذو النون أو الميم، فكان بعضهم يرى الهمزة أو الميم أو النون من الأصل، وبعضهم يرى ذلك زائداً أو يرى الهمزة منقلبة عن حرف علة، أو العكس؛ فيضعها فريق في باب، ويضعها فريق في باب آخر، بل إنهم كثيرا ما وقعوا في تكرار المهموز في المعتل؛ مما أدى إلى تضخيم البابين. والحق أن المعتل والمهموز من أكثر الأصول إثارة لحيرة اللغويين والمعجميين، ولا سيما تداخل الواو والياء في المعتل الناقص؛ فأدى ذلك إلى محاولة بعض المعجميين تجاوز هذه العقبة بوضع الواوي واليائي في باب واحد؛ وأول من فعل ذلك: الجوهري في (الصحاح) فغدا صنيعه منهجا يُحتذى. أما النون فمزلقتها كبيرة، فإن أصالتها تلتبس في أول الكلمة، وفي وسطها، وفي آخرها؛ نحو: نَرْجِسٍ، وذُرْنُوحٍ، وضَيْفَنٍ. وللميم مزلقة لا تقل عن النون فأصالتها تلتبس في أول الكلمة، وفي وسطها، وفي آخرها – أيضا– نحو: الْمَدِينَةِ، ودُلاَمِصٍ، وحُلْقُومٍ. وقد تخفى حالة التاء؛ إذا وقعت في أول الكلمة، نحو: تَرْقُوَةٍ، وتَنُّورٍ، وتَأْلَبٍ، وتُرَامِزٍ، وتَوْلَجٍ، وتَنُوخَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ومن عجائب تداخل الأصول في: (اللِّسَان) أنّ ابن منظور ذكر (الأَفْكَلَ) وهي: الرعدة – في أصل رباعي، في باب اللام؛ فصل الهمزة، مع نص أكثر العلماء العربية على أن الكلمة ثلاثية الأصول، والهمزة فيها زائدة، وقد قرر ابن منظور نفسه زيادة الهمزة فيها؛ فوزنها عنده: (أَفْعَل) ومع ذلك وضعها في الرباعي، على أصالة الهمزة. والحق أن لتداخل الأصول أثراً بالغاً في بناء المعجم العربي، ولا سيما معاجم القافية، التي تعتمد على أصل الكلمة أساسا في التبويب والترتيب؛ فإن الكلمة قد تنتقل من باب إلى باب آخر، أو من فصل إلى فصل آخر، فتجيء في غير موضعها الصحيح، أو توضع في موضعين، أو أكثر، مما يؤدي إلى خلل بَيِّن في النظام المعجمي الدقيق، ويسهم في تضخيم بعض الأبواب. ومن ضرر التداخل في المعاجم أنه يحول بين الباحث فيها عن شيء ومراده فيها، وقد امتد هذا الأثر إلى بعض العلماء في مؤلفاتهم؛ فاستدركوا على بعض المعاجم مواد هي فيها. ويؤدي التداخل – أيضا – إلى الحكم على الكلمة بأنها من أصل ليست منه، مما ينتج عنه شيء من الاضطراب في بعض الأحكام التصريفية، كحركة عين المضارع في الأجوف، أو الناقص، أو المهموز، وكذا في الجمع والتصغير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ويقود وضع الكلمة في موضعين أو أكثر إلى اختلاف شرحي الكلمة أو شروحها؛ في المضمون، من حيث الترجمة، أو الضبط، أو الأحكام، أو النقول، أو الشواهد، أو النصوص، ونحو ذلك. وقد يؤدي تداخل الأصول إلى ظهور أبنية غريبة على العربية، بعيدة عن قياسها، كـ (افْلأَعْلَ) على رأي من يجعل كلمة: (اكْلأَزَّ) من الأصل الثلاثي (ك ز ز) و (فَعْفَبِيلٍ) نحو: (سَلْسَبِيلٍ) على تقدير أنه ثلاثي من (س ل ل) على مذهب الراغب الأصفهاني؛ و (افْعَالَ) نحو: (انبَاقَ) حملا على صنيع الجوهري، في وضعه الكلمة في (ن ب ق) . وتهدف هذه الدراسة، التي بين أيدينا، إلى تناول أمرين: أولهما: تداخل الأصول اللغوية؛ وهو جانب صرفيّ محض. وثانيهما: سَبْرُ الأثر الذي يمكن أن يحدثه هذا التداخل في بناء معاجم القافية. واتخذتُ من مدرسة القافية ميدانا للدرس والتحليل في الأمرين كليهما، بوصفها المدرسة التي اعتمدت معاجمها أصل الكلمة أساسها الأول في الترتيب؛ فسبقت بذلك غيرها من المدارس المعجمية. ولذلك اخترت أن يكون عنوان الدراسة: (تداخل الأصول اللغوية، وأثره في بناء المعجم العربي من خلال مدرسة القافية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ولقد أقمتها على مواد منتخبة، مما يربي على ألفي مادة، تداخل في كل منها أصلان، أو أكثر، وهذا يعني أن الأصول المتداخلة – فيما وقفت عليه – تزيد على أربعة آلاف أصل. واقتضت طبيعة الموضوع أن تأتي الدراسة في خمسة أبواب؛ يسبقها تمهيد؛ أتيت فيه على أمور تتصل بالبحث؛ وهي: (الأصول) و (التداخل) و (المعجم) و (القافية) و (سبب اختيارها) . وجاء الباب الأول بعنوان: (الأصول والزوائد) وبنيته على ثلاثة فصول. أفردت أولها للأصول في عرف اللغويين، قدامى ومحدثين. وجعلتُ ثانيها للزوائد بجميع أنواعها، كالزيادات المقيسة، والإلحاق، والزيادات غير المقيسة. أما ثالثها فهو يبحث في مقاييس التفريق بين الأصول. ونال (تداخل الأصول) ما يستحق من الدراسة، فجاء في البابين الثاني والثالث، ونحوت فيهما منحى يؤدي إلى حصر ظاهرة التداخل في إطارها العام، بحيث يؤمن أن يند شيء من صورها المختلفة؛ فالتداخل على قسمين: ما يقع في البناء الواحد. وما يقع بين بناءين مختلفين غير متاكفئين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وللأول ثلاث صور: التداخل بين الثلاثي والثلاثي. والتداخل بين الرباعي والرباعي. والتداخل بين الخماسي والخماسي. وللثاني ثلاث صور ـ أيضاً ـ: التداخل بين الثلاثي والثلاثي. والتداخل بين الثلاثي والخماسي. والتداخل بين الرباعي والخماسي. وجعلت للقسم الأول بابا مستقلا؛ وهو الباب الثاني؛ وكان الباب الثالث للقسم الثاني من قسمي التداخل. ولما كان أسباب التداخل وأثره في بناء المعاجم من أهم ما في هذه الدراسة، وهو يُعَدُّ ثمرتها، فقد أفردته في بابين مستقلين: الرابع والخامس، فجاء أولهما – وهو الباب الرابع – بعنوان: (أسباب التداخل وأثره في بناء معاجم القافية) وكان هذا الباب من أوسع أبواب الدراسة، فناسب اتساعه أهميته، وفيه فصلان: أولهما: أسباب التداخل. ثانيهما: أثر التداخل في بناء معاجم القافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وأما الباب الخامس - وهو الأخير – فقد أفرد لـ (أثر التداخل في النقد المعجمي) وجاء في فصلين: أولهما: للنقد المعجمي عند القدامى. ثانيهما: للنقد المعجمي عند المتأخرين. ثم جاءت الخاتمة، واشتملت على أبرز النتائج، التي توصل إليها البحث، وبعض التوصيات، وتلا ذلك الفهارس العامة. وقد درست هذه الظاهرة اللغوية دراسة تاريخية مقارنة، مستقرئا آراء القدماء والمحدثين، ومحللا إياها، ومبديا ما أراه حيال بعضها من ملحوظات، متخذا من الدرس الصرفي القديم – لا سيما ما استقر عليه البصريون – أساسا لدراسة الأصول، فاقتضت طبيعة الدراسة الاعتماد فيها على أربعة مناهج معروفة في الدراسات اللغوية الحديثة، وهي: 1- المنهج الوصفي. 2- المنهج التاريخي المقارن. 3- المنهج الاستقرائي. 4- المنهج النقدي. وحاولت المزج بينها بما يخدم الدراسة. ثم إني كنت أعلم تماما ما في البحث من مصاعب ومتاعب، وقد حملني على ركوب الصعبة بلا أَحْلاسٍ دوافعُ لم يزل صداها يَرِنُّ في أذني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وأهدافٌ لمعت لي من بعيد، فشمرت لها عن ساعد الجِدّ، آملا أن أضع صُوًى على بُنَيّاتِ الطريق، وكان من أهم هذه الدوافع والأهداف: أ - حُبّي الشديد للدرس اللغوي؛ ولا سيما مجالات الصرف العربي، وموضوعات فقه اللغة وعلى رأسها الدراسات المعجمية؛ وقد تيسر لي – بتوفيق الله – في هذه الدراسة الجمع بين الرغبتين. ب- الوقوف على ظاهرة تداخل الأصول بالدراسة التفصيلية التحليلية؛ أسوة بغيرها من الظواهر اللغوية؛ التي نالت حظها من الدرس؛ وقد تبين لي أن موضوع هذه الدراسة مما لم يطرقه الباحثون قديما وحديثا، خلا ما جاء منه في إشارات متفرقة هنا وهناك، وأهمها ما جاء في (الخصائص) لابن جني، الذي عرض لبعض جوانبه، والإشارات النقدية التي أثارها بعض المعجميين في معاجمهم؛ ولعل إغفال الباحثين المعاصرين هذا الموضوع راجع إلى ما يكتنفه من تشعب وغموض في بعض جوانبه. ج- الوقوف على أثر (تداخل الأصول) في بناء معجم القافية، وحصر آثاره السلبية، والتنبيه عليها، ومحاولة وضع الحلول الممكنة لتلافي ذلك مستقبلا، فيما يؤلف من معاجم، تتخذ من الأصول أساسا لبنائها، وعلى رأسها المعجم التاريخي، الذي وضعت فكرته في العصر الحديث، وأرسيت قواعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 د- تَغَيُّرُ معنى الكلمة بسبب التداخل، وما يترتب عليه من عدم إدراك السامع مراد المتكلم، ومن أشهر أمثلته ما جاء في الحديث المرفوع أن قوما من جهينة جاءوا إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- بأسير، وهو يُرْعَدُ من البرد، فقال: "أَدْفُوهُ"، فذهبوا به فقتلوه، فَوَدَاهُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم- وإنما أراد – عليه السلام: أَدْفِئُوهُ من البرد، وهو من: (د ف أ) وسهّله؛ لأنه ليس من لغته التحقيق؛ فالتبس بأصل آخر؛ وهو (د ف و) ومنه قولك: دَفَوْتُ الجَرِيحَ أَدْفُوهُ دَفْوًا؛ إذا أَجْهَزْتَ عليه. هـ- إبراز أكبر قدر ممكن، مما جاء من الألفاظ في غير موضعه، في معاجم القافية، أو مما وضع في موضعين أو أكثر، ليكون عونا للقارئ. و ومما شحذ همتي على المضي في هذا البحث ما قرأته أو سمعته من أن بعض المتختصّصين في غير العربية كان يشكو من إهمال المعاجم بعض الكلمات، ككلمة (امْتَارَ) مثلا، لأنه طلبها في مادة (م ت ر) وفاته أن التاء فيها تاء الافتعال، وأن الكلمة معتلة العين، وهي مثل: (اخْتَارَ) من الخير، فـ (امْتَارَ) من المِيرة، وهي جَلْبُ الطعام، وليست من (م ت ر) . وقرأت للدكتور محمود الطناحي ما نصّه: (جاءني – ذات يوم – طالب يُعِدّ رسالة (دكتوراه) وسألني – متعجباً -: "كيف لا يذكر ابن منظور في (لسان العرب) شيئا عن معنى كلمة (التراث) ؟ " فقلت له: "وكيف كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ذلك؟ " قال: "هو على ما وصفت لك، لقد بحثت عن مادة (ت ر ث) في فصل التاء من كتاب الثاء، فلم أجد لها ذكرا!! " فقلت له: "ابحث في مادة (ور ث) وستجد بغيتك " 1. وإذا كان أصل كلمتي: (امْتَارَ) و (التُّرَاثِ) ظاهرا لأكثر الباحثين، والكشف عنهما في المعجم لا يعد مطلبا عسيرا، فإن الباحث عن كلمة (تُكَلَةٍ) مثلا ليعجب حين يجد ابن منظور يضعها في (ك ل ت) من باب التاء، إلى جانب موضعها الصحيح، وهو (وك ل) . ومثل هذه الدقائق كثير يغري الغاصة على تتبعه وتقميشه. نعم، ولا أنسى – في ختام هذه الكلمة – أن أتوجه بالشكر لأساتذتي في قسم اللغويات بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، الذين أفدت منهم في هذا البحث، وأخص بالشكر الجزيل، والعرفان بالجميل: أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد يعقوب تركستاني، المشرف على هذا البحث؛ الذي كان لي نعم العون والسند، بتوجيهاته السديدة، ومتابعته الدقيقة، فكان له يَدٌ في إتمام البحث، واستوائه على سوقه، وظهوره بالصورة، التي كنت أطمح إليها، فله مني موفور الشكر، والدعاء الصادق له بالمثوبة من الله عز وجل.   1 الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وأستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور سليمان بن إبراهيم العايد، الذي أهدى إليّ فكرة هذا البحث، وهوّنه عليّ بعد أن كدتُ أن أنصرف عنه، لوعورة الطريق، وضخامة الجَهد، الذي يتطلبه، فجزاه الله خير الجزاء. وأستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد العزيز محمد فاخر الذي استحسن الموضوع، وحبب إليّ الكتابة فيه، وحثني على إتمامه، فجزاه الله خيرا وأجزل له المثوبة. كما أشكر: إخواني، وزملائي، وكل من مد لي يد العون، فجزاهم الله عني جميعاً خيراً. وبعد: فقد أفرغت – في هذا البحث – جَهْدي وطاقتي، غير زاعم بلوغ الغاية؛ ولكنني أرجو المقاربة والسداد، بما أسعفني به جهدي القليل، وفكري الكليل، في التنقيب، والاستقصاء، والاستنباط، والتعليل، ولا أبرئ نفسي – مع هذا – من التقصير، وسوء الفهم، والعثرة، والزلة؛ والمأمول ممن ينظر في عملي أن يصلح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصر عنه الفهم، فالإنسان محلُّ النسيان، وعلى الله التكلان، ومنه العون والتوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والحمد لله، الذي كتب على الإنسان الإحسان في كل شيء، وهو حسبي، ونعم الوكيل. المدينة المنورة 1414هـ الموافق 1994م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 التمهيد المبحث الأول: الأصول ... المبحث الأول: الأصول: الأصول جمع أصل، ولمادة (أص ل) في اللغة عدة معان، يمكن ردها إلى ثلاثة معان مختلفة، وهي: 1- أساسُ الشّيء. 2- نوعٌ من الحيات. 3- ما كان من النهار قبل الغروب 1. أما الأول: فأصل الشيء: أسفله، وأساس الحائط: أصله، وأصل الشجرة: جذورها، ويقال: استأصل الله بني فلان، إذا لم يدع لهم أصلا. ثم كثر ذلك حتى قيل، أصل كل شيء، ما يستند وجود ذلك الشيء إليه، فالأب أصل للولد، والنهر أصل للجدول. وأما الثاني: فالأصلة جنس من الحيات، وهو أخبثها، وقيل: حية عظيمة قصيرة الجسم، تَثِبُ على الفارس فتقتله. وأما الثالث: فزمان من النهار، يسمى: أصيلا، وهو العشي 2، أو ما بعد العشي 3، والمشهور أنه ما بعد صلاة العصر إلى الغروب 4، قال أبو ذؤيب:   1 ينظر: مقاييس اللغة (أصل) 1/109، واللسان (أصل) 11/16-18، والمصباح المنير (أصل) 16. 2 ينظر: تهذيب اللغة (أصل) 12/240. 3 ينظر: مقاييس اللغة (أصل) 1/110. 4 ينظر: المصباح المنير (أصل) 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 َعَمْرِي لأنتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ ... وَأَقْعُدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالأَصَائِلِ1 ومن العسير إعادة هذه المعاني المتباينة إلى معنى واحد مشترك، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أنها لغات. أما الأصول في اصطلاح اللغويين والصرفيين، فلا تبتعد عن المعنى اللغوي الأول لمادة (أص ل) فالأصل هو الحرف: الذي يلزم في بناء الكلمة 2 لفظا أو تقديرا، قال ابن مالك في تعريفه: وَالْحَرْفُ إن يَلْزَمْ فَأَصْلُُ والذِّي ... لا يَلْزَمُ الزَّائدُ مَثلُ (تا) احتُذِي3 وقد اعْتُرِضَ عليه بأن هذا التعريف غير جامع للأصول4، لأنه لا يجمع أفراد المعرف كلها، إذ يخرج عن ذلك، نحو: (وَعَدَ) وواوه أصل، وتسقط في بعض تصاريف الكلمة لعلة، كـ (عِدَةٍ) و (يَعِدُ) .   1 ينظر: شرح أشعار الهذليين 1/142 وفيه (أكرِمَ) بالبناء للمجهول، وفي المقاييس (أصل) 1/11 (أكرِمُ) ، وكذلك في اللسان (أصل) 11/16، وهو أقرب، لما بعده. 2 ينظر: شرح ابن الناظم 826، وشرح المرادي 5/233. 3 ينظر: الخلاصة 376 (ضمن مجموع مهمات المتون) ، وينظر: شرح ابن الناظم 826، وكاشف الخصاصة 398. 4 ينظر: شرح المرادي 5/233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ويمكن دفع هذا الاعتراض بأن المراد باللزوم: لفظاً أو تقديراً، إذ الفاء في: (عِدَةٍ) والعين في: (قُلْ) واللام في (لُغَةٍ) ونحو ذلك أصول على الرغم من سقوطهن في بعض التصاريف، والساقط لعلة تصريفية كالثابت 1. ويتلخص من ذلك أن الأصول هي: الحروف التي تلزم في جميع تصاريف الكلمة، فتكون موجودة تحقيقا أو تقديرا. فالموجودة تحقيقا كحروف (أَكَلَ) و (دَحْرَجَ) و (سَفَرْجَل) والموجودة تقديرا هي التي تسقط لعلة تصريفية، كفاء (سِمَةٍ) وهي الواو، وعين (بِعْ) وهي الياء، ولام (سُفَيْرِج) و (سَفَارِج) وهي اللام2، والفاء واللام في قولك (قِ نفسك عذاب النار) وهما الواو والياء، ونحو ذلك. وترد كلمة (جُذُورٍ) مرادفة لـ (أُصُولٍ) في معناها اللغوي3 والاصطلاحي، وبخاصة عند اللغويين المتأخرين4، فيقال جَذْرُ الكلمة، بمعنى: أصلها.   1 ينظر: بلوغ الأرب في الواو المزيدة في كلام العرب 45،46. 2 ينظر: الخصائص 2/296. 3 ينظر: اللسان (جذر) 4/123. 4 ينظر: إحصائيات جذور معجم لسان العرب 5، ودراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس 8، وعلم اللغة العربية 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وللكلمة العربية أصل واحد فحسب، فلا يكون لها أصلان فأكثر، ويدل على ذلك دليلان: أما الأول: فإن الأصل لا يستحق أن يكون أصلا، ويتصف بهذه الصفة إلا إذا تفرّد، فإن الشيء الواحد ليس له إلا أصل واحد. أما الثاني: فإنك ترى باستقراء ما ظهر اشتقاقه في العربية أن الكلمة الواحدة تعود إلى أصل واحد، فأصل الكتاب (ك ت ب) والاجتهاد (ج هـ د) والتناصح (ن ص ح) وهكذا، وهو أكثر اللغة، ويزيد على تسعة أعشارها، ولا تجد كلمة واحدة من ذلك آلت إلى أصلين. ومن هنا فينبغي أن يحمل ما قل وخفيت أصوله على ما كثر وظهرت أصوله. وإذا وُجدت كلمتان متحدتان في المعنى، ومتشابهتان في أكثر الحروف، فلا تخلوان من أحد أمرين: أولهما: أن تكونا من أصل واحد، وقد طرأ عليهما أو على أحدهما تغيير صوتي أو بنائي، بسبب القلب، أو الإعلال، أو الإبدال، أو الهمز، أو التسهيل، أو نحو ذلك. وثانيهما: أن تكونا من أصلين مختلفين، وهما من قبيل الترادف، ولا يصح الوجهان معا، بل لا بد أن يكون أحدهما – في نهاية الأمر – هو الصواب، وإن خفي ولم يوصل إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وينبغي التنبيه على التزام الحذر عند الترجيح – مع الاعتراف بصعوبة ذلك – فلا يُقطع به من غير دليل قوي. وأقل ما تكون عليه أصول الكلمة المتصرفة ثلاثة أحرف؛ حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يحشى به، وهو الكثير، وهذا مشترك بين الأسماء والأفعال، وأكثر ما تكون عليه الكلمة خمسة أحرف، وهو خاص بالأسماء، وذلك قليل، وأما ما جاء من الكلمات المتصرفة على حرفين أو حرف واحد فمما سقط بعض حروفه، وما جاء على أكثر من خمسة أحرف ففيه زيادة. وهذا مذهب الجمهور من اللغويين والصرفيين النحاة.1   1 ينظر: العين 1/48،49، والأصول 3/179، والوجيز في علم الصرف 27، والملخص في ضبط قوانين العربية 2/253، وشرح الكافية الشافية 4/2013،2014، والمساعد 4/30، وشرح مختصر التصريف العزي للتفتازاني 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 المبحث الثاني: التَّداخُل التداخل (تَفَاعُل) من مادة (د خ ل) وهي أصل مطرد؛ وهو الولوج1.ويقال: فلان دخيل في بني فلان: إذا كان من غيرهم2،ودخيل الرجل: الذي يداخله في أموره3، والدخيل ـ أيضاً ـ الضيف والنَّزيل؛ لدخوله على المضيف4. والجامع بين هذه المعاني المختلفة معنىً عام؛ وهو ولوج شيءٍ في غيره. والتداخل في الاصطلاح من ذلك المعنى اللغوي العام؛ وهو دخول أصل لغوي (جذر) في أصل آخر؛ مما قد يؤدي إلى صعوبة تمييز الأصل الأول من الثاني، أو الداخل من المدخول عليه. ومن هنا استخدمت صيغة التفاعل (التَّدَاخُل) لتدل على المشاركة. ومثال التداخل: (الأَوْتَكُ) 5 وهو نوع من التمر، يتوارد عليه أصلان؛ هما (وت ك) و (أت ك) فيتداخلان.   1 ينظر: مقاييس اللغة (دخل) 2/335. 2 ينظر: الجمهرة 1/580. 3 ينظر: الصحاح (دخل) 4/1697. 4 ينظر: اللسان (دخل) 11/242. 5 ينظر: اللسان (وتك) 10/59، ويقال له أيضاً: الأوتكى والأوتكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ومن أوائل من فطن إلى هذا المعنى الاصطلاحي إمام العربية ابن جني؛ وهو أول من استخدم عبارة (تَدَاخُلِ الأُصُولِ) فيما وصل علمي إليه؛ إذ عقد باباً لذلك عنوانه: (باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية) 1 وذكر جملة من أمثلته، وبحث في أصولها، ولكنه بحث التداخل من جانب واحد فحسب. فتداخل الأصول؛ الذي أعنيه في هذا البحث؛ ذو شقين: أحدهما: أن يتوارد أصل أو أكثر على كلمة؛ مما يؤدي إلى التداخل مع أصلها الحقيقي؛ فيلتبس الأصلان أو الأصول؛ كـ (المكان) يتوارد عليه أصلان؛ فيتداخلان؛ وهما (م ك ن) و (ك ون) ويتوارد على (الترقوة) ـ وهي القَلْت بين العنق ورأس العضد ـ ثلاثة أصول؛ فتتداخل؛ وهي (ر ق و) و (ر ق ي) و (ت ر ق) وهذا هو الشق الأكبر من (تداخل الأصول) . أما الشق الثاني من التداخل؛ ـ وهو أقل كثيراً من سابقه ـ فهو ما عناه ابن جني؛ وهو: أن يتشابه الأصلان في الحروف أو في أكثرها مع اتفاقهما في المعنى؛ كـ (رَخْوٍ) و (رِخْوَدٍّ) 2، و (ضَيَّاطٍ)   1 ينظر: الخصائص 2/44-55. 2 الرَّخْود: اللين؛ وهو من الرجال: اللين العظام، وهو كالرخو. ينظر: اللسان (رخو) 3/172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 و (ضَيْطار) 1، و (دَمِثٍ) و (دِمَثْرٍ) 2 فيظن من أنهما أصل واحد؛ وهما أصلان مختلفان؛ على مذهب المحققين من اللغويين. وقد وضّح ابن جني مراده في ذلك بقوله عن التداخل في الثلاثي: "أن تجد الثلاثي على أصلين متقاربين، والمعنى واحد، فههنا يتداخلان، ويوهم كل واحد منهما كثيراً من الناس أنه من أصل صاحبه؛ وهو ـ في الحقيقةـ من أصل غيره".3 وقال عن تداخل الثلاثي بالرباعي: "فأما تداخل الثلاثي والرباعي لتشابههما في أكثر الحروف فكثير؛ منه قولهم: سَبِطٌ وسِبَطْرٌ 4؛ فهذان أصلان لا محالة؛ ألا ترى أن أحداً لا يدعي زيادة الراء) 5. وقال عن تداخل الرباعي والخماسي: "وأما تزاحم الرباعي مع الخماسي فقليل؛ وسبب ذلك قلة الأصلين جميعاً؛ فلما قلاّ قَلّ ما يعرض من هذا الضرب فيهما"6.   1 الضّيّاط: العظيم الجنبين، ومثله الضيطار. ينظر: اللسان (ضطر) 4/488 و (ضيط) 7/345. 2 الدمث والدمثر: السهل اللين. ينظر: اللسان (دمث) 2/149 و (دمثر) 4/291. 3 الخصائص 2/44. 4 السبط والسبطر: السريع الممتد. ينظر: اللسان (سبطر) 4/342. 5 الخصائص 2/49. 6 الخصائص 2/55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ومما يُلْحظ في بعض نصوص ابن جني أنه يستعمل كلمة (تَزَاحُم) بمعنى (تَدَاخُل) مرادفة لها. وهذا الشق من التداخل الذي ذكره ابن جني ـ على قلته ـ يمكن إدخاله في الشق الأول؛ فيُنظَرُ إلى التداخل من جهة واحدة؛ فهو يقول: إن (سَبِطا وسِبطراً) يتداخلان؛ وهما أصلان مختلفان؛ فيقال ـ حينئذ ـ إن (سِبَطراً) يتوارد عليه أصلان فيتداخلان؛ وهما: (س ب ط) و (س ب ط ر) وكذلك (رِخْوَدٌّ) يتوارد عليه أصلان فيتداخلان؛ وهما (ر خ د) و (ر خ و) 1 وهكذا يمكن توجيه ما ذكره ابن جني، فالمآل واحد. نعم؛ وثَمَّةَ كلمات كثيرة تتداخل أصولها عند اللغويين؛ فكلمة (أُفْنُون) وهو الغصن المُلتفّ، والجري المختلط، والكلام المُثبّج ـ يتداخل أصلها بغيره؛ فيتوارد عليها أصلان، هما: (ف ن ن) و (أف ن) فهي (أفْعُول) أو (فُعْلُول) 2 وكلمة (البُرْهَان) ـ بمعنى البيان ـ يتداخل فيها أصلان: (ب ر هـ ن) و (ب ر هـ) .3   1 الخصائص 2/49. 2 ينظر: الكتاب 4/246، والارتشاف1/23، والمزهر 2/8. 3 ينظر: الجمهرة 3/1238، واللسان (برهن) 13/51 و (بره) 13/476. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وربما تتداخل أصول ثلاثة، فتتوارد على كلمة واحدة، فكلمة الملائكة يتوارد عليها ثلاثة أصول1: (ل أك) و (أل ك) و (م ل ك) . ومثل ذلك (المُعَار) في قول الشاعر: أَعِيرُوا خَيْلَكُمْ ثُمَّ اركِضُوهَا ... أَحَقُّ الخَيْلِ بالرَّكْضِ المُعَارُ2 وهو السمين المُضَمّر، أو المنتوف الذّنَب، فتتوارد عليه ثلاثة أصول؛ هي: (ع ور) 3 و (ع ي ر) 4 و (م ع ر) 5. وربما تتداخل أصول أربعة فتتوارد على كلمة واحدة، فمن ذلك لفظ الجلالة (الله) يتوارد عليه6: (أل هـ) و (ول هـ) و (ل وهـ) و (ل اهـ ا) والأخير من (لاها) بالسريانية أو العبرانية.   1 ينظر: المنصف 2/102، والمقتصد في شرح التكملة 2/823،824، وشرح الشافية للرضى 2/346، واللسان (ألك) 10/393 و (لأك) 10/482 و (ملك) 10/496. 2 ينظر: التكملة والذيل والصلة (عور) 3/132. 3 ينظر: التكملة والذيل والصلة 3/132. 4 ينظر: اللسان 4/626. 5 ينظر: اللسان 5/180. 6 ينظر: المقاييس 1/127، والمخصص 17/134-151، وسفر السعادة 1/5-14، وموطئة الفصيح 5ب،6أ، وعناية القاضي1/50-62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وكذلك الذُّرِّيّة يتوارد عليها أصول أربعة؛ وهي (ذ ر أ) و (ذ ر ر) و (ذ ر و) و (ذ ر ى) 1. وتداخل الأصول يختلف من كلمة إلى أخرى؛ فمنها ما هو شديد الوضوح، ومنها ما هو شديد الخفاء والغموض. والذي يدل على خفاء بعض الأصول وتداخلها تردد بعض العلماء في أصولها؛ فـ (مَنجَنُون) وهو الدَّولاب (فَعْلَلُول) عند سيبويه، ولكنه ذكر بعد بضعة أسطر أنه (فَنْعَلُول) 2. وتردد الصّغاني في أصل (الحَدَلَّق) ـ وهو القصير المجتمع ـ حيث نقل عن ابن دريد أنه (فَعَوْلل) 3 فقال الصّغاني: "فإن كانت اللام أصلية فهذا موضِعُ ذِكْرِه4، وإن كانت زائدة فموضع ذكره قبل هذا التركيب بتركيب" 5.   1 ينظر: معاني القرآن للزجاج 1/399، والمحتسب 1/156-160، والصحاح (ذرأ) 1/51، والبحر المحيط 1/372، والدر المصون 2/101. 2 ينظر: الكتاب 4/292. 3 ينظر: الجمهرة 2/1188، وفيه أنه (الحَدَوْلق) بالواو، وهو يوافق الوزن الذي ذكره الصغاني. 4 يعني (حدلق) . 5 التكملة (حدلق) 5/25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ويدل على ذلك ـ أيضاً ـ كثرة ما يوجد من الهفوات أو السهو فيه لجلِّة العلماء؛ ألا ترى ما حكي عن أبي عبيد القاسم بن سلام من أنه قال في (مَنْدُوحَة) من قولك: ما لي عنه مندوحة؛ أي: متسع: إنها مشتقة من (انداحَ) ؟ 1 قال ابن عصفور:"وذلك فاسد؛ لأن (انداح) : (انفَعَلَ) ونونه زائدة، ومَنْدُوحة: (مَفْعُولة) ونونه أصلية؛ إذ لو كانت زائدة لكانت (مَنفُعْلَة) وهو بناء لم يثبت في كلامهم؛ فهو على هذا مشتق من النَّدْحِ؛ وهو جانب الجبل وطرفه؛ وهو إلى السَّعَة"2. ومن ذلك أن المازني سأل ابن السكيت في مجلس المتوكل بقوله: "يا أبا يوسف، ما وزن (نَكْتَل) من قوله تعالى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} 3؟ " قال له: " (نَفْعَل) ". قال ابن سيده ـ في تمام الرواية: "وكان هنالك قوم قد علموا هذا المقدار؛ ولم يؤتوا من حظ يعقوب ـ في اللغة ـ المِعشار، ففاضوا ضحكاً، وأداروا من الهزء فَلَكاً، وارتفع المتوكل؛ فخرج السّكّيتي والمازني؛ فقال ابن السكيت: "يا أبا عثمان؛ أسأت عِشْرتي، وأَذْوَيْتَ   1 ينظر: التهذيب (ندح) 4/424. 2 الممتع 1/29. 3 سورة يوسف: الآية 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مَشْرَتي".1 فقال له المازني: "والله ما سألتك عن هذه حتى تحققت أني لم أجد أدنى محاولاً، ولا أقرب منه متناولاً".2 ولا شك ـ عندي ـ أن ذلك سهو من أبي يوسف؛ كأنه اشتق (نَكْتَل) من (ك ت ل) وهي من (ك ي ل) . وجواب ما سأل عنه أبو عثمان أن يقال: (نَفْتَلْ) مضارع (افْتَعَل) من (اكتال) حُذفت عينه بسبب التقاء الساكنين عند جزم الفعل. وذهب ثعلب في قولهم: (أُسْكُفُّةُ الباب) إلى أنها من قولهم: اسْتَكَفّ؛ أي: اجتمع. قال ابن جني: "وهذا أمر ظاهر الشناعة؛ وذلك أن أُسْكُفَّةً: (أُفْعُلّة) والسين فيها فاء، وتركيبه من (س ك ف) وأما اسْتَكفّ، فسينه زائدة؛ لأنه (اسْتَفْعَل) وتركيبه من (ك ف ف) فأين هذان الأصلان حتى يُجمعا، ويدانى من شملهما؟ ولو كانت أُسْكُفَّة من: اسْتَكَفّ لكانت (أسْفُعْلَة) "3 وهذا لا نظير له. ومن ذلك ما ذكره عبد القاهر الجرجاني، بقوله: "وأما ذكر ابن دريد: المَلَك في تركيب (م ل ك) فلا اعتداد به؛ لأنه قد ذكر ـ أيضاً ـ:   1 أذوى بمعنى أيبس وأذبل، والمَشْرة: النظارة والحسن، أو الكُسْوَة. ينظر: اللسان (مشر) 5/174، و (ذوا) 14/290. 2 المحكم 1 /4. 3 الخصائص 3/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 -: لِثَة مع: ثَهْلان ورِعَة مع: عاهر، وغير ذلك؛ مما هو من تصريف الصّبيان".1 هكذا قال الشيخ عبد القاهر، وعندي أن ذلك لم يكن لقلة ما في اليد؛ بل وقع ـ ومثله كثير في الجمهرة ـ لأسبابٍ منها: أن ابن دريد أملى الجمهرة إملاء من حفظه من دون مراجعة؛ فكانت الكلمات تنثال، والأصول تتزاحم؛ فتتداخل، وربما صحّف المستملي، أو حرّف، أو كتب غير ما سمع، فتحمل أبو بكر وِزْرَ ذلك. على أن أعجب ما وقفت عليه مما يتصل بالتداخل جعْل أبي الحسن كُراع النمل حرف العين من (دعق) في قولهم: (دَعَقَتِ) الدابةُ الطريقَ (دَعْقاً) زائدة2 فيكون الأصل (د ق ق) ؛ وهو مما لا يقول به أحد من المتقدمين؛ لأنه يخالف ما انتهوا إليه في الأصول. وبالجملة فإن (تداخل الأصول) لا يخرج عن قسمين: أولها: التداخل في البناء (الأصل) الواحد؛ كتداخل الثلاثي بالثلاثي، والرباعي بالرباعي، والخماسي بالخماسي.   1 المقتصد في شرح التكملة 2/833. 2 المنتخب 2/700، وقد علّق محققه الدكتور/ محمد أحمد العمري عليه بأن العين في (دعق) أصلية، وقال: "وفي هذا المثال ونحوه نرى تكلف المصنف رحمه الله ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وثانيهما: التداخل بين بناءين (أصلين) مختلفين؛ كتداخل الثلاثي بالرباعي، والثلاثي بالخماسي، والرباعي بالخماسي. وهذا سبيل حصر الظاهرة في إطارها العام؛ بحيث لا يَتخلّف من جوانبها المختلفة شيء ـ إن شاء الله ـ وهو ما يأتي تفصيله في البابين الثاني والثالث. وثَمَّةَ نوع من التداخل شاع ذكره عند اللغويين والصرفيين، وأعني به: تداخل اللغات، ويسمى ـ أيضاً ـ تَرَكّب اللغات، وقد عقد له ابن جني باباً1؛ وذكر له أمثلةً منها ما جاء على فَعِلَ يفْعَلُ؛ نحو: نَعِمَ ينعُمُ، وفَعَلَ يَفْعَلُ؛ مما ليس حلقي العين أو اللام؛ نحو: قَلَى يَقْلَى، ورَكَنَ يَرْكَنُ؛ وأخرج ابن جني ذلك من الشذوذ، وعزاه إلى تداخل اللغات وتركبها؛ بقوله: "واعلم أن أكثر ذلك وعامته إنما هو لغات تداخلت فتركّبت".2 ويوضح حال التداخل في ذلك بقوله: "قولهم: قَنَطَ يَقْنَطُ إنما هو لغتان تداخلتا؛ وذلك أن قَنَطَ يَقْنِطُ لغة، وقَنِطَ يَقْنَط أخرى؛ ثم تداخلتا؛ فتركبت لغة ثالثة".3   1 الخصائص 1/374-385. 2 الخصائص 1/375. 3 الخصائص 1/380. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ولا يخفى أن مثل هذا النوع من التداخل ليس من (تداخل الأصول) في شيء؛ فلا سبيل له إلى هذا البحث؛ الذي يدور على الحروف؛ وهي الأصول وعليها مدار بناء المعجم العربي، أما تداخل اللغات فمداره على الحركات. وثَمَّةَ علاقة بين تداخل الأصول وتداخل اللغات؛ وهي أن تداخل الأصول قد يؤدي إلى تداخل اللغات؛ لا سيما في الأجوف، أو الناقص، أو مهموز اللام؛ في الثلاثي؛ كما سيأتي بيانه في الباب الرابع ـ إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 المبحث الثالث: المعجم المعجم اسم مفعول على القياس، أو مصدر بمنزلة الإِعْجَام1 من (أعجم) وتدلّ مادّة عجم على ثلاثة معان؛ كما يقول ابن فارس، وهي: 1- السكوت والخفاء. 2- الصّلابة والشّدّة. 3- العضّ والمذاقة والمضغ.2 فأولها (الرجل الذي لا يُفصح؛ وهو أَعْجَمُ، والمرأة عَجْمَاء: بيِّنة العُجْمَة؛ قال أبو النَّجْم: أَعْجَمُ في آذَانِها فَصِيحا3 ويُقال عجم الرجل؛ إذا صار أَعْجَمَ، ويُقال للصبيّ ما دام لا يتكلم ولا يفصح: صَبِيّ أَعْجَمُ، ويقال صلاة النهار: عَجْمَاء؛ إنما أراد أنه لا يجهَرُ فيها بالقراءة.4   1 ينظر: سر الصناعة 1/35. 2 ينظر: المقاييس (عجم) 4/239. 3 ديوانه 84، وينظر: التهذيب 4/253. 4 ينظر: المقاييس (عجم) 4/239،240. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أما الثّاني، فالعَجَمُ نَوَى التَّمْر والنَّبِق، والعَجَمَات الصخور الصِّلاب.1 أما الثالث، فالعَجْمُ: عَضٌّ شديد بالأضراس دون الثنايا، وعَجَمَه يعجُمُه: عَضَّه؛ ليعلم صلابَتَه من خَوَرِه.2 ولم تكن دلالة (معجم) في الاصطلاح محددة على النحو الذي استقرت عليه عند المعجميين المتأخرين؛ فقد اختلفت توجيهات علماء العربية لمعنى (معجم) فهي ـ عند أكثرهم ـ تدّل على حروف الهجاء. يقول الخليل: "المعجم حروف الهجاء المُقطّعة؛ لأنها أعجمية. وتعجيم الكتاب: تنقيطُهُ؛ كي تستبين عُجمته".3 وروى الأزهري أن أبا العباس المُبرِّد سئل عن حروف المعجم:لم سُمّيت معجماً؟ فقال: أمّا أبو عمرو الشيباني فيقول: أُعْجِمَتْ: أُبهمت4. وأمّا الفرّاء فيقول: "هو من أعجمتُ الحروف"5.   1 ينظر: اللسان (عجم) 12/391. 2 ينظر: اللسان (عجم) 12/390. 3 العين (عجم) 1/238. 4 ينظر: التَّهذيب (عجم) 1/391. 5 ينظر: التَّهذيب (عجم) 1/391. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وروى الأزهري عن أبي العباس قوله1: "وسمعت أبا الهيثم يقول: مُعْجَم الخطِّ هو الذي أعجمه كاتبه بالنقط. تقول: أعجمتُ الكتابَ أُعْجِمُهُ إعجاماً". وقال ابن فارس2: "والذي عندنا -في ذلك- أنه أريد بحروف المعجم حروف الخط المُعْجَم، وهو الخط العربي؛ لأنا لا نعلم خطاً من الخطوط يُعجم هذا الإعجام؛ حتى يدل على المعاني الكثيرة". ويربط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي بقوله: "فأما أنه إعجام الخط بالأشكال فهو عندنا يدخل في باب العضِّ على الشيء؛ لأنه فيه؛ فسمي إعجاماً؛ لأنه تأثير فيه يدل على المعنى"3. ولعل خير توجيه لذلك ما ذكره ابن جني، وفصله في كتاب (سر الصِّناعة) 4 وحاصله أن المعجم مصدر بمنْزِلة (الإعجام) كما تقول: أدخلته مدخلاً؛ فكأنهم قالوا: هذه حروف الإعجام؛ من باب إضافة المفعول إلى المصدر؛ أي من شأنها أن تُعجم.   1 التَّهذيب (عجم) 1/391. 2 المقاييس (عجم) 4/241. 3 المقاييس (عجم) 4/241. 4 1/33-40 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ولما كان معنى مادة (عجم) موضوعاً للإبهام والخفاء ونحوه؛ فإن معنى (أعجَمَ) أفاد الوضوح؛ بفضل همزة السلب والنفي؛ كما يقال: أَشْكَيْتَ زيداً: إذا أزلتَ شكواه، وأشكلتَ الكتابَ: أَزَلْتَ عنه إِشكاله. وقد سبق علماءُ الحديث علماءَ العربية في استخدام كلمة (معجم) أو إطلاقها على بعض مصنفاتهم1 فقد ذكر الإمام البخاري (ت256هـ) باباً بعنوان: (باب تسمية من سمي من أهل بدر على حروف المعجم) . ومن المصنفات: (معجم الصحابة) لأبي يَعْلى التميمي (ت 307هـ) و (المعجم الكبير) و (المعجم الصغير) وكلاهما للبغوي المعروف بابن بنتِ مَنيع (ت 317هـ) و (معجم الشيوخ) لأبي الحسين عبد الباقي ابن قانع البغدادي (ت 351هـ) و (المعجم الأوسط) و (المعجم الكبير) وهما للطبراني (360هـ) . ونجد من كتب الأدب (معجم الشعراء) للمرزُباني (384هـ) . وفي البلدان (معجم ما استعجم) للبَكري (ت 487هـ) و (معجم البلدان) لياقوت الحموي (ت626هـ) .   1 ينظر: المعجم العربي لحسين نصار:13، والمعاجم العربية: مدارسها ومناهجها 9،10، والمعاجم العربية دراسة تحليلية 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ولم يؤثر عن اللغويين المتقدمين استخدام كلمة (معجم) في تسمية مصنفاتهم، سوى أبي هلال العسكري (ت 395هـ) في معجمه الخاص الصغير، المسمى (المعجم في بقية الأشياء) 1 ولا يعرف –على وجه التحديد- متى أطلق مصطلح (معجم) على المعاجم العربية. يقول الدكتور حسين نصار: "وليس ببعيد أن يطلق عليها في الوقت السابق نفسه؛ لاشتراكهما مع الكتب السابقة في الترتيب على حروف المعجم؛ فالدلالة الملاحظة في الاسم هي الترتيب لا الجمع"2. وغير بعيد –عندي- أن يكون السبب في إحجام اللغويين عن إطلاق كلمة (معجم) على معجماتهم هو سبقُ علماء الحديث إلى استخدام التسمية في كتبهم، وارتباطها بأسماء الرجال والطبقات وأنه لذلك استخدمها المرزوباني وياقوت في طبقاتهما. ولعل اللغويين رأوا أن التسمية اختصت بغيرهم، وبنوع من التصنيف غير ما هم فيه؛ فرغبوا عنها. وبالجملة؛ فإن الذي استقر عليه مصطلح (معجم) عند اللغويين المتأخرين -ومنهم المعاصرون- أن المعجم: كتاب يضم قدراً من ألفاظ   1 حققه الأستاذان: إبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، ونشرته دار الكتب المصرية سنة 1353هـ – 1943م. 2 المعجم العربي14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 اللغة مرتبةً على نمطٍ معين، ومشروحةً شرحاً يزيل إبهامها، ومضافاُ إليها ما يناسبها من المعلومات1. أما نشأة المعجم العربي فكانت إبّان تدوين ألفاظ العربية؛ في النصف الثاني من القرن الأول الهجري. ثم مرَّ المعجم بمراحل متدرجة؛ حتى نضج واكتمل؛ وهي خمس مراحل تُسْلِمُ كلُّ مرحلة منها إلى ما يليها، مع وجود شيء من التداخل بينها: المرحلة الأولى: مرحلة التفسير الشفوي: تُؤرَّخُ هذه المرحلة ببدء نزول القرآن الكريم، الذي يعد الأساس لأكثر علوم العربية، ومنها علم المعاجم العربية. لقد أثار القرآن الكريم كوامن الفكر العربي، وأيقظ النشاط فيه، ولما كانت الكتابة غير شائعة بين العرب، اعتمدوا – في نشاطهم الجديد - على المشافهة والحفظ في الصدور. وتتمثّل نواة المعجم العربي في تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام –رضوان الله عليهم- القرآنَ الكريم، ثم الحديث النبوي الشريف. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفسر غريب القرآن لصحابته؛ لا سيما ما لم يكن مألوفاً من الألفاظ أو المعاني؛ كسؤال عديّ   1 ينظر: مقدمة الصحاح للعطار38،والمعاجم العربية المجنسة14، والمعاجم اللغوية7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ابن حاتم -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن معنى (الخيطِ الأبيض والخيط الأسود) في قوله عز وجل وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1وغير ذلك كثير. وقد أثر عن بعض الصحابة تفسيرهم غريب القرآن، وكان لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قدمٌ راسخةٌ في ذلك2. على أن ابن عباس -رضي الله عنهما- (ت 15هـ) يُعَدُّ الأساس- في تلك المرحلة- لنشأة المعجم العربي؛ فقد اختصَّ بتفسير غريب القرآن؛ حتى سمي بـ (ترجمان القرآن) 3 وتُعَدُّ سؤالات نافع بن الأزرق؛ التي أجاب عنها ابن عَبَّاس؛ مستدلاً بشعر العرب نواةَ المعجم العربي وطليعته. ولابن عباس -رضي الله عنهما- من الآثار4 التي وصل علمنا إليها ونُسِبَت إليه؛ مما يمكن إدراجه ضمن الرسائل المعجمية الصغيرة   1 ينظر: سورة البقرة: الآية 187. 2 ينظر: البرهان في علوم القرآن1/8. 3 ينظر: البرهان في علوم القرآن 1/8. 4 ينظر: المعجم العربي لحسين نصار73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الخاصة: (لغات القرآن) و (غريب القرآن) 1 وكلاهما –إن صَحّت نسبته إلى ابن عباس- روي عنه رواية 2. المرحلة الثانية: مرحلة الجمع العامّ: وهو جمع اللغة بشكل غير منظّم، أو جمعها في سياقاتها المختلفة. وتؤرخ هذه المرحلة بأواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني، وفيها ظهر الاعتماد على الكتابة، إلى جانب المشافهة القائمة على الحفظ. وعُرِفَتْ -في هذه المرحلة- رواية اللغة، ومن أشهر رواتها: أبو البَيْدَاء الرِّياحيّ، وأبو الدُّقيش، وأبو عُمَر بن كِرْكِرَة، وأبو خَيْرَة العَدَوي، وكان الراوية يشافه الأعرابَ في البادية؛ فيدوّن ما سَمِعَ من لغةٍ عامةٍ؛ لا ينتظمها ترتيبٌ سوى ترتيب السماع. المرحلة الثالثة: مرحلة تأليف الرسائل الخاصّة: وفي هذه المرحلة بدأ تجريد اللغة من سياقاتها المختلفة، وتدوينها وَفْقَ نُظُمٍ معينة؛ في إطار المعاني والموضوعات؛ فظهرت رسائلُ صغيرة في النبات، والحشرات، واللِّبا واللَّبن، والطير، والنحل والعسل، وغير ذلك.   1 ينظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان4/8، المعجم العربي لحسين نصار39. 2 ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وممن ألَّف في هذا الفن: أبو زيد الأنصاري (ت 215هـ) والأصمعيّ (ت 215هـ) وابن الأعرابي (ت 231هـ) والنَّضر بن شُمَيل (ت 241هـ) . المرحلة الرابعة: مرحلة معاجم المعاني والموضوعات العامّة: وقامت هذه المرحلة على ما أُلِّف في المرحلة السابقة من رسائل لغوية، فقد عَكَفَ بعض العلماء على جميع تلك الرسائل؛ وتصنيفها في معاجم مُطوّلة؛ بحسب المعاني والموضوعات؛ كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (ت 224هـ) في (الغريب المصَنَّف) وابن السِّكِّيت (ت 244هـ) في (الألفاظ) وكُراعٌ (ت 310هـ) في (المُنتخب) . واستمرت هذه المرحلة مواكبة للمرحلة التالية، فألَّف فيها علماءُ في القرن الخامس؛ كالثعالبي (ت429هـ) في (فقه اللغة) وابن سيدةَ (ت458هـ) في (المخصص) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 المرحلة الخامسة: مرحلة معاجم الألفاظ: وهي مرحلة المعاجم المجنسة المطولة، وتُعدُّ امتداداً طبعياً لما قبلها؛ فقد نهض جماعة من العلماء بعبءِ تصنيف ما وقفوا عليه من رسائلَ لغوية، ومعاجم مطولة في المعاني والموضوعات؛ ليسهل على القارئ الرجوع لمبتغاه فيها. على أنّ ما يعكِّرُ صفو هذا التسلسل المطّرد أن رائد المعجم العربي –بعامة- ومعاجم الألفاظ -بخاصّة- الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ) قد سبق مرحلته؛ بل سبق المرحلة التي قبلها. ويمكن توجيه ذلك بأن عمل الخليل كان طَفْرَةً في التفكير المعجمي؛1 سبقت زمنها؛ بدليل الفجوة الزَّمنية بينه وبين صُنَّاع معاجم الألفاظ؛ كابن دُريد (ت 321هـ) في (جمهرة اللغة) والقالي (ت 358هـ) في (البارع) والأزهري (ت 370هـ) في (تهذيب اللغة) والصاحب بن عباد (ت 385هـ) في (المحيط) والجوهري (ت 393هـ) في (الصحاح) وابن فارس (ت 395هـ) في (مجمل اللغة) و (مقاييس اللغة) وابن سيدة (ت 458هت) في (المُحكم) . وهي طَفْرَة تناسب عقلية الخليل وخَيَاله الخَصب.   1 ينظر: ضحى الإسلام2/270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وتُعَدُّ هذه آخر مرحلة مهمة في تطور المعجم العربي، وفيها ظهر ما يعرف بـ (المدارس المعجَمِية) ومن تلك المدارس: (مدرسة القافية) وهي محور الحديث في المبحث التالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 المبحث الرابع: مدرسة القافية رأى اللغويون أن معاجم المعاني والموضوعات لا تساعد على حصر اللغة، ولا يؤمَن فيها التكرار؛ فاللغة مركبة من متناهٍ، وهو الحروف، والمركب من متناهٍ متناه، فاهتدوا إلى طرق عدةٍ؛ يمكن من طريقها حصر اللغة، فتسابقوا إلى ابتداع أفضل الطرق، واختلف المنهج من عالِمٍ إلى آخر، وحاول اللاحق أن يختار أحسن ما لدى السابقين، ويتلافى عيوبهم، وقلَّد بعضهم بعضاً، حتى استقرت طرق الترتيب، وانكشفت معالم كل طريقة، فيما عرف - مؤخراً بـ (المدارس المعجمية) . والترتيب أمر مهم تتفاوت المعاجم فيه؛ وهو الذي يجعل الناس أكثر إقبالاً على معاجمَ دون غيرها؛ وهو سبب شيوع بعضها، وخمول بعضها الآخر. ومن المعروف أن أساس التصنيف المعجمي هو (الحرف) في الكلمة، وهو قائم على اعتبارين: الأول: موقع الحرف من الكلمة. الثاني: موقع الحرف من الأبجدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أما الاعتبار الأول - موقع الحرف من الكلمة - فهو أساس الترتيب، وبالنظر إليه تفرعت المدارس وتباينت؛ فمدرسة للحرف الأول، وأخرى للحرف الأخير، وثالثة للحرف المطلق؛ وهي المدرسة التي أَهْمَلَتْ موقع الحرف من الكلمة، وفيما يلي بيان ذلك1 - بإيجاز - لتمييز مدرسة القافية من غيرها والوقوف على مكانتها بين المدارس المعجمية: أ- مدرسة التَّقْلِيبَات2الحرف المطلق: رائد هذه المدرسة هو الخليل بن أحمد الفراهيدي في معجمه (العين) وأساس الترتيب فيها أن توضع الكلمة في الحرف الأسبق وفق   1 ينظر: مقدمة الصحاح للعطار92، والمعجم العربي لحسين نصار215 وما بعدها، والمعاجم اللغوية12، والمعاجم العربية المجنسة46، والمعاجم اللغوية العربية37، والمعاجم العربية لدرويش15، والمعاجم العربية: مدارسها ومناهجها26، والمعاجم العربية بحوث في المادة والمنهج 109، والمعاجم العربية دراسة تحليلية21، والبحث اللغوي عند العرب175. 2 وتعرف - أيضاً- بـ (مدرسة التقليبات الصوتية) ، ويسميها بعضهم (المدرسة الصوتية) وهذا الأخير غير سديد - في نظري- لأنه أقام التسمية على الترتيب الهجائي المتبع؛ وهو الترتيب الصوتي، ويلزم - حينئذٍ - إخراج الجمهرة من تلك المدرسة؛ مع أن الجمهرة من مدرسة التقليبات، ولا يختلف عنه إلاَّ في تركه الترتيب الصوتي وأخذه بالترتيب الألف بائي، ولو ترك ابن منظور في (لسان العرب) الترتيب الألف بائي وأخذ بالترتيب الصوتي مع بقائه على منهجه في نظام الباب والفصل لما أخرجه ذلك من مدرسة القافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الترتيب الصوتي المخرجي، فابتدأ بأبعد الحروف مخرجاً؛ وهو العين، وانتهى بالحروف الشفوية والهوائية (واي) . ومن منهج الخليل في الترتيب أنه جعل للمعجم ترتيباً خارجياً، وآخر داخلياً؛ ففي الترتيب الخارجي قسَّم المعجم ستَّةً وعشرين1 كتاباً على حروف المعجم؛ مبتدئاً بالعين، ومنتهياً بحروف العلة (واي) والهمزة، مع التزام نظام التقليبات؛ أي أنه عالج الكلمة وتقليباتها المستعملة في موضع واحد على التوالي؛ فمثلاً كلمة (رَقَّ) تذكر في القاف؛ لأنه أسبق الحرفين، ويذكر مقلوبها؛ وهو (قَرَّ) وكلمة (بَحَر) تذكر في كتاب الحاء؛ لأنه أسبق الحروف الثلاثية فيها، ويذكر معها مقلوباتها؛ وهي كما يلي: حرب، حبر، رحب، ربح، بحر، برح. ولعل بحثه عن الحرف (المطلق) الأول في ترتيبه هو الذي قاده إلى نظام التقليبات، ولنا أن نعكس ذلك؛ فنقول: إن نظام التقليبات هو الذي أدى إلى إطلاق الحرف، أي: أن ينظر إلى الحرف الأسبق في ترتيب الحروف بغضِّ النظر عن موقعه من الكلمة.   1 لأنه دمج حروف العلة والهمزة في كتاب واحد، وكتبه كما يلي: ع- ح- هـ- خ-غ- ق- ك- ج-ش- ض- ص-س- ز- ظ- د- ت- ط- ذ- ث- ر- ل- ن- ف- ب- م- (وايء) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وفي الترتيب الداخلي لكل كتاب أخضعَ ما فيه من مادةٍ لنظام الأبنية، فباب للثنائي، وباب للثلاثي، وباب للرباعي، وباب للخماسي. وسار على هذا النظام غير الخليل: الأزهريُّ في (تهذيب اللغة) والزُّبيدي في (مختصر العين) والقالي في (البارع) وابن عباد في (المحيط) 1 وابن سيدة في (المحكم) . وخالفهم ابن دريد، إلاَّ أنه لم يخرج من المدرسة؛ حيث استبدل الترتيب الألفِ بائي بالترتيب الصوتي، وأبقى على نظام التقليبات والأبنية في الترتيب الداخلي. ب-مدرسة القافية الحرف الأخير: تقوم هذه المدرسة على تقسيم المعجم سبعةً وعشرين 2باباً؛ بعدد حروف المعجم: باعتبار الحرف الأخير لأصل الكلمة، ومن هنا تسمى (القافية) .   1 يرى العلايلي (ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية268) أن ابن عباد سار على نهج شيخه ابن فارس في ترتيب (المجمل) و (المقاييس) . وهذا مخالف للحقيقة؛ فالمحيط لابن عباد يسير على نهج مدرسة التقليبات، وقد طبع كاملاً. وينظر: المعجم العربي لحسين نصار360، والبحث اللغوي عند العرب199. 2 يذكر بعضهم أنها ثمانية وعشرون باباً، وأول من قال بذلك الجوهري نفسه في مقدمة (الصحاح) وتابعه كثير من العلماء، والأصوب في ذلك أن يقال: إنها سبعة وعشرون باباً، لدمج الواو والياء في كتاب واحد؛ كما فعل الجوهري في (الصحاح) بقوله: (باب الواو والياء) واتَّبعه في ذلك: الصَّغاني، وابن منظور، والفيروز آبادي، والزبيدي. على أنه قد يصح القول بأنها ثمانية وعشرون، إذا عُدَّ ما ذيلوا معاجمهم به، أعني الألف اللينة في الحروف وما أشبهها. أما الفصول فهي ثمانية وعشرون؛ لفصلهم بين الواو والياء، وجعلهم كلاًّ منهما فصلاً مستقلاً قائماً برأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 هذا هو الترتيب الخارجي؛ ثم يُرتب كل باب ترتيباً داخلياً بتقسيمه ثمانية وعشرين فصلاً؛ باعتبار الحرف الأول للكلمة، أما حشوها فللترتيب داخل كل فصل. والتزم في ترتيب الحروف الترتيب الألف بائي المعروف، ولم يؤثر أن معجماً من معاجم هذه المدرسة التزمَ الترتيب الصوتي، ولو تم ذلك - مع التزام القافية - لما أخرجَ صاحبَه من مدرسة القافية، إلاَّ أن يكون فرعاً على المدرسة؛ كـ (الجمهرة) في مدرسة التقليبات. ويمكن إيجاز نظام مدرسة القافية في الترتيب في كلماتٍ؛ فيقال: إنّ الحرفَ الأخير للباب، والأولَ للفصل، والحشوَ للترتيب داخل الفصل. ويعد هذه النظام من أدق أنظمة المعاجم؛ فليس للأصل الواحد فيه سوى موضع واحد، إلاَّ ما يقع للإحالة ونحوها؛ بسبب تعدد اللغات؛ كالإبدال والهمز والتسهيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أما غير ذلك فهو من (تداخل الأصول) أو السهو، أو التصحيف، أو خطأ النُّسَّاخ. وتجمع هذه المدرسة - إلى دقة النظام - حسن الوضع، وقرب المتناول، مع تيسيرها سبيل حصر اللغة لمن أراده من صُنَّاع المعاجم. ورائد هذه المدرسة –فيما وصل علمنا إليه من تراث العربية هو أبو بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي (ت 284هـ) في كتابه (التقفية في اللغة) حيث رَتَّبَ كلماته على الحرف الأخير. وقد وضَّح منهجه في ذلك بقوله: "ونظرنا في نهاية الكلام؛ فجمعنا إلى كل كلمة ما يشاكلها مما نهايتها كنهاية الأولى قبلها من حروف الثمانية والعشرين، ثم جُعل ذلك أبواباً على عدد الحروف، فإذا جاءت الكلمة مما يحتاج إلى معرفتها من الكتاب نظرتَ إلى آخرها؛ مما هو من هذه الحروف؛ فطلبته في ذلك الباب الذي هي منه؛ فإنه يسهل معرفتها ـ إن شاء الله"1. غير أن عمل (البندنيجي) في هذه المدرسة يمثّل مرحلة من مراحلها؛ الّتي اكتملت بعمل الجوهري في (الصّحاح) . لقد ترك البندنيجيّ ترتيب الكلمات داخل كلّ باب، فهو بذلك لم يراعِ نظام الفصل؛ مما أدى إلى حشد الكلمات في كلّ باب بغير نظام معين؛ وذلك يتطلب من الباحث مراجعة الباب كله للبحث عن كلمة   1 التقفية 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 معينة فيه، ويضاف إلى ذلك أنه لم يجرد الكلمات من الزوائد، ولم يرجعها إلى أصولها؛ فكلمات: (الخَفَاءِ) و (الجَفَاءِ) و (الرِّيَاءِ) -مثلاً- في باب الهمزة، وكلمات: (الناحية) و (البادية) و (الجابية) في باب الهاء، شأنه في ذلك شأن أي عمل في بدئه، يَعْتَوره شيء كثير أو قليل من جوانب القصور والخلل. ولذلك كان هذا المعجم غير صالح لدراسة تداخل الأصول فيه. ومن رُوَّاد هذه المدرسة: أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350هـ) في معجمه (ديوان الأدب) وهو أول من أخذ بنظام الفصل الذي لم يراعه (البندبيجي) وراعى ما بين حرف الفصل وحرف الباب من حَشْوٍ في الترتيب، ولكنه التزم منهجاً خاصاً به جعله أقرب إلى معاجم الأبنية من أي شيء آخر؛ وذلك أنه قسَّم كتابه تقسيماً خارجياً بحسب الأبنية؛ فجعله ستة أقسام؛ سماها كتباً، ثم جعل كلّ كتاب من هذه الكتب شطرين: أسماءً، وأفعالاً، ثم قسَّم كل شطر منهما أبواباً؛ بحسب التجرد والزيادة ونوع البناء، وهكذا؛ وفي داخل كلّ بناء من هذا التفريع رتب ما فيه من كلمات على نظام مدرسة القافية؛ على أكمل صورة؛ أي بالتزام نظام الباب والفصل والحشو، وكرر ذلك مئات المرات؛ فجاء معجمه –بذلك كله- وَعْرَ المسلك، ومشتت المادة؛ وهو أقرب –في صعوبته- إلى معاجم التقليبات، فلكي يصل الباحث إلى مراده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 يحتاج إلى أن يلم بجملة أشياء، وعليه أن يخطو خطوات عدةٍ قبل الوصول إلى المراد. وهذا المعجم يخرج من نطاق هذا البحث؛ وإن كان من الممكن الاستفادة مما فيه؛ وبخاصة الأبنية. أما ثالث الرّواد في هذه المدرسة وآخرهم فهو: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393هـ) في معجمه (تاج اللغة وصحاح العربية) المعروف بـ (الصحاح) وهو رائد هذه المدرسة المطلقُ عند بعض الباحثين1. والحق أن نظام المدرسة في الترتيب استوى على يديه، واستقر؛ فلم يضف أحد من بعده شيئاً يذكر على ما قدمه في المنهج، ولا حاجة لذكر منهجه هنا؛ فقد تقدم إيجازه2. والذي تطمئن إليه النفس في ريادة هذه المدرسة أن يقال: إنَّ الثلاثة رواد؛ فللبندنيجي فضل ابتداع نظام القافية؛ أعني: الباب، وللفارابي فضل الكشف عن نظام الفصل، وعلى يد الجوهري استوى المنهج واستقرَّ؛ وبسببه ذاع وانتشر.   1 ينظر: الجوهري مبتكر منهج الصحاح19،ومقدمة الصحاح للعطار101. 2 ينظر: ص (62) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ولعلَّ مدرسة القافية أعظم المدارس المعجمية على الإطلاق؛ لجمعها بين الدقة والسهولة، ولكونها تمدّ اللغويين والأدباء بفوائد جمة؛ فالأديب –ناثرٌ أو شاعرٌ- يجد فيها طِلْبَتَه؛ فهي تمده بالقوافي، وتعينه على السجع. ومن هنا نجد أتباع هذه المدرسة كُثُراً؛ فمن أتباعها –خلا الصحاح: (العُباب الزاخر) و (التكملة والذيل والصلة) و (مجمع البحرين) وهي للصَّغاني (ت 650هـ) و (القراح) لأبي الفضل القريشي (من أهل القرن السابع) و (اللسان) لابن منظور (ت 711هـ) و (القاموس المحيط) للفيروزآبادي (ت 817هـ) و (الجامع) و (الراموز) وهما لمحمد بن السيد حسن (ت 866هـ) و (إضاءة الراموس) لابن الطيب الفاسي (ت 1173هـ) و (تاج العروس) للزَّبِيدي (ت 1205هـ) وغير ذلك. ويكفي ما ألف حول (الصحاح) 1 ويعد بالعشرات؛ ومثله (القاموس) 2 إذ ألِّف حوله كثير من المعاجم والدِّراسات. ج - مدرسة الصدر الحرف الأول:   1 ينظر: مقدمة الصحاح للعطار 154-210، واللغة العربية وعلومها75-84. 2 ينظر: معجم المعاجم 222-226. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 تقوم هذه المدرسة في نظامها على وضع الكلمة تحت أول حروفها الأصول، فيقَسَّمُ المعجمُ ثمانيةً وعشرين باباً بعدد حروف المعجم؛ ويراعى في ترتيب الكلمات –في كلَّ باب- الحرف الثاني فالثالث فالرابع فالخامس، إن وجد. ونظام هذه المدرسة أسهل الأنظمة المعجمية، ولا يفوقه في السهولة إلاَّ نظام الترتيب المعجمي الحديث؛ الذي يتم فيه ترتيب الكلمات من أولها إلى آخرها؛ كنظام هذه المدرسة، ويختلف عنها بأن وضعَ الكلمة فيه يكون بحسب نطقها؛ أي بدون تجريدها من الزوائد. ولكن يعيب هذا الترتيبَ السّهلَ تفريقُ مشتقات الكلمة الواحدة؛ وتشتيتها بين الأبواب؛ فكلمات: (الخروج) و (التخريج) و (الاستخراج) كلٌّ منها في باب بحسب أوائلها. والمشهور أن رائد تلك المدرسة هو جار الله الزمخشري (ت 538هـ) في معجمه (أساس البلاغة) والصحيح أن ريادتها مُقَسَّمة بين أربعة من العلماء؛ أولهم: أبو عمرو الشيباني (ت 213هـ) في معجمه (الجيم) 1 إلاَّ أنّ أبا عمرو لم يراع ما بعد الحرف الأول، ولم يراع –أيضاً- تجريد الكلمات من زوائدها؛ فكان صنيعه - في هذه المدرسة - مثلَ صنيع (البندنيجي) في مدرسة القافية.   1 ينظر: المعاجم المجنسة50، وكتاب (الجيم) الذي بين أيدينا يؤكد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وثاني هؤلاء هو أحمد بن فارس (ت 395هـ) في معجمه (مجمل اللغة) و (مقاييس اللغة) ومنهجه يختلف عما استقر عليه منهج هذه المدرسة من ناحيتين: إحداهما: أنه قسَّم كل باب ثلاثة أقسام، هي: الثنائي، ثم الثلاثي، ثم ما زاد على الثلاثي، وهو الرباعي والخماسي. والأخرى: أنه إذا ابتدأ بالحرف نظر إلى الحرف الثاني؛ فراعى أن يبدأ بما بعد الحرف الأول في الترتيب الألف بائي، وكذلك فعل في الحرف الثالث مع الحرف الذي يسبقه، وهو الثاني، فمثلاً في باب العين بدأ –في الثلاثي- بكلمة (عَفَقَ) لأن الفاء أول الحروف المستعملة بعد العين، ولأن القاف أول الحروف بعد الفاء، وذكر بعدها (عَفَكَ) وهكذا حتى انتهى إلى حرف الياء، ثم عاد إلى ما تركه مما هو قبل العين من الحروف الثواني مبتدئاً بالهمزة، حتى وصل إلى العين، وهو الحرف الذي انطلق منه بطريقة أشبه ما تكون بالدَّائرة باتجاه واحد؛ وهي طريقة غريبة وصعبة؛ وليس لها ما يبرِّرها في الصنعة المعجميَّة، ولذلك لم تجد لها رواجاً. وثالث هؤلاء هو محمد بن تميم البرمكي في كتابه (المنتهى) الَّذي ألَّفه سنة (397هـ) وذكر العطار1 أن البرمكي أعاد ترتيب (الصحاح)   1 ينظر: مقدمة الصحاح للعطار105-107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 على الحرف الأول وما يليه من الحروف؛ وبذلك يكون قد سبق الزمخشريَّ؛ وهو رائد المدرسة عند العطار. غير أن الدكتور حسين نصار يُشَكِّكُ في ذلك استناداً إلى أوراق من مخطوطة الكتاب اطلع عليها في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية؛ فقال: "يبدو أنها مختلة الترتيب"1. ورابع هؤلاء هو أبو عبيد الهروي (ت401هـ) في كتابه (الغريبين) إذ سار على النظام المكتمل لهذه المدرسة، وإن صحَّ ظنُّ الدكتور حسين نصار في اختلال الأوراق في نسخة (المنتهى) للبرمكي فإنَّ الهروي هو صاحب الفضل في استواء منهج هذه المدرسة على سوقه، أمَّا الزَّمخشريُّ في معجمه (أساس البلاغة) فهو تابع للهروي وليس رائداً في هذه المدرسة خلافاً للمشهور بين الدَّارسين. وبالجملة؛ فإن الأربعة المذكورين: أبا عمرو الشيباني، وابن فارس، والبرمكي، وأبا عبيد الهروي يتقاسمون ريادة هذه المدرسة وفضلَ ظهورها، وليس للزمخشري فيها شيء من الزيادة.   1 المعجم العربي511. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 المبحث الخامس: سبب اختيار مدرسة القافية إن تعميم هذه المدرسة، لتشمل المدارسَ الثلاثةَ، يمكن أن يكون أمراً مفيداً، ولكنه لا يخلو من عقبات منهجية؛ ذلك أنَّ ثَمَّ فروقاً كبيرة بين المدارس المعجمية الثلاث في نُظُم الترتيب؛ على نحو ما وَضَّحت في المبحث السابق؛ فالفرق بين مدرستي التقليبات والقافية أن الأخيرة أساسها في ترتيب المعجم هو الأصول (الجذور) بصرف النظر عن اعتبارات الإعلال أو القلب أو الإبدال أو الحذف أو التعويض أو التضعيف أو الإدغام؛ بينما لم تكن الأصول (الجذور) الأساسَ الوحيدَ في نظام مدرسة التقليبات وترتيبها؛ بل إنهم طوَّعوا الأصول، وأخضعوها لخدمة نظام التقليبات؛ فليس في كل مرةٍ تراعى الأصول. ولا أدل على ذلك من الباب الأول في جميع معاجم التقليبات، التي بين أيدينا؛ وأعني به (باب الثنائي) إذ وضع فيه - خلا الثنائي- الثلاثيُّ المضعف والرباعي المضاعف وهما ليسا منه بالنظر إلى الأصول. وأُوردُ بعض الأمثلة مما جاء في باب الثنائي من (باب العين) نحو: العِقَّة والعَقيقة والعَقْعَقَةِ، والعُكَّةِ والعَكْعَكَةِ وعَكَكْتُه، وكَعَّ كَعاً والكَعْكَعَة، وعَجَّ العَجُّ والعَجَّاجُ والعَجْعَجَةِ، وجعَّ يَجُعُّ والجَعْجَعَةِ، وعشَّ يعُشُّ والعَشْعَشَةِ، وشَعَّ الشُّعاعُ والشَّعْشَعَةِ، وعضَّ يعضُّ والعَضْعَضَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 والضَّعِّ والضَّعْضَعَةِ، والعَصِّ والصَّعِّ والصَّعْصَعَةِ، والعسِّ والسَّعِّ والسَّعْسَعَةِ، والعطِّ العطعَطَةِ، والعَدِّ والمعدودِ، والعَتِّ والتَّعِّ والتَّعْتَعةِ، والعَلِّ والتَّعَلُّلِ، والنَّعِّ والنَّعْنَعَةِ، وعَفَّ والعَفَافِ1. فليس لأحدٍ أن يقول: إنَّ الخليلَ، وابنَ دريدٍ، والأزهريَّ، والصاحبَ ابنَ عبادً، والقاليَّ، ابنَ سيدة، لا يميِّزون الثنائي من الثُّلاثي أو الرُّباعي ومن ثَمَّ يقول: إن الأصول قد تداخلت عندهم؛ فهم يعرفون ذلك حقّ المعرفة وهم أرباب اللغة والصنعة. ولنستمع إلى قول إمام اللغويين؛ وهو مبتدع هذا التقسيم: الخليل بن أحمد في مقدمة (العين) حيث قال عن الأول: "كلام العرب مبني على أربعة أصناف: على الثنائي، والثلاثي، والرباعي، والخماسي، فالثنائي على حرفين؛ نحو: قد، لَمْ، هل، لو، بل، ونحوه من الأدوات والزجر"2. وقال: "والثلاثي من الأفعال نحو قولك: ضرب، خرج … والرباعي من الأفعال نحو: دحرج"3.   1 ينظر: باب الثنائي من كتاب العين في كلًّ من: العين1/62-95، والجمهرة1/53-172، والتهذيب1/55-123، والمحكم1/19-55. 2 العين1/48. 3 العين1/48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ثم قال: "الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف: حرف يبتدأ به، وحرف يُحْشَى به الكلمة، وحرف يوقف عليه"1. فانظر كيف جعل الأسماء والأفعال لا تقل عن ثلاثة أصول؟ فما سرُّ ذلك إذن؟ إنه يكمن في طبيعة نظام التقليبات؛ الذي ابتدعه الخليل، وسار عليه من أتى بعده، واختار نظامه؛ وأن تقليب الثنائي يعطي صورتين، ويعطي تقليب الثلاثي ستَّ صورٍ، أما الرباعي فيعطي أربعاً وعشرين صورةً، ويعطي الخماسي عشرين ومائة صورة. بَيْدَ أن الثلاثي المضعَّف يعطي ستَّ صور؛ كالثلاثي الصحيح، إلاَّ أن المستعمل منها اثنان فحسب، أما الأربع الأخرى فمهملة باطِّراد؛ فهو أشبه بالثنائي ليس فيه سوى صورتين مستعملتين باطِّراد؛ فمن ثمَّ أُخْرِج من باب الثلاثي إلى باب الثنائي. ونحو ذلك الرباعي المضاعف لا يمكن أن يعطي صور الرباعي الصحيح الأربع والعشرين، بل إنه لا يعطي سوى ست صور؛ أربع مهملة دائماً، فيبقى اثنتان؛ فهو أشبه بالثنائي؛ فلا جرم أن يوضع في باب الثنائي؛ كالثلاثي المضعف؛ فالمسالة –إذن- شَكْلِيَّةٌ تطَلَّبها إحصاء المفردات، وتوضيح ذلك في الرسم التالي:   1 العين/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 توجد رسمة توضيحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وهذا يؤكد أن وضعهم الثلاثي المضعف والرباعي المضاعف في باب الثنائي لم يكن بسبب تداخل الأصول؛ ولعل هذا التوجيه مما لم يسبق إليه. إن دراسة التداخل في الثلاثي والرباعي والخماسي في مدرسة التقليبات يعترضها شيء من العقبات؛ وذلك أن (تداخل الأصول) كما رأينا- لا يخرج عن أحد أمرين: أحدهما: التداخل في البناء الواحد. والآخر: التداخل بين بناءين مختلفين؛ كتداخل الثلاثي مع الرباعي أو الخماسي، وتداخل الرباعي مع الخماسي. أما الأوّل؛ وهو التّداخل في البناء الواحد؛ فإنه –وإن كان يُعَدُّ ظاهرة لغوية- يصعب الوقوف على أثره في بناء الأبواب الثلاثة؛ فليس ثَمَّةَ دليل يهتدى به؛ لأن نظام التقليبات لا يقوم على حصر الكلمة من طرفيها –أولها وآخرها- وما بينهما؛ خلافاً لمدرسة القافية التي ينضبط فيها هذا الأمر بحرفي الباب والفصل. كما أن أثر التداخل بين الواوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 واليائي لا يظهر؛ لضمهما في كتاب واحد، كما لا يظهر التداخل بين المعتل والمهموز؛ لكثرة التسهيل في المهموز؛ فكلمة (أَكَلَ) مثلاً مكانها المعتلّ في أكثر معاجم التّقليبات. أمّا الثاني؛ وهو التداخل بين بناءين مختلفين؛ كتداخل الثلاثي مع الرباعي أو الخماسي، والرباعي مع الخماسي؛ فإن أثره في بناء مدرسة التقليبات أقلُّ غموضاً مما في الشق الأول؛ وهو –أيضاً- لا يخلو من عقبات، فإنهم قد يساوون بين ما فيه زيادة كـ (الشَّدْقَمِ) وهو الواسع الشدق، و (الزُّرْقُمِ) وهو الرجل الأزرق، و (الحَسْدَلِ) وهو القراد- وما خلا من الزيادة. وذلك يعود إلى طبيعة نظام التقليبات؛ فإن الحرف الزائد في كلمة ما لا يكون كذلك في جميع تقليبات الكلمة، على كل حال، ولا أدل على ذلك من كلمة (الشَّدْقَمِ) فميمها زائدة1 فإن من تقليباتها المستعملة (دِمَشْق) وليست الميم فيها زائدة، ونحو ذلك في (الهِرْمَاسِ) من أسماء الأسد–يذكر في الرباعي؛ على الرغم من نصهم على زيادة ميمه2؛   1 ينظر: الممتع1/240، وسفر السعادة1/314. 2 ينظر: التكلمة للفارسي238، والمنصف1/152، والوجيز في علم التصريف 34، وشرح الملوكي لابن يعيش 162، والإيضاح في شرح المفصل2/383، والملخص2/264. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وذلك أن من تقليباته (ر هـ م س) و (ر هـ س م) إذ يقال: رَهْمَسَ الخَبَرَ ورَهْسَمَهُ 1 بمعنى أتي منه بطرف، والميم فيهما أصلية. فانظر كيف تغير الحكم على الحرف بعد تقليب الكلمة؛ فيكون الزائد أصلياً، وربما يكون الأصلي زائداً؛ كما حدث في كلمة (رَهْمَسَ) فالميم عادت –هنا- أصلية، وقد كانت زائدة في (الهِرْمَاسِ) ، والهاء أصبحت زائدة في (رَهْمَسَ) 2؛ وقد كانت أصلية قبل القلب. ومن ثمَّ لم يحسن أن يقال: إن الأصول تداخلت لديهم؛ فوضعت الكلمة في غير موضعها. والحق أنَّ الفرق بين المدرستين واضح؛ فمدرسة القافية تعتمد –في بنائها- على الأصول؛ فمن ثم يستطيع الباحث أن يحكم بالتداخل إذا وجده؛ بينما لا تعتمد مدرسة التقليبات على الأصول في كل أحوالها؛ ولذا تمّ إبعاد مدرسة التقليبات عن هذه الدّراسة. فيبقى لنا –خلا مدرسة القافية- مدرسة الصدر؛ وهي –أيضاً- مستبعدة لسببين:   1 ينظر: اللسان (رهمس) 6/103. 2 ينظر: شرح لامية الأفعال لبحرق56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الأوّل: أن هذه المدرسة تُقَيِّدُ الكلمة من أولها؛ بينما تقيد مدرسة القافيةُ الكلمةَ من طرفيها بنظامي الباب والفصل؛ فأدى ذلك إلى تقييد صارم للكلمة في مدرسة القافية؛ فتكون الزيادة الواقعة في لام الكلمة - بسبب نظام الباب - أكثرَ ظهوراً، وأدقَّ ضبطاً. ومهما يكن من أمرٍ فإنه لا يوجد من معاجم مدرسة الصدر ما يستوعب دراسةً كهذه؛ فمن أشهر معاجم هذه المدرسة (الجيم) للشيباني، و (مجمل اللغة) و (مقاييس اللغة) لابن فارس، و (المنتهى) للبرمكي، و (أساس البلاغة) للزمخشري، و (المغرِب) للمطَرِّزي، و (المصباح المنير) للفَيُّومي. فـ (الجيم) لم يراعِ ما بعد الحرف الأول، ولم يجرد الكلمات من الزوائد، و (المنتهى) مفقود، وأما (مجمل اللغة) و (مقاييس اللغة) فإن لابن فارس فيهما مذهباً خاصاً –كما مرَّ بنا 1 فلا يظهر –بسببه- أثر تداخل الأصول في الرباعي والخماسي، إذا جمع بين الرباعي والخماسي في باب واحد، وذكرهما مدموجين بلا ترتيب ولا تجريد من الزوائد، وعمدته   1 ينظر: ص (68) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فاء الكلمة فحسب؛ فجاء عنوان هذا الباب من كلّ حرف، كما يلي: (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله … ) 1. ومثال ذلك ما جاء في باب الغين؛ أورِدُه –هنا- بترتيب ابن فارس2؛ وهو: (الغَطَمَّشُ) و (الغَمَلَّجُ) و (الغُضْرُوفُ) و (الغَطْرَسَةُ) و (الغَطْرَفَةُ) و (الغِطْرِيفُ) و (الغَذْمَرَةُ) و (الغَضَنْفَرُ) و (المُغَثْمَرُ) و (غَرْدَقْتُ) و (الغُرْنُوقُ) و (الغَلْفَقُ) و (اغْرَندَاهُ) . غير أن لابن فارس مذهباً فريداً من الممكن أن يستفاد منه في دراسة ظاهرة تداخل الأصول بشكلها العام، وسأكشف عن ذلك في الباب الأول –إن شاء الله. الثاني: أن المعاجم الثلاثة المتبقية – وهي: (أساس البلاغة) و (المغرب) و (المصباح المنير) - تبدو صالحة للدراسة في هذا البحث، على الرغم مما أشرت إليه من قبل3 إلاَّ أنها - في واقع الأمر - غير صالحة من الناحية التطبيقية لدراسة أثر (تداخل الأصول) فيها؛ فأكبر هذه المعاجم الثلاثة –وهو (أساس البلاغة) صغير الحجم قليل المادة؛ فلا يكاد يعدل جزءاً واحداً   1 المقاييس 1/328،264،403،505،2 /52،158، 272، 349، 401، 457، 476، 3/143، 248، 337، 371، 509، 4 / 357، 430، 513، 5/11، 193، 265، 352، 483، 6/71، 160. 2 ينظر: المقاييس4/430-432. 3 ينظر: ص (68) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 من أجزاء (لسان العرب) لأن لكل من هذه المعاجم الثلاثة هدفه الخاص به؛ فلا يوجد في هذه المدرسة معجم يهدف إلى الجمع العام للغة كمعاجم القافية، فـ (أساس البلاغة) يهدف إلى المجاز اللغوي، و (المُغْرِب) اختصار لكتاب (المُعْرِب) للمُطَرِّزي نفسه، وهو مفقود 1 و (المصباح المنير) تفسير لغوي موَسَّعٌ لغريب الشرح الكبير للرافعي، أضاف إليه زيادات قليلة. فيبقى لنا كبرى المدارس المعجمية مدرسة القافية، ومن خلالها يظهر أثر (تداخل الأصول) في أجلى صورة.   1 ينظر: المغرب 1/10، 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الباب الأول: الأصول والزوائد الفصل الأول: الأصول في عرف اللغويين المبحث الأول: الأصول عند القدامى ... المبحث الأول: الأصول عند القدامى استرعى تفاوت الأبنية في العربية أنظار علمائنا القدامى، منذ وقت مبكر من بدءِ نشاطهم اللغوي؛ فَمِنَ الكلمات ما جاء على حرفٍ، ومنها ما جاء على حرفين، أو ثلاثةٍ، أو أربعةٍ، أو خمسةٍ، أو ستةٍ، أو سبعةٍ. ورأوا كيف يغلب بعضها على بعضها الآخر في الكثرة والاستعمال؛ فما جاء على ثلاثةٍ أكثر من غيره، وما جاء على حرفٍ أقل إلى حدِّ النُّدرة. ثم رأوا أن الكلمة الواحدة تأتي على صورٍ مختلفة؛ فتكون تارة على ثلاثة أحرفٍ، وتارة على أربعةٍ، وتارة على خمسةٍ، وتارة على ستةٍ، وتارة على سبعةٍ؛ فهداهم تأملهم الطويل في أحوال البنية في اللغة إلى معرفة الأصول والزوائد. وقسَّموا الكلام العربي ثلاثةَ أقسام: أسماء وأفعال وحروف، ورأوا كيف يتصرف بعضه – كأكثر الأسماء والأفعال- دون بعضه الآخر؛ كالحروف وبعض الأسماء والأفعال. ودرسوا ذلك كله، وقَنَّنُوه، وجعلوا له عِلْماً مستقلاً؛ هو التصريف. ويعنينا من ذلك (الأصول) وقد وقفنا على تعريفها في اصطلاح اللغويين والصرفيين والنحاة؛ وهو أنها الحروف التي تلزم في جميع تصاريف الكلمة؛ فتكون موجودة تحقيقاً أو تقديراً، كما سيأتي. ويكاد علماؤنا القدامى يُجْمعون على أن الكلمات المتصرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ثلاثةٌ: ثُلاثيةٌ، ورباعيةٌ، وخُماسيةٌ؛ لولا آراء نُقِلتْ لبعضهم؛ ولاسِيَّما الكوفيين؛ على نحو ما يأتي تفصيله-إن شاء الله. فما تصرَّف من الكلام عندهم مردود إلى تلك الأصول، ولا يخرج عن واحد منها؛ وهو مذهب الجُمهور1 وذهب بعض العلماء2 إلى أنَّ الكلام كله مشتق، ونُسِب إلى الزَّجَّاج3، وقيل: إنَّ سيبويه4 كان يراه. وذهب بعضهم5 إلى أنَّ الكلام كله أصل؛ وليس شيءٌ مشتقاً من شيءٍ. ونقف - في البداية - على ما جاء على أقلّ من ثلاثة أحرفٍ، ثم نأتي ـ بشيء من التفصيل- على الأصول عند القدامى. أ- ما جاء على حرفٍ: من كلام العرب ما هو على حرفٍ واحد، وهو قليل. قال سيبويه في باب عدة ما يكون عليه الكلم: "وأقل ما تكون عليه الكلمة حرفٌ واحدٌ"6 ومَثَّل له بحرف العطف الواو، وكاف الجر ولام الإضافة؛ من الحروف التي لا تتصرف، ولا يدخل فيها الأصول   1 ينظر: اشتقاق أسماء الله 277، والمساعد 4/83. 2 ينظر: اشتقاق أسماء الله 277، والمساعد 4/83. 3 ينظر: اشتقاق أسماء الله 278. 4 ينظر: المساعد 4/83. 5 ينظر: اشتقاق أسماء الله 279. 6 الكتاب 4/216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 والزوائد. ولا يكون اسمٌ مُظْهَرٌ يجوز أن ينفرد اللفظ به على حرفٍ أبداً؛ وعلة ذلك أن المُظْهَرَ يُسْكَتُ عنده، وليس قبله شيء ولا يَلْحَق به شيء، ولم يكونوا لِيُجْحِفوا بالاسم؛ فيجعلوه بمنزلة ما ليس باسم ولا فعل؛ وإنما يجيء لمعنى1؛لأنه لا بد من أن يبتدأ بمتحرك، ويوقف على ساكن؛ فإن كان على حرف لم يستقم2. والفعل كالاسم في ذلك؛ لأن منه ما يُضارعُ الاسمَ، وهو المضارع؛ كما أنه يتصرف ويُبنى أبنيته كفَعَل وفَعِل وفَعُل ونحو ذلك؛ وهو الذي يلي الاسم؛ فعومل معاملته من حيث عدمُ مجيء الاسم على حرف واحد. أمّا ما جاء من الأفعال على حرف واحد؛ نحو: (قِ نَفْسَكَ عَذَابَ النَّارِ) و (عِ كلاماً) فوَجَّهَهُ سيبويه بقوله: "إلاَّ أن تُدْرِكَ الفعلَ علةٌ مطردةٌ في كلامهم في موضعٍ واحدٍ؛ فيصيرَ على حرفٍ؛ فإذا جاوزتَ ذلك الموضع رددتَ ما حذفتَ … وذلك قولك: عِ كلاماً"3. وكان أبو زيد الأنصاري يقول: "إن ما بني عليه الكلام ثلاثة أحرف؛ فما نقص رفعوه إلى ثلاثة"4.   1 ينظر: الكتاب 4/218، وشرح السيرافي بتحقيق د. عبد المنعم فائز 518،519. 2 ينظر: شرح السيرافي 519. 3 الكتاب4/219. 4 ينظر: الجمهرة3/1306،والمزهر2/317. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ونَخْلُصُ مما تقدَّم إلى أن الأصول من الكلام المتصرف عند القدماء لا تكون على حرف واحد، وما جاء على ذلك فمما يكون فيه حذفٌ. ب- ما جاء على حرفين: أقدمُ نصٍّ وَصَلْنَا إليه في تقسيم الكلم إلى أصوله؛ وفيه ذكر للثنائي؛ يعود إلى القرن الثاني، وصاحبه هو الخليل؛ إذ قال فيه: "كلام العرب مبني على أربعة أصناف؛ على الثّنائيّ، والثّلاثيّ، والرّباعيّ، والخماسيّ" ثم مثَّل للثنائي بقوله: "فالثّنائيّ على حرفين؛ نحو: قَدْ، لَمْ، هَلْ، بَلْ، ونحوه من الأدوات والزَّجْرِ"1. ويفهم من هذا القول أن الثّنائيّ عند الخليل لا يكون أصلاً للأسماء ولا للأفعال؛ بدليل الأمثلة التي ذكرها؛ فهي من حروف المعاني التي لا تتصرف، وبدليل آخر؛ وهو قوله: "من الأدوات والزَّجرِ"وهو يعني بالزجر: أسماء الأصوات والأفعال؛ نحو: مَهْ، وصَهْ، وكَخْ، وهِسْ؛ وذلك ونحوه عند الخليل وغيره مما لا يتصرف، وإن عومل معاملة الأسماء؛ فلا بُدَّ له –حينئذٍ- من حرفٍ ثالث يبلغ به أقربَ مرتبةٍ في أصول الأسماء المتصرفة. ومن هنا قال الخليل: "فإن صَيَّرْتَ الثّنائيّ؛ مثل: قَدْ، وهَلْ، ولَوْ، اسماً أدخلتَ عليه التّشديد؛ فقلتَ: هذه لوٌّ مكتوبة، وهذه قَدٌّ حسنة الكِتْبة؛ زدتَ واواً على واو، ودلاً على دال. ثم أدغمتَ وشَدَّدت؛ فالتشديد علامة الإدغام والحرف الثالثِ؛ كقول أبي زُبيد الطائي:   1 العين1/48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ليتَ شِعْرِي وأيْنَ منِّيَ لَيْتُ ... إنَّ لَيْتاً وإنَّ لَوًّا عَنَاءُ "1 ولا يجوز عند الخليل أن يكون أصول الاسم المتصرف أقل من ثلاثة أحرف، وله نصوص صريحة في ذلك، قال في أحدها: "الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف"2 وقال في ثانٍ: "وقد تجيء أسماء لفظها على حرفين، وتمامها ومعناها على ثلاثة أحرف، مثل: يد ودم؛ وإنما ذهب الثالث لعلة "3 ولا يخرج سيبويه عن رأي شيخه الخليل فهو يقول بنحو قوله4، ولم يَذْكُر خلافاً في ذلك عن متقدمي اللغويين والصرفيين والنحاة، أو عن معاصريه؛ وهو يؤكد أنَّ ما جاء على حرفين من الأسماء والأفعال المتصرفة قليلٌ؛ نحو: دمٍ، وفمٍ، في الأسماء، وخُذْ، وكُلْ في الأفعال؛ وهو مما حذف منه؛ ويُعَلِّلُ ذلك بقوله: "لأنَّه إخلال عندهم بهنَّ؛ لأنه حذف من أقلِّ الحروف عدداً "5. ولما قلَّ الثّنائيّ في الأسماء فإنه لم يقع في الصفات، كما قال سيبويه6. وعلى منهجهما في الثّنائيّ سار المبرد 7.   1 العين 1/50. 2 العين 1/50. 3 العين 1/50. 4 ينظر: الكتاب4/219،220. 5 الكتاب 4/219. 6 الكتاب 4/220. 7 ينظر: المقتضب1/41-52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 واستمر مفهوم الثّنائيّ عند الجمهور من اللغويين والصرفيين والنحاة القدامى على نحو ما قننه الخليل وسيبويه. بَيْدَ أن ثَمَّةَ آراءً خالفت –نوع مخالفة- رأي الجمهور في الثّنائيّ؛ فقد كان صنيع المعجميين في مدرسة التَّقْليبات الذين عدوا الثّلاثيّ المضعف والرّباعيّ المضاعف في باب الثّنائيّ مُلْبِساً؛ فربما فُهم عملهم على غير وجهه، فظُنَّ أنهم يعدون ذلك ثنائياً. وممّن ظن هذا الظن الدكتور إبراهيم أنيس؛ حيث قال بعد أن ذكر طريقة المعجميين في مدرسة التقليبات: "وهكذا رأينا معظم علماء العربية؛ منذ القرن الثاني الهجري؛ ينظرون إلى بنية الكلمات على أنها قد تكون ثنائية الأصول، أو ثلاثيتها، أو رباعيتها"1. ومن القدامى من كأنّه فهم هذا الفهم؛ كابن القَطَّاع؛ إذ قال: "الثّنائيّ: ما كان على حرفين من حروف السلامة، ولا تبال أن تتكرر فاؤه، أوعينه، أو يلحق بالثّلاثيّ أو الرّباعيّ، أو الخماسيّ، أو السداسي، أو السباعي. وينقسم ذلك على أقسام؛ منها ما يكون الحرفان أصله؛ نحو: مَنْ، وما، ومِنَ الحروف نحو: مِنْ، وعَنْ، ومنه ما يخفف من المضاعف نحو: رُبَّ … ومن الفعل ما كان مضاعفاً؛ نحو: ردَّ، ومدَّ، وعدَّ، وعدَّدَ، وتعدَّدَ … وإذا تكرر نحو: بَرْبَرَ، وجَرْجَرَ، وفي ما أُظهر تضعيفه؛ نحو: العَدَدِ   1 ينظر: تطور البنية في الكلمة العربية165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 والمَدَدِ … فهذا كله ثنائي"1. وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكن توجيه ما قاله ابن القطاع توجيهاً يوافق صنيع المعجميين؛ فقد وجدته يأخذ ببعض طريقتهم في معجمه (الأفعال) فيما تكررت بعض حروفه كالثّلاثيّ المضعف؛ إذ عقد له باباً بعنوان (الثّنائيّ المضاعف) ومما ذكر فيه مواد: (أمّ) و (أبّ) و (أصّ) وكرر هذا الباب في كل حرف، وكذلك فعل في الرّباعيّ المضاعف، وعقد له باباً بعنوان (باب الثّنائيّ المكرر) ومن أمثلته التي ذكرها: (بَثْبَثَ) و (بَخْبَخَ) و (بَصْبَصَ) ونحو ذلك، ثم كرر هذا الباب في كلِّ حرف. وعمله قريب أشد القرب من صنيع معجميي مدرسة التقليبات، فليس الثّنائيّ عنده ما نعنيه بالثّنائيّ في الأصول، فلما أراد الأصول تغير القول والحكم؛ فقال: (وأقل ما بنيت عليه الأسماء والأفعال ثلاثة أحرف؛ فما رأيته ناقصاً عنها فاعلم أن التضعيف دخله؛ مثل: فرَّ، وردَّ) 2. وقال في موضع آخر: "وأقلّ أصول الأسماء المتمكنة على ثلاثة أحرف؛ نحو: صَقْرٍ، وحَجَرٍ، وجِذْعٍ"3. ولا أدلّ من هذين النّصين على مذهب ابن القطاع في الأصول. وأُثِر عن بعض الكوفيين –كذلك- أنهم قالوا بأنّ من الأسماء ما قد يجيء على حرفين.   1 أبنية الأسماء والمصادر11ب 12أ. 2 الأفعال1/23. 3 أبنية الأسماء والمصادر3ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 قال ابن عقيل: "وزاد أبو الفتوح 1 نصر بن أبي الفنون البغدادي … أنَّ مذهب الكوفيين أن أقل ما يكون عليه الاسم حرفان؛ حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه"2. وعزا الجواليقي3ذلك للفراء. وثمَّةَ خلافٌ عُزِي للقدماء في الرّباعيّ المضاعف؛ نحو: (زَلْزَلَ) و (حَثْحَثَ) و (سِمْسِمٍ) فالمشهور عند البصريين أن وزنه (فعلل) 4 كما سيأتي توضيحه في الكلام عن الرّباعيّ؛ إن شاء الله. ولكنه عند الخليل5 - في أحد قولين عُزيا له - (فعفع) تكررت فاؤه وعينه؛ وهذا يخالف ما نص عليه الخليل في مقدمة (العين) ويخالف ما أُثِرَ عنه–أيضاً- من أنه (فعفل) 6. وعُزِيَ إلى الفراء 7 - أيضاً - أنه (فعفع) كما عزي إلى أبي إسحاق   1 هو نصر بن محمد بن المظفر بن أبي الفتوح البغدادي (ت630هـ) جمع بين الأدب واللغة والنحو، وتصدَّر بجامع الأزهر مدةً. ومن مصادر ترجمته: بغية الوعاة2/315، والوافي بالوفيات27/36. 2 المساعد 4/9. 3 شرح أدب الكتاب49. 4 ينظر: التكملة للفارسي57، وسر الصناعة1/180،181، والمساعد4/60، وهمع الهوامع 2/215. 5 ينظر: الارتشاف1/24. 6 ينظر: الارتشاف 1/24. 7 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر12ب، والارتشاف1/24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الزجاج1 في أحد قوليه. وأطلق المعري القول فيه وجعله لمتقدمي اللغويين حين قال: "وقال المتقدمون من أصحاب اللغة: وزنُ (زَلْزَلَ) (فَعْفَعَ) 2. ولعل المعري يعني به الخليل ومعاصريه؛ فقد بحثت عن نصٍّ في ذلك لهؤلاء المتقدمين؛ فلم أظفر بشيء. ونخلص مما تقدم إلى أن الأصول عند جمهور العلماء القدامى، لا تكون ثنائية، كما أنها لا تكون أحادية. وفيما يلي الأصول لديهم؛ وهي إما ثلاثية، وإما رباعية، وإما خماسية. أوَّلاً- الأصول الثّلاثيّة: يكاد إجماع اللغويين والصرفيين والنحاة ينعقد على أن أصول أكثر الكلم في العربية ثلاثة أحرف، وتكون للأسماء والأفعال3. ومن أوائل النصوص التي وَصَلْنَا إليها مما جاء فيه ذكر الأصول   1 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر12أ. 2 رسالة الملائكة280. 3 ينظر: العين 1/48، 49، والكتاب4/230، والأصول3/179، والتكلمة للفارسي 229، والتبصرة والتذكرة 2/743، 783، والوجيز في علم التصريف 27، ونزهة الطرف للميداني 7، 8، وشرح الملوكي لابن يعيش 20، والتسهيل290، 291، وشرح ابن الناظم 821، والممتع1/60، 166، والارتشاف 1/17، وشرح مختصر التصريف العزي 28، والتصريح 2/358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الثّلاثيّة ما قاله الخليل1، وهو ما أشرت إليه من قبل؛ وهو أن أقل ما يقع عليه ما تصرف من كلام العرب من الأسماء والأفعال ثلاثة أحرف، وهو قوله: "الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف"2والعلة في ذلك - على رأيه - أنَّ الحرف الأول للابتداء، والثالث للوقوف عليه والثاني للحشو بين الأول والثالث. ثم جاء تلميذه سيبويه، وجعل الثّلاثيّ أول الأصول فيما تصرف من كلام العرب؛ حين قال:"فالكلام على ثلاثة أحرف، وأربعة أحرف، وخمسة"3. ثم قال: "فعلى هذا عِدَّةُ حروف الكلم؛ فما قَصُرَ عن الثلاثة فمحذوف، وما جاوز الخمسة فمزيد فيه"4. وقال: "ليس في الدنيا اسم أقلُّ عدداً من اسمٍ على ثلاثة أحرف، ولكنَّهم قد يحذفون ممَّا كان على ثلاثةٍ حرفاً"5. وقال: "وأمَّا ما جاء على ثلاثة أحرف فهو أكثر الكلام في كل شيء من الأسماء والأفعال وغيرهما"6 وعلل ذلك بقوله:"وذلك لأنه كأنه هو الأوّل فمن ثَمَّ تمكن في الكلام".   1 ينظر: العين1/48، 49. 2 العين 1/49. 3 الكتاب 4/230. 4 الكتاب 4/230. 5 الكتاب 3/322. 6 الكتاب 4/229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وفي (المقتضب) 1 للمبرد نحوٌ مما تقدم في كلام سيبويه. ومن أئمة اللغة الذين انتحوا هذا النحو - كذلك - ابن جِنّي؛ فقد ذكر رأيه في ذلك بما يوافق رأي الجمهور من المتقدمين حين قال: "الأصول ثلاثة: ثلاثي، ورباعي، وخماسي؛ فأكثرها استعمالاً، وأعدلها تركيباً الثّلاثيّ؛ وذلك لأنه حرف يبتدأ به، وحرف يُحْشى به، وحرف يوقف عليه"2. وزاد على المتقدمين بتعليل كثرة مفردات اللغة العربية ذات الأصول الثّلاثيّة؛ حين قال: "وليس اعتدال الثّلاثيّ لقلة حروفه حسب؛ لو كان كذلك لكان الثّنائيّ أكثر منه؛ لأنه أقل حروفاً، وليس الأمر كذلك؛ ألا ترى أن جميع ما جاء من ذوات الحرفين جزءٌ لا قدرَ له فيما جاء من ذوات الثلاثة؛ نحو: مِنْ، وفي، وعن، وهل، وقد، وبل، وكم، ومَنْ، وإذ، وصه، ومهْ. ولو شئتُ لأثبتُ جميع ذلك في هذه الورقة … وأقل منه ما جاء على حرف واحد؛ كحرف العطف وفائه … فتمكن الثّلاثيّ إنما هو لقلة حروفه، ولشيء آخر وهو حجز الحشو –الذي هو عينه- بين فائه ولامه؛ وذلك لتباينهما، ولتعادي حاليهما؛ ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلاَّ متحركاً، وأن الموقوف عليه لا يكون إلاَّ ساكناً؛ فلما تنافرت حالاهما وَسَّطوا العين حاجزاً بينهما؛ لئلاَّ يفجئوا الحِسَّ بِضدِّ ما كان آخذاً فيه،   1 1/53. 2 الخصائص 1/55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ومنصَبًّا إليه"1. ولإقناع قارئه بهذا التعليل؛ بحيث لا يدع في نفسه شيئاً من التردد في قبوله –نَصَّب معترضاً على كلامه يقول: إن هذا الحرف الحاجز إما أن يكون متحركاً، وإما أن يكون ساكناً، فإن كان ساكناً فقد وافقَ الثالثَ في الوقف، وإن كان متحركاً فقد وافقَ الأولَ، وهذا ما هُرِبَ منه. وكدأبه في هذا المنهج أجاب بأنَّ تحرك الثاني بعد حركة الأول يحدثُ ضرباً من الملال لهما؛ فاسْتُرْوِحَ –حينئذٍ- إلى السكون؛ فصار ذلك خفيفاً مَرْضِيّاً؛ خلافاً للثنائي؛ فإن سرعة الانقضاض من المتحرك الواحد إلى الساكن يكون مَعِيفاً مَأبِيّاً. وقريب من ذلك تعليله للحشو بالساكن. وكان البلاغيون يرون أنّ من شروط فصاحة الكلمة أن تتوسط في عدد حروفها؛ فالثّلاثيّ عندهم أعدل الأصول،؛ وأفصحها؛ فقد كان فخر الدين الرازي يقَدِّم الكلمةَ الثّلاثيّةَ على غيرها في الفصاحة2. وقال بهاء الدين السبكي: "الثّلاثيّ أحسن من الثّنائيّ والأُحادي ومن الرّباعيّ والخماسيّ؛ فذكر حازم3وغيره من شروط الفصاحة: أن تكون الكلمة بين قلة الحروف وكثرتها، والمتوسط ثلاثة أحرف"4.   1 الخصائص 1/56. 2 عروس الأفراح 1/92. 3 هو: حازم القرطاجني (المتوفى سنة 684هـ) وهو من علماء البلاغة في الأندلس، وقوله المشار إليه في كتابه: منهاج البلغاء 123. 4 ينظر: نهاية الإيجاز 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وثَمَّة من يرى أن الأصول ثلاثية فحسب، وقد عزي ذلك لأبي زيد1 والكوفيين2 وذهبوا إلى أن الرّباعيّ والخماسيّ ما هما إلاَّ ثلاثيان مزيدان، وسنقف على تفصيل لهذا الرأي في الكلام عن الرّباعيّ؛ إن شاء الله. وأوزان الثّلاثيّ الممكنة اثنا عشر وزناً؛ بضرب حركات الفاء الثلاث في أحوال العين الأربعة. واتفقوا على أن المستعمل المستفيض منها عشرة؛ وهي3: 1- (فَعْل) كـ (بَكْرٍ) . 2- (فَعَل) كـ (فَرَسٍ) . 3- (فَعِل) كـ (كَتِفٍ) . 4- (فَعُل) كـ (عَضُدٍ) . 5- (فِعْل) كـ (حِبْرٍ) . 6- (فِعَل) كـ (عِنَبٍ) . 7- (فِعِل) كـ (إِبِلٍ) . 8- (فُعْل) كـ (قُفْلٍ) . 9- (فُعَل) كـ (صُرَدٍ) . 10- (فُعُل) كـ (عُنُقٍ) .   1 ينظر: الجمهرة 3/1306، والمزهر2/317. 2 ينظر: الإنصاف 2/793، وشرح الشافية للرضي 1/47. 3 ينظر: المقتضب 1/53-55، وشرح الشافية للرضي 1/35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 واختلفوا في (فُعِلٍ) و (فِعُلٍ) فأهمله بعضهم؛ لاستثقال الخروج من ثقيل إلى ثقيل يخالفه1، وقالوا: إن الأول لم يرد إلاَّ في (الدُّئِلِ) وهو دويبة شبيهة بابن عِرْس، وجاء الثَّاني في (الحِبُك) على قراءة أبي مالك الغفّاري: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} . وقد قيل إنَّ (الحِبُك) من تداخل اللُّغات. أمَّا الفعل فله ثلاثة أوزان في الماضي؛ وهي: (فَعَلَ) (فَعِلَ) (فَعُلَ) . ومن الثّلاثيّ نوع تماثلت حروفه أو بعضها؛ وذلك على النحو التالي: الأوّل: ما تماثلت حروفه الثلاثة؛ نحو قولهم: (غلام بَبَّةٌ) 2 أي: سمين، وهو - أيضاً - الأحمق الثقيل، وقال الفرزدق: وبايعْتُ أقواماً وفيتُ بعهدهم ... وبَبَّةُ قد بايعتُهُ غيرَ نادمِ 3 والفعل منه: بَبَّ يَبِبُّ بَبّاً وبَبَباً 4.ومن ذلك (القَقَقَةُ) 5 وهي الغربان الأهلية. وقالوا: (زَزَزْتُه زَزّاً: صَفَعْتُه) 6. وقد ذكروا أن ما تماثلت أصوله الثلاثة نادر؛ ولم يأت منه إلاَّ بضعُ   1 ينظر: شرح الشافية للرضي 1/35، 36. 2 ينظر: ليس في كلام العرب 36، 37. 3 ينظر: الصحاح (ببب) 1/89، والتكملة والذيل والصلة (ببب) 1/69، وليس في ديوان الفرزدق المطبوع بتحقيق الصاوي أو فاعور. 4 ينظر: المزهر 2/43. 5 ينظر: التهذيب 9/377، واللسان (ققق) 10/323. 6 ينظر: المساعد 4/22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 كلمات 1. الثاني: ما تماثل بعض حروفه؛ فمما عُدَّ في الثّلاثيّ من هذا ما تماثل فيه الفاء والعين، أو الفاء واللام، أو العين واللام، أو اللام وبعدها، أو ماثل فيه حرفان حرفين. وفيما يلي بيان ما تقدم، وذكر ما وقع في بعضه من خلاف. ا- ما ماثلَ فاؤُهُ عينَه: ومثال ذلك (دَدَنٌ) ومنه يقال لنوع من السيوف: (الدَّدَانُ) 2. ومنه (يَيَنٌ) وهو اسم وادٍ أسفل الفَرْشِ3 بضواحي المدينة، و (قِقِنْ قِقِنْ) 4 حكاية صوت الضحك. ومنه ما فصل بين الحرفين بحرف زائد؛ نحو: (كَوْكَبٍ) و (قَوْقَلٍ) وهو: الذَّكر من القطا والحجل؛ فالواو زائدة في المثالين5 فوزنهما (فَوْعَل) . ونحو ذلك (زِيْزَيْزَمٌ) وهو حكاية صوت الجنّ، فإنه (فِيْعَيْعَل) 6 قال الراجز7:   1 ينظر: ليس في كلام العرب 36، 37، والمنصف 2/182، والمزهر 2/43. 2 ينظر: اللسان (ددن) 13/151،152. 3 ينظر: اللسان (يين) 13/465. 4 ينظر: المحكم 6/372، واللسان (ققن) 13/347. 5 ينظر: المساعد4/58. 6 ينظر: المنصف3/105، والمساعد4/58. 7 ينظر: المنصف 3/105، وأبنية الأسماء والمصادر13أ، والذي في ديوان رؤبة 184= =: ((زِيْزِيَما)) بزاءين؛ آخرهما مكسورة، وياءين آخرهما مفتوحة، وفي اللسان (زيز) 5/359 ما يأتي: "زِيْ زِيْ: حكاية صوت الجن؛ قال: تسمع للجن به زِيْ زِيْ زِيَا " ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 تَسْمَعُ للجِنِّ بِهِ زِيْزَيْزَمَا وثمة خلاف في نحو (كوكَبٍ) فالخليل يرى أنه من الرّباعيّ1. ونُسب إلى بعض النحويين أن الحرف الأول في نحو (كوكَبٍ) زائد، والواو أصليةٌ؛ فيكون اشتقاقه من (وَكَبَ) وقد نَصَّ على ذلك الأزهري بقوله: "قال الأصمعي: وذكر الليث الكوكبَ في باب الرّباعيّ، ذهب إلى أن الواو أصلية؛ وهو عند حُذَّاق النحويين: كوكبٌ من باب (وكبَ) صُدِّرَ بكاف زائدة"2. فينبغي - على ما روى الأزهري - أن يكون وزنه (كَفْعَل) . والذي عليه أكثر أهل اللغة أنّ الواو زائدة، والكاف الأولى فاء الكلمة، والكاف الثانية عينها. ولا خلاف في نحو (حَمَام) و (همومٍ) و (خفيفٍ) . ب- ما ماثَلَ فَاؤُه لامَهُ: وذلك نحو: (سَلِسٍ) وهو اللين السهل، والشيء المرن، و (قَلِقٍ) وهو المنزعج المضطرب، و (دَعْدٍ) عَلَمٌ، و (السَّجَسِ) وهو الماء المتحرك.   1 ينظر: العين5/433. 2 التهذيب10/402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وهذا النوع من الثّلاثيّ قليل1جداً. ج- ما ماثلَ عينُهُ لامَهُ: ويكون مدغماً أو غير مدغم، فالمدغم نحو (شَدَّ) و (صَدَّ) و (هَمَّ) وغير المدغم نحو (القَصَصِ) و (الجَلَلِ) و (الصَّدَدِ) . ويسمى ما ماثلَ فاؤُهُ عينَهُ، وما ماثلَ عينُهُ لامَهُ؛ الثّلاثيّ المضعَّف، أو المضاعف، والأخير كثير في العربية2.والأنواع الثلاثة المتقدمة وُضعت في باب (الثّنائيّ) من معاجم التقليبات؛ بسبب الصَّنْعَة المعجمية لنظام تلك المعاجم؛ كما تقدم3. وثمة كلام لابن القطاع ذو صلة بما نحن فيه؛ وهو أن الثّنائيّ ما كان على حرفين من حروف السلامة، ولا يخرجه من ذلك تكرار فائه أو عينه، ويمكن توجيه كلامه بما يوافق صنيع المعجميين في مدرسة التقليبات. وجمهور اللغويين والصرفيين يعدون هذه الأنواع الثلاثة من الثّلاثيّ. قال ابن جِنِّي: "اعلم أنه متى اجتمع معك في الأسماء والأفعال حرف أصلٌ ومعه حرفان مثلان لا غير؛ فهما أصلان؛ متصلين كانا أو   1 ينظر: الممتع1/258، 259. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي1/34. 3 ينظر: ص (70-74) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 منفصلين"1. د- ما ماثَلَ لامُهُ ما بعدَه: وهذا نوع من الثّلاثيّ يأتي على صورة الرّباعيّ (فعلل) فيكون على (فُعْلُل) نحو: (القُعْدُدِ) وهو الجبان اللَّئيم، وعلى (فَعْلَلٍ) نحو (القَرْدَدِ) وهو الوجه، وعلى (فِعْلِلٍ) نحوِ (الرِّمْدِدِ) وهو الكثير الدقيق، وعلى (فُعْلَلٍ) نحوِ (قُعْدَدٍ) . وهذا النوع ملحق بأوزان الرّباعيّ المذكورة؛ فحرفه الأخير زائد2. وربما جاء على صورة الخماسيّ؛ مثل (عَفَنجَجٍ) وهو الضخم الأحمق؛ فهو ثلاثي ملحق بالخماسيّ؛ نحو (سَفَرْجَلٍ) فالنون والجيم الأخيرة زائدتان؛ فيكون من (ع ف ج) . وربما جاء على صورة الخماسيّ؛ دون أن يكون المضعف زائداً؛ وذلك نحو (أَلَنْجَجٍ) وهو عودٌ طَيِّبُ الرائحة؛ فإن نونه زائدة لا محالة؛ لوقوعها ثالثة ساكنة؛ فتبقى أربعة أحرف (فلا يخلو- حينئذٍ - أن يكون مكرر اللام؛ كباب: قُعْدَدٍ، وشُرْبُبٍ، أو مزيدةً في أوله الهمزة؛ كأحمرَ، وأصفرَ، وإثمدٍ. وزيادة الهمزة أولاً أكثر من تكرير اللام آخراً … فتبقى الكلمة من تركيب (ل ج ج) فمِثلاها - إذن - أصلان) 3 وكذلك (يَلَنْجَجٌ) و (أَلَنْدَدٌ) و (يَلَنْدَدٌ) وهو الشديد الخصومة.   1 الخصائص2/56. 2 ينظر: المنصف1/41-43. 3 ينظر: الخصائص2/57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والأخيران أوضح في الاشتقاق؛ لأنهما بمعنى (الألدِّ) فهما مشتقان من اللَّدَدِ1. هـ - ما تكرر فيه حرفان: وذلك على نوعين: نوع يبقى منه ثلاثة أصول عند إسقاط المثلين، ونوع يبقى منه أصلان حسب. أما النوع الأول؛ وهو ما يبقى منه ثلاثة أصول عند إسقاط المثلين؛ فلا يخلو أن يكون المتماثلان في أوله أو في آخره؛ فإن كانا في أوله فمثاله: (مَرْمَرِيسٌ) للدَّاهية، و (مَرْمَرِيتٌ) للقفرِ؛ وهما ثلاثيان؛ لأن إسقاط المثلين يجعلهما: (مَرِيساً) و (مَرِيتاً) ببقاء ثلاثة أصول؛ وهي الميم، والراء والسين؛ في الأول، والميم، والراء، والتاء؛ في الثاني. ويؤكد ذلك أن معناهما من (المراسةِ) و (المَرْتِ) فوزنهما –حينئذٍ- (فَعْفَعِيل) وهذا مذهب البصريين2. وإن كانت المتماثلات في آخره؛ فمثاله: (الصَّمَحْمَحُ) وهو الشديد المجتمع الألواح، و (الدَّمَكْمَكُ) وهو الشديد، و (خُلَعْلَعٌ) وهو الجُعَلُ، و (الكُذُبْذُبُ) وهو الكثير الكذب، و (الذُّرَحْرَحُ) وهي دويبة، ووزن ذلك كله (فعلعل) وهو مذهب البصريين3.   1 ينظر شرح الشافية للرضي2/335. 2 ينظر: الإنصاف 2/792، وشرح الكافية الشافية 4/2034، وشرح الشافية للرضي1/62. 3 ينظر: الممتع 1/115، وشرح الشافية للرضي1/63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وذهب الكوفيون إلى أن وزن الأول - أعني: مَرْمَرِيساً (فَعْلَلِيل) والثاني - أعني: صَمَحْمَحاً (فَعَلَّل) . وقد فصَّل أبو البركات الأنباري1 الخلاف في ذلك بين البصريين والكوفيين، وعزا الرَّضِيُّ2 قولَ الكوفيين إلى الفراء. وحجة الكوفيين3 في جعل نحو (صَمَحْمَحٍ) و (دَمَكْمَكٍ) على وزن (فَعَلَّل) قولهم: إن الأصل فيهما: (صَمَحَّحٌ) و (دَمَكَّكٌ) إلاَّ أن العرب استثقلوا جمع ثلاث حاءات وثلاث كافات؛ فأبدلوا الأوسط منهما ميماً من جنس الحرف الثاني في الكلمة، وادَّعوا أن الإبدال - لاجتماع الأمثال - كثير في الاستعمال، وقالوا: إن الأصل في قوله عز وجل: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالغَاوُون} 4: كُبِّبُوا؛ لأنه - كما يقولون - من:كَبَبْتُ الرجلَ على وجهه؛ إلاَّ أنهم استثقلوا اجتماع ثلاث باءات؛ فأبدلوا من الوسطى كافاً من جنس الحرف الأول. واستدلوا – أيضا ً- على أنَّ: (صَمَحْمَحاً) ليس (فَعَلْعَلاً) وأنه لا يجوز أن يكون كذلك؛ لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال: إن (صَرْصَرَ) و (سَجْسَجَ) وزنُهُما (فَعْفَعَ) فلما بطل أن يكونا على (فَعْفَعَ) بطل - أيضاً - أن يكون (صَمَحْمَحٌ) على (فَعَلْعَل) .   1 ينظر: الإنصاف 2/788، (المسألة 113) . 2 ينظر: شرح الشافية 1/63. 3 ينظر: الإنصاف 2/788. 4 سورة الشعراء: الآية 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 واحتج البصريون 1 بأمور: أحدها: أنَّ تكرار العين واللام في (صَمَحْمَحٍ) هو الظَّاهر؛ لأنَّ تكرار حرف أصليٍّ يوجب تكراره في الميزان؛ فكما أنّ وزن (ضَرَّبَ) و (قَتَّلَ) : (فَعَّلَ) ووزن (احْمَرَّ) و (اصْفَرَّ) (افْعَلَّ) وجب أن يكون وزن (صَمَحْمَحٍ) و (مَرْمَرِيس) (فَعَلْعَل) و (فَعْفَعِيل) هذا هو الأصل، وهو الصحيح. الثاني: ما ذكره الرَّضِيُّ2 من أنه يمكن أن يستدلّ للبصريين على تضعيف (صَمَحْمَحٍ) و (بَرَهْرَهَةٍ) بجمعك إياه على صمامح، وبراره، ولو كان خماسياً كسفرجلٍ- لقلتَ: صَمَاحِمُ. والثالث: طعنهم3 في قياس الكوفيين على (صَرْصَرَ) ونحوه، من الرّباعيّ المضاعف بأن ذلك باطل؛ لأن الحرف إنما يجعل زائداً في الاسم والفعل؛ إذا كان على ثلاثة أصول سِوَاهُ؛ وهي فاء الفعل وعينه ولامه، و (صَرْصَرَ) لا يتحقق فيه ذلك؛ فلو قيل: إنّ وزنه (فَعْفَعَ) 4 لأدى ذلك إلى إسقاط أحد أصوله الثلاثة؛ وهو اللام، وذلك لا يجوز؛ بخلاف (صَمَحْمَحً) فإنه وجد فيه ثلاثة أصول، فلما لم يؤدّ ذلك إلى محظور؛ وهو إسقاط أحد الأصول الثلاثة جاز أن يكون وزنه (فَعَلْعلا) وهو   1 ينظر: الإنصاف 2/792. 2 ينظر: شرح الشافية 1/63. 3 ينظر: الإنصاف 2/792. 4 أجاز الخليل – في أحد قولين عزيا له – أن يكون نحو ((صرصر)) على وزن (فعفع) انظر: ص (89) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الظاهر، كما تجعل إحدى الدالين في (اسْوَدَّ) زائدة، ولا تجعل إحداهما زائدة في (رَدَّ) و (مَدَّ) . ولا يطعن في حجة البصريين أنهم خالفوا في المكرر بين (صَرْصَرَ) و (صَمَحْمَحٍ) فجعلوا الأول أصلاً، والثاني مكرراً؛ لأنَّ تلك المخالفة لا مناص من وقوعها؛ كما في (اسْوَدَّ) و (رَدَّ) ولأنها وقعت –أيضاً- للكوفيين؛ حيث لزم على مذهبهم أن يكون نحو: احْقَوْقَفَ الظَّبْيُ، واغْدَوْدَنَ الشَّعْرُ، وما أشبه ذلك على وزن: (افْعَلَّلَ) وليس هذا من أوزان الأفعال، ولم يقولوا به، ولكنهم يقولون: إن وزنه (افْعَوْعَلَ) كما يقول البصريون. وبالجملة؛ فإن مذهب البصريين أقوى حجةً، وهو مذهب جمهور اللغويين، والصرفيين؛ من المتقدمين والمتأخرين. أما النوع الثاني: وهو ما يبقى منه أصلان عند إسقاط مِثْليه؛ فنحو (زَلْزَلَ) و (صَرْصَرَ) و (حَثْحَثَ) وهو من الرّباعيّ عند البصريين، وأكثر اللغويين والصرفيين؛ كما سيأتي بيانه عند الكلام عن الرّباعيّ- إن شاء الله -. وهو معدود في الثّلاثيّ عند الكوفيين، وبعض علماء البصريين. وجعله ثلاثياً عندهم يأخذ صورتين: إحداهما: أنه (فَعْفَلَ) . والأخرى: أنه (فَعَّلَ) . وهما يؤديان إلى أصل ثلاثي واحد في نهاية الأمر، وفيما يلي بيان ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أ- فَعْفَلَ: من العلماء من يرى أن الحرف الثالث في نحو (زَلْزَلَ) و (صَرْصَرَ) تكرير للحرف الأول؛ كتكرير السين في (كَسَّرَ) والدال في (قَرْدَدٍ) فيكون وزنه – حينئذٍ - (فَعْفَلَ) فأصل زَلْزَلَ (ز ل ل) وأصل صرصرَ (ص ر ر) وأصل كبْكَبَ (ك ب ب) وهكذا. وأول من عُزي إليه القول بهذا الرأي هو الخليل1 وهو أحد رأيين عزيا له في ذلك، وعُزي -أيضاً- إلى جماعة من العلماء؛ منهم: قُطْرُبٌ2 (ت 206هـ) والفراء 3 (ت 207هـ) وابن كيسان4 (ت 299هـ) في أحد قوليه، والزجاج5 (ت 310هـ) وارتضى ابن القطاع (ت 515هـ) هذا المذهب، وأخذ به6. وعلى هذا المذهب يكون (بُغَيبغ) وهو التيس الكبير من الظِّباء: (فُعَيْفِل) و (كِعِنْكِعٍ) للغول: (فِعِنْفِل) و (زَوَنْزَى) للقصير (فَعَنْفَل) 7. وهذا المذهب غير مقبول عند أكثر اللغويين والصرفيين؛ كابن   1 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر 11أ، والارتشاف 1/24، والمساعد 4/61، والتصريح 2/360. 2 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر (11أ) والارتشاف 1/24، والمساعد 4/61. 3 ينظر: معاني القرآن 3/114. 4 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر 12أ، والارتشاف1/24، والمساعد1/61. 5 ينظر: رسالة الملائكة 281، والارتشاف 1/24، والمساعد 1/61. 6 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر (12أ) . 7 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر (13أ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 جني1، والمرادي2، الذين جعلوا ذلك بعيداً، وكان ابن عقيل يقول في ذلك: "وأما أن وزن الكلمة (فَعْفَل) فضعيف؛ لأنه بناء مفقود"3. وعلل السيوطي عدم قبولهم إياه بقوله: "لأنه إن جُعِلَ كلٌّ من المثلين زائداً أدى إلى بناء الكلمة على أقل من ثلاثة، أو أحدُهُما أدى إلى بناءٍ مفقود؛ إذ يصير وزنها على تقدير زيادة أول الكلمة (عَفْعَل) وعلى زيادة الثاني (فَلْعَل) وعلى زيادة الثالث (فَعْفَل) وكلها مفقود"4. ب ـ فَعَّلَ: وللكوفيين وبعض البصريين توجيه لنحو (زَلْزَلَ) و (صَرْصَرَ) غير ما تقدمَّ ذكره؛ وهو أن الأصل فيهما (زَلَّلَ) و (صَرَّرَ) استُثْقِل، للأمثال الثلاثة؛ فأبدل من الأوسط حرفاً من جنس الحرف الأول من الكلمة. وهم لا يأخذون بذلك على إطلاقه، بل يقصرونه5 على ما كان ثالثه صالحاً للسقوط مع سلامة المعنى؛ نحو (كَبَّه) أي: قَلَبَه، و (كَبْكَبَه) بمعناه، و (كَفَّه) عن الشيء، و (كَفْكَفه) فهو بدل من التضعيف في (كَبَّبه) و (كَفَّفه) . ويقولون-كذلك: (تَغَلْغَلَ) في الشيء، والأصل: تَغَلَّل؛ لأنه من   1 ينظر: الخصائص 2/57. 2 ينظر: شرح المرادي 5/241. 3 المساعد 4/61. 4 همع الهوامع 2/215، 216. 5 ينظر: مجالس ثعلب 2/467، وشرح الكافية الشافية 4/2035، 2036. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الغلل، وهو الماء الجاري بين الشجر؛ فيبدلون من اللام الوسطى غيناً1. ويقولون في قول الأعشى: وتَبْرُدُ بَرْدَ رِدَاءِ العَرُو ... سِ بالصَّيفِ رَقْرَقْتَ فيه العَبِيرَا 2 إنَّ الأصل في (رقرقت) رَقَّقْتَ؛ لأنه من الرِّقَةِ؛ فأبدل من القاف الوسطى راء. ويقولون في قول الفرزدق: موانعُ للأسرار إلاَّ لأهلها ... ويُخْلِفْنَ ما ظَنَّ الغَيُورُ المُشَفْشَفُ 3 إن الأصل في: المشفشف: المُشَفَّفُ، من: شَفَّتْه الغيرة، وشَفَّه الحزن. إلاَّ أنه استثقل اجتماع ثلاث فاءات؛ فأبدل من الوسطى شيناً. ومن أوائل من عرف عنه هذا المذهب الخليل إذ قال: "والعرب تشتق في كثير من كلامها أبنية المضاعف من بناء الثّلاثيّ المثقل بحرفي التضعيف … ألا ترى أنهم يقولون: صَلَّ اللِّجامُ يَصِلُّ صليلاً؛ فلو حَكَيْتَ ذلك قلتَ: صَلَّلَ4 تمدّ اللام وتثقّلها، وقد خففتها في الصَّلْصَلَةِ؛ وهما جميعاً صوت اللجام؛ فالثقل مدٌّ، والتضاعف ترجيع يخِفُّ فلا يتمكن؛ لأنه على حرفين؛ فلا يتقدر للتصريف حتى يُضاعفَ، أو يثقَّلَ؛ فيجيء كثير منه متفقاً على ما وصفت لك"5.   1 ينظر: الإنصاف 2/791. 2 ديوانه 145، وينظر: الإنصاف 2/790. 3 ديوانه 383، وينظر: الإنصاف 2/790. 4 في الأصل:صلّ؛ وهو تحريف يفسره السياق. 5 العين 1/56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ولم يؤثر عن الخليل أنه قال باطِّراد ذلك. ويُعزى رأي الكوفيين - أيضاً - إلى الزجاج1 - في أحد قوليه- إلاَّ أن رأيه بختلف عن رأيهم في أنه لا يقال فيه إن الحرف الثالث مبدل من جنس الأول؛ بل يرى أن ذلك الحرف زائد 2، لا مبدل؛ فيكون وزن (كَبْكَبَ) على رأي الزجاج: (فَعْكَلَ) وهو (فَعَّلَ) على مذهب الكوفيين. ونسبَ ابنُ جني مذهبَ الكوفيين إلى البغداديين 3. وعزا أبو حَيَّان4ذلك إلى بعض الكوفيين، وذكر أن للفراء فيه قولين؛ أحدهما الذي مر، والآخر: أنه (فَعْفَعَ) كما مرَّ-أيضاً. ونُسِبَ مثلُ هذا الرأي –أيضاً- إلى سيبويه، وذُكِرَ أنه كان يرى أن وزن (رَبْرَبَ) ونحوه (فَعَّلَ) أصله: رَبَّبَ؛ أبدلت باؤه الوسطى راءً من جنس الحرف الأول في الكلمة، وقد ذكر ذلك أبو حَيَّان5، وتابعه معاصره ابنُ عقيل 6، ولعله تأثر به. ولم أقف في كتاب سيبويه على مثل ذلك؛ بل وقفتُ على ضده؛   1 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2036، وشرح المرادي 5/241، والمساعد= =4/60. 2 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2036. 3 ينظر: سر الصناعة 1/180. 4 ينظر: الارتشاف 1/24. 5 الارتشاف 1/24. 6 ينظر: المساعد 1/61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وهو أنه يجعل الكلمة رباعية؛ حيث يجعل (الزَّلْزَلَةَ) في باب (الفَعْلَلَة) 1 ثم وجدتُه يقول في موضع آخر: "ولا نعلم في الكلام على مثال فعْلالٍ إلاَّ المضاعف من بنات الأربعة؛ الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين، وليس في حروفه زوائد"2. وهذا يؤكد أن سيبويه يرى أن نحو (زَلْزَلَ) و (حَثْحَثَ) من باب الرّباعيّ، إلاَّ أن يكون له رأي آخر؛ لم أقف عليه، وكثيراً ما يعزى إلى سيبويه ما يخالف آراءه في الكتاب. وممن أخذ برأي الكوفيين في هذه المسألة: أبو عبيدٍ القاسم بن سلاَّمٍ3 وابن قتيبة الذي قال في باب الإبدال من المشدد: "تَكَمْكَمَ الرجلُ، من الكُمَّةِ؛ وهي القَلَنْسُوَةُ، والأصل: تَكَمَّمَ، وتَمَلْمَلَ على فراشه، والأصل: تمَلَّل من المَلَّةِ؛ وهي الرماد الحارّ، وقال الشاعر: باتَتْ تُكَرْكِرُهُ الجَنُوبُ ... وأصله: تُكَرِّرُهُ؛ من: التكرار"4. ومنهم ابن دريد في قوله: "وأحسب أن قولهم: رجلٌ هَفْهافٌ؛ إذا كان خفيفاً؛ وإنما كان أصله: هَفَّافٌ؛ فثقل عليهم؛ فَفَصلوا بينهما بهاء"5.   1 الكتاب4/85. 2 الكتاب 4/294. 3 ينظر: الارتشاف1/110، والمساعد 4/61. 4 أدب الكاتب 489. 5 الاشتقاق 230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ووثمة رأيٌ يعزى للسَّرِيِّ الرَّفَّاء الشاعر (ت366هـ) يوافق رأيهم في أن نحو (زَلْزَلَ) ثلاثي؛ ولكنه يختلف عنهم قليلاً في توجيه ذلك؛ فقد نقل عنه الرَّضي ما نصه: "قال السَّريُّ الرفاء في كتاب: المُحِبِّ والمحبوب: زَلْزَلَ من: زَلَّ؛ كجَلْبَبَ من: جَلَبَ، وكذا نحوه"1. قال الرَّضيُّ: "يعني أنه كرر اللام للإلحاق؛ فصار: زَلَّل؛ فالتَبَسَ بباب: ذَلَّلَ يُذِلِّلُ تَذْلِيْلاً؛ فأبدَلَ اللامَ الثانيةَ فاءً؛ وهو قريب"2. وقوله: "فالتبس بباب ذَلَّلَ … " يعني أن زَلَّل يحتمل أن يكون (فَعَّل) مثل: كسَّرَ، أو يكون (فَعْلَلَ) وهو المراد للإلحاق، ولا دليل على ذلك؛ لتشابه حروفه الثلاثة الأخيرة؛ فإن كان (فَعَّلَ) فمصدره (التفعيل) وإن كان (فَعْلَلَ) بالإلحاق، فمصدره (الفَعْلَلَة) و (الفِعْلاَل) عند التضعيف؛ فأبدلَ اللامَ الثانيةَ في الكلمة من جنس الأول. وهذا أقرب من توجيه الكوفيين، ولكنه يوافقهم في أن أصل ذلك ونحوِه ثلاثي، وليس رباعياً؛ كما يقول البصريون، ويرِدُ عليه أن فيه الإبدالَ مما ليس من حروف الإبدال؛ كالحاء في: حَثْحَثَ من الثاء في: حَثَّثَ. وإنما الإبدال عندهم يكون فيما تقاربت مخارجه. وما حكاه الرَّضي عن السَّري الرَّفَّاء يصلح جواباً عن اعتراضٍ قد يرد على الكوفيين في جعلهم نحو (زَلْزَلَ) ثلاثياً على (فَعَّل) بأن يقال: إن ذلك ينافي مصدره؛ وهو (الفَعْلَلَة) و (الفِعْلال) فلو كان (فَعَّل) لقيل في   1 شرح الشافية 1/62. 2 شرح الشافية 1/62، 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 مصدره بعد الإبدال: زَلْزَلَ يُزَلْزِلُ تَزْلِيلاً، ولم تَقُلِ العربُ ذلك، ولا يكون في قياس كلامها. وجواب ذلك: أن اللام الأخيرة في: زَلْزَلَ زائدة؛ لإلحاق الثّلاثي بالرّباعيّ؛ فجاء مصدره على قياس الرّباعيّ. وإن قيل: إنَّ جعلَ اللام الأخيرةِ زائدةً يؤدي إلى أن يكون أصل (زَلَزَلَ) (ز ل ز) لا (ز ل ل) قيل: إن الزاي الأخيرة مبدَلَة عن لامٍ؛ فأصلها (ز ل ل) . ومن هؤلاءِ - أيضاً - أبو إبراهيم إسحاق الفارابي (ت350هـ) إذ يرى أن (سَلْسَلَ) ونحوه ثلاثي، والإبدالُ عنده ليس لثقل التضعيف بل للتفريق1 بين (فَعَّلَ) و (فَعْلَلَ) ولعله يريد التفريق بينهما في المصدر؛ أي أنه يأتي في هذا النوع على (فَعْلَلَ) وليس (فَعَّلَ) فيكون ثمَّةَ تشابهٌ بين رأيه ورأي السَّريّ الرَّفَّاءِ. وهو يعلل اختيارهم في الإبدال حرفاً موافقاً للحرف الأول من الكلمة؛ بقوله في إبدال السين من اللام في (سَلْسَلَ) : "وإنما أبدلت سيناً؛ دون سائر الحروف؛ لأنه ليس فيه إلاَّ سين ولام مضعفة؛ فجعلوا السين سينين؛ فاعتدل الحرف؛ سين مرتين، ولام مرتين، وكذلك سائر هذا الباب"2. ومنهم الجوهري (ت 393هـ) حيث ذكر أن أصل (خَبْخَبُوا)   1 ينظر: ديوان الأدب 3/115. 2 ديوان الأدب 3/115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 بمعنى أبردوا: خَبَّبُوا، بثلاث باءات، وذكر العلة 1 التي ذكرها خاله الفارابي. واختار بدر الدين بن مالك (ت 686هـ) مذهب الكوفيين، فيما دلّ الاشتقاق على زيادته بقوله: " … إلاَّ أن يدلّ الاشتقاق على الزيادة؛ كـ (لَمْلِمْ) أمرٌ من (لَمْلَمَ) فإنه مأخوذ من (لَمْلَمْتُ) وأصله: لَمَّمْتُ؛ بزيادة مثل العين، ثم أبدل من ثاني الأمثال مثل الفاء؛ كراهية تواليها؛ فصار: لَمْلَمَ؛ وهذا أولى من جعله ثنائياً مكرراً، موافقاً في المعنى للثلاثي المضاعف"2. ويوافق بدرُ الدين البصريينَ فيما لم يدل الاشتقاق فيه على الزيادة؛ كـ (سِمْسِمٍ) فإنه يحكم فيه بأصالة المكرّرَين؛ لأن أصالة أحدهما واجبة تكميلاً لأقل الأصول، وليس أصالة أحدهما بأولى من أصالة الآخر؛ فحُكم بأصالتهما معاً. وثَمَّ مصطلح لضربٍ من الثّلاثيّ - وهو معتل اللام - يرد استخدامه عند بعض الكوفيين؛ لا يخلو من إيهامٍ لمن لم يقف على حقيقته؛ وهو مصطلح (ذوات الأربعة) أو (أولاد الأربعة) . فقد عقد ابن السِّكِّيت باباً بعنوان (مما يقال بالياء والواو من ذوات   1 ينظر: الصحاح (خبب) 1/118، وفيه أنه للفرق بين (فعللل) و (فعّل) وهو تحريف صوابه (فعلل) و (فعّل) كما في ديوان الأدب 3/115، واللسان (خبب) 1/344. 2 شرح ابن الناظم 828. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الأربعة) 1. ومما جاء في هذا الباب قولهم: حَكَوْتُ عنه الكلام؛ أي: حَكَيْتُ، ويقال: طَمَا الماءُ يَطْمي. ونحو ذلك. وجميع ما ذكر فيه من الثّلاثيّ؛ وليس من الرّباعيّ؛ كما أوهم العنوان. ومن ثَمَّ تصدر التبريزي لشرح مراد ابن السِّكِّيت - وكلامه خير ما يوضح به هذا المصطلح- فقال: "ترجم هذا الباب بأنه من بنات الأربعة، والباب الذي قبله بابه من ذوات الثلاثة، وكلا البابين من ذوات الثلاثة؛ لأنّ: غارَ، وحَكَى؛ بابهما واحدٌ، إلاَّ أنَّه سلك في هذا طريقة الكوفيين؛ وذلك أنهم يقولون لما كان معتل العين من الأفعال: هو من بنات الثلاثة، وذوات الثلاثة. ولِمَا كان معتل اللام هو من بنات الأربعة لا يردُّونه إلى الأصل؛ بل يحملونه على الظاهر؛ وذلك أنَّ: غار؛ إذا رددتَ الفعل إلى نفسك قلتَ: غُرْتُ، فيكون على ثلاثة أحرف. و (حَكَى) إذا رددتَه إلى نفسك قلتَ: حَكَيْتُ؛ فيكون على أربعة أحرف؛ فلأجل هذا ترجم هذا الباب ببنات الأربعة؛ وما قبله ببنات الثلاثة"2. وللقاسِمِ المُؤَدِّبِ 3 تعليلان في ذلك، قال "وإنما سمى: أولاد   1 ينظر: إصلاح المنطق 138. 2 تهذيب إصلاح المنطق1/357،358. 3 هو: القاسم بن محمد بن سعيد المؤدب، من علماء اللغة في القرن الرابع، صاحب كتاب (دقائق التصريف) لا تعرف له ترجمة. ينظر: مقدمة محققي كتابه (دقائق التصريف) 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الأربعة؛ لوقوع الحرف المعتل رابعَ الحروف من غابرِه 1، نحو: يَدْعو، ويَبْكي. وقيل: بل سمي:أولادَ الأربعة؛ لاستواء حروفه بحروفِ: فَعَلْتُ، مع اعتلال موضع اللام منه. وأهل البصرة يسمون هذا الباب ثلاثياً؛ لأنهم يعتبرون فيه البناء"2. ثانياً- الأصول الرّباعيّة: الرّباعيّ عند البصريين، ومن تابعهم؛ من جمهور اللغويين والصرفيين القدامى3: أحد أصول كلام العرب المتصَرِّف، ويكون في الأسماء والأفعال؛ نحو: (جَعفرٍ) و (دَحْرَجَ) . وذكروا أنه أقلُّ من الثّلاثيّ؛ لثقله بالحرف الرابع. والأبنية الممكنة –عقلاً- للرباعي في الأسماء ثمانية وأربعون بناءً؛ وذلك بضرب حركات الفاء الثلاثة، في أحوال العين الأربعة في حركات   1 يعني: المضارع. 2 دقائق التصريف 292. 3 ينظر: العين1/48، 49، والكتاب4/230، والأصول3/179، والتكملة للفارسي229، والمنصف 1/24،25، وديوان الأدب1/76،77، والتبصرة والتذكرة2/743،783، والوجيز في علم التصريف27،28، وأبنية الأسماء والمصادر 3ب، ونزهة الطرف للميداني5،8، وشرح الملوكي لابن يعيش 30، والتسهيل290، 291، والارتشاف1/17،30، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 اللام الأولى، وقد تخلّف معظمها؛ لالتقاء الساكنين، أو للثقل، أو لتوالي أربع متحركات1. ويكادون يُجْمِعون2 على أنَّ أبنيةَ الرّباعيّ المستعملةَ خمسة؛ وهي: (فَعْلَل) نحوُ (جَعْفَرٍ) . (فِعْلِل) نحوُ (زِبْرِجٍ) . (فُعْلُل) نحوُ (بُرْثُنٍ) . (فِعْلَل) نحوُ (ضِفْدَعٍ) . (فِعَلّ) نحوُ (فِطَحْلٍ) وهو دهرٌ لم يُخْلَقِ الناسُ فيه بعدُ. وأثبت الكوفيون والأخفش بناءً سادساً؛ وهو (فُعْلَل) 3 بضم الفاء وفتح اللام؛ نحو (جُخْدَبٍ) و (جُؤْذَرٍ) وأنكره البصريون، وعدوه متفرعاً من (فُعْلُلٍ) إذ الفتح أخف من الضم؛ فهو ليس بناءً مستقلاً؛ ودليلهم أنَّ كل مفتوح اللام ورد فيه الضم دون العكس؛ إذ جاء   1 ينظر: تصريف الأسماء 22. 2 ينظر: المقتضب1/66، والمنصف1/24،25، والمقتصد في شرح التكملة2/768، وشرح الشافية للرَّضي 1/47. 3 ينظر: شرح السيرافي5/770، 6/5، والتبصرة2/784، والمقتصد في شرح التكملة2/768. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مضموم اللام؛ ولم يُسمع فيه الفتح؛ مثل (بُرْجُدٍ) وهو: كساء مخطط، و (عُرْمُطٍ) وهو: شجر بالبادية، وغيره 1. نعم؛ وليس جعل الرّباعيّ أصلاً من الأصول محل اتفاق بين القدامى؛ فجمهور الكوفيين يخرجون من الأصول ما زاد على الثلاثة 2، ووافقه على ذلك بصري متقدم؛ وهو أبو زيد الأنصاري، فيما حُكِيَ عنه. قال ابن دريد: "أملى علينا أبو حاتم قال: قال أبو زيد: ما بني عليه الكلام ثلاثة أحرف؛ فما زاد ردوه إلى ثلاثة، وما نقص رفعوه إلى ثلاثة؛ مثل: أَبٍ، وأخٍ، ودمٍ، وفمٍ، ويدٍ ... "3. قال ابن دريدٍ: "لا أدري ما معنى قوله: فما زاد ردوه إلى ثلاثة؛ وهكذا أملاه علينا أبو حاتم؛ عن أبي زيد، ولا أغيره"4. وظاهر نصه أنه موافق لمذهب الكوفيين؛ في ردهم الأصول إلى الثلاثة فحسب، أما تردد ابن دريد في فهم معنى قول أبي زيد "فما زاد ردوه إلى ثلاثة" فمردود - عندي - إلى أن مذهب الكوفيين في أصول ما زاد على الثلاثة كان مغموراً، ولعل أبا البركات الأنباري هو الذي أسهم في نشر مذهبهم في ذلك. ومذهبهم أن كلَّ ما زاد على ثلاثة أحرف من الأسماء أو الأفعال   1 ينظر: تصريف الأسماء 23، 24. 2 ينظر: الإنصاف2/793، وشرح المفصل لابن يعيش6/112، وشرح الشافية للرضي1/47، والممتع1/311، والتصريح2/358. 3 الجمهرة 3/1306، وينظر: المزهر2/317. 4 الجمهرة 3/1306، وينظر: المزهر2/317. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ففيه زيادة؛ فإن كان على أربعة أحرفٍ؛ نحو (ضِفْدَعٍ) و (جعفرٍ) فالزائد فيه حرف؛ وإن كان على خمسة أحرفٍ؛ نحو (سَفَرْجَل) ففيه زيادة حرفين. ثم اختلفوا في تحديد الزائد، وكيفية وزن الكلمة، بأن انقسموا ثلاثة مذاهب: الأول: مذهب الكسائي1 وهو أن الزائد هو الحرف الذي قبل الأخير؛ أي: الفاء في (جعفرٍ والدال في (ضِفْدَع) . الثاني: مذهب الفراء2 وهو أن الزائد هو الحرف الأخير؛ فيكون الزائد عنده الراء في (جعفر) والعين في (ضفدع) . وذهب الفراء 3 إلى أن الزائد في الخماسيّ الحرفان الأخيران. ولم أقف على ما يحدد الزائد في الخماسيّ عند الكسائي، وبالقياس على مذهبه في الرّباعيّ فإن الزائد الحرفان السابقان الحرفَ الأخيرَ؛ وهما: الراء والجيم في (سَفَرْجَل) . الثالث: أنَّ ما زاد على ثلاثة أحرف لا يوزن؛ لأنه لا يُدرى كيفية وزنه4!! واحتج الكوفيون لقولهم: إن نهاية الأصول ثلاثة، وما زاد عليها   1 ينظر: الإنصاف2/793، وشرح الشافية للرضي 1/47، والممتع311. 2 ينظر: الإنصاف2/793، وشرح المفصل6/112، والممتع1/311، والتصريح2/358. 3 ينظر: الإنصاف 2/793، وشرح الشافية للرضي1/47. 4 ينظر: الممتع1/312، والتصريح2/358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فزائد، بأن قالوا: "إنما قلنا ذلك لأنا أجمعنا على أنَّ وزن جعفرٍ (فَعْلَلٍ) ووزن سفرجلٍ (فَعَلَّلٍ) وقد علمنا أن أصل (فَعْلَل) و (فَعَلَّل) فاء وعين ولام واحدةٌ، فقد علمنا أنَّ إحدى اللامين في وزن: جَعْفَرٍ زائدةٌ، واللامان في وزن سَفَرْجَلٍ زائدتان، فدلَّ على أنَّ في جعفرٍ حرفاً زائداً من حرفيه الأخيرين، وأنَّ في سفرجلٍ حرفين زائدين؛ على ما بيَّنَّا"1. وما احتجوا به غيرُ سديدٍ من وجوه: أحدها2: أنَّ الحكم بزيادة الحرف لا يكون إلاَّ بدليل من الأدلة التي يعرف بها الزائد؛ كالاشتقاق والتصريف وعدم النظير، ولا شيءَ من ذلك حاصلٌ في (جعفرٍ أو (سَفَرْجَلٍ) فالقضاء بالزيادة فيهما ليس له أدنى دليل. ثانيها: أنَّ تكرير اللام في نحو (فَعْلَل) و (فَعَلَّل) إنما وقع لأن الميزان الذي تم اختياره؛ وهو (فعل) على ثلاثة أصول؛ وهو يناسب أكثر الأصول شيوعاً؛ وهو الثّلاثيّ؛ فإن زادت الأصول على الثلاثة كُرِّرتِ اللام دون الفاء والعين؛ لأنه لما لم يكن بدٌّ في الوزن من زيادة حرف بعد اللام، أو تغيير الكلمة الموزونُ بها بكلمة رباعية؛ كـ (دَحْرَجَ) لوزن الرّباعيّ، وكلمةٍ خماسيةٍ؛ كـ (سَفَرْجَلٍ) لوزن الخماسيّ فتختلف الموازين فاختاروا الأول؛ وهو زيادة حرفٍ بعد اللام؛ ليكون الميزان موحّداً؛ فلم يكن بدٌّ من تكرير حرفٍ في (فَعَلَ) من جنس أحد حروفه   1 الإنصاف2/793. 2 ينظر: الممتع 1/311،312. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الثلاثة؛ فاختاروا اللام لقربها للحرف الأخير، ولبعد الفاء والعين عنه، وكرروا اللام مرتين في الخماسيّ. وإن كان في الكلمة حرف زائد أظهروه في الميزان؛ فوزنوا لفظ (كاتِبٍ) بـ فَاعِلٍ، و (صَيْقَلٍ) بـ (فَيْعَلٍ) ، و (زُرْقُمٍ) بـ (فُعْلُمٍ) ؛ لتمييز الأصول من الزوائد، وهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ مثل (جَعْفَرٍ) رباعي. ولذا؛ فإن صحَّ ما ذهب إليه الكوفيون في أنَّ (جَعْفَراً و (سفرجلاً) ونحوهما ثلاثيان زِيدَ فيهما، وجبَ –على ما تقدَّم- أن يكون وزنهما (فَعْفَلا) و (فَعَرْجَلا) على مذهب الكسائي، و (فَعْلَرا) و (فَعَلْجَلا) على مذهب الفراء. ومن الكوفيين من ذهب هذا المذهب1؛ فوزن الرّباعيّ؛ نحو (جعفرٍ) بـ (فَعْلَرٍ) والخماسيّ؛ نحو (فَرَزْدَقٍ) بـ (فَعَلْدَقٍ) ونحو ذلك. وثالثها: ما ذكره سيبويه في رده على من زعم أنَّ الرَّاء في (جعفرٍ) زائدة أو الفاء، ونحو ذلك؛ بقوله: "فإذا قال هذا النحوَ جعل الحروفَ غيرَ الزوائدِ زوائدَ، وقال ما لا يقوله أحد".2 ورابعُ ما يُضْعِفُ رأيَ الكوفيين: أنَّه يرد عليهم ما لا يستطيعون أن يزعموا أنَّ فيه زيادةً؛ وذلك المنحوت من كلمتين؛ نحو (عَبْشَمِيٌّ) و (عَبْقَسِيٌّ) من الكلمات الرّباعيّة المسلَّم بأصالة حروفها الأربعة؛ لأنها نحتت من كلمتين ثلاثيتين؛ حروفهما جميعاً أصول، وكذلك (شَقَحْطَب)   1 ينظر: الممتع1/312. 2 الكتاب4/328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 من الخماسيّ؛ إن صحَّ نَّه منحوت من (شِقٍّ) و (حَطَبٍ) 1. وانفرد أحمد بن فارس بطريقة خاصة - فيما زاد عن الثّلاثيّ؛ وهو الرّباعيّ والخماسيّ عند البصريين- التزمها في معجمه (مقاييس اللغة) ومؤدَّاها أنه لا يعتد بما زاد عن الثّلاثيّ في الأصول؛ فهو يردُّ ما زاد عن الثلاثة إلى الثّلاثيّ، بعرض الأصول الرّباعيّة أو الخماسيّة على ما قاربها من الأصول الثّلاثيّة، ورَدَّها إلى ذلك بإحدى طريقتين، وهما: 1- أن تكون منحوتةً2. 2- أن تكون مزيدةً3. وإن بقي شيءٌ خفيَ اشتقاقه، وتعسرت إعادته إلى الثّلاثيّ بإحدى هاتين الطريقين، خرَّجه على أنَّه مما وُضع وضعاً4. ومثال الطريقة الأولى عنده –وهي النحت- قوله 5: إنَّ البَعْثَقَةَ؛ وهي خروج الماء من الحوض، منحوتةٌ من كلمتين: (بَعَقَ و (بَثَقَ والأولى بمعنى شقَّ الشيء وفتحه، والثانية بمعنى التَّفتّح في الماء وغيره. وقوله 6:إنَّ (بَلْهَسَ) إذا أسرع منحوت من (بَهَسَ) و (بَلِهَ) وهو صفة الإبل.   1 ينظر: الاشتقاق لعبد الله أمين 410. 2 ينظر: المقاييس 1/332، 2/248،336،509، 3/52. 3 ينظر: المقاييس 1/328،403،505، 2/143،248،509. 4 المقاييس 1/335،512، 2/253، 3/54. 5 المقاييس 1/330. 6 المقاييس 1/231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وقد أحصيتُ ما في (مقاييس اللغة) مما زاد فيه على الثلاثة، ونصَّ ابن فارس على الزيادة فيه فألفيتُ عدته تسعاً وثلاثين ومائتي كلمة رباعيةٍ وأن فيه عشر كلمات خماسيةٍ، قال بزيادة حرفين في كل منها. وتلك الزيادات موزعة على الكلمة من أولها إلى آخرها؛ على النحو التالي: ما وقعت الزيادة في أوله (فائه) وعدته تسع وثلاثون كلمة1. ومن أمثلة ذلك قوله: "البَحْظَلَةُ: قالوا: أن يقفِزَ الرَّجلُ قفز اليَرْبُوع؛ فالباء زائدةٌ"2. وقوله: "الحِبْجَرُ: وهو الوَتَرُ الغليظ ... والحاء فيه زائدة، وإنما الأصل الباء والجيم والراء"3. وقوله: "العَمَلَّطُ: الشديد من الرجال ... وهذا مما زيدَ فيه العينُ"4. ما وقعت الزيادة في ثانيه (عينه) وعدته ثلاث وثمانون كلمةً5، ومنه قوله "البِرْشاعُ: الذي لا فؤاد له، فالراء زائدة، وإنما   1 المقاييس 1/332، 233، 334، 363، 508، 511، 2/114، 145، 338، 339، 340، 341، 3/54، 4/358، 360، 362، 363، 364، 365، 369، 370، 514، 5/118، 165، 483، 6/72. 2 المقاييس 1/332. 3 المقاييس 2/144. 4 المقاييس 4/368، 369. 5 المقاييس 1/332، 333، 334، 335، 508، 509، 510، 511، 512، 2/145، 251، 252، 337، 339، 340، 341، 3/52، 53، 55، 158؛ 159، 160، 172، 273، 350، 351، 352، 402، 457، 458، 459، 4/357، 358، 359، 361، 362، 363، 366، 365، 368، 370، 371، 372، 513، 5/116، 117، 118، 193، 194، 5/71،72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 هو من الباء والشين والعين"1. وقوله: "الشُّرْسُوف ... وهي مَقَاطُّ الأضلاع؛ حيث يكون الغُضْرُوف الدَقيق؛ فالراء في ذلك زائدة، وإنما هو: شَسَفَ"2. وقوله: "العَمَيْثَلُ: الضخم الثقيل ... وهذا مما زيدت فيه الميم، والأصل:عَثَلَ"3. ج- ما وقعت الزيادة في ثالثه (لامه الأولى) وعدته سبع وخمسون كلمةً 4. فمن ذلك قوله: "الثَّعْلَبُ: مخرج الماء من الجَرِين؛ فهذا مأخوذ من: ثَعَبَ؛ اللام فيه زائدةٌ"5. وقوله: "الخُذْرُوفُ: وهو السريع في جريه، والراء فيه زائدة"6. وقوله: "العُبْسُورَةُ والعُبْسُرَةُ: الناقة السريعة ... والسين في ذلك   1 المقاييس 1/332. 2 المقاييس 3/273. 3 المقاييس 4/371. 4 المقاييس 1/403، 509، 2/144، 136، 248، 250، 251، 252، 253، 337، 339، 340، 509، 510، 3/54، 159، 160، 272، 273، 350، 351، 352، 402، 457، 458، 4/371، 372، 430، 431، 357، 359، 362، 363، 367، 368، 5/116، 6/71، 72. 5 المقاييس 1/403. 6 المقاييس 2/252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 زائدة"1. د-ما وقعت الزيادة في رابعه (لامه الثانية) وعدته ستون كلمة 2. فمثاله قوله: "ومن ذلك قولهم للقصير: جَعْبَرٌ ... وتكون الراء زائدة"3. وقوله: "الخَدَلَّجَةُ: وهي الممتلئة الساقين والذراعين، والجيم زائدة، وإنما هو من الخدالة"4. وقوله: "بعير قُرَامِلٌ عظيمُ الخَلْقِ؛ وهذا مما زيدت لامه، وأصله القَرْمُ"5. ويلَخِّصُ الجدول التالي الزوائدَ في كل موقع من الرّباعيّ عند ابنِ فارس: موقع الزيادة ... الحرف الأول ... الحرف الثاني ... الحرف الثالث ... الحرف الرابع العدد ... 39 ... 83 ... 57 ... 60 النسبة ... 16.31% ... 34.72% ... 23.84% ... 25.10%   1 المقاييس 4/367، 368. 2 المقاييس 1/329، 332، 333، 334، 509، 2/143، 144، 145، 146، 248، 249، 510، 511، 3/52، 54، 160، 274، 349، 351، 401، 402، 457، 458، 359، 360، 362، 363، 365، 370، 373، 4/513، 514، 5/117، 118، 193، 483، 484، 6/71، 72. 3 المقاييس 1/510. 4 المقاييس 2/248. 5 المقاييس 5/118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ويفهم من هذا الجدول أنَّ الثاني هو أكثر المواقع زيادةً عند ابن فارس، أما أقلها زيادةً فهو الحرف الأول. ومن أمثلة الخماسيّ –وهو قليل عند ابن فارس- قوله: "الشَّمَرْدَلُ، وهو الرجل الخفيف في أمره، ويقال: الفتي القوي من الإبل، وأيُّ ذلك كان؛ فهو من: شَمَرَ"10 وقوله: "القَلَهْذَمُ: يقال هو صفة للماء الكثير؛ وهذا مما زيدت فيه اللام والهاء؛ وهو من القذْمِ؛ وهو الكثرة"2. وقوله: "العَنْتَرِيسُ: الناقة الوثيقة، وقد يوصف به الفرس ... وهذا كله مما زيدت فيه التاء ... والنون –أيضاً- زائدة"3. ومن أهمِّ ما يلحظ في زوائد ابن فارس أنه لا يقصرُها على حروف الزيادة؛ بل كل الحروف –تقريباً- تقع عنده زائدة. وسيأتي تفصيل ذلك في الكلام على حروف الزيادة - إن شاء الله -. ومن ذلك أنَّه ذكر في باب (ما زاد على الثلاثة) كلماتٍ ليست منه؛ بل هي ثلاثيةٌ؛ كـ (الشَّوْقَبِ) 4 و (الزُّعْرُور) 5 و (العَيْهَرَةِ)   1 المقاييس 3/274. 2 المقاييس 5/116. 3 المقاييس 4/366. 4 المقاييس 3/272. 5 المقاييس 3/53. 6 المقاييس 4/357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وهي (ش ق ب) و (ز ع ر) و (ع هـ ر) . أما النوع الثالث مما زاد على الثلاثة؛ وهو عند ابن فارس (ما وُضِعَ وضعاً) بحيث لا يعرف اشتقاقه؛ فذكر1 منه (البَهْصَلَةَ) وهي المرأة القصيرة، و (البَحْزَجَ) وهو ولد البقرة، و (بَرْشَمَ) الرجل إذا وَجَمَ. وقد اعتاد ابن فارس أن يذيِّل بهذا النوع كل باب - تقريباً - من أبواب ما زاد على الثلاثة. على أنه كان متردداً في أمره؛ فلم يجزم به؛ بل يشير - في كثير من الأحيان - إلى تردده كقوله: "ومما وُضعَ وضعاً، وقد يجوز أن يكون عند غيرنا مشتقاً"2.وقولِه: "ولا أظن له قياساً"3 وقولِه: "ولعل له قياساً لا نعلمه"4. وربما شك ابن فارس في صحة النقل عن العرب؛ كقوله: "وكل الذي ذكرناه مما لا قياس له، وكأنَّ النفس شاكّةٌ في صحته، وإن كنَّا سمعناه"5. ويلخّص ابن فارس الطرق الثلاث؛ التي اعتمدها فيما زاد على الثَّلاثة في قوله: "وسبيل هذا سبيل ما مضى ذكره؛ فبعضه مشتق ظاهر الاشتقاق، وبعضه منحوت بادي النحت، وبعضه موضوع وضعاً، على   1 المقاييس 1/335. 2 المقاييس 2/253. 3 المقاييس 3/402. 4 المقاييس 4/514. 5 المقاييس 3/459. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 عادة العرب في مثله"1. هذا مذهب ابن فارس فيما زاد على الثلاثة من الأصول، وهو مذهب تفردَّ به؛ وإن كان فرعاً على مسلك الكوفيين؛ لا سيما في الزوائد؛ على أنَّ له فيه مذهباً خاصاً؛ فهو يخالف الكسائي والفراء في عدم تقيده بموقع الزائد؛ فقد يكون هذا الزائد في آخر الكلمة؛ كما قال الفراء، وقد يكون في الحرف الذي قبل الأخير؛ كما قال الكسائي، وقد يكون في غير ذلك، كأن يكون في أول الكلمة، أو في ثانيها، أو في ثالثها في الخماسيّ. ومذهب ابن فارس في الزوائد يحتاج إلى دراسة تحليلية موسعة ليس هذا مكانها. وأما مذهب البصريين في عدّ الرّباعيّ أصلاً من الأصول –فهو المذهب الصحيح الذي يؤيده الاشتقاق والتصريف؛ وهو المذهب الذي كتب له الانتشار والاستمرار. وما احتجّ به الكوفيون لنفي الأصول الرّباعيّة ضعيف لا يعوَّل عليه. وثمة تفصيل في الرّباعيّ؛ فمنه ما اختلفت أحرفه الأربعة؛ وهو الكثير؛ نحو: جعفرٍ، ودَحْرَجَ، وأمرُ هذا النوع واضح، ومن الرّباعيّ نوع تكرر بعض حروفه؛ فمنه ما تكرر فيه حرف واحدٌ، ومنه ما تكرر فيه حرفان، وفيما يلي تفصيل ذلك:   1 المقاييس 2/253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أوَّلاً: ما تكرَّرَ فيه حرف واحد؛ وفيه تفصيل: أ- ما ماثلَ أولُه ثانيه: مع اختلاف الثالث والرابع؛ نحو (دَيْدَبُونٍ) في قول الشاعر: خَلّوا طَرِيقَ الدَّيْدَبُونِ وقد ... فاتَ الصِّبَا وتُنُوزِعَ الفَخْرُ1 أي: اللهو أو الباطل، وهو رباعي2؛ وأصوله (د د ب ن) ووزنه (فَيْعَلُول) . ومثله (زَيْزَفُونٌ) وهي الناقة السريعة؛ في قول أمَيَّة بن أبي عائذ: مَطَارِيحَ بالوَعْثِ مَرَّ الحُشُو ... رِ هاجَرْنَ رَمَّاحَةً زَيْزَفُونَا 3 وهو رباعي4؛ وأصوله (ز ز ف ن) ووزنه (فَيْعَلُول) . وثمة تداخل أصول في هذه الكلمة بين الثّلاثيّ والرّباعيّ، وقد كان ابن جني متردداً في أصولها؛ فقال مرةً: إنها رباعية5، وأظهر تردده في موضع آخر؛ فقال: (وهي في ظاهر الأمر: (فَيْفَعُول) من (الزَّفَنِ) لأنه ضرب من الحركة مع صوتٍ. وقد يجوز أن يكون: زيزفونٌ رباعياً قريباً من لفظ الزَّفنِ، ومثله من الرّباعيّ: دَيْدَبُون) 6.   1 ينظر: الخصائص2/22، واللسان (د د ن) 13/152. 2 ينظر: الخصائص 2/22. 3 ينظر: شرح أشعار الهذليين2/519، والخصائص3/215. 4 ينظر: الخصائص 2/58. 5 ينظر: الخصائص 2/58. 6 الخصائص3/216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وجعله السيرافي1 ثلاثياً من الزَّفنِ، ورجَّح ابن عصفور2 كونَه رباعياً. ب - ما ماثل أولُه ثالثَه؛ مع اختلاف الثاني والرابع؛ نحو (قَرْقَلٍ) وهو قميص للنساء، و (جَرْجَمَ) إذا شرب الشراب، و (فَرْفَخٍ) وهو نبات الرِّجْلَةِ، و (زَهْزَقَ) إذا أكثرَ الضحك، و (القَرْقَمَةِ) وهي ثياب كتان بيض؛ فحروفه الأربعة أصول3، ولا يجوز أن يقال: إن وزنه (فَعْفَل) . ج- ما ماثل أولُه رابعَه: مع اختلاف ثانيه وثالثه؛ نحو (قُرْبَقٍ) وهو دكَّان البقال، و (صَعْفَصَةٍ) وهو نوع من اللحوم يطبخ بخل، و (سَعْلُوسٍ) وهو موضعٌ؛ وذلك ونحوه حروفه الأربعة أصول4،ولا يجوز أن يقال: إن وزنه (فَعْلَف) . د - ماثل ثانيه رابعَه؛ فمن ذلك (قِسْطَاسٌ) و (شَعَلَّعٌ) وهو الطويل، و (الهَزَنْبَزُ) و (الهَزَنْبَزَانُ) وهو الحديد الوثاب من الرِّجال؛ وهو رباعي5. ثانياً: ما تكرر فيه حرفان: ومثاله (زَلْزَلَ) وهذا النوع من أكثر الأصول مَدْعاةً للتداخل، وجملة القول في مذاهبهم فيه ما يلي: 1- إنه ثنائيٌّ؛ ووزنه (فَعْفَع) .   1 ينظر: الممتع 1/138. 2 ينظر: الممتع 1/138. 3 ينظر: الخصائص2/57. 4 ينظر: الخصائص 2/58. 5 ينظر: الخصائص 2/58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 2- إنه ثلاثي؛ ووزنه (فَعَّل) أو (فَعْفَل) . 3- إنَّه رباعي؛ ووزنه (فَعْلَل) . وقد مرَّ بنا ما يتصل بالثّنائيّ والثّلاثيّ، وفيما يلي تفصيل المذهب الثالث المتصل بالرّباعيّ؛ وهو أوسع المذاهب فيه انتشاراً بين اللغويين؛ وهو المشهور 1؛ وهو مذهب البصريين. ومن أقدم من قال به سيبويه؛ حيث قال: "ولا نعلم في الكلام على مثال (فَعْلال) إلاَّ المضاعف من بنات الأربعة؛ الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين؛ وليس حروفه زوائد ... ولا نعلم المضاعف جاء مكسور الأول إلاَّ في المصدر، نحو: الزِّلزال "2. وأخذ به المبرد في قوله: "وليست الثُّرَّةُ عند النحويين البصريين من لفظ الثَّرْثَارَةِ، ولكنها في معناها"3. ونقل ابن عقيل أن المبرد سامح فيه ورجَّح أن يكون رباعياً4. ومنهم المازني5 الذي جعل ذلك رباعياً. ومنهم أبو علي الفارسي6، وذكره في باب الفعل الرّباعيّ؛ نحو (قَلْقَلْتُه) و (زَلْزَلْتُه) فجعله رباعياً مضاعفاً.   1 ينظر: لحن العامة للزبيدي 124. 2 الكتاب4/294، 295. 3 الكامل 1/8، 9. 4 ينظر: المساعد4/61. 5 ينظر: المنصف2/178. 6 ينظر: التكملة 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وكان أبو عليٍّ يرى أن مذهب القائلين بالإبدال فيه ليس بسديد؛ لتباعد حروفه؛ فقد ذكر ابن جني رأي من قال: إنَّ (حَثْحَثَ) أصله: حثَّثَ؛ بإبدال الثاء الوسطى حاءً؛ بقوله: "وسألتُ أبا عليٍّ عن فساده؛ فقال: العلة في فساده أن أصل القلب في الحروف إنما هو فيما تقارب منها؛ وذلك: الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تداخلت مخارجه. فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع قلب إحداهما إلى أختها؛ قال: وإنما حَثْحَثَ أصل رباعي، وحَثَّثَ أصل ثلاثي؛ وليس واحد منهما من لفظ صاحبه، إلاَّ أنّ حَثْحَثَ من مضاعف الأربعة، وحَثَّثَ من مضاعف الثلاثة، فلما تضارعا بالتضعيف الذي فيهما اشتبه على بعض الناس أمرهما؛ وهذا هو حقيقة مذهبنا ... هذا هو الصواب"1. وقد تبنى ابنُ جني رأيَ البصريين ممثلاً في رأي شيخه الفارسي حتى أمسى من أشدِّ المتمسكين به، ومن أكثرهم ترديداً له في كثير من كتبه؛ كـ (المنصِفِ) و (سِرِّ صناعة الإعراب) و (الخصائص) و (المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة) . ومن ذلك قوله ردًّا على أبي إسحاق الزجاج، وهو بصري خرج عن جماعته في هذه المسألة: "وذهب أبو إسحاق في نحو: قَلْقَلَ، وصَلْصَلَ، وجَرْجَرَ، وقَرْقَرٍ، إلى أنه (فَعْفَلَ) وأن الكلمة لذلك ثلاثية ... وذهب إلى مذهب شاذٍ غريبٍ في أصلٍ منقادٍ عجيبٍ، ألا ترى   1 سر الصناعة 1/180، 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 إلى كثرته ... وهذا باب واسع جداً، ونظائره كثيرة؛ فارتكب أبو إسحاق مركباً وعراً، وسحب فيه عدداً جماً، وفي هذا إقدام وتَعَجْرُفٌ"1. وقوله: "وهذا عند حُذَّاق أهل التصريف مُحال"2. وقوله في موضع آخر: "على أن أبا بكرٍ محمد بن السَّري قد كان تابع الكوفيين، وقال في هذا بقولهم. وإنما هذه أصول تقاربت ألفاظها، وتوافقت معانيها"3. وقوله نحواً من ذلك في (المنصف) 4. ومما يقوي مذهب البصريين في أنَّ هذا النوع رباعي، وليس ثلاثياً أو ثنائياً ما أشير إلى بعضه من قبلُ؛ وهو كما يلي: 1- قولهم في مصدره (فَعْلَلَة) و (فِعْلال) كـ (الزَّلزلة) والزِّلزال (فلو كان ثلاثياً مضعَّفاً لجاء مصدره على (التَّفعيل) كـ (كسَّر تكسيراً. 2- يؤدّي رأي من قال بإبدال الثالث من جنس الأول للثقل إلى الإدعاء بوقوع الإبدال من حروفٍ غير متقاربة المخارج؛ لا يقع بينها الإبدال في العادة؛ كالحاء والثاء في (حَثْحَثَ) والكاف والباء في (كبكب) . بل إن سبيلهم؛ إذا استثقلوا التضعيف، غير ذلك؛ وهو فك التضعيف بإبداله بحرف العلة؛ كقولهم في: تَظَنَّنْتُ: تَظَنَّيْتُ 5؛ دون   1 الخصائص 2/52، 53. 2 المنصف2/200. 3 سر الصناعة1/181. 4 2/199، 200. 5 ينظر: المساعد4/61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 تَظَنْظَنْتُ، وقصيت أظفاري في: قَصَّصْتُ1. ثالثاً- الأصول الخماسيّة: هذا النوع هو ثالث الأصول عند البصريين، ومن تابعهم؛ من جمهور اللغويين والصرفيين؛ وهو مخصوص بالأسماء دون الأفعال، وأقلُّ الثلاثة في الكلام؛ كما نصَّ عليه سيبويه2. وللعلماء تفسيرات في اختصاصه بالأسماء دون الأفعال، ومنها: أ- أنَّ الفعل مُعَرَّض للزوائد من أوله وآخره؛ كقولهم: دحرجتُه فتدحرَجَ، فلو بنيتَ من الخماسيّ لكان تقديره: سَفَرْجَلتُهُ فتسَفَرْجلَ؛ وهو ثقيل كما ترى. كما أن الضمائر تلحق بالأفعال، وتصير معها بمنزلة الشيء الواحد، نحو: ضربنا وضربتم؛ فإذا جاء الخماسيّ فعلاً، ولحقته الضمائر، أفرط في الطول؛ فكان تقديره: سَفَرْجَلْتُم؛ وهو ثقيل3. ب - وأن الأسماء أشدُّ تمكناً من الأفعال؛ بدليل استغنائها عن الأفعال4، وحاجة الأفعال إلى الأسماء5؛ فكانت أولى بالثقل؛ لتمكُّنها. ج- وأنَّ الأسماء أصل الأفعال؛ وهي قبلها في الرتبة، وكثرةِ الأمثلة؛ فهي أولى بالخماسيّ من الأفعال، كما أنَّها أولى منها بالتنوين6.   1 ينظر: الغريب المصنف 221أ. 2 ينظر: الكتاب4/23. 3 ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/771. 4 ينظر: الإيضاح في علل النحو100. 5 ينظر: دقائق التصريف373. 6 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/771. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وكاد الإجماع على اختصاص الأسماء بالخماسيّ؛ دون الأفعال، ينعقد؛ لولا تفرد الخليل برأي يخالف ما أجمع عليه القوم؛ إذ قال: "والخماسيّ من الأفعال نحو: اسْحَنكَكَ، واقْشَعرَّ، واسْحَنفَرَ، واسْبَكَرَّ، مبني على خمسة أحرف ... والألفِ، التي في: اسْحَنكَكَ، واقْشَعرَّ، واسْحَنفَرَ، واسْبَكَرَّ، ليست من أصل البناء"1. وقال: "اعلم أن الراء في: اقشعرَّ، واسبكَرَّ، هما راءان أدغمت واحدة في الأخرى، والتشديد علامة الإدغام"2. وقال: "ليس للعرب بناءٌ في الأسماء، ولا في الأفعال، أكثرُ من خمسة أحرف؛ فمهما وجدتَ زيادةً على خمسة أحرف في فعلٍ أو اسمٍ، فاعلم أنها زائدة على البناء"3. وما ذكره الخليل ليس من الخماسيّ عند اللغويين؛ فأوله ثلاثي؛ وهو (اسحنكك) من (س ح ك) وما بعده رباعي؛ أصوله على التوالي: (ق ش ع ر) و (س ح ف ر) و (س ب ك ر) . ويمكن توجيه ذلك بأحد ثلاثة أمور: أحدها: أن لا يكون ذلك النصُّ للخليل؛ لأن (العين) مشكوك في نسبته له؛ وهو توجيه بعيد؛ لأن الإجماع شبه معقود على أن مقدمة (العين) من صنع الخليل أو رويت عنه؛ بدليل السند.   1 العين 1/48، 49. 2 العين 1/49. 3 العين1/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وثانيها: أن يكون ذلك من آراء الخليل المبكرة؛ التي لم تنضج؛ وهي مما يناسب مقدمات وضع المقاييس في العربية؛ التي لم تأخذ وضعها النهائي إلاَّ على أيدي تلامذة الخليل –وعلى رأسهم سيبويه- أو من جاء بعدهم. ثالثها: أنَّ الذي دفعه إلى عدِّ تلك الأفعال من الخماسيّ أنه وجدها لا تُسْتعمل إلاَّ خماسيةً؛ أعني أنَّ الزيادة فيها لا تفارقها. ويقوي هذا الاحتمال قول سيبويه عن نوع من الزوائد:" وربما بني عليه الفعل؛ فلم يفارقه، كما أنه قد يجيء الشيء على: أَفْعَلْتُ وافْتَعَلْتُ ونحو ذلك، لا يفارقه بمعنى، ولا يستعمل في الكلام إلاَّ على بناء فيه زيادة"1. ومثَّل له سيبويه بـ (اقْطَرَّ) النبات و (اقْطَارَّ) إذا وَلَّى، و (اقْشَعَرَّ) و (اسْحَنْكَكَ) . ويعد سيبويه من أوائل المعترضين على مسألة أن يكون الفعل خماسياً بقوله عن بنات الخمسة: إنها "لا تكون في الفعل البتة"2. ومنهم الأزهري الذي ذيَّل حديثه عن (مُسْحَنْكِكٍ) و (مُحْلَنْكِكٍ) ونحوهما باعتراضٍ على صاحب (العين) بقوله: "قلتُ: وأصل هذين الحرفين ثلاثي، صار خماسياً؛ بزيادة نون وكاف، وكذلك ما أشبهها من الأفعال.   1 الكتاب4/76. 2 الكتاب 4/230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وأمَّا اسْحَنْفَرَ واحْرَنقَزَ فهما رباعيان، والنون زائدة؛ وبها أُلحقتا بالخماسيّ. وجملة قول النحويين إن الخماسيّ الصحيح الحروف لا يكون إلاَّ في الأسماء؛ مثل: الجَحْمَرِشِ والجِرْدَحْلِ. وأما الأفعال فليس فيها خماسيٌّ إلاَّ بزيادة حرفٍ أو حرفين"1. وهذا هو مذهب اللغويين والصرفيين؛ ولا أعلم أحداً من القدامى بعد سيبويه خالف فيه. على أنَّ حق الخماسيّ أن يكون اثنين وتسعين ومائة بناءٍ2 إلاَّ أنَّه أُهْمِلَ معظمُها للثقل، ولالتقاء الساكنين؛ فلم يستعمل منها سوى أربعة أبنية؛ وهي3: 1- (فَعْلَلِل) نحو (جَحْمَرِشٌ) وهي الثقيلة السَّمْجة من النساء، أو العجوز الكبيرة. 2- (فَعَلَّل) نحو (شَمَرْدَلٍ) وهو القوي السريع الفَتِيُّ من الإبل وغيرها. 3- (فِعْلَلّ) نحو (جِرْدَحْلٍ) وهو الضخم من الإبل. 4- (فُعَلَّل) نحو (قُذَعْمِلٍ) وهو القصير الضخم من الإبل.   1 التهذيب 5/337، 338. 2 وذلك بضرب حركات الفاء في العين، فالعين في اللام الأولى، فاللام الأولى في الثانية، أي [3×4=12×4= 48×4=192] . 3 ينظر: المقتصد في شرح التكلمة2/770، وشرح الكافية الشافية4/2024. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وزاد ابن السراج1 بناءً خامساً؛ وهو (فُعْلَلِل) ومثاله (هُنْدَلِعٌ) ولا دليل على أصالة النون فيه2؛ فالحكم بزيادتها أقرب؛ لأن الحرف إذا تردد بين الأصالة والزيادة مع ندرة الوزنين، كان الأولى الحكم بالزيادة؛ لكثرة ذي الزيادة3. وقد تقدم4 مذهب الكوفيين –ومنهم ابن فارس- وهو ردهم ما زاد عن الثلاثة من الأصول إلى الثلاثة، بالزيادة أو النحت. وما قيل هناك يقال هنا؛ ولا حاجة لإعادته. نعم؛ وليس في كلام العرب اسم على ستة أحرف5؛ لأن السداسي حدُّ اسمين6 ولا يلتفت لاسمين ذكرهما ابن سيده7 في باب السداسي؛ أحدهما: (شَاهَسْفَرَمٍ) بسكون الميم؛ وهو: ريحان الملك بالفارسية في قول الأعشى: وشَاهَسْفَرِمْ والياسمينُ ونَرْجِسٌ ... يُصَبِّحُنَا في كُلِّ دَجْنٍ تَغَيَّمَا8   1 ينظر: الأصول3/225. 2 ينظر: المنصف1/31. 3 ينظر: شرح الشافية للرضي1/49. 4 ينظر: ص 69 من هذا البحث. 5 ينظر: ليس في كلام العرب 125. 6 ينظر: ديوان الأدب 1/93. 7 ينظر: المحكم 4/355. 8 ديوانه 343، والراء من الشاهد في المحكم (4/355) مفتوحة، وفي الديوان مكسورة، وفي المحكم: ((الياسمون)) بالواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وثانيهما: (الخَشَسْبَرَمْ) وهو من رياحين البر1. وقد أشار إلى أنهما معرَّبان، وأولهما من الفارسية؛ وهو مركب من (شاه بمعنى الملك، و (سَبَرم وهو: الريحان. وهي في لغتها الأم (سَبَرَمْ) 2. وما جاء في هذا الباب في بعض المعاجم؛ وبخاصة (التاج) فهو من المعرَّب، ولا يدخل في بحث أصول العربية. هذه سبيلهم في الأصول، والذي عليه اللغويون في صناعة المعاجم هو مذهب البصريين؛ وهو أنَّ أصول ما تصرف من كلام العرب ثلاثة فحسب: ثلاثية، ورباعية، وخماسية. وقد اقتفيت في هذا البحث آثارهم في مذهبهم. النَّحْتُ: ومن تمام الحديث عن الأصول عند القدامى أن نعرض ـ بشيء من الإيجاز ـ لموضوع النَّحتِ، ونبين مواقفهم منه. وهو في اللغة: القطع والنقص والقشر والبَرْيُ3. ومعناه الاصطلاحي مأخوذ من معانيه اللغوية؛ وهو4: أن يُعمدَ   1 ينظر: المحكم5/210. 2 ينظر: المعجم الذهبي 364. 3 ينظر: التهذيب14/441، واللسان (نحت) 2/98. 4 ينظر: الاشتقاق والتعريف13، والنحت في اللغة العربية66، والنحت في العربية163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 إلى كلمتين أو جملة؛ فينزع من مجموع حروفها كلمةٌ واحدةٌ؛ تدل على ما كانت تدل عله الجملة. والنحت جنس من الاختصار1؛ وهو لون من ألوان التركيب2، إلاَّ أنَّه يختلف عنه بأنه تُنتقص فيه المواد المنحوت منها وتُخْتَزل؛ بخلاف التركيب الذي يُبقي على بنيتي الكلمتين. وأقدم تعريف له –فيما وصل علمنا إليه- ما ذكره ابن فارسٍ بقوله: "ومعنى النحتِ أن تؤخذ كلمتان؛ وتنحت منهما كلمة؛ تكون آخذةً منهما جميعاً بحظٍّ"3. ولم ينل النحت عناية كافية عند علماء العربية القدامى؛ فلم توضع له قواعد ثابتة، وقد ذكر عند أكثرهم عرضاً؛ كما فعل الخليل وسيبويه ومن أتى بعدهما. ولعل السبب في ذلك أن ما جاء من النحت عن العرب قليل؛ لا يكاد يتجاوز ستين كلمة4. وأول من عرض للنحت –فيما وصلنا- الخليلُ؛ حيث ذكر قولهم: (حَيْعَلَ) و (الحَيْعَلَةُ) في قول الشاعر: فباتَ خَيَالُ طَيْفِكِ لي عَنِيقاً ... إلى أن حَيْعَلَ الدَّاعي الفَلاحا5   1 ينظر: فقه اللغة للثعالبي 421. 2 ينظر: دراسات في اللغة 51، 52. 3 المقاييس1/228، 229. 4 ينظر: الاشتقاق لعبد الله أمين 393. 5 ينظر: العين 1/60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وقول الآخر: أقولُ لها ودَمْعُ العينِ جارٍ ... ألم يُحْزِنْكِ حَيْعَلَةُ المُنَادِي1 فقال الخليل: "فهذه كلمة جمعت من: حَيَّ، ومن: على، وتقول منه: حَيْعَلَ يُحَيْعِلُ حَيْعَلَةً؛ وقد أكثرتَ من الحيعلةِ؛ أي: من قولك: حيَّ على؛ وهذا يشبه قولهم: تَعَبْشَمَ الرَّجلُ، وتَعَبْقَسَ، ورجلٌ عبْشَمِيٌّ، إذا كان من عبدِ شمسٍ، أو من عبد قيس؛ فأخذوا من كلمتين متعاقبتين كلمةً، واشتقوا فعلاً؛ قال: وتَضْحَكُ مِنٍّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ... كَأَنْ لَمْ تَرَى 2 قَبْلِي أسيراً يمانياً نسبها إلى عبد شمسٍ، فأخذ العين والباء من: عبدٍ، وأخذ الشين والميم من: شمسٍ، وأسقط الدال والسين، فبنى من الكلمتين كلمةً؛ فهذا من النحت ... وما وُجد من ذلك فهذا بابه"3. ويلاحظ في النحت عند الخليل أنه يأتي من الأسماء على وزن (فَعْلَلٍ) ويشتق منه فعل رباعي على وزن (فَعْلَلَ) ويجوز عنده أن ينحت من اسمين، أو من فعلٍ وحرف؛ بشرط أن يكونا متعاقبين في جملة، أو بالإضافة. ويشير سيبويه إلى النحت في حديثه عن النسب بقوله: "وقد يجعلون للنسب في الإضافة اسماً بمنزلة: جعفرٍ، ويجعلون فيه من حروف   1 ينظر: العين1/60. 2 أثبت حرف العلة مع الجزم. ينظر: المفضليات158، وشرح شواهد المغني2/675. 3 ينظر: العين1/60،61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الأول والآخر، ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف ... فمن ذلك عَبْشَمِيٌّ، وعَبْدَرِيٍّ"1. وقد حاولوا أن يُقَعِّدوا له بالاستنباط من شواهده القليلة، والاعتماد على قولِ الخليل؛ فذكروا2 أنه يؤخذ من كلٍّ من الكلمتين الفاءُ والعينُ؛ نحو (عَبْشَمِيٌّ) في عبدِ شمسٍ، وإن كان عين الثاني معتلاً أُكْمِلَ البناء بلامه؛ نحو (عَبْدَرِيٌّ) في: عبدِالقيس، وعبد الدار. غير أن ذلك لا يطَّرد؛ وبخاصة فيما نحت من أكثر من كلمتين؛ كقولهم: (حَوْلَقَ) و (حَوْقَلَ) و (بَسْمَلَ) . ويأخذ النحت - عند القدامى- اتجاهين؛ أحدهما لجمهور اللغويين والصرفيين والنحاة؛ وهو أن ينحت من كلمتين أو من جملة على وزن (فَعْلَل) في الغالب؛ على نحو ما ذكر قبل قليل. أمَّا الاتجاه الثاني فمذهب ابن فارس3 وقد توسَّع في النحت؛ وهو أن ينحت على أيِّ وزن من أوزان العربية المستعملة في الرّباعيّ أو   1 الكتاب3/376. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/76، وشرح التسهيل للمرادي322ب. 3 استأثر مذهب ابن فارس باهتمامات الدارسين المتأخرين؛ فتناوله غير واحد منهم بالدرس والتحليل والنقد. ينظر على سبيل المثال: أحمد بن فارس، لهادي حمودي ص 315-317، والاشتقاق، لعبد الله أمين ص 401-405، والنحت في اللغة العربية، لنهاد الموسى ص 153-192، والنحت في العربية، لمحمد حسن عبد العزيز12-14، والنحت، لوجيه السمان ص 101، وبنا الرّباعيّ ومعانيه، لإبراهيم السامرائي ص104-114، ونشوء الفعل الرّباعيّ، لأحمد هريدي ص 18-20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الخماسيّ. ويُعَدُّ ابن فارسٍ من أعظم المُنَظِّرِينَ الكوفيين للأصول، ولعل الذي دعاه إلى الأخذ بهذا المذهب هو اتجاهه الكوفي، وإخلاصه لمدرسةٍ لا تعتدّ بما زاد عن الثّلاثيّ من الأصول؛ فأراد أن يرد الرّباعيّ أو الخماسيّ إلى أصلهما؛ فخرَّج ما زاد عن الثّلاثيّ على الزيادة أو النحت، ورام أن يجعل لذلك قياساً يُتَّبع. ووضَّح ابنُ فارسٍ مذهبه بقوله: "اعلم أن للرباعي والخماسيّ مذهباً في القياس؛ يستنبطه النظر الدقيق؛ وذلك أن أكثر ما تراه منه منحوت، ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان، وتُنحت منهما كلمةٌ؛ تكون آخذةً منهما جميعاً بحظ ... فعلى هذا الأصل بنينا ما ذكرناه من مقاييس الرّباعيّ"1. وما ذكره ابن فارس من المنحوت جدير بالتأمل لكثرته؛ إذ بلغ خمس عشرة ومائة كلمةٍ منحوتةٍ من كلمتين؛ باستثناء ثماني كلمات نحتن من ثلاث كلمات. ومن أمثلة ما نحت من كلمتين قوله: "ومن ذلك: بُحْثُر، وهو القصير المُجْتَمِعُ الخَلْقِ؛ فهذا منحوت من كلمتين من: الباء والتاء والراء؛ وهو من: بترتُه فبُتِرَ؛ كأنه حُرِمَ الطول؛ فَبُتِرَ خَلقُه. والكلمة الثانية: الحاء والتاء والراء، وهو من:حَتَرْتُ وأحْتَرْتُ؛ وذلك أن لا تفضل على أحد؛ يقال: أَحْتَرَ على نفسه وعياله؛ أي: ضيَّق عليهم؛ فقد صار هذا   1 المقاييس1/338، 329. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 المعنى في القصير؛ لأنه لم يُعْطَ ما أُعْطِيَهُ الطويل"1. وقوله: "ومن الباب: الصَّهْصَلِقُ: الشديد الصوت الصَّخَّاب؛ يقال: امرأة صَهْصَلِقٌ: صَخَّابةٌ؛ وهذا منحوت من كلمتين: من صَهَلَ، وصَلَقَ"2. وقوله: "ومن ذلك: النَّهْشَلُ: الذئب، ويقال: الصقر؛ وهو منحوت من كلمتين: نَشَلَ، ونَهَشَ؛ كأنه ينشل اللحم، وينهشه"3. ومن أمثلة ما ينحت من ثلاث كلمات قوله: "ومن ذلك: القَلْفَعُ؛ وهو ما يَبِسَ من الطين على الأرض فَيَتَقَلَّفُ؛ وهذه منحوتة من ثلاث كلمات: من:قَفَعَ، و:قَلَعَ، و:قَلَفَ"4. ومنه جَعْلُه (الكُردُوسَ) 5 وهي: الخيل العظيمة؛ منحوتة من (كرد) و (كرس) و (كدس) . ومنه (النَّقْرَشَةُ) وهي: الحسُّ الخفيُّ؛ جعلها منحوتة من: نَقَرَ، وقَرَشَ، ونَقَشَ؛ قال: "لأنه كأنه ينقر شيئاً ويقرشه: يجمعه ويَنْقُشُهُ؛ كما يُنْقَشُ الشيء بالمنقاش"6. على أن ابن فارس لم يستطع أن يبني رأيه على خطةٍ علميةٍ دقيقةٍ،   1 المقاييس 1/329. 2 المقاييس 3/351. 3 المقاييس 5/483. 4 المقاييس 5/117. 5 المقاييس 5/194. 6 المقاييس 5/483. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 محكمة مطرةٍ؛ وآية ذلك ما وقع له فيها من هَنَاتٍ غيرِ هَيِّناتٍ. ومن ذلك عدُّهُ كلماتٍ منحوةً تارةً ومزيدةً تارةً أخرى، مثل 1: العَسْلَقِ – وهو كل سبع جَرُؤَ على الصيد- عدَّه منحوتاً من ثلاث كلمات: عَسِقَ وعَلَقَ وسَلَقَ، ثم قرَّر أنَّ (العَسَلَّقَ) وهو الظليم –مزيد، بقوله: "ممكن أن يكون من السرعة، وتكون القاف زائدة، ويكون من العسلان، ويمكن أن تكون العين زائدة من: السَّلْقِ والتَّسَلُّقِ"2. والذي ينبغي في (العَسْلَقِ) و (العَسَلَّقِ) على مذهبه- أن يكونا منحوتين أو مزيدتين؛ لا أن يكون أحدهما منحوتاً، والآخرُ مزيداً؛ وهما مجتمعان في الحروف، وفي المعنى؛ وهو السرعة في سَبُعِ الصيد والظَّلِيم. ولا أدل على تردده بين الأمرين من قوله: "الثَّعلبُ: مَخْرَجُ الماء من الجرين، فهذا مأخوذ من: ثَعَبَ؛ اللام فيه زائدة. فأمَّا ثعلبُ الرُّمحِ فهو منحوت من: الثَّعْبِ ومن العَلْبِ؛ وهو –في خِلْقتِه - يشبه المِثْعَبَ؛ وهو مَعْلُوبٌ3 ... ووجه آخر أن يكون من: العَلْبِ ومن الثَّلْبِ؛ وهو الرمح الخَوَّار؛ وذلك الطَّرَفُ دقيقٌ؛ فهو: ثَلِبٌ"4. والكلمتان من أصل واحد؛ بجامع الحروف فيهما والمعنى الذي يمكن أن تشتركا فيه، وهو: امتداد الشيء وانبساطه وانسيابه5؛ ويُلْمَحُ ذلك   1 المقاييس 4/359. 2 المقاييس 4/359. 3 العَلْبُ: الخدش والأثر، وطريق معلوب، أي لاحب. ينظر: المقاييس4/121. 4 المقاييس 1/403. 5 ينظر: المقاييس1/403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 في انثعابِ الماء –جَرَيَانه- والثعلبِ –الحيوانِ- والثعبانِ، وثعلب الرمحِ. ومن ذلك أن العلاقة بين المنحوت منه –في بعض ما أورد من الألفاظ- ليست كاملةً؛ كورود حرف في المنحوت لا وجود له في الكلمتين المنحوتِ منهما؛ مثل (الجَعْظَار) وهو الرجل الجافي؛ عدَّه منحوتاً من كلمتين؛ هما (الجَظُّ) و (الجَعْظُ) وأغفل الراءَ؛ ولم يُبَيّن مأتاها في الكلمة المنحوتة. وقد احتاط ابن فارس لنفسه بالقسم الثالث؛ وهو ما وُضع وضعاً؛ ليخرِّج عليه ما استعصى، وخفيت عنه أصوله. على أنه يتضح في أمثلته وَلَعُهُ بالمعنى، واعتداده به؛ فلم يكن للنحت عنده قياس تصريفي واضح، ومن الصعب استنباط ذلك من أمثلته؛ على الرغم من كثرتها؛ لأنه لا طريق فيها إلى الاطراد. ولعله تلافى هذا النقص في كتابه الموسوم (المدخل إلى علم النحت) 1. ولا يخرج ما أورده ابن فارس –في الرّباعيّ- عن ستِّ صورٍ عقليةٍ؛ لا سابعَ لها: أولاها: إفراد الحرف الأول من كلتا الكلمتين، فكلمة (البَحْتَرِ) مثلاً منحوتةٌ من (ب ت ر) و (ح ت ر) فالكلمتان تتشابهان في حرفين، وتنفرد كل منهما بحرفٍ؛ وهو الباء للأولى؛ وهو أولها، والحاء للثانية، وهو أولها - أيضاً- فلذا عبرتُ عن ذلك بانفراد الأول من كلتا الكلمتين.   1 ذكره الصغاني، وهو مفقود. ينظر: التكملة والذيل والصلة 1/8، والجاسوس128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 والصورة الثانية: انفراد الأول والثاني. والثالثة: انفراد الأول والثالث. والرابعة: انفراد الثاني والثاني. والخامسة: انفراد الثاني والثالث. والسادسة: انفراد الثالث والثالث. وفيما يلي بيان ذلك بالجدول التالي: إفراد الأول والأول ب ... ... ت ... ر ... ح ... ت ... ر البحتر إفراد الأول والثاني ع ... ف ... ... ق ... ف ... ل ... ق العفلق إفراد الأول والثالث ب ... ز ... ع ... ... ز ... ع ... ر بزعر إفراد الثاني والثاني ز ... هـ ... ... ق ز ... ... ل ... ق الزهلق إفراد الثاني والثالث ز ... ل ... ق ... ز ... ... ق ... م الزلقوم إفراد الثالث والثالث د ... غ ... م ... د ... غ ... ... ر المدغمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 أمَّا ما أورده في الخماسيّ المنحوتِ فمن القلة بحيث يصعب تقنينه. ولعل مذهب ابن فارس في النحت لم يَذِعْ؛ أو يلقَ قبولاً لدى معاصريه من القدامى؛ فلم أجد من حفل به من اللغويين والصرفيين والنحاة، أو أخذ به سوى ما كان من تخريج بعضهم الكلمةَ أو الكلمتين على مذهبه؛ كالثعالبي1 الذي جعل (الصَّلْدَمَ) من (الصَّلْدِ) و (الصَّدْمِ) والصَّهْلِقَ من (صَهَلَ) و (صَلَقَ) والتبريزي الذي ذكر أنَّ كلمة (ادْلَهَمَّ) مشتقة من (دَلَمَ) و (دَهَمَ) وذكر أنَّ (الشَّمَيْذَرَ) منحوتة من (الشَّمْذِ) و (الشَّذْرِ) 2وقد خالفَ ابنَ فارسٍ3 في ذلك. وذكر بعضهم أنَّه وُجِدَ في القرن السادس مَن نحى مَنحَى ابن فارس في الأصول الرّباعيّة والخماسيّة؛ وهو الحسن بن الخَطِير المعروف بالظَّهير (ت 598هـ) فقد ذكر ياقوت أنه سئل عما وقع من ألفاظ العرب على مثال (شَقَحْطَبٍ) فأجاب بأن ذلك يسمى في كلام العرب المنحوتَ؛ وفسره بأن معناه أن الكلمة منحوتة من كلمتين؛ كما يَنحت النجار خشبتين، ويجعلهما واحدة، فـ (شَقَحْطَبٌ) منحوت من (شِقٍّ) و (حطبٍ) . قال ياقوت: "فسأله البُلْطِيُّ4 أن يثبت له ما وقع من هذا المثال؛ ليعول في معرفتها عليه؛ فأملاها عليه في نحو عشرين ورقة من حفظه، وسماها   1 ينظر: فقه اللغة421، 422. 2 ينظر: شرح الحماسة2/147. 3 ينظر: المقاييس 3/273. 4 هو: أبو الفتح عثمان بن عيسى النحوي البُلْطي، لغوي نحوي، شيخ الديار المصرية (ت 599هـ) . ينظر: معجم الأدباء 12/141-167، وبغية الوعاة 2/135، 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 كتاب: تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب"1. وأُعجب بعض اللغويين المتأخرين –من المعاصرين- بفكرة ابن فارس في النحت، كجُرْجِي زيدان في (الفلسفة اللغوية) وعبد القادر المغربي في (الاشتقاق والتعريب) والدكتور هادي حمودي في (أحمد بنِ فارس) . على أنهم لم يسلموا له بكل ما جاء به، وذهب بعضهم إلى حدِّ اتهامه بالظن والتخمين والتأويل البعيد2،والبعد عن القياس3، والتحيُّل العقلي4، والتكلف5 والتعجل والتخليط6، والافتيات والاصطناع، والتعسف والشَّطط7، وغير ذلك. ومهما يكن من أمرٍ فإن ابن فارس - رحمه الله - بذل جهداً فذاً كبيراً فيما عالجه في هذا الباب، وكشف عن مقدرة لغوية متميزة في التأصيل، جديرةٍ بالإعجاب والتأمل. وتكلفه في بعض أمثلة النحت لا يعني فساد مذهبه من أساسه؛ فلعلّه لامس حقيقة بعض الأصول، ويكفيه فخراً أنه شقَّ درباً فسيحاً لمن أراد سلوكه، والمضيَّ فيه.   1 معجم الأدباء 8/102، 103. 2 ينظر: المباحث اللغوية في العراق86. 3 ينظر: بناء الفعل الرّباعيّ ومعانيه104. 4 ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية 165، وفقه اللغة لوافي188، 189. 5 ينظر: دراسات في فقه اللغة267. 6 ينظر: النحت في اللغة العربية173. 7 ينظر: بناء الرّباعيّ ومعانيه 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 المَبْحَثُ الثَّانِي: الأصُولُ عِنْدَ المتأخِّرِينَ سار جُمهور المتأخّرين من اللّغويّين، في أصول العربيّة، على المذهب البصريِّ1. وثَمَّةَ طائفةٌ غيرُ قليلةٍ من المحدّثين المعنيّين بأصول العربيّة، نحتْ منحى مختلفاً في الأصول؛ بقصد إعادة درس اللُّغة باسم التّجديد والتّطوير، والاستفادة من معطيات علم اللُّغة الحديثِ؛ فتوصّلت إلى نتائج جديدة، تخالف ما استقرَّ عليه علماء العربيّة القُدامى؛ ممَّا بهر بعض طلبة العلم، وجعلهم ينظرون إلى مفهوم علماء العربيّة في الأصول على أنَّه طَورٌ تجاوزه الزَّمن، وأصبح جزءاً من التّاريخ اللّغويّ. ومن النّظريّات الحديثة في أصول اللُّغة ما يُعدّ صدًى لنظريّة (دارْوِن) 2 في نشوء الكائنات الحيّة وتطوّرها وارتقائها.   1 ينظر على سبيل التمثيل لا الحصر: الموجز في قواعد اللُّغة العربيّة 123، شذا العرف 29،67، تصريف الأفعال111، تصريف الأسماء10، المغني في تصريف الأفعال26، المحيط في أصوات اللُّغة العربيّة ونحوها وصرفها 1/143، دراسات في علم الصرف 70، دراسات في فقه اللُّغة166، توضيح الصرف70، الفعل زمانة وأبنيته 105، دروس التصريف29، في علم الصرف 19، دراسات في الفعل 61، نحو عربية ميسّرة14، الزوائد في الصيغ العربيّة15. 2 ينظر: اللُّغة العربيّة كائن حي25، وتطوّر البنية في الكلمات العربيّة166، والثنائية والألسنية السامية376. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وقد كان لتلك النّظريّة أثر كبير في توجيه بعض العلوم الإنسانيّة، ومن بينها علم اللُّغة1، الَّذي ازدهر - في أوَّل أمره - في الغرب؛ حيث ظهرت الموازنات للُّغات الهَندو - أوربيّة، وأدّت إلى استخلاص قوانين تَحْكم التّطوّرَ اللّغويّ لتلك اللُّغات غير العربيّة. ومن أوائل من نادى بفكرة التّطوّر اللّغويّ (فرانزبوب) أحد العلماء الألمان؛ فقد كان يرى أن اللُّغة العربيّة نشأت أُحاديَّة المَقطع. ثم توالت الدِّراسات في الغرب. ومع انفتاح الوطن العربيّ على الشرق والغرب اطّلع كثير من أبناء العربيّة على تلك القوانين؛ فوجدت قبولاً عند طائفة منهم؛ فأرادتْ دراسةَ اللُّغة العربيّة، والوقوفَ على تطوّرها، والإفادة من معطيات علم اللُّغة الحديث؛ بالقدر الَّذي يتلاءم مع طبيعة العربيّة؛ فظهرت بعض الدّراسات الخاصّة بالعربيّة أفادت من قوانين التّطوّر اللّغويّ في تفسير أصول العربيّة2. وبالجملة؛ فهم يذهبون إلى أنّ أصول العربيّة تدرّجت من الأقلِّ إلى الأكثر؛ أي أنّ الثُّنائيّ أصل الثُّلاثيّ، والثُّلاثيّ أصل الرّباعيّ، والرّباعيّ أصل الخماسيّ؛ وهو ما يعني أنّ الثُّلاثيّ والرّباعيّ والخماسيّ ليست أصولاً مجرّدة، بل مزيدة. وثَمَّةَ من يعكس ذلك؛ أخذاً بمبدأ التّخفيف؛ فيُرجّح "أنَّ   1 ينظر: نشوء الفعل الرّباعيّ28. 2 ينظر: نشوء الفعل الرّباعيّ28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الكلمات بدأت طويلةً في أصل بنائها، ثم أسهمت طائفة من العوامل المختلفة في تقصيرها؛ فكان في معظم اللُّغات ألفاظ كثيرة الحروف؛ في أقدم نصوصها، وأشدّها إيغالاً في الماضي السّحيق، ثم تطوّرت اللُّغات، وكان من أماراتِ تطوّرها ميلها نحو التقصير من بنية كلماتها، وتيسير أصواتها، وتجريدها من تنافر الحروف"1. وفيما يلي عرض لمذاهبهم في تطوّر الأصول: أوَّلاً- الأصول الأحادية: أصحاب نظريّة التَّطوّر يردّون الكلام كلَّه إلى المقطع الأُحاديِّ؛ وهو الثُّنائيّ، ومنهم من يرى أنَّ الثُّنائيّ يُردّ بدروه إلى الأحادي. ومن هؤلاء عبد الله العلايليّ؛ وهو من أشدّ المتحمّسين لنظريّة التَّطوّر في العربيّة؛ فهو يقول: "وبناءً على يقيننا في هذه النظريّة؛ الَّتي تمثّل معقول العرب، لا يوجد مزيدات نشأت من اختزالٍ وما أشبهه؛ وإنما بصورة مطّردة: السُّداسيّ يرجع إلى الخماسيّ؛ وهذا إلى الرّباعيّ؛ وهذا إلى الثُّلاثيّ؛ وهذا إلى الثُّنائيّ؛ وهذا إلى الأُحادي"2. ثم يُعرّف الأُحادي بقوله: "وهو مجموعة حروف الهجاء؛ الَّتي هي في ظنّنا لغة الإنسان الأوَّل، المتباعد في القدم"3.   1 دراسات في فقه اللُّغة166. 2 تهذيب المقدمة اللغوية74. 3 تهذيب المقدمة اللغوية 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ويُغرب العلايليّ في فكرته ويتعسّف؛ حين يضع جدولاً لحروف الهجاء؛ يحدّد فيه معنى كلّ حرف، ويعدّه نواة للّغة في دورها القديم. وأكتفي بذكر الحروف العشرة الأُوَلِ في أبجديّته ومعانيها؛ وهي على النحو التالي1: 1- الهمزة: تدلُّ على الجوفيّة، وعلى ما هو وعاء للمعنى، وتدلُّ على الصّفة تصير طبعاً. 2- الباء: تدلُّ على بلوغ المعنى في الشيء بلوغاً تامّاً، وتدلُّ على القوام الصّلب. 3- التّاء: تدلُّ على الاضطراب في الطبيعة، أو الملابس للطبيعة في غير ما يكون شديداً. 4- الثّاء: تدلُّ على التّعلق بالشيء تعلقاً له علامته الظاهرة في الحِسِّ أو في المعنى. 5- الجيم: تدلُّ على العِظَمِ مطلقاً. 6- الحاء: تدلُّ على التَّماسك البالغ، وبالأخصِّ في الخفيّات، وتدلُّ على المائيَّة. 7- الخاء: تدلُّ على المطاوعة والانتشار، وعلى التَّلاشي مطلقاً. 8- الدَّال: تدلُّ على التَّصلُّب، وعلى التَّغيُّر المتَوَزِّع. 9- الذَّال: تدلُّ على التَّفرُّد. 10- الرَّاء: تدلُّ على الملكة، وتدلُّ على شيوع الوصف.   1 تهذيب المقدمة اللغوية 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وعلى هذا النَّحو يستمرُّ موضِّحاً معاني كلِّ حرف، حتَّى يأتي عليها جميعاً؛ بطريقة واضحة التَّكلُّفِ. وهو يضرب في (مِيتَافِيزِيقِيَا) 1 التَّاريخِ، وهذا المنحى يخرجه "من دائرة البحثِ العلمي المبني على الحقائق إلى دائرة الخرافة المبنيَّة على الأوهام"2 كما يقول محمَّد الأنطاكيُّ. ومن ثمَّ فإنَّ الكلمات عند العلايليِّ من اليسير تحليلها إلى معانيها الأوَّلية بردِّها إلى أصولها الأُحاديَّة؛ المتمثِّلة في حروفها؛ إذ هي مجتمعة في كلمة تدلُّ على مجموع معاني تلك الحروف؛ فلذلك فإنَّ (عَبَى) تُحلَّل إلى حروفها؛ فالعين تدلُّ على الحيوان الزَّئيريِّ، والباء تدلُّ على البيت "وكأنَّ المعنى الأوَّل: حيوان البيت القويِّ؛ الَّذي هو كناية عن الرَّجل، ثم اشتقَّ منه بعد أطوار من التَّرقِّي اللُّغويِّ اسمٌ لِلباس الرَّجل الخاصِّ به (العَبَايَة) ثمَّ غلب الأصل في معنى الفرع المشتقِّ، وأميت معنى الأصل بالنِّسيان، أو بعدم الاحتياج؛ حتَّى صار في معنى الفرع حقيقة وضعيَّة"3. وممَّا يشاكل ذلك أنَّ بعضهم يرى أنَّ الحروف تدلُّ على معانيها، مهما يكن موقعها من الثُّلاثيّ، فالغين في (غَرَفَ) تدلُّ على الغموض؛ وهي بذلك تناسب المرحلة الأولى من مراحل (الغرْفِ) وهو تغييب الغارف يده في المغروف منه. أمَّا الرَّاء فتدلُّ على الحركة؛ وهي تناسب المرحلة الثَّانية من الحدث؛ وهو تحريك الغارف مِغرفته في المغروف منه   1 يطلقون ذلك على ما وراء الطبيعة من غيبيات لا يعلمها إلا الله عز وجل. 2 الوجيز في فقه اللُّغة373،374. 3 تهذيب المقدمة اللغوية50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 قبل رفعها، وتدلُّ الفاء -أخيراً- على الظُّهور والانفتاح والفصل؛ وهو ما يناسب المرحلة الثَّالثة من (الغرْفِ) عندما تظهر المِغرفة بعد استتارها1. على أنَّ خصيصة الحرف الدِّلاليَّة لم تغب عن علمائنا القدامى، وعلى رأسهم ابن جني الَّذي عقد بابين لذلك؛ أحدهما (تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني) 2 وثانيهما (إمساس الألفاظ أشباه المعاني) 3 غير أنَّه لم يزعم قط أنَّ الأُحاديَّ أصل من الأصول؛ بل لم يتعدّ بما نقص عن الثُّلاثيّ في الأصول. وممن أشاد بنظريَّة أحاديَّة الأصول الدُّكتور توفيق شاهين4؛ فمال إليها ودافع عنها بحرارة، واتَّهم منتقديها بعدم تقديم بديل لها! وقال عن الأحاديَّة أنَّها "ولا شكَّ -كانت مرحلة، ثم تخطّتها البشريَّة؛ عندما سنحت لها فرصة تطوّر، وظرف رقيٍّ"5. وفي نظري أنَّ هذه النَّظريَّة غير مقبولة في أصول اللُّغة العربيّة؛ لأنَّها لا تستند إلى حقائق لغويَّة ثابتة، ولا يخلو الخوض فيها إلى العودة إلى ما وراء التَّاريخ، وارتكاب التَّعسُّف والشَّطط، والرَّجم بالغيب.   1 ينظر: الوجيز في فقه اللُّغة 373، وأصول اللُّغة العربيّة بين الثنائية والثُّلاثيّة20. 2 ينظر: الخصائص2/145. 3 ينظر: الخصائص 2/152. 4 ينظر: أصول اللُّغة العربيّة 21. 5 أصول اللُّغة العربيّة 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ثانياً- الأصُولُ الثُّنائيّة: تُعدّ الثُّنائيّة حجرَ الزَّاوية في نظريَّة التَّطوّر عند المتأخِّرين. وينتهي أكثرهم بالأصول إلى بابها؛ ولا يجرؤ على إعادة الثُّنائيّة إلى الأحاديَّة، كما فعل العلايليُّ. ولهذه النَّظريَّة أنصار في الشَّرق والغرب؛ فهم يقولون: إنَّ الثُّلاثيّ إنما تولَّد عن الثُّنائيّ؛ عن طريق التَّصدير أو الحشو أو الكَسْع (التَّذْيِيلِ) . فثلاثيٌّ كـ (ثَرَمَ) هو ثنائيٌّ عندهم؛ أصله: الرَّاء والميم، ثم صُدّر بحرف هو: الثَّاء. ومثله (جَرَمَ) و (حَزَمَ) و (شَرَمَ) و (صَرَمَ) و (عَرَمَ) . وثلاثيٌّ كـ (رَتَمَ) وهو ثنائيٌّ في الأصل، أصوله: الرَّاء والميم، ثم زيدت فيه - عن طريق الحشو - الثَّاء، ومثله (رَثَمَ) و (رَجَمَ) و (رَدَمَ) و (رَسَمَ) و (رَشَمَ) و (رَخَمَ) و (رَغَمَ) و (رَقَمَ) و (رَكَمَ) . وأما (نَبَأ) ونحوه فثلاثيٌّ مزيد بالهمزة في آخره؛ وهو ما يُسمَّى الكَسْعَ أو التَّذييل، وأصوله في الثُّنائيّة النُّون والباء. ومثله (نَبَتَ) و (نَبَثَ) و (نَبَجَ) و (نَبَحَ) و (نَبَذَ) و (نَبَرَ) و (نَبَذَ) و (نَبَسَ) و (نَبَشَ) 1. ويتَّضح ممَّا تقدم أنَّهم يرون أنَّ الألفاظ المتقاربة لفظاً ومعنىً هي تنوُّعاتُ لفظٍ واحد2.كما يتَّضح أنَّهم يَتَّفقون في عموم الثُّنائيّة ويختلفون في بعض التَّفاصيل.   1 ينظر: نشوء اللُّغة العربيّة ونموها واكتهالها4-6. 2 ينظر: الفلسفة اللغوية 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وفيما يلي عرض لأشهر القائلين بالثُّنائيّة، ورأي كلَّ منهم، مع التَّركيز على ما تفرَّد به: إنَّ من أقدم القائلين بالثُّنائيّة أحمد فارس الشِّدْياق؛ الَّذي هداه قصده - كما يقول1 - إلى التَّوصل إلى معرفة معاني الألفاظ إلى أنَّ الفعل المضاعف أصل للمفكوك المشترك معه في الحرفين الأوَّلين؛ كـ (صَرَّ) و (صَرَأَ) و (أَلَّ) و (أَلَبَ) و (سَلَّ) و (سَلَبَ) و (كَفَّ) و (كَفَتَ) و (سَلَّ) و (سَلَتَ) و (دَحّ) و (دَحَجَ) و (نَبَّ) و (نَبَحَ) و (لَبَّ) و (لَبَدَ) و (غَمَّ) و (غَمَرَ) و (كَنَّ) و (كَنَزَ) و (قَشَّ) و (قَشَطَ) و (رَجَّ) و (رَجَفَ) و (زَلَّ) و (زَلَقَ) وغير ذلك. ثم ذكر خمسة أسباب2 جعلته يعدّ المضاعف أصلاً: أوَّلها: أنَّه رأى أنَّ معظم اللُّغة مأخوذ من حكاية صوت أو صفته؛ وهو ما يأتي من المضعّف؛ نحو (دَبَّ) و (دَقَّ) و (هَزَّ) و (سَفَّ) وغيره. ثانيها: أنَّ اللُّغة كغيرها من الصنائع والموضوعات البشريَّة لا يحدث شيء منها تاماً كاملاً من أوَّل وهلة، ولكن على التَّدريج؛ فالأحرى - إذن - أن يُقال: إنّ الفعل السالم جاء آخر الأفعال. أما الأجوف فإنَّه - غالباً - يأتي على عقب المضاعف؛ كـ (طَبَّ) و (طَابَ) و (ضَرَّ) و (ضَارَ) . وأما الناقص فإنَّه صدى غيره من الأفعال!   1 ينظر: سرّ الليال في القلب والإبدال 21،22. 2 ينظر: سرّ الليال في القلب والإبدال 22-26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ثالثها: أنَّه رأى أنَّ حكم المزيد على المضاعف لا يكاد يختلف؛ فقلَّما يوجد في المضاعف معنىً إلاَّ وفي المزيد مثله أو ما يقاربه. رابعها: أنَّ زيادة حرف على المضاعف أليق بحكمة الواضع في التفنّن في نقصه؛ إذ لو جعلتَ السالم أصلاً لزم منه العدول من الكمال إلى النُّقصان. والاختصار في الأفعال ليس من مذهب العرب؛ كما يدلُّ على ذلك الأفعال المزيدة. زد على ذلك أنَّهم يشبعون الفتحة في آخر الفعل؛ فيتولد منها ألف كما في (سَلَقَ) و (سَلْقَى) . خامسها: وجود أفعال مجهولة الأصل، وأصلها من المضاعف معلوم نحو (امْتَخَرَ) العظم، أي: استخرج مخّه؛ فلا بدّ أن يكون من (امْتَخَّ) إذ لم يجئ (المُخْرُ) . ومن دعاة الثُّنائيّة المتحمِّسين لها (جُرْجي زَيْدان) الَّذي كان يقول: "إن الألفاظ المانعة الدَّالة على معنىً في نفسها يُردُّ معظمها - بالاستقراء - إلى أصول ثنائية (أحاديَّة المقطع) تُحاكي أصواتاً طبيعيَّة ... واللُّغويون يردّون كلاًّ من الاسم والفعل إلى أصول معظمها ثلاثيَّة، وبعضها رباعيَّة، ولا يرون هذه الأصول قابلة للرَّد إلى أقلَّ من ذلك، وعندي أنَّها قابلة ولو بعد العناء"1. ومثّل لذلك بـ (قَطَفَ) و (قَطَبَ) و (قَطَعَ) و (قَطَمَ) و (قَطَلَ) وذكر أنَّها جميعاً من أصل ثُنائي واحد؛ وهو (قَطَّ) لأنَّها تتضمن معناه.   1 الفلسفة اللغوية72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 ويجانس ذلك (قَصَمَ) و (قَصَلَ) و (قَصَبَ) و (قَصَرَ) و (قَصَفَ) فجعلها جميعاً من (قَصَّ) . أما (جَزَأَ) و (جَزَعَ) و (جَزَرَ) و (جَزَحَ) و (جَزَلَ) و (جَزَمَ) فهي من (الجَزِّ) وهو القطع1. وقد جعل زيدان نظريَّة الثُّنائيّة (قاعِدَةً) أدار كتابه عليها، وذكرها في مقدمته، وأعادها غير مرَّة في ثنايا كتابه 2. ولم يذهب (جِزِينيوس) مذهب زيدان في ردّه كلَّ الأصول إلى الثُّنائيّة؛ بل كان يرى أنَّ ثلاثيَّة الأصول تطّرد بدقَّة في اللُّغات السَّاميَّة ومنها العربيّة، ويَستثني من ذلك عدداً غير قليل من الأصول الثُّلاثيّة يمكن ردّه إلى الثُّنائيّة، وهو يسمّيها جذوراً تفرَّعت منها جذوع ثلاثيَّة وفوق الثُّلاثيّة 3. ومال إلى ذلك (جُون مَكدونالد) إذ أخذ بفكرة الثُّنائيّة مع رفض تعميمها 4. وممَّن مالوا إلى الثُّنائيّة (أحمد رضا) ؛ فقد عدّها مرحلة من مراحل النشوء اللَّغوي، عاشتها اللُّغات؛ ومنها العربيّة5. ومنهم (رشيد عطيّة) الَّذي كان يرى أنَّ اللُّغة العربيّة مؤلَّفة من   1 ينظر: الفلسفة اللغوية 74. 2 ينظر: الفلسفة اللغوية 9،32،100. 3 ينظر: أصول اللُّغة العربيّة43. 4 ينظر: نشوء الفعل الرّباعيّ43. 5 ينظر: متن اللُّغة21،22،24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 أصول قليلة أحاديَّة المقطع، ثنائيّة الأحرف في الأغلب1. ومنهم العلايليُّ الَّذي انفرد برأي خاصٍّ في الثُّنائيّة؛ وهو أنَّ الزِّيادة في الثُّلاثيّ لا تكون إلاَّ في وسطه2، فلا تكون تصديراً، ولا تذييلاً (كَسْعاً) في غير ما يكون حلقياً من المواد؛ لأن هذه الأخيرة منقلبة عن أصوات هوائيَّة تصحب الحرف، ولم تستقر على الوجه الحرفي بالمعنى الدقيق إلا بعد بلوغات لغويَّة عديدة ... فمثلاً (عصفور) ترجع إلى (صفر) ، وهذه ترجع إلى (صرّ) 3. ويَستثني من ذلك ما فيه نون؛ فالأكثر –عنده- زيادتها حيث وقعت "لأنَّها تنوين بالغ فقط [!] فمثلاً: (نَهْرٌ) ترجع إلى المعلِّ (رَوَىَ) [!] الَّذي منه الرّيُّ "4. ولا أدري كيف أعاد (نهر) إلى روى؟! ولم يعدّ العلايليُّ الحروف الحلقيَّة أصليَّة في مباحث التأصيل؛ لأنَّها - في رأيه - منقلبة عن أصوات هوائيَّة تصحب الحرفَ "ولم تستقرَّ - على الوجه الحرفيِّ بالمعنى الدَّقيق - إلاَّ بعد بلوغات لغويَّة عديدة"5. هذا رأيه في نشوء الثُّلاثيّ عن الثُّنائيّ بزيادة الحرف في وسطه؛ وهي مرحلة أولى، ثم تتولَّد الموادُّ السِّتُّ بالتَّقليب، وهو ما يسمِّيه   1 ينظر: الدليل إلى مرادف العامي والدخيل17، واتجاهات البحث اللغوي 2/83، ونشوء الرّباعيّ 81. 2 ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية 56. 3 ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية 56،57. 4 تهذيب المقدمة اللغوية 57. 5 تهذيب المقدمة اللغوية 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 اللُّغويُّون (الاشتقاق الأكبر) ويسميه العلايليُّ (قاعدةَ الدَّوائرِ) 1. ومثال ما ذكره (زَفَنَ) فتسير قاعدته في الدَّوائر والتّقليبات على النَّحو التَّالي2: 1- أقْدم الموادَّ ما وافق ترتيب الجدول، الَّذي صنعه؛ وهو (زَفَنَ) . 2- توليد الدَّائرة الأولى: زَفَنَ، فَنَزَ، نَزَفَ. 3- توليد الدائرة الثانية: زَنَفَ، نَفَزَ، فَزَنَ. وذكر أنَّ باستطاعته تحديد معنى ما لم يُذكر من تلك التّقْليبات في المعاجم؛ كمادتي (فَنَزَ) من الدَّائرة الأولى، و (فَزَنَ) من الدَّائرة الثَّانية؛ عن طريق "تطبيق القاعدة في تعيين الخصوص؛ وذلك بالبحث عن موقعها الدَّائري من وجه، وعن اجتماع الحروف من وجه آخر"3. واستمرَّ في شرح مراده حتَّى وصل إلى معنى الكلمتين كما يزعم؛ اعتماداً على المنطق، وعلى ما قاله ابن جنّي في الاشتقاق الأكبر 4. ومن القائلين بالثُّنائيّة (الأب أَنَسْتَاس ماري الكَرْمِلي) ؛ وكان من أشدّ المنادين بها، فقد قال فيها: "على أنَّنا اتبعنا الرأي الأوَّل [نظريَّة الثُّنائيّة] منذ أن أولعنا بهذه اللُّغة المبينة الرَّائعة؛ فأخذنا بنشره، وتفصيل دقائقه منذ سنة (1881م) وأوضحنا كثيراً من مناحيه؛ في الصُّحف   1 ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية68. 2 تهذيب المقدمة اللغوية 65. 3 تهذيب المقدمة اللغوية 65. 4 ينظر: الخصائص1/12،13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 والمجلاَّت ... حتَّى أنَّه لم يخف على أحد؛ بل عُرفنا به لدى الجميع، والنَّاس لنا بين مادحٍ وقادحٍ ... "1. وقد أقام الكرمليُّ حجَّته على أنَّ اللُّغة العربيّة وُضعت في أوَّل أمرها على هجاء واحد متحرِّكٍ فساكنٍ، محاكاة لأصوات الطَّبيعة، ثم زيد فيها حرف أو أكثر تصديراً أو حشواً أو تذييلاً. ويُعدّ تلميذه (مَرْمَرْجِي الدُّومنكيُّ) من أبرز روّاد الثُّنائيّة؛ إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق، ومن أشدّهم تحمّساً لتلك النّظريّة، وقد كرّس وقته وجهده للدِّفاع عنها؛ من خلال كتابه (هل العربيّة منطقيّةٌ) و (مُعْجَمِيَّات عربيّة ساميَّة) ومقالاته المتعدّدة الَّتي كان ينشرها في بعض الدَّوريَّات العربيّة. وقد ساعد الدُّومنكيُّ على التعمُّقِ في تلك النظريَّة إلمامه بعدد من اللُّغات السَّاميَّة؛ كالسُّريانيّة، والعبْريَّة، والآراميّة، إلى جانب العربيَّة؛ فقد كان يعقد موازناتٍ بين العربيّة وتلك اللُّغات ملتمساً بعض ما يعدُّه دليلاً لمذهبه. وكان مَرْمَرْجي يرى أنَّ اللُّغة غير منطقيَّةٍ؛ إن عُولجت وَفق نظرة القدماء؛ باعتمادهم الثُّلاثيّ وتكون منطقيَّة إذا دُرست من خلال جذور الثُّنائيَّة2. وكان يرى أنَّ "طريقة الاشتقاق والتَّوسُّع في السَّاميَّات قائمةٌ على   1 نشوء اللُّغة العربيّة ونموها واكتهالها2. 2 هل العربيّة منطقية4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الارتقاء من الأقلِّ والأنقص إلى الأكثر والأكمل؛ أي: حسب السُّنَّة الطَّبيعيّة؛ سُنَّة الرُّقيِّ"1. ولخَّص الدُّومنكيُّ بعض مبادئ الثُّنائيَّةِ، وذكر أنَّ من نتائجها أنَّ المثال والأجوف والنَّاقص مزيدات، أو توسُّعاتٌ في الرِّسِّ الثُّنائيِّ؛ الَّذي تجري فيه أوّل صور التّوسُّع؛ بتكرار الثُّنائيِّ منه أو بتشديده. ومن أمثلة ذلك - عنده (وَثَبَ) فهي مزيدة؛ وهي من الثُّنائيّ (ثَبَّ) وأنّ (قامَ) هي من الثُّنائيّ (قَمَّ) أشبعت حركة حرفه الأوَّل2. وكان يحاول جاهداً إقناع القارئ بأنَّ (قَامَ) ونحوه: ثنائيٌّ، ويستدلُّ على زيادة الحرف الأوسط والألف المنقلبة عن الواو؛ وهي عين الكلمة عند الجُمهور أو الألف المشبعة عنده، بإسناد الفعل إلى الضَّمائر في التَّصريف؛ نحو (قُمْ) تُ، و (قُمْ) تَ، و (قُمْ) تِ، و (قُمْ) تُمْ، و (قُمْ) نَا، فما يبقى من الكلمة - حينئذٍ - هو رِسُّها. والحقُّ أنَّه لا دليل فيما ذكره على الثُّنائيّة؛ لأنَّ حذف الحرف الأوسط في الكلمة إنَّما وقع لعلَّةٍ صوتيَّةٍ؛ وهي - عند الجُمهور من القدامى والمُحْدَثِينَ - اجتماع السَّاكنين في الكلمة؛ وهما الألف المنقلبة عن الواو، والميم السَّاكنة؛ للإسناد إلى الضَّمائر المتحرِّكة؛ لأنَّ من قوانين العربيّة ألاَّ يجتمع ساكنان إلاَّ في نحو: شابَّة ودابَّة. وفَسَّرَ الدُّومنكيُّ كيف يردُّ الثُّلاثيُّ النَّاقص نحو (رَمَى) إلى الثُّنائيِّ   1 الثنائية والألسنية السَّاميّة376. 2 ينظر: معجميات عربية سامية97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 بأنَّ حرف العلَّة ما هو إلاَّ إشباع الفتحة السَّابقة في (رَمَ) 1. وثَمَّةَ رأيٌ آخر للدُّومنكيِّ في الثُّنائيَّة؛ وهو أنَّ الثُّلاثيَّ قد يكون غير ناشيء عن ثنائيٍّ واحدٍ فحسب؛ بل عن ثنائيَّين أو ثلاثة، ومثَّل له بكلمة (عَلِمَ) فذهب إلى أنَّها من: (عَلْ) و (لَمْ) وأنَّ (نَهْر) من: (نَهْ) و (نَرْ) و (هَرْ) !! ولا يخفى ما في ذلك من تكلُّفٍ. ومن المنادين بالثُّنائيَّة الدُّكتور أمين فاخر؛ في كتابه (ثُنَائِيَّة الألفَاظِ في المَعَاجِمِ وعلاقَتُهَا بالأصُولِ الثُّلاثِيَّةِ) وقد ذكر أنَّه ينبغي أن يكون أصل الكلمات الثُّلاثيَّة، الَّتي ظهرت فيها العلاقة واضحةًَ بينها وبين الأصل الثُّنائيِّ القريب منها في اللَّفظ والمعنى - من ذلك الأصل الثُّنائيِّ، وأنَّه يقال فيما لم تظهر فيه العلاقة أنَّه ممَّا وُضعَ وضعاً، وعلى علماء اللُّغة أن يُنقِّبوا فيه للكشف عن خفاياه2. وقد أتى الدُّكتور فاخر على طائفة من الألفاظ؛ تجاوزت المائتين؛ حاول فيها الكشف عن العلاقة المعنويّة بين الأصول الثُّنائيّة المضعّفة والأصول الثُّلاثيّة. ومنهم الدُّكتور توفيق شاهين - أيضاً - إذ انتصر للثُّنائيّة؛ في كتابه (أصول اللُّغة العربيّة بين الثُّنائيّة والثُّلاثيّةِ) وحاول أن يبطل رأي القائلين بالثُّلاثيّة.   1 ينظر: معجميات عربية سامية97. 2 ينظر: ثنائية الألفاظ6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وبالجملة فإن عموم مذهبهم في ردّ الثُّلاثيّ إلى الثُّنائيّ لا يكاد يخرج عن أربعة طرق: أحدها: أنّ المضعّف هو أصل الثُّلاثيّ، وتقع الزّيادة في آخره؛ فـ (غَمَّ) أصلٌ لـ (غَمَتَ) و (غَمَرَ) و (غَمَطَ) ونحو ذلك. ثانيها: أنَّ الزِّيادة في الثُّنائيِّ تكون في وسطه فحسب؛ نحو (صَفَرَ) من (صَرَّ) و (زَفَنَ) من (زَنَّ) . ثالثها: أنَّ الثُّنائيَّ قابل للزِّيادة في صدره أو حشوه أو ذيله؛ أي أنَّ الزِّيادة فيه لا تقصر على موضعٍ معيَّنٍ؛ فمثال زيادة التَّصدير: (تَرَمَ) و (جَرَمَ) و (حَرَمَ) و (حَزَمَ) و (صَرَمَ) . ومثال زيادة الحشو: (رَتَمَ) و (رَثَمَ) و (رَجَمَ) و (رَدَمَ) . ومثال زيادة التَّذييل: (نَبَأَ) و (نَبَتَ) و (نَبَجَ) و (نَبَحَ) . رابعها: أنَّ الثُّلاثيَّ مكوَّنٌ من ثنائيِّين أو أكثر بطريق النَّحتِ، فـ (قَطَفَ) من (قَطَّ) و (لَفَّ) و (نَهْرٌ) من: (نَهْ) و (نَرْ) و (هَرْ) . ومهما يكن من أمرٍ، فإنَّ ذلك لا يرتقي بالثُّنائيَّة عند المُحْدَثِينَ إلى درجة التَّعميم والتَّقنين، ولا يكاد يَعْدُو ما قُدِّم فيها أن يكون اجتهاداتٍ ومَنَازِعَ، وأنا لا أنكرها في التأصيل اللغوي الذي يبحث في نشوء الألفاظ أو طفولتها، ولكنني أنكره في الدرس التصريفي للعربية في مرحلة نضجها، وأرى ألاّ نخلط بين هدفين: التأصيل والتصريف، وهذا الثاني هو هدفي في هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ثالثاً- الأُصُولُ الثُّلاثيَّةُ: رأينا - من قبل - كيف أعاد كثير من اللُّغويّين المتأخِّرين الكلامَ؛ ومنه الثُّلاثيُّ؛ إلى أصول ثنائيَّةٍ، وجعلوها حجر الزَّاوية في نشوء اللُّغة وتطوُّرها، وأداروا أبحاثهم عليها. غير أنَّ هذا الرأيَ كان يعبِّر عن اتِّجاه فريقٍ خاصٍّ في الأصول؛ فقد انتهى البحث بفريق آخر من العلماء المتأخِّرين بالإقرار بأصالة الثُّلاثيِّ، وبأنَّه أكثر الأصول غزارةً، وعليه استقرَّت العربيَّة في الثَّروة البالغة عِظَماً واتِّساعاً؛ وهم يوافقون في ذلك ما انتهى إليه علماء العربيَّة القدامى، وهؤلاء كُثُر، وأكتفي بإيراد بعض أقوال المتأخِّرين منهم؛ ممّن كان على صلةٍ وثيقةٍ بالنَّظريَّة الثُّنائيَّة. فقد كان بروكلمان يقول: "ترجع الكثرة العظيمة لأبنية الاسم في اللُّغات السَّامية إلى ثلاثة أصول من الأصوات الصَّامتة "1. وذهب أَنِيس فُرَيْحَة2 إلى أنَّ الكلمات تُرَدُّ - في جميع اللُّغات السَّامية - إلى جذورٍ ثلاثيَّة. وكان ريمون طحَّان يرى أنَّ "معظم الكلمات في اللُّغة العربيّة ينشأ عن أصول ثلاثيَّة ... وهي حجر الزَّاوية في إقامة التّنظيم الرِّياضيِّ اللُّغويِّ المتكامل"3.   1 فقه اللُّغات السّاميّة93. 2 ينظر: نحو عربية ميسرة14. 3 ينظر: الألسنية83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 غير أنَّه كان يستثني من الأصول الثُّلاثيَّة المضعَّفَ والمهموزَ والمعتلَّ، ويدعو إلى معالجتها على ضوء مبادئ علم اللُّغة الحديثِ؛ كما يدعو إلى إهمال بابي الإعلال والإدغام1. واتَّخذ الأستاذ عبد الله أمين موقفاً متأرجحاً بين الفريقين، وهو أنَّه يرى "أنَّ أكثر الكلمات الثُّلاثيَّة والرُّباعيّة والخماسيّة - إن لم يكن كلُّها - أصلها ثنائيّة، ثمّ زيدت من أصل الوضع حرفاً أو حرفين أو ثلاثة، حتَّى صارت ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة، وصارت الزِّيادات من أصول الكلمات"2 فهي مجردة لا مزيدة "لأنَّ الزّيادات الَّتي لحقت الكلمات الثُّنائيَّة، زيدت من أصل الوضع "3. ولم تكن نظريّة ثنائيَّة الأصول مقبولةً عند كثير من اللُّغويّين، ممّن رأوا أصالة الثُّلاثيِّ؛ فقد أعلن بعضهم رفضه لها؛ ومنهم الدَّكتور إبراهيم أنيس4 الَّذي كان يرى أنَّ كثيراً من الألفاظ العربيّة لم تَعُدْ مستعلمةً في العصر العبَّاسيِّ وما بعده؛ لطول بنيتها؛ كإهمالهم (الشَّرَنبَثَ) بمعنى الرَّجلِ الغليظِ الكفَّين، كما أنَّ أوزاناً مثل (ابْذَعَرَّ) و (اجْلَوَّذَ) و (اذْلَعَبَّ) ونحوها قد اندثرتْ أو كادتْ. وهجرهم الأبنية الطَّويلة إلى الأبنية الأقصر لا يخلو من دليل على أصالة تلك الأبنية الطَّويلة (أي أنَّنا في كلِّ الأمثلة   1 ينظر: الألسنية 125. 2 الاشتقاق 412. 3 الاشتقاق 417. 4 ينظر: تطور البنية في الكلمة العربية170. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 القليلة، الَّتي رويت لنا، ولكلٍّ منها صورتان؛ إحداهما كبيرة، والأخرى صغيرة من نفس المادَّة، وبنفس المعنى نشعر أنَّ الصُّورة الكبيرة هي الأصل ... في حين أنَّ افتراض الصُّورة الصَّغيرة هي الأصل يوقعنا -دائماً- في مشاكل وصعوباتٍ؛ فلا نكاد ندري العلَّة في زيادة الحرف عليها) 1 أو العلَّةَ في تحديد حرف الزِّيادة دون غيره، أو تحديدِ موضع الزِّيادة دون المواضع الأخرى. ثمَّ أورد اعتراضاً يدلُّ على طول تدبُّرٍ حين قال: "وإذا صحَّ -بعد هذا- ما يقول به بعض الدَّارسين من أنَّ الإنسان الأوَّل بدأ كلامه بألفاظٍ ثنائيَّةِ الحروف، ثمّ تطوَّرت إلى ثلاثيَّة الحروف ... الخ؛ فقد كنَّا نتوقّع - بعد مرور تلك الملايين من السِّنين على النُّطق الإنسانيِّ - أن تصبح كلماته الآن معظمها من رباعيَّات الأصول أو أكثر من عدد الكلمات الثُّلاثيَّة الأصول أو مساويةً لها"2. وانتهى به البحث إلى أنَّه لا يكاد يُعرفُ شيء محقَّقٌ عن صور الكلمات في نشأتها الأولى. وربط الدُّكتور أنيس بين ظهور الثُّنائيَّة في أصول اللُّغة ونظريَّة دارون في النُّشوء والارتقاء للكائنات الحيَّة، وأنَّ هؤلاءِ افترضوا أنَّ الكلمات نشأت صغيرة الصُّورة، ثم نمت حتَّى صارت إلى ما نشهده الآن.   1 تطور البنية في الكلمة العربية 172. 2 تطوّر البنية في الكلمة العربية172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وممَّن رجَّح القول بالأصل الثُّلاثيِّ، وردَّ الثُّنائيَّة: الدُّكتور صبحي الصَّالح1، فقد ردَّ على العلايليِّ، ورماه بالتَّكلُّف، والبعدِ عن الواقعيَّة، وأنَّ نظريَّته لا تمتُّ إلى الحقيقة التَّاريخيَّة بسببٍ، فكيف لنا أن نردَّ (عَبْد) إلى (عَدَا) و (عَبَثَ) إلى (عَثَا) ونحو ذلك؟ ومنهم الدُّكتور إبراهيم نَجَا، الَّذي كان يرى أن نتَّبع مذهب القدامى في الأصول؛ لأنّها توافق ما هو جارٍ في الاستعمال؛ ولأنّ مرحلة الاشتراك في الحرفين مرحلةٌ تاريخيَّة لم يعدِ البحث فيها مُجْدِياً، إلاَّ ضمن بحثٍ تاريخيٍّ، ولأنَّ الأمثلة الَّتي ذكرها الثُّنائيُّون لا تكفي لإثبات نظريَّتهم2. نعم، وثَمَّةَ خلاف بين اللُّغويِّين المتأخِّرين في أصل المشدَّدِ نحو (عَدَّ) و (صَدَّ) أثلاثيٌّ هو أم ثُنائيٌّ؟ فقد ذهب فريق إلى أنَّه ثنائيٌّ لا زيادة فيه، وأنَّ الحرف المشدَّد حرفٌ واحدٌ. أمَّا الفريق الآخر فيوافق القدامى في أنَّ ذلك ثلاثيٌّ، وأنَّ الحرف المشدَّد حرفان؛ أوَّلهما ساكن، وثانيهما متحرِّكٌ. ويحتجُّ الفريق الأوَّل بالنَّظرة الوصفيَّة الصَّوتيَّة للأصوات المتحرِّكة والصَّوامت الَّتي تؤكِّد –بزعمهم- أنَّ المشدَّد حرفٌ واحدٌ طويلٌ يساوي   1 ينظر: دراسات في فقه اللغة163، 164. 2 ينظر: فقه اللغة العربية88، 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 زمنه زمن صوتين1. ومن هنا كان يقول (ماريوباي) : إنَّ "اصطلاح: السَّاكن المضعَّفِ (double consonant) هو اصطلاحٌ مُضَلَّلٌ حقًّا [!] لأنَّه قد استعير من طريقة الكتابة؛ ففي النُّطق يُمَدُّ الصُّوت السَّاكن بتطويل مُدَّة النُّطق به؛ إذا كان هذا المدُّ ممكناً. ويكون هذا ممكناً إذا لم يكن الصُّوت السَّاكن انفجاريًّا. وبما أنَّ الانفجاريَّ لا يمكن مدُّه عند نُقْطَةِ مخرجه، فإنَّ ما يسمَّى تطويلاً بالنِّسبة له يكون عن طريق إطالة مُدَّةِ قفل الطَّريق أمام الصَّوت قبل تفجيره"2. ومن ثَمَّ قال (فندريس) : "من الخطأ أن يقال بأنَّه يوجد ساكنان في: أَتَّ (atta) وساكنٌ واحدٌ في: أَتَ (ata) فالعناصر المحصورة بين الحركتين في كلتا المجموعتين واحدة، عنصر انحباسيٌّ يتبعه عنصر انفجاريٌّ، ولكن بينما نجد العنصر الانحباسيَّ في: أتَ (ata) يتبع العنصر الإنفجاريَّ مباشرةً، نجده في (atta) ينفصل عنه بإمساكٍ يطيل مدى الإغلاق"3. ومن هنا رأى (رِينَان) 4 - أيضاً - أنَّ المضعَّف ثنائيٌّ، ولا يعدُّ   1 ينظر: المدخل إلى علم اللّغة97. 2 ينظر: أسس علم اللغة146. 3 اللغة49. 4 ينظر: أصول اللغة العربية70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ثلاثيًّا إلاَّ لاعتباراتٍ صرفيَّةٍ. ووافقهم الدُّكتور سلمان العانيُّ في تعريف التَّضعيف بأنَّه "إطالة الأصوات المتمادَّة، وقَفْلٌ أطولُ في الوقفيَّات"1. والحروف المضعَّفة عند (كانتينو) "هي الَّتي يمتدُّ النُّطق بها، فيضاهي مداها مدى حرفين بسيطين تقريباً، وتُرسم هذه الحروف عادةً في الأبجديَّة الأوروبِّيَّة بحرفين متتابعين: ب ب (bb) م م (mm) "2. وأخذ برأيهم الدُّكتور رمضان عبد التَّوَّاب بقوله: "إنَّ ما نعرفه باسم الحرف المشدَّد، أو الصَّوت المضعَّف ليس –في الحقيقة- صوتين من جنس واحدٍ؛ الأوَّل ساكنٌ، والثَّاني متحرِّكٌ؛ كما يقول نحاة العربيَّة؛ وإنَّما هو في الواقع صوتٌ واحدٌ طويلٌ؛ يساوي زمنه زمن صوتين اثنين"3. وهذا الَّذي قالوه لم يكن خافياً على القدامى؛ فقد كان ابن جِنِّي يرى أنَّ "الحرف لمَّا كان مُدْغَماً خَفِيَ؛ فنبا اللِّسان عنه وعن الآخر بعده نبوةً واحدةً؛ فجريا لذلك مجرى الحرف الواحد "4. ورُويَ عن الزَّمخشريِّ5 وغيره6 نحوه. وعلى الرّغم من ذلك فإنَّ القدامى كانوا يفرِّقون بين وصف   1 التشكيل الصوتي119. 2 دروس في علم أصوات العربيَّة 25. 3 المخل إلى علم اللُّغة97. 4 الخصائص1/92. 5 ينظر: الفلاح في شرح المراح98. 6 ينظر: بغية الآمال115، وشرح المراح98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الظَّاهرة الصَّوتيَّة وحقيقة الأصول؛ فلم يؤثر عنهم أنَّهم يعُدُّون المضعَّف أصلاً وحداً؛ وليس في وضعهم الثُّلاَثِيَّ المضعَّفَ في باب الثُّنائيِّ في معاجم التَّقليبات دليلٌ؛ كما سبق به البيان1، بل كانوا ينصُّون على أنَّ المضعَّف حرفان. ومن أقدم من نبَّه على ذلك الخليل في قوله2: "اعلم أنَّ الرَّاء في اقْشَعَرَّ واسْبَكَرَّ هما راءان أُدغمتْ واحدةٌ في الأخرى، والتَّشديد علامة الإدغام"3. ونحو ذلك ما قاله ابنُ يعيش4 وابنُ الحاجبِ5. ولعلَّ وراء عَدِّ بعض المتأخِّرين المضَعَّفَ حرفاً واحداً مذهَبَهم في الثُّناءيَّةِ، ومحاولةَ الانتصارِ له؛ لأنَّ الثُّلاثيَّ المضعّف نحو (صَدَّ) هو الأصل الثَّنائيُّ عند كثير من الثُّنائيِّين، ولابُدَّ أن يكون كذلك، لأنَّ الثُّلاثيَّ - عندهم - ليس أصلاً. ومهما يكن من أمرٍ، فإنَّ مذهبهم في عدَّ المشدَّدِ حرفاً واحداً؛ أطيلَ صوته، فيه نظرٌ؛ فالإدغام أن يؤتى بحرفين ساكنٍ فمتحرِّكٍ فيتَّصلان من غير أن يُفَكَّ بينهما، إلاَّ إذا أريد ذلك بالوقوف وقفةً لطيفةً على السَّاكن، ثمَّ الاستئناف بالمتحرِّك.   1 ينظر: ص 72 من هذا البحث. 2 العين1/49. 3 العين1/49. 4 ينظر: شرح المفصل10/99. 5 ينظر: الشَّافية (ضمن كتاب أبنية الفعل في شافية ابن الحاجب) 250، وشرح الشافية للرَّضيِّ3/233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ويظهر ذلك في الموازنة بين كلمتين متشابهتين في الفاء والعين، ومختلفتين في اللاَّم؛ وإحداهما مضَعَّفةٌ؛ نحو (عَدْلٍ) و (عَدٍّ) فإنَّكَ إذا تأمَّلتَ ذلك، ونطقتَ الكلمتين، ووقفتَ وقفةً لطيفةً على السَّاكن فيهما لن تجد فرقاً بينهما في عدد الحروف والحركات والسَّكنات؛ فالأولى ثلاثيَّةٌ، وكذلك الثَّانية؛ وهي (عَدْ-دٌ) وأصلها (عَدَدٌ) وكذلك (شَرْقٌ) و (شَرٌّ) و (بَرْقٌ) و (بَرٌّ) و (سِلْمٌ) و (سِلٌّ) ونحو ذلك. والفرق بينهما أنَّ اللِّسان انتقل من مخرج الدَّال إلى مخرج اللاَّم في الكلمة الأولى، ولم ينتقل من مخرج الدَّال السَّاكنة في الكلمة الثَّانية؛ لأنَّ ما بعدها دالٌ فبقي في مخرجه. وقد سُكِّنَ الحرفُ الأوَّلُ وأدغمَ فيما بعده طلباً للخفَّةِ؛ فالأصل (عَدَدٌ) و (شَرَرٌ) . ولعلَّ الإدغام مرحلة متأخِّرة في الاستعمال اللُّغويِّ؛ فيكون الأصل عدم الإدغام؛ أي: بنطق السَّاكن بوقفةٍ بسيطةٍ دون إدغامًٍ في المتحرِّك، فلمَّا ثقل ذلك -لاحتياجه لشيء من الأناة- أُدْغِمَ طلباً للخفَّةِ. ويمكن أن يستدلَّ بورود كلمة لم يقع فيها الإدغام؛ وهي (رِيْيَا) 1 بمعنى المنظرِ الحسنِ، وأصلها (رِئْيَا) 2 فلعلَّ ذلك من بقايا الأصل القديم   1 ينظر: شرح الشافية للرَّضي3/234، وشرح الشافية للجاربرديّ326. 2 يوجه بعضهم عدم الإدغام في (رِيْيَا) بأنَّ الهمزة فيها لم تقلب ياء لقصد الإدغام، بل لكسر الرّاء فحسب، ولو كان قصدهم الإدغام لأدغموا. ويرد عليهم أنّ موجب الإدغام طرأ بعد القلب، فما المانع من ارتكابه؟ ولو قالوا: إنَّها جاءت على الأصل القديم؛ وهو عدم الإدغام- لكان وجهاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 في عدم الإدغام. ومذهب القدامى في المضعَّف قويٌّ. ومن اليسير أن يستدلَّ على قوَّته ورجحانه بجملةٍ من الأدلّة؛ وهي تُضْعِفُ - في المقابل - مذهب هؤلاء المتأخِّرين. وأحدُ تلك الأدلّة: جواز تضعيف الحرف الأوسط الصَّحيح قياساً من الفعل الثُّلاثيِّ؛ فيقال في (كَسَرَ) و (قَتَلَ) و (خَرَمَ) : (كَسَّرَ) و (قَتَّلَ) و (خَرَّمَ) . ويقال - أيضاً - في نحو (عَدَّ) و (شَدَّ) و (مَدَّ) : (عَدَّدَ) و (شَدَّدَ) و (مَدَّدَ) فهو كالثُّلاثيِّ الصّحيح. فماذا يقولون في ذلك؟ هل يقولون: إنَّ الحرفَ الواحدَ المشدَّدَ؛ أطيلَ صوته وزمنه حتَّى غدا يماثل ثلاثة أحرفٍ، ثمَّ فُصِلَ ثُلُثُهُ، وهو الحرف الأخير؟ أو يقولون: إنَّ نصف الحرف المشدَّد في نحو (عَدَّ) هو الَّذي أطيل بالتَّشديد؛ فانفصل نصفه الثَّاني المتحرِّك؟ أو يقولون: إنَّ الدَّال الطَّويلةَ (المشدَّدَةَ) في (عَدَّ) بقيت على حالها؛ فاجتُلِبَتِ الدَّالُ الأخيرةُ اجتلاباً؟ أو يقولون: إنَّ (عَدَّ) فعلٌ و (عَدَّدَ) فعلٌ آخر مستقلٌّ بنفسه؛ ولا صلة بينهما؟ فيلزم -حينئذٍ- انتفاءُ العلاقة بين (كَسَرَ) و (كَسَّرَ) ونحوهما، وكُلُّ ذلك بعيدٌ. وثانيها هو: إدغام تاء الافتعال في فاء الكلمة؛ كقولهم (اذَّكَرَ) و (اطَّلَبَ) و (اصَّبَرَ) ونحو ذلك؛ فيلزمهم أن يقولوا: إنَّ الذَّالَ والطَّاءَ والصَّادَ المضعَّفات كلٌّ منها حرف واحد، ولا يجوز ذلك؛ لأنَّ أصل (اذَّكَرَ) و (اطَّلَبَ) و (اصَّبَرَ) : (اذْتَكَرَ) و (اطْتَلَبَ) و (اصْتَبَرَ) قبل إبدال تاء الافتعال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ومثله: (مُتَّقِدٌ) و (مُتَّعِدٌ) وأصلهما (مُوتَقِدٌ) و (مُوتَعِدٌ) 1. ويَلحقُ بذلك نحو (عُدُّ) فيلزمهم أن يقولوا: إنَّ الدَّال حرف واحد؛ أطيل صوته، وأنَّى يكون ذلك؛ لأنَّ الدَّال الثَّانية هي الفاعل؛ ألا ترى أنَّها مبدلة من التَّاء وأنَّ أصلها (عُدْتُ؟) ومثلها (خَبَطُّ) وأصلها (خَبَطْتُ) . وثالثها: أنَّ نظريَّة المخالفة الصَّوتيَّة3، الَّتي تبنَّاها الكثير من المتأخِّرين؛ ممَّن قالوا بأنَّ المشدَّد حرف واحد تنقض مذهبهم؛ لأنَّهم يقولون: إنَّ من المخالفة الصَّوتيَّة نوعاً يقوم على فَكِّ الإدغام بالإبدال؛ مثل (القُنْفُذِ) أصلها - عندهم - (القُفُّذُ) . وهذا النَّوع من تخالف الحروف المشدَّدةِ؛ الَّذي يكون بقلب أوِّل الحرفين إلى النُّون هو الأكثر وقوعاً في العربيَّة. وقد يصير الحرف الأوَّل من المشدَّدِ راءً، أو لاماً؛ نحو كلمة (فَرْقَعَ) الَّتي يرى (بر جشتراسر) 4 أنَّ أصلها (فَقَّعَ) بتشديد القاف، ويرى أنَّ أصل (بَلْطَحَ) : (بَطَّحَ) أي: ضرب بنفسه الأرض. والمخالفة تكون بين صوتين، وتفسيرهم وُقُوعَهَا في المشدَّد على هذا   1 ينظر: الكتاب4/334. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي3/283،288. 3 ينظر: فقه اللغات السامية74، والأصوات اللغوية210، والتطور النحوي33-35، واللغة العربية معناها ومبناها329، وأصوات اللغة العربية318، وأثر القوانين الصوتية302. 4 ينظر: التطور النَّحويّ35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 النَّحو يخالف مذهبهم في أنَّ المشدَّد حرف واحد. ورابع الأدلَّةِ: الإدغام بين حرفين في كلمتين؛ نحو (مَن نّامَ) و (مِن نّعِيم) وكذلك الإدغام بين حرفين من كلمتين؛ بعد قلب أحدهما؛ نحو (مَن يَّشَاءُ) و (مَن رَّامَ) و (هَرَّ أيْتَ) ونحو ذلك من الإدغام المذكور عند القُرَّاء1. وقريب من ذلك إدغام لام التَّعريف2 في ثلاثة عشر حرفاً؛ وهو ما يعرف بـ (لام التَّعريف الشَّمسيَّة) نحو (الدَّلْوِ) و (الشَّرْقِ) و (الصَّبْرِ) . وقد قلبت اللاَّم فيهنَّ من جنس ما بعدها، ثمَّ أدغمت فيه لسكونها. ولا أحدَ –خلا هؤلاء- يقول: إنَّ المُدْغَمَين حرفٌ واحدٌ. وآخر الأدلَّة من العروض، ودلالته قويَّةٌ؛ لأنّه مبنيٌّ على أساسٍ صوتيٍّ لا وظيفيٍّ - كما يقولون - وذاك الأساس هو: المتحرِّك والسَّاكن؛ فقد أجمع العَرُوضيُّون - منذ زمن الخليل إلى زمننا هذا - على أنَّ الحرف المشدَّدَ حرفان؛ أوَّلهما ساكن. قال الأخفش: "فأمَّا الثَّقيل فحرفان في اللَّفظ؛ الأوَّل منهما ساكن، والثَّاني متحرِّكٌ؛ وهو في الكتاب حرف واحدٌ؛ نحو راء شَرٍّ"3.   1 ينظر: إدغام القرّاء3 وما بعدها، وما ذكره الكوفيون من الإدغام59، والكتاب4/437، والكشف عن وجوه القراءات السبع1/134-169. 2 ينظر: الكتاب4/457. 3 العروض2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وبمثل ذلك قال الجوهري1، وابن القطَّاع2. وبه استدلَّ عَلَمُ الدِّين السَّخاوي على أنَّ المدغم حرفان بقوله: "والدَّليل على ما قلته من كون الأوَّل ساكناً أنَّ كلَّ حرفٍ مشدَّدٍ في تقطيع العروض حرفان، الأوَّل ساكنٌ؛ تقول: ... بِسِقْطِلْ لِوَىَ بَيْنَدَ دَخُوْلِ فَحَوْمَلِ 3 فإن قلتَ: فلِمَ أسكنوا الأوَّل: قلتَ: لو لم يُسكنوه لفصلت الحركة بينهما؛ فلم تحصل الدَّفعة الواحدة"4. وبالجملة فإنَّ مذهب القدامى في المشدَّدِ هو الصَّحيح، وعليه المعوَّل في الأصول وتداخلها. وأنَّ ما ذهب إليه بعض المتأخِّرين في المشدَّدِ اجتهاد لم يحالفه التَّوفيق. ولعلَّ من أهمِّ دوافعهم في تزعُّمِ ذلك: الانتصار لنظريَّة الثُّنائيَّة في الأصول؛ لعدِّهم المضعَّفَ أصلَ الثُّلاثيِّ. رابعاً- الأصولُ الرُّباعيَّةُ والخماسيَّةُ: امتدَّ خلاف اللُّغويِّين المتأخِّرين في موضوع الأصول –إلى الأصول الرُّباعيَّة والخماسيَّة؛ وهو نتيجة حتميَّةٌ لخلافهم في الأصول الثُّنائيَّة   1 ينظر: عروض الورقة56. 2 ينظر: البارع85. 3 عجز بيت من الطَّويل لامرئ القيس، والبيت بتمامه: قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدَّخول فحومل. 4 جمال القرَّاء2/485. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 والثُّلاثيَّة. فمن أقرَّ الأصول الثُّنائيَّة أنكر ما زاد عليها، وجعله مزيداً. ومن أخذ بمذهب القدامى في الأصول، أقرَّ ما أقرُّوا، وأنكر ما أنكروا، وجُلُّهم يسير على مذهب البصريِّين في الأصول؛ فالأصول عندهم ثلاثة؛ ثلاثيَّة، ورباعيَّة، وخماسيَّة. والَّذي يعنينا - هنا - هو الوقوف على أبرز اجتهاداتهم فيما يعتدّه جمهور اللُّغويِّين من المتقدِّمين والمتأخِّرين رباعيًّا أو خماسيًّا. ولعلَّ أوَّل ما يخرج به الباحث في ذلك أنَّ مذهبهم كان صَدَىً لبعض ما جاء عند ابن فارسٍ1، وأنَّهم تفنَّنوا في التَّوسُّع فيه بما يتوافق مع نظريَّة الثُّنائيَّة؛ فيرى كثير منهم أنَّ الخماسيَّ تطوَّرَ عن الرُّباعيِّ، والرُّباعيُّ تطوَّرَ عن الثُّلاثيِّ، والثُّلاثيُّ متطوِّرٌ عن الثُّنائيِّ، كما تقدَّم. وفيما يلي بيان ذلك مع الوقوف على بعض الفروق فيما بينهم: يتشكَّل الفعل الرُّباعيُّ عند (وليام رايت) 2 بالطُّرق التَّالية: أ- مُضاعفة جَذْرٍ ثنائيٍّ، يحاكي الصَّوتَ أو الحركة؛ مثل (وَسْوَسَ) و (بَأْ بَأْ) . ب- إضافة حرفٍ إلى الثُّلاثيِّ، وعادةً ما يكون من الحروف التَّالية: النَّونِ، واللاَّمِ، والرَّاءِ، والزَّايِ، والسِّينِ، والصَّادِ. وهذه الزِّيادة قد تكون في صدر الثُّلاثيِّ؛ نحو (سَنْبَسَ) من (نَبَسَ)   1 ينظر: ص (140) من هذا البحث. 2 ينظر: نشوء الفعل الرباعي32، 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أو في حشوه؛ نحو (زَحْلَفَ) من (زَحَفَ) أو في آخره؛ نحو (شَمْعَلَ) من (شَمَعَ) . ج- المزجُ بين بعض الأصولِ؛ وهو ما يعرفُ بالنَّحتِ؛ نحو (حَمْدَلَ) و (حَوْلَقَ) ويلْتَقِي (رايت) بذلك مع ابنِ فارسٍ في ردِّه الرُّباعيَّ والخماسيَّ إلى الثُّلاثيِّ؛ بطريق الزِّيادة أو النَّحْتِ. ويبدو أنَّ (جُرْجِي زيدان) متأثِّرٌ بما قاله (رايت) إذ يفصِّل في زيادة الرُّباعيِّ؛ فهي عنده: إمَّا قياسيَّةٌ أو غير قياسيَّةٍ. وتكون الزِّيادة القياسيَّة عند (زيدان) 1 سيناً أو شيناً في أوَّل الكلمة؛ على وزني (سَفْعَلَ) و (شَفْعَلَ) . فمثال الأوَّلِ (سَقْلَبَهُ) أي: صَرَعَهُ، من (قَلَبَهُ) و (سَلْغَفَهُ) بمعنى ابتلَعَهُ، من (لَغَفَهُ) و (سَمْلَجَ) أي: جَرَعَ جرعاً سهلاً؛ وهو من (مَلَجَ) الصَّبِيُّ ضَرَعَ أمِّهِ. ومثال الثَّاني (شَبْرَقَ) من (بَرَقَ) . أمَّا المزيداتُ غير القياسيَّةِ فتأخذ صوراً مختلفةً؛ فقد تكون بمضاعفة حرفٍ أو أكثر، من الحروف الأصليَّة؛ كَجَلْبَبَ وبُلْبُلٍ وقَصْقَصَ، أو أن تكون بزيادة حرفٍ؛ وهو في الغالب أحد حروفٍ أربعةٍ؛ وهي (ل، م، ن، ر) . وربَّما تكون الزِّيادةُ في أوَّل الرُّباعيِّ؛ نحو (نَبْذَرَ) بمعنى (بَذَرَ) و (لَهْذَمَ) بمعنى (هَذَمَ) .   1 ينظر: الفلسفة اللغوية72،73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 أو في وسطها؛ كـ (سَطْلَحَ) بمعنى (سَطَحَ) أي: اتَّسَعَ، و (سَلْحَفَ) بمعنى (سَحَفَ) أو في آخرها؛ كقولهم (بَعْثَرَ) من (بَعَثَ) . ولا يرضى العلايليُّ1 برأيَي (رايت) و (زيدان) فالرُّباعيُّ أو الخماسيُّ عنده مردودٌ إلى الثُّلاثيِّ بزيادة الحرف الأخير في الرُّباعيِّ، والحرفين الأخيرين في الخماسيِّ. فـ (جُخْدَبٌ) وهو الضَّخم الغليظ يرجع إلى (جَخَدَ) الضَّخمُ. ويرجع هذا إلى (جَدَىَ) الَّذي يظهر معناه في (جَدَّ) كما يقول. و (طُحْلُبٌ) وهو الخُضرة؛ الَّتي تعلو الماءَ الآسنَ يرجع إلى (طَحَلَ) ويرجع هذا إلى (طَلَى) . وكذلك (سَفَرْجَلٌ) و (شَمَرْدَلٌ) يجرَّدان من زوائدهما حتَّى يعودا إلى الثُّلاثيِّ؛ على النَّحو التَّالي: سَفَرْجَل< سَفْرَجَ < سَفَرَ. شَمَرْدَل< شَمْرَدَ < شَمَرَ. ولا يبتعدُ (هنري فلش) 2 في رأيه، في أصل الرُّباعيِّ أو الخماسيِّ، عن رأي (رايت) و (زيدان) . وممَّا يتفرَّد به أنَّ الرُّباعيَّ يكون تطوُّراً لأصلٍ ثلاثيٍّ عن طريق إدخال واوٍ أو ياءٍ بعد الصَّامت الأوَّلِ؛ نحو (شَوْقَلٍ) و (نَيْسَبَ) .   1 ينظر: تهذيب المقدمة اللغوية164-175. 2 ينظر: العربية الفصحى155-158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ويرى (مَكدونالد) 1 أنَّ الرُّباعيَّ قد ينشأ بإضافة الرَّاء أو اللاَّم إلى الثُّلاثيِّ؛ نتيجةً للمخالفة الصَّوتيَّة النَّاتجة عن فكِّ الإدغام؛ كما في (قَرْطَمَ) من (قَطَمَ) و (قَرْطَبَ) من (قَطَبَ) . ويقول بمثل هذا الرأي (برجشتراسر) 2 و (ديلاسي أو ليري) 3 وغيرهما. ويُضيف الدُّكتور مصطفى جَوَاد4 بعض الحروف الصالحة لأن تكون عناصر تعويضٍ من التَّضعيف؛ كالحا والهاء. وبالجملة فإنَّهم يرون أنَّ كثيراً من الكلمات (الكبيرة) أي: من الرُّباعيِّ والخماسيِّ ممَّا فيه راءٌ أو لامٌ أوميمٌ أو نونٌ أو حاءٌ أو هاءٌ - قد تولَّدَ تبعاً لقانون المخالفة المذكور5. وقد كان كثير من القدامى على وعيٍ بهذا القانون، ولكنَّهم يعبِّرون عنه بالكراهة والاستثقال، أو التَّقريبِ، أو المضارعةِ، أو التَّجنيسِ، أو فَكِّ الإدغامِ. وقد فسَّر بعضهم نشوء الفعل الرُّباعيِّ المضعَّفِ؛ (كَبْكَبَ) و (حَثْحَثَ) كما تقدَّمَ -6 على نحوٍ قريبٍ ممَّا ارْتآهُ المتأخِّرون.   1 ينظر: نشوء الفعل الرباعي43. 2 ينظر: التطور النحوي34،35. 3 ينظر: نشوء الفعل الرُّباعيّ33. 4 ينظر: أثر التَّضعيف في تطور العربية (مجلة مجمع اللُّغة العربيَّة بالقاهرةم19 ص61-64) . 5 ينظر: دراسة الصَّوت اللُّغوي330. 6 ينظر: ص (105) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ومن المنكرين لأصول تعدُّ رباعيَّةً عند القدامى الدُّكتور تمَّام حسَّان الَّذي قال: "وهناك طائفة من الأفعال في اللُّغة العربيَّة تعتبر رباعيَّة أصليَّة الحروف الأربعة في نظر الصَّرفيِّين، ولكنَّنا نرى أنَّ أحد هذه الحروف مزيد، حتَّى ولو لم يكن من حروف: سَأَلْتُمُونِيهَا، فمن ذلك: دَحْرَجَ < دَرَجَ، وبَعْثَرَ < بَثَرَ، وسَقْلَبَ <قَلَبَ، وعَرْبَدَ < عَرَدَ، وشَقْلَبَ < قَلَبَ، وزَغْرَدَ < غَرَدَ "1. ومنهم الدُّكتور محمّد سالم الجَرْح2 الَّذي جزَمَ بأنَّه لا يوجد جَذْرٌ رباعيٌّ أو خماسيٌّ في العربيَّة وأخواتها السَّاميات، وأنَّ ما جاء على هيئة الرُّباعيِّ من اليسير ردُّه إلى جذورٍ ثنائيِّةِ. ومن أغرب ما وقفتُ عليه في الأصول عند المتأخِّرين رأي لكَرَامتْ حسين الكَنتُوريِّ3 مُحَصِّلَتهُ أنَّ الرُّباعيَّ قد ينشأ من الثُّلاثيِّ بصيرورة لام التَّعريف مخلوطةً بحروف الكلمة [هكذا] ومثَّل له بكلمة (العَظْلَمِ) وهو اللَّيل؛ لاشتقاقه من الظُّلمة. وهذا غريب!! وثَمَّةَ نوع من الرُّباعيِّ نال شيئاً يسيراً من العناية عند القدامى والمتأخِّرين، وهو الرُّباعيُّ المضاعف4؛ نحو: زَلْزَلَ، فلهم فيه مذهبان: أنه على وزن (فعفع) .   1 مناهج البحث في اللغة219. 2 ينظر: نشوء الفعل الرباعي57. 3 ينظر: نشوء الفعل الرباعي 62. 4 أرى أن الرباعي المضاعف يحتاج إلى دراسة مستقلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أنه على وزن (فعفل) . فمن جعله على وزن (فَعْفَعٍ) سار في موكب الثُّنائيَّة. وخيرُ من يمثِّل هذا الرأيَ الدَّومنكيُّ بقوله: "أمَّا المضاعف فهو- بالحقيقة - مركَّبٌ من حرفين، ويرى ذلك في المضاعف الرُّباعيِّ الَّذي ما هو سوى ثنائيَّين مكرَّرين ... وما هذه الأفعال وأسماؤها إلاَّ حكاية أصوات الطَّبيعة والحيوانات المندفعة إلى تَكرار مَقاطع لا حروف، وكلُّ مقطع مركَّبٌ من حرفين، متحرِّكٍ فساكنٍ"1. وعلى ذلك النَّحو فُسِّرَ عند أكثرهم 2. أمَّا المذهب الثَّاني؛ القائل بأنَّ وزنه (فَعْفَلَ) فممَّن كان يراه، ويقول به: الدُّكتور تمّام حسّان؛ وهو يوافق ما ذهب إليه جماعة من القدامى 3. وممَّا يحسب للّغويِّين المتأخِّرين: استعانتهم –للكشف عن أصول العربيَّة - بالمنهج المقارن للُّغات السَّامية الَّتي تشترك في كثير من الخصائص4. وممَّن عوَّل على هذا المنهج مَرْمَرْجِي الدُّومنكيُّ في أكثر كتاباته عن العربيَّة؛ فمن دأبه عرض الأصول على الحبشيَّة والأكَدِيَّةِ والعِبْريَّةِ 1 معجميات97.   2 ينظر: التَّطوُّر النّحويّ97، وغرائب اللّغة48، والعربية الفصحى157، والألسنية العربيّة376، ونشوء الفعل الرّباعيّ64. 3 ينظر: ص (103، 104) من هذا البحث. 4 ينظر: تاريخ اللّغات السّاميّة14، وفقه اللّغة لوافي17، والثّنائيّة والألسنية السّاميّة376، وعلم اللّغة العربيّة139 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 والسُّريانيَّةِ والآرامِيَّةِ وغيرها. ومنهم جُرْجِي زيدان، غير أنه كان يَسْتَلْهِمُ ذلك من كتابات المستشرقين. ومن أبرز المستشرقين ممَّن عوَّل على المنهج المقارن في اللُّغات السَّامية، ومنها العربيَّة: لِيتمان، ووليم رايت، ونُولدكه، وجزينيوس، وهوروفتس، وأوليري، وموسكاتي، وهِنرِي فِلِش، وبُروكلمان، وبِرْجِشتراسَر. وقد حذَّر فَندرس1 من التّمادي في الاعتماد على المنهج المقارن بين اللّغات، ورأي أنَّ استعمال عبارة القرابة في مسائل اللّغة ربّما أدّى إلى لَبْسٍ كبيرٍ، وكثيراً ما أوقع في الخطأ. وممَّا يدخل في هذا السياق ما وجَّهه الدُّكتور رمضان عبد التّوّاب إلى مَرْمَرْجي الدُّومنكيّ في مبالغته في التّعويل على المنهج المقارن بين اللّغات السَّاميّة، ومحصوله أنَّ المضعَّفَ العربيَّ؛ الَّذي يقال إنَّه مركَّبٌ من ثلاثة أحرفٍ لا تجد مقابلَه في السُّريانيّة إلاَّ بحرفين اثنين لا أكثر، ومثَّل له بأنَّ (قَصَّ) و (جَمَّ) و (مَسَّ) يقابلها: (قَصْ) و (جَمْ) و (مَسْ) وكذلك كلُّ المضاعفات؛ وهو دليل على أنَّها من الثُّنائيَّات - أيضاً - في العربيَّة على الرَّغم من تضعيفها فيها. فقال الدُّكتور عبد التَّوَّاب: "وقد خدعه ما آل إليه المضعَّف الثُّلاثيُّ في بعض اللُّغات السَّاميَّة، بعد أن سُكِّنت أواخر كلماتها لسقوط   1 ينظر: اللّغة 367. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الحركات الإعرابيَّة وغيرها؛ فضاع التَّضعيف منها، وصارت على حرفين، فظنَّ أنَّ هذا هو الأصل فيها … ونسي الأَب مَرْمَرْجي أنَّه عند إسناد المضاعف إلى الضَّمائر في العربيَّة والسُّريانيَّة يظهر التَّضعيف؛ فيقال في العبريَّةِ مثلاً (s?b) بمعنى: أحاطَ، بغير تضعيفٍ، وعند إسنادها إلى المتكلِّم مثلاً يقال (s?bb?ti) فيظهر التَّضعيفُ"1. ولا يعني ذلك أن تُفقدَ الثِّقة في المنهج المقارن؛ بل إنَّ علماء اللّغة يثقون فيه، ويعدُّونه واحداً من وسائل دراسة اللُّغات السَّاميّة، والتَّعرُّف على أدقِّ دقائقها. وعليه اعتمد جماعة في تفسير نوع من الرُّباعيِّ ينتهي بالميم؛ نحو (بُلْعُومٍ) و (خُرْطُومٍ) و (فُسْحُمٍ) و (زُرْقُمٍ) ونحوها؛ فتوصَّلوا إلى أنَّ تلك الميم هي علامة التَّنوين في اللُّغة الحِمْيَرِيَّةِ2 القديمة، وأنَّ هذا الأصل قد تُنُوسيَ في هذه الكلمات وأمثالها، واستعملتها لهجات الشَّمال على توهُّم الأصالة في (الميم) 3 وسمُّوا ذلك (تمييماً) واستدلُّوا - أيضا ً- على وجوده في العربيَّة بوجوده في العبريَّة في نحو (صورة 5) حَرْطَمَ؛ وهو مشتقٌّ من (حَرَطَ) أي: نَحَتَ ونَقَشَ، و (صورة6) فَدْيُوم أي: فِدْيَةٌ، وهو مشتقٌّ من (فده) أي: افْتَدَىَ ولحظوا أنَّ تلك الميم 1 فصول في فقه اللغة300.   2 اختلفوا في الحميرية أعربيّة هي أم غير عربيّة، فذهب بعضهم إلى أنّها عربيّة، وذهب بعضهم إلى أنَّها غير عربيّة، والحق أنها عربية وإن كانت تختلف عن العربيّة بعض اختلاف. وينظر: مولد اللّغة93-95. 3 من أسرار اللّغة9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 تقابل في العربيَّة بالنُّون 1. وهذا الَّذي ذكروه اجتهادٌ حسنٌ؛ قد يفسِّر كثيراً ممَّا نصَّ القدامى على زيادة الميم في آخره 2 نحو (شَدْقَمٍ) و (سُتْهُمٍ) و (بُلْعُمٍ) وغيره. النَّحْتُ عندَ المُحْدَثِينَ: ما قيل عن النَّحت في المبحث الأوَّل يغني عن إعادة بحثه هنا؛ إذ لا كبير فرقٍ في آراء المتأخِّرين فيه؛ فأغلب الآراء الَّتي قيلت هي صَدَىَ لما جاء به ابن فارسٍ - رحمه الله - ومن السَّهل ردُّها إلى مذهبه؛ وإن كان بعضها أكثر تنظيماً، وأدقَّ عرضاً. ولم يكن النَّحتُ مقبولاً على إطلاقه عند بعض المتأخِّرين؛ فكان بعضهم أكثرَ تحفُّظاً فيه من ابن فارس. ومن هؤلاء: عبد الله العلايليّ3، والكَرْمِليُّ4، ومصطفى جَوَاد5، ولُويس شَيخو6، وعليّ عبد الواحد وافي7. وبالغ بعضهم في قبول النَّحت في العربيَّة؛ كجُرجِي زيدان،   1 ينظر: التَّمييم والتّنوين (مجلّة مجمع اللّغة بالقاهرة13 ص54،58) . 2 ينظر: الجمهرة3/1332. 3 ينظر: تهذيب المقدّمة اللّغويّة68، 165. 4 ينظر: مجلة لغة العرب (نيسان1928 ص60) . 5 ينظر: دراسات في فقه اللّغة267. 6 ينظر: نشوء الفعل الرّباعيّ100. 7 ينظر: فقه اللغة 188، 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ومَرْمَرْجي الدُّومنكيّ، اللّذين بالَغَا في نظرتهما إلى النَّحت؛ حين أعادا بعض الكلمات الثُّلاثيَّة إلى كلمتين ثنائيَّتين، أو ثلاث كلمات ثنائيَّة. فقد كان جُرجي زيدان1 يرى أنَّ (قَطَفَ) الَّتي تفيد القطع والجمع منحوتة من (قَطَّ) و (لَفَّ) فتدلُّ الأولى على القطع، والثَّانية على الجمع، وأهملت اللاَّم لكثرة الاستعمال. وذكر أنَّ (قَمَشَ) بمعنى: جمع ما على الأرض من الفُتات تردُّ إلى أصلين؛ هما (قَمَّ) و (قَشَّ) فالأولى بمعنى (كَنَسَ) والثَّانية بمعنى (جَمَعَ) . وتقدَّم أنَّ الدُّومنكيَّ2 كان يرى أنَّ كلمة (نَهْرٍ) منحوتة من ثلاث كلمات: وهي (نَهْ) و (نَرْ) و (هَرْ) . وما ذهبا إليه تكلُّفٌ لا دليل على صِحَّتِه، ولم يرضَ عنه كثير من الباحثين؛ ومنهم: الدّكتور صُبحي الصَّالح؛ الَّذي قال: "ولا ينادي بمثل هذا الرأي؛ على ذاك النَّحو من الغلوِّ؛ إلاَّ مُولَعٌ بضروب الاشتقاق؛ مأخوذٌ بما في الألفاظ من دِلالةٍ سحريَّةٍ؛ مؤمنٌ بأنَّ السَّوابق واللَّواحق بقايا كلمات قديمةٍ مستعلمة، ولكنَّ الغلوَّ في الاشتقاق والنَّحتِ لا يأتي بخيرٍ"3 وبعدُ؛ فالرأي - بعد أن سقنا آراء القدامى والمتأخِّرين - ما ذهب إليه جُمهور اللُّغويِّين البصريِّين؛ كسيبويه، والمازِنِيِّ، والفَارِسِيِّ، وابنِ جِنِّي، وابنِ سِيدَه، ومن تابعهم من القدامى والمتأخِّرين؛ وهم أكثرُ أهل   1 ينظر: الفلسفة اللغوية76. 2 ينظر: معجميّات97. 3 دراسات في فقه اللّغة166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 اللُّغة قديماً وحديثاً؛ وهم أكثرُ درايةً، وأصدقُ لَهْجةً، وأقوى حُجَّةً. ولا يعني هذا أنَّ ما عدا هذا المذهب لا يلتفتُ إليه البتَّةَ، فمن الإنصاف أن ينظر إلى أكثره - قديمِهِ وحديثِهِ - بعين الاحترام؛ فلعلَّ له ما يعضده ممَّا تأتي به الدراسات اللاحقة في مستقبل الأيام. ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ للمذهب البصريِّ؛ الَّذي آخذ به في هذا البحث –أكثرَ من وجهٍ يعضده، ويدعو للأخذ به، ويكفي أنَّه مذهب الجمهور من اللُّغويِّين؛ فهو ضاربٌ بجذوره في الفكر اللُّغويِّ العربيِّ، وعليه أُسِّستْ أكثر القواعد في اللُّغة والتصْرِيف والنَّحو، وقامتْ على أُسُسِه جُلُّ المعاجم العربِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 الفصل الثاني: الزوائد المبحث الأول: الزيادات المقيسة: حروفها ومواضعها وأعراضها ... المبحث الأوّل: الزِّياداتُ المَقِيْسَةُ: حروفُها ومواضعُها وأغراضُها لتمييز الزّائد من الأصليّ شأن عظيم في العربيّة؛ فعلى الأصول مدار كثير من مسائل التّصريف؛ كالتّثنية والجمع والتّصغير والنّسب، وعليها –أيضاً-مدار المعجم العربيَّ في بنائه. وإذا عُرفت الزَّوائد عُرفت الأصول، وفُكَّ ما بينها من تداخلٍ. ومن هنا قال ابن دُريد في مقدّمة معجمه: "واعلم أنَّه لا يستغني النّاظر في هذا الكتاب عن معرفة الزَّوائد؛ لأنَّها كثيرة الدّخول في الأبنية، قلَّ ما يمتنع منها الرّباعيّ والخماسيّ والملحق بالسُّداسيِّ من البناء؛ فإذا عُرِفت مواضع الزَّوائد في الأبنية كان ذلك حريّاً ألاَّ تشِذَّ على النَّاظر"1. والزَّوائد هي: ما يضاف إلى أصول الكلمة؛ لغرضٍ معنويًّ أو لفظيًّ؛ ممَّا يسقط تحقيقاً أو تقديراً2. فممَّا يسقط تحقيقاً: الميم والواو في (مَسْتُورٍ) وهمزةُ (أَكْرَمَ) وتاءُ (قَتَّلَ) . وممَّا يسقط تقديراً: واو (كوكب) ونون (غضنفر) .   1 الجمهرة1/47. 2 ينظر: شرح المرادي5/223،234،وتصريف الأفعال63،والمغني في تصريف الأفعال48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وتشترك الأسماء المتمكّنة والأفعال المتصرّفة في قبولها الزَّوائد1. وسمِّيت حروف الزَّوائد زوائدَ؛ لأنَّ الزِّيادة في الاسم أو الفعل لا تقع إلاَّ منها2. والزِّيادة على ضربين: زيادةٌ لمعنىً؛ كألف (شاربٍ) لدلالته على الفاعلية، وميم (مَشْرُوب) لدلالته على المفعولية، وهمزة (أَكْرَمَ) لدلالتها على التَّعدية. وهذا الضّرب من الزَّوائد ينقسم قسمين؛ أحدهما: ما يقع بحروف الزِّيادة العشرة، والآخر ما يقع بحروف الزِّيادة أو غيرها كراء (كرَّمَ) وباءِ (نَبّأ) ونحو ذلك من التضعيف؛ الَّذي يقع في جميع الحروف إلاَّ الألف. والضّرب الثّاني: أن تكون الزِّيادة لغير معنىً ظاهر؛ بل لأغراضٍ أخرى كما يأتي. وينقسم هذا الضّرب - أيضاً - قسمين: أوَّلهما: ما يقع بحروف الزِّيادة العشرة. وثانيهما: ما يقع بغير حروف الزِّيادة أي بالتّضعيف (التّكرير) . ومن النّوعين الأخيرين الإلحاق؛ فحروفه لا تفيد شيئاً من معنى الكلمة3 بل تأتي لإلحاق بناءٍ ببناء آخر؛ ليأخذ حكمه في التّصريف -   1 ينظر: شرح المفصل لابن الحاجب2/371. 2 ينظر: الجمل في النحو للزجاجي40. 3 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/723. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 كما سيأتي تفصيله في المبحث الثاني - إن شاء الله. ويوَضِّحُ الرّسمُ التالي تقسيم الزَّوائد. الزِّيادة (صورة 7) ويُمَيَّزُ الزائدُ بظهوره في الميزان الصرفيِّ، إن كان الزائد من حروف الزِّيادة؛ فوزنُ: أَكْرَمَ (أَفْعَلَ) واسْتَغْفَرَ (اسْتَفْعَلَ) وانْفَطَرَ (انْفَعَلَ) وهكذا. ويستثنى من ذلك المُبدَل من تاء الافتعال؛ فأنَّه بالتاء، فوزنُ: اصْطَفَى (افْتَعَلَ) وازْدَرَعَ (افْتَعَلَ) وأجاز الرَّضِيُّ1 أن يكونا (افْطَعَلَ) و (افْدَعَلَ) بالتعبير عن كلِّ زّائد مبدل منه بالبدل؛ لا المبدلِ منه. والمكرَّر، نحو: قَطَّعَ، وصَمَحْمَحٍ، ومَرْمَرِيْسٍ؛ فأنَّه (فَعَّلَ) و (فَعَلْعَل) و (فَعْفَعِيل) لا (فَعْطَلَ) و (فَعَلْمَحَ) و (فَعْمَرِيل) وأجاز ذلك عبد القاهر الجرجاني2. والملحق بالتّكرير فأنَّه يوزن بتكرار الحرف في الميزان؛ فوزنُ:   1 ينظر: شرح الشافية1/18. 2 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/872. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 جَلْبَبَ (فَعْلَلَ) لا (فَعْلَبَ) وذلك للتّنبيه -في الوزن - على أن الزّائد حصل من تكرار حرف أصليٍّ؛ سواء كان التّكرير للإلحاق كـ (جَلْبَبَ) أو لغيره كـ (كَسَّرَ) 3. أما الملحق بغير التّكرير مثل (كَوْكَبٍ) و (سَيْطَرَ) فوزنهما (فَوْعَل) و (فَيْعَل) . ويجوز في بعض الكلمات أن تُحمل الزِّيادة على التّكرير، وألاَّ تُحمل عليه؛ بشرط أن يكون الحرف من حروف الزِّيادة؛ وذلك نحو: حِلْتِيتٍ فأنَّه فِعْلِيلٌ للإلحاق بـ (قِنْدِيل) ويجوز أن يكون (فِعْلِيتاً) إن لم يقصد تكرير لامه؛ بل قُصد الزِّيادة؛ كما في (عِفْرِيتٍ) 4. واختلفوا في تعيين الحرف الزّائد في المكرَّر؛ نحو (كَسَّرَ) فجعل الخليل5 الأوَّل هو الزائدُ؛ لأن الواو والياء والألف يقَعْنَ ثواني في (فَوْعَل) و (فَيْعَل) و (فَاعِل) وكذلك في (فَعلّل) و (فِعَلّ) لأن الواو والياء والألف يقعنَ ثوالث؛ نحو (جَدْوَل) و (عِثْيَرٍ) و (شِمَالٍ) . وكذلك (عَدَبَّسٌ) 6 فالباء الأولى فيه بمنزلة واوِ (فَدَوْكَسٍ)   1 ينظر: شرح الشافية1/18. 2 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/872. 3 ينظر: شرح الشافية للرّضيّ1/13،14. 4 ينظر: شرح الشافية للرّضيّ1/15. 5 ينظر: الكتاب4/329. 6 العدبّس: الشديد أو الطويل أو سيّء الخلق من الرجال، وينظر: اللسان (عدبس) 6/134. 7 الفَدَوْكَسُ: الأسد، وينظر: اللسان (فدكس) 6/159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وياء (عَمَيْثَلٍ) 1. وجعل يونس بن حبيب2 الأخيرَ هو الزائد؛ فقاس زيادة (كَسَّرَ) وأخواتها على زيادة (جدولٍ) و (عِثْيَرٍ) و (شِمَالٍ) . وقاس زيادة (مَهْدَدٍ) وأخواتها على ألف (مِعْزًى) وجعل الأخيرةَ في (خِدَبٍّ) بمنزلة النون في (خِلَفْنَةٍ) وجعل زيادة (عَدَبَّسٍ) بمنزلة واوِ (كَنَهْوَرٍ) . وصوَّب سيبويه3 الوجهين. واختار ابنُ السَّرَّاج4 مذهبَ سيبويه. وليس لهذا الخلاف أثرٌ في تداخل الأصول؛ لأن الأصول لا تتغير في الرأيين.   1 العميثل: الضخم الشديد، وينظر: اللسان (عمثل) 11/478. 2 ينظر: الكتاب4/329، والهمع2/216. 3 ينظر: الكتاب4/329. 4 ينظر: الأصول3/243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 حروف الزِّيادة: يكاد اللُّغويُّون1 يُجْمِعون على أن حروف الزِّيادة عشرة؛ وهي: الواو، والياء، والألف، والهمزة، والميم، والنون، والسين، والتاء، واللام، والهاء. وجمعوها في قولهم (أمانٌ وتسهيلٌ) أو (سألتمونيها) أو (اليومَتنساه) ونحو ذلك. ونقلوا عن المبرِّد أنَّه أخرج الهاء2 من حروف الزِّيادة؛ على الرغم من أنَّه نصَّ صراحةً في (المقتضب) 3 على أنَّ الهاء من حروف الزِّيادة؛ وهو يبطل ما نُسبَ إليه. وكان ثعلبٌ يعدُّ الباءَ في (زَغْدَبٍ) من حروف الزِّيادة في قول العجَّاج:   1ينظر: الجمهرة1/47، واللاَّمات للزجاجي133، والواضح264، والمنصف1/48، والأفعال للسرقسطيّ1/56، والتبصرةوالتذكرة2/788، والفصول في العربيّة119، وشرح المفصل لابن يعيش9/141، والتسهيل297، وشرح الشافية للرَّضيّ2/330، والممتع1/201، والارتشاف1/94، والمبدع118. 2 ينظر: سرُّ الصّناعة1/62،563، وشرح المرادي5/235، والمساعد4/51، والممتع1/204، والمبدع122، وشرح الأشمونيّ4/69، والتَّصريح2/362، وتصريف الأفعال100، والخلاف بين المبرّد وسيبويه127. 3 1/56، 60، 3/169، ولعل سبب ذلك أنَّ للمبرّد قولاً في هذه المسالة في غير (المقتضب) موافقاً لما نقل عنه؛ ثم اشتهر ذلك، وخمل ما في (المقتضب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 يَمُدُّ زَأراً وهَدِيراً زَغْدَباً1 ... وردَّ مذهبَه ابنُ جِنَّي2 ولم يقتصر أبو الحسن كُرَاعُ النمل في الزَّوائد على حروف الزِّيادة العشرة المُجْمَعِ عليها؛ فقد عقد باباً بعنوان (باب الزَّوائد من غير العشرةِ) 3 وأضاف فيه عشرة أحرفٍ أخرى وهي: الغين، والقاف، والحاء، والفاء، والرَّاء، والزَّاي، والطَّاء، والدّال، والجيم، والباء. فالغين زائدةٌ في (دَغْفَقْتُ الماءَ) لأنَّه من دَفَقْتُهُ4. والقاف في (العَسَلَّقِ) وهو الذئب؛ لأنَّه مشتق من العَسَلان5. والحاء في (الصَّلَنْقَحِ) وهو الصياح، وأصله (الصَّلقُ) 6. والفاءُ في قولهم: مِخْشَفٌ ومِخَشٌّ، بمعنى: جريءٍ على الليل 7. والرَّاءُ في قولهم: كَشَمْتُ أنفَه وكَشْمَرْتُهُ، أي: كَسَرْتُهُ، قال: "وإنما زيدت الرَّاء لقربها من اللام، واللاَّم من الزَّوائد"8. والزَّايُ في قولهم: أَرَمَّ وأرْزَمَ، بمعنى: سكتَ، ويرى أنَّها زيدت؛   1 ينظر: ديوانه2/270، والمبهج154. 2 ينظر: الخصائص2/49. 3 ينظر: المنتخب2/700. 4 ينظر: المنتخب2/701. 5 ينظر: المنتخب2/701. 6 المنتخب 2/702. 7 المنتخب 2/702. 8 المنتخب 2/703. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 لأنَّها أخت السين، والسينُ من الزَّوائد1. والطَّاءُ في قولهم: فَرْشَطَ وفَرَشَ، بمعنى: بَرَكَ، ويرى أنَّها زيدت؛ لأنَّها أخت التاءِ2. والدَّالُ في قولهم: رِخْوَدٌّ بمعنى رِخْوٍ؛ وهي - أيضاً - أخت التاء3. والجيمُ في قولهم: دَحْرَجْتُه بمعنى: دَحَرْتُهُ4. والباءُ في قولهم: شَبْرَقْتُ الثَّوبَ، بمعنى: شَرَّقْتُهُ، أي: مَدَدْتُهُ5. وكلُّ هذا الَّذي ذكره كُراعٌ ليس من الزَّوائد؛ وإنما هي أصول تشابهت معانيها، وتقاربت ألفاظُها، وهو من المترادفات؛ كما يراه ابن جِنِّي في أمثالها6. ومَنْحَى كُراعٍ في الزَّوائد ليس غريباً؛ إذا عُرف أنَّه كوفيُّ المذهب7، وأهل الكوفة يجعلون ما زاد عن ثلاثة أحرفٍ مزيداً، كما تقدَّم8.   1 المنتخب 2/703. 2 المنتخب 2/703. 3 المنتخب 2/704. 4 المنتخب 2/704. 5 المنتخب 2/705. 6 ينظر: الخصائص2/49. 7 ينظر: الفهرست91. 8 ينظر: ص (193) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ونحا ابنُ فارسٍ منحى كُراعٍ1، يؤكد ذلك تحليل ما زاد عن الثلاثة في معجمه (مقاييس اللُّغة) ففيه تسع وأربعون ومائتا كلمة رباعية أو خماسية؛ ممَّا جعله مزيداً بحرفٍ أو حرفين من غير حروف الزِّيادة العشرة. فقال بزيادة الرَّاء في خمسٍ وثلاثين كلمةً 2، وهي أكثر الحروف زيادةً عنده. ويليها العين؛ في عشرين كلمة3. فالباءُ؛ في تسع عشرة كلمة4. فالدَّالُ؛ في إحدى عشرة كلمة5. فالفاءُ؛ في ستِّ كلماتٍ6. فالحاءُ؛ في خمسِ كلماتٍ7.   1 لم يذكر أحدٌ –فيما أعلم- أنَّ ابن فارس متأثر- في الزَّوائد - بكراع، وأراه أخذ أساس فكرته في (المقاييس) ممَّا جاء به كراع في (المنتخب) وقد سبقه كراع بنحو قرنٍ فقد كانت وفاته في سنة (310هـ) في حين توفي ابن فارس سنة (393هـ) . 2 ينظر: المقاييس1/332، 2/248، 3/272، 4/431، 5/194، 6/71. 3 ينظر: المقاييس1/510، 2/239، 3/352، 4/369. 4 المقاييس1/334، 2/509، 510، 3/410، 4/358. 5 المقاييس2/341، 3/401. 6 المقاييس2/337، 372، 3/350، 4/358، 4/514. 7 المقاييس2/144، 145، 341، 3/272،357. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فالجيمُ1؛ والقافُ2؛ والكافُ3؛ وكلٌّ منها في أربع كلماتٍ. فالشينُ؛ في ثلاثِ كلماتٍ4. فالزَّايُ5؛ والطَّاءُ6؛ في كلمتين لكٍّ منهما. فالخاءُ، والذَّال، والضَّاد، والغينُ؛ في كلمةٍ لكلٍّ منها7. وهذا يعني أنَّ ابنَ فارسٍ يرى أنَّ حروف المعجم جميعها8 قابلة لأن تكون زائدةً؛ باستثناء ثلاثة منها؛ وهي: الثاء، والصاد، والظاء؛ اللائي لم يردن في معجمه زوائد؛ ولعله لا يمتنع عنده زيادتهن -أيضاً. والَّذي يؤخذ به، وعليه المعوَّل في دراسة تداخل الأصول: مذهب الجمهور في الزَّوائد؛ وهو أنَّها لا تقع من غير العشرة؛ الَّتي يجمعها قولهم: (سألتمونيها) أمَّا ما جاء به كُراعٌ، وابنُ فارسٍ، ومن سار على نهجهما، من اللُّغويِّين المتأخرين في زماننا؛ فلا يُعَوّل عليه؛ لأنَّ ما زعموا أنَّه زائد ثبتت أصالته عند جمهور اللّغويّين والصّرفيّين والنّحاة من المتقدّمين   1 المقاييس1/511، 508، 2/248، 6/72. 2 المقاييس2/337، 3/52، 5/118، 5/484. 3 المقاييس2/144، 3/351، 3/401، 6/71. 4 المقاييس3/457، 4/359،363. 5 المقاييس1/509، 3/54. 6 المقاييس4/365، 4/513. 7 المقاييس ـ على الترتيب ـ 1/333، 3/2273، 4/362، 2/340. 8 وذلك بإضافة تلك الحروف إلى حروف الزِّيادة العشرة، ولا شكَّ في أنَّه يعتدّها من حروف الزِّيادة؛ وقد ذكرها مزيدةً في تسع وعشرين ومائة كلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 والمتأخرين؛ وهم السواد الأعظم من علماء العربيّة؛ وقد وضعوا قواعدهم على الكثير المستفيض من كلام العرب؛ الَّذي أدّاهم إلى نَوْطِ القواعدِ به. مواضِعُ الزِّيادَاتِ المَقِيسَةِ: تنقسم الزَّوائد قسمين: مَقيسةٌ وغير مَقِيسَةٌ. وأعرضُ فيما يلي للزّيادات المقيسة: أوَّلاً- الهمزة: تقع الهمزة أوّلاً وحشواً وآخراً، وتطّرد زيادتُها أوّلاً وآخراً، إلاّ أنَّها إذا وقعت آخراً بعد ألفٍ زائدةٍ نحو (حَمْرَاءَ) فأنَّها تكون مُبدلةً من ألف التأنيث. وفيما يلي بيان ذلك: أ- إذا وقعت أوّلاً: لا يخلو إن وقعت الهمزة في أوّل الكلمة أن يكون بعدها حرفان، أو أكثر، فإن كان بعدها حرفان فالهمزة أصل؛ نحو (أَكَلَ) و (أَمَرَ) إذ لا بدّ من الفاء والعين واللاّم1، وهي أقلّ الأصول. وإن كان بعدها ثلاثة أحرفٍ أصولٍ فالهمزة زائدةٌ؛ سواء عُرف الاشتقاق في تلك الكلمة أو جُهِلَ 2؛ نحو (أَحْمَرَ) و (أَصْغَرَ) و (أَكْرَمَ) و (أَشْرَفَ) . وإنّما حُكم عليها بالزِّيادة في هذه المواضع؛ لأنّ كلَّ ما عرف   1 ينظر: الممتع1/230. 2 ينظر: سرُّ الصناعة1/107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 اشتقاقه من ذلك فالهمزة فيه زائدة؛ فحُمل ما جُهِل اشتقاقه على ما عُلِمَ؛ فحُكِمَ بزيادة الهمزة فيه1. ويُعدّ هذا الموضع أكثرَ مواضع اطِّرادها زائدةً؛ إذ تزاد في سبعة وعشرين بناءً في الأسماء2. وإن كان بعدها أربعةُ أحرفٍ، فما فوق، مقطوعٌ بأصالتهنّ، فهي أصل3؛ وذلك نحو (إِصْطَبْلٍ) و (إَبْرَيسَمٍ) . قال ابنُ عصفور: "وإنّما قُطع بأصالة الهمزة في مثل هذا؛ لأنّ بنات الأربعة فصاعداً، لا تلحقها الزّيادات من أوّلها أصلاً، إلاّ الأفعال، نحو: تَدَحْرَجَ، والأسماءَ الجاريةَ عليها، نحو: مُدَحْرِجٍ"4. وإن كان بعدها ثلاثةُ أحرفٍ، اثنان منها مقطوع بأصالتهما؛ فإمّا أن يكون الآخر مقطوعاً بزيادته، أو محتملاً للأصالة والزِّيادة؛ فالهمزة أصل فيما قُطع بزيادته؛ نحو: (آكِلٍ) و (آمِرٍ) لأنَّه لا بدّ من الفاء والعين واللاّم؛ فوزن ما تقدّم (فَاعِل) . وتكون الهمزة زائدة فيما احتمل الأصالة والزِّيادة؛ نحو: (أَبْيَنَ) اسم رجلٍ، و (أَفْعَى) فإنّ الياءَ في الكلمة الأولى والألفَ المقصورةَ في الثانية محتملتان للأصالة والزِّيادة، وقد قُضيَ على الهمزة في المثالين   1 ينظر: الممتع1/232. 2 ينظر: الاستدراك على سيبويه62. 3 ينظر: سر الصناعة1/107. 4 ينظر: الممتع1/231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بالزِّيادة، وقُضِيَ على الحرفين بالأصالة "لأنّ جميع ما ورد من ذلك ممَّا له اشتقاقٌ الهمزة فيه زائدةٌ، وما عداها أصل، نحو: قولِه: أَغْوَى منه، وأَضْوَأُ منه، وأَيْدَعُ؛ لأنّ أغوى من الغَيِّ، وأضوأ من الضَّوء، ويقولون: يَدَّعْتُهُ"1 فـ (أَيْدَعُ) منه. ويستثنى من ذلك ألفاظ قليلة شذّت من هذا النوع؛ كـ (الأَوْلَقِ) وهو الجنون، و (الأرْطَى) وهو نبات يدبغ به؛ فإنّ الهمزة فيهما أصل؛ لاشتقاق الأوّل من الأَلَقِ. ولقولهم في الثاني: أَدِيمٌ مأْرُوْطٌ؛ أي: مدبوغ؛ ولذلك حمل ما ليس له اشتقاق؛ كـ (أَبْيَنَ) و (أَفْعَى) على الأكثر؛ فقُضِي بزيادة الهمزة. وتطّرد زيادة الهمزة أوّلاً في بعض الأفعال والمصادر؛ لسكون أوائلها؛ فيؤتى بالهمزة للتّوصّل إلى نطق الساكن؛ وهو ما يعرف بـ (همزة الوصل) وتقع في مزيد الماضي من الثُّلاثيّ أو الرّباعيّ؛ ممَّا جاء على خمسة أحرفٍ أو ستّةٍ؛ وهو ما يسمّى بـ (الخماسيّ) أو (السّداسيّ) بالزِّيادة2، نحو (اكْتَسَبَ) و (انْفَطَرَ) و (اقْشَعَرَّ) و (اعْشَوْشَبَ) و (اسْتَغْفَرَ) وما جرى عليه من المصادر. وتطّرد - أيضاً - في الأمر من تلك الأفعال؛ كما تطّرد في أمر المضارع ساكِنِ الثّاني، ولم تُحذف منه همزةٌ؛ كـ (يُكْرِمُ) ولم يكن   1 الممتع1/233. 2 ينظر: الألفات لابن خالويه28،29، ورصف المباني 130، وبغية الآمال122-134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 مثل: أَخَذَ وأَكَل وأَمَرَ؛ وذلك نحو: اعْلَمْ، واضْرِبْ، واشْرُفْ. ب- إذا وَقَعَتْ آخِراً: تقاس زيادة الهمزة إذا وقعت في آخر الكلمة، وقبلها ألفٌ مسبوقةٌ بثلاثة أصولٍ فأكثرَ؛ نحو: خَضْرَاءَ، وصَحْرَاءَ، وعاشوراءَ1؛ إلاّ أنّ تلك الهمزة منقلبةٌ عن ألف التأنيث؛ فأصل صحراءَ: صحرأأ2، وكذلك الباقي. ثانيا-ً التاءُ: تزاد التّاء باطّرادٍ أوّلاً وحشواً وآخراً؛ على النحو التالي: أ- زيادتُها أوّلاً: تزاد أوّلاً في الأفعال والأسماء؛ فمن زيادتها في الأفعال: وقوعها في أوّل الماضي في صيغتي (تَفَعَّلَ) و (تَفَاعَلَ) 3 نحو (تَكَسَّرَ) و (تَغَافَلَ) وفي الأمر من تلك الصّيغ. وتقع في مضارع المخاطب في نحو (تَكْتُبُ) و (تَسْتَبِينُ) أو المخاطبة نحو (تَكْتُبينَ) أو الغائبة في (تخرجُ هندٌ) و (تَسْتَبينُ) . وتقع في الأسماء في مصادر (تَفَاعَلَ) و (تَفَعَّلَ) كـ (التَّسابقِ) و (التَّقَطُّعِ) وفي المصادر المصوغة من الثُّلاثيّ على وزن (تَفْعَالٍ) كـ   1 ينظر: تصريف الأفعال84. 2 ينظر: سر الصناعة1/85. 3 ينظر: الممتع1/272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (التَّرْدَادِ) و (التَّلْعَابِ) 1. ب- زيادتُها حشواً: وتكون باطّراد في صيغتي (افْتَعَلَ) كـ (اعْتَصَرَ) و (اسْتَفْعَلَ) كـ (اسْتَغْفَرَ) وفي مصدريهما، واسمي الفاعلِ والمفعولِ، واسمي الزّمان والمكان2. ج- زيادتُها آخِراً: تزاد باطِّرادٍ في الماضي المسند إلى مؤنثٍ؛ نحو (قامتْ) وفي وَصْفِ المؤنث نحو (قائمةٍ) و (مضروبَةٍ) . وفي عَلَمِ المؤنثِ نحو (فاطمة) و (خديجة) وفي بعض جموع التكسير؛ وهي عوضٌ عن الياء، نحو: زَنَادِقَةٍ؛ فهي عوض عن ياء (زَنَادِيقَ) وكذلك (أَزَارِقَةٌ) و (صَيَارِفَةٌ) وفي جمع المؤنث، نحو: هِنْداتٍ، وشَجَرِاتٍ3، وتاء المبالغة4 نحو: رجلٍ علاَّمَةٍ، وضُحَكَةٍ.   1 ينظر: الكتاب4/83، 84. 2 ينظر: سر الصناعة1/158، وتصريف الأفعال97. 3 ينظر: تصريف الأفعال97. 4 ينظر: رسالة في الحروف العربيّة167. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ثالثاً- السِّينُ: تزاد السّين باطِّرادٍ في صيغةٍ واحدةٍ؛ وهي (اسْتَفْعَلَ) وما تصرّف منها؛ كالمضارعِ واسم الفاعلِ واسمِ المفعولِ والمصدرِ1. ولا تطَّرد زيادتُها في غير ذلك. ومثالها (سلقى) . رابعاً- اللاَّم: تزاد باطِّرادٍ في (ذلك) و (تلك) و (تالك) و (أولالكَ) و (هنالك) لقولهم فيها: (ذاك) و (تيك) و (أولاك) و (هناك) 2. ولا تطَّرد زيادتُها في غير ما تقدّم. خامساً- الميمُ: تزاد الميم أوَّلاً وحشواً وآخراً. ولا تطَّرد زيادتها إلاّ أوَّلاً؛ وهي بمنزلة الهمزة 3؛ ومن هنا قال ابن مالكٍ: وهَكذَا هَمْزٌ وميمٌ سَبَقَا ... ثلاثةً، تأصِيْلُهَا تُحُقِّقَا 4 وتفصيل أحوالها أن يقال5: إنّ الميمَ إن وقعت أوَّلاً لا يخلو أن يكون بعدها حرفان أو أكثر.   1 ينظر: الممتع1/222. 2 ينظر: سر الصناعة1/321، والممتع1/213. 3 ينظر: الممتع1/246. 4 ينظر: شرح ابن الناظم829. 5 ينظر: الممتع1/246. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فإن كان بعدها حرفان؛ نحو (المَجْدِ) حُكِم على الميم بالأصالة؛ إذْ لا بدّ من الفاء والعين واللاّم. وإن كان بعدها أكثر من حرفين فلا يخلو أن يقع بعدها ثلاثةٌ مقطوعٌ بأصالتها، أواثنان مقطوع بأصالتهما، وما عداهما مقطوع بزيادته، أو محتملٌ للأصالة والزِّيادة. فإن كان بعدها ثلاثةٌ مقطوعٌ بأصالتها حُكِمَ على الميم بالزِّيادة؛ لأنّ كلّ ما ورد من ذلك ممَّا يعرف له اشتقاقٌ جاءت الميم فيه زائدةً؛ وهذا موضع اطِّرادها زائدةً؛ كوقوعها في المصدر الميميّ: (مَفْعَل) كـ (مَطْلَع) و (مَفْعِل) كـ (مَوْعِد) واسمِ الزّمان (مَفْعَل) كـ (مَسْعَى) و (مَصِيفٍ) و (مُفْتَعَل) كـ (مُسْتَقَرٍ) ونحوه؛ ممَّا زاد على الثلاثة، واسمِ المكانِ (مَفْعَل) كـ (مأوَىَ) و (مَصْرِفٍ) و (مُفَعَّل) كـ (مُصَلَّى) ونحوه؛ ممَّا زاد على الثلاثة.؛ و (مَفْعَلَة) للمكان الَّذي تكثر فيه الأعيان؛ كـ (مأسَدَةٍ) و (مَسْبَعَةٍ) واسمِ الفاعل ممَّا زاد على الثلاثة (مُنْفَعِل) كـ (مُنْفَطِرِ) و (مُفْتَعِل) نحو (مُجْتَهِدٍ) و (مُسْتَفْعِل) نحو (مُسْتَخْرِجٍ) ، ونحو ذلك من صيغ ما زاد على الثلاثة؛ وهي كثيرة، واسمِ المفعول (مَفْعُول) نحو (مَكْتُوب) و (مُفَعَّل) نحو (مُرَكَّبٍ) ونحوه من أوزان ما زاد على الثلاثة وهي كثيرة، واسمِ الآلة (مِفْعَل) كـ (مِثْقَبٍ) و (مِفْعَال) كـ (مِفتَاح) و (مِفْعَلَة) كـ (مِسْطَرَةٍ) وفي نحو (مُفْعَل) كـ (مُصْحَفٍ) و (مُفْعُل) كـ (مُنْخُلٍ) و (مِفْعِل) كـ (مِنْتِنٍ) و (مُفْعُول) كـ (مُعْلُوقٍ) و (مَفْعَلٍّ) كـ (مَكْوِرٍّ) ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وإن كان بعد الميم أكثر من ثلاثة أصول في غير المشتقّ –حُكم على الميم بالأصالة؛ لأنّ الزِّيادة لا تلحق بنات الأربعة أو الخمسة من أوّلها؛ نحو (مَنْجَنُونٍ) و (مَنْجَنِيقٍ) و (مَرْدَقُوشٍ) وهو الزّعفران، ولعدم الاشتقاق فيه على الزِّيادة، ولكونه أعْجَمِيًّا1. وإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما، وما عداهما مقطوع بزيادته؛ نحو (ماسِحٍ) و (مَالِكٍ) حُكِمَ على الميم بالأصالة. وإن كان ما عدا الأصلين محتملَ الأصالة والزِّيادة –حُكم على الميم بالزِّيادة؛ كما هو الحال في الألف؛ في هذا الموضع، لأنّ كلّ ما عرف له اشتقاق من ذلك وُجدتِ الميمُ في أكثره زائدةً، فحمل ما لم يعرف له اشتقاق على ما عرف اشتقاقه؛ وذلك نحو (المَذْرَى) وهو جانب الألية. هذه حال الميم أوَّلاً؛ وهو الموضع الوحيد؛ الَّذي تطرد زيادتها فيه. سادساً- النُّونُ: تُزادُ النّون باطِّرادٍ أوّلاً وحشواً وآخراً، وفيما يلي بيان ذلك: أ- زيادتُها أوَّلاً: تزاد النون أوَّلاً باطّراد في أول الفعل المضارع المسند للمتكلم المَشَارَكِ أو المعظّم نفسه؛ نحو (نكتب) و (نتكلَّم) .   1 ينظر: تصريف الأفعال88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ب- زيادتُها حشواً: إذا وقعت النّون حشواً؛ فإنَّها تطرد في مواضع كثيرة في الأفعال والأسماء؛ ومن الصِّيغ الَّتي تطّرد فيها1: 1- (انفَعَلَ) وما تصرّف منه؛ كـ (انفَطَرَ انْفِطَاراً؛ فهو مُنْفَطِرٌ) . 2- (افْعَنلَلَ) وما تصرَّف منه؛ كـ (احْرَنْجَمَ احرنْجَاماً؛ فهو مُحْرَنجِمٌ) . 3- النون الثالثة السَّاكنة غير المدغمة في مثلها؛ في كلمة على خمسة أحرفٍ؛ نحو (فَعَنعَل) كـ (عَقَنقَلٍ) و (فَعَنلَل) كـ (جَحَنفَلٍ) ونحوهما؛ فالأولى من (ع ق ل) والثانية من (ج ح ف ل) . وهي مطَّردة في هذا الموضع؛ لأنَّ كلّ ما ورد منه ممَّا عرف اشتقاقه وُجدتِ النّون فيه زائدة؛ فحمل ما ليس له اشتقاق ولا تصريف؛ نحو (عَبَنقَسٍ) وهو السيء الخُلُق- على ذلك،؛ فحكم على نونه بالزِّيادة2. أمّا النون المضعّفة في نحو (عَجَنَّسٍ) فأصلٌ عند سيبويه3 ومن تبعه4 ووزنُهُ (فَعَلَّل) "لأنَّها إذ ذاك تشَبَّثُ بالحركة، والنَّون إذا تحرّكت كانت من الفم، وضعُفتِ الغنَّة فيها؛ ولذلك لم تزد ثالثةً ساكنةً قبل حرف الحلق؛ لأنَّها إذ ذلك تكون من الفم وتضعف فيها الغنَّة؛ فلا تشبه   1 ينظر: الممتع1/257. 2 ينظر: الممتع1/263، 264. 3 ينظر: الكتاب4/298. 4 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه140، وشرح المرادي5/257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حرف العلّة. ولو ورد في الكلام مثل (جَحَنْعَل) مثلاً- لجُعلت النّون فيه أصليّةً كما جُعلت في (عَجَنَّسٍ) كذلك؛ لمفارقتها إذ ذاك الغُنّة؛ الَّتي أشبهت بها حرف العلّة"1. وجعلها بعضهم زائدةً؛ قياساً على القاعدة في هذا الموضع؛ فيكون وزنها حينئذٍ (فعَنْللا) . وذهب أبو حَيَّان2 إلى أنّ النُّونين زائدتان؛ فوزنُ الكلمة عنده (فَعَنَّل) وعند سيبويه (فَعَلَّل) . ج- زيادتُها آخِراً: تُزاد النُّون آخراً باطِّرادٍ في بعض الصِّيغ والمواضع؛ على النحو التالي: 1- نون التثنية؛ نحو (كِتَابَانِ) . 2- نون الجمع؛ سواء كان جمعَ سلامة نحو (مُسْلِمِينَ) أو جمعَ تكسيرٍ على صيغة (فَعْلان) أو (فِعْلان) كـ (قُضْبان) و (غِرْبان) لعدم وجود (فُعْلال) في أبنية الجموع 3. 3- نون الرّفع اللاّحقةُ بالأفعال الخمسة؛ نحو (تَفْعَلونَ) و (يَفْعَلون) و (تَفْعَلانِ) و (يَفْعَلان) و (تَفْعَلِينَ) . 4- نون التّوكيد الشديدةُ أو الخفيفةُ؛ كقوله عزَّ وجلّ: {لَيُسْجَنَنَّ   1 الممتع1/265. 2 ينظر: شرح المراديّ5/257. 3 ينظر: النّون وأحوالها في لغة العرب255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} 1. 5- نون التَّنوين؛ نحو رجلٍ وقومٍ. 6- النُّون الواقعة في بعض المصادر على صيغة (فَعَلان) كـ (الغَلَيانِ) و (فِعْلان) كـ (الحِرْمَان) و (فُعْلان) كـ (الغُفْران) . وتكثر آخراً بما يقرب من الاطِّراد؛ إذا كان قبلها ألف؛ نحو (عُثْمان) و (سَلْمَان) و (غَطَفَان) و (ظَمَآن) . ويشترط في ذلك شرطان؛ أحدهما: أن تُسبَقَ الألفُ بأكثر من أصلين؛ إذ لو كان قبلها حرفان فحسب لوجب الحكم بأصالة النّون؛ نحو (سِنَانٍ) و (عِنَانٍ) لأنَّه لا بدّ من الفاء والعين واللام. والآخر: ألاَّ تكون الكلمة من باب (جَنجَانٍ) 2 فإنّ النّون فيه أصليّة؛ إذ لو كانت نونه زائدةً لأدّى ذلك إلى أن تكون الكلمة ثلاثيّةً من باب (سَلِسٍ) و (قَلِقٍ) أعني: ممَّا فاؤه ولامه من جنسٍ واحدٍ؛ وذلك قليل. وعدّ النّون أصليّةً يجعل الكلمة من باب الرّباعيّ المضاعف؛ نحو (زَلْزَلَ) و (كَبْكَبَ) وهو بابٌ واسعٌ. وزاد بعضهم شرطاً ثالثاً3، وهو ألاَّ يكون ما قبل الألف مضاعفاً فيما كان قبل الألف ثلاثة حروفٍ؛ نحو (رُمَّانٍ) لاحتمال أن تكون   1 سورة يوسف: الآية32. 2 ينظر: المنصف1/134، والممتع1/258، وفي المساعد4/65: (باب جيحان) وهو تصحيف. 3 ينظر: الممتع1/259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 النّون زائدةً؛ فتكون الكلمة من (ر م م) ووزنها (فُعْلاَن) أو أصليّةً؛ فتكون الكلمة من (ر م ن) فيكون وزنها (فُعَّالا) . ورجّح ابنُ عُصفُورٍ1 أن تكون النّون زائدةً؛ لكثرة زيادتها في هذا الموضع؛ حتَّى يأتي دليل على أصالتها. سابعاً- الهاءُ: تطّرد زيادة الهاء في ثلاثة مواضع: أحدها: في فعل الأمر الوارد على حرفٍ لبيان الحركة؛ نحو (فِهْ) و (عِهْ) أو حرفين؛ نحو (ارْمِه) و (اغْزهِ) 2. وثانيها: في الوقف على ما الاستفهاميّة، إن جُرّتْ بحرفٍ؛ نحو (لِمَهْ) . وثالثها: في النُّدْبَةِ والاستغَاثَةِ عند الوقف؛ نحو (وا زيداه) و (وا مَنْ حَفَرَ بِئرَ زَمْزَمَاه) و (وا مُعْتَصِمَاه) . ثامناً- الواوُ: تُعدُّ الواو والياء والألف أُمَّاتِ الزَّوائد في العربيّة، فلا تكاد تخلو كلمة مزيدة من أحدهنّ3. والواو لا تُزاد أوَّلاً؛ إذ لو زيدت أوَّلاً لم تكن إلاَّ متحرّكةً؛ لأنَّه لا يبتدأ بساكن، وحينئذٍ فإمَّا أن تكون مفتوحةً أو مضمومةً أو مكسورةً.   1 ينظر: الممتع1/259. 2 ينظر: جواهر الأدب160. 3 ينظر: الكتاب4/318، والمنصف1/153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 فإن كانت مضمومة ساغ قلبها همزةً، واطَّردَ 1 ذلك فيها؛ كقولهم: (أُقِّتَتْ) في (وُقِّتَتْ) و (أُجُوهٌ) في (وُجُوهٍ) . وكذلك إن كانت مكسورة؛ كـ (وِسَادةٍ) و (إِسَادةٍ) و (وِشَاحٍ) و (إِشَاحٍ) إلاَّ أنّ القلب في المضمومة أكثر. وإن كانت مفتوحةً وجب ضمُّها في بعض الحالات؛ كالتّصغير في الأسماء، والبناء للمجهول في الأفعال؛ فيتطرّق إليها الهمز. قال ابن يعيش: "فلمَّا كان زيادتها أوَّلاً تؤدّي إلى قلبها همزةً، وقلبها همزةً ربّما أوقعَ لَبْساً، وأحدثَ شكّاً في أنّ الهمزة أصلٌ، أو منقلبةٌ؛ مع أنّ زيادة الحرف إنّما المطلوب منه نفسه، فإذا لم يَسْلم لفظه لم يحصل الغرض"2. ومن هنا لم تُزَد الواو أوَّلاً. وتطّرد زيادتها في حشو الكلمة إذا توفَّر فيها شرطان3: الأول: أن تصحب أكثر من أصلين؛ فإن صحبت أصلين فحسب فهي أصل، مثل: (هَوَى) و (القَوْمِ) . الثّاني: ألاَّ تكون الكلمة الَّتي فيها الواو من باب (سِمْسِمٍ) أي: من باب مضاعف الرّباعيّ؛ فهي - حينئذٍ -أصلٌ؛ نحو (وَزْوَزَ) بمعنى وَثَبَ، و (الوَكْوَاكِ) وهو الجَبَانُ، و (ضَوْضَيْتُ) لقلّة (فَعْوَلَ)   1 ينظر: الكتاب4/331. 2 شرح لمفصل9/150، وينظر: الفصول المفيدة40، 41. 3 ينظر: التصريح2/364، وبلوغ الأرب53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 و (فَعْوَالٍ) و (فَعْلَيْتُ) فحُمل على أوسع البابين؛ وهو الرّباعيّ المضاعف. فكثرَ زيادتُها –مستوفاةً للشّرطين- في المواضع التّالية: 1- أن تكون ثانيةً؛ نحو (عَوْسَجٍ) وهو شجر له شوك، و (نَوْفَل) و (كَوْثَرٍ) . 2- أن تكون ثالثةً؛ نحو (عَجُوزٍ) و (جَدْوَلٍ) . 3- أن تكون رابعةً؛ نحو (عُنفُوَانٍ) و (اغْدَوْدَنَ) الشَّعْرُ، وتطّرد -أيضاً- في هذا الموضع في اسم المفعول من الثُّلاثيّ؛ نحو (مَكْتُوبٍ) و (مَعْلُومٍ) . 4- أن تكون خامسة؛ نحو (عَضْرَفُوطٍ) وهو ذَكَرُ العِضَاءِ من الزَّواحف، و (قَلَنْسُوَةٍ) وهي ما يلبس على الرّأس. 5- أن تكون سادسة في نحو (أَرْبُعَاوَى) وهو قِعْدة المتَرَبِّع. وهذا الموضع أقلُّ ممَّا سبق. تاسعاً- الألفُ: لا تكون الألف أصلاً - البتَّة - في الأسماء أو الأفعال؛ فهي إمّا زائدةٌ، وإمّا منقلِبةٌ عن واوٍ أو ياءٍ، ويقال - حينئذٍ - أنَّها أصلٌ 1 مجازاً؛ أي: منقلبة عن أصلٍ، وعلى هذا يجري استعمالها في هذا البحث. ولا تُزاد الألف أوّلاً، البتَّة؛ لسكونها. وتُزاد حشواً وآخِراً بشرطين2:   1 ينظر: المنصف1/118، والممتع1/279. 2 ينظر: تصريف الأفعال78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الأوَّل: أن تصحَبَ أكثرَ من أصلين؛ نحو (سَاجِدٍ) و (مُقَاتِلٍ) فإن صحبت أصلين؛ نحو (دارٍ) و (قَالَ) و (فَتَى) فهي أصل، أي: منقلِبةٌ عن أصل. الثَّاني: ألاَّ تكون الكلمة من مضاعف الرّباعيّ؛ نحو (عَاعَى) لحكاية زجر الضأن؛ فالكلمة -حينئذٍ- رباعيّةٌ، والألفان منقلِبان عن أصلٍ؛ وهو الواو؛ فأصلها (عَوْعَوَ) ثم (عَوْعَى) فصارت (عَاعَى) لغير موجبٍ. وتكثر زيادة الألف –مستوفاةً للشّروط- في المواضع التالية: 1- أن تكون ثانيةً؛ في نحو (كَاتِبٍ) و (سَامَحَ) . 2- أو ثالثةً؛ في نحو (كِتَابٍ) و (غَزَالٍ) . 3- أو رابعةً،؛ في نحو (جِلْبَابٍ) و (صَحْرَاءَ) . 4- أو خامسة؛ في نحو (انْطِلاَقٍ) و (احْتِكَامٍ) . 5- أو سادسةً؛ في نحو (اغْرَنْدَى) بمعنى علاه بالشتم والضّرب، أو تسلّط عليه. 6- أو سابعةً؛ في نحو (أَرْبُعَاوَى) . وتقع زائدةً –أيضاً- لبعض المعاني أو الأغراض، فيما يلي 1: 1- أن تكون علامةَ تأنيثٍ؛ كـ (حُبْلَى) و (قَرْقَرَى) للضّحك. 2- أو علامةً للاثنين؛ كما في قولهم: (الرَّجُلانِ) و (المرْأتانِ) .   1 ينظر: رصف المباني108-122، والجنى الداني175-180، واللسان15/427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 3- أو علامةً للوقف؛ في غير المُنَوَّن المنصوب؛ كقولهم في الوقف على (حَيَّهَلَ) : (حَيَّهَلا) ومعناه: أَقْبِلْ. 4- أو للفصل بين نوني التّوكيد، ونون ضمير الجمع المؤنّث في نحو (اضْرِبْنَانِّ زيداً) . 5- أو دالَّةً على النُّدبةِ في المنادى؛ نحو (يا زَيْدَاه) و (يا عُمَرَاه) . 6- أو إطلاقاً للقوافي؛ كقول امرئ القيس: أَلِمَّا عَلى الرَّبْعِ القَدِيمِ بعَسْعسَا ... كَأَنِّي أُنَادِيْ، أو أُكَلِّمُ أَخْرَسَا 1 7- أو لتكثير أحرف الكلمة؛ كألف (كُمَّثْرَى) و (بَاقِلَّى) بدليل (كُمَثَّرَاة) و (باقِلاَّة) إذا لا يجتمع في اللفظ علامتا تأنيث. 8- أو للإلحاق؛ كألف (مِعْزَى) و (أرْطَى) فهما للإلحاق بـ (ضِفْدَعٍ) و (جَعْفَرٍ) . 9- أو للجمعِ؛ مثل (مَسَاجِدَ) و (جِبَالٍ) و (فُرْسَانٍ) .   1 ديوانه105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 عاشراً- الياءُ: تُزاد الياء إذا استوفت ثلاثة شروط؛ وهي1: الأوَّل: أن تصْحَبَ أكثر من أصلين؛ فإن كانت مع أصلين؛ نحو (سَيْفٍ) و (ظَبْيٍ) و (هَدْيٍ) فهي أصلٌ. الثَّاني: ألاَّ تكون الكلمة، الَّتي فيها الياء، من مضاعف الرّباعيّ؛ نحو (يُؤْيُؤْ) لطائر ذي مخلبٍ، و (صِيصِيَةٍ) وهو الحِصْنُ؛ فأنَّها أصليّةٌ، والعلة ما قيل في مثلها من الواو. الثَّالث: ألاَّ تتصدَّر قبل أربعة أحرفٍ في غير مضارعٍ؛ فإن تصدّرت قبل أربعة أصولٍ؛ نحو (يَسْتَعُورٍ) اسم موضعٍ؛ فهي أصلٌ، ووزنها (فَعْلَلُول) 2. وتكثر زيادتها -مستوفاةً للشّروط- في مواضع؛ منها 3: 1- في أوّل الكلمة؛ نحو (اليَلْمَعِ) وهو السّراب، و (اليَرْبُوعِ) وهو دُويّبة صغيرة كالفأر، و (يَثْرِبَ) اسم مدينة الرّسول - صلى الله عليه وسلم - أو في أوّل المضارع؛ سواء كان بعدها ثلاثة أصول أو أكثر؛ نحو (يَكْتُبُ) و (يُدَحْرِجُ) .   1 ينظر: شرح المرادي5/246،247، وتصريف الأفعال79. 2 ينظر: الكتاب3/368، والمنصف1/145، وشرح الملوكيّ143، وشرح الكافية الشافية4/2039، والارتشاف1/50،107. 3 ينظر: المحلى (وجوه النصب) 304-307، وجواهر الأدب175-178، وتصريف الأفعال79،80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 2- في ثاني الكلمة؛ نحو (زَيْنَبَ) و (جَيْأَلَ) وهو من أسماء الضَّبُع، و (القَيْصُومِ) وهو ضرب من النّبات. 3- في ثالث الكلمة؛ نحو (الجَمِيْلِ) و (الطَّرِيْمِ) وهو الطّويل. 4- في رابع الكلمة،؛ نحو (الحِلْتِيتِ) و (العِفْرِيْتِ) و (الصِّنْدِيدِ) وهو الشّريف، و (الشِّمْلِيلِ) وهو الخفيف من الإبل. 5- في خامس الكلمة؛ نحو (الخَنشَلِيلِ) وهو الماضي من الرّجال في أموره، و (الخَنفَقِيقُ) وهي الدّاهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أغراض الزِّيادةِ: يمكن ردّ الأغراض؛ الَّتي تؤدّيها حروف الزّيادة العشرة، وبعضُ الزّوائد من غير العشرة؛ كتضعيف حرف ليس من الزّوائد إلى سبعةٍ؛ على النحو التالي 1: 1- الدِّلالة على المعنى؛ وهو أقوى الزّوائد؛ كحروف المضارعة، وزوائد (أَفْعَلَ) و (فَعَّلَ) و (انْفَعَلَ) و (افْتَعَلَ) و (تَفَاعَلَ) و (اسْتَفْعَلَ) و (فَاعَلَ) و (فَاعلٍ) و (مَفْعولٍ) . 2- مَدُّ الصّوت؛ نحو واوِ (عجوزٍ) وألفِ (رسالةٍ) وياءِ (قَضِيبٍ) . 3- إلحاقُ بناءٍ ببناءٍ آخر؛ كإلحاق (جَوْرَبٍ) بـ جَعْفَرٍ، و (شَرْيَفَ) بـ دَحْرَجَ. 4- إمكان النّطق؛ كهمزة الوصل في (اسْمٍ) و (اسْتَخْرَجَ) و (انْفَطَرَ) . 5- بيان الحركة أو الحرف؛ في قولهم: (سلطانية) و (يا زيداه) . 6- التَّعويض؛ كتاء التأنيث في (عِدَةٍ) فأنَّها عوض عن الفاء، وتاءِ (اسْتِبانةٍ) وهي عوض عن عين الكلمة، وكالتاء الأخيرة في (تَسْميةٍ) فهي عوض عن لام الكلمة على مذهب البصرييّين؛ وهي الواو، وكتاءِ (زَنَادِقَةٍ) فَإِنَّها عوض عن ياءِ زناديق؛ ولذلك لا يجتمعان.   1 ينظر: نظم الفرائد277، والفصول الخمسون262، وشرح المراديّ5/235، والمساعد4/71، والأشباه والنظائر2/332، والهمع2/216، والتّصريح2/360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 7- تكثير البناء؛ كألف (قَبَعْثَرَى) ونون (كَنَهْبُلٍ) ضرب من النّبات. 8- الوقف على الكلمة الَّتي بقي منها حرف أو حرفين، مثل: قِهْ، وارْمِهْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المَبْحَثُ الثَّانِي: الإِلْحَاقُ الإلحاق في اللُّغة: الإدراك، والمُلحقُ: الدَّعِيُّ المُلْصَقُ بغير أبيه1. وهو في اصطلاح اللُّغويّين: "أن يزاد على الحروف الأصليّة؛ في الاسم، أو الفعل، حرفٌ أو حرفان، زيادةً غير مطّردةٍ في إفادة معنىً؛ ليصير المزيد بتلك الزّيادة مثل كلمة أخرى أكبر منها؛ في عدد حروفها، وحركاتها، وسكناتها على الترتيب، وفي تصاريفها من الماضي، والمضارع، والأمر، والمصدر، وغيرها إن كان المُلحق به فعلاً، ومن التّثنية والجمع وغيرها إن كان الملحق به اسماً"2. ومثال الملحق من الأفعال: (جَلْبَبَ جَلْبَبَةً) و (سَيْطَرَ سَيْطَرَةً) و (هَرْوَلَ هَرْوَلَةً) . ومثاله من الأسماء: (الجَدْوَلُ) و (الكَوْكَبُ) و (الإنقَحْلُ) . ويميَّزُ الملحق من الأصليّ بعلاماتٍ؛ منها: أ- ألاَّ تطّرد الزّيادة فيه؛ لإفادة معنى زائد على معنى الملحق به؛ نحو: (جَحَنفَلٍ) و (جَحْفَلَةٍ) و (ضَرْبَبَ) و (ضَرَبَ) . وقد يتغيّر معنى الأصل الملحق به بزيادة الإلحاق؛ كما في (جَلْبَبَ) و (جَلَبَ) و (حَوْقَلَ) و (حَقَلَ) فإنّ معنى المزيد يخالف معنى الأصل   1 ينظر: التهذيب4/57، واللسان (لحق) 10/328. 2 الاشتقاق لعبد الله أمين413، وينظر: التّسهيل298، والمساعد4/71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 في كلٍّ منهما. بل ربّما كان الأصل بلا معنىً فيصبح بزيادة الإلحاق ذا معنىً؛ وذلك نحو (كَّوْكَبٍ) فأنَّه لا معنى لـ (ك ك ب) 1. ب- ألاَّ يدغم المتماثلان مع موجب الإدغام؛ نحو: (قَرْدَدٍ) و (قُعْدُدٍ) و (اقْعَنْسَسَ) وذلك للحفاظ على الوزن الملحق به؛ بخلاف نحو (مَشَدٍّ) و (أَعَدَّ) و (اخْضَرَّ) لأنّ الزّيادة فيها لمعنىً؛ فلم يراعَ الغرض اللّفظيّ2. ج- موافقةُ الكلمة المزيدةِ فيها لوزنٍ من الأوزان الأصليّة في الحركات والسّكنات على ترتيبها 3. د- مجيء مصدر الملحق على قياس ما ألحق به؛ فمصدر الملحق بالرّباعيّ على قياس (الفَعْلَلَةِ) في مصدر الرّباعيّ؛ نحو (بَيْطَرَ بَيْطَرَةً) و (جَهْوَرَ جَهْوَرَةً) 4. وقبل أن نأتي على أوزان الملحق نعرض لجملة من الأمور؛ منها: أنّ الأصل ألاّ يلحق إلاَّ بالبناء المجرّد؛ لأنّ ما فيه زيادة فرع، ولا يلحق بالفرع، ولكن جاء الإلحاق ببعض الفروع أو المزيدات، وأجيز   1 ينظر: تصريف الأفعال72، والمغني في تصريف الأفعال53. 2 ينظر: شرح المفصل7/156، وشرح الشافية للرّضيّ1/64، والمساعد4/74، والهمع2/216، وتصريف الأفعال73. 3 ينظر: تصريف الأفعال73. 4 ينظر: شرح الكافية الشافية4/2018. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ذلك. ونصَّ عليه ابنُ النَّاظم1، والمراديّ2، ومثَّلا له بـ (اقْعَنسَسَ) فأنَّه ملحق بـ (احْرَنْجَمَ) وهو مزيد. وقد جاز ذلك؛ لأنَّ أصول الملحق؛ وهو (اقْعَنسَسَ) ثلاثيّة، وأصول الملحق به - وهو: احرنجَمَ -رباعيّة؛ فكأنَّه ألحق ثلاثياً برياعيٍّ3. وإن كانا - أي: الملحق والملحق به - يعودان إلى أصل واحد؛ فلا يجوز إلحاق (اعْثُوْجَجَ) بـ (اغْدَوْدَنَ) لأنّ (اعْثُوْجَجَ) ثلاثيّ؛ وهو من (ع ث ج) وكذلك (اغْدَوْدَنَ) فهو من (غ د ن) . ومن الأمور الَّتي نعرض لها: أنّ الزّائد للإلحاق لا يكون أوّلاً؛ كهمزة (أَفْعَل) و (أَفْعُل) و (افْعَل) و (أفعِل) و (إِفْعَل) وتاءِ (تَفْعِل) وميمِ (مِفْعَل) 4 "فإذا انضمّ إلى الزّيادة أوّلاً زيادةٌ أخرى، صارت للإلحاق، وذلك نحو: أَّلَندَدٍ5، وأَلَنجَجٍ6؛ الهمزة والنّون للإلحاق، وكذلك: يَلَندَدٌ، ويَلَنجَجٌ، فإن زالت النّون لم تكن الهمزة ولا الياء وحدهما للإلحاق؛ وذلك نحو: أَلَدَّ، ويَّلَجَّ؛ وعلّة ذلك أنّ الزّيادة، في أوّل الكلمة، إنّما بابُها معنى المضارعة، وحرف المضارعة إنّما يكون مفرداً أبداً؛ فإذا   1 ينظر: شرح ابن الناظم825. 2 شرح المراديّ2/228. 3 ينظر: حاشية الرّفاعي على شرح بحرق57. 4 ينظر: الخصائص2/480. 5 الألندد: شديد الخصومة، وينظر: اللسان (لدد) 3/391. 6 الألنجج: عود طيب الرائحة، وينظر: اللسان (لجج) 2/355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 انضمّ إليه غيره خرج بمُضَامَّتِه إيَّاه عن أن يكون للمضارعة، فإذا خرج عنها، وفارق الدِّلالة على المعنى، جُعِلَ للإلحاق؛ لأنَّه قد أُمِن بما انضمّ إليه أن يصلح للمعنى"1. ومنها أنّ الإلحاق ليس له حروف مخصوصةٌ؛ فحروف الزّيادة حروف الإلحاق؛ لأنّ الإلحاق نوعٌ من الزّيادة، وكما وقعت الزّيادة بجميع الحروف - تقريباً - في حال الزّيادة بالتّضعيف؛ فإنّ الإلحاق كذلك - أيضاً - في حال تكرير الحرف؛ نحو (جَلْبَبَ) و (قَرْدَد) . ومنها أنّه لا يلحق بالثُّلاثيّ؛ لأنَّه أقلّ الأصول، إلاّ ما ذُكِرَ على سبيل النُّدْرَةِ؛ فقد قيل: إنّ تاءَ (بِنْتٍ) للإلحاق بـ (جِذْعٍ) وتاءَ (أُخْتٍ) للإلحاق بـ (قُفْلٍ) 2. ومنها أنّ الإلحاقَ سَماعيّ، لا يكاد يطّرد إلاّ في بناءين: أحدهما: إلحاق الثُّلاثيّ بالرّباعيّ، بتضعيف اللاّم؛ نحو (قَرْدَدٍ) و (جَلْبَبَ) وعلى هذا اقتصر المازنيّ في المطّرد؛ بقوله: "فأمّا المطّرد الَّذي لا ينكسر فأن يكون موضعُ اللاّم من الثّلاثة مكرّراً للإلحاق، مثل: مَهْدَدٍ، ومَرْدَدٍ، وسُرْدُدٍ، وعُنْدُدٍ، والأفعال: جَلْبَبَ يُجَلْبِبُ"3. وثانيهما: ما ذكره ابنُ جِنّي عن شيخه أبي عليّ؛ وهو بناء   1 الخصائص2/480. 2 ينظر: المنصف1/59، والمخصص13/196، 17/89، وشرح المفصل لابن يعيش5/122. 3 ينظر: المنصف1/41، وانظر التصويبات في آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (فَعَنلَى) من الثُّلاثيّ؛ كقولهم: رجلٌ ضَرَنبَى1. ومعنى ذلك "أنّك لو احتجتَ في شعرٍ أو سجعٍ أن تشتقّ من: ضَرَبَ اسماً أو فعلاً أو غير ذلك، لجاز، وكنت تقول: ضَرْبَبَ زيدٌ عَمْراً، وأنت تريد ضَرَبَ، وكنتَ تقول: هذا ضَرْبَبٌ قد أقبلَ ... وكذلك تقول: رجلٌ ضَرَنبَى، ونحوه. وليس لك أن تقول: ضَوْرَبَ زيدٌ عَمْراً، ولا: هذا رجلٌ ضَوْرَبٌ، أو ضَيْرَبٌ؛ لأنّ هذا الإلحاق لم يطّرد اطّراد الأوّل"2. وفيما يلي أذكر أهمّ ما وقفتُ عليه من أوزان المُلحق3:   1 ينظر: المنصف1/44. 2 ينظر: المنصف1/43. 3 ينظر: الكتاب4/486-490، والأصول3/214-216، والجمهرة2/1167-1183، والاستدراك على سيبويه206،208، والمزهر2/35،36، وشرح لامية الأفعال لبحرق55، والمغني في تصريف الأفعال56-69، ومناهل الرجال137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 أوّلاً: أوزانُ الثُّلاثيّ المُلْحَقِ أ- المُلْحَقُ بالرُّبَاعِيِّ: 1- ما أُلْحِقَ بـ (فَعْلَ) : ويُعَدّ هذا الوزن أكثرَ أوزان الرّباعيّ إلحاقاً به؛ لأنَّه يقع للأسماء والأفعال؛ نحو (جَعْفَرٍ) و (دَحْرَجَ) فممَّا ألحق به: (فَعْلَل) نحو (جَلْبَبَ) في الأفعال، و (قَرْدَدٍ) في الأسماء. و (فَوْعَل) نحو (جَوْرَبَ) في الأفعال، و (كَوْكَبٍ) في الأسماء. و (فَيْعَل) نحو (سَيْطَرَ) في الأفعال، و (فَيْصَلٍ) في الأسماء. و (فَعْوَل) نحو (هَرْوَلَ) في الأفعال، و (جَرْوَلٍ) في الأسماء. و (فَعْيَل) نحو (شَرْيَفَ) . و (فَعْنَل) نحو (قَلْنَسَه) إذا ألبسه القلنسوة. و (فَعْلَى) نحو (سَلْقَى) في قولهم: سَلْقَاهُ على ظَهْرِه، أي: مَدَّه. و (فَنْعَل) نحو (سَنْبَلَ) الرّجلُ الثّوبَ، بمعنى: أَسْبَلَه، و (عَنْسَلٍ) في الأسماء. و (فَعْلَن) نحو (رَعْشَنٍ) وهو المرتعش. و (سَفْعَل) نحو (سَنْبَسَ) بمعنى: نَبَسَ، إذا أسرعَ. و (فَعْلَس) نحو (خَلْبَسَ) بمعنى: خَلَبَه؛ أي: فَتَنَه. 2- ما أُلْحِقَ بـ (فُعْلُل) نحو (جُؤْذُر) : (فُعْلُل) نحو (قُعْدُد) . و (فُعْلُم) نحو (زُرْقُم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 3- ما أُلْحِقَ بـ (فِعلِل) نحو (زِبْرِج) : (فِعْلِم) نحو (دِلْقِم) وهي الهَرِمَةُ من النُّوق. 4- ما أُلحقَ بـ (فِعْلَلٍ) نحو (ضِفْدَعٍ) : (فِعْوَل) نحو (خِرْوَعٍ) وهو نوع من النّبات. و (فِعْلَى) نحو (مِعْزَى) . 5- ما أُلحقَ بـ (فُعْلَل) نحو (جُؤْذَرٍ) وهو ما أثبته الكوفيّون: (فُعْلَل) نحو (سُؤْدَدٍ) . ب- الملحقُ بالخُماسيِّ: (فَعَلْعَل) نحو (صَمَحْمَحٍ) أُلحق بـ (فَعَلّلِ) كـ (سَفَرْجَلٍ) . (فَعَوْعَل) نحو (عَثَوْثَلٍ) وهو الكثير اللّحم ألحق –أيضاً- بـ (فَعَلّلٍ) . (فَعَلَّى) نحو (حَبَنطًى) وهو –أيضاً- ملحق بـ (فَعَلَّل) . (إِفْعَلّ) نحو (إِرْدَبٍّ) ألحقَ بـ (فِعْلَلٍّ) كـ (جِرْدَحْلٍ) . (إِنْفَعَل) نحو (إِنْقَحْلٍ) أحلقَ –أيضاً- بـ (فِعْلَلٍّ) . (نَفْوَعِل) نحو (نَخْوَرِشٍ) للجَرْوِ إذا تحرّك فَخَدَشَ؛ وهو ملحق بـ (فَعْلَلِلٍ) نحو (جَحْمَرِشٍ) . (فعنعل) نحو: (عَقَنْقَل) و (عَصَنْصَر) ألحق بـ (فَعَلَّل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ج- الملحق بمزيد الرُّباعيءّ 1- (فَعَوْلَل) نحو (جَبَوْنَنٍ) –اسم وادٍ- ألحق بـ (فَعَوْلَلٍ) كـ (حَبَوكَرٍ) وهو الدّاهية. 2- (فُعْلُول) نحو (بُهْلُول) ألحق بـ (فُعْلُول) كـ (عُصْفُور) . 3- (فُعْلال) نحو (قُرْطاطٍ) وهو الدّاهية، وغيرها – ألحق بـ (فُعْلالٍ) كـ (قُرْطَاسٍ) . 4- (فَعَلُول) نحو (حَلَكُوكٍ) شديد السواد- ألحق بـ (فَعَلُول) كـ (قَرَبُوسٍ) . 5- (فِعْيَوْل) نحو (عِذْيَوْطٍ) وهو من يُحْدِثُ عند الجماع؛ ألحق بـ (فِعْلَول) كـ (فِرْدَوْسٍ) . 6- (افْعَنلأَ) نحو (احْبَنْطَأَ) ألحق بـ (افْعَنْلَلَ) كـ (احْرَنْجَمَ) . 7- (افْعَنلَى) نحو (اسْلَنْقَى) ألحق بـ (افْعَنْلَلَ) كـ (احْرَنْجَمَ) . 8- (افْعَنلَل) نحو (اقعَنسَسَ) ألحق بـ (افْعَنْلَلَ) كـ (احْرَنْجَمَ) . 9- (افْوَعَلَّ) نحو (اكْوَهَدَّ) الفَرَخُ إذا ارتعدَ؛ ملحق بـ (افْعَلَلَّ) كـ (اسْبَطَرَّ) . 10- (أُفْعُول) نحو (أُمْلُودٍ) وهو النّاعم؛ ألحق بـ (فُعْلُولٍ) كـ (عُسْلُوجٍ) وهو الغضُّ النَّاعم. 11- (إفْعِيل) نحو (إِمْلِيدٍ) وهو النَّاعم –أيضاً- ألحق بـ (فِعْلِيلٍ) كـ (قِطْمِيرٍ) . 12- (إفْعَوْل) نحو (إدْرَوْنٍ) وهو أصل الشّيء، ألحق بـ (فِعْلَولٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كـ (فِرْدَوْسٍ) . 13- (فُوَاعِل) نحو (دُوَاسِرٍ) ألحق بـ (فُعَالِلٍ) كـ (جُخَادِبٍ) وهو الضَّخمُ الغليظ من الرِّجال. 14- (تَمَفْعَلَ) نحو (تَمَسْكَنَ) ألحق بـ (تَفَعْلَلَ) كـ (تَدَحْرَجَ) . ثانياً: أوزان الرُّباعيّ الملحق بالخماسيّ: أ- الملحق بالخماسيّ المجرَّدِ: الملحق بـ (سَفَرْجَل) : 1- (فَعَلَّل) نحو (سَبَهْلَلٍ) وهو الفارغ. 2- (فَعَنْلَل) نحو (غَضَنْفَرٍ) وهو الأسد. 3- (فَعَيْلَل) نحو (سَمَيْدَعٍ) وهو الكريم. 4- (فَعَوْلَل) نحو (فَدَوْكَسٍ) وهو الأسد. الملحق بـ (جِرْدَحْلٍ) : 1- (فِعْلَلّ) نحو (عِرْبَدّ) وهو الشديد من كُلِّ شيء، و (قِرْشَبّ) وهو المُسِنّ. 2- (فِعْلَوْل) نحو (فِرْدَوْسٍ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ب- الملحقُ بمزيد الخماسيِّ: 1- (فَيْعَلُول) نحو (خَيْسَفُوجٍ) وهو حَبُّ القطن؛ أُلحق بـ (فَعْلَلُول) نحو (عَضْرَفُوطٍ) وهي دويَّبة ناعمة بيضاء. 2- (فَعْلَلُوت) نحو (عَنْكَبُوتٍ) على تقدير أصالة النُّون؛ وهو ملحق بـ (فَعْلَلُول) كـ (عَضْرَفُوطٍ) . 3- (فُعَلّيل) نحو (قُشَعْرِيرَة) ألحق بـ (فُعَلّيل) كـ (خَزَعْبِيل) وهو الباطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الزِّيادَاتُ غَيرُ المَقِيسَةِ تناولنا في المبحث الأوَّل من هذا الفصل الزِّياداتِ المنضبِطَةَ أو المقيسة. ونتناول في هذا المبحث الزِّياداتِ غير المنضبطةِ أو غير المقيسةِ: أوَّلاً- الهَمْزَةُ: لا تطَّرد زيادة الهمزة البتَّةَ إذا وقعت حشواً؛ وهي أصل حتَّى يقوم دليل على زيادتها1. فالأصل نحو قولك: (بَلأَزَ) الرَّجلُ؛ إذا فرَّ وأسرعَ، و (بَرَائِلُ) الدِّيك؛ وهي: ما يُنفش من ريشه عند المقاتلة، و (السَّأْسَم) وهو: نوعٌ من الشَّجرِ، و (ازْبَأَرَّ) الرَّجلُ؛ إذا اقشعرَّ، ونحو ذلك كثير. وما زيد فيه الهمزة حشواً أحرفٌ محفوظةٌ؛ نحو (شَمْأَلٍ) و (شَأَمْلٍ) لقولهم: شَمَلَتِ الرِّيحُ، ولو كانت أصليَّةً لقالوا: شَمْأَلَتْ، وشَأْمَلَتْ. و (جُرَائِضٌ) وهو الأسد؛ لقولهم: جِرْوَاضٌ. و (حُطَائِطٌ) لأنَّه الصَّغير المحطوط عن قدره المعتاد، و (قُدَائِم) لأنَّه في معنى القديم. وأمَّا الهمزة في أوَّل الكلمة فتطَّرد زيادتها كما مرَّ، إلاَّ في همزة الوصل في الأسماء، فإنَّها لم تطَّرد إلاَّ في مصدر الخماسيِّ والسُّداسيِّ مثل: الانطلاق، والاستخراج، ولم يحفظ منها غير ذلك إلاَّ عشر كلماتٍ؛ هُنَّ: ابنٌ، وابنَةٌ، وامرؤٌ، وامرأةٌ، واثنانِ، واثنتانِ، واسمٌ، واسْتٌ، وابْنُمٌ، وايمَنٌ   1 ينظر: سر الصناعة1/107،108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 في القسم1. وكذلك الهمزة في آخر الكلمة لا تطَّرد زيادتها إذا لم تسبق بألفٍ زائدةٍ وقبلها ثلاثة أصول فأكثرُ، كما تقدَّم؛ فالهمزة في (تَكَرْفَأَ) السَّحابُ، بمعنى: تَرَاكَبَ. وممَّا جاءت فيه زائدة في هذا الموضع (ضَهْيَأةٌ) في قولهم: امرأةٌ ضَهْيَأةٌ؛ وهي الَّتي لا ينبت ثديها؛ فوزنها (فَعْلأَةٌ) 2 لقولهم في معناها: ضَهْيَاءُ. وأجاز الزَّجَّاج3 أن تكون الهمزة أصلاً؛ فوزنها –حينئذٍ- (فَعْيَلة) وقد ردَّه ابنُ جِنِّي4، والجُرْجَانِيُّ5. وذهب الزَّجَّاج6 إلى أنَّ الهمزة الأخيرة في (الغِرْقِئِ) وهو القشرة الرَّقيقة الملتزقة ببياض البَيْضِ- زائدةٌ. ورُدَّ عليه بأنها أصلٌ؛ لأنَّها ليست بأوَّلَ فيُقضى عليها بالزِّيادةِ، ولا يوجد فيها معنى (غَرِقَ) 7.   1 ينظر: شرح الشافية للرّضي2/250،251. 2 ينظر: سر الصناعة1/108، ومختصر شرح أمثلة سيبويه118. 3 ينظر: معاني القرآن وإعرابه2/443. 4 ينظر: سر الصناعة1/108. 5 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/792. 6 ينظر: معاني القرآن وإعرابه2/443. 7 ينظر: سر الصناعة1/109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ثانياً- التَّاءُ: تقدَّمَ في المبحث الأوَّل1 المواضع الَّتي تطَّرد زيادة التَّاء فيها أوّلاً وحشواً وآخراً، وما عدا ذلك فالتَّاء أصلٌ، أو زائدة بغير اطِّراد، فحينئذٍ تحتاج إلى دليل على زيادتها. فمن زيادتها غير مُطَّردةٍ في أوَّلِ الكلمة قولهم: (تِجْفَافٌ) فحكم على التَّاء بالزِّيادةِ؛ لأنَّها من تركيب (جَفَّ) فوزنها (تِفْعَال) . وحُكمَ على تاءِ (تَنْضُبٍ) بالزِّيادة؛ لعدم وجود مثل (جَعْفَرٍ) . وتاءُ (تَنْبِيتٍ) زائدة؛ لأنَّه من النَّبْتِ، ومثالُ (تَفْعِيلٍ) لا يكون في غير المصادر2. وتقلُّ زيادة التَّاء حشواً في غير الافتعال إلى حدِّ النُّدرةِ "ولذا أنكرها بعض العلماء، وحَكمَ عليها في: يَسْتَعُورٍ، وفي: كِلْتَا، بالأصالة، وهي في الثَّاني بدلٌ من أصلٍ"3. وتندُرُ زيادتها - أيضاً في آخر الكلمة، في غير ما تقدَّم؛ كزيادتها في (السَّنبَتَةِ) وهي الحِقْبَةُ؛ فوزنها (فَعْلَتَة) لأنَّهم قالوا في معناها: مَرَّتْ عليه سَنْبَةٌ من الدَّهرِ، على وزن: تَمْرَةٍ 4.   1 ينظر: ص (201) من هذا البحث. 2 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/847. 3 تصريف الأفعال97. 4 ينظر: التكملة للفارسي241، والمقتصد في شرح التكملة2/848. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 ثالثاً- السِّينُ: تقدَّم أنَّ السِّينَ لا تقاس زيادتها إلاَّ في صيغة (الاسْتِفْعَالِ) وما تصرَّف منها. ولا تطَّرد في غير ذلك؛ كمجيئها زائدة في (سَنبَسَ) على رأي من جعلها (سَفْعَلَ) من (النَّبْسِ) 1. ومنه قولهم: (أسْطَاعَ يُسْطِيعُ) على مذهب سيبويه2 فتقديره (أَسْفَعَلَ) 3 من: أَطَاعَ يُطِيعُ، وقد زيدت السِّين عوضاً من حركة عين الفعل؛ لأنَّ أصل: أَطَاعَ: أَطْوَعَ؛ فنُقِلت فتحةُ الواو إلى ما قبلها؛ فصار (أَطْوَعَ) فقُلِبت الواو ألفاً؛ لتحرُّكها في الأصل، وانفتاح ما قبلها4. واعترض المبرِّد 5 على ذلك بأنَّ التَّعويض يكون للشَّيء المفقود، فأمَّا إذا كان موجوداً في اللَّفظ فلا، وحركة العين الَّتي كانت في الواو موجودةٌ في الطَّاء؛ فلا وجه للتَّعويض؛ لأنَّ الحركة لم تذهب من الكلمة. وليس الأمر كما ظنَّ المبرِّد؛ لأنَّ مراد سيبويه أنَّ التَّعويض وقع لذهاب الحركة من نفس العين؛ لا من ذهابها أصلاً6. وما ذهب إليه سيبويه صحيحٌ؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا حركة العين إلى الفاء   1 ينظر: شرح لامية الأفعال 55. 2 ينظر: الكتاب4/285. 3 ذهب بعض العلماء إلى أنَّه يتعذّر وزنها لالتقاء ساكنين السّين والطَّاء قبل نقل الحركة؛ فلذا قال الشيخ خالد: إنَّ وزنها (أَفْعَلَ) ينظر: التصريح2/359. 4 ينظر: سر الصناعة 1/199. 5 ينظر: سر الصناعة 1/199، وشرح المفصل لابن يعيش10/6، والممتع1/224. 6 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 السَّاكنة، وقلبوا العين ألفاً – لحقَ الكلمةَ توهينٌ وتغييرٌ، وصار الحرف معرَّضاً للحذف إذا سُكِّن ما بعده، في قولهم: أَطِعْ؛ فعُوِّضَ السِّين من هذا القدر من التَّوهينِ؛ وهو تعويض جوازٍ لا وجوب1؛ فلا يعترض - حينئذٍ - بنحو: أَقَامَ وأَقِمْ. وقال الفرَّاءُ: "توهَّموا أنَّ قولهم: أَسْطَعْتُ (أَفْعَلْتُ) لأنَّه بوزنه"2. وحمل ابنُ جِنِّي3 وابنُ عُصْفُورٍ4 كلامه على أنَّ مراده أنَّ أصله: (اسْتَطَعْتُ) فلمَّا حذفت التَّاء بقي على وزن (إسْفَلْتُ) 5 فَشُبِّهَ بـ (إفْعَلْتُ) ففُتحتْ همزته وقُطعتْ، فكأنَّه (أَفْعَلْتُ) . قال ابنُ جِنِّي: "وهذا غير مرضيٍّ عندنا من قوله؛ وذلك أنَّه قد اطَّرد عنهم إسْطَعْتُ بكسر الهمزة، وكونِها همزة وصلٍ؛ فهذا يدلّ على أنَّهم إذا أرادوا اسْتَفْعَلْتُ وحذفوا التَّاء؛ وهم يريدونها، بَقَّوا الهمزة موصولةً   1 ينظر: شرح الملوكي207. 2 ينظر: أدب الكاتب607، وسر الصناعة1/200، والممتع1/226. 3 ينظر: سر الصناعة1/200،201. 4 ينظر: الممتع1/326. 5 قال ابن جنّي: " فلمّا حذفت التَّاء بقي على وزن (إفْعَلْتُ) ... " (سر الصناعة1/200،201) . وصواب الوزن (إسْفَلْتُ) فلا أدري هل سها ابن جنّي ظنًّا منه أنَّ الكلمة مشتقَّةٌ من (س ط ع) أو أنَّه اختزل العبارة، فأراد أنَّها كذلك في التّقدير الأخير، وقد يكون ذلك من الطباعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 مكسورةً بحالها قبل حذف التَّاء"1. ويقوِّي مذهب سيبويه قولهم: (أَهْرَقْتُ) فالهاء –على رأي من جعله من (ر ي ق) بمثابة السِّين في (أسْطَعْتُ) . ومن الزِّيادات غير المطَّردة في آخر الكلمة قولهم: (خَلْبَسَ قلبَهُ) أي: فَتَنَه، وذهب به؛ فالسِّين زائدةٌ، ووزنه (فَعْلَسَ) من (خَلَبَ) 2. رابعاً- اللاَّمُ: تقدَّم أنَّ الزِّيادة تطَّرد في اسم الإشارة، نحو (ذلك) وما أشبهه، ولا تطَّرد فيما عداه. ومن زيادتها غير المطَّردة (زَيْدَلٌ) و (الفَحْجَلُ) وهو الَّذي في رجليه اعوجاج، ووزنهما (فَعْلل) بزيادة اللاَّم الثَّانية، ويدلّ على ذلك أنَّها من (زَيدٍ) و (الفَحْجِ) 3. واختلفوا في (الهَيْقَلِ) وهو الظَّلِيمُ، و (الطَّيْسَلِ) وهو الكثير من كلِّ شيءٍ، و (الفَيْشَلَةِ) وهي رأس الذَّكَرِ؛ فقال بعضهم: إنَّ اللاَّمَ أصلٌ في كلِّ ذلك، والياء زائدةٌ. وقال بعضهم: إنَّ الياء أصلٌ، واللاَّمُ هي الزَّائدةُ 4.   1 سر الصناعة1/201. 2 ينظر: اللّسان (خلبس) 6/66، وشرح لامية الأفعال لبحرق55. 3 ينظر: الممتع1/213،214. 4 ينظر: لامات الزّجّاجيّ134، وشرح المفصل لابن يعيش10/7، وشرح الملوكي211، والممتع1/214. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 خامساً- الميمُ: لا تطَّرد زيادة الميم في الأفعال، وقد زيدت فيها شذوذاً؛ كقولهم: (تَمَسْكَنَ) الرَّجلُ، وهو من: المَسْكَنَةِ، و (تَمَدْرَعَ) وهو من: المِدْرَعَةِ، و (تَمَنْدَلَ) وهو من: المِنْدِيلِ، و (تَمَنْطَقَ) وهو من: المِنطَقَةِ، وكلُّ ذلك (تَمَفْعَلَ) 1. وحُكيَ2 أيضاً: (مَرْحَبَكَ) اللهُ؛ وهو من: الرَّحْبِ، و (مَسْهَلَكَ) وهو من: السَّهْلِ، والميم فيهما زائدة. ولا تطَّرد –أيضاً- في حشو الكلمة؛ إذ لا ترد في ذلك الموضع إلاَّ في كلماتٍ محصورة؛ مثل قولهم: دِرْعٌ (دُلامِصٌ) بمعنى: برَّاقٍ، ومثله (دُمَالِصٌ) ووزنهما (فُعَامِل) و (فُمَاعِل) وهو مذهب الخليل3، و (قُمَارِصٌ) بمعنى: قارِصٍ 4. وذهب الأصمعيُّ5 إلى أنَّ ميم (هِرْمَاسٍ) وهو الأسد زائدة؛ لأنَّه من (الهَرْسِ) وهي أصليَّةٌ عند ابنِ عُصفُور6، وليست من (الهَرْسِ) بل مرتَجَلةٌ ارتِجَالاً.   1 ينظر: المنصف1/130، وسر الصناعة1/433، والممتع1/242. 2 ينظر: سر الصناعة1/433. 3 ينظر: الأصول3/208، والمنصف1/151، وسر الصناعة1/428. 4 ينظر: الممتع1/240. 5 ينظر: المنصف1/152، وتفسير أرجوزة أبي نواس136. 6 ينظر: الممتع1/243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وزيدت الميم آخراً في عدد من الكلمات غيرِ قليلٍ1؛ نحو (زُرْقُمٍ) و (دِلْقِمٍ) و (دِرْدِمٍ) و (سُتْهُمٍ) وغيرها، غير أنَّ تلك الزِّيادة لم تصل إلى حدِّ الاطِّراد؛ فزيادتها في ذلك الموضع شاذَّةٌ عند العلماء2. سادساً- النُّونُ: زيدت النُّون أوَّلاً بغير اطِّراد في بعض الكلمات المعدودة، منها قولهم: (نِفْرِجُ) القلبِ، و (نِفْرِجَةٌ) إذا كان جباناً غير ذي جَلاَدةٍ وحزمٍ؛ في قول الشاعر: نَفْرِجَةُ القَلْبِ قَلِيلُ النَيْلِ ... يُلْقَىَ عليه النَّيْدُلاَنُ3باللَّيْلِ4 وهو من: الفَرْجِ، لقولهم: رجلٌ أفْرَجُ، وفُرُجٌ؛ وهو الَّذي لا يكتم سِرًّا، قال ابن جِنِّي: "هو في معنى نِفْرِجَةٍ، ومثاله: نِفْعِلَة"5. ومن ذلك زيادتها في (نَفَاطِير) وهي بَثْرٌ تخرج في وجه الغلام والجارية، و (نَخَارِيب) وهي خروق كبيوت الزَّنانير، واحدها (نُخْرُوبٌ) .   1 ينظر: القلب والإبدال147،148، والجمهرة3/1332. 2 ينظر: المفتاح في الصرف88، وشرح الملوكي1/254. 3 النَّيدلان: الكابوس. وينظر: اللسان (ندل) 11/655. 4 الشَّاهد منسوب لحريث بن زيد الخيل (ت 60هـ تقريباً) وينظر: سر الصناعة1/111، والمنصف1/106، وإيضاح شواهد الإيضاح2/891، وشرح شواهد الإيضاح623. 5 سر الصناعة2/444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ولا تطِّرد ثانية في غير (انْفَعَل) فإن دلَّ دليل على زيادتها في نحو (جُنْدَبٍ) و (عُنصَرٍ) و (قُنبَرٍ) فهي زائدة؛ لأنَّ بناء (فُعْلَل) لم يثبت عند البصريِّين؛ فحكموا على النُّون بالزِّيادة. ولا تطَّرد ثالثةً متحرِّكةً؛ فهي أصلٌ، وشذَّ من ذلك (فِرْنَاسٌ) وهو من أسماء الأسد، و (ذُرْنُوحٌ) وهي دويبَّة صغيرة، والنُّون فيهما زائدةٌ؛ عند بعض العلماء1. سابعاً- الهَاءُ: زيدت الهاء بغير اطِّراد في أوَّل الكلمة في مواضع؛ منها: (هِجْرَعٌ) و (هِبْلَعٌ) لأنَّهما من (الجَرْعِ) و (البَلْعِ) وفي (هِرْكَوْلَةٍ) وهي المرأة الجسيمة؛ وهو من (الرَّكْلِ) 2. وزيدت حشواً –بغير اطِّراد- في قولهم: أُمَّهَةٌ –بمعنى الأُمِّ- وأُمَّهَاتٌ، ووزنهما (فُعْلَهَةٌ) و (فُعْلَهَاتٌ) ويدلُّ على زيادة الهاءِ، قولهم: (أُمّ بَيِّنَةُ الأُمُومَةِ) . وأجاز بعضهم3 أن تكون (أُمَّهَةٌ) (فُعَّلَةٌ) بأصالة الهاء –بمنزلة (أُبَّهَةٍ) و (تُرَّهَةٍ) .   1 ينظر: الممتع1/270. 2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 10/5، والممتع 1/217. 3 ينظر: سرّ الصناعة 2/564. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ثامناً- الوَاوُ: الواو والياء والألف أمَّاتُ الزَّوائد؛ كما سبق بيانه في المبحث السَّابق1؛ فليس غريباً أن يكثر اطِّرادها في الزِّيادةِ، ويندر زيادتها بغير اطِّراد، وقد اختلفوا في واو (سُرَاوِع) وهو موضعٌ بالحجاز، في قول الشَّاعر: عَفَا سَرِفٌ من أَهْلِهِ فَسُرَاوِعُ ... فَوَادِي قُدَيدٍ، فالتّلاعُ الدوافِعُ2 وقد ذهب أبو حَيّان3 إلى أنَّها زائدة؛ فوزنها (فُعَاوِل) وتابعه السُّيوطيُّ4. وذهب ابنُ عُصفور5 إلى أصالة الواو، وأنَّ وزنها (فُعَالِل) . ولكلٍّ من المذهبين ما يؤيِّده؛ فمن ذهب إلى زيادة الواو استند إلى أنَّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الأربعة. ومن ذهب إلى أصالتها استدلَّ بعدم النَّظير في (فُعَاوِل) ووجود (فُعَالِل) فجعل الواو فيه كالواو في (وَرَنتَلٍ) وهو الشَّرُّ والأمر العظيم؛ فالواو فيه أصليَّةٌ؛ على الرغم من أنها في الرّباعيّ.   1 ينظر: ص (212-214) من هذا البحث. 2 ينظر: الخصائص 3/213، ومعجم البلدان 3/204، والممتع 1/116. 3 ينظر: الارتشاف 1/36. 4 ينظر: المزهر 2/16. 5 ينظر: الممتع 1/116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 تاسعاً- الألف: تكاد الألف تكون مقيسة في كل ما زيدت فيه، غير أنّها قد تقلّ زيادتها في بعض المواضع،كأن تكون سابعة -مثلاً- في نحو: أُربَعَاوَى. عاشراً- الياء: لا تطّرد زيادة الياء أوّلاً؛ إذا كان بعدها أربعةُ أصولٍ؛ فقد ذهبَ ابنُ دريد1 إلى أنّ الياء في (يَسْتَعُور) وهو شجر تصنع منه المساويك، زائدة؛ وهي - عنده - على وزن (يَفْتَعُول) . وما ذهب إليه ابن دريد مخالف لمذهب الجمهور، ومن هنا قال ابن خالويه: "ليس أحد يقول: يَسْتَعُور (يَفْتَعُول) إلاّ ابن دريد؛ لأنّه عند النّحويين ليس في كلام العرب، وإنّما هو عندهم (فَعْلَلُول) مِثل: عَضْرَفُوط"2.   1 ينظر: الجمهرة2/1222. 2 ليس في كلام العرب205. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الفَصْلُ الثَّالثُ: مقاييس التَّفريقِ بينَ الأُصُولِ تتفاوت الأصول في تداخلها بين الوضوح والغموض؛ وثَمَّة كلماتٌ تعمِقُ وتَدِقُّ؛ فتخفى أصولها - أوَّلَ وهلةٍ - على المختصِّين، وعلى أكثر العلماء دُربةً ودرايةً بأصول العربيَّة. ومن هنا نشأت الحاجة في وقتٍ مبكِّرٍ إلى وضع مقاييسَ للتَّفريق بين الأصول؛ فجاءت في إشارات متفرِّقة في كتاب سيبويه، ومن جاء بعده، ثمَّ جُمعتْ على أيدي بعض العلماء، بعد القرن الرَّابع؛ فأوجزوها في سبعة أدلَّةٍ أو ثمانية1. وفيما يلي بيان لأهم الأدلَّة أو المقاييس، وتفصيلٌ لما استُنبط، أو جُمع ممَّا تناثر من كلام الأئمّة المتقدِّمين. أوَّلاً- الاشتِقَاقُ: يُعدُّ الاشتقاق من أهمِّ المقاييس أو الأدلَّة الّتي تُمَيَّزُ بها الأصول؛ بعضُها من بعضٍ، إن لم يكن أهمَّها على الإطلاق. والّذي أثبته الجمهور هو الاشتقاق الأصغر؛ وهو شقُّ كلمة من كلمةٍ، مع الحفاظ على أصلَي اللّفظ والمعنى، وترتيب الحروفِ؛ كَضَرَبَ يَضْرِبُ فهو ضَارِبٌ لا مَضْرُوبٌ من (الضَّرْبِ) ودَحْرَجَ يُدَحْرِجُ فهو مُدَحْرِجٌ لا مُدَحْرَجٌ من (الدَّحْرَجَةِ) . وكان سيبويه يأنس بالاشتقاق، وكثيراً ما يعوِّل عليه في التَّعرِّف على الأصول، وتمييزها من الزَّوائد؛ كقوله: "وممَّا جعلتُه زائداً بثبتٍ:   1 ينظر: المنصف1/166،167، والتبصرة والتذكرة2/788، وشرح الكافية الشافية4/2045، وشرح الشافية للرضي2/334، والمساعد4/102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 العَنسَلُ؛ لأنَّهم يريدون العُسُولَ. والعَنبَسُ؛ لأنَّهم يريدون العُبُوسَ. ونونُ عَفَرْنَى؛ لأنَّها من العَفْر؛ يقال للأسد عَفَرْنَى. ونونُ بُلَهْنِيَةٍ؛ لأنَّ الحرف من الثلاثة، كما تقول: عَيْشٌ أبْلَهُ. ونونُ فِرْسِنٍ؛ لأنَّها من فَرَسْتُ. ونونُ خَنفَقِيقٍ؛ لأنَّ الخَنْفَقِيقَ الخفيفةُ من النِّساءِ الجريئَةُ؛ وإنَّما جُعلت من خَفَقَ يَخْفِقُ كما تَخْفِقُ الرِّيحُ"1. وكان ابنُ مالكٍ لا يقدِّم على الاشتقاق شيئاً، ويقول: "الاشتقاق إذا ظُفِرَ به رُجِّحَ على غيره من الأدلَّةِ"2. ومن ثَمَّ استدلَّ على أصالة نونِ (رُمَّانٍ) ؛ لثبوتها في قولهم: (أرضٌ مَرْمَنَةٌ) للبُقْعَةِ؛ الّتي يكثر فيها الرُّمَّان؛ فهي عنده من (ر م ن) ولا يَعبأ بمذهب سيبويه3 فيها؛ إذ جعلها من (ر م م) بزيادة النُّون؛ حملاً على الأكثر. وقال ابن مالك معقِّباَ على مذهب سيبويه: "ولو كان الأمر كما قال، لقيل: مَرَمَّةٌ لا: مَرْمَنَةٌ"4. ويستدلُّ بالاشتقاق - أيضا ً- على زيادة همزة (الثُّدَّاء) وهو نبتٌ في البادية، يقال له (المُصَاصُ) و (المُصَّاخُ) 5 بقولهم: أَثْدَتِ الأرضُ وثَدِيَتْ؛ إذا أنبتت الثُّداءَ. ومنه قضاؤهم على نونِ (رَعْشَنٍ) بالزِّيادة؛ لقولهم: رَعْشَاءُ في   1 الكتاب4/320. 2 شرح الكافية الشافية4/2045. 3 ينظر: الكتاب3/218. 4 شرح الكافية الشافية4/2045. 5 ينظر: النبات والشجر43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 معناه؛ فوزنه (فَعْلَن) 1. واستدلُّوا على أنَّ (العُنْظُوانَ) وهو شَجَرٌ - من (ع ظ ي) وليس من (ع ظ ن) أو (ع ن ظ) أو (ع ن ظ ن) بقولهم: عَظِيَ البعيرُ عَظاً، فهو عَظٍ؛ إذا تأذَّى من أكل (العُنْظُوان) 2. وقضوا على ميم (الشَّدْقَمِ) بالزِّيادة، وأنَّه من (ش د ق) لا (ش د ق م) لأنَّه بمنزلة (الأشدَقِ) وهو العظيم الشِّدْقِ 3. وممَّا يدلَّ على أنّ أصل (التَّألَبِ) وهو الحمار (أل ب) وليس (ت أل ب) أو (ت ل ب) قولهم: أَلَبَ الحمارُ أَتُنَهُ يَألِبُهَا؛ إذا طردها4. على أنَّه ينبغي أن يحذر كلَّ الحذر من التَّسليم المطلق للاشتقاق في تمييز الأصول؛ فثَمَّةَ ما يعكِّرُ صفوَه؛ وهو توهُّمُ أصالة الحرف الزَّائد؛ كما سبق به البيان في أنَّهم يقولون: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ وتَمَنْدَلَ ونحو ذلك، والميم فيها زائدة، وقد توهَّموا أصالتها؛ فبنوا عليها الأفعال. ومن هنا ندرك أنَّ استدلال ابن مالك على أصالة النُّون في (الرُّمَّانِ) بقولهم: أرضٌ (مَرْمَنَةٌ) واحتجاجه به على سيبويه –لا يخلو من مطعن. وثمَّة نوع من الاشتقاق من الممكن أن يُؤنس به؛ وهو الاشتقاق الأكبر؛ الّذي أثبته ابن جِنِّي 5، وكان أبو عليٍّ الفارسيُّ يأنس به في بعض الأصول؛ وهو عَقْدُ تقليبات الكلمة على معنى واحدٍ؛ نحو: (جَبَرَ)   1 المنصف1/166،167. 2 ينظر: اللسان (عظى) 15/72. 3 ينظر: الممتع 1/241. 4 ينظر: الممتع 1/274،275. 5 ينظر: الخصائص 2/133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فكيف قلَّبتَها دلَّت على القوَّة والشِّدَّة. وجعل عبد الله العلايليِّ هذا النَّوع من الاشتقاق وسيلة لمعرفة الأصول؛ فـ (المَحَارَةُ) وهي الصَدَفَةُ - من (م ح ر) وليست من (ح ور) كما فعل الجوهريُّ1؛ لأنَّ تقليباتها السِّتَّةَ تدلُّ على معنى واحدٍ؛ وهو "التَّخصيص في كيس الحمل الجَنِينَيِّ على فصائل النَّوع تخصيصاً ملاحَظاً فيه أدقُّ الميزات"2 ويظهر ذلك المعنى بوضوح في تقليبين؛ وهما (ر ح م) ومنه: الرَّحمُ، و (م ح ر) ومنه: المَحَارَةُ. غير أنَّ هذا النَّوع من الاشتقاق لا يمكن التَّعويل عليه (لعدم اطِّراده) 3 ولو اطَّرد لعُدَّ من أعظم المقاييس للتَّفريق بين الأصول المتداخلة؛ لا سيَّما الواويَّةُ واليائِيَّةُ. ثانياً- التَّصريفُ: يستدلُّ بسقوط الحرف من فرعٍ على زيادته؛ كسقوط ألف (كتاب) في جمعه على (كُتُبٍ) ويعرف هذا بالتَّصريف؛ وهو يشمل الجمع والتَّصغير وغيرهما. والتَّصريف يشبه الاشتقاق إلى حدٍّ بعيد، وربَّما يعدَّان شيئاً واحداً، ومن يفرِّقُ بينهما يجعل الاشتقاق استدلالاً بالأصل، ويجعل التَّصريف استدلالاً بالفرع، وإلى هذا ذهب المراديّ4. فمن ذلك استدلالهم على أصل (ضِبْعَانٍ) من قولهم في الجمع:   1 ينظر: الصحاح (حور) 2/639. 2 تهذيب المقدمّة اللّغوية 61. 3 المساعد 4/83. 4 ينظر: شرح المرادي5/236، وهو من الهامش رقم (1) لأنَّ ما في المتن معكوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 الضِّباعُ؛ وأنَّه دليل على زيادة النُّون1، واستدلالهم على زيادة النّون في (سِرْحان) من جمعهم إياّه على (سَرَاحٍ) 2 وأنَّ قولهم في (إنسَانٍ) : (أَنَاسِي) دليل على زيادة نونه الأخيرة. ومن التَّصريف (التَّصغيرُ) وهو ما يستدلُّ به على الزَّائد؛ كقولهم: عُفَيْجِجٌ وعُفَيْجِيجٌ، في تصغير (عَفَنجَجٍ) 3 فدلَّ سقوط النُّون على زيادتها. ومنه قولهم في تصغير (ذَرَحْرَحٍ) : (ذُرَيرِحٌ) 4 فدلَّ على أنَّ أصل ذَرَحْرَحٍ (ذ ر ح) . ودلَّ قولهم في تصغير مَرْمَرِيسٌ: (مُرَيرِيسٌ) على أنَّه من (م ر س) "لأنَّ الياء تصير رابعةً؛ فصارت الميم أوْلَى بالحذف من الرَّاء؛ لأنَّ الميم إذا حذفت تبيَّن - في التَّحقير - أنَّ أصله من الثَّلاثة؛ كأنَّك حقَّرتَ: مَرَّاساً، ولو قلتَ: مُرَيميسٌ؛ لصارت كأنَّها من باب سُرْحُوبٍ وسِردَاحٍ وقِنْدِيلٍ"5 أي: صار رباعياً. ثالثاً- انعدامُ النَّظيرِ: إذا لزم عدم النَّظير في أوزان أصول العربيّة بتقدير أصالة الحرف في كلمة حكم عليه بالزِّيادة؛ وهو من أقوى الأدلة. فقد قضوا بزيادة تاءِ (تَتْفُلٍ) وهو ولد الثَّعلب؛ لأنّها لو جعلت أصلاً لكان وزنه (فَعلُل) وهو   1 ينظر: الكتاب 3/216. 2 ينظر: الكتاب 3/216. 3 ينظر: الكتاب 3/429. 4 الكتاب 3/432. 5 الكتاب 3/432. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 بناء مفقود في الرُّباعيّ؛ فوزنه (تَفْعُل) . ونون (سَعْدَان) و (مَرْجَان) زائدتان (لأنَّه ليس في الكلام مثل سَرْداحٍ ولا فَعْلالٍ إلاَّ مضعَّفاً) 1 كـ (زَلْزَالٍ) و (وَسْوَاسٍ) . ويُقضى على تاءِ عِزْوِيتٍ بالزّيادة (لأنّه ليس في الكلام فِعْوِيل) 2. وأمَّا كَنَهْبُلٌ فنونه زائدةٌ؛ لأنّه ليس في الكلام (سَفَرْجُلٌ) على مثال (فَعَلُّل) 3. ويُقضى على أنَّ أصول (خَيوان) بلد باليمن (خ ون) وليس (خ ي و) لأنَّه ليس في الكلام شيء عينه ياءٌ ولامه واو4، فهو (فَيعَال) وليس (فَعْلان) . وليس في ترك صرفه دليل على زيادة النُّون؛ لأنَّ ذاك كان للاسم والبُقعة. ويحكم على الميم في (المِلْوَطّ) وهو ما يضرب به من عصاً ونحوه- بالأصالة؛ لأنَّها لو قُدِّرت زائدةً لأدَّى ذلك إلى ثبوت (مِفْعَلّ) وهو وزن مهمل. فإذا جعلتَ الميمَ أصليَّةً كان الوزن (فِعْوَلاًّ) وهو وزن مستعمل؛ نحو (عِثْوَلّ) للكثير الشَّعر، و (عِسْوَدٍّ) للحيَّة؛ فوجب المصير إليه5. وكان ابن سِيده يعتدُّ بهذا المقياس في التَّفريق بين الأصول؛ وهو عنده (من أصحِّ ما تُحرَّرُ فيه أنواع التَّصاريف) 6.   1 الكتاب 3/218. 2 الكتاب 4/316. 3 ينظر: المنصف 1/135. 4 ينظر: اللّسان (خون) 13/146. 5 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2062، والارتشاف 1/16. 6 المحكم 4/59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 رابعاً- سقوط الحرف لغير علَّة من نظير؛ كسقوط ياءِ (أَيْطَلٍ) وهو الخاصرة- من: إِطِلٍ بمعناه 1. وكذلك شأملٌ وشَمْأَلٌ من: شَمَالٍ، وشَمَلَتِ الرَّيْحُ. خامساً- وقوع الحرف - مع عدم الاشتقاق - في موضع تلزم فيه زيادته مع الاشتقاق في نحو (العَفَنقَسِ) وهو عَسِرُ الأخلاقِ؛ فإنَّ النُّون محكوم بزيادتها؛ مع أنَّه لا يعرف اشتقاقه. وكذلك (عَصَنصَرٌ) اسم جبل- فإنَّ نونه في موضع لا تكون فيه مع الاشتقاق إلاَّ زائدةً؛ نحو (الجَحَنفَلِ) وهو العظيم الشَّفة من الجَحْفَلَةِ؛ وهي لذي الحافر كالشَّفة للإنسان2. سادساً- اختصاص الحرف بموضعٍ لا يقع فيه إلاَّ حرفٌ من حروف الزِّيادة؛ كالنُّون في (كِنْثَأْوٍ) وهو العظيم اللِّحية، وفي (حِنْطَأْوٍ) وهو العظيم البطن، وفي (سِنْدَأْوٍ) وهو الشَّديدُ المُقدِمُ؛ فنوناتها زوائد؛ لأنَّهم لم يضعوا مكان حرف الزِّيادة حرفاً صحيحاً؛ فلم يقولوا -مثلاً- (سِرْدَأْوٌ) ولا نحوه3. سابعاً- دلالة الحرف على معنًى؛ كحروف المضارعة، وألف الفاعل، وميم المفعول، وواوُه4. ويزاد على ما تقدَّم من مقاييس أو أدلَّة ما استُنبط أو جُمِع من متَفَرِّق كلام الأئمة:   1 ينظر: شرح المرادي 5/236، واللسان (أطل) 11/18. 2 ينظر: التصريح 2/363،364. 3 ينظر: شرح المرادي 5/237. 4 ينظر: شرح المرادي 5/237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أوَّلاً- الدُّخولُ في أوسعَ البابين: وهو الحمل على الأكثر؛ وذاك أنَّ الحرف إذا تردَّد بين الأصالة والزِّيادة، واستوى الوزنان في النُّدرة؛ فالأولى الحكم بالزِّيادة لكثرة ذي الزِّيادة1. فمن ذلك (الهُندَلِعُ) وهو بَقَلَةٌ؛ فإنَّه يحتمل أن يكون (فُعَلْلِلاً) على أصالة النُّون، أو (فُنْعَلِلاً) على زيادة النُّون؛ بالتَّساوي، ويرجَّح –على هذا المقياس- الثَّاني؛ خلافاً لابن السَّرَّاج2. ولو حمل (هُندَلِعٌ) على (فُعْلَلِل) لجاز حملُ (كَنَهْبُلٍ) على (فَعَلُّل) و (سِنْدَأوٍ) على (فِعْلَلْو) (وذلك خرق لا يرقع؛ فتكثر الأصول) 3 وتقلُّ الزَّوائد؛ وهو يُنافي حقيقة اللَّغة. ومن هنا حمل (كِشْخَان) وهو الدَّيُّوث- على (فِعْلان) فبابه أوسع من باب (فِعْلال) 4 لأنَّ باب الزِّيادة أوسع من باب الأصالة. نعم، وإذا تردَّد الوزنان بين زيادتين حُملا على أوسع البابين؛ كترَدُّدِ (الأَيْدَعِ) وهو صَبغٌ أحمر- بين (أَفْعَلَ) و (فَيْعَلَ) فيحمل على (أَفْعَلَ) على الرُّغم من أنَّك لا تجد في (ي د ع) ما يناسب معناه؛ في حين وجدت الحمرة في (أحمَرَ) ونحوه؛ ألا ترى أنَّ (أَفْعَلَ) أكثر من (فَيْعَلَ) لأنَّ زيادة الهمزة أوَّلاً باب واسعٌ؛ لا يضاهيه باب زيادة الياء ثانية5.   1 ينظر: شرح الشافية للرضي 1/49. 2 ينظر: الأصول 3/225. 3 شرح الشافية للرضي 1/49. 4 ينظر: اللسان (كشخ) 3/49. 5 ينظر: المقتصد في شرح التكملة 2/784. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ومن ذلك أنَّ (موسى) 1 آلةَ الحلاقة- تتردَّدُ بين زيادتين (مُفْعَل) و (فُعْلى) فتحمل على زيادة الميم للدُّخول في أوسع البابين؛ لأنَّ (مُفْعَلاً) في الكلام أكثر من (فُعْلَى) ألا ترى أنَّ زيادة الميم أوَّلاً أكثر من زيادة الألف رابعة؟ وإذا تردَّد الوزنان بين أصلين حُملا على أكثرهما في بابه؛ كحملهم الألفَ المجهولة عيناً المنقلبةَ عن معتَلٍّ على الواو؛ لأنَّ انقلاب الألف عن الواو عيناً أكثر من انقلابها عن الياء في هذا الموضع في عموم كلام العرب2. نصَّ على ذلك سيبويه؛ وقال: "إن جاء اسم نحو النَّاب، ولا تدري أمِنَ الياءِ هو أم مِنَ الواو، فاحمله على الواو؛ حتَّى يتبيَّن لك أنَّها من الياء؛ لأنَّها مبدلةً من الواو أكثرُ، فاحمله على الأكثر؛ حتَّى يتبيَّن لك"3. وإليه ذهب ابنُ جِنّي؛ الّذي قال: "إنَّ الألفَ إذا وقعت عيناً فينبغي أن يُحكم بأنَّها من الواو؛ حتَّى تقوم دلالة على كونها من الياء"4. ومن هنا حُكم على أنَّ أصل (عَاقَ) من قولهم (ما عَاقَتِ المرأَةُ عند زوجهَا) أي: ما حَظِيَتْ: (ع وق) وليس (ع ي ق) 5 للدُّخول في أوسع البابين. واستناداً إلى هذا المقياس يمكن الحكم على ألف (خَاشَ) بمعنى رجع؛ في قول الشَّاعر:   1 ينظر: الأصول 3/351، وسر الصناعة 1/428. 2 ينظر: الكتاب3/462، والمنصف1/332، والخصائص1/253، والمحكم2/195. 3 الكتاب 3/462. 4 المنصف 2/140. 5 ينظر: المحكم 2/195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 بَيْنَ الوِضَاءَ يْنِ وخَاشَ القَهْقَرَى1 ... بأنَّها منقلبةٌ عن واوٍ؛ لأنَّه "لا دليل فيه على أنَّ ألفه منقلبة عن واوٍ أو ياءٍ"2. وتُحملُ عينُ (الظَّابِ) وهو الكلام والجَلَبَة - على الواوِ؛ لخفاء اشتقاقه3. وإذا كانت العين واللاّم معتلَّتين تُحمل العينُ على الواوِ، فيما يجهل اشتقاقه؛ للدُّخول في باب (طَوَيْتُ) و (شَوَيْتُ) لأنَّه أكثر من باب (حَيِيْتُ) 4. ومن هنا قضى ابن جنّي على ألف (ثَايَةٍ) وهي الحجارة، و (طَايَةٍ) وهو سقف البيت- بأنَّها منقلبة عن واو5. أمَّا الألف المجهولة، والهمزة المنقلبة عن معتلٍّ، الواقعتان لاماً؛ فتُحملان على الياء؛ ما لم يعترض ذلك إهمال الياء. وقد نصَّ ابن جنِّي على أنَّ "الياء أغلب على اللاَّم من الواو عليها"6.   1 ينظر: المحكم 5/168، وفي اللّسان (خوش) 6/301 (الوخاءين) بالخاء، ولعلَّ ما في المحكم هو الصَّحيح، فقد ذكر البكري (معجم ماستعجم2/1379) أنَّ (وَضَا) موضع بنجد. 2 ينظر: اللسان (خوش) 6/301. 3 ينظر: اللسان (ظوب) 6/572. 4 ينظر: المنصف 2/141. 5 ينظر: المنصف 2/141. 6 المقتضب في اسم المفعول 25، وينظر: المبهج 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وكان ابن سِيده يعوِّل كثيراً على هذا المقياس في تفريقه بين الواويِّ واليائيِّ في (المحكم) 1. وبذلك قضى2 بأنَّ لام (أَكْهَى) في قول الشَّاعر: كَمَا أَعْيَتْ عَلَى الرَّاقِينَ أَكْهَى ... تَعَيَّتْ لا مِيَاهَ ولا فِرَاغَا 3 وهي هضبة في نجد- ياءٌ وليست واواً، فأصله (ك هـ ي) . وقضى بأنَّ (الفَظَى) وهو ماء الرَّحم- يائيٌّ، وأصله (ف ظ ى) في قوله: "وقضينا بأنَّ ألفه منقلبةٌ عن ياءٍ؛ لأنَّها مجهولة الانقلاب؛ وهي في موضع اللام، وإذا كانت في موضع اللام فانقلابُها عن الياء أكثر منه عن الواو"4. وكذلك الهمزة المنقلبة عن معتلٍّ، الواقعة لاماً؛ فإنَّها تحمل على الياء لا الواو؛ للدُّخول في أوسع البابين، ومثالها (السَّخَاءَ ةُ) وهي بَقَلَةٌ ترتفع على ساق كهيئة السُّنبُلَةِ، وفيها حَبٌّ كحَبِّ اليَنْبُوتِ؛ فإنَّها من (س خ ي) وليس (س خ و) 5. ومنه (الخَدَّاءُ) موضعٌ - قُضي بأنَّ همزته ياءٌ6 لا واو؛ فأصله (خ د ي) وكذلك همزة (الفِنَاءِ) فهي منقلبة عن ياءٍ لا واوٍ7.   1 ينظر: المحكم 4/264،5/151، واللسان (جمى) 14/153، (فتا) 15/148. 2 ينظر: المحكم 4/264. 3 ينظر: المحكم 4/264، واللسان (كهى) 15/235. 4 ينظر: اللسان (فظا) 15/159. 5 ينظر: المحكم 5/151. 6 ينظر: المحكم 5/154. 7 ينظر: اللسان (فنى) 15/165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وإذا عارضَ هذا المقياسَ في اللاَّم المعتلَّةِ مقياسٌ آخر أضْعَفَهُ؛ وربَّما منع الاستدلال به؛ وذاك أن يكون الأصل اليائيُّ مهملاً والأصل الواويُّ مستعملاً، فإنها تحمل على المستعمل؛ كقولهم: جَدْيٌ ذَكِيٌّ، بمعنى ذَبِيحٍ، فإنَّه يحمل على (ذ ك و) لاستعماله، وإهمال (ذ ك ي) على نحو ما قرَّره ابن سِيده1. وإن كانا مستعملين، وكثر أحدهما كثرةً واضحةً، فغلبَ على صاحبه، وكان الغالبُ الواوَ، فإنَّ الألفَ المجهولةَ، أو الهمزةَ المنقلبةَ تُحملان عليه. وذلك نحو (قِدَةٍ) موضعٌ- فإنَّها تحتمل الأصلين (ق د ي) و (ق د و) وكلاهما مستعمل؛ فإن أُخذ بالمقياس الأوَّل؛ وهو كثرة الياء لاماً حُمل على (ق د ي) وإن أُخذ بالمقياس الثَّاني؛ وهو كثرة الواويِّ في هذا التركيب، وقلَّة اليائيِّ فيه، حُكمَ عليه بأنَّه من (ق د و) . وقد أخذ ابن سِيده2 بالأخير؛ فرجَّح الواويَّ، ولو أخذَ بالأوَّل لما ابتعد عن الصَّواب. ويجوز أن تكون (قِدَةٌ) من (وق د) مثل (عِدَةٍ) من (وع د) والتَّاء عِوَضٌ من فاء الكلمة المحذوفة؛ فإن صحَّ ذلك خرجتْ ممَّا نحن فيه. ويجوز الوجهان السابقان في قولهم: رَكِبَ كَسَاهُ؛ إذا سقط على قفاه؛ فيكون أصله (ك س ي) و (ك س و) الأوَّلُ لأنَّ الياء لاماً أكثر من الواو، والثَّاني لأنَّ الواو غلبتْ على الياء في ذلك التَّركيب. نعم، ولا يخلو مقياسُ حملِ المعتلِّ على الياء لاماً من اعتراضٍ مقدّرٍ؛   1 ينظر: المحكم 7/98. 2 ينظر: المحكم 6/330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وهو أنَّ ما في بعض المعاجم كـ (لسان العرب) و (القاموس المحيط) من تلك المادَّة لا يؤكِّد ما قاله اللُّغويُّون والنُّحاة بأنَّ الياء لاماً أكثر من الواو؛ بل يبطل ما قالوا؛ لأنَّ الكثرة فيه للواويِّ، وليست لليائيِّ. إنَّ إحصاء ما في المعجَمَينِ من الواويِّ واليائيِّ في باب المعتلِّ ليؤكِّد ذلك في ظاهر الأمر؛ فعدَّة ما في (لسان العرب) في باب المعتلِّ خمسة وعشرون وخمسمائة أصلٍ تقريباً1؛ ما يقرب من ثلثيها من الواويِّ؛ إذ بلغ سبعة وسبعين وثلاثمائة أصلٍ، ونسبته (81و71 ?) ولم يتجاوز اليائيُّ ثمانية وأربعين ومائة أصلٍ وهو ما نسبته (19و28?) . ونجد أنفسنا أمام النَّتيجة نفسِها في (القاموس المحيط) وهي غلبة الواويِّ على اليائيِّ، وإن اختلفت النِّسب قليلاً؛ ففيه خمسة وتسعون وستمائة أصلٍ2 أكثر من نصفها واويّ، وعدَّته اثنان وسبعون وثلاثمائة أصلٍ؛ ونسبته (53و53?) . أمَّا اليائيُّ فعدَّته ثلاثة وعشرون وثلاثمائة أصل؛ ونسبته (47و46?) . ويمكن التَّوفيق بين نتيجة الإحصاء وما قاله اللُّغويُّون والنُّحاة، ودفع ما ظهر من تعارض باحتمالاتٍ؛ منها: أ- أنَّ مراد اللُّغويّين والنُّحاة في تغليبهم الياءَ على الواو لاماً ينصرف إلى المُنْقَلِبِ، أي: الألفِ والهمزة، وقد صرَّح بذلك ابن سِيده غير مرَّةٍ؛ بقوله في (الفَظَى) : "وقضينا بأنَّ ألفه منقلبة عن ياءٍ؛ لأنَّها مجهولة   1 لا يدخل في هذا الإحصاء ما جاء في باب الألف اللّينة من الحروف الثَّنائيَّة وما شابهها من الأسماء. 2 ينظر الملحوظة السَّابقة في الإحالة رقم: (1) ويضاف إلى ذلك أنِّي أسقطت ثمانية أصول من المجموع العام؛ لأنّه ذكر أنَّها واويّة ويائيّة، فلم أر لها حاجة في الإحصاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الانقلاب؛ وهي في موضع اللاَّم، وإذا كانت في موضع اللاَّم فانقلابها عن الياء أكثر منه عن الواو"1. ومثل ذلك ما ذكره في (المُفْتِي) 2 وهو مِكْيال، و (الفِنَاءِ) 3 وهو ساحة الدَّار، وفي (كَرَى) 4 من قولهم: كَرَى الرُّجلُ بقدمَيهِ؛ أي: قَلَبَهما في العَدْوِ. فمن الممكن أن يعَدَّ هذا ونحوه تقييداً لما أطلق. أمَّا ما في المعجَمَين فيشتمل على المنقلِبِ وغير المنقلِبِ، ومن هذا الأخير (الثَّعْوُ) 5 وهو ضرب من التَّمر، و (الثُّقْوَةُ) 6 وهي السُّكُرُّجَةُ، و (الجَشْوُ) 7 وهي القوس الخفيفة، و (ضَدَوان) 8 وهو جبل، و (الطَّقْوُ) 9 وهو سرعة المشي، و (القَهْوَةُ) 10 وهي الخمر، و (المَرْوَةُ) 11 وهي حجارة بيضاء، ونحو ذلك ممَّا جاءت فيه الواو12   1 ينظر: اللسان (فظا) 15/159. 2 ينظر: اللسان (فتا) 15/148. 3 اللسان (فنى) 15/165. 4 اللسان (كرا) 15/222) . 5 اللسان (ها) 14/113. 6 ينظر: القاموس (ثقو) 1636. 7 ينظر: اللسان (جشو) 14/147. 8 ينظر: القاموس (ضدو) 1683. 9 ينظر: القاموس (طقو) 1685. 10 القاموس (قهو) 1710. 11 القاموس (مرو) 1719. 12 اخترتُ الأمثلة من الواو لأبيِّن كيف أَرْبَتْ على الياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 على أصلها بغير انقلاب فيها، أو فيما تصرَّف منها فيما وقفتُ عليه؛ ممَّا ذُكر في المعاجم. فإن كان الأمر كذلك فلا اعتداد بنتيجة الإحصاء؛ لأنَّ الكثرة عند اللُّغويِّين مقَيَّدة، وقد شَمِلَ الإحصاءُ المقَيَّدَ والمطلَقَ. ب- ويجوز أن يكون ما في المعجَمَيْنِ من أصولٍ غيرَ دقيقٍ. ولستُ على يقين ممَّا جاء في (القاموس المحيط) أمَّا (اللِّسان) فإنِّي أقطع بأنَّ ما جاء فيه من مَدَاخِلَ واويّةٍ أو يائيَّةٍ ليس دقيقاً، ولا يمكن أن يعوَّل على نتائجه في الإحصاء إلاَّ بعد تمحيص ما في كلِّ جذرٍ من مادَّة؛ لأنَّ ابن منظور دمجَ اليائيَّ في الواويِّ أو العكس فيما اتَّحد من الجذور في الفاء والعين؛ وهو كثير جدّاً، وسيأتي تفصيله في الباب الرَّابع –إن شاء الله. ج- فإن لم يصحَّ الاحتمالان السَّابقان، فإنَّه لا يَبْعُد أن يكون ما ذكره اللُّغويُّون والنُّحاة مَبْنِيًّا على كثرة الاستعمال في لغة العرب؛ لأنَّهم وجدوا أنَّ الثِّقل في الكلمة يتدرَّجُ بتدرُّجِ حروفها، من الأوَّل إلى الآخر؛ فينبغي أن يغلب على اللاَّمِ الحرفُ الأكثرُ خفَّةً، والياء أخفُّ من الواو. والآخِرُ موضعُ التَّغييرِ، فينبغي أن يغلب فيه الأخفُّ؛ ألا تراهم يبتدئون في الإعلال من آخر الكلمة؟ ويدلُّ على خفَّةِ الياء أنَّ باب (طَوَيْتُ) و (شَوَيْتُ) أكثرُ من بابِ (جَوٍّ) و (قَوٍّ) 1 وأنَّهم ربَّما جمعوا بين اليائين في نحو (حَيِّيٍّ) و (أُمَيِّيٍّ) ولم يجمعوا بين الواوات؛ لثقلها2. ويدلُّ على ثقل الواو أنَّها إذا كانت رابعة في الفعل قلبتْ ياءً؛ نحو   1 ينظر: المنصف 2/146. 2 ينظر: المنصف 2/275. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (تَقَصَّيتُ) و (تَعَدَّيتُ) وهما من (قَصَا يَقْصُو، وعَدَا يَعْدو) وكذلك (قَوْقَيْتُ) وأصلها (قَوْقَوْتُ) . ثُمَّ، ألا تراهم يُميلون الألفَ إلى الياء، ويَقلُّ إمالتها إلى الواو؛ على نحو ما هو مقرَّرٌ في باب الإمالة، وأنَّك لا تكاد تجد اسماً متمكِّناً؛ في آخره واوٌ قبلها ضمَّةٌ؛ كما وجدتَ في كلامهم اسماً في آخره ألفٌ قبلها فتحةٌ، واسماً في آخره ياءٌ، قبلها كسرةٌ؛ لأنَّ الواو أثقل من أختيها1. ومن ذلك أنَّهم اختاروا الياء آخرةً –مع تشديدها- لبابٍ واسعٍ في العربية، كثيرِ الاستعمال؛ وهو النَّسَبُ. وأخلصُ ممَّا تقدَّم إلى أنَّ هذا الاعتراض على مقياسهم مدفوعٌ بما ذُكرَ، وأنَّ مقياسهم في حمل المجهول لاماً على الياء صحيحٌ؛ من الممكن الاستفادة منه، والتَّعويلُ عليه في تداخل الأصول. ثانياً- الصَّرْفُ أو مَنْعُهُ: من الممكن الاعتداد بمقياس الصَّرف أو منعِهِ؛ للتَّفريق بين بعض الأصول؛ لا سِيَّما الَّتي في أوَّلها همزة أو ياءٌ أو تاءٌ أو نونٌ؛ ممَّا وازنَ الفعل، أو الَّتي في آخرها ألف ممدودة أو مقصورةٌ، أو في آخرها نونٌ مسبوقةٌ بألف زائدةٍ. فممَّا في أوَّله همزة (أَفْكل) فيستدلُّ على زيادة همزته، وأنَّه (أَفْعَل) بمنعه من الصَّرف2 لأنَّ (أَفْعَلَ) إذا كان صفةً، ثمَّ سمِّيَ به لم ينصرف في   1 ينظر: الكلام على عصي ومغزو149. 2 ينظر: الكتاب3/194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 المعرفة ولا في النَّكرة عند سيبويه والخليل1، وهو قول المازِنِيِّ، والأخفشُ2 يصرفه في النَّكرة. وكذلك (أَيْدَعُ) ممَّا يدلُّ على زيادة همزته، وأنَّه (أفْعَل) لا (فَيْعَل) منعه من الصَّرف3. أمَّا (أوَّلُ) فمَنْ صرَفَه فهو عنده (فَوْعَل) من (وول) أو (وأل) على مذهب الكوفيِّين - كما سيأتي إن شاء الله - وهو (أفْعَل) على مذهب البصريِّين؛ لأنَّهم لا يصرفونه4. وممَّا في أوِّله ياءٌ (يَرْمَعُ) وهو حجر أبيض، قُضِيَ على يائه بالزِّيادة بأمور؛ منها منع صرفه في المعرفة 5؛ فهو (يَفْعَلُ) لا (فَعْلَل) . أمَّا التَّاء فدلَّ على أصالتها في (تَبْرَعٍ) و (تَرْعَبٍ) وهما موضعان صرْفُهُم 6 إيَّاهما؛ فهما (فَلعْلَل) لا (تَفْعَل) . أمَّا التَّاء في (تألَبَ) علمٌ- فزائدة؛ لأنَّه غير مصروف 7 فهو (تَفْعَل) . ويدلُّ على أنَّ النُّون في (نُبَايِعَ) موضعٍ – زائدة؛ وأنَّ أصله (ب   1 ينظر: ما ينصرف 7. 2 ينظر: النكت 2/814. 3 ينظر: الكتاب 3/194. 4 ينظر: شرح لكافية للرضي 2/218. 5 ينظر: ما ينصرف 13. 6 ينظر: المحكم 2/323. 7 ينظر: الكتاب 3/196، والنّكت 2/814. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ي ع) وليس (ن ب ع) منعه من الصَّرف؛ للعلميَّة ووزنِ الفعل1. ويستدلُّ على حال الهمزة آخراً بالصَّرف أو منعهِ؛ فإن صُرفت الكلمة فهي أصلٌ، وإن منعت فهي زائدةٌ؛ وهي للتَّأنيث. وأمَّا همزة (الغَوْغاَء) وهم سَفِلَة النَّاس- فتحتمل الزِّيادَةَ والأصالةَ. فمن العرب من يجعلها بمنزلة (عَوْرَاءَ) فَيُؤَنِّثُ ولا يصرفُ؛ فيقول (غَوْغَاءُ) 2 فهي -حينئذٍ- زائدةٌ، وأصلها (غ وغ) . وأمَّا من قال: (غَوْغَاءٌ) بالتّذكير والصَّرف - فهي عنده بمنزلة (القَمْقَامِ) و (القَضْقَاضِ) أي: يجعل الغينَ والواوَ مضاعفتين؛ بمنزلة القاف والميم من (القَمْقَامِ) والقاف والضَّادِ من (القَضْقَاضِ) 3 وأصلها (الغَوْغَاوُ) فقلبتِ الواو همزةً لتطرُّفها بعد مدٍّ؛ فهي من باب الرُّباعيّ المضاعف، وأصولها (غ وغ و) . ويُقضى بزيادة ألف (حَبَنطَى) بمنع الصَّرفَ في المعرفة "وإن لم يشتقُّوا منه شيئاً تذهب فيه الألف؛ لأنَّها عندهم بمنزلة الهمزة"4. وممَّا تعرف به حال النُّون المتطرِّفةِ بعد ألفٍ زائدةٍ: الصَّرفُ أو منعهُ؛ كنُوناتِ: (حَسَّان) و (تَبَّان) و (سَمَّان) فإن صرفتهنَّ فقلتَ: حَسَّانٌ وسَمَّانٌ وتَبَّانٌ؛ فهُنَّ (فّعَّال) من الحُسنِ والسَّمنِ والتَّبنِ؛ وهنّ   1 ينظر: المحكم 2/189. 2 ينظر: الكتاب 3/215. 3 ينظر: الكتاب 3/125، 4/394. 4 الكتاب 4/310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 بمنزلة (عَبَّادٍ) و (قَصَّابٍ) و (حَنَّاطٍ) . وإن مُنِعْنَ من الصَّرفِ فهُنَّ (فَعْلان) 1 من (الحِسِّ) و (السِّمِّ) و (التَّبِّ) وهو الخسران. ومن ذلك (دِهْقَان) و (شَيْطَان) فإن صُرِفا فهما من (التَّدَهْقُنِ) و (التَّشَيطُنِ) فالنّون أصلٌ. وإن مُنعا من الصَّرفِ فهما من (الدَّهْقِ) و (الشَّيْطِ) 2 ووزنهما على الأوَّل (فِعْلاَل) و (فَعْلاَل) وعلى الثَّاني (فِعْلاَن) و (فَعْلاَن) . ومن ذلك (جَابَان) اسم علَمٍ- فألفه منقلبة عن واوٍ؛ كأنَّه (جَوْبَان) فقلبت الواو لغير علَّةٍ. وهو (فَعْلاَن) من (ج وب) وليس (فَاعَال) من (ج ب ن) يدلُّ على ذلك قولُ الشَّاعر: عَشَّيْتُ جَابَانَ حَتَّى اسْتَدَّ مَغْرِضُهُ3 ... وكَادَ يَهْلِكُ لولا أَنَّه اطَّافَا قُولا لجَابَانَ فَلْيَلْحَقْ بِطَيَّتِهِ ... نَوْمُ الضُّحَى بَعْدَ نَوْمِ اللَّيلِ إسْرَافَا4 فتركُ صرفِهِ دليلٌ على أنَّه (فَعْلاَن) .   1 ينظر: ما ينصرف 36، واشتقاق أسماء الله 285. 2 ينظر: الكتاب 3/217،218. 3 في التاج (جوب) 1/194 (معرضة) بالعين المهملة، و (اشتدّ) بالشين، و (استدّ) باسّين بمعنى: انسدَّ. 4 كذا في المحكم7/394، وفي اللسان (جوب) 1/287 (إسراف) بالرفع على أنه خبر المبتدأ، ومثله في التّاج (جوب) 1/194، وهو أقرب لولا الإصراف، وينظر: الكافي160،161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ويجب أن يلزم الحذر في هذا المقياس، وأن لا يؤخذ به على إطلاقه؛ لأنَّ الممنوع من الصَّرفِ يجوز صرفه في الضرورة؛ باتِّفاق النُّحاةِ 1؛ ولأنَّ الكوفيِّين 2 ذهبوا إلى أنَّ المصروف يجوز منعه من الصَّرف. وذكر الفرَّاء - فيما حكاه المعرّيُّ3 - أنَّهم يشبِّهون النُّون الأصليَّة بالزَّائدة؛ فيقولون: مررتُ بـ (طَحَّانَ) وذلك إذا سَمُّوا به. ثالثاً- إهمالُ أحدِ الأصلَينِ: إذا أدَّى التَّداخل إلى أصلين؛ أحدهما مهمل: حملت الكلمة على الأصل الآخَرِ المستعمل؛ مثل (مُزَّاءَ) اسمٌ للخمر- فالهمزة فيه زائدة؛ لأنَّ مادَّة (م ز أ) مهملةٌ؛ بخلاف (م زز) . وبخلاف ذلك كلمة (السَّقَّاءِ) فالهمزة أصليَّة؛ أي: بدلٌ من أصلٍ؛ لوجود (س ق ي) وفَقْدِ مادَّة (س ق ق) 4. وكان ابن سيدَة يأنس بهذا لمقياس، ويعوِّل عليه كثيراً في (المحكم) كقوله: "والشَّاخَةُ: المعتدِلُ؛ وإنَّما قضينا على أنَّ ألف شاخةٍ ياءٌ لعدم (ش وخ) وإلاَّ فقد كان حقها الواو؛ لكونها عيناً"5. وحَمَلَ (غَادَةَ) وهي موضع في قول الشَّاعر:   1 ينظر: الإنصاف2/493. 2 ينظر: الإنصاف 2/493. 3 ينظر: عبث الوليد111،112. 4 ينظر: المساعد4/66. 5 المحكم5/149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فَمَا رَاعَهُمْ إلاَّ أخُوهُمْ كَأنَّه ... بِغَادَةَ فَتْخَاءُ العِظَامِ تَحُومُ1 على الياء بقوله: (وإنَّما حملناه على الياء؛ لأنَّا لم نجد في الكلام (غ ود) 2. وقضى ابن جِنّي3 على لام (العَلاَيَةِ) وهو موضع- بأنَّها واوٌ، وليست ياءً، واستدلَّ بإهمال (ع ل ي) واستعمال (ع ل و) . وقضى - أيضاً4 - على أنَّ (المَخِيمَ) موضع- (مَفْعِل) وليس (فَعِيلاً) لعدم (م خ م) . وحكم ابن الحاجب على الياء الأولى في (صِيصِيَةٍ) وهي شوكة الحائك؛ الَّتي يُسَوَّى بها السَّدَاةُ، أو شوكتا الدِّيك في رجليه- بأنَّها أصلٌ؛ لأنَّه لو حكم بزيادتها (لأدَّى إلى أن تكون من المهمل؛ إذ ليس في الكلام تركيب من صادين وياء) 5. ومن الممكن أن يحكم بأنَّ أصل (لَوْذَانَ) عَلَم- (ل وذ) لأنَّ (ل ذ ن) أصلٌ مهملٌ؛ فهم يقولون: لاَذَ به يَلُوذُ لَوْذاً ولِوَاذاً؛ إذا لجأ إليه6. وذهب ابن سيده إلى حدِّ الاستدلال بفقدان النَّظير في مقلوب   1 ينظر: شرح أشعار الهذليين3/1164، واللسان (غيد) 3/328. 2 المحكم 6/9. 3 ينظر: المحكم 2/255. 4 المحكم 5/166. 5 ينظر: الإيضاح في شرح المفصل2/378، وفيه صيصة وهو تحريف. 6 ينظر: الهمع2/216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الكلمة؛ فمن ذلك أنَّه قضى بأنَّ (التُّفَةَ) وهي عناق الأرض؛ وهو سَبُعٌ يقتات اللَّحم- من (ت ف و) وليس من (ت ف ي) بقوله: (وهو من الواو؛ لأنَّا وجدنا (ت وف) وهو قولهم: ما في أمرهم تَوِيفَةٌ، ولم نجد (ت ي ف) فإنَّ أبا عليٍّ يستدلُّ على المقلوب بالمقلوب) 1. رابعاً- الإعْرَابُ بالحُروفِ: من الممكن الاستئناس بالإعراب بالحروف في التَّمييز بين بعض الأصول المتداخلة؛ وإن قلَّ ذلك؛ كَفَكِّ التَّداخلِ بين (ص ف ن) و (ص ف ف) المتواردين على (صِفِّينَ) موضع- فقد ذكره الجوهريُّ2 في الأصل الأوَّل، وتابعه الفيروزآباديُّ3. وحمَلَ صنيعُ الجوهريِّ ابنَ بَرِّيٍّ4 على الاعتراض عليه بأنَّ حقَّ هذا اللَّفظ أن يذكر في (ص ف ف) واستدلَّ بقولهم: (صِفُّونَ) فيمن أعربه بالحروف؛ على أنَّ الكلمة عربيَّة. وقد قيل لأبي وائل شقِيقِ بنِ سَلَمَةَ5: "أشهدتَ صِفِّينَ" قال:   1 ينظر: اللسان (تفأ) 14/102. 2 ينظر: الصحاح (صفن) 6/2152. 3 ينظر: القاموس المحيط (صفن) 1562. 4 ينظر: اللسان (صفن) 13/249. 5 هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفيّ، وهو من أئمة الحديث، وتوفّي بعد سنة 82هـ تقريباً، ومن مصادر ترجمته: سير أعلام النُّبلاء4/161، وأسد الغابة3/3، وتهذيب التَّهذيب4/361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 "نعم، وبئستِ الصِّفُّونَ"1. وردَّ ابنُ برِّيّ على الجوهريِّ - أيضاً - فصحَّحَ أصول (يَبْرِينَ) بأنَّها (ب ر ي) وليست (ب ر ن) كما فعل2 فقال: "حقُّ يَبْرِينَ أن يذكر في فصل (برى) من باب المعتلِّ؛ لأنَّ يَبْرِينَ مثل: يِرْمِينَ ... والدَّليل على صحَّة ذلك قولهم: يَبْرُونَ في الرَّفعِ ويَبْرِينَ في النَّصبِ والجَرِّ؛ وهذا قاطع بزيادة النُّون"3. وما ذكره ابنُ برِّيّ صحيح؛ إن كانت الكلمة عربيَّة؛ وليس بعيداً أن تكون أعجميَّةً، ثمَّ تحمل على ما شابهها من كلام العرب. وقد كان ابن جنّي دقيقاً في كلامه عن أسماء مواضع كأنَّها جُمعت جمعَ سلامةٍ، وأُعرِبتْ إعرابَهُ؛ وهي قولهم: (قِنَّسْرُونَ) و (فِلَسْطُونَ) و (يَبْرُونَ) و (نَصِيبُونَ) و (صَرِيفُونَ) و (عَانِدُونَ) و (السَّيلَحُونَ) إذا قال: "ووجه الجمع في هذه الأشياء أنَّهم جعلوا كلَّ ناحيةٍ من: فِلَسْطِينَ وقِنَّسرِينَ كأنَّه فِلَسْطٌ، وقِنَّسْرٌ، وكأنَّ واحدَ يَبْرِيتنَ يَبْرٌ، وواحدَ نَصِيبِينَ نَصِيبٌ، وواحدَ صَرِيفِينَ وعَاندِينَ: صَرِيفٌ وعَانِدٌ، وكذلك السَّيْلَحُونَ كأنَّ واحدها سَيْلَحٌ، وإن لم ينطق به مفرداً"4. ألا ترى أنَّه وقف بين المنزلتين، أصالة ما ذَكَرَ وعُجمته بقوله   1 أخرجه ابن سعد في طبقاته6/96، وينظر: سير أعلام النُّبلاء4/161. 2 ينظر: الصحاح (برن) 5/2078. 3 ينظر: اللسان (برن) 13/50. 4 ينظر: سر الصناعة 2/626، 627. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 (وكأنَّه) فإن صحَّتِ الأصالةُ فالنُّوناتُ زوائدُ؛ وإن صحَّتِ العجمة فَهُنَّ أصول. واستدلَّ ابن جنّي1 على أصالة النُّون في (المَاطِرُونَ) وهو اسم موضعٍ بالشَّام- بإعراب الكلمة على النُّون. خامساً- الإدْغَامُ: يُعَدُّ تركُ الإدغامِ من العلاماتِ الَّتي تُعرفُ بها زيادةُ الملحَقِ؛ كالباء الثَّانية في (جَلْبَبَ) والدَّال الثَّانية في (قَرْدَدَ) فدلَّ ذلك على أنّه ثلاثيٌّ؛ وليس رباعيّاً؛ وهذا باب واسعٌ. ويستدلُّ - أيضاً - بترك الإدغام في بعض ما خفيت أصوله من كلماتٍ؛ كاستدلالهم على أنَّ الياءَ والهمزةَ أصلٌ في كلمة (يَأجَجٍ) اسم مكان- فأصله (ي أج) وليس (ي ج ج) أو (أج ج) ولولا ذلك لأدغموا، كما يُدْغمون في (مَفْعَل) و (يَفْعلُ) من رَدَدْتُ، فإنَّما الياءُ ههنا كميم (مَهْدَدٍ) لأنَّها أصلٌ، وهو من (م هـ د) كما قال سيبويه2 وابنُ السَّرَّاج3. وكذلك ميم (مأجَج) وهمزته أصليَّتان، والزَّائد إحدى الجيمين؛ بدليل ترك الإدغام4.   1 ينظر: سر الصناعة 2/25، 626. 2 ينظر: الكتاب 4/313. 3 ينظر: الأصول 3/235. 4 ينظر: الأصول 3/237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 على أنَّ الرَّضيَّ1 يرى أنَّ: (يَأْجَج) (يَفْعَل) لأنَّ (أج ج) مستعمل في كلامهم، وفكُّ الإدغام عنده شاذٌّ. ويدلُّ على أصالة الهمزة في (إِيْوَانَ) غير العجمة- أنَّها "لو كانت زائدةً لوجب إدغام الياء في الواو، وقلبها إلى الياء؛ كما قلبت في أيَّامٍ؛ فلمَّا ظهرت الياء، ولم تدغم دلَّ أنَّ الياء عينٌ، وأنَّ الفاء همزة، وقلبت ياءً لكسرة الفاء وكراهة التَّضعيف؛ كما قلبت في دِيوَانٍ وقِيراطٍ، وكما أنَّ الدَّالَ والقافَ فاءان والياءَين عينان، كذلك الَّتي في إيوَانَ"2. ويُقضى بفكِّ الإدغام في قولهم: ناقةٌ (عُوطَطٌ) إذا لم تحمل السَّنةَ المقبلة، بأنَّه من (ع ي ط) 3 وليس من (ع ط ط) وقد قلبت ياؤه واواً لانضمام ما قبلها. ووزنُ عُوطَطٍ (فُعْلَل) 4. ونحوه (كُولَلٌ) من كِلْتُ5؛ فهو (فُعْلَل) من (ك ي ل) وليس (فُوعَل) من (ك ل ل) . على أنَّه يلزم ألاَّ يؤخذَ هذا لمقياس على إطلاقه؛ فثَمَّ ما فُكَّ إدغامه   1 ينظر: شرح الشّافية 2/387. 2 الحلبيّات 366. 3 ينظر: المنصف 2/12. 4 ينظر: الكتاب 4/376. 5 ينظر: الكتاب 4/375. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 لغير الإلحاق؛ كـ (مَحْبَبٍ) وهو اسم عَلَمٍ جاء على الأصل1 لمكان العلميَّة الَّتي ربَّما خرجت (بالكلمة عن الموازين الأكثرِ مناسبةً لها) 2 كما جاء (مَكْوَزَةٌ) و (مَزْيَدَةٌ) مصحَّحين. وإنَّما حملهم على أن يجعلوا الميم في (مَحْبَبٍ) زائدةً، وأنَّ وزنه (مَفْعَل) دون (فَعْلَل) أنَّهم وجدوا ما تركَّب من (ح ب ب) ولم يجدوا (م ح ب) ولولا ذلك لكان حملهم مَحْبَباً على (فَعْلَل) أولى؛ لأنَّ فكَّ الإدغام في (فَعْلَل) هو القياس. وحمل ابن سِيدَه3 (مَنْدَداً) بلداً- على (مَحْبَبٍ) ولم يجعله من باب (مَهْدَدٍ) لعدم (م ن د) . سادساً- الموازَنَاتُ السَّاميَّةُ: إنَّ التَّفريق بين الأصول المتداخلة بمقياس الموازنات السَّاميَّة مقياس مثمر؛ يعوِّل الباحثون المُحْدَثونَ عليه كثيراً. ومن الرَّاجح أنَّه ما من "كُتلَةٍ من الأمم ترتبط لغاتها بعضها ببعضٍ؛ كالارتباط الَّذي كان بين اللُّغات السَّاميَّةِ"4 ومن أهمِّها: العربيَّة، والسُّريانيَّةُ، والعبريَّةُ، والآراميَّةُ، والفِينيقِيَّةُ، والحَبَشِيَّةُ. ومن أقدم من فطن إلى القرابة بين هذه اللُّغات ابنُ حزم القرطُبِيُّ إذ   1 ينظر: شرح الكافية للرّضيّ 2/139. 2 أثر التّسمية في بنية الكلمة العربيّة39. 3 ينظر: اللسان (ندد) 3/421. 4 تاريخ اللغات السّاميّة 3، وينظر: السَّاميُّون ولغاتهم20، 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ذكر أنَّه ثبت له أنَّ العربيَّة والسُّريانيَّةَ والعبريَّةَ لغة واحدةٌ في الأصل1. فلا جرم أن يستفاد من المنهج المقارن في الكشف عن الجذور الخفيَّة، أو المتداخلة في بعض الكلمات العربيَّة. ولعلَّ ممَّا يعرف به أصل (هَرَاقَ) المنهج المقَارَن بين السَّاميَّات؛ فالّذي يظهر –لأوَّل وهلةٍ- أنَّ الفعل من (هـ ر ق) ألا ترى أنَّ ابن منظورٍ ذكره في هذا الأصل2. ومن ذهب إلى أنَّ الهاء ليست أصليَّةً، بل هي الهاء الموجودة في (هَفْعَل) فمذهبه قريب؛ ألا ترى أنَّ "هذا الوزن قياس في العبريَّة، والعربيَّة الجَنُوبيَّةِ في مقابل وزن (أفْعَل) في العربيَّةِ الشَّماليَّةِ؟ ولعلَّ مقارنة كلمة أرَاقَ وكلمة هَرَاقَ بنفس المعنى توضِّحُ لنا أنَّ الأُولى بوزن (أفْعَل) والثَّانية بوزن (هَفْعَل) وكلا الوزنين للتَّعدية في اللُّغات السَّاميَّة؟ "3 ويصدق ما ذُكر في كلمة (هَرَاقَ) على كلمات أُخَر في العربيَّة، نحو: هِجْرَعٍ، وهِبْلَعٍ "وقد يكشف بحث الكلمات المبدوءة بالهاء في العربيَّة عن أمثلة كثيرةٍ من هذا النَّوع، الهاء فيها زائدة لا أصليَّة"4. ومن ذلك أنَّه يمكن أن يستأنس بهذا المقياس للوصول إلى أنَّ أصل (نَاسٍ) و (أُنَاسٍ) : (أن س) بأصالة الهمزة؛ لوجودها "في بعض   1 ينظر: الإحكام في أصول الأحكام 1/30. 2 ينظر: اللسان (هرق) 10/365. 3 علم اللغة العربيَة 209. 4 علم اللغة العربية 209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 اللُّغات السَّاميَّة كالعبريَّةِ، فهي فيها (صورة8) ?n???m (أنا شيم) وهو فيها جمعٌ مفرده (صورة 9) (إيش) بمعنى: رجلٍ، والياء فيه بدل من النُّون؛ بدليل وجودها في الجمع. كما أنَّ هناك مفرداً نادر الاستعمال في العبريَّة، يحتوي على هذه النون كذلك؛ وهو (صورة10) (إنوش) ويقابل في العربيَّة كلمة: إنسٍ"1 وبهذا المقياس يمكن الوصول إلى أصل كلمة (الملائِكَةِ) الَّتي يتوارد عليها ثلاثة أصول؛ وهي: (ل أك) و (م ل ك) و (أل ك) . فممَّا يرجِّحُ (ل أك) وجود نظيره في بعض اللّغات، وورودُ فعله الثُّلاثيِّ (ل أك) في اللُّغة الحبشيَّة بمعنى: أرسلَ رسالةً أو رسولاً2. ويشير معجم (جزينيوس) (GESENIUS) لكلمات العهد القديم للعبريَّة، ومعجم (جاسترو) (JESTROW) لكلمات التَّلْمود أنَّ (صورة11) العبريَّة الَّتي معناها رسول مادَّتها (ل أك) لا غير. وصورة هذه الكلمة - بما يقرب من معناها العربيِّ في السُّريانيَّة والعبريَّة والحبشيَّةِ (مَلأَك) بينما لا نظير لمادَّةِ (ألك) في تلك اللغات3. ويساعد المنهج المقارن على الوصول إلى أصل كلمة (مَدِينَةٍ) في العربيَّة الَّتي يتوارد عليها أصلان؛ هما: (م د ن) و (د ي ن) فتُرَجِّحُ المقارنة الأصل الثَّاني (د ي ن) فـ (دِين) في العبريَّة بمعنى قانون، وفي الآراميّة   1 بحوث مقالات في اللغة 82. 2 ينظر: ملك، ملاك، ملائك، ملائكة 11. 3 ينظر: ملك، ملاك، ملائك، ملائكة 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 (دينا) بالمعنى نفسه، وتعني عبارة (بَيت دِين) في العبرية المَحكمة، وقد ظهرت كلمة (مَدِينةٍ) في الآرامية في منطقة الشَّام قبل الإسلام بمعنى المنطقة الإدارية أو الدَّائرة القضائيَّةِ؛ بارتباط معناها القضائيِّ الّذي لم نزل نجده في كلمات عربيَّة مثل (دائنٍ) و (مَدِينٍ) و (أدانَ) و (إدَانَةً) . ولعلَّنا لا نعدم هذا الملمح في إطلاق الرَّسول - صلى الله عليه وسلَّم - على (يَثْرِبَ) اسم (المَدِينَةِ) مقرِّ الدَّولة الإسلامية النَّاشئة، ومكان حكمها وقضائها1.   1 ينظر: علم اللغة العربي 209، واللغة العربية عبر القرون 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الباب الثاني: التداخل في البناء الواحد (الثلاثي، الرباعي، الخماسي) الفصل الأول: التداخل في الثلاثي المبحث الأول: التداخل بين المعتل والمعتل ... المبحث الأوَّل: التّداخل بين المعتلّ والمعتلّ تمهيد- المعتلّ: لأَصْواتِ العلّة الثلاثة وضع متميز أوخاص في بناء الكلمة العربيّة؛ وتعدّ من أعتى المصاعب الّتي تواجه صُنّاع المعاجم العربيّة. وهذه الأصوات هي الواو والياء والألف؛ وتُسمّى: الحروف الهوائيّة1، أو حروف المدّ واللّين2، أو المصوّتات3، أو الحروف الضّعيفة4. على أنّ مصطلح حروف العلّة هو الأكثر شيوعاً عند علماء اللّغة5؛ من القُدامى والمتأخّرين. ويُقسّم اللّغويّون الكلمة إلى صحيح ومعتّل؛ وهذا التقسيم له أهميّةٌ كبيرةٌ في الدّرس اللّغوي الصّرفيّ؛ إذ على أساسه يُفهم ما يترتّب عليه من مّسائل؛ كالإعْلال والإبْدال. والمُعتلّ من الأفعال ما في حروفه الأصول أحد حروف العلّة الثّلاثة (الواو والياء والألف) فإن كان فيه حرفان فهو اللّفيف؛ مَفْروقاً أو   1 ينظر: العين 1/58، والتهذيب 1/48. 2 ينظر: سرّ الصّناعة 1/17. 3 ينظر: مفاتيح الغيب 1/29،30، وفي الأصوات اللغوية 16،17. 4 ينظر: اللّسان 14/3. 5 ينظر: الكتاب 4/358،359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مَقْروناً؛ وهو نوعٌ من المعتلّ1. ومصطلح الاعْتِلال أكثر التصاقاً بالفعل عند الصّرفيين، والاسم محمول عليه؛ فإن كان الفعل فرعاً عن الاسم في الاشتقاق فإنّه أصلٌ في الإعلال؛ والاسم محمولٌ عليه؛ لأنّ الفعل أولى بالتّخفيف من الاسم؛ لما يعتريه من زوائد وضمائر، ثمّ يتبعه المصدر الذي هو أصلٌ في الاشتقاق؛ كـ (العِدَةِ) و (الإقَامَةِ) و (الاسْتِقَامَةِ) وسائر الأسماء المُتّصلة بالفعل؛ كأسماء الفاعل والمفعول والمَوْضِعِ2. ومن ثمّ فإنّ وصف الاعتلال عند اللّغويّين - ولا سيّما المعجميّين - يُطلق على الكلمة - فِعْلاً كانت أو اسماً - الّتي يكون أحد أصولها حرفَ علّة؛ سواء أكان واواً أم ياءً أم ألفاً؛ فإن كان موضع حرف العلّة فاء الكلمة؛ نحو (وَعَدَ) فهي من باب (المِثَالِ) وإن كان في موضع العين؛ نحو (قَالَ) فهي من باب (الأَجْوَفِ) وإن كان في موضع الّلام؛ نحو (رَعَى) فهي من باب (النَّاقِصِ) وإن كان فيها حرفان من حروف العلّة فهي من باب اللّفيف؛ فإن تتابعا في الفاء والعين؛ نحو (يَوْمٍ) ، أو في العين والّلام؛ نحو (هَوَى) فهي من اللّفيف المقرون، وإن فُصل بينهما بالعين؛ نحو (وَقَى) فهي من اللّفيف المفروق. والإعلال هو تغيير حرف العلّة بالقلب أو بالنّقل أو بالحذف؛ فهو   1 ينظر: بغية الآمال 81، وشرح مختصر التّصريف الغزّيّ 105. 2 ينظر: شرج الشّافية للرضى 3/88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ثلاثة أنواع عند الصرفيين1،وهي: الإعلال بالقلب؛ وهو قلب حرف العلّة إلى حرف علة آخر للتّخفيف، أو مطلق حرف، نحو (قَالَ) و (بَاعَ) و (مُوقِنٍ) . الإعلال بالتَّسْكين؛ وهو تَسْكين حرف العلّة للتّخفيف؛ بنقل حركته إلى ما قبلها؛ كما في (يَقُول) و (يَسْتعين) أو بحذفها؛ كما في (يَدْعُو) و (يَرْمي) . الإعلال بالحذف؛ وهو حذف حرف العلّة للتّخفيف؛ كما في (يَقِفُ) و (تَعِدُ) و (عِدَة) . ومعلوم أنّ المعتلّ يمثّل صعوبةً حقيقيّة للمُعْجميّين في بناء المعاجم؛ ولا سيّما معاجم القافية؛ بَدْءاً بالجوهريّ في (الصحاح) وانتهاءً بالزَّبيديّ في (التّاج) فثمّة كلمات من المعتلّ - قد يصعب حصرها -توقّف بعض الّلغويّين أمام أصولها حائرين؛ فقد روى ابن دريد عن أبي حاتم السّجستانيّ أنه قال في (تَضْحَى) من قوله -عزَّ وجل- {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 2: "لا أدري من الواو هو أو من الياء"3. ومثل ذلك كثير. ولمَّا بلغ الجوهريُّ عقبة المعتلِّ في تأليفه (الصِّحاح) تخلَّص منها   1 ينظر: شرح الشافية للرضي 3/66،67، ومنجد الطّالبين 23،24، والقواعد والتطبيقات 12. 2 سورة طه: الآية 119. 3 الجمهرة 2/1050. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 بطريقة تدلُّ على ذكاء وفطنة؛ حتَّى صار صنيعه منهجاً يُحتذَى لدى كثير من المعجميِّين؛ وعلى رأسهم الصَّغانيُّ وابن منظور والفيروز آباديُّ؛ فقد دمج بين بابي الواو والياء، وجعلهما باباً واحداً. ولم يسلم الجوهريُّ من نقدٍ فيما صنع؛ فقد قال ابن منظور: "ولقد سمعتُ بعض من يتنقَّصُ الجوهريَّ - رحمه الله - يقول: إنَّه لم يجعل ذلك باباً واحداً؛ إلاَّ لجهله بانقلاب الألف عن الواو، أو عن الياء، ولقلة علمه بالتَّصريف؛ ولستُ أرى الأمر كذلك"1. ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ صنيع الجوهريِّ يعدُّ مخالفة معجميَّةً واضحة لنظام الباب في مدرسة القافية، وهي مخالفة لا يكاد يتوقف عندها أحد؛ لأنَّنا درجنا عليها. ومن أهمِّ نتائج هذه المخالفة: استمرار تداخل الأصول في المعتلِّ النَّاقص؛ بل ربَّما أسهم بذلك في تداخل بعض الأصول؛ ولا سيَّما في الأصلين المتشابهين في الفاء والعين، فإنَّه غلَّب أحد المعتلَّينِ الواوَ أو الياءَ؛ وذلك مثل (حَجِيَ) و (حَجَوَ) اللَّذين ذكرهما في أصل واحدٍ؛ وهو (ح ج و) 2. وفرَّق بينهما ابن سيدةَ؛ فذكر كلاًّ منهما في أصله 3 على الصَّواب.   1 اللِّسان 14/3. 2 ينظر: الصِّحاح 6/2308. 3 ينظر: المحكم (حجى) 3/317، و (حجو) 3/353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وهذا من أهمِّ النَّتائج السَّيِّئة - في هذا الباب - لصنيع الجوهريِّ ومن تابعه، وسيأتي بحث هذه المسألة بالتَّفصيل في الباب الرَّابع - إن شاء الله -. وقد أدرك العلماء مشكلة التَّداخل بين المعتلاَّت بعمومها منذ وقتٍ مبكِّرٍ؛ ولاسيَّما فيما وقع فيه تعاقب (قلبٌ) لعلَّةٍ صرفيَّةٍ، أو لغير علَّةٍ. ومن هؤلاء ابن السِّكِّيت في كتابه (إصلاح المنطق) إذ أفرد بابين للمعتلِّ: أوَّلهما: "باب ما يقال بالياء والواو من ذوات الثَّلاثة"1. وثانيهما: "باب ما يُغلط فيه، يتكلَّم فيه بالياء وإنَّما هو بالواو"2. ومنهم ابن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب) في باب واحد، وهو: "باب ما يقال بالياء والواو"3. ومنهم الزَّجَّاجيُّ في كتابه (الإبدال والمعاقبة والنَّظائر) إذ أفرد باباً لتعاقب الواو والياء4. وقد أدرك ابن جِنِّي المشكلةَ، وأراد أن يسهم في حلِّها؛ فوعد بتأليف كتاب مستقلٍّ يذكر فيه جميع المعتلاَّت في كلام العرب، ويميِّز فيه ذوات الواو من ذوات الياء، ويعطي كلاًّ منهما حظَّه من القول   1 ينظر: إصلاح المنطق 135. 2 ينظر: إصلاح المنطق 185. 3 ينظر: أدب الكاتب 568. 4 ينظر: الإبدال والمعاقبة والنَّظائر 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 مستقصًى1. ولا أدري هل أنجز وعده أو حيل بينه وبين إنجازه؟ ويعدُّ ابن سيده من أعظم من فكَّ تداخل الأصول بالتَّفريق بين الواويّ واليائيّ في المعتلاَّت؛ وبذل جَهداً يشكر عليه في سبيل ذلك؛ إذ جعل لكلٍّ منهما باباً مستقلاًّ في معجمه الكبير (المحكم والمحيط الأعظم) . وحاول بعض المعجميِّين بعد ابن سيده أن يستفيدوا من جهده، وعلى رأس هؤلاء: الفيروزآباديُّ في (القاموس المحيط) وكان يفخر بمحاولته تخليص الواويِّ من اليائيِّ بقوله: "ومن أحسن ما اختصَّ به هذا الكتاب تخليص الواو من الياء؛ وذلك قسم يَسِمُ المصنِّفين بالعيِّ والإعياء"2. بيد أنَّ عمل الفيروزآباديِّ اقتصر على تمييز الأصلين؛ وهما في مكانهما في بابٍ واحدٍ، واكتفى بوضع حرف (و) أمام الواويِّ، وحرف (ي) أمام اليائيِّ، ووضع الحرفين أمام ما جاء بالواو والياء، ولو جعل كلاًّ منهما في باب مستقل لكان أحسن، وأدقَّ في الصَّنعة المعجميَّة. ولم يكن صنيع ابن سيده في التَّفريق منقبة في نظر أحد المعجميِّين الكبار؛ وهو ابن منظور؛ الّذي اختار منهج الجوهريِّ، ودافع عنه، وفي المقابل أبدى نقداً لمنهج ابن سيده بقوله: "وأمَّا ابن سيده وغيره فإنَّهم جعلوا المعتلَّ عن الواو باباً، والمعتلَّ عن الياء باباً؛ فاحتاجوا فيما هو معتلٌّ عن الواو والياء إلى أن ذكروه في البابين؛ فأطالوا وكرَّروا، وتقسَّم الشَّرح   1 ينظر: سر الصِّناعة 2/606. 2 القاموس 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 في الموضعين"1. والحقُّ أنَّه لا موجب لذكر الكلمة في البابين، أمَّا من فعل ذلك فكرَّر وأطال وقسَّم الشَّرحَ -كما قال ابن منظور- فقد أفسد ما أصلح، وخالف المنهج المعجميَّ، وأقلُّ ما يعترض به عليه أنَّ المعجميِّين فرَّقوا في الأجوف بين الأصلين الواويِّ واليائيِّ على الرَّغم من تشابه النَّاقص والأجوف فيما ذكر، فالمنهج المعجميِّ يقوم على وضع الكلمة في موضع واحد فحسب؛ تبعاً لأصلها، ولا تذكر الكلمة في بابين إلاَّ من قبيل الإحالة؛ فيؤمن بذلك تداخل الأصول، ويمنع التَّكرار. ولا أزعم أنَّ تطبيق ذلك أمرٌ ميسورٌ؛ فالتَّداخل بين الواويِّ واليائيِّ شديد؛ بحيث خفي كثير ممَّا جاء في الأصلين على علماء كبار؛ كابن سيده والفيروزآبادي، وبحيث إنَّ الزَّبيديَّ الّذي حاول الاستفادة من جهود من سبقه في ذلك لم يستطع تخليص مائتي جَذْرٍ2 فاضطرَّ إلى جعلها مشتركةً بين الواو والياء. ويكثر التَّداخل في النَّاقص مع النَّاقص، ثمَّ الأجوف مع الأجوف، ويقلُّ في المثال مع المثال؛ لقلّة تأثُّر المثال بعوامل الإعلال والإبدال؛ وذلك راجع لطبيعة فاء الكلمة في التّصريف العربيِّ. وقد أدرك سيبويه ذلك، وفسّره بقوله عن الواو والياء: "اعلم أنَّهنَّ لاماتٍ أشدُّ اعتلالاً وأضعف؛ لأنّهنَّ حروف إعرابٍ، وعليهنَّ يقع   1 اللِّسان 14/3. 2 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم تاج العروس 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 التّنوين والإضافة إلى نفسك بالياء والتّثنية ... وكلَّما بَعُدتا من آخر الحرف كان أقوى لهما؛ فهما عيناتٍ أقوى، وهما فاءات أقوى منهما عيناتٍ ولاماتٍ، وذلك نحو: غَزَوْتُ ورَمَيْتُ"1. وهذا يعني أنَّ الكلمة يتدرَّج ثقلها بتدرُّج حروفها. وإذا زيد على ذلك قلّة المثال المبدوء بالياء في العربيَّة عُلِمَ أنَّ التّداخل فيه يقلُّ، ويقترب من حدِّ النُّدرة. ويجدر بنا - هنا - أن نعرض لبعض الوسائل الّتي تُميَّز بها المعتلاّت، في الأجوف والناقص. أولاً: الأجوف: يعرف الحرف المعتل في الأجوف بأمور؛ منها: 1- بناء ما يصحُّ فيه المعتلُّ؛ فيظهر؛ نحو (فَعْلَة) أو هو (أفْعَلُ) من كذا. وفي ذلك قال ابن جنِّي: "واعتبار الماضي المعتلّ العينِ إذا أردتَ معرفة عينه؛ هل هي واو أو ياء أن تبني منه (فَعْلَة) أو هو (أفْعَلُ) من كذا؛ فإنَّ هذا موضع يصحُّ فيه الحرفان، ويظهران على أصولهما؛ وذلك نحو: صَاغَ صَوْغَةً وهو أصوغُ منكَ، وخَاطَ خَيْطَةً وهو أخيطُ منك"2. وهذه قاعدة لا تنخرم إلاَّ فيما شذَّ؛ كقولهم: هو أحيل منه؛ مع قولهم: هما يتحاولان، ونحو ذلك. 2- الاستدلال على عين الكلمة بالمضارع؛ نحو: بَاعَ يَبِيعُ، وقَادَ يَقُودُ، إلاَّ أنّ ذلك لا يطَّردُ اطِّراد الأوَّل3.   1 الكتاب 4/381. 2 المقتضب في اسم المفعول 24. 3 ينظر: المقتضب في اسم المفعول 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 3- يُحمل ما جُهِل اشتقاقه على الواو دون الياء؛ لأنَّ الواو أغلب على العين من الياء في عموم تصريف اللُّغة، إلاَّ أن تقوم دلالة على أنَّها من الياء1. ثانياً: الناقص: يعرف الحرف المعتل في الناقص بأمور؛ منها: 1- المضارع؛ كـ (يَدْعُو) و (يَرْمِي) . 2- الماضي المردود إلى المتكلِّم، أو المخاطب، أو الغائبين، أو الغائبات؛ كقولك: دَعَوتُ أَدْعُو ودَعَوتَ ودَعَواَ ودَعُوتُمَا ودَعَوْنَ، ورَمَيتُ أَرْمِي، ورَمَيتَ ورَمَيَا ورَمَيتُمَا ورَمَينَ. 3- المصدر؛ كـ (الدَّعْوَةِ) و (الرَّمْيَةِ) . 4- اسم المرَّة؛ كـ (الدَّعْوَةِ) الواحدة. 5- اسم الهيئة؛ كـ (المِشْيَةِ) . 6- التَّثنية؛ كقولك: عَصَا وعَصَوَانِ ورَحَى ورَحَيَانِ. 7- جمع المؤنَّث السَّالم؛ كقولك: عَصَا وعَصَوَاتٌ وفَتَى وفَتَيَات2. 8- إن كانت الفاء واواً فاللاَّم ياءٌ؛ كقولك في الفعل: وَشَيتُ، وفي الاسم: الوَجَى؛ لأنَّه ليس في كلام العرب كلمة فاؤها واوٌ ولامها واوٌ إلاَّ كلمة (واو) 3.   1 ينظر: المنصف 1/332، والخصائص 1/253. 2 ينظر: نظم الفرائد 161، والأشباه والنَّظائر 2/328. 3 ينظر: المزهر 2/79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 10- إذا جُهل الاشتقاق تحمل الألف المنقلبة عن معتلٍّ على الياء؛ لأنَّ الياء تغلب على لام الكلمة1. بِعَشْرٍ يَبِينُ القَلْبُ في الألفِ الّتِي ... عن الواوِ تَبْدُو في الأخيرِ أو اليَاءِ بِمُستَقبَلِ الفعلِ الثُّلاثِي وأمْسِهِ ... ومَصْدرهِ والفِعْلَتَينِ3 وبالْفَاءِ وعينٍ له إن كانتِ الواوُ فيهمَا ... وتثنيةٍ والجمعِ خُصَّا للاسْمَاءِ وعَاشِرها سَبْرُ الإِمَالةِ في الَّذي ... يَشِذُّ عن الأذهَانِ عُنْصُرُه النَّائي4 وقد نظم المهَلَّبِيُّ2 بعض ذلك بقوله: وتجدر الإشارة أن نشير إلى أنَّ أحرف العلَّة ينقلب بعضها إلى بعضٍ؛ وَفقَ ما يطرأ على بنية الكلمة، من تصريفٍ لعُرُوض تغييرٍ في موضع المعتلِّ، أو لمجاورته لحركةٍ لا تلائم طبيعته، ونحو ذلك في قواعد معروفة عند الصَّرفيين، ومواضعَ كثيرةٍ ليس من أهداف البحث الوقوف عليها5   1 ينظر: المقتضب في اسم المفعول 25، والمحكم 4/264. 2 هو: مهذّب الدِّين أبو المحاسن مهلب بن الحسن بن بركات المهلِّبيّ المصريّ النّحويّ اللّغويّ الأديب، عاش بين سنتي (541هـ) و (583هـ) . ومن مصادر ترجمته: إنباه الرواه3/333،334، وإشارة التعيين356، وبغية الوعاة2/204. 3 المراد بـ الفعلتين هنا اسم المرَّة واسم الهيئة؛ لمجيء أحدهما على (فَعْلَة) والآخر (فِعْلَة) . 4 ينظر: نظم الفرائد161. 5 ينظر: شرح الشافية للرضي3/66وما بعدها، ومنجد الطَّالبين82 وما بعدها، والقواعد والتَّطبيقات61وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 أ- التَّدَاخُلُ في المثال: القسمة الجامعة لتداخل المثال هي على الصُّور التّالية: 1- بين المثال والمثال. 2- بين المثال والأجوف. 3- بين المثال والنَّاقص. 4- بين المثال واللَّفيف. وفيما يلي تفصيل ذلك: أوَّلاً: التَّداخلُ بين المثال والمثال: تقدَّم أنَّ التَّداخل بين المثال والمثال أقلُّ أنواع التَّداخل في المعتلاَّت، ولذلك أسبابه1. ويؤكِّد بعضَ ما سبق ذكره إحصاءُ ما في (لسان العرب) من المثال، وبيانُ نسبة الياء إلى الواو فيه؛ فقد توصَّل البحثُ إلى أنَّ هذا المعجم يحتوي على ثمانية وعشرين وأربعمائة جَذرٍ؛ بلغ الواويُّ منها خمسةً وخمسين وثلاثمائة جَذْرٍ؛ أمَّا اليائيُّ فلم يزد عن ثلاثة وسبعين جَذراً؛ وهو ما نسبته (06ر17 %) بينما بلغت نسبة الواويِّ (94ر82 %) . ويَتَبيَّن من الإحصاء –أيضاً- خلوُّ بعض الأبواب من اليائيِّ، وهي أبواب: الدَّالِ والذَّالِ والزَّايِ والشَّينِ والغينِ. ولم يأت في بعض الأبواب إلاَّ جَذرٌ يائيٌّ واحدٌ؛ وهي أبواب: الصَّادِ والضَّادِ والطَّاءِ والظَّاءِ والفاءِ والكافِ واللاَّمِ.   1 ينظر: ص (287) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ولعلَّ من أهمِّ ما يستنتج من هذه الإحصائية تقلُّصُ الفُرَصِ لتداخل المثال مع المثال. ونأتي - فيما يلي - على طائفة من أمثلة التَّداخل بين المثال والمثال: فمنها تداخل الأصلين (ي ت ن) و (وت ن) في (اليَتْنِ) وهو الوِلادُ المنكوس؛ وذلك أن تَخْرجَ رِجْلا المولود قبل يديه ورأسه؛ وهو يحتمل الأصلين: فذهب الجوهريُّ1 والفيروزآبادي2 إلى انَّه من (ي ت ن) . وجعله ابن منظور3 من الأصلين، وتابعه الزَّبيدي4 فذكره في الموضعين. وجعل ابن خالوَيه (يَتَن) و (وَتَنَ) لغتين5 ولعلَّه رجّح ذلك لقولهم: أوتَنَتِ المرأةُ، وأيتَنَتْ. ويجوز أن يكون ذلك إبدالاً؛ لأنَّ الواو والياء من حروف الإبدال، والتعاقب بينهما كثيرٌ؛ فيكون أحدهما أصلاً والآخر فرعاً ولعلَّ اليائيَّ هو الأصل، فقد قال ابن السِّكِّيت - فيما يقال بالياء والهمزة: (ولدَتْهُ أمُّه   1 ينظر: الصحاح (يتن) 6/2219. 2 ينظر: القاموس (يتن) 1601. 3 ينظر: اللّسان (وتن) 13/442، و (يتن) 13/455. 4 ينظر: التَّاج (وتن) 9/358، و (يتن) 9/369. 5 ينظر: التَّاج (يتن) 9/370. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 يَتْناً وأتْناً) 1. وزاد القاليُّ: (وَتْناً) 2: فلعلَّ الواويَّ مبدلٌ من المهموز، والتَّبادل بين الهمزة والواو شائع في أوَّل الكلمة، وإن قلَّ في المفتوح. ويقرِّب الأصلَ اليائيَّ إجماعهم على الأصل اليائيِّ في كلِّ ما ذكروه، واختلافهم على الأصل الواويّ أو المهموز. ومن ذلك (الوَفْعُ) وهو المرتفع من الأرض؛ فهو يحتمل الأصلين (وف ع) و (ي ف ع) فقد ذكره ابن منظور في الأصلين؛ فقال في الواويّ3: "الوَفْعُ المرتفع من الأرض، وجمعه أَوْفَاع". وقال في اليائيِّ: "اليَفَاعُ: المشرف من الأرض والجبل، وقيل: هو قطعة منهما فيها غِلَظ ... وقيل: هو التَّلّ المشرف، وقيل: هو ما ارتفع من الأرض"4. والرّاجح أنّ الأصل في هذا (ي ف ع) لسببين: أحدهما: أنّ تصرّفات الكلمة بمعناها مذكورة في (اللسان) في (ي ف ع) دون (وف ع) وهو اعتراف من ابن منظور بأنّ اليائيّ هو الأصل. وثانيهما: أنّ الأئمة وضعوها في (ي ف ع) فحسب،   1 الإبدال 137. 2 ينظر: الأمالي 3/160. 3 اللسان (وفع) 8/402. 4 ينظر: اللسان (يفع) 8/414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 كالجوهري1 والصّغانيّ2 والفيرزأبادي3. ومن أمثلة التّداخل (الأيْدَح) وهو اللهو والباطل، تقول العرب: أخذتُه بأيدح، وأوْدَحَ الرّجلُ أقرّ بالباطل؛ وهو يحتمل الأصلين (ي د ح) و (ود ح) وقد ذكره ابن منظور4 فيهما معاً. ولم أقف على (ي د ح) في المعاجم التي رجعتُ إليها خلا (اللسان) . ومن ذلك (اليَسَعُ) وهو اسم نبيّ، ذكره ابن منظور في الأصلين؛ فقال في (ي س ع) : "وأمّا اسم النّبيّ فاليَسَع"5. وقال في (وس ع) : "واليَسَعُ اسم نبيّ؛ هذا إن كان عربيًّا ... وقد أُدخل عليه الألف واللاّم ... وقُرِئ {وَالْيَسَعَ} 6 و {واللّيْسَع} 7   1 ينظر: الصحاح (يفع) 3/1310. 2 ينظر: التكلمة (يفع) 4/395. 3 ينظر: القاموس (يفع) 1004. 4 ينظر: اللسان (ودح) 2/631، 632. 5 اللسان (يسع) 8/414. 6 سورة الأنعام: الآية86، وهي قراءة الجمهور. 7 وهي: قراءة حمزة والكسائي، وحجّتهما في ذلك أنّ اللّيسع أشبه بالأسماء الأعجميّة، ودخول الألف واللاّم في (اليَسَع) قبيح؛ لأنّك لا تقول (اليزيد) ولا (اليحيى) وتشديد اللاّم أشبه بالأسماء الأعجميّة. ينظر: السبعة262، والقراءات وعلل النحويين فيها1/189، وحجة القراءات259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أيضاً- بلامين1. وسبب التّداخل في ذلك أنّ (اليَسَع) على قراءة الجمهور يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون (يَفْعَل) . وثانيهما: أن يكون (فَعَلا) . فقد رُويَ عن أبي عمرو أنَّ (اليَسَع) مثل (اليَسَرِ) فهما يَسَع ويَسَر؛ فأدخلت الألف واللاّم؛ فقيل: اليَسَع مثل (اليَرْمَعِ) وهو الحجارة، و (اليَحْمَدُ) قبيلة من العرب؛ وهو فعلٌ مضارع سُمِّيَ به؛ ولا ضمير فيه؛ فعُرِّف بالألف واللاّم 2، وهي للمدح عند الفرّاء3؛ فإن كان عربيًّا فهو (يَفْعَل) لأنّه في الأصل (يَوْسِع) بكسر السّين، كما أنّ أصل (يَعِدُ) (يَوْعِدُ) ثمّ حذفت الواو؛ لوقوعها بين الياء والكسرة، ثمّ فتحت السّين من أجل حرف الحلق، ولم تردّ الواو؛ لعروض الفتحة، وقريب منه يطأ ويَقَعُ ويَدَعُ4، فيكون من (وس ع) . وإن كان أعجميًّا فلا اشتقاق له؛ ووزنه (فَعَل) على أصالة الياء5. أمّا (اللَّيْسَعُ) بلامين فوزنه (الفَيْعَل) من (ل س ع) كـ   1 اللسان (يسع) 8/393. 2 ينظر: التبيان في إعراب القرآن 1/516. 3 ينظر: معاني القرآن 1/342. 4 ينظر: التبيان 1/516. 5 ينظر: حجة القراءات 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (الصَّيْرَف) 1. وقد جزم أبو جعفر النّحّاس بأنّ (اليَسَع) اسم أعجميٌّ حين قال: "والحقّ في هذا أنّه اسم عجميّ، والعجميّة لا تؤخذ بالقياس؛ إنّما تؤدّى سماعاً"2. فعلى قول النّحّاس هو من (ي س ع) وقد أصاب ابن منظور في وضعه في هذا الأصل؛ وإن كان عربيًّا فهو من (وس ع) ولا وجه لوضعه في اليائيّ. وممن وضعه في (وس ع) الجوهري3، والفيروزابادي4، والزَّبيديّ5. ومن ذلك (الوَرَع) بمعنى: الجبان؛ سمّي بذلك لإحجامه ونكوصه، أو الصّغير الضّعيف الذي لا غناء عنده، والضّعيف في رأيه وعقله وبدنه؛ وهذا مذكور في (ور ع) من (الصحاح) 6و (اللسان) 7و (القاموس) 8. وثَمَّة أصل آخر يَرِدُ على هذه الكلمة بمعناها؛ وهو (ي ر ع) فقد   1 ينظر: حجة القراءات 259، والكشف عن وجوه القراءات 1/438. 2 إعراب القرآن 2/81. 3 ينظر: الصحاح (وسع) 3/1298. 4 ينظر: القاموس (وسع) 996. 5 ينظر: التاج (وسع) 5/542. 6 ينظر: 3/1296. 7 ينظر: 8/388. 8 ينظر: 995. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 قال الزَّبيديّ: "اليَرَاع: الجبان الذي لا فؤاد له؛ قال ربيعة بن مقروم الضَّبّي: شَهِدتُ طِرَادَهَا فَصَبَرتُ فيها ... إذَا مَا هَلَّلَ النَّكْسُ اليَرَاعُ1 ... واليَرَاعُ: الرّجل الضّعيف، ومن لا رأي له ولا عقل"2. وقريب منه ما جاء في (الصحاح) 3و (اللسان) 4و (القاموس) 5. وأراه من (ور ع) لكثرة تصرّفه في هذا الأصل، وكثرة معانيه؛ وهي قريبة من معناه المذكور آنفاً، ومنها: التَّحَرُّج، والكفُّ عن القبيح أو الحرام، والمنع، والاحتشام، وضعف العقل وقلّة المال، وحبس الدَّابّة باللّجام، أو ردّها عن الحوض؛ فالجبان الضّعيف الذي لا فؤاد له ولا عقل هو من تلك المعاني.   1 ينظر: المفضليات 187، والاختيارين574، وشرح اختيارات المفضّل2/854. 2 التاج (يرع) 5/564،565. 3 ينظر: (يرع) 3/1310. 4 ينظر: (يرع) 8/413. 5 ينظر: (يرع) 1004. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ثانياً- التَّداخُلُ بين المثَالِ والأجْوَفِ: ومن صور تداخل المعتلاّت ما يقع منه بين المثال والأجوف؛ غير أنَّه قليل الحدوث - أيضاً- لطبيعة المثال؛ كما تقدَّم. ومن أمثلة هذا النّوع (السِّيمَا) في قوله عزَّ وجلَّ: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} 1 و {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} 2 و {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} 3. ويتداخل - في هذه الكلمة - أصلان؛ هما (وس م) و (س وم) فوزن (السِّيمَا) على الأصل الأوَّل (عِفْلا) 4 على القلب، وعلى الثَّاني (فِعْلا) . وتفصيل ذلك أنَّ الظَّاهر أن تكون (السِّيمَا) مشتقَّةً من الوَسْمِ؛ وهو العلامة؛ فيكون أصلها (وِسْمَى) قُدِّمت العين على الفاء؛ فصار (سِوْمَى) 5، فقلبت الواوُ ياءً؛ لوقوعها ساكنة غير مشدَّدة بعد كسرة؛ كقولهم في مِوْزَانٍ ومِوْعَادٍ ومِوْقَاتٍ: مِيزَانٌ ومِيْعَادٌ ومِيْقَاتٌ "وإنَّما   1 سورة البقرة: الآية 273. 2 سورة الفتح: الآية 29. 3 سورة الرحمن: الآية 41. 4 ينظر: الدُّر المصون 2/622. 5 ينظر: المجموع المغيث 3/414، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 قلبوا الواوَ ياءً؛ إذا سُكِّنت وانكسرَ ما قبلها، تشبيهاً بالألف من حيث إنَّ الواو والياء متى سُكِّنتا وكان قبلهما حركة من جنسيهما كانتا مدَّتين كالألف؛ فكما أنَّ الألف منقلبة إذا انكسر ما قبلها أو انضمَّ؛ نحو: ضُوَيْرِبٍ ومَفَاتِيحَ؛ فكذلك انقلبت الواو والياء إذا أشبهتاها"1. وجاء في (اللّسان) : "قولهم: عليه سِيمَا حسنةٌ؛ معناه: علامةٌ؛ وهي مأخوذة من: وَسَمْتُ أَسِمُ ... والأصل في: سِيمَا، وِسْمَى؛ فحُوِّلت الواوُ من موضع الفاء؛ فوُضعت في موضع العين؛ كما قالوا: ما أَطْيَبَه وأَيْطَبَه؛ فصار سِوْمَى"2. ويقال فيها: السِّيمَا والسِّيماءُ، بالقصر والمدِّ، ويجوز في رسم المقصورة: سِيمَا وسِيمَى3. وقيل: إنَّ السِّيمَا من (السَّومِ) فيكون وزنها (فِعْلا) والأصل (سِوْمَا) حدث فيها ما ذُكر آنفاً؛ لسكون الواو وكسر ما قبلها. واختار الدّكتور أحمد الخرَّاط هذا القول ورجّحه "لأنَّ السُّومةَ: العلامةُ؛ ولا يقال بالقلب إذا تبيَّن النُّطق بالأصل "4 وهو يرى أنّ الوَسْمَ بمعناه مقلوب من السَّوْمِ؛ ولم يقل بذلك أحد -فيما أعلم- وهو خلاف   1 شرح الملُّوكي، لابن يعيش 242،243. 2 اللّسان (سوم) 12/312. 3 ينظر: الممدود والمقصور، لابن السِّكّيت68، واللّسان (سوم) 12/312. 4 معجم مفردات الإبدال والإعلال 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مذهب الجمهور1 فالوسم بمعناه أصلٌ مستقلٌّ متصرِّفٌ؛ ألا تراهم قالوا في (وسم) : الوَسْمُ أَثَرُ الكيِّ، ووَسَمَه وَسْماً وسِمَةً؛ إذا أثَّرَ فيه بِسِمَةٍ وكَيٍّ، واتَّسَمَ الرَّجلُ؛ إذا جعل لنفسه سمةً يُعرفُ بها، وأصله (اوْتَسَمَ) على (افْتَعَل) والسِّمَةُ والوِسَامُ: ما وُسِمَ به البعيرُ من ضُروبِ الصُّور، والوَسْمِيُّ: مطرُ أوَّل الرَّبيع؛ سمِّيَ بذلك لأنَّه يَسِمُ الأرضَ بالنَّبات، ويقال: تَوَسَّمْتُ في فلانٍ خيراً؛ أي: رأيتُ فيه أثراً منه، والوَسَامةُ: أثرُ الحُسْنِ، ونحو ذلك؛ ممَّا يدلُّ على أصالة (وس م) فالسِّيمَا إذن (عِفْلا) وليست (فِعْلا) والله أعلم. ومن تداخل المثال والأجوف ما وقع بين الأصلين في (الطَّادِي) وهو الثَّابت؛ قال القَطَامِيُّ: ما اعْتَادَ حُبُّ سُلَيْمَى حينَ مُعْتَاد ولاَ تَقَضَّىَ بواقِي دَينِهَا الطَّادِي2 فهذا مذكور في (اللّسان) في موضعين (ط ود) 3 و (وط د) 4. وواضحٌ أنَّ سبب التَّداخل في هذه الكلمة: القلب الواقع فيها؛ فوزنُ (الطَّادِي) (العَالِفُ) كـ (الحَادِي) وهو من: وَطَدَ يَطِدُ، ووَطَّدَ اللهُ مُلكَه،   1 ينظر: المجموع المغيث3/414، واللسان (سوم) 12/312، والنّهر المادّ2/329، والدّرّ المصون2/622، والتّاج (سوم) 8/350. 2 ديوانه87. وينظر: الخصائص2/78، واللسان (طود) 3/720، و (وطد) 3/461. 3 ينظر: اللسان (طود) 3/270. 4 ينظر: اللسان (وطد) 3 /461. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 إذا ثبَّته. قال أبوعبيدٍ معقِّباً على بيت القَطَاميِّ: "يراد به الواطد؛ فأخَّر الواو؛ وقلبها ألفاً "1. ومعنى الثَّباتِ في (وطد) موجود –أيضاً- في (ط ود) يقال: طادَ إذا ثبتَ، والطَّودُ: الجبل العظيم، وجمعه: أَطْوَادٌ2. ومن هنا كان تعيين الأصل منهما أمراً صعباً؛ فليس أحدهما بأولى من الآخر، ويجوز أن يكون كلٌّ منهما أصلاً مستقلاًّ برأسه؛ فيُدْرَجَا في باب التَّرادف. ومن ذلك تداخل (ي ت أ) و (ت ي ت) في قولهم: رجلٌ (تَيْتَاءُ) وهو الّذي يقضي شهوته قبل أن يفْضِي إلى امْرأته، أو يُحْدِثُ؛ ويسمَّى العِذْيَوْطَ؛ وقد اختلفوا في أصله: فذهب فريق إلى أنَّه من (ت ي ت) ووزنه (فَعْلاء) . وممن رأى هذا الرأي: ابن منظور3، وابن الطَّيِّب الفاسيُّ، الّذي قال -بعد أن ذكر معناه: (فظهر بهذا أنَّ مادَّته (ت ي ت) فيكون وزنه (فَعْلاء) 4.   1 اللسان (وطد) 3/461. 2 ينظر: التهذيب14/4. 3 ينظر: اللسان (تيت) 2/18. 4 التَّاج (تيت) 1/533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وذهب فريق إلى أنَّه من (ي ت أ) وفيه المعَرِّيُّ1وأبو حَيَّان2؛ إذ جعله من الأمثلة الَّتي زِيدت في أوَّلها التَّاء. ويكون وزنه - حينئذٍ (تَفْعَالاً) كما نقل الزَّبِيديُّ3. ويجوز في الكلمة أصلٌ ثالثٌ غير ما تقدَّم؛ فقد ذهب رَضِيُّ الدِّين الشَّاطِبِيُّ4 - فيما حكاه الزَّبِيديُّ 5 - أنَّها (تِفْعَال) من (التَّأَتِّي) أي: يتأتَّى له الماء قبل الجماع. فيكون أصلها على هذا الاشتقاق (أت ي) ويقَرِّبُ ذلك قولهم: (تِئْتَاء) بالهمز؛ فلعلَّ قولَهم: (تِيْتَاء) مخفَّفٌ منه. ونُقِل عن ابن القطَّاع أنَّه كان يرى أنَّ (تِيْتَاء) على بناء (فِعَّال) قال: "وأمَّا (فِعَّال) فيكون اسماً موضوعاً نحو قِثَّاء وحِنَّاء، ويكون نعتاً؛ نحو رجلٌ تِيتَاء للعِذْيَوطِ "6.   1 ينظر: ثلاث رسائل في اللّغة (ما جاء على وزن تفعال) 8. 2 ينظر: الارتشاف1/104، وفيه أنَّه (تيتأ) وفي المخطوط (34) (تِيتَاء) على الصواب. 3 ينظر: التّاج (تيت) 1/533. 4 هو محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشّاطبي البلنسيُّ، مقرئ لغوي، أخذ عنه أبو حيَّان الأندلسيُّ وجمال الدِّين المزِّي؛ كانت وفاته بالقاهرة (سنة684هـ) . من مصادر ترجمته: الوافي بالوفيات4/190، وشذرات الذهب5/389، وكشف الظنون2/1072. 5 ينظر: التَّاج (تيت) 1/533. 6 ينظر: التَّاج (تيت) 1/533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ولا وجه لما ذهب إليه؛ إلاَّ أن يكون أراد أنَّ الياء جيء بها لفكِّ الإدغام، كأن يكون الأصل (تِتَّاء) فخُفِّفَ بقلب التَّاء الأولى ياءً، كما قالوا في دِنَّارٍ: دِينَارٌ. وإن لم يكن الأمر كذلك فإنَّ صواب الوزن على تقدير أصالة التَّاء الأولى والهمزةِ (فِيعَال) من (ت ت أ) أو (فِعْتَال) من (ت ي أ) . والأوَّل أقرب؛ لأنَّ زيادة الياء في هذا الموضع أكثر من زيادة التّاء حَشْواً في غير (الافْتِعَال) . ومن أمثلة التّداخل: تداخل (ول هـ) و (ل ي هـ) أو (ل وهـ) في لفظ الجلالة (الله) وقد اختلفوا في أصله واشتقاقه اختلافاً بيِّناً1: فمنهم من جعل الأصل (ول هـ) 2 من الوَلَهِ، وهو الحَيْرَةُ؛ فالخلق يَوْلَهُونَ إليه في حوائجهم، ويضرعون إليه فيما يصيبهم، ويفزعون إليه في كلِّ ما ينوبهم؛ كما يَوله كُلُّ طفلٍ إلى أمِّه؛ قال عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} 3 وكان القياس أن يقال: (مَوْلُوهٌ) كما قالوا: مَعْبُود؛ إلاَّ أنَّهم خالفوا به ذلك البناء؛ ليكون اسماً عَلماً؛ فقالوا:   1 ينظر: العين1/90، والكتاب2/195، 3/498، وتفسير أسماء الله الحسنى25، والزِّينة2/13، والمخصّص17/134، وأمالي ابن الشّجري2/14، والبيان في غريب إعراب القرآن1/32، والجامع لأحكام القرآن 1/102، وبصائر ذوي التَّمييز2/12، وعناية القاضي7/333، وموطئة الفصيح5ب،6أ. 2 ينظر: مقاييس اللّغة6/140، ونتائج الأفكار52، واللّسان (أله) 13/468. 3 سورة النّحل: الآية53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 إِلَه كما قالوا للمكتوب كِتَابٌ، وللمحسوب حِسَابٌ1. وأصل (إِلَهٍ) (وِلاَهٌ) فقلبت الواو همزةً لانكسارها؛ فقيل (إِلَهٌ) كما قيل في وِعَاءٍ: إِعَاءٌ، وفي وِشَاحٍ: إِشَاحٌ، ثمَّ أُدخلت عليه الألف واللاَّم؛ فقالوا (الإِلَهُ) - بمدّ اللام - فنقلوا حركة الهمزة إلى اللاَّم، ثمَّ حذفت الهمزة وسُكِّنت اللاَّمُ للإدغام، فقالوا: اللَّه. أو أنَّهم حذفوا الهمزة تخفيفاً فعُوِّضَ منها (أل) التَّعريف؛ فاجتمع لامان؛ فأدغمت الأولى في الثَّانية. وقريبٌ من ذلك صنيعهم في (النَّاس) على مذهبٍ2، فأصله (أُنَاس) فأدخلوا الألف واللاَّم؛ فقالوا: (الأُنَاس) ثمَّ حذفوا الهمزة تخفيفاً؛ فقالوا (النَّاسُ) . والألف واللاَّمُ في (اللَّهِ) عوضٌ- عند بعضهم3 - من الهمزة المحذوفة، ودليل ذلك استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الدَّاخلة على لام التَّعريف في القَسَمِ والنِّداء؛ كقولهم (أَفَأَ للَّه لَتَفعَلَنَّ) و (يا أَللَّه اغْفِرْلِي) . ويكون وزن لفظ الجلالة على ما تقدَّم (العَال) . ومن ذهب إلى أنَّه مِن (أل هـ) 4 كان عنده مشتقّاً من (أَلَهَ)   1 ينظر: سفر السَّعادة 1/10،11. 2 ينظر: سفر السَّعادة 1/5. 3سفر السَّعادة 1/6. 4 ينظر: الكتاب 2/195، وعناية القاضي 1/55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الرَّجلُ يَألَهُ إليه بمعنى: عَبَدَ، أو أَلِهَ بمعنى: تَحَيَّرَ، أو فَزِعَ، أو بمعنى: أَلِهْتُ إلى فلانٍ؛ أي: سكنْتُ إليه؛ فليس ببعيد أن تكون الهمزة -أيضاً- بدلاً من الواو؛ فيعود إلى (ول هـ) . والوزن: (العَال) أيضاً. وذهب بعضهم1 إلى أنَّ أصله (ل ي هـ) من (لاَهَ) على زنة فَعَلَ –يليه لَيْهاً؛ إذا احتجب وتستَّرَ. أو من (ل وهـ) من (لاَهَ) يَلُوهُ؛ إذا ارتفعَ؛ وقد كانت العرب تقول لكلّ شيء مرتفعٍ: لاَهٌ؛ يقولون إذا طلعت الشَّمس: لاَهَتْ، ثمَّ دَخَلَتِ الألفُ واللاَّم تعظيماً؛ وفُخِّمَت اللاَّم الأولى. قال الأعشى: كَحَلْفَةٍ مِنْ أبي رِيَاحٍ ... يَسْمَعُهَا لاَهُهُ الكُبَارُ2 وأبو رياحٍ هو النَّبيُّ صالح - عليه السلام -. وقال ذو الإصبع العَدْوَانِيُّ: لاَهِ ابْنُ عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي، ولا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي3 يريد: للَّه ابن عمِّك؛ فحَذَفَ لامَ التَّعريف؛ على قول جماعةٍ من   1 ينظر: الكتاب 3/3/498، واشتقاق أسماء الله27، والبارع108، والصِّحاح (ليه) 6/2248، والجامع لأحكام القرآن1/103. 2 ينظر: ديوانه 333. 3 ينظر: المفضليات160، وإصلاح المنطق373، ومجالس العلماء57، والزَّينة2/14، واشتقاق أسماء الله27، والبارع108، والأزهية290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 العلماء1. فيكون وزن لفظ الجلالة على هذا الاشتقاق (الفَعَل) أو (الفَعِل) على تقدير تحرُّك العين، أو (الفَعْل) على تقدير سكونها. وثَمَّةَ من قال: إنَّه غير مشتقٍّ؛ وذهب إلى هذا المازِنيُّ2، والزَّجَّاج3، والسُّهيليُّ4 الّذي أشار إلى أنَّ الألف واللاَّم هي من الكلمة نفسها، ثمَّ وصلت الهمزة لكثرة الاستعمال، وكان يستدلُّ على أصالتها بقطعها في قولهم: (يا أَللَّه) . ويدلُّ على أنَّه غير مشتقٍّ - عنده - أنَّه سبق الأشياء الّتي زعموا أنَّه مشتقٌّ منها؛ قال: "لا نقول: إنَّ اللَّفظ قديم، ولكنَّه متقدِّمٌ على كلِّ لفظٍ وعبارةٍ، ويشهد بصحة ذلك قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 5 فهذا نصٌّ في عدم المسمَّى، وتنبيه على عدم المادَّة المأخوذ منها الاسم"6. ثالثاً- التَّدَاخُلُ بين المِثَالِ والنَّاقِصِ: ومن صُور التَّداخل في المعتلاَّت تداخل المثال مع النَّاقص؛ وهو   1 ينظر: الكتاب3/498، واشتقاق أسماء الله 27،28. 2 ينظر: مجالس العلماء56، واشتقاق أسماء الله 28. 3 ينظر: تفسير أسماء الله الحسنى 25. 4 ينظر: نتائج الفكر 51، 52. 5 سورة مريم: الآية 65. 6 نتائج الفكر 51، 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 - أيضاً - قليل الحدوث؛ لما تقدَّم من حال المثال في اللُّغة العربيَّة. ومن هذا النَّوع تداخل (وس م) مع (س م و) في (أَسْمَاءَ) اسمِ امرأةٍ؛ فهي تحتمل أن يكون وزنها (أَفعالاً) أو (فعلاء) وقد اختلفوا في ذلك: فمن ذهب إلى أنَّها (أفعال) جعلها جمعَ (اسمٍ) من السُمُوِّ؛ فتكون سمِّيتْ بالجمع؛ و"قد اختصَّ به النِّساء؛ حتَّى كأن لم يكن جمعاً قطُّ"1. وإنَّما امتنع من الصَّرف للتأنيث والتَّعريف 2. وإذا سمِّي به الرِّجال جاز الوجهان؛ والأجود عند المبرِّد3 الصَّرف؛ لأنَّه - عنده - من الأعلام المذكَّرة الَّتي غلبت تسمية المؤنَّث بها؛ فلحق بباب (سُعَادَ) و (زَينَبَ) 4. وممَّن قال بهذا؛ أعني (أَفْعَال) الأعلم الشَّنتَمَرِيُّ في ردِّه على سيبويه5 لجعله أسْمَاءَ (فَعْلاء) بقوله: "ولا نعرف في الكلام اسماً بهذا التأليف؛ فتكون أسْمَاءُ (فَعْلاَء) منه، والظَّاهر أنَّ أسمَاءَ (أَفْعَال) على أنَّه   1 المقتضب 3/365. 2 ينظر: شرح المفصل، لابن يعيش10/14. 3 ينظر: المقتضب3/365. 4 ينظر: المبهج185. 5 ينظر: الكتاب2/256،257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 جمع اسمٍ؛ فسمِّيَ به"1. ومنهم الجوهريُّ2إذ ذكرها في (سمو) . والصَّغانيُّ3 إذ نصَّ على أنَّها (أَفْعَال) وأنَّهم شبَّهوها بـ (فَعْلاء) لكثرة التَّسمية. وذهب فريق من العلماء4وعلى رأسهم سيبويه إلى أنَّ (أسْمَاءَ) (فَعْلاَء) من (الوَسَامَةِ) وهو الحُسن؛ كقولهم: فلان وسيم الوجه؛ أي: ذو وَسامةٍ؛ فالأصل (وَسْمَاءُ) فأُبدلت الواو همزةً استثقالاً؛ كما قالوا: امرأةٌ أنَاةٌ من: الوَنَى، وقالوا: أحدٌ، والأصل (وَحَدٌ) . وعلى هذا لا ينصرف (أسْمَاءُ) في المعرفة ولا في النَّكرة. وممَّن جعلها (فَعْلاء) غير سيبويه: ابن السّراج5 وابن جنّي6 والرَّضيّ7 وابْن مَنْظُور8 إذ ذكرها في (وس م) وكذلك   1 تحصيل ماء عين الذّهب79ب. 2 ينظر: الصحاح (سمو) 6/2383. 3 ينظر: التكملة (سمو) 6/440. 4 ينظر: شرح المفصل’ لابن يعيش10/14، والمبهج184، وشرح الشافية للرّضي3/79، وشرح الشافية للرّكن الاستراباذيّ 126ب. 5 ينظر: الأصول2/86. 6 ينظر: المبهج186،وسرّ الصناعة1/92. 7 ينظر: شرح الشافية3/79. 8 ينظر: اللسان (وسم) 12/637،638. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الفيروزاباديّ1 والزَّبِيدي2. وأرى الحقَّ في جانب سيبويه، ومن نحى نحوه في أنّها من: الوَسَامَةِ، لسببين: أحدهما: أنَّ التَّسمية بالصِّفة أكثر من التَّسمية بالجمع3. والآخر: أنَّ جعلها من الوَسَامَةِ –وهو: الحُسن-أقرب في تسمية النّساء من معنى جمع (اسمٍ) 4. وعلى هذا يكون الأصل (وس م) لا (س م و) . ومن صور التّداخل بين المثال والنَّاقص أنَّ (ظُبَةً) وهي: حدُّ السَّيف والسِّنان والنَّصْلِ تحتمل الأصلين (وظ ب) و (ظ ب و) . وكان ابن جنّي5 يرى أنَّه من (ظ ب و) وأنَّه لا يجوز أن يكون المحذوف منه فاءً؛ لأنَّ الفاء لم يطّرد حذفها إلاَّ في مصادر المثال الواويِّ؛ نحو (عِدَةٍ) و (زِنَةٍ) و (جِدَةٍ) . وليست (ظُبَةٌ) من ذلك؛ فأوّلها مضموم، وأوائل تلك المصادر مكسورة، ولم يطّرد حذف الواو فاءً من (فُعْلَة) إلاَّ في (الصُّلَةِ) بالضَّمِّ   1 ينظر: القاموس (وسم) 1506. 2 ينظر: التَّاج (وسم) 9/93. 3 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ3/79. 4 ينظر: المبهج186. 5 ينظر: سرّ الصناعة 2/630،604. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 - وهي من (الصَّلَةِ) ولا نظير له. وذكر أنَّه لا يجوز أن يكون المحذوف من (ظُبَةٍ) العينَ؛ لأنَّ ذلك لم يأت إلاَّ في (سَهٍ) و (مُذ) وهما كلمتان نادرتان لا يقاس عليهما. وممَّا يدلُّ على أنَّها من (ظ ب و) قولهم في جمعها: (ظُباً) فاللاَّم –كما ترى- هي المعتلّة؛ كـ (لُغَةٍ) و (لُغًى) . وكان ابن سيده1يقول بقول ابن جنّي؛ لمَّا رأى قوّة مذهبه فيه. وإن صحَّ ما ذهب إليه ابن جنّي وابن سيده فإنَّه لا تداخل في كلمة (ظبة) . ومن أمثلة هذا الباب: تداخل (وري) و (ت ري) في (التَّريَّةِ) وهي اسم ما تراه الحائض عند الاغتسال، وهو الشّيء الخفيّ اليسير، وفيها رأيان: الأوَّل: مذهب أبي عليّ الفارسيّ2؛وهو أنَّ وزنها (فَعِيلَة) إمَّا من (وَرَى) كأنَّ الحيض وأرَى بها عن منظرِهِ العينَ، أو من (وَرَى) 3 الزَّندُ إذا أخرج النَّار؛ كأنَّ الطُّهر أخرجها وأظهرها بعد ما كان أخفاها الحيض.   1 ينظر: اللسان (ظبا) 15/22. 2 ينظر: اللسان (وري) 15/390. 3 يقال: وَرَى الزند إذا أخرج النّار، ووَرِيَ إذا صار وارياً، وقيل: وَرَى ووَرِيَ بمعنى واحد؛ أي: اتَّقد. ينظر: اللسان (وري) 15/388،390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الثَّاني: ما ذهب إليه الأزهريّ1 وهو أنَّ الأصل (ت ر ي) ووزنها (فَعِيلة) أيضاً. وتحتمل (التَّرِيَّة) أصلاً ثالثاً؛ فقد ذهب ابن سيده2 إلى أنَّها من الرُّؤية، والتَّاء الأولى زائدة؛ فالأصل - حينئذٍ (رأي) وهو مذهب قويٌّ، فكأنَّها (تَرْئِيَةٌ) على زِنَةِ (تَفْعِلَة) من رأى، ثمَّ قلبت الهمزة ياءً، فقالوا: (تَرْيِيَة) فسكِّنت الياء الأولى للإدغام وحرِّكت الرَّاء لالتقاء السَّاكنين، أو نقلت حركة الياء - وهي الكسرة - إلى الرَّاء، وسكِّنت الياء الأولى، ثمَّ أدغمت في الياء الثَّانية.   1 ينظر: التَّهذيب (ترى) 14/309. 2 ينظر: اللسان (ترى) 14/101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 رابعاً- التَّدَاخُلُ بين المثالِ واللَّفِيفِ: ثَمَّةَ تداخل بين المثال واللَّفيف، غير أنَّه قليل؛ لما تقدَّم من طبيعة المثال. ومنه تداخل (وأل) و (وول) في (الأوَّل) نقيض الآخِرِ؛ وقد اختلفوا فيه: فذهب البصريّون1 - وعلى رأسهم سيبويه -2إلى أنَّ أصله (وول) وهو (أَفْعَل) وأصله (أَوْوَل) واستدلّوا باتّصال (مِنْ) به؛ على حدِّ اتّصالها بأَفْعَل التَّفضيل؛ لقولهم: ما لقيتكَ مذ أوَّلَ من أمسِ؛ فجرى هذا مجرى قولهم: هو أعلم من عمرٍو، وزيد أطول من بكرٍ. ودلَّ على ذلك - أيضاً - قولهم في التَّأنيث: الأولى؛ فهو بمنزلة (الأَفْضَلِ) و (الفُضْلَى) فالأُولى (فُعْلَى) وهي في الأصل (وُوْلَى) فأُبدلت الواو همزةً. ويدلّ على ذلك - أيضاً - ترك الصَّرف3وأفعلُ ممّا لا ينصرف. وبحثوا عن فعله؛ فلم يجدوه؛ فقالوا: لا يتصرَّف منه فعل "لأنَّ فاءه وعينه واوان، فلو قالوا فيه: (فَعَلَ يَفْعَلُ) لحدث هناك شيئان يتدافعان؛   1 ينظر: الكتاب 3/195، والأصول 3/339، والشّيرازيات 2أ، والمنصف2/201، وسر الصناعة 2/600، والتبيان 1/57،58، وشرح الشافية للرضي 2/340. 2 ينظر: الكتاب 3/195. 3 ينظر: المنصف 2/201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وذلك أنَّ (فَعَل) إذا كانت فاؤه واواً، فالمضارع منه إنَّما يجيء على (يَفْعِل) نحو: وَعَدَ يَعِدُ، وعين الفعل إذا كانت واواً؛ فالمضارع من: فَعَلَ، أبداً مضموم العين؛ نحو: قَالَ يَقُولُ؛ فكان يجب أن تكون العين من (يَفْعَل) مضمومةً مكسورةً في حال؛ وهذا متنافٍ؛ مع ما ينضاف إليه من ثقل الواوين"1. ولا يُردُّ على أصحاب هذا الرَّأي بأنَّ فيه اجتماع المثلين في أوَّل الكلمة؛ لأنَّه قد جاء عن العرب (ددن) ونحوه؛ كما مرَّ2. ولا يردُّ عليهم - أيضاً - بقولهم في جمعه (أوائل) بالهمز- كأنَّ العين همزة؛ لأنَّه في الأصل (أواوِل) فلمَّا اكتنف الألفَ واوان، ووليت الآخرةُ منهما الطَّرفَ، ضعفتْ، وانضاف ذلك إلى ثقل الجمع قلبت الأخيرة منهما همزة3. وذهب الكوفيّون، وعلى رأسهم الفرّاء4 إلى أنَّ أصله (وأل) من (وَأَلَ يَئِلُ) إذا نجا؛ لأنَّ النّجاة في السَّبق، فقلبت الهمزة في موضع الفاء، أو هو من (وول) فـ (أَوَّل) عندهم (فَوْعَل) وأصلها (أَوْألْ) ثمَّ خفِّفت   1 المنصف2/201،202. 2 ينظر: ص (101) من هذا البحث، والأصول 3/340، والشيرازيات2/ب. 3 ينظر: الأصول 3/340، وسر الصناعة 2/600. 4 ينظر: المنصف 2/202، والتبيان 1/58، وشرح الشافية للرضي 2/340، وشرح الكافية له 2/218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الهمزة بأن أبدلت واواً؛ فصارت (أوْوَل) فأدغمت الأولى في الثَّانية؛ فقالوا: (أوَّل) . ويَرِدُ عليهم أمران: أحدهما: أنَّهم خالفوا القياس في تخفيف الهمزة؛ لأنَّ القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تُلقى حركتُها على السَّاكن قبلها، وتحذف1. وثانيهما: أنَّ استعمال (أوَّل) متلوّاً بـ (مِنْ) يردُّ قولهم؛ لأنَّ (فَوْعلاً) لا يستعمل بـ (مِنْ) فلا يقال: (فَوْعل) منه، ولكن يقال: (أفْعَل) منه. ويبدو- لأوَّل وهلة - أنَّ في قراءة قالون2: {وأنَّه أهْلَكَ عَادٍ لُّؤْلَى} 3 بهمز الواو؛ وهي عين الكلمة –دليلاً على أنَّ الأصل الهمز؛ كما ذهبوا إليه، كما أنَّ في قولهم: (النَّبأ) و (بَرَأَ اللَّه الخلقَ) دليلاً على أنَّ (النَّبيَّ) و (البَرِيَّةَ) أصلهما الهمز. غير أنَّ الأمر بخلاف ذلك، لأنَّ الهمز في قراءة قالون بمنزلة قول جرير: لَحَبَّ المُؤْقِدَانِ إِلَيَّ مُؤْسَىَ ... وجَعْدَةُ لو أضَاء هُمُا الوَقُودُ 4   1 ينظر: التبيان 1/58. 2 ينظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/296، والإقناع 2/775. 3 سورة النجم: الآية 50. 4 ينظر: ديوانه1/288، وهو فيه غير مهموز، وروي بالهمز في كثير من المصادر المعتمدة؛ كالمنصف 2/203، والخصائص 2/175، والكشّاف 1/43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 ألا ترى أنَّ "من العرب من يبدِّل الواو السّاكنة المضموم ما قبلها همزةً؛ فيقول: مُؤْقِنٌ ومُؤْقِدٌ؛ وليس هكذا: أَنْبَأتُ، وبَرَأ اللَّه الخلقَ؛ لأنَّ الهمزة فيهما من الكثرة بحيث لا خفاء به"1 فلذلك لا يقاس {عَادٍ لُّؤلَى} على هذا؛ لشذوذه؛ كما في هذه اللُّغة. وليس في قولهم: (أوَّلَةٌ) و (أوَّلَتَان) دليل على أنه (فَوْعَلةٌ) لأنَّ ذلك من كلام العوامِّ؛ وليس بفصيح2. وثَمَّةَ رأي ثالث؛ فقد قيل: إنَّ أصل (أوَّل) (أول) من: آلَ يؤُول3. فأصل الكلمة على هذا الرأي (أَأْوَل) ثمَّ أخِّرت الهمزة الثَّانية؛ فجعلت بعد الواو، ثمَّ عمل فيها ما عمل في الوجه السابق عند الكوفيّين؛ فوزن (أوَّل) على هذا الرأي (أعْفَل) . ولولا القلب لقيل: (أَأْوَل) وإن خُفِّف قيل: (آوَل) وهو ضعيف؛ لعدم سماعه.   1 المنصف 2/203،204. 2 ينظر: تقويم اللسان 67، وشرح الكافية للرضي 2/218. 3 ينظر: التبيان 1/58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ب- التَّدَاخلُ في الأجْوَفِ: القسمة الجامعة لتداخل الأجوف في المعتلاّت على النّحو التَّالي: 1- التَّداخل بين الأجوف والأجوف. 2- التداخل بين الأجوف والنَّاقص. 3- التداخل بين الأجوف واللّفيف. أمَّا التَّداخل بين الأجوف والمثال فقد تقدَّم ذكره في المبحث السَّابق1. أوَّلاً- التَّداخُلُ بين الأجوفِ والأجوفِ: هذا النوع من التَّداخل - في المعتلاَّت - كثير، ومعاجم القافية مليئة به؛ وهو ممَّا يصعب التَّمييز فيه بين الأصلين؛ وبخاصَّةٍ ما قلب فيه حرف العلّة ألفاً؛ وهو كثير. ولعلَّ الأجوف؛ نحو: قَالَ وبَاعَ وخَافَ مرَّ بثلاث مراحل: الأولى: ظهور الأصل المعتلّ؛ وهو (قَوَلَ) و (بَيَعَ) و (خَوِفَ) . وقد بقيت هذه المعتلات على حالها في اللُّغة الحبشيَّة2، وفي كلمات حافظت –في العربية- على صورتها القديمة؛ فلم تتطوَّر إلى المرحلة التَّالية؛ نحو: (عَوِرَ) و (هَيِفَ) و (حَوِلَ) . أمَّا الثَّانية فهي مرحلة التَّسكين للتَّخفيف؛ نحو: (قَوْلَ) و (بَيْعَ)   1 ينظر: ص (298) من هذا البحث. 2 ينظر: بحوث ومقالات في اللغة 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 و (خَوْفَ) وهي مرحلة ضروريَّة -كما يرى ابن جنّي1- للانتقال للمرحلة التَّالية؛ وهي قلب الواو أو الياء ألفاً؛ وتلك هي المرحلة الثَّالثة. ولعلَّ هذا ممَّا أكثر التَّداخل في الجوف بين الواو والياء؛ لأنَّ معرفة الأصل –وهو ما كانت عليه الكلمة الجوفاء في المرحلة الأولى- غير ميسورة في كلِّ حال؛ ولا سيَّما فيما هجر أصله، ولم يظهر في شيء من تصاريف الكلمة؛ فليس من سبيل إلى معرفته سوى التَّرجيح أو الظَّنِّ. وكذلك يخفى المعتلّ في الأجوف إذا لم تسمع كلُّ تصاريفه أو بعضها، فيخلو ممَّا يكون دليلاً على أحد الأصلين، كـ (السِّيْدِ) وهو الذئب، كما سيأتي تفصيله؛ إن شاء الله. على أنَّ ما جاء من المعتلّ بعامة، والأجوف بخاصة بالواو والياء جميعاً؛ على سبيل التَّعاقب أواللّغات، يعدّ من أشدّ المعتلاَّت خفاءً في الأصول. ومن أهمِّ ما يترتبّ على التَّداخل بين الجوف والأجوف حركة عين المضارع؛ في المعتلّ والصّحيح؛ على حدٍّ سواء؛ فإن قياس المضارع أن يكون على (يَفْعُل) 2 إن كانت العين واواً؛ نحو: صَالَ يَصُولُ، وعَالَ يَعُولُ، وبَاحَ يَبُوح، ونَاحَ يَنُوحُ، وعَادَ يَعُودُ، ونَاءَ يَنُوءُ.   1 ينظر: الخصائص 2/471، 472. 2 ينظر: تصريف الأفعال 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وقياسه أن يكون على (يَفْعِل) 1 إن كانت العين ياءً؛ نحو: بَاعَ يَبِيعُ، وبَادَ يَبِيدُ، وهَامَ يَهِيمُ، ولاَنَ يَلِينُ، وغير ذلك. ومن أمثلة التَّداخل بين الأجوف والأجوف أنَّ (جَاسُوا) في قراءة أبي السَّمَّال2 في قوله عز وجل {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} 3 قرأها (فَحَاسُوا) 4 قال أبو زيد الأنصاري: فقلت له: إنَّما هو (جَاسُوا) فقال: جَاسُوا وحَاسُوا واحد5. ويتداخل أصلان في هذه الكلمة؛ وهما (ح وس) و (ح ي س) : فذهب ابن جنّي إلى أنَّه من (ح ي س) في قوله: "وأنا أرى أنَّ حَاسُوا من: الحَيسِ؛ وهو الخلط؛ كأنَّه إذا وطئ المكان وذلَّله؛ فقد خلط بعضه ببعض"6. وقريب من ذلك قولهم: الحَوَاسَةُ؛ وهي الجماعة من النَّاس   1 ينظر: المغني في تصريف الأفعال 148. 2 هو قَعْنَب بن أبي قَعْنَب العدوي (أبو السَّمَّال) وله اختيار في القراءة شاذّ عن العامّة، وروى عنه أبو زيد الأنصاري اللّغويّ. ينظر: غاية النّهاية 2/27. 3 سورة الإسراء: الاية 5. 4 ينظر: المحتسب 2/15. 5 ينظر: المبهج 52. 6 المبهج 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 المختلطة1. وجعل ابن فارس (ح ي س) أصلاً واحداً؛ وهو الخليط 2؛ فيجوز أن يكون (حَاسُوا) منه. ويجوز أن يكون أصله (ح وس) وهو "من قولهم: حَوِسَ الرَجلُ يَحْوَسُ حَوَساً؛ إذا كان شُجاعاً؛ وهو: الأحْوَسُ؛ وذلك أنَّه إذا كان شُجاعاَ أقدم على الأمور، وتَعَجْرَفَ فيها، وتورَّدَهَا "3. وقال الجوهريُّ: "يقال: تركتُ فلاناً يَحُوسُ بني فلانٍ؛ أي يتخلُّلهم ويطلب فيهم. وإنَّه لحوَّاس عَوَّاسٌّ؛ أي طَلاَّبٌ باللّيل ... وحَاسُوا خِلال الدِّيار: مثل: جَاسُوا"4. ولهذا أرى أنَّ الاشتقاق يبيح حمل الكلمة على أحد الأصلين. ومن ذلك تداخل (أون) و (أي ن) في كلمة (الآنَ) وهو اسم يدلُّ على: الوقت الحاضر، والألف واللاَّم فيه زائدتان؛ لأنَّ الاسم معرفة بغيرهما 5، وقد بُني عليهما؛ ولم يخلعا منه. وهو يحتمل الأصلين:   1 ينظر: الصّحاح (حيس) 3/921. 2 ينظر: المقاييس 2/124. 3 المبهج 52. 4 الصِّحاح (حوس) 3/920. 5 ينظر: اللسان (اين) 13/41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 يجوز أن يكون من (أي ن) لقولهم: (آنَ أيْنُكَ) أي: حان حِينُكَ، وآنَ لكَ أن تفعل كذا يَئِينُ أيْناً، أي: حَانَ1. وأصلُ آنَ (أَيَنَ) قلبت الياء ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فأصبح تقديره (أانَ) ورسمه (آنَ) وكذلك (الآن) . ونقلَ السّيوطي: "أنَّ منهم من يرى أنَّ أصله واويّ: أَوَان، ثمّ حذفت الألف بعد الواو، وقلبت الواو ألفاً، ومنهم من يرى أنَّ الواو حذفت وبقيت الألف بعدها؛ فوقعت بعد الهمزة"2. ومن أحد هذين الأصلين (الأَوَايِنُ) اسم موضع- في قول الشّاعر: فَهَيهَاتَ نَاسٌ من أُنَاسٍ دِيَارُهُمْ دُفَاقٌ، ودَارُ الآخَرِينَ الأوَايِنُ3 قال ابن منظور: (وقد يجوز أن يكون واواً) 4 أي: أن يكون من (أون) . ومن هذا النّوع تداخل (س ي أ) و (س وأ) في (سَيَّاءٍ) من حديث (لا تُسَلِّمْ ابنَكَ سَيَّاءً) 5 وهو الّذي يبيع الأكفان، ويتمنَّى موت   1 ينظر: الصحاح (أين) 5/2076. 2 ينظر: الأشباه والنّظائر 1/98، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 41. 3 هو مالك بن خالد الخُناعي الهُذلي. ينظر: شرح أشعار الهُذليين1/444، واللّسان (أين) 13/45، وفيه ((هيهات)) بدون الفاء. 4 اللّسان (أين) 13/45. 5 ينظر: المجموع المغيث 2/159، والنّهاية في غريب الحديث 2/430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 النّاس. وهذا ذكره أصحاب الغريب في (س ي أ) 1 وكذا في (اللّسان) 2. ويجوز أن يكون من (س وأ) على أن يكون اشتقاقه من (السُّوءِ) و (المَسَاءَ ةِ) 3. وهذا أقرب؛ فليس في معاني مادّة (س ي أ) ما يجعله منها؛ وإنَّما ذُكر ثَمَّ أخذاً بظاهر اللّفظ. ومن أمثلة هذا الباب تداخل (ص وأ) و (ص ي أ) في (الصَّاءَ ةِ) وهو ما يخرج من رحم الشاة بعد الولادة من القذى؛ وهو يحتمل الأصلين: فقد ذكره الجوهريُّ4 في (ص وأ) وتابعه الصَّغانيُّ في (العُبَابِ) 5 وذكره في (التَّكملة) 6 في (ص ي أ) وهو خلاف ما ذهب إليه في (العُبَابِ) وذكره ابن منظور7في اليائيِّ.   1 ينظر: المجموع المغيث 2/159، والنّهاية 2/430. 2 ينظر: (سيأ) 1/99. 3 ينظر: المجموع المغيث 2/159، والنّهاية 2/430، واللّسان (سيأ) 1/99. 4 ينظر: الصّحاح (صوأ) 1/59. 5 ينظر: (صوأ) 79. 6 ينظر: (صيأ) 1/31. 7 ينظر: اللّسان (صيأ) 1/110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وذكره الفيروزآباديُّ في الأصلين1، وتابعه الزَّبِيديُّ2. وحمله على الأصل الواويِّ أولى؛ لأنَّ الواو أغلب على العين من الياء؛ كما تقدَّم3. ومن هذا النّوع تداخل (ف وج) و (ف ي ج) في (أفَاجَ) في قول الرَّاجز: أُهدِي خَلِيلِي نَعْجَةً هِمْلاَجَا ... مَا يَجِدُ الرَّاعِي بِهَا لَمَاجَا لا تَسْبِقُ الشَّيْخَ إذا أَفَاجَا4 والإفاجة: الإسراع والعَدو؛ وهو يحتمل الأصلين: فقد ذكرها أكثر المعجمييّن في (ف وج) 5. وخالفهم ابن فارس بقوله6: "وأمَّا أفاجَ الرَّجل؛ إذا أسرع؛ فهو من ذوات الياء؛ والفَيْجُ منه".   1 ينظر: القاموس (صوأ) و (صيأ) 57. 2 ينظر: التَّاج (صوأ) و (صيأ) 1/88، وفي هامشه أنَّ الأوَّل (صيأ) وهو سهو صوابه (صوأ) بدليل الجذر الثَّاني بعده وهو (صيا) ، وبدليل ما في القاموس. 3 ينظر: ص (258) من هذا البحث. 4 ينظر: التّنبيه والإيضاح1/216، واللّسان (فوج) 2/350. 5 ينظر: التَّهذيب11/12، والصحاح (فوج) 1/336، والتنبيه والإيضاح1/216، والقاموس (فوج) 259، والتّاج (فوج) 2/89. 6 ينظر: المقاييس 4/458. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ولعلَّ هذا ما دفع ابنَ منظور إلى ذكرها في الموضعين 1. وأراه من (ف ي ج) كما قال ابن فارس؛ وقد ذكر ابن دُريد2 أنَّ (الفَّيْج) معرَّبٌ؛ وهو: رسول السّلطان يسعى على رجليه. قال الجَواليقيُّ: "وليس بعربيٍّ صحيح؛ وهو فارسيٌّ"3 وهو عند الفَيُّوميِّ4 -أيضاً- معرٍّبٌ، وكذا في القاموس5. وقد رجّح ذلك الدّكتور ف. عبد الرحيم بقوله: "هو فارسيٌّ؛ وأصله: بيك؛ كما قال صاحب القاموس؛ وهو بالباء الفارسيّة والكاف، أو الكاف الفارسيّة، وأصل معناه الرَّاجل، ويطلق –أيضاً- على الرّسول؛ لأنّه يسعى على رجليه، ومنه (صورة12) بالسُّريانيّة، ومعناه: جُنديٌّ راجلٌ "6. فلعلّ الإفاجة من هذا؛ فيكون أصلها يائيّاً، ولا يمتنع أن تكون الإفاجة من (ف وج) وهو أصل عربيٌّ؛ وافقَ الأصلَ الأعجميَّ في معناه وقاربه في لفظه؛ فتداخلا.   1 ينظر: اللسان (فوج) و (فيج) 2/350. 2 ينظر: الجمهرة 1/490. 3 المعرب 472. 4 ينظر: المصباح 485. 5 ينظر: (فوج) 450. 6 ينظر: المعرّب 473. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ومن ذلك تداخل (س ود) و (س ي د) في (السِّيْدِ) وهو الذّئب؛ يقال: سِيْدُ رَمْلٍ، والجمع: السِّيدان، والأنثى: سِيدَة، وربّما سمّي به الأسد. وممّن رأى أنَّه من (س ود) الجوهريُّ1، والفيروزآباديّ2، والزَّبِيديّ3 الّذي ذكر أنَّه قول أكثر أئمة التَّصريف. وحمله على (س ي د) جماعة من العلماء؛ على رأسهم سيبويه4، إذ ذكر في باب تحقير ما ثانيه ياء ألفاظاً من الأسماء، منها: (بَيْت) و (شَيْخ) و (سِيْد) 5. ومنهم ابن فارس6 وابن جنّي7 الّذي ذكره في باب ما يحمل على الظَّاهر؛ وإن أمكن أن يكون المراد غيره، واستدلّ فيه برأي سيبويه؛ لأنَّ عين الفعل لا تمتنع أن تكون ياءً.   1 ينظر: الصحاح (سود) 2/492. 2 ينظر: القاموس (سود) 317. 3 ينظر: التّاج (سود) 2/385. 4 ينظر: الكتاب 3/481. 5 في طبعة الأستاذ عبد السلام هارون أنَّه ((سَيِّد)) بفتح السّين وتضعيف الياء؛ وهو سهو أو تصحيف، وكذا في طبعة بولاق (2/136) وصواب ذلك أنّه ((سِيْد)) . ينظر: الخصائص1/251، واللسان (سيد) 3/232. 6 ينظر: المقاييس3/120، والمجمل 2/480. 7 ينظر: الخصائص1/251-225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وقد أطال ابن جنّي الحديثَ في هذه المسألة وقلّب الرّأي في شتّى جوانبها، ولم يكد يترك لمعترضٍ حجَّةً يمكن أن يحتجّ بها على بطلان الياء إلاَّ ردَّ عليها. فمن ذلك انَّه توهّم اعتراضاً بأنَّه لا يُعرف في كلام العرب تركيب (س ي د) فهلاَّ حُملت الكلمة على (س ود) وهو موجود؟ فردَّ بأنَّ ذلك لا يمنع حملها على (س ي د) وإن انفردت في بابها، واستدلَّ بأنَّ سيبويه أثبت بعض النَّوادر؛ كإثباته في الكلام: فَعُلْتَ تَفْعَلُ؛ وهو: كُدْتَ تَكَادُ1؛ ولم يذكر له نظيراً، وإثباته بـ (إِنْقَحْلٍ) بابَ (إنفَعْلٍ) وإن لم يُحكَ غيره2، وإثباته بـ (سُخَاخِين) - وهو الحار (فُعَاعيلاً) ولا يعلم غيره3. وتوهّم أنَّ معترضاً قال: إنَّ كثرة وقوع عين الفعل واواً تقود إلى الحكم بأنَّه من (س ود) فردَّ بأنَّه إنَّما يحكم بذلك مع عدم الظَّاهر، فأمَّا هذا والظَّاهر معنا فلا يليق بنا العدول عنه، أمّا إذا جانبنا الظَّاهر احتجنا إلى العدول والحكم بالأليق والحملِ على الأكثر؛ وذاك إن كانت العين ألفاً مجهولةً، فحينئذٍ تحمل على أوسع البابين.   1 ينظر: الكتاب 4/40، ومعنى كاد-هنا- المقاربة، وليس الكَيْد والمكر؛ فهذا يائيٌّ. 2 ينظر: الكتاب 4/247. 3 ينظر: الكتاب 4/254. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وبكلام ابن جنّي احتجَّ ابنُ سِيده1 لوضعها في اليائيِّ. وأرى أنَّ ما احتجّا به من اليسير إضعافه، فأمَّا الظّاهر الّذي احتجّا به وأدارا القول عليه، فإنَّه لا يسلَّم به؛ فأيُّ ظاهر والسِّين مكسورة؟ فالياء في (السِّيْدِ) بمنزلة الياء في (القِيْلِ) من: القول، و (العِيْدِ) من: العَوْدَةِ. نعم يسلَّم بالظَّاهر لو كانت السِّين مفتوحة؛ وهو ما لم يرد فيها - فيما أعلم. أمَّا سيبويه فإنَّه أثبت ما أثبت من الآحاد والمفاريد؛ خلافاً لنهجه العامِّ، والنَّهجِ المأخوذ به في تقعيد الأبنية عند علماء العربيّة. ولو أُخذ بهذا المنهج لما قيل: (ليس في كلام العرب) من الأبنية إلاّ كذا، ولبطل الاستدلال بعدم النّظير. ومهما يكن من أمرٍ؛ فإنَّ اختلافهم في أصل (السِّيْدِ) دليل واضح على خفاء أصله، ممَّا مكّن التَّداخل فيه. ومن هذا النّوع تداخل (ش وش) و (ش ي ش) في (التَّشْوِيشِ) وهو: التَّخليط من قولهم: تَشَوَّشَ عليه الأمرُ؛ إذا اختلط؛ فإن كان عربياً فصيحاً 2 فإنَّه يحتمل الأصلين:   1 ينظر: اللسان (سيد) 3/232. 2 ذكر بعضهم أنّها لغة مولّدة، وقيل: إنَّها لحن، صوابه التهويش، وقد تهوّش بالهاء. ينظر: درَّة الغوّاص47، وتقويم اللسان186، وتصحيح التصحيف343، وقد أثبتها أكثر أصحاب المعاجم على أنَّها عربيّة صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 فقد ذهب الجوهريُّ1 إلى أنَّ أصله (ش ي ش) . وهو - عند الجمهور- من الأصل الواويِّ، ومنهم الصَّغانيُّ2 الّذي ردَّ على الجوهريِّ فيه، ونصَّ على أنَّ التّشويش من (ش وش) وكذلك ابن منظور3. ومنهم الفيروزآباديُّ4، والفَيُّوميُّ5، والزَّبِيديُّ6. وأرى أنَّ الكلمة واويّة؛ كما ذهب الجمهور؛ وليس للجوهريِّ دليل لوضعها في (ش ي ش) ولو كانت من ذلك لقالوا: تَشَيَّشَ؛ مثل تَخَيَّرَ. ومن هذا النّوع تداخل (ت وهـ) و (ت ي هـ) في (التُّوْهِ) من قولهم: وَقَعَ في التُّوْهِ؛ أي: الهلاكِ؛ وهو يحتمل الأصلين: فكان الخليل وسيبويه يحملانه على (ت وهـ) . قال ابن جنّي: "التُّوه لا يجوز عند الخليل وسيبويه، إلاَّ من الواو دون الياء؛ لأنَّهم لو بَنَيَا مثل: بُرُدٍ من:بِعْتُ -لقالا: بِيْعٌ، وهما يُجيزان في   1 ينظر: الصحاح (شيش) 3/1009. 2 ينظر: التّكملة (شوش) 3/485. 3 ينظر: اللسان (شوش) 6/311. 4 ينظر: القاموس (شوش) 769. 5 ينظر: المصباح 327. 6 ينظر: التاج (شوش) 4/318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 : دِيكٍ، وفَيْلٍ أن يكونا (فِعْلاً) و (فُعْلاً) ويجريان الواحد في هذا المعنى مُجرى الجميع؛ نحو: بِيْضٍ في جمع: أَبْيَضَ؛ وإنَّما هي فُعْل"1. ويمكن أن يكون (التُّوه) عند الأخفش من الأصلين الواوي واليائي؛ لأنَّه كان يقول: إنَّه لو بَنَى مثل (بُرُدٍ) من بِعْتُ لقال: بُوعٌ؛ وهو خلاف مذهب الخليل وسيبويه، وكان يبدل من الضَّمَّة كسرة في الجمع؛ نحو: بِيضٍ، أمَّا في المفرد فلا2. وقد ذكره ابن منظور في الأصلين؛ لقولهم: (التُّوهُ) و (التِّيهُ) وذكر ابن سِيده تَاهَ يَتُوهُ ويَتِيهُ تَوْهاً في (ت وهـ) وقال: "إنَّما ذكرت -هنا- يَتِيهُ، وإن كانت يائيّة اللَّفظ؛ لأنَّ يائها واو؛ بدليل قولهم: ما أَتْوَهَهُ، في ما أتْيَهَهُ"3. ويتداخل (ص وخ) و (ص ي خ) في قولهم: أَصَاخَ له؛ أي: استمع وأنصتَ لصوتٍ، ومنه حديث ساعة الجمعة: "ما من دابَّة إلاَّ وهي مُصِيخَةٌ"4 أي: مستمعة مُنصِتةٌ؛ وهو محتمل الأصلين: ذهب الجوهريُّ 5 إلى أنَّه من (ص وخ) وتابعه أبو بكر   1 المنصف 1/265. 2 ينظر: المنصف /265. 3 المحكم 4/299. 4 ينظر: المجموع المغيث 2/304، والنهاية 3/64. 5 ينظر: الصحاح (صوخ) 1/426. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الرَّازي1. وذهب الجمهور إلى انَّه من (ص ي خ) ومنهم ابن فارس 2، وأبو موسى3، وابن سِيده4، والزَّمخشري5، وابن الأثير6، وابن منظور7. ويحتمل كلام الفيروزآبادي 8 والزَّبِيديِّ 9 الأصلين بلا تحديد. وفي الحقِّ فإنَّه يحتمل الأصلين؛ وإن ذهب الجمهور إلى أنَّه من (ص ي خ) وليس في قولهم: أَصَاخَ يُصِيخُ دليل؛ لأنَّ البناء -هنا - يطلب الياءَ؛ سواء كان المعتلّ واوياً أو يائيّاً؛ لأنَّ الواو تقلب في (يُفْعِل) من (أَفْعَلَ) الأجوف ياءً لمكان الكسرة؛ فيجوز أن يكون في الأصل (يُصْوِخُ)   1 ينظر: مختار الصحاح (صوخ) 93. 2 ينظر: المقاييس (صيخ) 3/325. 3 ينظر: المجموع المغيث 2/305، وأبو موسى هو: الحافظ محمد بن عمر بن أحمد المديني الأصبهانيّ؛ صاحب التّصانيف في الحديث واللّغة وغيرهما. (توفّي سنة 581هـ) ومن مصادر ترجمته: سير أعلام النّبلاء21/152، وتذكرة الحفَّاظ4/246، وطبقات الشّافعية الكبرى6/160. 4 ينظر: المحكم5/150. 5 ينظر: أساس البلاغة263. 6 ينظر: النهاية3/64. 7 ينظر: اللّسان (صيخ) 3/35. 8 ينظر: القاموس 326. 9 ينظر: التّاج 2/267. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ثمَّ نقلت الكسرة وسُكِّنت الواو فيكون تقديره (يُصْوِخُ) فقلبت الواو ياءً، لسكونها وانكسار ما قبلها؛ فقالوا: (يُصِيخُ) ومثله (مُصِيخٌ) كما تقول: أَعَادَ يُعِيدُ؛ وهو من العَوْدَةِ. ولم يذكروا - فيما تحت يدي من مصادر - أنَّ العرب قالت: الصَّيخُ؛ ليكون دليلاً على الياء؛ لأنَّ الفعل استعمل مزيداً بالهمزة. ثانِياً- التَّداخل بين الأجوف والنَّاقِصِ: وهو نوع من أنواع التَّداخل في الأجوف؛ غير أنَّه أقلُّ وقوعاً من سابقه. فمنه تداخل الأصلين (م ي د) و (م د ي) في (المِيدَاءِ) في قولهم: مِيدَاءُ الطَّريق، وقولهم: ما أدري ما مِيدَاء هذا الأمر؛ يعني: قدره وغايته. وقد اختلفوا في أصله: فجعله بعضهم من (م ي د) على زنة (فِعْلاء) كابن سِيده1 والصَّغانيّ؛ إذا ذكره في (ميد) بقوله: "وإن كان بناء مستقلاًّ؛ فهو (فِعْلاَل) [هكذا] وهذا موضعه"2 يعني (م ي د) وقد سها - رحمه الله - في وزنه، وكذا نقله الزَّبِيديُّ 3؛ دون أن ينبِّه عليه أو يصلحه، وصواب ما ذكر الصّغانيّ أن يكون (فِعْلاء) لأنَّه من (ميد) ولا يكون على   1 ينظر: اللسان (ميد) 3/412. 2 التَّكملة (ميد) 2/346. 3 ينظر: التّاج (ميد) 2/507. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 (فِعْلاَل) إلاَّ أن يكون الأصل (م ي د أ) ولم يُرد الصّغانيّ ذلك، ومقاييس اللّغة تأباه؛ لأنَّ الياء لا تكون أصلاً في بنات الأربعة في غير المضاعف. وذكره - أيضا ً - في (م ي د) ابنُ منظور1، والفيروزآباديّ2، والزَّبِيديّ3، وكأنَّهم متردِّدون في أصله؛ لأنَّهم أعادوه في (م د ي) . وذهب بعضهم إلى أنَّه من (م د ي) على وزن (فِيعَال) ومن أوائل من رأى ذلك الأزهريّ؛ فقد قال: "وهو (فِيعَال) من المَدَى؛ كأنّه مصدر: مَادَى مِيْدَاءً؛ على لغة من يقول: فَاعَلْتُ فِيْعَالاً "4. وهو عند ابن الأعرابي (مِفْعَالاً) من: المَدَى؛ وهو الغاية5؛ ولعلّه يكون سهواً منه - رحمه الله - لأنَّ (مِفْعَالاً) لا يستقيم إن أراد اشتقاق (المِيدَاءِ) من (المَدَى) لأنَّ الميم زائدة في الوزن؛ وهي أصلية في المدى. وقد تعقّبه الأزهري بقوله: (قوله: المِيدَاء (مِفْعَال) في المَدَى غلطٌ؛ لأنَّ الميم أصليّة؛ وهو (فِيعَال) من المَدَى"6. وذهب ابن السِّكِّيت7 مذهب ابن الأعرابيّ في وزنه، ولو كان   1 ينظر: اللسان (ميد) 3/412. 2 ينظر: القاموس (ميد) 409. 3 ينظر: التاج (ميد) 2/507. 4 التهذيب 14/221. 5 ينظر: التهذيب 14/221. 6 التّهذيب 14/221. 7 ينظر: التّاج (مدى) 10/338. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 كما ذكر لكان موضعه (يدا) كما نبّه عليه شيخ الزَّبِيديّ ابن الطّيب الفاسيّ1. وأجاز الصّغانيّ أن يكون (المِيدَاء) (مِفْعَالاً) ولكن على سبيل الاعتقاب من: (أدَّاهُ كذا إلى كذا) فيكون أصله (أد ى) قال: "إن كان مِيْدَاءُ الطّريق سُمِعَ على طريق الاعتقاب لِمِئْتَائِهِ فهو مهموز (مِفْعَال) من: أدَّاه كذا إلى كذا، وموضعه أبواب المعتلّ؛ كموضع المِئْتَاءِ"2. ومن التَّداخل بين الأجوف والنّاقص ما يظهر بين كلمتي (التَّسْوِيفِ) و (السَّوَافِي) في قول الشَّاعر: هِيَ الدُّنْيَا وقَدْ نَعِمُوا بِأُخْرَى وَتَسْوِيفُ العِدَاتِ مِنَ السَّوَافِي3. التَّسويف: المطل، والسَّوافي جمع: سَافِي؛ وهي: الرِّيح الّتي تصفي التُّراب وتَذْروه. قال ابن جنّيّ: "فظاهر هذا يكاد لا يشكّ أكثر النّاس أنَّه مُجَنَّسٌ؛ وليس هو كذلك؛ وذلك أنّ تركيب تسويفٍ من (س وف) وتركيب السّوافي من (س ف ي) لكن لمّا وجد في كلّ واحدٍ من الكلمتين سينٌ وفاءٌ وواوٌ جرى في بادي السّمع مجرى الجنس الواحد "4 فتداخلا. ومن ذلك تداخل (ث وب) و (ث ب و) في (الثُّبَة) وهو: وسط   1 ينظر: التاج (مدى) 10/338. 2 التّكملة (ميد) 2/346. 3 هو: عبد السلام بن رغبان، المعروف بـ ((ديك الجن)) . ينظر: ديوانه. 121. 4 الخصائص 2/47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الحوض؛ وقد ذهبوا في أصله مذهبين: فمنهم من رأى أنَّه من (ث وب) وأقدم من وقفت له على نصٍّ في ذلك أبو إسحاق الزّجّاج؛ إذ قال: "وَثُبَةُ الحَوْضِ - وسطه حيث يثوب الماء إليه - تُصَغَّر: ثُوَيْبَةٌ؛ لأنّه محذوفةٌ منه عين الفعل"1. وفرّق بين (ثُبَةٍ) بمعنى: وسط الحوض، و (ثُبَةٍ) بمعنى: الجماعة؛ فالأخيرة عنده ناقصةٌ؛ أي: أنّ المحذوف منها اللاَّم، وتصغيرها عنده: ثُبَيَّةٌ، واشتقاقها من: ثَبَيْتُ على الرَّجل؛ إذا أثنيتَ عليه في حياته؛ أي: أنَّك جمعت محاسنه. ووافقه الجوهريّ بقوله: "الثُّبَةُ – أيضاً – وسط الحوض؛ الّذي يثوب إليه الماء، والهاء – هاهنا – عِوضٌ من الواو الذَّاهبة من وسطه؛ لأنَّ أصله ثُوبٌ؛ كما قالوا: أقام إقامةً، وأصله إقواماً؛ فعوَّضوا الهاء من الواو الذَّاهبة من عين الفعل"2. ووافقه في التَّفريق بين الكلمتين في أصلَيْهما -أيضاً - حين قال: "والثُّبَةُ: الجماعة؛ وأصلها ثُبَيٌ"3. وجمهور العلماء لا يفرِّقون بينهما في الاشتقاق؛ فهما من أصلٍ واحدٍ، والجامع بينهما التّجمّع الموجود في الجماعة، وفي وسط الحوض؛   1 معاني القرآن 2/47. 2 الصّحاح (ثبا) 6/2291. 3 الصحاح (ثبا) 6/2291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 لاجتماع الماء فيه1. واشتقّها بعضهم2 من (ثَابَ) بمعنى: عَادَ ورجع؛ وكأّن أصلها: ثَوبةٌ، ثُمَّ حُذِفَت الواو لمّا ضُمّتِ الثّاء. وذهب أكثر العلماء إلى أنّ (الثُّبَة) بمعنى: الجماعة، أو وسط الحوض من (ث ب و) وأنّ المحذوف منها لام الكلمة. ولعلّ أوّل من أشار إلى ذلك هو سيبويه؛إذ قسّم بنات الحرفين من مثيلاتها عند جمعه بالألف والتّاء قسمين: أحدهما: ردّوا إليه لامه المحذوفة؛ مثل: سَمَوات وعِضَوَات. وثانيهما: مالم تردّ له اللاّم المحذوفة، ومنه (ثُبَاتٌ) جمع: ثُبَةٍ3. ومن هؤلاء أبو عليّ الفارسيّ، وقد قاسه على الأكثر؛ وهو حذف اللاّم، وأشار إلى أنّ الحذف يقلّ في العين، ويندر في الفاء4. ولا يَرِدُ على أبي عليّ -فيما قال- نحو: (عِدَة) و (صِلَةٍ) وهما ممّا حذفت فاؤه؛ لأنّهما من مصادر بنات الواو؛ وأوّلهما مكسورٌ؛ وليس (ثُبَة) من ذلك. ويُعدّ ابن جنّيّ5 من أشدّ الراغبين في إثبات أنّ المحذوف منها اللاّم، وليس العين، وممّا استدلّ به قول الرّاجز:   1 ينظر: البغداديّات 531، وسرّ الصّناعة 2/602. 2 ينظر: اللّسان (ثوب) 1/244. 3 ينظر: الكتاب 3/598. 4 ينظر: البغداديّات 531. 5 ينظر: سرّ الصّناعة 2/601-602. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 هَلْ يَصْلُحُ السَّيْفُ بِغَيْرِ غِمْدِ ... فَثَبِّ مَا سَلَّفْتَهُ مِنْ شُكْدِ1 فمضارع قوله: (فَثَبِّ) يُثَبِّي، ومعناه: يجمّع، وهو يدلّ على أنّ اللاّم معتلّةٌ، وأنّ الثّ‍اء والباء فاءٌ وعينٌ. وأراد أن يثبت أنّ لامها المعتلّة واوٌ، وليست ياءً؛ فحملها على الأكثر في الحذف؛ للدّخول في أوسع البابين- بقوله: "الّذي ينبغي أن يقضى به في ذلك أن تكون من الواو، وأن يكون أصلها: ثُبْوَةٌ؛ وذلك أنّ أكثر ما حذفت لامه إنّما هو من الواو؛ نحو: أبٍ، وأخٍ، وغدٍ، وهنٍ، وحمٍ، وسَنَةٍ -فيمن قال: سنوات - وعِضَةٍ - فيمن قال: عِضَوَات ... فهذا أكثر ممّا حذفت لامه ياءً؛ فعليه ينبغي أن يكون العمل ... فقد ثبت أنّ أصل ثُبَةٍ: ثُبْوَةٌ "2. ومنهم ابن يعيش3 وقد استدلّ بما استدلّ به أبو عليّ وابن جنّي، وتابعهم ابن عصفورٍ4. ومن نتائج التّداخل في هذه الكلمة أنّها وضعت في بعض المعاجم كـ (الصّحاح) 5 و (اللّسان) 6 في الموضعين (ث وب) و (ث ب و) .   1 ينظر: سرّ الصّناعة 2/602، واللّسان (ثبو) 14/108، والتّاج (ثبو) 10/55، والشّكد: العطاء. 2 سرّ الصناعة 2/603. 3 ينظر: شرح الملوكيّ 2/622. 4 ينظر: الممتع 2/623. 5 ينظر: (ثوب) 1/95، و (ثبو) 6/2291. 6 ينظر: (ثوب) 1/244، و (ثبو) 14/108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ثالثاً- التَّداخل بين الأجوف واللَّفيف: وهذا النّوع الثّالث من التّداخل في الأجوف، وهو تداخلٌ بين الأجوف واللّفيف؛ وهو أكثر وقوعاً من النّوع السّابق. فمنه تداخل (م وس) و (وس ي) في (موسى) آلة الحلاقة؛ وقد اختلفوا فيه اختلافاً بيّناً: فمنهم من ذهب إلى أنّ أصلها (م وس) ووزنها (فُعْلَى) ومن هؤلاء: صاحب (العين) إذا قال: "المَوسُ: تأسيسُ اسم المُوسى، وبعضهم ينوّن مُوسًى؛ لما يلحق به"1. وإلى هذا ذهب الكسائيّ2 والفرّاء3، الّذي ذكر أنّها تؤنّث، ولا تنصرف في كلّ حالٍ؛ لكونها كالبُشرى. وتابعهم الفيّوميّ؛ وروى قولهم: "مَاسَ رأسَه مَوْساً – من باب قال: حَلَقَه، والمُوسى: آلة الحديد "4. ويؤيّد ذلك ما ذكره ابن فارسٍ بقوله: "والمَوس: حَلْقُ الرّأس"5، وهذا يؤيّد أصالة الميم في (الموسى) وأنّ أصلها (م وس) على وزن   1 العين 7/323. 2 ينظر: إصلاح المنطق 359. 3 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 2/348. 4 المصباح 585. 5 ينظر: المقاييس 5/285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (فُعْلَى) . وذكر الرّضيّ أنّ الفرّاء اشتقّها من (المَيْس) وهو التَّبَخْتُر؛ لأنّ المُزيَّن يتبختر؛ قال: وهو اشتقاقٌ بعيدٌ1. وقد قلبت الياء واواً؛لانضمام ما قبلها. ويرد على أصحاب هذا الرّاي أنّ (مُوسًى) مصروفةٌ في التّنكير. قال الجرجانيّ: "وأمّا ما ذهب إليه بعض أهل اللّغة من أنّه (فُعْلى) من مَأَسْتُ رأسه؛ فيجب له أن يدّعي منع صرفه؛ لأنّ مثال (فُعْلى) لا يكون ألفه لغير التّأنيث، وأصحابنا قد أثبتوا فيه الصّرف"2. على أنّ ما ذهب إليه الجرجانيّ من الممكن دفعه؛ فقد ذكروا أنّها تجرى ولا تجرى3: أي: تصرف ولا تصرف، وأنّها تذكّر وتؤنّث. فمن أجراها قال في التّصغير: هذه مُوَيْسِية صغيرةٌ، وقال في جمعها: المواسي؛ لأنّها (مُفْعَل) عنده. ومن لم يجرها قال في التّصغير: هذه مُوَيْسَى صغيرةٌ، وقال في جمعها: المُوْسَيَات، على حدّ قولهم: (الحُبْلَيَات) ؛ لأنّ (مُوْسَى) عنده (فُعْلَى) كحُبْلَى4.   1 ينظر: شرح الشّافية 2/348. 2 المقتصد في شرح التّكملة 2/799. 3 ينظر: المذكّر والمؤنّث للفرّاء 86، والمذكّر والمؤنث لابن التّستريّ 105. 4 ينظر: المذكّر والمؤنّث للأنباريّ 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 ويرى الأُمَويّ أنّ (المُوسَى) مذكّرٌ لا غير1، وحكى أبو عبيدٍ أنّ الأمويّ انفرد بذلك2. وشاهد التّذكير قول الرّاجز: مُوْسَى الصَّنَّاعِ مُرْهَفٌ شَبَاتُهُ3 ... وشاهد التّأنيث قول الشّاعر: وَإِنْ كَانَتِ المُوْسَى جَرَتْ فَوْقَ فَعْلِهَا ... فَمَا خُتِنَتْ إِلاَّ وَمَصَّانُ قَاعِدُ4 وذهب أكثر العلماء إلى أنّ (موسى الحلاّقة) من (وس ى) ووزنها (مُفْعَل) واشتقاقها - عندهم -من: أَوْسَيْتُ رأسه؛ إذا حَلَقْتَه. وعلى رأس هؤلاء: سيبويه5، وأبو زيدٍ الأنصاريّ؛ فيما حكى عنه الجرميّ بقوله: "سمعت أبا زيدٍ يروي عن العرب: هذه موسًى خَذِمَةٌ؛ وهي (مُفْعَل) ولو كانت الميم أصليّةً لم ينصرف؛ لأنّ (فُعْلَى) في جميع   1 ينظر: المذكّر والمؤنّث للأنباريّ 329، والصّحاح (وسى) 6/2524، والأمويّ هو: عبد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص، اللّغوي، وأخذ عن فصحاء الأعراب، وكان ثقة في نقله ومن مصادر ترجمته؛ طبقات النّحويّين واللّغويّين 193، وإنباه الرّواة 2/120، وبغية الوعاة 2/43. 2 ينظر: الغريب المصنّف 213 ب. 3 ينظر: المذكّر والمؤنّث للأنباريّ 328، والمخصّص 17/17. 4 ينظر: المذكّر والمؤنّث للأنباريّ 328، واللّسان (وسى) 15/391، وفيه: ((فوق بَظْرِها)) . 5 ينظر: الكتاب 3/213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الكلام غير مصروفةٍ في معرفةٍ ولا نكرةٍ، ونحو: حُبْلَى وأُنْثَى؛ قال: فصرف العرب يدلّ على أنّ الميم زائدة ٌ"1. وبنحو ذلك استدلّ ابن السّرّاج2. وممّن ذهب - أيضاً - إلى أنّها (مُفْعَل) ابن جنّي3، وابن القطّاع4، والرّضيّ5، وابن عقيلٍ6. والمذهبان متساويان؛ فالاشتقاق يسعفهما جميعاً؛ فكما جاء في اللّغة أنّ المَوْس: حلق الرّأس، ومنه قالوا: مَاسَ رأسه؛ أي: حلقه فإنّ في اللّغة - أيضاً - أنّ الوَسْيَ: الحلق، ومنه: أَوْسَيْت الشّيء: حلقه بالموسى. وحججهم الصّرفيّة تكاد تكون متوازنةً؛ فقد ذكروا أنّها ممّا يذكّر ويؤنّث، وينصرف ولا ينصرف. وعلى الرّغم من ذلك فثمّة ما يرجّح به أحد الأصلين؛ وهو (مُفْعَل) وذلك بالدّخول في أوسع البابين؛ وهو ما فطن إليه ابن جنّي؛ فترك أدلّتهم جانباً؛ لأنّ لكلّ دليلٍ ما يقابله؛ فقال: "اعلمْ أنّك إذا حَصَّلتَ حرفين   1 شرح أبنية الكتاب 529. 2 ينظر: الأصول 3/351. 3 ينظر: سرّ الصّناعة 1/428. 4 ينظر: الأفعال 3/335. 5 ينظر: شرح الشّافية 2/348، 347. 6 ينظر: المساعد 4/69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 أصلين في أوّلهما ميمٌ أو همزةٌ، وفي آخرهما ألفٌ – فاقض بزيادة الميم والهمزة؛ وذلك أنّا اعتبرنا اللّغة؛ فوجدنا أكثرها على ذلك؛ إلاَّ أن تجد ثبتاً تترك هذه القضيّة إليه؛ وذلك نحو موسى، وأروَى وأفعى، ومثالهما (مُفْعَل) و (أَفْعَل) وذلك أنّ (مُفْعَلاً) في الكلام أكثر من (فُعْلَى) و (أَفْعَل) أكثر من (فَعْلَى) ألا ترى أنّ زيادة الميم - أوَّلاً - أكثر من زيادة الألف رابعةً"1. وقد انفرد ابن خالويه بأصل آخر غير (م وس) و (وس ى) وهو (أس و) إذ اشتقّه من؛ الأسوة بقوله: "ويكون (مُفْعَلاً) من الأسوة؛ وهذا حرفٌ غريبٌ؛ ما استخرجه أحدٌ _ علمته _ غيري، فاعرفه؛ فإنّه حسنٌ"2. والأسوة الّتي اشتقّ منها ابن خالويه هي: القدوة، والقوم أسوةٌ في هذا الأمر؛ أي: حالهم فيه واحدةٌ، وكأنّه لَمَحَ في (المُوسَى) أنّها تساوي بين الشّعر؛ فأخذه من هذا؛ وهو أضعف ممّا تقدّم. أمّا (موسى) علَمٌ؛ وهو: موسى بن عمران - عليه السّلام - فينبغي أن تكون ميمه أصليّةً؛ لأنّه معرّبٌ، واشتقاق اسمه من الماء والشّجر؛ فـ (مو) : الماء، و (سا) : الشّجر سمِّي به لحال التّابوت   1 سرّ الصّناعة 1/428. 2 إعراب ثلاثين سورة 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 والماء1. ويجوز أن يكون من القبطيّة، كما قال الدّكتور ف. عبد الرّحيم؛ وهو مركّبٌ من (mo) بمعنى الماء، و (USE) بمعنى أنقذ، أو (mes) أو (mesu) بمعنى الطّفل والابن2. ومن التّداخل بين الأجوف واللّفيف (المِينَاء) وهو الموضع الّذي ترفأ فيه السّفن؛ أي تجمع وتربط؛ وهو من (ون ي) فهو (مِفْعَال) من الوَني وهو: الفتور؛ لأنّ الرِّيح يقلّ فيه هبوبها. غير أنّ ابن الأثير3 ذكره في (م ي ن) فكأنّه عنده (فِعْلاء) وأشار إلى أنّه قد يُقصر؛ فتكون الميم زائدةً، وتابعه في ذلك ابن منظورٍ4. وغير بعيدٍ أنّه (مِفْعَال) من (ون ي) لدلالة الاشتقاق، وقَصْرُه يُقرّبه - أيضاً - لأنّ (مِفْعَل) اسم مكان، و (الميناء) كذلك؛ فهو اسمٌ لمكانٍ تُرفأ فيه السُّفُن. ومن الأمثلة: تداخل (ل وهـ) أو (ل وت) و (ل وي) في (اللاَّت) في قوله – عزّ وجلّ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 5 وهي صنمٌ لثقيفٍ، كانوا يعبدونه في الجاهليّة، والألف واللاّم فيها زائدةٌ؛ وهي   1 ينظر: العين 7/323، والمعرّب 567، والقاموس (موس) 743. 2 ينظر: المعرّب 568 تعليق رقم 609. 3 ينظر: النّهاية (مين) 4/383. 4 ينظر: اللّسان (مين) 13/426، وذكرها -أيضاً- في (ونى) 15/416. 5 سورة النجم: الآية 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 معرفةٌ بغيرها؛ لأنّها عَلَمٌ، ودليل زيادتها لزومها إيّاها؛ كلزوم لام (الّذي) و (الآن) وبابهما1. وقيل: إنّها صفةٌ غالبةٌ؛ مثل الحارث والعبّاس؛ فلا تكون اللاّم - حينئذٍ - زائدةً زيادة لازمة2. وللعلماء في أصلها ثلاثة مذاهب: أوّلها: أن تكون من (ل وي) يقال: لويتُ على الشّيء؛ إذا أقمت عليه؛ ويدلّ على ذلك قوله -عزّ وجلّ -: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} 3، وقوله - عزّ وجلّ -: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} 4؛ فكأنّها سمّيت بذلك لإقامتهم على عبادتها، وصبرِهِم عليها5. ومنه قول الشّاعر: عَمَّرْتُكِ اللهَ الجَلِيلَ فإِنَّنِي ... أَلْوِي عَلَيْكِ لَوَ انَّ لُبَّكِ يَهْتَدِي6 وذاك أنّ الأصنام يُعكف عليها، ويُصبر للعبادة. ويجوز أن يكون اشتقاقها في هذا الأصل من (ل وى) بمعنى:   1 ينظر: اللّسان (لوى) 15/268. 2 ينظر: التّبيان 2/1187، والتصريح 1/150. 3 سورة الأعراف: الآية 138. 4 سورة ص: الآية 6. 5 ينظر: المنصف 3/132. 6 هو: عمرو بن أحمر الباهليّ؛ والشّاهد في ديوانه 60، وينظر: الكتاب 1/323، والمقتضب 2/329، وشرح أبيات سيبويه 1/156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 طاف؛ فتكون بمعنى: يَلْتَوُون عليها؛ أي: يطوفون1. والأصل في (اللاّت) على هذا الأصل (لَوَيَةٌ) ثمّ حذفت اللاّم؛ وهي الياء؛ فتحرّكت الواو، وانفتح ما قبلها؛ فصار إلى (لاتٍ) كما صار (شَوْهَةٌ) بعد حذف اللاّم إلى (شَاةٍ) 2. وعينها - عند ابن جنّي - ساكنةٌ ووزنها قبل الحذف (فَعْلَةٌ) بسكون العين، وكان الأصل (لَوْيَة) فحذفت الياء؛ فبقيت (لَوْةٌ) فانفتحت الواو لمجاورتها التّاء؛ فانقلبت ألفاً؛ فصارت إلى (لات) كما تقدّم، والتّاء للتّانيث، ووزنها بعد الحذف (فَعَة) 3. وثانيها أنّ منهم من يرى أنّ أصلها (ل وهـ) مشتقّ من (لاَهَة) وهي الحيَّة؛ كأنّ الصّنم سمِّي بها، ثمّ حذف منه الهاء؛ كما قالوا: شاةٌ، وأصلها: شَاهَةٌ 4. وقد كان الكسائيّ5 يقف عليها بالهاء "لأنّها هاءٌ؛ فصارت تاءً في الوصل "6.   1 ينظر: البحر المحيط 8/160. 2 ينظر: المقتصد في شرح التّكملة 3/1006. 3 ينظر: المنصف 3/123. 4 ينظر: المحكم 4/307. 5ينظر: معاني القرآن للفرّاء 3/97. 6 اللّسان (لوه) 13/539. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 ومن هنا وضعها الجوهريّ في (ل وهـ) 1 وتابعه في ذلك ابن منظورٍ2. وثالثها أنّه قيل: إنّ أصل (اللاّت) (ل ي ت) واشتقاقها من (اللّيت) من: لاَتَه يَلِيتُهُ؛ إذا نَقَصَه حقَّه، أو صرفه عن الشّيء؛ فالتّاء على هذا أصلٌ3. ويشيع التّداخل بين الأجوف واللّفيف في بنائين؛ هما (فَعْلاَن) و (فَعَّال) ممّا آخره نونٌ مسبوقةٌ بألفٍ قبلها حرفان؛ ثانيهما معتلٌّ مضعّفٌ؛ نحو (غَيَّان) و (حَيَّان) و (طَيَّان) و (جَيَّان) و (صَوَّان) ونحو ذلك، ومَرَدُّه أنّ التّركيب من هذه الأحرف يحتمل البنائين جميعاً. فـ (غَيَّان) اسم قبيلةٍ – يحتمل الأصلين (غ وي) و (غ ي ن) : الأقربُ أن يكون (فَعْلان) من (غ وي) ويؤيّده ما جاء في الحديث الشّريف: " أن قوماً من العرب أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "من أنتم" فقالوا: نحن بنو (غَيَّان) فقال لهم: بل أنتم بنو رَشْدان"4.   1 ينظر: الصّحاح (لوه) 6/2249. 2 ينظر: اللّسان (لوه) 13/539. 3ينظر: التّبيان 2/1188. 4 طرف من الحديث في سنن أبي داود باب في تغيير الاسم القبيح؛ من كتاب الآداب: ح4956-ج4/289، وينظر: المحتسب 1/88، والممتع 1/262، و (رَشدان) بفتح الراء وتكسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 قال ابن جنّي: "أفلا تراه – عليه السّلام- كيف تَكَرَّهَ لهم هذا الاسم؛ لأنّه جعله من الغيّ"1 فحكم بذلك بزيادة النّون؛ فهو بمنزلة ما لا تضعيف فيه؛ نحو: مَرْجَان وسَعْدان. ويمكن أن يكون على (فَعَّال) مشتقاًّ من (غ ي ن) يقال: غانت السّماء غَيْناً، وغَيَّنَتْ: إذا طَبَّقَها الغَيْمُ، والغين: السّحاب المطبِق2، من قول الشّاعر: كَأَنِّي بَيْنَ خَافِيَتَيْ عُقَابٍ ... تُرِيدُ حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ3 وهذا مقبولٌ على مذهب السّيرافيّ4 في أنّ النّون إذا وقعت آخراً بعد ألفٍ زائدةٍ؛ لا يخلو جعلها أصليّةً أن يؤدّي إلى بناءٍ موجودٍ، أو إلى بناء غير موجودٍ؛ فإن أدّى إلى بناءٍ غير موجودٍ قُضِيَ عليها بالزّيادة؛ نحو (كَرَوَان) لعدم (فَعَلاَل) وإن أدّى ذلك إلى بناءٍ موجودٍ جاز أن يحكم عليها بالأصالة؛ نحو (دِهْقَان) لوجود (فِعْلاَل) . وكذلك في (غَيَّان) فإنّ القول بأصالة النّون يؤدّي إلى بناءٍ موجودٍ؛ وهو (فَعَّال) فتُحمل عليه. والمذهب الأوّل في جعل (غَيَّان) (فَعْلاَن) من (الغَيّ) أقوى لقرب الاشتقاق؛ ولأنّ (فَعْلان) أكثر في كلام العرب من (فَعَّال) فحملها على   1 المنصف 1/134، وينظر: المحتسب 1/88، والممتع 1/262. 2 ينظر: اللّسان (غين) 13/316. 3 ينظر: معجم الشّعراء 438، والكامل 2/986، والإبدال لأبي الطّيّب 2/424. 4ينظر: الممتع 1/261. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الأكثر أولى للدّخول في أوسع البابين. ومن ذلك تداخل (ح ي ن) و (ح وي) أو (ح ي ي) في (حَيَّان) اسم رجلٍ؛ وهو يحتملها: فيجوز أن يكون على (فَعْلاَن) من: الحياة، أو من: حَوَيْتُ، وأصله على هذا (حَوْيَان) اجتمعت فيه الواو والياء، وكانت أولاهما ساكنةً، وهي الواو فقلبت ياءً، وأدغمت الياءان؛ كقولهم في طَوْيَان: طَيَّان1. ويجوز أن يكون أصله (ح ي ن) على زنة (فَعَّال) 2بأصالة النّون، واشتقاقه - حينئذٍ -من (الحَيْن) وهو الدّهر أو الهلاك. ويجوز أن يكون (فَوْعَالاً) أو (فَيْعَالاً) 3 من (الحَيْن) أيضاً. والأصل الأوّل – أعْنِي (ح وي) أقرب؛ لترك صرفه، فلو كانت النّون أصليّةً لصُرِفَ. ومن هذا النّوع (جَيَّان) عَلَمٌ لرجلٍ، فإنّ أصله يجوز أن يكون (ج ي ن) أو (ج وي) . فمن اشتقّه من (ج ي ن) فهو عنده (فَعَّال) وقد ذكره الصَّغَاني4 في (ج ي ن) وكذا فعل الفيروزاباديّ5.   1 ينظر: المبهج 72. 2 ينظر: المبهج 72. 3 المبهج 72. 4 ينظر: التّكملة (جين) 6/213. 5 ينظر: القاموس (جين) 1533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يجوز أن يكون أعجميّاً؛ فـ (جَيَّان) أيضاً قريةٌ من قرى أصفهان، وبلدٌ بالأندلس1؛ فإن صحّ هذا فالنّون أصليّةٌ. ويجوز أن يكون (فَعْلاَن) من (ج وي) وقد أجاز هذا الصّغَانيّ2. ومنه (طَيَّان) عَلَمٌ لرجلٍ؛ فإنّه يحتمل أن يكون من (ط ي ن) أو من (ط وي) : فإن كان من (ط ي ن) فاشتقاقه من (الطِّين) 3، فهو - حينئذٍ (فَعَّال) بمعنى: صانع الطِّين، وحرفته: الطِّيانة؛ كأنّه على معنى النَّسب. ويجوز أن يكون أصله (ط وي) واشتقاقه من الطّوى؛ وهو الجوع4، فهو - حينئذٍ (فَعْلاَن) وأصله (طَوْيَان) قلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء الّتي بعدها. ومن ذلك (الصَّوَّان) وهو ضربٌ من الحجارة يُقدح بها؛ فإنّ أصله يحتمل أن يكون (ص ون) أو (ص وو) : فيجوز أن يكون من (ص ون) ووزنه (فَعَّال) وأكثر العلماء على هذا، ومنهم: الأزهريّ5، وابن فارسٍ6، والجوهريّ7، وابن   1ينظر: التّكملة (جين) 6/213. 2ينظر: التكلمة (جين) 6/213. 3 ينظر: اللّسان (طين) 13/270. 4ينظر: اللسان (طوى) 15/20. 5ينظر: التّهذيب 12/242. 6ينظر: المقاييس 3/324. 7ينظر: الصّحاح (صون) 6/2153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 منظورٍ1، والفيروزاباديّ2، والزّبيديّ3. بيد أنّ حمله على هذا الأصل غير قويّ؛ لأنّه ليس في تركيب (ص ون) ما يمكن أن يشتقّ منه (الصَّوّان) وقد أومأ إلى ذلك ابن فارسٍ4، وخرّجه على أنّه شاذّ عن باب (ص ون) . ويجوز أن يكون من (ص وو) واشتقاقه من (الصُّوَّة) وهي حَجَرٌ يكون علامةً في الطّريق، والجمع: صُوًى، وصَوَّان؛ فيكون - حينئذٍ -على (فَعْلاَن) . وهذا مقبولٌ لولا اختلاف حركة الصّاد؛ فهي في (الصُّوَّة) مضمومةٌ، وفي (الصَّوَّةِ) مفتوحةٌ. ولعلّ هذا ما دعا الجماعة إلى وضعه في (ص ون) وإن كان اختلاف الحركتين – هنا – غير مانعٍ لاتّفاق البناءين في الأصل. وممّا يقوّي أن يكون من هذا الأصل أنّ (فَعْلاَناً) أكثر من (فَعَّال) . وقد أجاز الفيّوميّ الوجهين؛ بدون ترجيحٍ؛ بقوله: (وهو (فَعَّال) من وجهٍ، و (فَعْلاَن) من وجهٍ) 5.   1 ينظر: اللّسان (صون) 13/251. 2 ينظر: القاموس (صون) 1563. 3 ينظر: التّاج (صون) 9/262. 4ينظر: المقاييس 3/324. 5 المصباح 353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ج- التَّداخل في النّاقص: هذا هو النّوع الثّالث من المعتلاَّت؛ وهو النّاقص؛ والقسمة الجامعة فيه على النّحو التّالي: 1- التّداخل بين النّاقص والنّاقص. 2- التّاداخل بين النّاقص واللّفيف. أمّا التّداخل بين النّاقص والمثال، والنّاقص والأجوف، فقد تقدّما1. أوّلاً- التّداخل بين النّاقص والنّاقص: ويكثر هذا النّوع من التّداخل لأسبابٍ؛ من أهمّها2: 1- طبيعة الصّوتين: الواو والياء، وقدتقدّمت الإشارة إلى ذلك3. 2- المعاقبة بين الحرفين. 3- اللّغات. 4- اختلاف الرّواية. وتجدر الإشارة - هنا - إلى أنّ القطع بالأصل في تداخل النّاقص والنّاقص أمرٌ في غاية الصّعوبة، والأغلب فيه الاعتماد على التّرجيح؛ ولاسيّما فيما ورد بالمعاقبة، أو ما جاء فيه لغتان.   1 ينظر: ص (306، 330) من هذا البحث. 2 ينظر: دراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس 70. 3 ينظر: ص (284) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 ولعلّ ذلك ما حمل بعض المعجّمين على أن يقولوا في بعض الكلمات النّاقصة: إنّها بالواو والياء؛ دون ترجيحٍ؛ على الرّغم من أنّ الكلمة الواحدة ليس لها إلاّ أصلٌ واحدٌ؛ ألا ترى إلى قول ابن سيده: "كَرَا الأرض كرْواً: حَفَرَها؛ وقد تَقَدَّم ذلك في الياء؛ لأنّ هذه الكلمة يائيّةٌ وواويّةٌ "1، وقال مثل ذلك في غير موضعٍ2. ومثل ذلك كثير في (اللّسان) 3. وثَمَّة مقياسٌ بين الأصول يصلح لهذا النّوع من التّداخل؛ وهو حمل ما جُهل أصله؛ ولم يظهر في الاشتقاق ممّا انقلب عن حرف علّةٍ - كالألف والهمزة المتطرّقة - على الأكثر؛ وهو الياء؛ كما تقدّم4. وفيما يلي بيان التّداخل في هذا النّوع؛ من خلال بعض الأمثلة: فمن ذلك تداخل الأصلين (ط غ و) و (ط غ ي) في قوله عزّ وجلَّ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} 5، وهو مصدر الثّلاثيّ (طَغَى) ومعناه: جاوز القَدْرَ وارتفع وغلا في الكفر، وللعلماء في أصله قولان: الأوّل على أنّه من (ط غ ي) قال الزّجّاج: "أي بطغيانها، وأصل   1المحكم 7/99. 2 المحكم 4/19. 3 ينظر: على سبيل التّمثيل: (دغا) 14/14/263، و (دها) 14/275، و (عنا) 15/103، و (غطى) 15/130، و (هجا) 15/353، و (هنا) 15/369. 4 ينظر: ص (258) من هذا البحث. 5 سورة الشّمس: الآية 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 طغواها: طغياها، و (فَعْلَى) إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واواً؛ ليفصل بين الاسم والصّفة. تقول: هي التّقوى، وإنّما هي من: اتّقَيْتُ1، وهي: البقوى، وإنّما هي من: بَقِيتُ (هكذا) وقالوا: امرأةٌ خَزْيا؛ لأنّها صفةٌ "2. وقد عَدَلَ بطَغْوَى من الطُّغيان لمشاكلة رؤوس الآيات، وهي الفواصل، وممّن كان يرى ذلك: الفرّاء3 وابن خالويه4. وأمّا قلب الياء واواً فقد جاء للفصل بين الاسم والصّفة في (فَعْلَى) كما قالوا: التّقوى والبقوى والشّروى5. والقول الثّاني على أنّه من (ط غ و) وقد نقل ذلك أبو عليّ بقوله: "وحكى أبو الحسن: طَغَا يطغو؛ فهي على هذا تكون كالدّعوى من دَعَوْتُ "6. وحكاها العكبريّ حين قال: "ومن قال: طَغَوتُ كانت الواو أصلاً   1 في هذا النّصّ تصحيف، فقدجاء فيه ما صورته (معاني القرآن وإعرابه 5/333) : ((تقول هي التّقوى، وإنّما هي من أيقنت،وهي التّقوى وإنما هي من: يقنت ... )) . 2 معاني القرآن وإعرابه 5/333. 3 ينظر: معاني القرآن 3/267. 4 ينظر: إعراب ثلاثين سورة 103. 5 ينظر: معاني القرآن وإعرابه5/333، والبحر المحيط 8/481. 6 التّكملة 269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 عنده"1. وأوردوا على هذا الأصل: طَغَوتُ أطغو، ومنه (الطُّغْوَان) والطّغْوَى2، بغير قلبٍ؛ على الأصل. وقد ذكره ابن سِيده في الموضعين3، وذكره الرّاغب4 في اليائيّ، وذكره السّمين5 في الواويّ. ومن أمثلة هذا الباب تداخل (ر ع ي) و (ر ع و) في (الرّعْوَى) من قولهم: (ارْعَوَى) ارْعِوَاءً؛ أي: كفَّ عن الجهل أو القبيح؛ وهو حسن الرّعوة والرّعوى. و (ارْعَوَى) من الأبينة الّتي تحتمل أكثر من وزنٍ، لتداخل الأصول فيها: قال الخيّاط6: (أقمت سنين أسأل عن وزن: ارْعَوَى؛ فلم أجد   1 التّبيان 2/1290. 2 ينظر: اللّسان (طغى) 15/7. 3 ينظر: المحكم (طغى) 6/8، (طغو) 6/29. 4 ينظر: المفردات (طغى) 304. 5 ينظر: عمدة الحفّاظ 321. 6 هو محمّد بن أحمد بن منصور؛ أحد النّحاة المتقدّمين؛ ممّن خلط المذهبين (توفّي سنة 320) ومن مصادر ترجمته: نزهة الألبا 185، وإنباه الرّواة 3/54، وإشارة التّعيين 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 من يعرفه) 1 وذكر أنّ وزنه له فرعٌ وأصلٌ؛ فأصله (افعلّ) مثل: احمرّ؛ كأنّه (ارْعَوَّى) فعدلوا عن ذلك؛ لأنّ الواو المشدّدة لم تقع آخر الماضي، ولا المضارع، وتقديره قبل القلب (ارْعَوَوَ) فانقلبت الواو الأخيرة؛ لأنّها خامسةٌ، ثمّ انقلبت ألفا؛ ً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. أمّا فرعه، أعني (ارْعَوَى) فيحتمل وزنين: (افْعَلَلَ) ، وهو الأقيس. و (افْعَلَى) . وقد اختلفوا في أصله؛ لاختلافهم في اللاّم: فمنهم من جعله من (ر ع و) ومن هؤلاء: أبو عليّ الفارسيّ، إذ ذهب إلى أنّ الواو فيها أصلٌ غير منقلبةٍ؛ لقولهم: ارْعَوَيْتُ2. وجعله الفيروزاباديّ3 من هذا الأصل. ومنهم في جعله من (ر ع ي) كالأزهريّ4، وابن منظورٍ5. ووضعه بعضهم في الموضعين؛ كابن فارسٍ؛ إذ جعله من اليائيّ في   1 سفر السّعادة 1/53، وينظر: المنصف 2/207، وثلاث رسائل في اللّغة 10، وطراز المجالس 76. 2 ينظر: مناهج الصرفيين ومذاهبهم 455. 3 ينظر: القاموس (رعو) 1662. 4 ينظر: التّهذيب 3/163. 5 ينظر: اللّسان (رعى) 14/328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 (المقاييس) 1، ومن الواويّ في (المُجْمَل) 2، وهو دليلٌ على خفاء الأصلين. وحمله على اليائيّ أولى لما تقدّم من أنّها غالبةٌ على اللاّم. ومن التّداخل بين النّاقص والنّاقص أنّ (سُدًى) في قوله - عزّ وجلّ: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 3، أي: مهملاً غير مأمورٍ، وهي صفةٌ مشبّهةٌ؛ على وزن (فُعَل) في موضع نصبٍ على الحاليّة – تحتمل الأصلين (س د و) و (س د ي) وقد اختلفوا فيه: فمنهم من ذهب إلى أنّه (س د و) قال ابن فارسٍ: "السّين والدّال والواو أصلٌ واحدٌ؛ يدلّ على إهمالٍ وذهابٍ على وجهٍ "4. وممّن عدّها من هذا الأصل: الأزهريّ5، والجوهريّ6، وابن منظورٍ7، والعكبريّ الّذي كان يقول: إنّ الألف في سُدًى مبدَلَةٌ من واوٍ8.   1 ينظر: 2/408، 409. 2 ينظر: 2/384. 3 سورة القيامة:الآية 36. 4 المقاييس ي3/150. 5 ينظر: التّهذيب 13/40. 6 ينظر: الصّحاح (سدو) 6/2374. 7 ينظر: اللّسان (سدو) 14/376. 8 ينظر: التّبيان 2/1256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وفريقٌ كان يرى أنّ الأصل (س د ي) ومنهم: السّمين1؛ إذ جعلها في اليائيّ. وليس في قولهم: أَسْدَيْتها؛ أي: أهملتها ما يقطع بالياء، لاحتمال أن تكون منقلبةً عن الواو؛ كقولهم: أَرْبَيْت الشّيْء؛ وهو من: رَبَا يربو؛ إذا زاد ونما؛ لأنّ الواو تُقْلَب ياءً؛ إذا تطرّفت رابعةً فصاعداً. ويتداخل (أض و) و (أض ي) في (الأَضَاة) وهي: الغَدِير. وللعلماء في أصلها رأيان: الأوّل أنّه (أض و) وذكر ابن سِيدَه أنّ هذا رأي الجمهور؛ بدليل قولهم في الجمع: (أَضَوَاتٌ) 2. الثّاني على أنّه من (أض ي) وقد حكى ابن سِيدَه - كما نقل ابن منظورٍ - أنّ سيبويه حمله على الياء، وأنكره ابن سِيده بقوله: "ولا وجه له عندي البتّة 3؛ لقولهم: أَضَوَات، وعدم ما يستدلّ به على أنّه من الياء"4. وأجاز ابن سِيدَه في توجيهه أن يكون (أَضَاةٌ) (فَلْعَة) من قولهم:   1 ينظر: عمدة الحفّاظ 236. 2 ينظر: اللّسان (أضو) 14/38. (2) الهمزة في البتة مختلف فيها، هل هي همزة وصل أو همزة قطع، وأرى صحة الوجهين، لأسباب ذكرتها في كلمة نشرت في ملحق التراث بجريدة المدينة بعنوان (همزة البتة بين الوصل والقطع) وأنا أميل إلى أنها همزة وصل. 4 ينظر: اللسان (أضو) 14/38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 آضَ يئيضُ، على القلب؛ قال: "لأنّ بعض الغدير يرجع إلى بعضٍ؛ ولا سيّما إذا صفّقته الرّيح "1. ومن ذلك تداخل الأصلين (أل و) و (أل ي) في قوله عزّ وجل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} 2. وقد اختلفوا في معناه: فمنهم من يرى أنّه بمعنى: ولا يَحْلِف، ومنهم من يرى أنّه بمعنى: ولا يُقَصِّر في الجَهد، قال الفرّاء: هو من الحَلْف3، وكذلك عند أبي عُبيدة4، والزَّجَّاج5، والعُكبريّ6. ووزنه عندهم قبل الحذف (يَفْتَعِل) من أَلَيتُ، أي: حَلَفْتُ، فأصله حينئذٍ (أل ي) وهو بعد الحذف (يَفْتَع) ، قال الرَّاغب: "وردّ هذا بعضهم بأنّ (افْتَعَلَ) قلّما يبنى من (أَفْعَلَ) إنّما يبنى من (فَعَلَ) وذلك مثل: كَسَبْتُ واكْتَسَبْتُ، وصَنَعْتُ واصْطَنَعْتُ، ورأيت وارْتَأَيْتُ "7. وما ذكره محمول على أنّه مأخوذٌ من (آلَيْتُ) (أفْعَلْتُ) ولا مانع   1اللسان (أضو) 14/38. 2 سورة النّور: الآية 22. 3 ينظر: معاني القرآن 2/248. 4 ينظر: مجاز القرآن 2/65. 5 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/36. 6 ينظر: التّبيان 2/968. 7 المفردات 84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 من أخذه من (أَلَيتُ) (فَعَلْتُ) وقد نصّ بعضهم على أنّه من هذا1. وهو - وإن كان بمعنى الحلف - يحتمل الأصلين: (أل ي) لقولهم: أَلَيْتُ وآليْتُ؛ كما تقدّم، و (أل و) لقولهم: (الأَلْوَةُ، والإِلْوَةُ، والأُلْوَة: اليمين) 2. وذهب بعضهم إلى أنّ (لا يأتلِ) بمعنى: لا يُقَصِّر في الجَهد؛ من قولهم: ما أَلَوْتُ جَهْداً، إذا لم تدّخر منه شيئاً3، وقد أشار إلى هذا أبو عبيدة بقوله: "وله موضعٌ آخر من أَلَوتُ بالواو"4، ورجّح السّمين هذا من وجهٍ بقوله: "وقد يترجّح ما قال أبو عبيدة من حيث الصّناعة؛ وذلك بأنّ يَأْتَلي (يَفْتَعِل) و (افْتَعَلَ) قليلٌ من (أَفْعَلَ) وإنّما يكثر من (فَعَلَ) نحو: كتب واكْتَتَبَ، وصَنَعَ واصْطَنَعَ؛ فأخذه من: أَلَوْتُ، موافقٌ للقياس "5. وإن صحّ أنّه من (أَلَوْتُ جَهْداً) فهو من (أل و) فيكون الأصل في (يَأْتَلي) : (يَأْتَلِوُ) تطرّفت الواو لاماً بعد كسرٍ؛ فقلبت ياءً، فصار (يَاْتَلِيُ) فاستثقلت الضّمّة على الياء فحذفت، ثمّ حذفت الياءُ للجزم6.   1 ينظر: التّبيان 2/968. 2 المثلّث 1/303، وينظر إكمال الأعلام 1/9، والدّرر المبثّثة 72. 3 ينظر: المحتسب 2/106، والكشّاف 3/222. 4 مجاز القرآن 2/65. 5 عمدة الحفّاظ 22. 6 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 322. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ويُرجّح المعنى الأوّل قراءة من قرأ {ولا يَتَأَلّ} 1 لأنّ معناه: "لا يحلفوا على أن لا يُحسنوا إلى المستحقّين للإحسان "2 ووزنها (يَتَفَعَّل) كما قال ابن جني3، وينبغي أن يُنَبَّه على أن وزنها (يَتَفَعَّلُ) قبل الحذف، أمّابعد الحذف فوزنها (يَتَفَعَّ) . ويجوز أن يحمل (لا يَتَأَلَّ) على (يَتَفَعَّل) من (أل ل) على أن يكون قبل الجزم (يَتَأَلَّلُ) ؛ فيكون من باب قَصَّيتُ أظفاري وتَقَضَّى، من قولهم: قصّصت وتقضَّض، والمعنى يجيز هذا الأصل؛ لأنّه قيل: إنّ (الإلّ) العهد4 فيكون موافقاً للمعنى الأوّل للآية. وبالجملة؛ فإنّ التَّداخل في قوله عزّ وجلّ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} شديدٌ؛ فإن كان بمعنى (لا يَحْلِفُوا) فإنّه يحتمل الأصلين، وإن كان بمعنى (لا يقصّروا) فإنّه من (أل و) والآية الكريمة تحتمل المعنيين؛ كما ورد في كتب التّفسير5. ويتداخل (د م و) و (د م ي) في الدّم؛ وقد حذفت لامه؛ وهو   1 وهي قراءة ابن عيّاش بن ربيعة وزيد بن أسلم والحسن البصري، وغيرهم. ينظر: إتحاف فضلاء البشر 2/295، والمحتسب 2/106. 2 الكشّاف 3/222. 3 ينظر: المحتسب2/106. 4 ينظر: اللّسان (ألل) 11/26. 5 ينظر: تفسير مجاهد 2/438، والجامع لأحكام القرآن 12/207-209، والكشّاف 3/222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 حرف علّةٍ؛ لثقل الحركة على حرف العلّة فيه؛ فحذفت طلباً للخفّة، وقد اختلفوا في لامه على فريقين1: فريقٌ يرى أنّ لامه المحذوفة واوٌ؛ فأصله (د م و) وهم الأكثرون عند الأنباريّ2. والدّم عند هؤلاء أصله: (دَمْوٌ) بالتّحريك؛ وإنّما قالوا: دَمِيَ يَدْمَى؛ لحال الكسرة التي قبل الياء؛ كما قالوا: رَضِيَ يَرْضَى؛ وهو من الرّضوان3. ويرى الفريق الآخر أنّ أصله (د م ي) فالمحذوف ياءٌ لا واوٌ، وأصله (دَمَيٌ) وذكر الزّجّاج4 أنّ هذا هو قول أكثر النّحويّين؛ وهو نقيض ما حكم به الأنباريّ؛ وهو الأعرف عند ابن الشّجريّ5. ودليل هذا الفريق قولهم: دَمِيَتْ يده6، وقول الشّاعر: فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنَا جَرَى الدَّمَيَانِ بِالخَبَرِ اليَقِينِ7   1 ينظر: الكتاب 3/451، 597، والمقتضب1/231، والأصول 1/323، والمنصف 2/148، والإنصاف 1/35، وشرح الكافية للرّضيّ 2/163، والخزانة 7/482. 2 ينظر: الإنصاف 1/359. 3 ينظر: الصّحاح (دمو) 6/2340. 4 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/165. 5 ينظر: الأمالي 2/34. 6 ينظر: الخزانة 7/490. 7 ينظر: المقتضب 1/231، ومجالس العلماء 328، والوحشيّات 84، والبيان والتّبيين 3/60، والأصول 3/324، والمنصف 2/148، وأمالي ابن الشّجريّ 2/34، وشرح المفصّل لابن يعيش 4/151، والخزانة 7/482. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وحكى الجوهريّ1 أنّ سيبويه كان يرى أنّه (دَمْيٌ) بسكون العين، ويستدلّ بجمعه على: دماءٍ ودُمْيٍ، مثل ظَبْيٍ وظِبَاءٍ وظُبْيٍ، ودَلْوٍ ودِلاَءٍ ودُلْيٍ، ولو كان مثل: عَصًا وقَفًا، لما جمع على ذلك. غير أنّ ما في (الكتاب) يختلف قليلاً عمّا ذكره الجوهريّ؛ ولم أجد فيه دليلا ً على أنّ المحذوف (ياءٌ) فليس فيه أنّ (دَمًا) بالياء؛ كما نقل الأزهريّ؛ وكلام سيبويه ثَمَّ يدور على تكسير ما جاء على حرفين؛ ممّا أصله ساكن العين على (فَعْلٍ) ، ومن أمثلته (ظَبْيٌ) و (دَلْوٌ) والأوّل يائيٌّ والثّاني واويٌّ. ولعلّه في موضعٍ من (الكتاب) لم أهتد إليه؛ والّذي تبيّنته فيه أنّ سيبويه كأنّه متردّدٌ بين الواو والياء في أصل (دَمٍ) إذ قال: في كلامه في التّصغير: "هذا باب ما ذهبت لامه، فمن ذلك دمٌ، تقول: دُمَيٌّ؛ يدلّك: دماءٌ؛ على أنّه من الياء أو من الواو "2. وليس في قولهم في تثنيته: (دَمَيَانِ) دليلٌ عند بعض العلماء؛ ومنهم ابن يعيش3 الّذي كان يرى أنّ بعض العرب يقول في اليد والدّم: يدًى ودمًى بالقصر في كلّ الأحوال كـ (رَحًى) و (فَتًى) وعلى ذلك جرى   1 ينظر: الصّحاح (دمو) 6/2340. 2 الكتاب 3/451. 3 ينظر: شرح المفصّل 4/152، 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 قول الرّاجز: يارُبَّ سَارٍ بَاتَ مَا تَوَسَّدَا ... إلاَّ ذِرَاعَ العَنْسِ أو كَفَّ اليَدَا1 وقول الشّاعر: فَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا لَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا2 وتثنيتهما على هذه اللّغة: يَدَيَانِ ودَمَيَانِ؛ مثل: رَحَيَانِ3 وفَتَيَانِ. وبالجملة؛ فإنّ (الدّم) يحتمل الأصلين: (د م ي) لقولهم في التّثنية (دَمَيَانِ) وفيه ما ذكره الجوهريّ4. والرّاجح أن يكون الأصل (د م ي) لغلبة الياء على الواو لاماً5، وقال المبرِّد: (اعْلَم أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْن، وَلاَ يُدْرَى مَا أَصْلُهُ الّذِي حُذِفَ مِنْهُ، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي التَّصْغِيرِ وَالجَمْعِ أَنْ تُثْبَتَ فِيْهِ اليَاءُ؛ لأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْذَفُ مِنْ هَذَا اليَاءُ وَالوَاوُ؛ وَاليَاءُ أَغْلَبُ عَلَى الوَاوِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّمَا   1 البيت بلا نسبة في الحجّة لابن خالويه 204، ورسالة الملائكة 167، وشرح المفصّل لابن يعيش 4/152، والهمع 1/39، والخزانة 7/498، والدّرر اللّوامع 1/13. 2البيت للحصين بن الحمام المرّي، كما في ديوانه 115، وينظر: المنصف 2/148، وديوان المعاني 1/115، وشرح ما يقع فيه التّصحيف 325، وأمالي ابن الشجري 2/34، والخزانة 7/490. 3الأكثر في الرّحى أنّها يائيّة كما نقل ابن منظور (اللّسان (رحا) 14/312) وذكرها الفيروزاباديّ في الواويّ واليائيّ، وقال في الأوّل: رحوان، وفي الثّاني: رحيان. ينظر: القاموس 1660. 4 ينظر: الصّحاح (دمو) 6/3340. 5ينظر: المقتضب في اسم المفعول 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 القِيَاسُ عَلَى الأَكْثَرِ) 1. ويتداخل الأصلان (ق هـ و) و (ق هـ ي) في (القَهَة) وهي من أسماء النَرْجِس، وتحتمل الأصلين: ذكرها ابن سِيدَه2 في (ق هـ ي) وذكر أنّها تحتمل أن تكون من الواو؛ ولذلك أعادها هناك3. وذكرها ابن منظورٍ4 في (ق هـ ي) ونقل عنهم أنّها تحتمل الأصلين. وليس ثَمَّ ما يرجَّح به، إلا الحمل على الأكثر، وهو الياء لاماً، ولا سيّما أنّ الأصلين الواويّ واليائيّ مستعملان؛ كما في (المُحكَم) و (القاموس) .   1 المقتضب 1/233. 2 ينظر: المحكم 4/263. 3 ينظر: المحكم 4/283. 4 ينظر: اللّسان (قهو) 15/206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ثانياً- التّداخل بين النّاقص واللّفيف: هذا النّوع هو الثّاني من أنواع التّداخل في النّاقص، والتّداخل فيه أقلّ حدوثاً من النّوع السّابق. فمنه تداخل (ق ت و) و (ق وو) في (اقْتَوَتْهُ) من حديث عطاء بن السّائب وسؤاله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن "امرأة كان زوجها مملوكاً فاشترته؛ فقال: إن اقْتَوَتْه فُرِّق بينهما، وإن أعتقته فهما على نكاحهم "1. وقد فُسِّر (اقْتَوَتْه) باسْتَخْدَمَتْه، وهو يحتمل الأصلين: أن يكون من (ق ت و) والقَتْوُ: الخدمة؛ يقال: قَتَوتُ أَقْتُو قَتْواً ومَقْتًى، وقيل: القَتْوُ حسن خدمة الملوك، ومنه قول الشّاعر: إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ لاَ ... أُحْسِنُ قَتْوَ المُلُوكِ والخَبَبَا2 ذكر الزّمخشريّ أنّه (افْعَلّ) من القتو؛ وهو:الخدمة؛ كارْعَوَى من الرّعْوَى3؛ ومراده أنّه (اقْتَوَى) قبل اتّصال الضّمير؛ كأحد الوجهين في (ارْعَوَى) ، فلمّا اتّصل الضّمير حذف الألف لالتقاء السّاكنين، فصار وزنه - حينئذٍ - (افْعَلَتْ) وفيه نظرٌ؛ لأنّ (افْعَلَّ) لم يجئ متعدّياً، والّذي سُمِعَ (اقْتَوَى) بمعنى: صار خادماً، وعليه قول عمرو بن كلثوم:   1 أخرجه عبد الرّزاق في مصنفه 7/259. 2 ينظر: العين 5/198، والتّهذيب 9/253، والصّحاح (قتو) 6/2459. 3 ينظر: الفائق 3/236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 تَهَدَّدْنَا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْداً ... مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينَا1 وجعله جماعةٌ من العلماء من هذا الأصل؛ أعني (ق ت و) ومنهم: ابن الأثير2، وابن سِيدَه3، وابن منظورٍ4. ويجوز أن يكون أصله (ق وو) ووزنه حينئذٍ (افْتَعَلَ) من: الاقتواء؛ بمعنى الاستخلاص؛ فكنَّى به عن الاستخدام؛ لأنّ من اقتوى عبداً ردفه أن يستخدمه5. ويقال: التّقاوي: تزايد الشّركاء "وَلاَ يَكُوْنُ الإِقْوَاءُ إِلاَّ مِنَ البَائِع، وَلاَ التَّقَاوِي إِلاَّ مِنَ الشُّرَكَاء، وَلاَ الاقْتِوَاء إِلاَّ مِمَّنْ يَشْتَرِي مِنَ الشُّرَكَاءِ، والّذِي يُبَاعُ مِنَ العَبْدِ أَوِ الجَارِيَةِ أَوِ الدَّابَّةِ مِنَ اللَّذِينَ تَقَاوَيَا ... أَصْلُهُ مِنَ القُوَّةِ؛ لأَنَّهُ بُلُوغٌ بالسِّلْعَةِ أَقْوَى ثَمنها "6، ويقال: اقْتَوَى الشّيء: اختصَّه لنفسه؛ فهو من ذلك. ومن أسباب التّداخل في هذه الكلمة أنّ المعنى من الممكن أن يحمل على الأصلين؛ فيصحّ، ويضاف إلى ذلك وجود التّاء الثّالثة الّتي تحتمل أن   1 ينظر: ديوانه 79، وهوفيه بفتح الميم، وقد روي بضمها في التّهذيب 9/370، وخزانة الأدب 7/432، والكلمة تحتمل الفتح والضمّ كما سيأتي إن شاء الله. 2 ينظر: النّهاية 4/15، 16. 3 ينظر: المحكم 6/333. 4 ينظر: اللّسان (قتو) 15/170. 5 ينظر: الفائق 3/236. 6 اللّسان (قوا) 15/212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 تكون تاء الافتعال؛ فتكون زائدةً، وتحتمل أن تكون التّاء عين الفعل؛ فتكون أصليَّةً. وممّن وضع الكلمة في (ق وو) الزّمخشريّ1، وأبو موسى الأصفهانيّ2،وممّن وضعها في الموضعين: ابن الأثير3، وابن منظورٍ4. ومن هذا النّوع تداخل (ت ح ي) و (ح ي ي) في (تِحْيَاة) وهي مفرد (التّحَايِي) وهي ثلاثة كواكب حِذاءَ الهَنْعَة5 ويجوز فيها الوجهان6: أن تكون من (ح ي ي) فهي – حينئذٍ (تِفْعَلَة) كـ (تِحْلَبَة) 7 من الأبنية؛ ويرجّح هذا الأصل أنّ نوءها كبير الحيا، من أنواء الجوزاء، قال النّابغة: أَسْرَت عَلَيْهِ مِنَ الجَوْزَاءِ سَارِيَةٌ ... تُزْجِي الشَّمَالُ عَلَيْهِ سَالِفَ البَرَدِ8   1 ينظر: الفائق 3/236. 2 ينظر: المجموع المغيث 2/769. 3 ينظر: النّهاية 4/15، 128. 4 ينظر: اللّسان (قتو) 15/170، و (قوو) 15/212. 5 الهنعة:منكب الجوزاء الأيسر؛ وهو من منازل القمر، وقيل: هما كوكبان أبيضان؛ بينهما قيد سوط على أثر الهقعة في المجرّة. ينظر: اللّسان (هنع) 8/377. 6 ينظر: اللّسان (حيا) 14/222. 7 وهي: الشّاة الّتي يخرج من ضرعها اللّبن قبل أن ينزي عليها، ينظر: القاموس (حلب) 98. 8 ينظر: ديوانه 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 أن يكون من (ت ح ي) فهي على هذا (فِعْلاَة) كـ (عِزْهَاة) وهو اللّئيم. بيد أنّ الأصل الأوّل أولى؛ لقرب الاشتقاق. ويتداخل الأصلان (م وهـ) و (م وو) في (الماوِيَّةِ) وهي: المِرَآةُ، أو حجر البِلَّوْرِ، وهي تحتمل الأصلين: فالرّاجح أنّها من (م وهـ) فتكون منسوبةً إلى الماء؛ لصفائها، وأنّ الصّور تُرى فيها كما تُرى في الماء الصّافي1. وأصل الماء (م وهـ) فهمزته منقلبة عن هاءٍ؛ بدلالة ضروب تصاريفه، ومنها التّصغير والجمع؛ إذ يقال فيهما: (مُوَيْهٌ) و (أمْوَاهٌ) و (مِيَاهٌ) فأصله قبل الإعلال (مَوَهٌ) 2. وذكر ابن منظورٍ3 (االمَاويَّةَ) في (م وو) وليس له وجهٌ ظاهرٌ، والأوّل أقرب؛ لدلالة الاشتقاق والتّصريف.   1 ينظر: التّهذيب 15/648. 2 ينظر: الصّحاح (موه) 6/2250. 3 ينظر: اللّسان (موا) 15/299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 د- التّداخل في اللّفيف: والقسمة في هذا النّوع تقتضي أربعةً - أيضاً -؛ تقدَّمت ثلاثةٌ منها في المثال والأجوف والنّاقص، ولم يبق إلاّ التّداخل بين اللّفيف واللّفيف؛ وهو نوعٌ يشيع فيه التّداخل؛ لغلبة حروف العلّة فيه، وفيما يلي بيان ذلك من خلال بعض الأمثلة: فمنه تداخل (ح ي ي) و (ح ي و) في (الحَيَوَان) وهو مصدرٌ على وزن (فَعَلاَن) بمعنى: الحياة؛ وهو - أيضا - اسم جنسٍ يقع على كلّ شيءٍ حيٍّ. وقد اختلفوا في أصله1. فذهب الجمهور إلى أنّ أصله (ح ي ي) وأنّ الواو فيه منقلبةٌ عن الياء؛ فأصله قبل القلب (الحَيَيَان) فقلبت الياء الثّانية واواً؛ لئلاَّ يجتمع ياءان على التّوالي؛ استثقالاً للحرفين من جنسٍ واحدٍ؛ لأنّه اسمٌ، فخروجه عن الفعل كخروج آيةٍ، وبابها2. وأوّل من أثر عنه ذلك الخليل3، وكان سيبويه يراه، ويوجّهه بقوله: "وأمَّا قَوْلُهُم: حَيَوان فَإِنَّهُم كَرِهُوا أَنْ تَكُونَ اليَاءُ الأُولَى سَاكِنَةً، وَلمَْ يَكُونُوا لِيُلْزِمُوهَا الحَرَكَةَ هَهُنَا، وَالأُخَرَى غَيْرُ مُعْتَلَّةٍ مَنْ مَوْضَعِهَا؛ فَأُبْدِلَتِ الوَاوُ، لِيَخْتَلِفَ الحَرْفَان، كَمَا أَبْدَلُوهَا فِي رَحَوِيٍّ، حَيْثُ كَرِهُوا اليَاءَات،   1 ينظر: المنصف 2/285، وشرح الملوكيّ 264، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/73، والممتع 2/569. 2 ينظر: المقتضب 1/186. 3 ينظر: المقتضب 1/186، والأصول 3/385، واشتقاق أسماء الله 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فَصَارَتِ الأُولَى عَلَى الأَصْلِ، كَمَا صَارَتِ اللاَّمُ الأُولَى فِي مُمِلٍّ، وَنَحْوِهِ، عَلَى الأَصْلِ حِيْنَ أُبْدِلَتِ اليَاءُ مِنْ آخِرِهِ) 1. وما ذهبوا إليه في أصله مذهبٌ قويٌّ؛ لأمور: أحدها: أنّه ليس في كلامهم ممّا عينه ياءٌ ولامه واوٌ شيءٌ؛ فيقاس (الحَيَوَان) عليه2. وثانيها: أنّهم يقولون في تثنية حيّ: حَيَيَانِ بالياء لا غير، والتّثنية ممّا يردّ الأشياء إلى أصولها؛ فتثبت بذلك أنّ الواو في (حَيَوَان) بدلٌ من الياء3. وثالثها: أنّ الحيوان من: الحياة، ومعنى الحياة يرد في قولهم (الحَيَا) للمطر؛ ألا ترى أنّه يحيي الأرض والنّبات؛ كما قال تعالى: {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} 4 والحَيَا لامه ياءٌ، وكذلك الحياة5. وربّ قائلٍ يقول: لماذا اختاروا قلب اللاّم دون العين؛ فيجاب عن ذلك بأنّهم لو أبدلوا العين واواً لدخل في باب (طَوَيتُ) فيحمل عليه؛ لكثرته فيظنّ "أنّها أصلٌ في موضعها؛ لكثرة هذا الباب، فلمّا قلبت الثّانية   1 الكتاب 4/409. 2 ينظر: المنصف 2/285، والخصائص 1/255. 3 ينظر: الممتع 2/569. 4 سورة فاطر: الآية 9. 5 ينظر: المنصف 2/286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 واواً صارت مستنكرةً في موضعها؛ فيتنبّه بذلك على كونها غير أصلٍ"1. على أنّه ليس في (الحَيَوَان) إعلالٌ؛ إذ لم يجز ذلك في الواو؛ وهي لام الكلمة؛ لما كان يلزم من حذفها؛ إذ يقال فيها (حَيَان) لأنّها قبل الحذف (حَيَاان) فلم تعلَّ، وأمّا عين الكلمة فصحّت - هنا - كما صحّت في (الجَوَلاَن) و (الهَيَمَان) مثلاً2. والأصل في حركة عين (الحَيَوَان) السّكون؛ قال المبرّد: "حَيَوَان أصله (فَعَلان) لأنّ (فَعَلاناً) إنّما يجيء فيما يكون اضطراباً؛نحو الغَلَيان والنّزَوَان؛ فلو قلبوا اللاّم واواً لزمها القلب إلى الياء؛ لأنّ الياء قبلها ساكنةٌ، وكان يلزمهالإدغام؛ فيصير: حَيَّان، مثل: أَيَّام؛ فحرّكوا العين وأبدلوا اللاّم واواً كأنّهم قالوا: حَيَيَان؛ واستثقلوا جمع الياءين، فأبدلوا الثّانية واواً؛ وإنّما استثقلوا حَيَيَان كما استثقلوا رَحَيِيّاً "3. وذهب المازنيّ4 إلى أنّ الأصل (ح ي و) وأنّ الواو أصلٌ، وقد جاء على ما لا يستعمل؛ وهو أن تكون العين ياءً، واللاّم واواً؛ فلذلك لم يشتقّوا منه فعلاً؛ لأنّه ليس في الكلام فعلٌ مستعملٌ موضع عينه ياءٌ ولامه واوٌ "ونظيره في هذا الباب على هذا القول: جَبَيْتُ الخراج جِبايةً، وجِباوَةً، وليس من جِباوَةٍ فعلٌ، ومثل ذلك: فاظَ الميّت فيظاً، وفَوظاً،   1 شرح الشّافية للرّضيّ 3/72. 2 ينظر: البغداديّات 232. 3 التّبصرة والتّذكرة 2/924، ولم أقف على رأي المبرد في كتبه. 4 ينظر: المقتضب 1/186، والأصول 3/385، والمنصف 2/284، 285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وليس من فَوْظٍ فعل "1. ولعلّ المازنيّ ذهب بذلك إلى أنّ الواو في (الحَيَوَان) أصلٌ؛ وليست منقلبةً من ياءٍ، وأنّ الياء - أيضاً - أصلٌ من باب اللّغتين، ثمّ يجوز أن يكون استُعمِلَ الفعل من لغة الياء؛ ولم يُستعمل من لغة الواو؛ لثقل ذلك عليهم؛ فقالوا: حَيِيْتُ. ويجوز - أيضاً - أن يكون استُعْمِلَ فعل اللّغة الّتي تكون اللاّم فيه واواً؛ فقلبت ياءً للكسرة التي قبلها؛ إذ جاؤوا به على: فَعِلَ يَفْعَلُ؛ مثل: عَلِمَ يَعْلَمُ؛ فقالوا: حَيِيتُ. ويبدو أنّ السّمين الحلبيّ2 كان يرجّح مذهب المازنيّ؛ إذ جعل (الحَيَوَان) في (ح ي و) وفَصَلَه عمَّا بعده؛ وهو (ح ي ي) 3. والأقرب في هذا هو مذهب الجمهور لما تقدّم؛ ويؤيّده السّماع والقياس؛ أي: أنّ أصل حَيَوَان (ح ي ي) لا (ح ي و) . ومن أمثلة التّداخل في هذا النّوع: تداخل (ل وي) و (ول ي) في قراءة ابن عامرٍ وحمزةَ {وإِنْ تَلُوا} 4 بضمّ اللاّم وبواوٍ واحدةٍ؛ منقوله عزّ   1 المقتضب 1/186. 2 ينظر: عمدة الحفّاظ 146. 3 وجعل الأستاذ عبد السّلام هارون (الحيوان) من (حيو) ينظر: فهارس الكتاب 5/109. 4 ينظر: السبعة 239، والتّذكرة في القراءات 2/379، والقراءات وعلل النّحويّين فيها 1/155، والحجّة في القراءات السّبعة 3/185، والمبسوط 182، والتّيسير 97، وإبراز المعاني 423. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وجلّ: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} 1. وهو يحتمل الأصلين:2 يجوز أن يكون الأصل (ول ي) من: وَلِيَ يَلِي؛ وأصله (تَوْلِيُوا) ثمّ حذفت الواو؛ وهي فاء الفعل؛ لاعتلالها، ووقوعها بين ياءٍ وكسرةٍ؛ نحو: يَعِدُ ويَزِنُ: فصار (تَلِيُوا) فحذفت الضّمّة استثقالاً من على الياء؛ فالتقى ساكنان؛ فحذفت الياء، ثمّ ضمّ ما قبل الواو. ومعناه من: الوِلاية؛ أي: ولاية الأمر؛ وهو ضدّ الإعراض عنه؛ من قولك: وَلِيْتُ الحكمَ والقضاءَ بين الرّجلين. والمعنى يؤيّد هذا الأصل؛ فدليل حمله على: وَلِيَ – أنّ بعده (أو تُعْرِضُوا) فهو نقيض: تَلُوا؛ لأنَ ولاية الشّيء: الإقبال عليه، ونقيضه: الإعراض عنه، فإنّما قيل لهم: "وإن تَلُوا الأمر فتعدلوا فيه أو تعرضوا عنه فلا تَلُوه، ولا تعدلوا فيه إن وليتموه، فإنّ الله كان بما تعملون خبيراً"3، فيجازى المحسن المقبل بإحسانه، ويحاسب المعرض على إعراضه.   1 سورة النساء: الآية 135. 2 ينظر: معاني القرآن للفرّاء 1/291، ومعاني القرآن وإعرابه 2/118، 119، والقراءات وعلل النّحويّين فيها 1/155، والكشف 1/399، والحجّة في القراءات السّبع 127، والحجّة للقراء السّبعة 3/185، والتّبيان 1/398، وإبراز المعاني 423. 3 الكشف 1/399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وانفرد الأخفش بتقدير محذوفٍ؛ وهو (عليهم) بعد (تَلُوا) قال: "وليس للولاية معنًى – هاهنا – إلاّ في قوله: وإن تلوا عليهم، فطرح: عليهم، فهو جائزٌ "1. ويجوز أن يكون أصله (ل وي) من: لَوَى يَلْوي؛ إذا أعرض؛ فيكون أصل {تَلُوا} (تَلْوِيُوا) ثمّ ألقيت حركة الياء على الواو الأولى، وحذفت الياء؛ لسكونها وسكون الواو الأخيرة بعدها، أو لسكونها وسكون الواو قبلها2 في الأصل، أي: قبل النّقل؛ فأبدل من الواو المضمومة همزةٌ؛ فصارت: (تَلُؤوا) 3بإسكان اللاّم، ثمّ طرحت الهمزة، وطرحت حركتها على اللاّم؛ فصارت: (تَلُوا) كما قيل: في أَدْوُر: أَدْؤُر، ثمّ طرحت الهمزة؛ فصارت (أَدُر) 4. وعلى هذا الأصل تكون القراءتان بمعنى واحدٍ من: اللَّيّ5، ولذلك   1 معاني القرآن للأخفش 1/248. 2 ينظر: الكشف 1/400. 3 ينظر: حجّة القرّاء 216. 4 ينظر: القراءات وعلل النّحويّين فيها 1/155، وفيه: (فصارت أدور) ، وهو تحريف؛ والصّواب ما أثبته. كما في طبعة الدّكتور عوض القوزي 319، واللّسان (ولي) 15/413. 5 ينظر: زاد المسير 2/222، وتفسير ابن كثير 1/570، وتفسير النّسفي 1/259، وإبراز المعاني 423. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 اختاره الزّجّاج1؛ وهو الرّاجح. وعلى ما تقدّم يكون معنى {إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} على التّرادف، ويكون معناهما على اختيار الأصل الآخر - أعني (ول ي) على التّضادّ، وكلاهما صحيحٌ في السّياق العامّ للآية، ومقبولٌ عند المفسّرين وأهل اللّغة؛ خلا الأخفش2؛ فإنّه جعل هذه القراءة لحناً؛ إن قدِّر هذا الأصل؛ أعني (ل وى) والأمر خلاف ما ذهب إليه؛ فالقراءة صحيحة؛ لأنّها سبعيّةٌ، وقد اتّفق عليها اثنان منهم؛ وهما: عبد الله بن عامرٍ، وحمزة بن حبيب الزّيَّات. ومن التّداخل في اللّفيف بين (ح ي ي) و (ي ح ي) في (يَحْيَى) عَلَم لرجلٍ؛ وهو اسم النّبيّ يحيى - عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام - فهو يحتمل الوجهين: أن يكون من (ح ي ي) فيكون على وزن (يَفْعَلُ) موازناً للفعل3، ومشتقّاً من الحياة. وهو يحتمل أن يكون عربيّاً أو أعجميّاً4، كما أنّه ممنوعٌ من الصّرف، وليس في ذلك دليلٌ لأحدهما على الآخر؛ فإن كان عربياًّ فمنعه من الصّرف للعَلَمِيَّة ووزن الفعل، وإن كان أعجمياً فذلك للعلمية   1 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/118. 2 ينظر: معاني القرآن 1/247، 248. 3 ينظر: الكشف 1/359، والتّبيان 1/257، والمساعد 4/69. 4 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/406، والكشف 1/259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 والعُجمة؛ غير أنّ في العجمة – إن صحّت – دليلاً على أصالة الياء الأولى. ومعناه يقرِّب اشتقاقه من: الحياة؛ ويؤيّد ما تقدّم في (الزّوائد) وهو أنّ الياء يقضى عليها بالزّيادة أوّلاً إن صحبها ثلاثة أصولٍ؛ كما في (يَزِيد) و (يَعْمُر) ويقوِّيه – أيضاً- أنّ (ي ح ي) أصلٌ مهملٌ في العربيّة. ولكن يجوز أن يكون أصله (ي ح ي) فقد نُقِلَ عن الكسائيّ1 أنّ يحيى (فَعْلَى) وهو وجهٌ مقبولٌ إن كان الاسم أعجميّاً، وقد رجّحه الزّمخشريّ2. ومن أمثلة هذا النّوع: تداخل (ح ي ي) و (ح وي) في (حَيَّة) وهي: واحدة الحَيَّات أو الهوَامِّ، وقد اختلفوا في أصلها: يرى سيبويه3 أنّ أصلها (ح ي ي) مستدلاًّ على ذلك بقول العرب في النّسب إلى (حَيَّة بنِ بَهْدَلَة) : (حَيَوِيٌّ) وهي عنده (فَعْلَة) حرِّكت الياء في النّسب؛ لأنّه لا تكون الواو ثابتةً وقبلها ياءٌ ساكنةٌ. وعلى هذا المذهب لو كانت العين واواً - لقالوا: (حَوَوِيٌّ) 4 كما قيل في النّسب إلى (لَيَّةٍ) 5: لَوَوِيٌّ.   1 ينظر: المساعد 4/69. 2 ينظر: الكشّاف 1/359. 3 ينظر: الكتاب 3/345. 4 ينظر: سرّ الصّناعة 2/730. 5 وهي: المَرَّة: من: اللّي بمعنى: الجَدْل والفَتْل. ينظر: اللّسان (لوي) 15/262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وكان أبو عليّ الفارسيّ1 يرى هذا - أيضاً - ويستدلّ له بغير ما استدلّ به سيبويه؛ وهو قولهم: أرضٌ مُحْيَاة، ومُعْفَاة؛ أي: كثيرة الحَيَّات والأفاعي. على أنّه ليس في قولهم: رجلٌ حَوَّاءٌ - وهو: الّذي يجمع الحيّات - دليلٌ على الواو عند أبي عليّ2؛ لأنّه غير مأخوذ من (الحَيَّة) ولكنّه من (حَوَيْتُ) فهما أصلان تقاربا في ألأصل والمعنى؛ كـ (سَبِطٍ وسِبْطَرٍ) و (دَمِثٍ ودِمَثْرٍ) فكما أنّ لفظ (لأّالٍ) بالهمزة المشددة الممدودة، وهو: بائع اللّؤلؤ – ليس من لفظ (لؤلؤ) كذلك (حَيَّةٌ) و (حَوَّاءٌ) فكلٌّ منهما أصلٌ مستقلٌّ.3 على أنّ ما ذهب إليه أبو عليٍّ في (حَوَاءٍ) ليس قولاً قاطعاً؛ فهو يحتمل الأصل الآخر؛ بخلاف (لؤلؤٍ) و (لأّالٍ) فهما أصلان لا محالة؛ لأنّ أحدهما رباعيٌّ، والآخر ثلاثيٌّ، وأمّا (حيّةٌ) و (حوَّاءٌ) فهما من الثّلاثيّ، وانقلاب حروف العلّة بعضها عن بعضٍ كثيرٌ. وذهب أبو حاتمٍ السِّجِستانيُّ إلى أنّ أصلها (ح وي) مستدلاًّ بالمعنى؛ وهو تحوِّي الحَيَّة في لِوائها، وبقولهم: رَجُلٌ: حَوَّاءٌ وحَاوٍ4.   1 ينظر: البغداديّات 230، 231. 2 ينظر: البغداديات 232. 3 ينظر: سرّ الصّناعة 2/730. 4 ينظر: المحكم 4/26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وقد تردّد فيه ابن سِيدَه؛ فذكره في الأصلين1، وتابعه ابن منظورٍ2. ومن ذلك تداخل (ث وو) و (ث ي و) في (ثَايَةٍ) وهو مَأوى الغنم والبقر3. و (ر وي) و (ر ي و) في (الرّايَة) 4. و (أي و) و (أي ي) في (أَيَا) الشّمس، وهو نورها5. و (هـ وي) و (هـ وو) في (الهَوَى) 6. و (وغ ي) و (وغ و) في (الأَوَاغي) وهي مَفَاجِر الماء في الدِّبار والمزارع، واحدتها آغِيةٌ7.   1 ينظر: المحكم (حيي) 3/305، و (حوى) 4/26. 2 ينظر: اللّسان (حوى) 14/208، و (حيي) 14/230. 3 ينظر: اللسان (ثوا) 14/127. 4 ينظر: المنصف 2/141. 5 ينظر: اللّسان (أيو) 14/63. 6 ينظر: رسالة الملائكة 96. 7 ينظر: اللّسان (وغي) 15/398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 المبحث الثّاني: التّداخل بين المعتلّ والمهموز ومما يكثر فيه تداخل الأصول: التّداخل بين المعتلّ والمهموز، وقد وقفنا على تعريف المعتلّ في المبحث السّابق. أمّا المهموز فهو "ما كان أحد أصوله الثلاثة همزة"1، نحو: أَكَلَ وسَأَلَ ومَلأَ. وثمّة علاقة بين المعتلّ والمهموز، تُعدّ من أهمّ أسباب التّداخل بينهما؛ وهي هَمْزُ المعتلّ، وتخفيف المهموز؛ وهما ممّا يكثر في النّوعين؛ أعني: المعتلّ والمهموز؛ حتّى تكاد تُعدّ من حروف العلّة؛ ألا ترى كيف وُضعت في معاجم التّقليبات في باب واحد، وأول من فعل ذلك الخليل في العين 2؛ على الرّغم مما بينها وبين حروف العلّة من اختلاف في المخرج   1 المفتاح في الصرف 4. 2 ينظر على سبيل المثال: العي ن8/55،132،167،192، 232،273، 325، 332، 375، 437. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 والصّفات. فمخرج الهمزة من أقصى الحلق1 أو من الحنجرة (المزمار) 2 وهي صوت شديد3، مجهور. أمّا الواو والياء فمخرجهما من الشّفة، ومن صفاتهما اللّين؛ لأن مخرجهما يتّسع لهواء الصّوت من اتّساع غيرهما 4، والألف هاوية؛ ومخرجها أشدّ اتّساعاً من مخرج صاحبتيهما؛ وهنّ أخفّ الحروف؛ لاتّساع مخارجهنّ 5. ولعلّ سبب ذلك أنّهم وجدوا حروف العلّة تُخفّف وتهمز في كثير من الحالات، ونُمهّد لهذا المبحث بالوقوف على ذلك ـ بإيجاز ـ لأنّه يُعين على معرفة الأصول: أ - همز المعتلّ: تُقلب حروف العلّة همزة، وله ثلاثة أحكام: قلبها وجوباً أو جوازاً أو شذوذاً.   1 ينظر: الكتاب 4/433. 2 ينظر: الأصوات اللغوية 91، ومناهج البحث في اللغة 97. 3 ينظر: الكتاب 433، ومخارج الحروف وصفاتها 88، والأصوات اللغوية 91، ودراسة الصوت اللغوي 274، والمنهج الصوتي للبنية العربية 172. 4 ينظر: الكتاب 4/435. 5 ينظر: الكتاب 4/436. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فأمّا القلب الواجب فتشترك أحرف العلّة الثّلاثة فيه في موضعين، وتشترك الياء والواو فيه في موضعين، وتختصّ الواو به في موضع واحد. فالموضع الأول: المشترك بينها، هو أن يقع أحدها لاماً أو زائداً في الطّرف الحقيقيّ، أو الحكميّ إثْر ألف زائدة. فمثال قلبها في الطّرف الحقيقيّ قولهم: سماءٌ من السُّموّ، وبناءٌ من: البِنَايَة، وصحراءُ من: صَحْرَى. والموضع الثّاني: المشترك بينهما هو أن يقع أحد الأحرف الثّلاثة بعد ألف الجمع الأقصى، وقد كان في المفرد مدّاً زائداً كقولهم: عَجَائِزُ في جمع: عَجُوز، وصَحَائِفُ في: صَحِيفَةٍ، ورَسَائِلُ في: رِسَالَةٍ. وتشترك الواو والياء في قلبهما همزة وجوباً في موضعين: الأول: أن تقع إحداهما عيناً لاسم فاعل من: فعل ثلاثيّ أُعلّت فيه، ما دامت العين في مكانها؛ نحو: قَائِمٍ وبَائِعٍ من: قَامَ وبَاعَ. الثاني: أن يقع أحدهما ثاني حرفين ليّنين بينهما ألف الجمع الأقصى الذي بعد ألفه حرفان؛ سواء تماثل اللّيّنان أم اختلفا، فمثال الواوين: أَوّلُ وأَوَائِلُ أصله: أَواوِل. ومثال اليائين: نَيّفٌ ونَيَائِفُ، وأصله: نَيَايِفُ. ومثال ما اختلفا فيه: سَيّد وسَيَائِد، وأصله: سَيَاوِدُ. أمّا الموضع الذي اختصّت فيه الواو بالقلب همزة وجوباً، فذاك عند اجتماع واوين في صدر الكلمة بشرط ألاّ تكون ثانيتهما مدة غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أصلية، ومثال ذلك (أُوَلٌ) جمع أُوْلى، وأصله (وُوَلٌ) على مذهب من جعله من (وول) كما سبق به البيان1 و (أُوْلَى) وأصلها (وُولَى) وأُواصل جمع: وَاصِلة. أمّا قلب أحرف العلّة همزة جوازاً، فهو خاصّ بالواو والياء؛ وهما كما يلي: 1- تُقلب الواو همزة جوازاً - باتفاق - إذا وقعت مضمومة ضمّة لازمة غير مشدّدة ولا موصوفة بموجب الإبْدال؛ وذاك نحو: (أَدْؤُر) في (أَدْوُر) جمع دَارٍ، وأُجُوه في (وُجُوُهٍ) جمع: وَجْهٍ. ويُجيزُ المازنيّ قلب الواو المُصدّرة المكسورة همزةً قياساً مُطّرداً؛ نحو: إِشَاحٍ في: وِشَاح، وإِسَادة في: وِسَادَة، وإِعَاءٍ في: وِعَاءٍ 2. ويرى سيبويه أن يكون ذلك مقصوراً على السّماع 3. 2- تُقلب الياء همزة جوازاً في موضع واحد؛ وهو أن تقع بين ألفٍ وياء مشدّدة؛ نحو: غائيّ ورائيّ، وذلك في النَّسب إلى: غايةٍ ورايةٍ. وتقلب أحرف العلّة همزة شذوذاً: مثال قلب الواو همزة قولهم: مُؤْسَى في: مُوسى، والمُؤْقِدَان في: المُوقِدَانِ في قول جرير:   1 ينظر: ص (313) من هذا البحث. 2 ينظر: ينظر: المصنف 1/229، وشرح الشافية للرضى 3/204. 3 ينظر: الكتاب 4/331. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 أَحَبُّ المُؤْقِدَانِ إليّ مُؤْسَى ... وَجَعْدَةُ إِذْ أَضَاءهُمَا الوَقُودُ1 ومثال قلب الياء همزة شذوذاً قولهم: في أسنانهم أَلَلٌ؛ أي: يَلَلٌ، وهو: قِصَرُ الأسنان، أو ميلها إلى داخل الفم. ومثال قلب الألف همزة شذوذاً، قولهم: العَأْلَم والمُشْتَئِقُ؛ في قول الرّاجز: ... صَبْرا فَقَدْ هَيّجْتَ شَوْقَ المُشْتَئِقْ2 ... وأصله المُشتاق، فهَمَزه ضرورة؛ لأنها تُقابل لام (مُسْتَفْعِلُنْ) . ب - تخفيف المهموز: لا يخلو صوت الهمزة من صعوبة في النّطق؛ لبعد مخرجها في الحَلْق، وقد أشار إلى ذلك سيبويه؛ فقال: "اعْلَم أَنَّ الهَمْزَةَ إِنَّمَا فعَلَ بِهَا هَذَا مَنْ لّمْ يُخفّفها؛ لأنه بَعُدَ مخرجُها؛ ولأنّها نبْرةٌ في الصّدر تُخرج باجتهاد، وهِيَ أَبْعَدُ الحُرُوف مَخْرَجاً؛ فثَقُل عليهم ذلك؛ لأَنَّه كَالتَّهُوّع"3. ولعلّ هذا ما جعلهم يتّبعون مذاهب العرب في أدائها؛ من حيث التّحقيق، والتّخفيف، والبدل4.   1 ينظر: ص (315) من هذا البحث. 2 ينظر: سرّ الصناعة1/91، والخصائص 3/145، وشرح الشافية للرضى 2/250، 3/204، وشرح شواهد الشافية 175. 3 الكتاب 3/548. والتهوع: التقيؤ. ينظر: اللسان (هوع) 8/377. 4 ينظر: الكتاب 3/541. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وتحقيق الهمزة هو إعطاؤها حقّها من الأداء1؛ وهو لغة تميم2؛ نحو قولك: قَرَأْتُ، وسَأَلَ، ولَؤُمَ، وبَئِسَ3. أما التّخفيف ففيه ثلاث صور؛ وهي 4: 1- أن تُجعل الهمزةُ بينَ بين. 2- أن تُقلب (تُبْدل) 5. 3- أن تُحذف. أمّا الأول: فنُطْقُ الهمزةِ مع إضعاف الصوت وإخفائه، وعدم إتمامه؛ وله صورٌ ذكرها الصرفيون6. أمّا الثّاني: وهو قلبها أو إبدالها حرفاً من حروف العلة الواو والياء والألف؛ وهو المهمّ هنا؛ لأنه من المواضع الّتي يكثر فيها تداخل الأصول؛ كالموضع السابق - أعني: همْز المعتلّ - ولكنّه على عكسه.   1 ينظر: اللهجات في الكتاب 314. 2 ينظر: الكتاب3/42،533، وشرح المفصل لابن يعيش 9/107، والبحر المحيط 1/204، 3/236، والمزهر 2/276، واللهجات في الكتاب 314. 3 ينظر: الكتاب 3/541. 4 ينظر: الكتاب 3/541، ودقائق التصريف252. 5 يجوز هنا أن يستخدم مصطلحان؛ لأن الإعلال بالقلب في حروف العلة، والهمزة فرع من الإبدال؛ بينهما العموم والخصوص؛ فكل قلب بين تلك الحروف إبدال؛ وليس العكس. 6 ينظر: الكتاب 3/541،542. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ومِلاكُ القول في هذا أنّ الهمزة تُقلب حرفَ علةٍ وجوباً وجوازاً على النّحو التالي1: أولاً: قلب الهمزة حرف علةٍ وجوباً: وهذا يكون في موضعين: أحدهما الجمع الأقصى على (مَفَاعِل) فتُقلب فيه الهمزة ياءً؛ إن كانت عارضة في الجمع، وكانت لام الجمع معتلة أو مهموزة؛ نحو: قَضَايا2 جمع: قَضِيّةٍ، ومطايا جمع: مطيّة، وخطايا جمع: خَطِئةٍ. وتُقلب واواً: إذا كانت لام المفرد واواً سلِمت فيه من الإعلال؛ نحو: أَدَاوَى، وأصله (أَدَائِوُ) . وثانيهما: أن تلتقي همزتان في كلمة واحدة؛ فيجب قلب الثّانية حرف علة؛ لأن الثّقل حصل منها؛ نحو: آمَنَ، أصله: أَأْمَن، وإِيثَار أصله: إِئْثَار، وأُوتُمِن أصله: أُؤْتُمِن، وأَوَادِم في جمع آدَمَ، وأصلها: أَأَادِمُ. ثانياً: قلب الهمزة حرف علة جوازاً: ويكون ذلك في موضعين:   1 ينظر: شرح الشافية للرضى 3/59، ومنجد الطالبين 52، والقواعد والتطبيقات 36-47. 2 قلبت الياء الأولى همزة لوقوعها بعد ألف (مفاعل) وهي - في المفرد - مدة زائدة؛ فصارت: قضائي، وفتحت الهمزة العارضة للتخفيف، كما في عَذاري ومَداري؛ فصارت: قضاءيُ، ثم قُلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصارت قضاءا؛ فاجتمع شبه ثلاث ألفات فقلبت الهمزة ياء فصارت: قضايا. ينظر: القواعد والتطبيقات 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 1- إذا سُكّنت الهمزة المفردة؛ وتحرك ما قبلها جاز قلب الهمزة من جنس الحركة السّابقة؛ نحو: رَاسٍ في رَأْسٍ، وبِير في: بِئْر، ومُومن في: مُؤْمن. 2- إذا انفتحت الهمزة وضُمّ ما قبلها أو كُسر جاز قلب الهمزة من جنس حركة ما قبلها؛ نحو: جُوَنٍ في: جُؤَنٍ، ومِيرَة في: مِئَرَةٍ. ومن هنا عُرف فيما جاء على التّحقيق أو جاء مهموزاً تارة ومخفّفاً تارةً أخرى أنّ الأصل فيه الهَمْز "لأن ما كان مهموز الأصل فتخفيفه جائز، وما لم يكن مهموزاً في الأصل فهَمْزُه لحن، إلاّ ما كانت فيه علة موجبة لذلك"1 كما تقدم في هَمْز المعتلّ. على أن التسهيل - هنا - لا يُؤخذ على إطلاقه، فثمّة شرط يجب أن يتوفّر فيما يُخفّف؛ وهو ألاّ يؤدّي ذلك إلى تغيير دلالة اللّفظ؛ فالمُؤْكِلُ والمُوكِلُ، وزَأَرَ وزار، وبَدَأَ وبدا؛ ليس أحدهما مخفّفاً من الآخر؛ بل كلٌ منهما أصل مستقلٌ؛ لاختلاف المعنى بين الأصلين المهموز وغير المهموز2؛ ألا ترى أنّ المُؤْكِل: المُطْعِمُ، والمُوكِل: مَنْ وكّل غيره على أمر ليقوم به، وزَأَرَ الأسد: إذا صاح وزمْجر، وزار الرجل جاره بمعنى: عاده، وبدأ بالشيء، أي: فعله ابتداءً قبل غيره، أمّا بدا فمن قولهم: بدا يبدو إذا ظهر، وبدا إذا تحول إلى البادية، ونحوه. وقد يؤدّي مثل ذلك إلى تداخل الأصول، أو الشّك فيها؛ كقول الرّاجز: يَا صَاحِ أرْحِلْ ضَامِرَات العِيسِ ... وابْكِ عَلَى لَطْمِ ابْنِ خَيْرِ الفُوسِ 3   1 اشتقاق أسماء الله 294. 2 ينظر: شرح النظم الأوجز (مقدمة المحقق) 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وبدأ بالشيء، أي: فعله ابتداءً قبل غيره، أمّا بدا فمن قولهم: بدا يبدو إذا ظهر، وبدا إذا تحول إلى البادية، ونحوه. وقد يؤدّي مثل ذلك إلى تداخل الأصول، أو الشّك فيها؛ كقول الرّاجز: يَا صَاحِ أرْحِلْ ضَامِرَات العِيسِ ... وابْكِ عَلَى لَطْمِ ابْنِ خَيْرِ الفُوسِ 1   1 ينظر: اللسان (فأس) 6/158، وأنبه على أن في طبعة (دار صادر) لـ (لسان العرب) : (الفؤوس) ومثلها في طبعة (دار لسان العرب) وفي طبعة (بولاق) : (الفُؤْس) والراجح (الفُوْس) . أما (الفؤوس) فيأباه الوزن، وأما (الفؤس) فتأباه القافية؛ لأنها مردوفة بالواو أو الياء؛ وهما يتعاقبان في الردف في القصيدة الواحدة؛ كـ (صَبُور) و (سَمير) فدّل ذلك على أنها (الفُوس) بدلالة ما في آخر البيت الأول وهو (العيس) لأن الظاهر أن البيتين من مشطور الرجز؛ وإنما لم أقطع بذلك لأنه يجوز أن يكونا بيتاً واحداً مُصرّعاً؛ كما يقع في العادة في أول القصيدة. ومهما يكن من أمر فإن الرّويّ يرجح (الفُوْس) ويؤكد ذلك ما حكاه ابن منظور في تعليقه على أصل الكلمة، الذي أثبّته في المتن، أتراه يقول ما قال لو كانت: (الفُؤُوْس) ؟ أو حتى (الفُؤْس) ؟ بل إنه قال ذلك لما رآه (الفُوْس) فاحتملت الوجهين اللذين أشار إليهما، أي أنها في الأصل (الفؤوس) ثم حُذف منها للضرورة إما عين الكلمة وهو الهمزة، أو واو الجمع، وحذف العين أولى؛ لأن الواو جاءت لمعنى، وهو الجمع؛ فهي أولى بالبقاء؛ فإن كان المحذوف العين فوزن (الفوس) (الفُوْل) ، وإن كان الواو فالوزن (الفُعْل) لأنه بعد الحذف: (الفُؤْس) سُكّنت الهمزة وقد كانت مضمومة لضرورة الشعر، ثم سهلت الهمزة لضرورة القافية. والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 ألا ترى إلى ما حكاه ابن منظور في التّعقيب على البيت بقوله: "لا أدري أهو لجمع فأس، كقولهم: رُؤُوس في جمع: رأس، أم هي من غير هذا الباب؛ من تركيب (ف وس) "1. ومنه تداخل الأصلين في (مُؤْهِب) في قول الشّاعر: جَيْشُ المِحَمّيْنِ حَشّ النّارَ تَحْتَهُما ... غَرْثَانُ أَمْسَى بِوَادٍٍ مُؤهِبِ الحَطَبِ 2 قال أبو علي: "فمن أخذه من: الأُهْبَةِ والتّأهّب هَمَزَ إن شاء، ومن أَخَذَه من: وَهَبَ، وجعل الفاء والواو لم يَهْمِز، إلا على قول من قال: مُؤْسَى، وقد تُؤُوِّلَ البيت على الأمرين جميعاً"3. ولِيَتَمَيَّزَ الأصلان اشتغل فريق من علماء العربية في جمع ما يُهمز وما لا يُهمز من النّوعين: فأفرد ابن السكيت - مثلاً - أبواباً للهمْز في كتابه (إصلاح المنطق) ممّا يُقال بالهمزة مرّة وبالواو مرّة أخرى4، وما   1 اللسان (فأس) 6/158. 2 ينظر: الحجة للقراء السبعة 1/243، وأساس البلاغة (وهب) 510. 3 الحجة للقرّاء السبعة 1/243. 4 ينظر: إصلاح المنطق 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 يُقال بالهمز والياء1، وما هَمَزَه بعض العرب وترك هَمْزه بعضهم2، وما تركت العرب هَمْزه3، ونحو ذلك. وأفرد ابن قتيبة4 وابن سيده5 مثل تلك الأبواب. ثمّ جاء ابن مالك؛ فألّف كتاباً جامعاً في ذلك سمّاه: (شرح النظم الأوجز في ما يُهمز وما لا يهمز) جمع فيه أقوال السّابقين، وزاد عليها. أمّا تخفيف الهمزة بحذفها - وهو الصورة الثالثة - فيكون في "كلّ همزة متحركة كان قبلها حرف ساكن؛ فأَردت أن تخفّف حَذَفْتَها، وألقيت حركتها على السّاكن الذي قبلها؛ وذلك قولك: مَنَ بُوكَ؟ ومَنُ مُّكَ؟ وكَمِ بِلُك؟ إذا أردت أن تُخفّف الهمزة في الأبّ والأمّ والإبل"6. ومن ذلك قولهم: المَرَةُ والكَمَةُ في: المرأة والكمأة؛ وهو نوع من النّبات.   1 ينظر: إصلاح المنطق 159. 2 ينظر: إصلاح المنطق 151. 3 ينظر: إصلاح المنطق 158. 4 ينظر: أدب الكاتب 568-570. 5 ينظر: المخصص: 14/2-19. 6 الكتاب 3/545. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 أمّا البدل - وهو المذهب الثالث في مذاهب العرب في أداء المهموز - فالمقصود منه عموم البدل بين الهمزة وغيرها؛ فيدخل فيه المعتلّ وغير المعتلّ؛ كالتّبادل بين الهمزة والعين. أمّا المعتلّ فقد مرّ ذكره؛ وهو الصورة الثّانية من صور تخفيف الهمزة، أمّا التّبادل بين الهمزة وغير المعتلّ فليس من مواضع هذا المبحث. والّذي يراه البحث فيما جاء مخفّفاً وأصله الهمز، أو جاء مهموزاً وأصله غير الهمز والمعنى واحد، أن يُذكر في المعاجم في موضع واحد؛ لأنّه ليس له إلاّ أصل واحد؛ وللحفاظ على اطّراد النّظام المعجميّ الدّقيق، ودرء اتّساع معاجم القافية؛ مما لا موجِب له، ولتيسير سبيل اطّلاع القارئ على كلّ ما جاء في المادّة الواحدة في مكان واحد. ولا بدّ - هنا - من الإشارة إلى أنّ التّداخل بين المعتلّ والمهموز، في هذا المبحث، لا يُعزى كلُّه إلى همز المعتلّ أو تخفيف المهموز؛ إذ قد يُعزى إلى أسباب أخرى مختلفة؛ راجعة إلى طبيعة المعتلاّت كما أشرنا إلى ذلك فيما مضى، أو إلى طبيعة المهموز، أو إليهما معاً، وبخاصّة إذا وقعت الهمزة أو المعتلّ في أوّل الكلمة؛ وهو من مواضع زيادتهما؛ وكثيراً ما تلتبس بالأصليّ. والقسمة الجامعة للتّداخل في هذا المبحث على النحو التّالي: أ- التّداخل بين المثال والمهموز. ب- التّداخل بين الأجوف والمهموز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ج- التّداخل بين النّاقص والمهموز. د- التّداخل بين اللّفيف والمهموز. وعلى أنّ المراد من ذلك هو التّداخل بين الأصل المعتلّ والأصل المهموز؛ وليس المراد التّداخل بين الحرف والحرف. أ - التّداخل بين المثال والمهموز. يكثر التّداخل بين المثال والمهموز؛ لما مرّ من التّعاقب بين حرف العلّة والهمزة؛ أو لأن الهمزة وحروف العلّة قد يلتبس أمرها بين الأصالة والزّيادة في أوّل الكلمة. وفيما يلي بيان ذلك، وتفصيل حال التّداخل فيه: فمن هذا النّوع تداخل (وح د) و (أح د) في (أحد) و (إحدى) أوّل العدد؛ وهما يحتملان الأصلين: الرّاجح عند الجمهور أن الأصل (وح د) وأنّ الهمزة فيه مبدلة من الواو، وقد كان سيبويه يرى هذا؛ فقد قال: "وقالوا: أَحَدٌ؛ وأصله: وَحَدٌ؛ لأنّه واحد؛ فأبدلوا الهمزة لضعف الواو عوضاً لما يدخلها من الحذف والبدل"1. ويدلّ على أنّ أصله الواو - أيضاً - مجيئه بالواو؛ كقول النّابغة:   1 الكتاب 4/ 331. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 كَأَنّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي الجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ1 وقولهم (مَوْحَدٌ) يدلّ على أصالة الواو، ولو كانت الهمزة أصليّة لقالوا: (مَأْحَدٌ) ؛ مثل: مَأْخَذٍ من: أَخَذَ، ومَأْكَلٍ من: أَكَلَ، قال الشّاعر: ولَكِنّمَا أَهْلِي بِوَادٍ أَنِيسُه ... سِبَاعٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنى ومَوْحَد2 ويجوز أن يكون أصله (أح د) وهو بعيد؛ يردّه ما تقدّم، ولا يجوز أن يُقال: إنّ (الواحد) لا دليل فيه؛ إذ يجوز أن يكون أُبدل من الهمزة واو؛ فراراً من اجتماع الهمزتين3؛ وهو ثقيل كما تقدّم؛ فيكون أصله حينئذ (آحِداً) لأنّ ذلك غير مألوف في العربيّة؛ ألا تراهم لم يقولوا في: الآكِل والآمِل والآمِن والآسِر، ونحو ذلك: الواكل والوامل والوامن والواسر. وعلى الرُّغْم من ذلك فقد وضعه أكثر المعجميّين في الأصلين، ومنهم: الجوهريّ4 وابن منظور5 والفيروزآباديّ6.   1 ديوانه 17، وينظر: الزّينة 2/36، واشتقاق أسماء الله 91. 2 هو ساعدة بن جؤّيّة الهذلي. ينظر: شرح أشعار الهذليين 3/1166، والزّينة 2/36. 3 أعني الهمزة والألف. 4 ينظر: الصحاح (أحد) 2/440، و (وحد) 2/548. 5 ينظر: اللسان (أحد) 3/70، و (وحد) 3/446. 6 ينظر: القاموس (أحد) 338، (وحد) 414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ووضعه الزمخشريّ1 في (وح د) عل الصّحيح. ومنه تداخل (أب ب) و (وب ب) في (الوَبِّ) وهو: التّهيّؤ للحملة في الحرب؛ يقال: وبّ الرّجل؛ إذا تهيّأ للحملة في الحرب؛ وهو يحتمل الأصلين: جعله الأزهري2 من (أب ب) وذكر أنّ الواو في (الوَبِّ) مبدلة من الهمزة. وجعله الصّاغانيّ3 من (وب ب) وتابعه الفيروزآباديّ4. وذكره ابن منظور5 في الأصلين. ومن أمثلة هذا النّوع تداخل (ود د) و (أد د) في (أُدَد) وهو أبو عدنان؛ أدُّ بن طابخة بن إلياس بن مضر6، وهو يحتمل الأصلين: ذهب ابن دريد إلى أنّ أصله (ودد) وقال: "وأحسب أن الهمزة في: أُدٍّ، واو؛ لأنه من الوُدِّ أي الحب فقلبوا الواو همزة، لانضمامها؛ نحو   1 ينظر: أساس البلاغة (وحد) 493. 2 ينظر: التهذيب (15/599) . 3 ينظر: التكملة (وبب) 1/282. 4 ينظر: القاموس (وبب) 180. 5 ينظر: اللسان (أبب) 1/205، (وبب) 1/791. 6 ينظر: جمهرة النسب 189، وجمهرة أنساب العرب 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 {أُقِّتَتْ} 1 وأُرِّخ الكتاب؛ الأصل: وُرِّخ2، ووَقِّتَتْ"3. وذهب الجوهريّ4 إلى أنّ أصله (أدد) وتابعه ابن منظور5 والفيروزآباديّ6. ويتداخل في هذا النوع (أل ق) و (ول ق) في (الأَوْلَق) وهو: ضرب من الجنون؛ وهو يحتمل الأصلين.7 يجوز أن يكون أصله (أل ق) من تألّق البرق إذا خفق؛ وذلك أنّ الخفوق ممّا يصحبه الانزعاج والاضطراب، وكذلك الأولق؛ فوزنه - حينئذ (فَوْعَل) وهو مذهب سيبويه8 والجمهور، واستدلّوا على ذلك بقولهم: أُلق الرّجل؛ فهو مألوق9؛ فدلّ ذلك على أصالة الهمزة.   1 سورة المرسلات: الآية 11. 2 الأعرف أن (وَرّخ) لغة في (أرّخ) وأن الهمزة هي الأصل. ينظر: اللسان (أرخ) 3/4. 3 الجمهرة 1/55. 4 ينظر: الصحاح (أدد) 2/440. 5 ينظر: اللسان (أدد) 3/71. 6 ينظر: القاموس (أدد) 338. 7 ينظر: الكتاب 3/195، والأصول 3/232، وما ينصرف 15، والتكملة للفارسي 232، والواضح 264، والمنصف 1/113، والتخمير 4/306، وسفر السعادة 1/94. 8 ينظر: الكتاب 3/195. 9 ينظر: المقتصد 2/787. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وربّ قائل يقول: إنّه ليس في قولهم: (أُلِقَ) دليل على أصالة الهمزة؛ فقد تكون منقلبة عن الواو المضمومة؛ فيكون أصله - حينئذ (وُلِقَ) ثمّ قُلبت الواو همزة؛ على حدّ قولهم: (أُزِنَ) و (أُعِدَ) في: (وُزِنَ) و (وُعِدَ) فلا تكون حجة في (أُلِقَ) . فالجواب أنّ قولهم: مألوق دليل أصالة الهمزة؛ فلو كانت الهمزة في (أُلِقَ) منقلبة عن الواو في (وُلِق) لزالت في اسم المفعول لزوال الضّمّة الموجبة للقلب؛ فكان يجب أن يُّقال - حينئذ (مَوْلُوقٌ) كما يقولون: (أُعِدَ) فهو (مَوْعود) ولم يُسمع قولهم: (مَأْعود) كما لم يقولوا: (مَوْلُوقٌ) وكقولهم: اُقِّتَت وتَوَقَّتَت؛ فاستُدلّ بذلك على أنّ الهمزة في (أُلِقَ) أصليّة غير منقلبة عن واو.1 قال ابن جنيّ: "ولو جاز لمدعٍ أن يقول: إنّ أصل أُلِقَ: وُلِقَ - من غير دلالة، ومع أنّ الهمزة ثانية في تصريف الكلمة بحيث لا موجب للقلب - لجاز لآخر - أيضاً - أن يقول: إنّ أصل: أُخذ: وُخِذَ، وإنّ أصل: أمّ: وُمّ، وإنّ أصل أُكل: وُكل، من غير دلالة ولا ثبت. ولو جاز ذلك لخرج الأمر من باب طريق العلم إلى الجهل، وارتكاب ما لا حقيقة له، واعتقاد ما لا دليل عليه".2   1 ينظر: المنصف 1/114، والمقتصد 2/787. 2 المنصف 1/116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وهذا - أعني القول بأنّ الأصل (أل ق) - مذهب الجماعة؛ كابن السّرّاج1 والزّبيديّ2 وأبي عليّ3 وابن جنّيّ4 والصّيمريّ5 والجواليقيّ6 وابن يعيش7 والرّضيّ8 والسّخاويّ9. وجعله الجوهريّ - أيضاً - من (أل ق) وفاقاً للجمهور، غير أنّه سها - رحمه الله - في استدلاله على أنّه يجوز أن يكون (أَفْعَل) بقولهم: أُلِقَ الرجل فهو مَأْلوقٌ، وهو دليل لعكس ما ذكر، وهو (فَوْعَل) . 2- ويجوز أن يكون أصله (ول ق) فيكون وزنه (أَفْعَل) واشتقاقه - حينئذ - من (وَلَقَ) يَلِق إذا أسرع، ومنه قراءة عائشة وابن عباس - رضي الله عنهما -: {إذ تَلِقونَه بألسنتكم} 10 وقول الشاعر:   1 ينظر: الأصول 3/232. 2 ينظر: الواضح 264. 3 ينظر: التكملة 232. 4 ينظر: المنصف 1/113-116، والخصائص 3/291. 5 ينظر: التبصرة 2/789. 6 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه 47. 7 ينظر: شرح المفصل 9/145. 8 ينظر: شرح الشافية 2/343. 9 ينظر: سفر السعادة 1/94. 10 سورة النور: الآية 15، وينظر: مختصر شواذ القرآن 100، والمحتسب 2/104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 جَاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ1 ... وأصل (تَلِق) (تَوْلِقُ) . ولعلّ أول من ذهب إلى هذا: الكسائيّ.2 ويحتمل - أيضاً - أن يكون على وزن (فَوْعل) كالسّابق، ولكن من الأصل (ول ق) فيكون أصل أَوْلَق: (وَوْلَق) أُبدلت الواو الأولى فيه همزة؛ لالتقاء الواوين في أولّ الكلمة؛ على حدّ قولهم في تصغير: وَاصل (أُوَيْصِلٌ) وأصله (وُوَيْصلٌ) 3. وتظهر ثمرة هذا الخلاف عند التّسمية به، فإن جُعل (أَفْعَل) فإنّه لا ينصرف، وإن جُعل على وزن (فَوْعَل) فإنّه ينصرف. والرّأي هو ما عليه الجمهور من أنّ أصله (أَلَقَ) وأنّه (فوعل) لقوّة ما استدلوا به. وتبعاً لاختلافهم في أصل هذا اللفظ اختلفت المعاجم فيه؛ فقد ذكره الأزهريّ4 في (أل ق) وكذا الجوهريّ5.   1هو: القُلاح بن حزن المنقريّ؛ ينظر: تهذيب الألفاظ 299، وما ينصرف 15، والتكملة 232، والمحتسب 2/104، والمحكم 6/350، وإيضاح شواهد الإيضاح 2/890. 2 ينظر: المنصف 1/116. 3 ينظر: ما ينصرف 15، والخصائص 1/9، وإيضاح شواهد الإيضاح 2/890. 4 ينظر: التهذيب 9/310. 5 ينظر: الصحاح (ألق) 4/1447. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وذكره ابن فارس1 في (ول ق) . وذكره جماعة من المعجميّين في الموضعين؛ ومنهم: ابن سيده2 وابن منظور3 والفيروزآباديّ4. ومن ذلك (أوْهَدَ) وهو من أسماء يوم الاثنين؛ ويحتمل الأصلين (أهـ د) و (وهـ د) : ذهب كراعٌ5 إلى أنه (فوعل) فيكون أصله (أهـ د) لأنّه نظير (أَوْلَق) . على أنّه لا دليل فيه على أصالة الهمزة؛ كـ (أَوْلَق) وحمله عليه لا يكفي، ويُضعفه ـ أيضاً ـ أنّ (أهـ د) أصل مهمل. وقياس مذهب سيبويه6 أن يكون (أوْهَد) من (وهـ د) ولا يُقاس على (أَوْلَق) عنده؛ لأنه لا دليل فيه ـ كما ذكرت ـ كما في (أَوْلَق) ولذلك حُمل على (أَفْعَل) لأنّه أكثر من (فَوْعَل) .   1 ينظر: المقاييس (ولق) 6/145. 2 ينظر: المحكم (ألق) 6/292، و (ولق) 6/350. 3 ينظر: اللسان (ألق) 10/7، و (ولق) 10/384. 4 ينظر: القاموس (ألق) 1117، و (ولق) 1199. 5 ينظر: المحكم 4/298، وذكره كراع في المجرد 235 ولم يذكر وزنه. 6 ينظر: الكتاب 3/195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وفي هذا الأصل ذكره: ابن سيده1، وابن منظور2، والفيروزآباديّ3. ومن ذلك تداخل (وأ ب) و (ت أب) في (التَّوْأَبَانِيَّينِ) وهما قادمتا الضّرع في قول الشاعر: فَمَرَّتْ عَلى أَطْرَافِ هِرٍّ عَشِيَّةً ... لَهَا تَوْأَبَانِيَّانِ لَمْ يَتَفَلْفَلا 4 وكان الأصمعي يقول: "ولا أدري ما أصل ذلك"5 يريد أنه لا يعرف اشتقاقه، ومن أين أُخذ؟ وشكّك أبو عبيدة فيه، وذكر أنّ العرب لاتعرفه6. فإن كان هذا عربيّاً فإنه يحتمل الأصلين:   1 ينظر: المحكم (وهد) 4/298. 2 ينظر: اللسان (وهد) 3/471. 3 ينظر: القاموس (وهد) 418. 4 هو ابن مقبل. ينظر: الصحاح (تأب) 1/90، وقوله: (لم يتفلفلا) أي: لم تسود حلمتهما. 5 ينظر: التنبيه والإيضاح 1/44. 6 ينظر: الصحاح (تأب) 1/90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 يجوز أن يكون أصله (ت أب) وهو رأي الجوهريّ1، وتابعه ابن منظور2. ويجوز أن يكون أصله (وأ ب) وإلى هذا ذهب أبو عليّ الفارسيّ3، وذكر أنّ تَوْأَبَاً (فَوْعَل) والتّاء بدل من الواو، فهو من الوَأْب؛ لأن الثّدْيَ الصّغير صُلب متوتِّر، وذاك أنّ نزول اللّبن فيه، وارتضاع الفصيل منه لم يُرْخه، ووصْفه بالصّلابة كوصفهم الحافر بها في قول الراجز: بِكُلِّ وَأبٍ لِلْحَصَى رَضَّاخِ4 ... وقاسه - أيضاً - على (حَوْفَزَان) وهو اسم رجل، و (حَوْتَنَان) وهو اسم موضع؛ وهما (فَوْعَلان) وكذلك (تَوْأَبَان) . فيكون أصله قبل القلب - على رأي أبي عليّ (وَوْأَبَان) ثمّ أُلحق ياءً مشدّدة زائدة5، كما زادوها في (عاريّة) وهم يريدون (عارة) وفي (أَحْمَرِيٍّ) وهم يريدون (أحمر) ثمّ ثنّوه فقالوا: (تَوْأَبَانِيَّانِ) .   1 ينظر: الصحاح (تأب) 1/90. 2 ينظر: اللسان (تأب) 1/225. 3 ينظر: البصريّات 1/233-235. 4 وهو: أبو النجم العجلي؛ ينظر ديوانه 81، والوأب: القدح الضخم الصلب، ورضّاخ من رضخ النّواهـ؛ إذا كسرها. ينظر: التّاج (وأب) 1/499. 5 ينظر: التنبيه والإيضاح (تأب) 1/45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ب - التّداخل بين الأجوف والمهموز: وهذا هو النّوع الثّاني من أنواع التّداخل؛ بين المعتلّ والمهموز، وهو ممّا يكثر فيه التّداخل. فمنه تداخل (ل ي ت) و (أل ت) في قوله عز وجلّ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} 1 أي: ما أنقصناهم؛ وهو يحتمل الأصلين: يجوز أن يكون الأصل (أل ت) وذهب إلى ذلك الفرّاء؛ فقال: (الألت النّقص) 2. وهو مذهب الزّجّاج3 - أيضاً- فقد ذكر أنّه يُقال: أَلَتَه يَألِتُهُ: إذا نَقَصَه، ومنه قول الشاعر: أَبْلِغْ سَرَاةَ بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً ... جَهْدَ الرِّسَالَةِ لا أَلْتاً ولا كَذِبَا4 أي: لا نقصان. وعلى هذا فـ {أَلَتْنَاهُمْ} على وزن (فَعَلْنَاهُمْ) .   1 سورة الطور: الآية 21. 2 معاني القرآن 3/92. 3 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 5/66. 4 وهو: الحطيئة كما في ديوانه 17، ينظر: معاني القرآن للفراء 3/92، والمحتسب 2/291، والجامع لأحكام القرآن 16/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ويقوّي هذا الأصل قراءة أبي عمرو ويعقوب في قوله - عز وجل -: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} 1: {لا يَأْلِتْكُم} 2 ويقوّيه - أيضاً - قراءة ابن هرمز: (ألتناهم) بالمدّ؛ من: آلَتَ على وزن (أَفْعَلَ) كما ذكر أبو حيّان3. ويجوز4 أن يكون الأصل (ل ي ت) من قولهم: لاتَهُ يَليِتُهُ ليْتاً؛ إذا نقصه وصرفه، ومن ذلك قول الشّاعر: وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ ... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ5 أي: لم يصرفني عنها صارف، أو نقصٌ بي، أو عجزٌ منّي. وعلى هذا التقدير فإنّ وزن {أَلَتْنَاهُمْ} (أَفَلْناهُم) وتقديره في الأصل: (أَليَتْنَاهُم) (أَفْعَلْنَاهُم) وتقديره بعد الإعلال: (أَلاْتنَاهُم) فَحُذِفَتِ العَين؛ وهيَ حرف العلّة؛ لالتقاء السّاكنين.   1 سورة الحجرات: الآية 14. 2 ينظر: التبيان 2/1172، وحجة القراءات 676، وإتحاف فضلاء البشر 2/486. 3 ينظر: البحر المحيط 8/149. 4 ينظر: معاني القرآن للفراء 3/92، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/66، والمحتسب 2/290، والتبيان 2/1172. 5 ينظر: معاني القرآن للفراء 3/92، ومجاز القرآن 2/221، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/66، والمحتسب 2/290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ولات وألات من (ل ي ت) وهما من باب: فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ؛ بمعنى واحد1. ويقوّي هذا الأصل - أعني: ل ي ت - قراءة: {مَا لِتْنَاهُم} 2 وقوله عزّ وجلّ: {لا يَلِتْكُمْ} 3 فهو من (ل ي ت) والأصل فيه ـ قبل الجزم (يَلِيتُكم) وقد حُذِفت الياء بعد الجزم؛ لالتقاء السّاكنين. وقد ذكره ابن منظور في الأصلين4. وليس - هنا - ما يُرجَّح به أصل على الآخر؛ فلكل منهما وجه في اللّغة والصّناعة، ولا أستبعد أن يكون (أل ت) و (ل ي ت) من مقلوب (ل أت) ثمّ خُفِّفَتِ الهمزة؛ فنُسي الأصل؛ فجاء المضارع بالياء، فقالوا: لاتَ يَلِيتُ. ولو قال قائل: إنّهما أصلان من باب التّرادف لكان وجهاً؛ ألا ترى أنّ الجوهريّ5 سوّى بينهما؛ فلا تداخل - حينئذ - لأنّهما أصلان مترادفان؛ مثل: جَدَّ ودَأَبَ، والأسد واللّيث.   1 ينظر: فعلت وأفعلت للزجاج 85، وما جاء على فعلت وأفعلت 66، وثلاثيات الأفعال 74. 2 ينظر: إتحاف فضلاء البشر 2/496، والمحتسب 2/290. 3 سورة الحجرات: الآية 14. 4 ينظر: اللسان (ألت) 2/4، و (ليت) 2/86. 5 ينظر: الصحاح (ألت) 1/241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 على أنّ اليزيديّ1 جعل لغة أَلَت بمعنى: نقص أكثر من أختها؛ فإن صحّ ما قال يكون (أل ت) هو الأصل. ويتداخل (أون) أو (أي ن) و (م أن) في (مَؤُونَةٍ) وهي: الإنفاق على العيال وغيرهم، وقد اختلفوا في أصلها: يرى سيبويه2 أنّ الأصل (م ون) فهي (فَعُولَة) من: مُنْتُ الرّجل أمونُه، وأصلها (مَوُوْنَة) بلا همز؛ كقولهم: قَوُوْمٌ من القيام، ونَوُوْم من النّوم ثمّ هُمزت الواو الأولى استحساناً للزوم الضّمّة لها؛ فصارت مَؤُونَة مثل: قَؤُوم ونؤُوم. ويدلّ على ذلك قولهم: مانه يمونه؛ إذا احتمل مَؤونته، وقام بكفايته؛ وهذا اشتقاق ظاهر3. وذهب الفرّاء إلى أن أصلها (أي ن) من الأيْن؛ وهو التّعب الشّديد؛ فيكون المعنى على هذا الاشتقاق أنّه عظيم التّعب في الإنفاق على من يعول ووزن مَؤُونَة عند الفرّاء (مَفْعُلَة) لأنّ الأصل (مَأْيُنَةٌ) نُقِلت الضّمة إلى ما قبلها، وقُلبت الياء واواً.   1 ينظر: الصحاح (ألت) 1/241. 2 ينظر: المحتسب 1/214، ولم أقف عليه في الكتاب، ولعله مما يُنسب إليه؛ ولم يكن في الكتاب. 3 ينظر: شرح الشّافية للرضيّ 2/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ولا يجوز على مذهب الخليل1 في الإعلال أن تكون (مَؤُوْنَةٌ) من (الأَيْن) لأنّها لو كانت منه لقالوا: (مَئِينَةٌ) كما قالوا: (مَعِيشَة) وهي (مفعلة) ولكنّ (مَعْيُشَةً) حين أُعلّت بنقل ضمّة الياء إلى العين أُبدل من الضمّة كسرة؛ لتسلم الياء بعدها. ويجوز على مذهب الأخفش2 أن تكون (مَؤُونَة) من (الأَيْنِ) لأنّه أجاز (مَعُوشَةً) من العيش. ويرى ابن السّرّاج أنّ (مَؤُونة) (مَفْعَلة) ولكنّها من (أون) واشتقاقها من الأوْن؛ فهو يقول "ومَؤُونة ـ عندي؛ وهو القياس (مفعلة) مأخوذ من الأوْن، يُقال للأتان إذا أقْربت3، وعظُم بطنها: قد أوّنت، وإذا أكل الإنسان وشرب، وامتلأ بطنه وانتفخت خاصرتاه، يقال: أوّن تأْويناً؛ قال رؤبة: سرّاً وقد أَوَّنَ تَأوين العُقُق4 ويُقال - أيضا - الأوْنان جانبا الخُرج، فينبغي أن يكون: مَؤُونة مأخوذة من: الأوْن؛ لأنّها ثِقَل على الإنسان"5.   1 ينظر: الأصول 3/349. 2 ينظر: شرح الشّافية للرضيّ 3/349، والمنصف 1/298. 3 أي: فرب وقت ولادتها. 4 ينظر: ديوان رؤبة 108. 5 الأصول 3/349، 350. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ولا يرد على ابن السراج ما يرد على الفرّاء؛ لأنّ العين واو. وما عُزي إلى سيبويه من أنّها (فعولة) من (المَوْن) أقرب - في الاشتقاق - من مذهب ابن السّرّاج؛ لقولهم: مانه يمونه؛ وهما متساويان في التّصريف. على أنّ الشّيخ عبد القادر المغربيّ1 رجّح الأصل المعتلّ، وأنّها (مَفْعُلة) وذكر أنّهم إنّما قالوا: مَأَنَه يَمْؤُنُه؛ على توهّم أصالة الميم؛ لمّا كثر استعمال الكلمة، ثمّ خفّفوه إلى: مانه يمونه. وقد تأثّر أصحاب المعاجم بالخلاف في أصل هذه الكلمة؛ فمنهم من اختار أصلا واحداً، ومنهم من وضعها في الأصلين، ومنهم من وضعها في ثلاثة أصول؛ فقد وضعها الفيروزآباديّ2 في (م أن) ووضعها الجوهريّ3 في الأصلين، ووضعها ابن منظور4 في ثلاثة: (أون) و (م أن) و (م ون) . ومن أمثلة هذا النّوع تداخل (ق وب) و (ق ب أ) في (قُوْبَاء) على لغة تسكين الواو: داء يظهر على الجلد؛ وهو يحتمل الأصلين:   1 ينظر: الشواهد على قاعدة توهم أصالة الحرف 365. 2 ينظر: القاموس (مأن) 1590. 3 ينظر: الصحاح (مأن) 6/2198، و (مون) 6/2209. 4 ينظر: اللسان (أون) 13/39، و (مأن) 13/396، و (مون) 13/425. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ذهب سيبويه1 إلى أنه من (ق وب) ووزنه (فُعْلاء) وعلى هذا الجمهور2. ويجوز أن يكون أصله (ق ب أ) ووزنه (فُوعَال) 3. وقد يكون في قولهم: (هذا قُوْبَاء) بالتّذكير والصّرف دليل على أصالة الهمزة؛ غير أنّ سيبويه حمله على الإلحاق ببناء فُسطاط مستدلاً بالتّذكير والصّرف4. ومن التّداخل بين الأجوف والمهموز ما وقع في (أُعْيَبَ) وهو موضع باليمن، إذ يحتمل الأصلين (ع ي ب) و (أع ب) : فقيل5 إنّه (فُعْيَل) فيكون أصله - حينئذ - (أع ب) . وجعله الصّاغانيّ6 من (ع ي ب) فيكون وزنه (أفْعَل) وقال: إنه الصّواب، وقد أُخرج على الأصل. وأجاز الفيروزاباديّ7 الوجهين، وأدّى ذلك إلى اعتراض الزّبيديّ عليه بقوله: (وقد سبق في كلام المصنّف في (ع ل ب) أنّه ليس في   1 ينظر: الكتاب 4/257. 2 ينظر: الأصول 3/196، وأدب الكاتب 565، والممتع 1/122، والمساعد 4/65. 3 ينظر: المساعد 4/65،67،86. 4 ينظر: الكتاب 3/215. 5 ينظر: التكملة للصاغاني (عيب) 1/224. 6 ينظر: التكملة للصاغاني (عيب) 1/224. 7 ينظر: القاموس (عيب) 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 كلامهم (فُعْيَل) غير: عُلْيَب1، ولو كان: أُعْيَبُ (فُعْيَلاً) لوجب ذكره في الهمزة) 2. ويتداخل (ت ور) أو (ت ي ر) و (ت أر) في (تارة) وهو اسم يدل على وقت؛ ويحتمل الأصلين: يجوز أن يكون أصله (ت ور) أو (ت ي ر) حملاً على الظّاهر، وقد أورده ابن منظور3 في هذا الأصل، وجعله الجوهريّ4 من (ت ي ر) وصنيع ابن منظور أقرب؛ لأنّ الواو أغلب على العين من الياء. وجعله ابن الأعرابيّ5 من (ت أر) وذكر أنّها في الأصل (تَأْرَةٌ) بالهمز، ولمّا كثُر استعمالها خُفّفت؛ فقالوا: تارة. وفيما يلي بعض ما وقع فيه التّداخل بين الأجوف والمهموز: فيتداخل في الظَّأْب - وهو الزَّجَل (ظ أب) 6 و (ظ وب) 7.   1 وهو: واد على طريق اليمن بتهامة. ينطر: معجم ما استعجم 2/965. 2 التّاج (عيب) 1/403. 3 ينظر: اللسان (تور) 4/96. 4 ينظر: الصحاح (تير) 2/603. 5 ينظر: التهذيب 14/309. 6 ينظر: اللسان (ظأب) 1/568. 7 ينظر: التاج (ظأب) 1/360، و (ظوب) 1/362. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 و (ث وج) و (ث أج) في قولهم: ثَاجَت البقرة؛ إذا صوّتت1. و (ج ون) و (ج أن) في (جَوْنة) العطّار2. و (م وت) و (م أت) في (مُؤْتة) وهو موضع بالشّام3. و (ق ون) و (ق أن) في (القَان) وهو ضرب من الشّجر4. و (ز ور) و (ز أر) في (الَّزيّر) وهو: الغضبان من الرجال5. و (ف ور) و (ف أر) في (فأرة المسك) 6. و (ر ود) و (ر أد) في (الرِّئْد) وهو التّراب7. و (م وس) و (م أس) في (الرّجل الماس) وهو الذي لا يلتفت إلى موعظة من أحد8.   1 ينظر: المحكم 7/375. 2 ينظر: اللسان (جون) 13/103. 3 ينظر: الصحاح (موت) 1/268، واللسان (موت) 2/94. 4 ينظر: المحكم 6/293. 5 ينظر: التكملة للصاغاني (زور) 3/16. 6 ينظر: القاموس (فأر) 583. 7 ينظر: اللسان (رأد) 3/170. 8 ينظر: اللسان (مأس) 6/213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ج - التّداخل بين النّاقص والمهموز: وهذا ممّا يكثر فيه التّداخل - أيضاً. فمنه تداخل (فِنْعَلْو) و (فِنْعَأل) في عدد من الكلمات المتشابهة في البناء، كـ (حِنْطَأْو) وهو عظيم البطن من الرّجال، و (سِنْدَأْوٍ) وهو الجريء المُقدم، و (عِنْدَأْوٍ) وهو الدّاهية أو الجريء المُقدم - أيضاً - و (قِنْدَأوٍ) وهو الصّلب الشديد، و (كِنْثَأْوٍ) وهو عظيم اللّحية. وقد اختلف الّغويّون في أصول هذه الكلمات: فذهب ابن دريد إلى أنّها (فِنْعَأل) وذكرها في هذا الباب من (الجمهرة) 1، وأشار إلى أنّ الهمزة زائدة، والواو المتطرفة أصليّة. وذهب الجمهور2 إلى أنّ وزنها (فِنْعَلو) . ومن أوائل الذين نصّوا على ذلك سيبويه حين قال: "ويكون على (فِنْعَلو) في الصِّفة، قالوا: حِنْطَأْوٌ، وكِنْدَأْوٌ، وسِنْدَأْوٌ، وقِنْدَأْوٌ ... ولا نعلمه جاء اسماً"3.   1 ينظر: الجمهرة 3/1240. 2 ينظر: الكتاب 4/269، والمنصف 1/32، 1/164، والمقتصد في شرح التكملة 2/842، وشرح الملوكيّ 183، والممتع 1/269. 3 الكتاب: 4/269،270. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ولعلّ الّذي حمله على ذلك أنّهم وجدوا؛ في هذه الأمثلة، ثلاثة من أحرف الزّيادة؛ وهي النّون والهمزة والواو، ويتبقّى من كل مثال حرفان أصليّان ليسا من أحرف الزّيادة. ومن هنا فإنّه يتعيّن أن يكون أحد الثّلاثة أصلياً؛ ليبلغ المثال حدّ الثّلاثيّ؛ فابتدؤوا بأقرب الثّلاثة إلى الزّيادة، وهي الواو، فقضوا عليها بالزّيادة؛ لأمور: أحدها: أنّ الواو لا تكون أصلا في ذوات الخمسة أو الأربعة على هذا السّبيل1. ثانيها: أنّهم وجدوا الواو ملازمة لهذا الموضع في تلك الأمثلة؛ فدلّ لزومها ذلك المكان - عندهم - على زيادتها2؛ مثل لزوم الألف الموضع الثّاني من اسم الفاعل في صيغة (فاعل) والواو الرّابعة في اسم المفعول من صيغة (مفعول) وكذلك الواو في (قِنْدَأْوٍ) وأخوتها؛ الملازمة لموضعها؛ وإن لّم تدل على معنىً كما في (فاعل) و (مفعول) فشُبّهت بذلك. ثالثها: أنّ العرب لا تكاد تجعل الواو في آخر الاسم3. ولعلّها زيدت في ذلك الموضع؛ لأن الهمزة قبلها تخفى في الوقف   1 ينظر: المنصف 1/164، والمقتصد 2/842. 2 ينظر: شرح الملوكيّ لابن يعيش 183، والممتع 1/269. 3 ينظر: المنتخب 2/695. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 "فاختصّت بها ليكون لزوم البيان عوضاً في هذا لما يدخلها من الخفاء"1. فإذا قُضي على الواو بالزّيادة لهذه الأمور أو ترجّح ذلك - بقيت الهمزة والنّون، كان لابدّ أن يكون أحدهما أصلاً، وكانت النّون أولى بالزّيادة من الهمزة؛ لأنّ الهمزة وقعت حشواً؛ وهو موضع عزيز عليها في الزيادة2. بخلاف النّون؛ وهي ثانية؛ فإنّ زيادتها في هذا الموضع أكثر من زيادة الهمزة حشواً. وثمّة أمر آخر؛ وهو أنّ النّون لازمت هذا الموضع في تلك الأمثلة؛ كما لزمت النّون باب (جُنْدَب) و (عُنْطب) و (عُنْضَل) فدلّ ذلك على زيادتها. قال الخليل: "وأُحتُجّ بأنّه لم يجئ بناء على لفظ (قِنْدَأوٍ) إلا وثانيه نون، فلمّا لم يجئ على هذا البناء بغير نون علِمْنا أنّ النّون زائدة فيه"3. فإن قيل: فإن الهمزة - أيضاً - قد لازمت المثال، فالجواب أنّه لا يمكن ـ أيضاً ـ القضاء بزيادتها مع زيادة النّون؛ لئلا يؤدّي إلى بقاء الاسم على أقلّ من ثلاثة أحرف؛ إذ الواو زائدة. فلمّا تعذرت زيادتهما معاً قُضي بزيادة النّون"4.   1 الكتاب 4/322. 2 ينظر: الممتع 1/269. 3 العين 5/195. 4 الممتع 1/269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ولعلّ مما يؤكد زيادة النّون ظهورها زائدة بالاشتقاق في أحد الأمثلة؛ وهو (كِنثَأْوٌ) لأنّهم قالوا: (كَثَأَثْ لحيته) إذا كانت كِنْثَأْواً، ومن ذلك قول الشاعر: وَأَنتَ امْرُؤٌ قَدْ كَثَأَتْ لَكَ لِحْيَةٌ ... كَاَنَّكَ مِنْهَا قَاعِدٌ فِي جُوَالِق1 فينبغي أن يُحمل ما لم يُعلم اشتقاقه من تلك الأمثلة على ما عُلم اشتقاقه؛ وهو (كِنْثَأْوٌ) 2. وعلى الرُّغم من ذلك فقد قيل: إنّ النّون أصليّة، وإنّ الزّائد الهمزة والواو3؛ وهو قول ضعيف. وليس غريباً - على هذا - أن تختلف المعاجم في تحديد موضع هذا اللّفظ منها؛ ولكنّ الغريب أن يضطرب فيه المعجم الواحد فيقع في ما يُشبه التّناقض؛ ألا ترى كيف وضع ابن منظور بعضه في الثّلاثيّ، وبعضه في الرّباعيّ؛ فـ (عِنْدَأوٌ) و (قِنْدَأْوٌ) وضعهما في الثّلاثيّ4 في حين وضع (حِنْطَأْواً) و (سِنْدَأواً) في الرّباعيّ (حنطأ) و (سندأ) 5.   1 ينظر: الإبدال لابن السكيت 85، والأمالي للقالي 2/79، والمنصف 1/165، وشرح الملوكي 184. 2 ينظر: شرح الملوكي 184، والممتع 1/270. 3 ينظر: شرح الكواكب للسيرافي 5/609، والارتشاف 1/29. 4 ينظر: اللسان (عدأ) 1/119، و (قدأ) 1/128. 5 ينظر: اللسان (حنطأ) 1/61، و (سندأ) 1/95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 كما أنّه خالف فيما وضعه في الثّلاثيّ؛ فبعضه في المهموز ومنه (عِنْدَأْو) ذكره في (عدأ) 1، وبعضه في الحرف الذي قبل الهمزة، ومنه (حِنْتَأْوٌ) . ووضع بعضه في موضعين، ومنه (سِنْدَأْوٌ) 2. وقد كان الفيروزآباديّ دقيقاً في ذلك حين وحّد بينهما، واختار لنفسه أصلاً واحداً3. ومن التّداخل بين النّاقص والمهموز ما وقع من تداخل بين (ن ب و) و (ن ب أ) في النّبيّ والنّبوة؛ وقد اختلفوا في أصله4: فذهب فريق إلى أنّ أصله (ن ب أ) واشتقاقه من قولهم: أنبأ عن الله؛ أي: أخبر عنه - عز وجل - والنّبأ: الخبر. وهذا مذهب أكثر أهل اللّغة5، وعلى رأسهم: الخليل6،   1 ينظر: نفسه (عدأ) 1/119. 2 ينظر: نفسه (حنث) 2/26. 3 ينظر: القاموس (حتأ) 46، و (حطأ) 47، و (سدأ) 54، و (عدأ) 60، و (قدأ) 62، و (كثأ) 63. 4 ينظر: الكتاب 3/460، وشرح الكتاب للسيرافي 5/635، ومعاني القرآن للزجاج 1/145. 5 ينظر: اشتقاق أسماء الله 293. 6 ينظر: العين 8/382. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وسيبويه1، وأصل النبي عندهم (النَّبِيْء) وهو (فعيل) بمعنى فاعل2، ثمّ تركت العرب همزه على سبيل الإبدال لا التّخفيف؛ لأنّ ما تُرك همزه تخفيفاً قد يُهمز تارة ويُخفف أخرى، وأمّا ما تُرك همزه على طريق الإبدال، فهمزه غير جائز، إلا في لغة من لا يرى البدل فيه، ويُهمز على كل حال3. واستدلّ هؤلاء بجمعه على (نُبَآء) وهو القياس؛ لأن ما جاء على فَعِيل صحيح اللام قياسه أن يأتي على (فُعَلاء) مثل كريم وكُرماء وعظيم وعُظماء ونبيّ ونبآء؛ فقد جُمع على الأصل؛ وعلى هذا قول العباس بن مرداس: يَا خَاتِمَ النُّبآء إنَّكَ مُرْسَلٌ بالحَقِّ كُلُّ هُدى السَّبِيل هُدَاكَا4 وأمّا (النّبوة) فأصلها النّبُوءة، ثمّ خُفّف بقلب الهمزة واواً، ووزنها (فُعُولة) .   1 ينظر: الكتاب 3/360، 555. 2 ينظر: اشتقاق أسماء الله: 294. 3 ينظر: اشتقاق أسماء الله 293. 4 ينظر: الكتاب 3/460، والمقتضب 1/162، واشتقاق أسماء الله 295. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وذهب جماعة من اللّغويين، ومنهم: أبو عمرو بن العلاء1، واليزيديّ2 - إلى أنّ أصلها (ن ب و) مشتقة من النّباوة، وهي: الرّفْعة، فكأنّه: نبا ينبو؛ أي: ارتفع على الخلق، وعلا عليهم في الرّتبة. ويجوز أن يكون بمعنى: الطّريق؛ أي: الطّريق إلى الله. 3 وعلى هذا فإنّ النّبي في الأصل (نَبِيْو) على وزن (فَعيل) فاجتمع الياء، والواو، وسُكِّنت؛ الأُولى، فقُلبت الواو ياءً، وأُدغمت الياء في الياء.4 ويَستدلّ هذا الفريق بجمعه على (أنبياء) وأنّ ذلك يدل على أنّه معتلّ لا مهموز؛ لأن تكسير ما كان على (فعيل) مُعتلّ اللام أن يأتي على (أَفْعِلاء) 5 كـ (صَفِيٍّ) و (أَصْفياء) و (تَقِيٍّ) و (أَتْقِياء) . وردّ الفريق الأولُ على هذا بأنّهم لمّا ألزموه التّخفيف عاملوه معاملة المعتلّ؛ فأخذ حكمه في جمع التّكسير، إلا أنّ في ردّهم ضعفاً؛ لأنّ الحكم للأصل لا الفرع.   1 ينظر: اشتقاق أسماء الله 294. 2 ينظر: غريب الحديث للخطابي 3/193. 3 ينظر: غريب الحديث للخطابي 3/193. 4 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 255. 5 ينظر: الكتاب 3/460، وشرح الشافية للرضي 3/35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وانعكس ذلك على وضعه في المعاجم؛ فقد ذكره بعضهم في الموضعين1، ورجّح الفيروزآباديّ2 أصلاً واحداً؛ وهو (ن ب أ) فذكره فيه. ومن ذلك التّداخل: ما وقع بين الأصلين (ث ف ي) و (أث ف) في (الأُثْفِيّةِ) واحدة: أثافي القِدْر؛ وهي ثلاثة أحجار؛ يوضع عليها القِدر؛ وهي تحتمل الوجهين3: أوّلها أنّه يجوز أن يكون أصلها (أث ف) ووزنها (فُعْلِيّة) ويدل على ذلك قولهم: (أَثْفَيْتُ القِدْر) وعلى ذلك قول الشّاعر: وَصَالِياتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنْ4 فالهمزة فاء الكلمة، ووزنها (يُفَعْليْنَ) ولا تُحمل على (يُؤَكْرَمُ) في قوله:   1 ينظر: الصحاح (نبأ) 1/74، و (نبو) 6/2500، واللسان (نبأ) 1/162، و (نبو) 15/302. 2 ينظر: القاموس (نبأ) 67. 3 ينطر: الكتاب 4/395، وشرح أبنية سيبويه للجرمي454، والمنصف 2/184، 3/8، وسر الصناعة 1/173، وشرح الكافية الشافية 4/2051، وسفر السعادة1/28. 4 ينظر: الكتاب 1/22، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/138، والمنصف 2/184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وإنّه أَهْلٌ لأن يُؤَكْرَمَا1 وإن كان لا يمتنع حملها عليه فيكون وزنها على (يُؤَفْعَلْنَ) 2 إلا أنّ (يُفَعْلَيْن) أرجح؛ لأنه لا ضرورة فيه3، ونظيره (يُسَلْقَيْنَ) . ويدل - أيضاً - على أنّ الهمزة فاء قول النّابغة: لا تَقْذِفَنِّي بِرُكْنٍ لا كَفَاء لَه ... وإنْ تَأَثَّفَكَ الأعْدَاء بِالرَّفَدِ4 أي: صار الأعداءحولك كالأثافي تضافراً وتمالُؤاً؛ ولو كانت الهمزة زائدة - لقال: (تَثَفَّاكَ) . ويرى الزّمخشريّ أنّ (الأُثْفِيَّة) في الأصل: (أثْفُوَّةٌ) ثمّ قُلبت الواو تخفيفاً؛ فقالوا: (أُثْفِيّةٌ) 5 فيكون وزنها بعد القلب (فُعْلِيَّةً) وقبل القلب (فُعْلُوَّة) .   1 هو أبو حيان الفقعسيّ كما في التّصريح، وينظر: المقتضب 2/98، والمنصف 1/37، 2/184، والمخصص 16/108، والإنصاف 1/11، والتصريح 2/396. 2 ينظر: احتمال الصّورة اللفظية لغير الوزن 117. 3 ينظر: المنصف 2/184. 4 ينظر: ديوانه 26، والمنصف 2/185. 5 ينظر: أساس البلاغة (أثف) 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وثاني الوجهين أنه يجوز أن يكون أصلها (ث ف و) على وزن (أُفْعُولَة) في قول من قال: ثَفَّيْتُ1؛ لأنّه جعل الهمزة زائدة، والمعتلّ لام الكلمة، وشاهد ذلك قول الكميت: ومَا استُنْزِلَتْ في غَيْرِنا قِدْرُ جَارِنَا ... ولا ثُفِّيَتْ إلا بِنَا حين تُنْصَبُ2 وأصل (الأُثْفيّة) على هذا (أُثْفُوَّةٌ) على وزن (أُفْعُولَة) ثمّ قلبت الواو إلى الياء تخفيفاً؛ كما قالوا: (أُدْحِيّ) لبيْض النّعام، وقياسه (أُدْحُوٌّ) لأنّه من (دَحَوْتُ) . ويدل على أنّها من الواو؛ وليست من الياء قولهم: جاء يَثْفُوهُ؛ أي: يَذْنُبُه ويَدْبُرُه؛ إذا جاء بعده. قال ابن جنّي: "وهذا المعنى موجود في: الأُثْفِيَّة؛ لأنّها تتخلف بعد أهلها في الدّار؛ ولهذا … يصفها الشّعراء كثيراً بالإقامة والثُّواء والتَّخلّف بعد أهل الدّيار"3. وليس أحد الأصلين بأولى من صاحبه؛ فلكلٍّ منهما وجْه، وقد أجازهما سيبويه4. ومن هنا وُضعت في أكثر معاجم القافية في   1 ينظر: الكتاب 4/359. 2 ينظر: شعر الكميت 1/94، وإيضاح شواهد الإيضاح 2/884. 3 المنصف 2/185. 4 ينظر: الكتاب 4/395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الأصلين1. ونظير (أُثْفِيّة) في احتمالها الأصلين والوزنين: (أُرْبِيَّةٌ) وهي أصل الفخذ: فمن أخذها من: ربا يربو ـ لارتفاع ذلك الموضع - فهي عنده (أُفْعُولَة) . ومن أخذها من (الإرْب) وهو التَّوفُّر - فهي (فُعْلِيَّة) 2. وقد ذكرها ابن منظور3 في الأصلين. ويتداخل (ر ط ى) و (أر ط) في (الأرْطى) وهو شجر ينبت في الرّمل يُدبغ به، وهو يحتمل الأصلين4: فيجوز أن يكون أصله (أر ط) والألف في آخره زائدة لقولهم: أديم مأْروطٌ؛ إذا دُبغ بالأَرْطى؛ فوزنه على هذا الأصل (فَعْلى) .   1 ينظر: الصحاح (أثف) 4/1330، (ثقي) 6/2293، والعباب (أثف) 15، وأشار فيه فبلا أنه سيعيدها في المعتلّ، واللسان (أثف) 9/3، (ثفي) 14/113، والقاموس (أثف) 1022، (ثفو) 1636، والتاج (أثف) 6/37، (ثفو) 10/58. 2 ينظر: المنصف2/186. 3 ينظر: اللسان (أرب) 1/211، (ربا) 14/307. 4 ينظر: الكتاب 4/308، والمقتضب 3/385، وشرح أبنية الكتاب للجرمي 457، والأصول 3/232، والمنصف 1/36، وشرح الكافية الشافية 4/2048، وسفر السعادة 1/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 قال سيبويه: "فلو كانت الألف زائدة لقلتَ: مَرْطِيٌ"1. وذكر ابن جنّي2 أنّ الألف الأخيرة في (أَرْطَى) للإلحاق بـ (جَعْفَر) وأنّها ليست للتّأنيث بدليل صرفها. ويجوز أن يكون الأصل (ر ط ي) لقولهم: أديم مَرْطِيٌّ، وقد نقل ذلك عنهم أبو عمر الجرميّ3 والأخفش4، فيكون وزنها (أفعل) . وإنّما حُملت على الياء دون الواو؛ لأنّ الياء لاماً أكثر من الواو5. وكان ابن مالك يرى أنّ الأصل الأوّل أظهر؛ لأنّ تصاريفه أكثر؛ فإنّهم قالوا: أرْطيْت الأديم؛ إذا دَبَغْته بالأرْطى، وأرْطَتِ الإبل؛ إذا أكلتِ الأرْطى، أو تأذّت بأكله، وأرْطَتِ الأرض إذا أنبتت الأرْطى6.   1 الكتاب 4/308. 2 ينظر: المنصف 1/36. 3 ينظر: شرح أبنية الكتاب 457. 4 ينظر: الاقتضاب 2/339. 5 ينظر: المبهج 85. 6 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2049، وذكر أبو الهيثم أن: أَرْطَت لحن، والصواب: آرطَتْ. ينظر: اللسان (أرط) 7/255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وذكر بعض المعجميّين (الأَرْطَى) في الأصلين؛ ومنهم: الجوهريّ1 ـ وابن منظور2 والزّبيديّ3. وذكرها الصّاغانيّ4 في أصل واحد؛ وهو (أر ط) وتابعه في ذلك الفيروزآباديّ5. وقريب من ذلك (إِشْفًى) وهو المثقب؛ إذ يحتمل الأصلين (ش ف ي) و (أش ف) . فقد ذهب أكثرهم إلى أنّ أصله (ش ف ي) وأنّ وزنه (إفْعَل) وهو منوّن غير مصروف؛ ولعلّ أوّل من قال بذلك سيبويه6. وإنّما قُضي على الهمزة الأولى بالزّيادة مع عدم الاشتقاق؛ لأن أكثر ما ورد من ذلك؛ ممّا له اشتقاق؛ الهمزة فيه زائدة، وما عداها أصل، كما أنّ زيادة الهمزة أوّلاً أكثر من زيادة الأف آخراً7.   1 ينظر: الصحاح (أرط) 3/114، و (رطى) 6/2358. 2 ينظر: اللسان (أرط) 7/254، و (رطى) 14/325. 3 ينظر: التاج (أرط) 5/101، و (رطى) 10/153. 4 ينظر: التكملة (أرط) 4/104. 5 ينظر: القاموس (أرط) 849. 6 ينظر: الكتاب 4/245. 7 ينظر: الممتع 1/233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وذهب الجوهريّ1 إلى أنّ أصله (أش ف) ووزنه (فِعْلَى) وتابعه في ذلك الصّغانيّ2. ودفع صنيعُ الجوهريّ ابن برّيّ إلى تعقّبه فيه، والردِّ عليه بأنّ الصّواب أنّه (إفْعَل) بزيادة الهمزة وأصالة المعتلّ3. ومن ذلك تداخل (س وط) و (أس ط) في (الأُسْطُوانة) وهي تحتمل الأصلين: الأوّل: أنّه يجوز أن يكون أصلها (س ط و) ووزنها (أُفْعُلانَة) وهذا مَذْهب ابن السّرّاج4؛ واستدلّ بقول بعض العرب (مُتَسَطّ) . ومثلها عنده (أرْجُوانَة) و (أقْحُوَانَة) الهمزة فيهنّ جميعاً زائدة، وكأنّ الألف والنّون زيدتا على (أَفْعُل) ولا يجئ في الكلام (فُعْلُوّ) . واستدلّ - أيضاً - بأنّ أُسْطوانة وما شابهها لو جُعل وزنها (فُعْلُوَانَة) لتَوالَتْ ثلاثة زوائد؛ وهي الواو والألف والنّون؛ وهذا لا يكاد يكون. ولا يُرَدُّ على ابن السّراج بـ (عُنْفُوان) و (عُنْطُوان) لأنّه لم يُنكر ذلك البتة، وهذان من النّوادر، كما يُفهم من كلامه، ولا يُحمل عليهما بغير دليل قويّ.   1 ينظر: الصحاح (أشف) 4/1331. 2 ينظر: العباب (أشف) 24. 3 ينظر: اللسان (أشف) 9/6. 4 ينظر: الأصول 3/351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 والثّاني: أنّه يجوز أن يكون الأصل (أس ط) ووزنها (فُعْلُوَانة) وهو مذهب الأخفش1، ونظيره في الوزن (عُنْفُوان) من: اعْتَنَفْتُ الشّيءَ، إذا اسْتَأْنَفْتُهُ. واستدلّ بجمعها على (أَسَاطين) ووزْنه (فَعَالين) وهو بناء موجود في كلام العرب. ولو كانت الهمزة زائدة لكان وزنه (أفاعين) وليس هذا من أوزان الجموع؛ لأنّ لام الثّلاثيّ لا تحذف في الجمع، ولا يجوز أن يُقال: إنّ الواو حُذفت وقُلبت الألف ياءً حتى يكون وزن (أساطين) (أفَاعين) ولا يجوز ـ أيضاً ـ أن يُقال: إنّ الألف حُذفت وقُلبت الواو الّتي هي لامٌ ياءً؛ ليكون وزنه (أَفَاعِلْن) فهو وزن مفقود؛ فلم يبقَ إلا أنْ يُقال: إنّه (فَعَالين) من (أس ط) 2. وبذلك يتساوى الدّليلان؛ وإن كان ثّمة مُرجّحٌ يُرجّحُ الأصل الأوّل (س وط) وهو أنّ (أس ط) أصل مهمل. وهناك أصل ثالث يَرِدُ على هذه الكلمة؛ وهو (س ط ن) فيكون وزنها - حينئذ (أفْعُوَالة) وكان الجوهريّ3 على هذا الرّأي، وشبّهه - في أصالة النّون - بـ (أُقْحُوَانة) .   1 ينظر: الأصول 3/350. 2 ينظر: شرح الشافية 2/397. 3 ينظر: الصحاح (سطن) 5/2135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 على أنّ ما ذهب إليه الجوهريّ ضعيف، ولا دليل على أصالة النّون في (أُقْحُوانة) والرّاجح أنّ وزنها (أُفْعُلانة) كـ (أُسْطُوانة) عند ابن السّرّاج؛ لقولهم في جمعها: (أَقَاحي) و (أقاحِ) وقولهم في التّصغير: (أُقَيْحِيِةٌ) 1. وليس في قولهم في التّصغير: (سُطَيْنَة) دليل على مذهب الجوهريّ؛ فقد حُمل على قاعدة توهّم أصالة الحرف2؛ فالنّون زائدة، ولكنّهم توهّموا فيها الأصالة؛ كما توهّموا أصالة الميم في: مِسْكِين ومَسِيل؛ فقالوا: تَمَسْكَن، وقالوا: مِسْلان. ويُرجّح ذلك - أيضاً - أنّ (أُفْعُوَالَة) لم يثبت في كلامهم3. ومن التّداخل في هذا الباب ما وقع بين (أق ي) و (م أق) في (مَأْقِي العين) وهي لغة في: مُؤْقِ العين؛ وهو طرفها مما يلي الأنف. وقد اختلفوا في أصله؛ ولهم فيه رأيان4: فذهب الفرّاء5 وابن السّكّيت6 إلى أنّ أصله (أق ي) وأنّ وزنه (مَفْعِل) .   1 ينظر: اللسان (سطن) 13/208. 2 ينظر: الأصول 3/351. 3 ينظر: شرح الشافية للرّضي 2/397. 4 ينظر: الخصائص 3/206، والارتشاف 1/72، والمزهر 2/11،12. 5 ينظر: أدب الكاتب 554، والاقتضاب 2/313. 6 ينظر: إصلاح المنطق 222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 قال ابن السّكّيت: "وليس في ذوات الأربعة (مَفْعِل) بكسر العين إلا حرفان: مَأْقِي العَيْن، ومَأْوي الإبل؛ قال الفرّاء: سمعتها بالكسر، والكلام كلّه: (مَفْعَل) نحو: رَمَيْتُه مَرْمَى، ودَعَوْتُه مَدْعًى، وغَزَوتُهُ مَغْزً"1. وتابعهما فيه ابن قتيبة2 فجعله (مَفْعِلاً) . وجَمْعُهُم إيّاه على (مَآقٍ) يُؤيّد - في ظاهره - زيادة الميم؛ لأنّه (مَفَاعِل) وهو: جمع (مَفْعِل) بكسر العين وفتحها. وذهب جماعة إلى أنّ الأصل (م أق) من المَأَقَة؛ وهي شبه الفَوَاق؛ يَأْخذ الإنسان عند البكاء والنّشيج، ومنه يُقال: مَئِق الصّبيّ يمأق مَأْقاً، وامتأق، ومنه قول رُؤْبة: كَأَنَّما عَوْلَتُهَا بَعْدَ التَّأَقْ ... عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَت بَعْدَ المَأَقْ3 قال الجوهريّ: "وهو (فَعْلى) وليس بـ (مَفْعِل) لأنّ الميم من نفس الكلمة؛ وإنما زيدت في آخره الياء للإلحاق؛ فلم يجدوا له نظيراً   1 ينظر: إصلاح المنطق 222. 2 ينظر: أدب الكاتب 554. 3 ينظر: ديوانه 107، والصّحاح (مأق) 4/1552، والتّأق: الامتلاء عند الغضب حزناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 يُلحقونه به؛ لأن (فَعْلِي) بكسر اللاّم نادر، لا أخت لها؛ فأُلحق بـ (مَفْعِل) فلهذا جمعوه على مآقٍ، على التَّوهّم"1. وقد غلّط الجوهريّ مذهب ابن السّكّيت إن لم يُحمل على هذا؛ أي: توهّم زيادة الحرف الأصليّ، وهو الميم في (مَأْقي) العين؛ فيكون (مَفْعَلاً) توهّماً و (فَعْلَى) حقيقة. وعلى هذا الرّأي ابن برّيّ2؛ وهو يخالف الجوهريّ في كون الياء في (مَأْقَى العين) للإلحاق؛ بل يرى أنّها زائدة كزيادة الواو في (عَرْقٌوَة) وهي الأكمة المُسْتطيلة في الأرض، وكما أنّ الياء في (عَرْقٍ) وهو اسم جنس جمعي لعَرْقُوَة3 - ليست للإلحاق، كانت الياء في (مَأْقِى العين) كذلك.   1 الصّحاح (مأق) 4/1553) . 2 ينظر: اللسان (مأق) 10/337. 3 جمع (عَرْقُوة) عَرْق، وأصله (عَرْقو) وليس في الكلام اسم آخره واو قبلها حرف مضموم؛ لأن هذا مختص بالأفعال نحو (سَرُوَ) و (بَهُوَ) . فإذا أدّى قياس إلى مثل هذا في الأسماء عُدل به إلى إبدال الواو ياء والضمة كسرة؛ فكأنهم حولوا (عَرْقواً)) إلى (عَرْقي) ثم كرهوا الكسرة على الياء فأسكنوها فالتقى ساكنان الياء والنون؛ فحذفوا الياء، وبقيت الكسرة دالة عليها، وثبتت النّون إشعاراً بالصّرف، فإذا لم يلتق ساكنان ردّوا الياء فقالوا: رأيت: عرقيها، كقول الشّاعر: حتّى تُقَضِّي عَرِقِيَ الدُّلِيِّ ينظر: اللسان (عرق) 10/248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ونظير (مَأْقِى العين) في الكسر: (مَعْدِي كَرِب) على رأي من جعله من (معد) أي: أبْعَدَ؛ فهو (فَعْلِي) . وأرى أنّ (مَأْقِى العين) ليس (فَعْلِي) كما ذهب الجوهريّ ومن تابعه؛ بل هو (فَالِع) على القلب بمنزلة (شَاك) و (لاَثٍ) في (شَائِك) و (لائث) وأصله (مَائِق) على (فَاعِل) فَقُلب، فقالوا: (مَاقِئ) فخُفِّفَتِ الهمزة، فقالوا: (مَاقِي) ثمّ هُمِزت الألف؛ فقالوا: (مَأقِي) . وقد أشار إلى هذا أبو عليّ الفارسيّ1 وابن جني2. ولعلّ ممّا يُقوّي هذا الرّأي أنّ قوماً يُحقّقون الهمزة - فيما حُكي عن أبي زيد الأنصاريّ3 - فيقولون: (مَاقِئ) ويقولون في الجمع (مَوَاقِئ) مثل (طَارِئ) و (طَوَارِئ) . ويدلّ على أصالة الميم في الاشتقاق؛ لقولهم في معناه: مَئِق الصّبيّ، وامْتَأَق، والمأَقَةُ، ونحو ذلك. وقد وَضعت معاجم القافية - فيما اطّلعت عليه منها - هذه المادة في (م أق) 4.   1 ينظر: البغداديات 121. 2 ينظر: الخصائص 3/206. 3 ينظر: البغداديات 121. 4 ينظر: الصّحاح 5/1553، والتكملة للصاغاني 5/150، ومختار الصّحاح 362، واللّسان 10/337، والقاموس 1191، والتاج 7/65، ولم تذكر في (أق ي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 د - التّداخل بين اللّفيف والمهموز: وهذا هو النّوع الرّابع من أنواع التّداخل بين المعتلّ والمهموز، غير أنّ التّداخل فيه قليل؛ بخلاف الأنواع الأخرى. وفيما يلي بيان بعض ما وقع فيه من تداخل. فمنه تداخل (ي د ي) و (أي د) في (أيد) في قوله عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} 1 وهو يحتمل الأصلين: فذهب الجوهريّ2 إلى أنّه (ي د ي) على أنّه جمع يد؛ ولذلك ذكره في هذا الأصل. وقد تعقّبه فيه أبو بكر الرّازي بالرّدّ - بقوله: "قلتُ: قوله تعالى: {بِأَيْدٍ} أي: بقوة؛ وهو مصدر: آدَ يئيد؛ إذا قوي؛ وليس جمعاً ليد؛ ليُذكر هنا؛ بل موضعه باب الدّال. وقد نصّ الأزهري3 على هذه الآية في (الأَيْد) بمعنى المصدر، ولا أعرف أحداً من أئمة اللّغة أو التّفسير ذهب إلى ما ذهب إليه الجوهريّ من أنّها جمع يد"4.   1 سورة الذاريات: الآية 47. 2 ينظر: الصحاح (يدي) 6/2540. 3 ينظر: التهذيب 14/228. 4 مختار الصحاح (يدي) 607. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وثمّة وجه لما ذهب إليه الجوهريّ؛ وهو أنّ العرب تقول: ما لي يد؛ أي: ما لي به قوة، ومالي به يدان، وما لهم بذلك أيد؛ أي: قوة، ولهم أيد وأبصار، وهم أوْلو الأيدي والأبصار؛ أي: أولو القوّة والعقول1. والذي عليه الجمهور من أهل اللّغة والتّفسير أنّها من (أي د) من: آد يَئيد؛ إذا قوي، ويُقال: قد تأيّد، وأُدْت أيْداً؛ أي: قويت، وتأيّد الشّيء: تقوّى، ورجل أيد؛ أي: قوي. قال الشّاعر: إذَا القَوْسُ وتّرَهَا أَيِّدٌ ... رَمَى فَأَصَابَ الكُلَى والذُّرَا2 وعلى هذا الأصل - في هذه الآية الكريمة - الأزهريّ3 والرّاغب4 وابن منظور5، والسّمين الحلبيّ6. ومن ذلك تداخل (ط وي) و (ط وأ) في (طيّئ) اسم قبيلة، ولهم في أصله مذهبان:   1 ينظر: التهذيب (يدي) 14/239. 2 ينظر: اللسان (أيد) 3/76، والتاج 2/293. 3 ينظر: التهذيب 14/228. 4 ينظر: المفردات 97. 5 ينظر: اللسان (أيد) 3/76. 6 ينظر: عمدة الحفاظ 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 فذهب جماعة من العلماء - ومنهم النسّابون - إلى أنّ أصله (ط وي) واشتقاقه من: طوى البئر يطويها طيّاً؛ فقد نقل ابن دريد عن الخليل أنّ (أصل بناء طيّئ من طاء وواو؛ فقلبوا الواو ياء؛ فصارت ياء ثقيلة؛ كان الأصل فيه: طَوى) 1. ونقل العوتبيّ2 نحو ذلك. وما عزاه ابن دريد والعوتبيّ للخليل مخالف لما في (العين) 3. ونقل ابن دريد - أيضاً - عن ابن الكلبيّ أنّه كان يقول: "سُمِّيَ طَيِّئاً؛ لأنه أوّل من طوى المناهل، ويُقال: طويت الشّيء أطويه طيّاً، وكذلك: طويت البئر أطويها بالحجارة، وبه سُمّيت الطّويّ"4. وأضاف الأزهريّ معلّلاً: "لأنّه أوّل من طوى المناهل؛ أي: جاز منهلاً إلى منهل آخر، ولم ينزل) 5. ولم يكن ابن قتيبة6 يرتضي بهذا كلّه؛ فقد نصّ على شكّه فيه.   1 الاشتقاق 380. 2 ينظر: الاشتقاق للعوتبيّ نقلاً عن اشتقاق طيئ151، والعوتبي هو: سلمة بن مُسلم العوتبي الصُّحاريّ؛ من علماء الأنساب؛ ولا يعرف عصره إلى وجه اليقين. ينظر: اشتقاق طيّئ151. 3 ينظر: 7/467. 4 الاشتقاق 380. 5 التهذيب 14/49. 6 ينظر: أدب الكاتب 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وشكّك فيه - أيضاً - حمزة الأصفهانيّ، وبرئ منه. على أنّ ابن جنّيّ تجاوز الشّك في هذا الاشتقاق، ونصّ على أنّه خطأ بقوله: "ومن ذهب إلى أنّ طيّئاً سُمّي بذلك؛ لأنّه أوّل من طوى المنازل ـ فقد أخطأ خطأً فاحشاً"1. وما ذهب إليه ابن جنّيّ صحيح "لأنّ طيّئاً مهموز الّلام، وطوى يطوي لامه ياء؛ فلا يجوز أن يكون أحدهما مشتقاً من الآخر، إلا أن يزعم أنّه ممّا هُمِز على غير قياس؛ كقولهم: حلأتُ السّويق، ولا ينبغي أن يُحمل الشّيء على الشّذوذ إذا وُجد له وجه صحيح من القياس"2. وذهب أكثر أهل العربيّة إلى أنّ أصله (ط وأ) من (طَاءَ) في الأرض يَطُوء؛ إذا أبعد، أو ذهب وجاء. ومن أوّل من كان يرى ذلك الخليل3؛ وهو خلاف ما نُسِب إليه في الأصل الأوّل. ووزن طيّئ (فَيْعِل) من طاء يَطُوء، وأصلُهُ (طَيْوِئ) فقُلبت الواو ياء كـ (ميّت) و (سيّد) عند البصريّين؛ فإذا نُسب إليه قيل: (طائيّ) وأصله (طيّئيّ) كـ (طيّعيّ) فحُذفت العين تخفيفاً؛ فبقي   1 ينظر: اشتقاق طيّئ 154. 2 المقتضب في اسم المفعول 28. 3 ينظر: العين 7/467. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 على (طَيْئيّ) كـ (طَيْعيّ) ثمّ أُبدلت الياء ألفاً استحساناً لا وجوباً1؛ فيكون قولهم في النّسب إليه (طائيّ) مخالفاً للقياس؛ وهو المسموع. وأجاز الرّضيّ وجهاً آخر للشّذوذ؛ خلاف ما ذكره؛ وهو "أن يكون الشّذوذ فيه من جهة حذف الياء السّاكنة؛ فتنقلب الياء الّتي هي عينٌ ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها على ما هو القياس"2. وعلى هذا الأصل يتوافق الاشتقاق وتأْريخ القبيلة؛ فالمستفيض أنّ طيّئاً ـ جدّ قبيلة ـ كان يسكن بوادي الضّريب باليمن، وأنّه رحل من أقصى الجنوب إلى أقصى الشّمال؛ فصدق عليه أنّه طاء؛ بمعنى ذهب بعيداً. ومن ذلك تداخل (ر وى) و (أر و) في (أرْوَى) اسم امرأة و (الأُرويّة) وهي انثى الوعول؛ وبها سُمّيت المرأة؛ وهي تحتمل الأصلين: أوّلهما أنّه يجوز أن يكون الأصل (أر و) فيكون وزنه (فَعْلى) وهو مذهب الأخفش3 وتكون الألف فيه للتّأنيث عند منعه من الصّرف. وعلى هذا الأصل قالوا في تصغير (أُرْويّة) وهي (فُعْليّة) كـ (قُمْريّة) : (أُرَيّة) ولم يجُز فيها: (أُرَيْوِيّة) لأنّ الّلام واو؛ كما لا يجوز في (غَزْوة) (غُزَيْوَة)   1 ينظر: المبهج 57. 2 شرح الشّافية 2/32،33، وينظر: شواذّ النّسب 95. 3 ينظر: المقتضب 1/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وكان الأصل فيمن جعل (أُرْويّة) (فُعْليّة) أن يقول: (أُرَيْوِيّة) إلا أنّه لمّا كانت الّلام واواً لزم أن تُقلب ياء، ولم يجز فيه قول من يقول: (أُسَيودٌ) لأنّ أكثر العرب يقلبون الّلام ياء؛ فيجب على هذا (أُرَيِّيِّة) ثمّ تُحذف ياء (فُعْلِيّة) فيكون (أُرَيّة) 1. وثانيهما أنّه يجوز أن يكون أصلها (ر وي) وهو مذهب سيبويه2؛ لأنّه جعل (أُرْويّة) (أُفْعولة) ووزن (أرْوَى) على هذا (أفعل) . ويجوز في تصغير (أروَى) على هذا (أَفْعل) . ويجوز في تصغير (أرْوى) على هذا الأصل وجهان: أحدهما: (أُرَيّة) مثل (أُسَيّد) . وثانيهما: (أُرَيْوِيَة) على مذهب من قال: (أُسَيْوِد) 3. وهذا الأصل - أعني (ر وى) هو الرّاجح في (أَرْوَى) و (الأُرْوِيّة) عند أكثر العلماء؛ لأنّك إذا حصّلت حرفين أصلين في أوّلهما ميم أو همزة، وفي آخِرِهما ألف - قضيت بزيادة الميم والهمزة؛ لأنهم نظروا إلى اللّغة؛ فوجدوا الكثير على ذلك؛ ألا ترى أنّ (أَفْعَل) أكثرُ من (فَعْلَى) ؟ فلا تحمله على الأقلّ إلاّ بثبت؛ وهو ما تَفْتقِده في (أَرْوَى) 4. وأكثر معاجم القافية على هذا الأصل5.   1 ينظر: البغداديات 128،129، والمقتضب 2/284. 2 ينظر: الكتاب 3/469. 3 ينظر: المقتضب 2/284. 4 ينظر: سر الصناعة 1/428. 5 ينظر: الصحاح (روي) 6/2363، واللسان (روي) 14/351، واللسان (روي) 1665، والتاج (روي) 10/159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 المبحث الثّالث: التَّداخل بين المعتلّ والصَّحيح يكثر التّداخل بين المعتلّ والصّحيح في عمومه في الثُّلاثيّ. وقد تقدَّم تعريف المعتلّ. أمَّا الصَّحيح فهو مالم يكن أحد أصوله حرفاً من حروف العلّة الثّلاثة (الواو والياء والألف) نحو: كَتَبَ وأَخَذَ ورَدَّ والأسماء من ذلك ونحوه1. ويعدّ المهموز من الصّحيح وليس المعتل؛ خلافاً لبعضهم ممَّن جعل الهمزة من حروف العلّة؛ فعدَّ المهموز من المعتلاَّت2. فكلّ مهموز3 صحيح، وليس العكس. وينتج عن القسمة الجامعة للتّداخل في هذا النّوع؛ بالنّظر إلى المعتلاّت، أربعة أنواع؛ وهي: أ- التّداخل بين المثال والصّحيح. ب- التّداخل بين الأجوف والصّحيح. ج- التّداخل بين النّاقص والصّحيح. د- التّداخل بين اللّفيف والصّحيح.   1 ينظر: تصريف الأفعال 163، ودراسات في علم التّصريف 29. 2 ينظر: نزهة الطّرف للميدانيّ 12. 3 لا حجة للقول بأنّ ذلك مقيّد بألاّ يكون من بين حروفه معتلّ، وإلاّ فهو من المعتلّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وسيقف البحث بالتّفصيل على أنواع الثّلاثة الأولى؛ دون النّوع الرّابع؛ وهو اللّفيف؛ لأنّه ليس للتّداخل بينه وبين الصّحيح نصيب هنا؛ فلا يكاد يقع فيه، بل يتعذّر وقوعه. وقد تدبّرت في ذلك طويلاً وبحثتُ عن أسبابه؛ فتوصّل البحث إلى نتيجةٍ مفادها أنّ تداخُل الأصول لا يقع بين اللّفيف والصّحيح في الثُّلاثيّ في اللُّغة العربيّة. ويُعزَى ذلك إلى طبيعة النّوعين؛ فليس في العربيّة كلمةٌ ثلاثيّةٌ من الممكن أن يكون حرفان من حروف العلّة أصلين فيها، مع وجود ثلاثة أحرف صحيحة؛ لأنّ ذلك - لو وُجِدَ - يؤدِّي إلى تأصيل حرفين معتلّين، وزيادة حرفين صحيحين؛ ألا ترى أنّه ليس في العربيّة كلمةٌ ثلاثيّةٌ من اللّفيف؛ يكون فيها ثلاثة أحرف صحيحة؟ وأضرب لذلك مثلاً بكلمة (المَكْوَرَّى) وهو اللّئيم الفاحش المِكثار؛ فإن قيل: إنّ أصله (ور ى) أدّى ذلك إلى زيادة حرفين صحيحين؛ وهما الميم والكاف. وإن قيل: إنّه (ك وى) وجب القول بزيادة الميم والرّاء. وإن قيل: إنّه (م وى) كان الزّائد الكاف والرّاء؛ وكلّ ذلك لا يجوز؛ لأنّ الكاف والرّاء ليسا من حروف الزّيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وعلى افتراض أنّهما كانا من حروف الزّيادة - في غير هذا المثال - تكون بزيادة أحرف العلّة أولى من غيرها، لكثرة ما تقع زائدةً في أكثر المواضع؛ لذلك سمّاها سيبويه (أمّهات الزّوائد) 1. فلا بدّ - في هذا المثال ونحوه - من أن يكون حرفان أصليّان - على أقلّ تقديرٍ - من حروفها الصّحيحة؛ فإن كان ذلك، فالتّدخل - حينئذٍ - بين معتلٍّ ومعتلٍّ؛ أحدهما لفيفٌ والآخر غير لفيفٍ، وليس بين لفيفٍ وصحيحٍ. ويدلّ على ذلك - أيضاً - أنّ جميع ما وقع من تداخل بين اللّفيف والمهموز - ممّا ذكرتُ في المبحث السّابق2، أو ممّا لم أذكره - كان في كلّ مهموز حرف علّة، ولم يأت مهموز فيه حرفان صحيحان خلا الهمزة؛ لأنّ الهمزة حرفٌ صحيحٌ؛ فلم يقعْ ذلك لما تقدّم من أنّه لا يكون تداخلٌ بين لفيفٍ وصحيحٍ البتَّة. أ - التّداخل بين المثال والصّحيح: لم يكثر التّداخل في هذا النّوع؛ بخلاف صاحبيه؛ وفيما يلي بيان بعض ما وقع فيه من تداخل: فمنه تداخل (ورق) و (م ر ق) في (مَوْرَقٍ) اسم رجلٍ وهو ممّا جُهل اشتقاقه، ويحتمل الأصلين: الأوّل: أنّه يجوز أن يكون أصله (ورق) فيكون على وزن (مَفْعَل) .   1 ينظر: الكتاب 4/318. 2 ينظر: ص: (427) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وحمله على هذا الأصل لا يخلو من شذوذٍ؛ ذلك أنّ ما فاؤه واوٌ لا يُبنى منه (مَفْعَل) بفتح العين؛ وإنّما يجئ بكسرها1؛ نحو (مَوضِع) و (مَوْرِد) و (مَوْقِع) و (مَوْعِد) وشذَّ في هذا البناء بعض كلماتٍ منها: (مَوْهَب) و (مَوظَب) وكذلك (مَورَق) . والثّاني: أنّه يجوز أن يكون أصله (م ر ق) فيكون وزنه (فَوْعَلاَ) . وفيه أنّه ليس على قاعدة الدّخول في أوسع البابين؛ لأنّ (فَوْعَلاَ) ليس بأغلب الوزنين؛ بل الأغلب زيادة الميم في (مَفْعَل) . على أنّ جعله في هذا الأصل لا يستلزم مخالفة القياس2، كما في الأصل السّابق. وعلى هذا فإنّ الأصلين متقاربان، وليس أحدهما بأولى من صاحبه؛ ففي (ور ق) مخالفة القياس مع غلبة الوزن، وفي (م ر ق) قلّة الوزن، مع مجيئه على القياس. على أنّ ابن جِنِّيّ3 رجّح (ور ق) لأنّ (مَوْرَقاً) علم، وقد يجوز في الأعلام ما لا يجوز في غيرها. وعلى هذا الأصل معاجم القافية4. ومن ذلك تداخل (ول ج) و (ت ل ج) في (تَولَج) وهو كِناس   1 ينظر: المبهج 22، وشرح الشّافية للرّضيّ 2/395. 2 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 2/295. 3 ينظر: المبهج 22، 24. 4 ينظر: الصّحاح (ورق) 4/1566، واللّسان (ورق) 10/378، والقاموس (ورق) 1198، والتّاج (ورق) 7/8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الظَّبْيِ أو الوحش، الّذي يلج فيه، وقد اختلفوا في أصله1: فذهب الجمهور إلى أنّ أصله (ول ج) ولكنّهم اختلفوا في وزنه: فمذهب البصريّين - وعلى رأسهم: الخليل وسيبويه - أنّه (فَوْعَلَ) من الولوج، وفعله: وَلَجَ يَلِجُ: وأصله - عندهم - (وَلَجَ) فأُبْدِلتِ الواو الأولى - وهي فاء الكلمة - تاءً؛ لاجتماع الواوين في أوّل الكلمة، ولو لم يفعلوا به ذلك لوجب إبدالها همزةً2؛ على حدّ (أَوَاصِل) جمع (وَاصِلة) وأصلها (وَوَاصِلُ) . وذهب الكوفيّون3 والبغداديّون4 إلى أنّ التّاء زائدة، وأنّ وزنه (تَفْعَلُ) . وما ذهب إليه البصريّون أقرب "لأنّك لا تكاد تجد في الكلام (تَفْعَلا) اسماً، و (فَوْعَل) كثير"5 وإذا كان كذلك حملْته على الأكثر؛ وهو الأوجه6. وعلى المذهبين يكون الأصل (ول ج) .   1 ينظر: الكتاب 4/333، والمنصف 1/102، 236، وسرّ الصّناعة 1/146، وشرح المفصّل لابن يعيش 9/158، والارتشاف 1/105، والخلاف بين النّحويّين 292. 2 ينظر: سرّ الصّناعة 1/146. 3 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 3/82، والارتشاف 1/105. 4 ينظر: سرّ الصّناعة 1/146، وشرح الملوكيّ لابن يعيش 297. 5 الكتاب 4/323. 6 ينظر: سرّ الصّناعة 1/146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وحكى ابن سِيدَه1 عن كُراعٍ أنّه كان يرى أنّ تَوْلَجاً من (ت ل ج) وأنّ تاءه أصليّة، ووزنه (فَوْعَل) كوزنه عند البصريّين؛ مع اختلاف الأصل. وإن صحّ ما حُكِي عنه2 فهو رأيٌ ضعيفٌ؛ فالاشتقاق يردّه؛ فليس في (ت ل ج) ما يدلّ على معناه البتَّة، ومعناه كلّه في (ول ج) إذ يقال: وَلَجَ يَلِجُ وُلُوجاً إذا دخل، وأَوْلَجَه: أدخله، قال عزّ وجلّ: {يُولِجُ اللَّيلَ في النَّهَارِ ويُوْلِجُ النَّهَارَ في اللَّيل} 3. والوَلَجَة - بالتّحريك - موضع أو كهف تستتر فيه المارّة من مطر وغيره، ومن ذلك (التّولج) وهو ما يلج فيه الظّبي أو الوحش. ويقترب من ذلك (التّوْأَم) وهو المولود مع غيره في بطن من الاثنين فما فوق؛ ذكراً كان أو أنثى، وقد يستعار في جميع المزدوجات، فإنّه يحتمل الأصلين (وأ م) و (ت أم) وقد اختلفوا فيه: فمنهم من ذهب إلى أنّ أصله (وأ م) واشتقّه من المواءمة والموافقة والمشاكلة.   1 ينظر: المحكم 7/249، واللّسان (تلج) 2/219. 2 ما في كتاب المجرّد لكراع (ص 351) يخالف ما حكي عنه فقد نصّ فيه على أنّ وزنه (تفعل) من ولجت. 3 سورة فاطر: الآية 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 يقال: واءمه مواءمة ووِئاماً إذا وافقه وشاكله، وهو على هذا (فَوْعَل) وأصله (وَوْأَم) مثل (تَوْلَج) فأُبدلت الواو الأولى تاءً؛ لاجتماع الواوين في أوّل الكلمة. وممّن كان يرى ذلك: الخليل1، والأزهرِيّ2، وابن برّيٍّ3، والصّغانيّ4 الّذي تعقّب الجوهرِيّ، وقال: إنّ حقّ التّوأم أن يذكر في (وأم) . وذهب بعضهم إلى أنّ أصله (ت أم) وهو عندهم (فَوْعَل) أيضاً - ولكن ليس فيه إبدال. ومن هؤلاء: ابن فارس؛ إذ قال: (التّاء والهمزة والميم كلمة واحدةٌ؛ وهي التّوأمان؛ الولدان في بطنٍ) 5. ومنهم: ابن جِنِّيّ6، وكان يستدلّ على زيادة الواو وأصالة التّاء بقولهم في الجمع: (تُؤَامٌ) وهو (فُعَال) ويستدلّ - أيضاً - على زيادة الواو بالحمل على أوسع البابين؛ وهو باب (فَوْعَلٍ) وترك باب (تَفْعَل) .   1 ينظر: الصّحاح (تأم) 5/1876. 2 ينظر: التهذيب 14/338. 3 ينظر: اللّسان (تأم) 12/62. 4 ينظر: التّكملة (وأم) 6/160. 5 المقاييس 1/362. 6 ينظر: المنصف 1/103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ولا أدري ما الّذي منع ابن جِنِّيّ من جعله كـ (تَوْلَجٍ) ولو قال قائل: إنّ ابن جِنِّيّ لم يمنع ذلك، وإنّ قوله: إنّ التّاء أصلٌ يحمل على أنّها موضع الأصل؛ لأنّها مبدلةٌ من أصل - لقال قولاً حسناً في التّوجيه، ولكن ليس لنا إلاّ الظّاهر. ويبدو أنّ ابن عصفورٍ1 حمل كلام ابن جِنِّيّ على ظاهره - كما حملتُهُ - وتابعه فيه؛ إذ ذكر أنّ التّاء في (التَّوْأَم) أصلٌ؛ ولم يشرْ إلى أنّها مبدلة؛ وهذا ما فهمه - أيضاً - ابن الطّيّب الفاسيّ2. ومن نتائج هذا الاختلاف أنّ بعض معاجم القافية وضع (التّوْأَم) في الأصلين3. وأحدهما ضعيفٌ؛ وهو (ت أم) فالرّاجح - عندي - أنّ أصل (التّوأَم) (وأ م) لدلالة الاشتقاق عليه؛ خلافاً لـ (ت أم) وليس فيما استدلّ به ابن جِنِّيّ وابن عصفورٍ من جمعه على (تُؤَام) دليلٌ قاطعٌ؛ لجواز حمله على غلبة البدل - وهو التّاء - على المبدل منه؛ وهو الواو؛ فنسي الأصل لترك استعماله وكثرة استعمال البدل؛ وهو التّاء. ويرجّح الاشتقاق (وأ م) فيكون اشتقاق (التّوْأم) من المُواءمة؛ بمعنى: الموافقة؛ لأنّ التّوأَم يوافق تَوْأَمَه ويلائمه.   1 ينظر: الممتع 1/274. 2 ينظر: التّاج (وأم) 9/89. 3 ينظر: اللّسان (تأم) 12/61، و (وأم) 12/628، والقاموس (تأم) 1398، و (وأم) 1504، والتّاج (تأم) 8/20، 209، و (وأم) 9/88/89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ومن التّداخل بين المثال والصّحيح ما وقع بين (ي ف ن) و (ف ن ن) في (اليَفَنِ) وهو الشّيخ الكبير؛ وهو يحتمل الأصلين. فيجوز أن يكون أصله (ي ف ن) وعلى هذا أكثر المعاجم1. ونصّ ابن عصفورٍ2 على أصالة الياء؛ ولم أقف لهذا الأصل على اشتقاق واضحٍ. وذهب بعضهم إلى أنّ أصله (ف ن ن) وقد حكى ذلك ابن منظورٍ عن ابن برّيّ بقوله: "وقال بعضهم: هو على تقدير (يَفْعَلُ) لأنّ الدّهر فنَّه وأبلاه"3. وما حكاه بعيدٌ؛ فلم يسمع - فيما أعلم - في (اليَفَن) تشديد النّون؛ حتّى يشتقّ من (الفَنَن) إلاّ أن يقال: إنّها خفّفت ثمّ نسي الأصل؛ فلم تُسمعْ مثقّلةً. وثمّة أصلٌ - غير الأصلين المتقدّمين - وهو أن يكون (اليَفَن) مقلوباً من (ف ن ي) مشتقّاً من (الفِنَاء) واشتقاقه - حينئذٍ قريبٌ، ثمّ قدّمتِ الياء، فقالوا: (اليَفَن) فإن صحّ ما ذهبتُ إليه فإنّ وزن (اليَفَن) (لَفَعَ) .   1 ينظر: المقاييس 6/157، والصّحاح (يفن) 6/2219، والتّكملة (يفن) 6/329، واللّسان (يفن) 13/457، والقاموس (يفن) 1601، والتّاج (يفن) 9/370. 2 ينظر: اللّسان (يفن) 13/457. 3 ينظر: اللسان (يفن) 13/457. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وهناك احتمالٌ آخر؛ وهو أن تكون الياء ياء المضارع؛ كأن يكون في الأصل (يَفْنَى) كـ (يَشْكُر) و (يَزِيْدُ) ثمّ حُذِفَ حرف العلّة؛ فجعلوا الإعراب على النّون، وأدخلوا لام التّعريف عليه؛ فيكون وزنه - حينئذٍ - (اليَفَع) . ومن التّداخل في هذا الباب: تداخل (ي هـ ر) و (هـ ر ر) في (اليّهْيَرِّ) وهو: اللّجاجة والتّمادي في الأمر؛ ويحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ي هـ ر) ويكون وزنه (فَيْعَلاً) . وقد ضعّف الرّضيّ1 هذا الأصل مستدلاًّ بأنّه غير مستعملٍ. غير أنّ الصّغانيّ2 وابن منظورٍ3 ذكراه في (ي هـ ر) فهو مستعمل عندهما. ويقوّيه قولهم: اسْتَيْهَرَ: إذا لجّ؛ فهو (اسْتَفْعَلَ) من (ي هـ ر) . ويجوز أن يكون من (هـ ر ر) لتضعيف الرّاء؛ فهو - حينئذ - (يَفْيَعْلُ) وقد ذكر ذلك الرّضيّ4. وثمّة أصلٌ ثالثٌ يرد على هذه الكلمة؛ وليس ممّا نحن فيه؛ وهو (هـ ي ر) وكان سيبويه5 يراه.   1 ينظر: شرح الشّافية 2/393. 2 ينظر: التّكملة (يهر) 3/242. 3 ينظر: اللّسان (يهر) 3/303. 4 ينظر: شرح الشّافية 2/393. 5 ينظر: الكتاب 4/313. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ب - التّداخل بين الأجوف والصّحيح: وهذا النّوع ممّا يكثر فيه تداخل الأصول، ويمكن تصنيف ما فيه من تداخل إلى ثلاث مجموعات رئيسة؛ وهي: الأولى: ما في أوّله ميم. الثاّنية: ما في آخره نونٌ قبلها ألفٌ زائدةٌ. الثاّلثة: ما لا رابط فيه. وفيما يلي بيان ذلك: أوّلاً: ما في أوّله ميم: ويشترط في هذا الصّنف أن يكون بعد الميم ثلاثة أحرفٍ؛ قابلة لأن تكون أصولاً. وفي هذا الصّنف يتداخل عددٌ من الأوزان؛ من أهمّها: مَفْعِل وفَعِيل. مَفْعُول وفَعيل. مُفْعَل وفُعَال. مِفْعَل وفِعَال. مَفْعَل وفَعَال. 1- مَفْعِل وفَعيل: ويكثر التّداخل بين هذين الوزنين فيما أوّله ميمٌ من الأجوف الثّلاثيّ اليائيّ العين؛ وهو اسم الزّمان أو المكان؛ مع فَعيلٍ "لأنّ اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 الزّمان والمكان من مكسور العين في المضارع على مَفْعِل؛ فإن كانت عين الكلمة حرف علّة نقلت كسرتها إلى ما قبلها"1. ومن ذلك تداخل (س ي ل) و (م س ل) في (مَسِيل) الوادي فإنّه يحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (س ي ل) من سَالَ يَسِيل؛ فيكون وزنه (مَفْعِل) وهو اسم مكانٍ لما يجري فيه السّيل. ومن قال في جمعه (أَمْسِلَة) و (مُسْلاَن) فقد حمله على (باب الغَلَط) كما عبّر عنه ابن جِنِّيّ2؛ وهو يعني به باب توهّم أصالة الحرف الزّائد3. ويحتمل أن يكون (م س ل) وهو الشقّ في الأرض، وإليه ذهب ابن جِنِّيّ4، وهو يُجرِي (أَمْسِلَة) و (مُسْلاَن) مُجرى: (أَجْرِبَة) و (جُرْبَان) ولا يحمله على التوهّم. واحتجّ بأنّه لو كانت (أَمْسِلَة) و (مُسْلاَن) من السّيل لكان مثالهما (أَمْفِلَة) و (مُفْلاَن) وهما غريبان. وفيما ذهب إليه ابن جِنِّيّ نظرٌ، وأراه من الأصل الأوّل (س ي ل) فالاشتقاق من السّيل أقرب، وإلى ذلك ذهب الأزهرِيّ بقوله: "القياس في مسيل الماء: مسَايِل؛ غير مهموز، ومن جمعه: أَمْسِلَة ومُسُلاً ومُسْلاَناً   1 احتمال الصّورة اللّفظيّة لغير وزن 119. 2 ينظر: الخصائص 3/279. 3 ينظر: شرح الشاّفية للرّضيّ 2/226. 4 ينظر: الخصائص 3/279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 - فهو على توهّم أنّ الميم في المسيل أصليّة، وأنّه على وزن (فَعِيل) ولم يُرَد به (مَفْعِلاً) كما جمعوا مكاناً: أَمْكِنَةً، ولهما نظائر. والمسيل (مَفْعِل) من سَالَ يَسِيل مَسِيلاً ومَسَالاً وسَيْلاً"1. ومن ذلك تداخل (ح ي ض) و (م ح ض) في (مَحِيض) فإنّه يحتمل الوجهين: فيجوز فيه أن يكون الأصل (ح ي ض) مشتقّاً من الحيض؛ فهو اسم زمانٍ أو مكانٍ، ووزنه (مَفْعِل) 2. ويجوز أن يكون أصله (م ح ض) فيكون على وزن (فَعِيل) . ومن ذلك تداخل (م ص ر) و (ص ي ر) في المصير؛ وهو المِعْيُ واحد المُصْران؛ فيحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (م ص ر) فيكون وزنه - حينئذٍ (فَعِيْلاً) ودليل ذلك قولهم في جمعه (أَمْصِرَة) و (مُصْرَان) إلاّ أن تحمله على التّوهّم كما حملت (أَمْسِلَة) و (مُسْلان) . ويجوز أن يكون أصله (ص ي ر) من صَارَ يَصِيْرُ؛ بمعنى: رَجَعَ، فيكون المصير بمعنى: المَرْجِع؛ لأن الطّعام - بعد استقراره في المَعِدَة - يصير إليه3، ووزنه على هذا الأصل (مَفْعِل) .   1 التّهذيب 13/71. 2 ينظر: احتمال الصّورة اللّفظيّة لغير وزن 119. 3 ينظر: الشّواهد على قاعدة توهّم أصالة الحرف 365. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 ويُخَرَّجُ قولهم في جمعه: أَمْصِرَة ومُصْرَان، وتركهم مصايِرَ على توهّم أصالة الميم؛ كراء رغيف؛ إذ قالوا في جمعه: أَرْغِفَة ورُغْفَان؛ لأنّه (فَعِيْل) وهذا قياسه. ويجوز أن يلحق بذلك ما وقع في (المَدِينة) من تداخل (م د ن) و (د ي ن) وقد اختلفوا في أصلها1: وذهب بعضهم إلى أنّ الأصل (م د ن) من قولهم: مَدَنَ بالمكان إذا أقام به2. وذكر ابن دريد3 أنّه فعل مُمَات، وعلى هذا المذهب فهي (فَعِيْلَة) . واستدلّوا بقولهم في الجمع (مَدَائِن) على (فَعَائِلُ) كقولهم: قَبِيلَةٌ وقَبَائِل؛ وهو مذهب الفرَّاء والأخفش4، وكان ابن برّيّ5 يستدلّ على صحّة هذا الأصل بقولهم في الجمع (مُدُنٌ) كقولهم (صُحُفٌ) في صحيفةٍ.   1 ينظر: المنصف 1/311، والصّحاح (مدن) 6/2201، ورسالة الملائكة 177، وتذكرة النّحاة 693، والبحر المحيط 4/342، والدّرّ المصون 5/413. 2 ينظر: الصّحاح (مدن) 6/2201. 3 ينظر: الجمهرة 2/683. 4 ينظر: اللّسان (مدن) 1/402. 5 ينظر: اللسان (مدن) 13/402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 واستدلّ السّمين1 على صحّة هذا الأصل - كذلك - بإجماع القرّاء على همز (المَدَائِن) كصحيفةٍ وصَحَائِف وسفينة وسَفَائِن، فلو كانت (مَفْعِلَة) لم تهمز كـ (مَعِيْشَةٍ) و (مَعَايِشَ) . وذهب فريق إلى أنّ أصلها (دي ن) من قولهم: دِيْنَ أي مُلِكَ2، فيكون وزنها - حينئذٍ (مَفْعِلَة) وهي في الأصل (مَدِيْنَة) فنُقِلت كسرة الياء إلى الدَّال3. وعلى هذا الرّأي يكون من قال في الجمع: (مَدَائِن) و (مُدُن) حملها على توهّم أصالة الميم، فأجراها مُجرى (فَعِيلَة) كـ (صَحِيْفَة) و (صَحَائِف) و (صُحُف) . وقد أشار إليه ابن دريد4 والجوهرِيّ5. وهي تحتمل - أيضاً - في هذا الأصل أن يكون وزنها (مَفْعُولَةٌ) من: دَانَ يَدِيْنُ، إذا اطاع، وأصلها قبل الإعلال: (مَدْيُونَة) نقلت ضمّة الياء إلى الساكن قبلها؛ فالتقى ساكنان الياء والواو؛ فحذفوا الواو وكسروا ما قبل الياء فصار اللّفظ إلى (مَدِيْنَة) 6.   1 ينظر: الدرّ المصون 5/412. 2 ينظر: الصّحاح (مدن) 6/2201. 3 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 245. 4 ينظر: الجمهرة 2/683. 5 ينظر: الصّحاح (مدن) 6/2001. 6 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر 104ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وسواءٌ كانت (مَفْعِلَة) أو (مَفْعُولَة) فالأصل واحدٌ؛ وهو الأجوف، والميم زائدةٌ، وهو ما يشير إليه المنهج المقارَن بين العربيّة وأخواتها السّاميّات؛ إذ وُجِدت الكلمة بمعنًى قريبٍ من معناها العربيّ في بعض اللُّغات السّامية، كالعبريّة والآراميّة، وأصلها فيهما (دي ن) وقد تقدّم1 ذلك. ويحتمل (مَكِيْنٌ) : (م ك ن) و (ك ون) و (مَخِيضٌ) (م خ ض) و (خ ي ض) و (مَجِيدٌ) (م ج د) و (ج ود) . 2- مَفْعُول وفَعِيل: وممّا يكثر فيه التّداخل في هذا النّوع ما يقع بين اسم المفعول من الثّلاثيّ اليائيّ العين و (فعيل) وهو قريبٌ ممّا تقدّم. فمن ذلك تداخل (م ع ن) و (ع ي ن) في (مَعِين) من قولهم: ماءٌ مَعِين؛ وهو يحتمل الأصلين: وقد ذهب ابن دريد2 إلى أنّ أصله (م ع ن) لقولهم: مَعُنَ الوادي؛ إذا كثر فيه الماء المعين؛ فالمعين عنده بمعنى الكثير؛ فيكون وزنه - حينئذٍ (فَعِيل) . وجعله الفرّاء3 (فَعِيلاً) من (المَاعُون) وأصله (المَعْنُ) بمعنى: الاستقامة.   1 ينظر: ص (274) من هذا البحث. 2 ينظر: الجمهرة 2/953. 3 ينظر: معاني القرآن 2/227. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وذهب ثعلب - فيما رواه ابن منظورٍ1- إلى أنّ أصله (ع ي ن) لقولهم: عَانَ الماء يَعِيْنُ؛ إذا جرى طاهراً، وأنشد للأَخْطَل: حَبَسُوا المَطِيَّ عَلَى قَديْمٍ عَهْدُهُ ... طَامٍ يَعِيْنُ، وَمُظْلِمٌ مَسْدُومُ2 وأجاز الفرّاء3 هذا الوجه، وجعله (مَفْعُولاً) من العيون؛ وعلى هذا فأصله (مَعْيُون) فنقلت ضمّة الياء إلى العين، ثمّ حذفت الواو؛ لالتقاء السّاكنين؛ فصار (مَعُيْناً) ثمّ كسرت العين لمناسبة الياء4. والاشتقاق من (ع ي ن) قريب؛ ألا تراهم يسمّون الماء الجاري (عَيْناً) ولم يسمّوه (مَعْناً) ؟. ومن ذلك تداخل (م هـ ن) و (هـ ي ن) في قوله عزّ وجلّ {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} 5 وهو يحتمل الوجهين:   1 ينظر: اللّسان (معن) 12/411. 2 ينظر: ديوانه 1/389. 3 ينظر: معاني القرآن 2/237. 4 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 200، والجدول في إعراب القرآن 9/167. 5 سورة الزخرف: الآية 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فقد ذهب العلماء1 إلى أنّ أصله (م هـ ن) من المَهَانَة؛ وهي الحقارة والصِّغَر والقلّة؛ فهي على هذا الاشتقاق (فَعِيل) . وذهب الدّكتور أحمد الخرّاط مذهباً آخر؛ فجعل أصله (هـ ي ن) واشتقَّه من: هَانَ يَهِيْنُ؛ بمعنى الذّلّ والضّعف والحقارة؛ فوزنه (مَفْعُول) وأصله (مَهْيُون) نقلت الضّمّة إلى الهاء؛ فالتقى ساكنان؛ فحذفت الواو، ثمّ كسرت الهاء؛ منعاً لقلب الياء واواً2. وما ذهب إليه وجهٌ في العربيّة. 3- مُفْعَل وفُعَال: ومن التّداخل بين (مُفْعَل) و (فُعَال) ما وقع بين (م د ر) و (ر ود) في (مُرَادٍ) وهو: اسم جدّ قبيلةٍ؛ وهو يحتمل الوجهين: فيجوز أن يكون أصله (م ر د) من التّمرّد؛ فقد جاء في الخبر3 أنّ مرادًا تمرّدت؛ فسمّيت بذلك، واسمها يُحَابِر.   1 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 5/205، والصّحاح (مهن) 6/2209، والنّهاية 4/376، وعمدة الحفّاظ (مهن) 554، واللّسان (مهن) 13/425، و (هون) 12/438. 2 ينظر: قراءة في تصريف لفظ مهين (ملحق التراث: جريدة المدينة) العدد 30 السّنة الخامسة عشرة) . 3 ينظر: أدب الكاتب 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وأجاز ابن السّيد البطليوسي هذا الوجه بقوله: "واشتقاق (مُرَادٍ) من التّمرّد ممكن، غير ممتنع؛ فتكون الميم على هذا أصلاً، ويكون وزن مُرَادٍ على هذا فُعَالاً"1. ويجوز أن يكون الأصل (ر ود) من أَرَادَ يُرِيْد، ُ وهو قبل الإعلال: (مُرْوَد) ، فيكون اسم مفعول على زِنة (مُفْعَل) بمنزلة: مُنَار؛ من: أَنَارَ. وقد أجاز ذلك - أيضاً - ابن السِّيد بقوله: "وقد جاء في خبر لا أقف الآن على نصّه، ولا أعرف من حكاه أنّ مراداً اسم جدّهم، أو أبيهم، وأنّه لُقِّب بذلك؛ لأنّ رجلاً قال له: أنت مُرَادي"2. ومن ذلك تداخل (م ط ر) و (ط ي ر) في (مُطَارٍ) وهو وادٍ بين الطّائف والسّراة؛ وهو يحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ط ي ر) فيكون وزنه (مُفْعَلاً) وقد أجاز ذلك ابن منظورٍ3. ويجوز أن يكون أصله (م ط ر) فيكون وزنه (فُعَالاً) وأجاز هذا - أيضاً - ابن منظورٍ؛ فذكره في الأصلين4.   1 الاقتضاب 2/45. 2 الاقتضاب 2/46. 3 ينظر: اللّسان (طير) 4/514. 4 ينظر: اللسان (طير) 4/514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 4- مِفْعَل وفِعَال: ومن هذا تداخل (م ح ل) و (ح ول) في (المِحَال) من قوله عزّ وجلّ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} 1. فذهب الجمهور إلى أنّ أصله (م ح ل) من (المَحْل) وهو القوّة والشِّدّة؛ يقال: مَحَلَ به؛ إذا غلبه، والمِحَال المُمَاحَلَة والمُكايَدة، ومنه تَمَحَّلَ لكذا، ومَحَلَ بفلانٍ؛ إذا كَادَه وسَعَى به إلى السُّلطان، ويقال: ماحَلْتُهُ مِحَالاً؛ إذا قاويته حتّى يتبيّن الأشدّ منّا؛ وبهذا فُسِّرت الآية الكريمة. والمِحَال عندهم مصدرٌ على (فِعَال) 2. وذهب ابن قتيبة إلى أنّ أصله (ح ول) والميم زائدة3، وأصل المِحَال: الحِيْلَة والحَوْل؛ فيكون وزنه - حينئذٍ (مِفْعَلاً) وأصله (مِحْوَل) فأُعِلّ بالنّقل والقلب؛ حيث نقلت حركة الواو إلى الحاء؛ فصار (مِحول) ثمّ قلبت الواو ألفاً؛ لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها4.   1 سورة الرّعد: الآية 13. 2 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/484، والبصريّات 1/644، والعضديّات 100، وتهذيب اللّغة 5/95، وتفسير غريب القرآن لابن عزيز السّجستاني 84، والكشّاف 2/519، وزاد المسير 4/316، والمفردات (محل) 464، والتّكملة للصّغانيّ (محل) 5/512، والبحر المحيط 5/375. 3 ينظر: تفسير غريب القرآن 236. 4 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وفي الحقّ أنّ ما ذهب إليه ابن قتيبة تأباه اللُّغة، ولهذا ردّوا عليه، وغلّطوه من وجهين: الأوّل: ما ذكره الأزهرِيّ بقوله: "وقول القتيبيّ: أصل المِحال: الحِيْلَة: غلطٌ فاحشٌ، وأحسبه توهّم أنّ ميم المِحال ميم (مِفْعَل) وأنّها زائدة؛ وليس الأمر كما توهّمه؛ لأنّ (مِفْعلاً) إذا كان من بنات الثّلاثة - فإنّه يجيء بإظهار الواو والياء؛ مثل: المِزْوَد والمِرْوَد والمِجْوَل والمِحْوَر والمِزْيَل والمِعْيَر وما شاكلها، وإذا رأيتَ الحرف على مثال (فِعَال) أوّله ميمٌ مكسورةٌ فهي أصليّةٌ؛ مثل ميم: مِهَادٍ ومِلاكٍ ومِرَاسٍ ومِحَال، وما أشبهها"1. والوجه الثّاني ما ذكره أبو عليّ2؛ وهو أنّ المصادر لا تكون على (مِفْعَل) . وثمّة لغةٌ في المِحَال؛ وهي فتح الميم، وقد قُرِئ بها في الشّواذّ3؛ وعليها يَصِحّ ما ذهب إليه ابن قتيبة؛ فالمَحال في هذه القراءة (مَفْعَل) من الحِيلة؛ إذ يقال: ما له حيلة ولا محالة؛ فيكون تقديره: شديد الحيلة عليهم4.   1 التّهذيب 5/95، 96. 2 ينظر: البصريّات 1/644. 3 وهي قراءة الأعرج والضّحاك، ينظر: مختصر في شواذّ القرآن 66، والمحتسب 1/356، والكشّاف 2/519، والدرّ المصون 7/33. 4 ينظر: المحتسب 1/356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 ومن ذلك - أيضاً - تداخل (م ز ح) و (ز ي ح) في المِزاح؛ وهو بكسر الميم مصدر: مازحه، ويجوز الضّمّ فيه. قال ابن سِيدَه: "مَزَح يَمْزَح مَزْحاً ومِزَاحاً ومُزَاحاً … والاسم المُزَاح"1. وهو يحتمل الأصلين: فذهب بعضهم إلى أنّ أصله (ز ي ح) من: أَزَاحه عن موضعه، وهو مرويّ عن ابن دريدٍ فيما ذكره أبو حيّان التّوحيديّ بقوله: "سألت السّيرافيّ عن قول من قال: المِزَاح سمِّيَ مِزَاحاً؛ لأنّه أُزِيح عن الحقّ، فقال: هذا محكيّ عن ابن دريدٍ2؛ وهو باطلٌ، والميم من سِنْخ الكلمة في: مَزَحْت أَمْزَح، ومن أُزِيحَ تكون زائدةً"3. ووزنه على الكسر (مِفْعَل) وهو ممّا نحن فيه؛ ووزنه على الضّمّ (مُفْعَل) اسم مفعول؛ وأصله (مُزْيَحٌ) ثمّ أُعلّ. والّذي عليه الجمهور أنّ أصله (م ز ح) وهو (فِعَال) بكسر الميم؛ مصدر: مَازَحَه، ويكوز فيه الضّمّ4.   1 المحكم 3/174. 2 وما في الجمهرة خلاف ما نسب إلى ابن دريد: إذ قال (1/529) : "والمِزاح مصدر مازحته ممازحة ومزاحاً، والاسم المزاح، ورجل مازح وممازح، وهو مصدر مزحت أمزح مَزْحاً". 3 البصائر والذّخائر 9/20. 4 ينظر: اللّسان (مزح) 2/593. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 5- مَفْعَل وفَعَال: من ذلك تداخل (م ج ح) و (ج وح) في (مَجَاح) وهو اسم موضع من نواحي مكّة المكرّمة، ويحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ج وح) فيكون وزنه (مَفْعَل) وأصله (مَجْوَحٌ) ثمّ أُعلّ بالنّقل والتّسكين والقلب؛ فقالوا: مَجَاح. ويجوز أن يكون أصله (م ج ح) فيكون - حينئذٍ (فَعَالاً) مثل (سَلاَمٍ) و (كَلاَمٍ) . وقد أجاز ابن سِيدَه1 وابن منظورٍ2 الأصلين. ومن ذلك - أيضاً - تداخل (ع ي ن) و (م ع ن) في (مَعَان) وهو موضع بالأردن3؛ ويحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (م ع ن) 4 على وزن (فَعَال) مثل (سَلاَم) . ويجوز أن يكون الأصل (ع ي ن) فيكون وزنه (مَفْعَلاً) وأصله (مَعِيْن) أُعِلّ بالنّقل والتّسكين والقلب؛ فقالوا: (مَعَان) . وعلى هذا حمله ابن السِّيد5 في قول المعرِّي:   1 ينظر: المحكم (جوح) 3/355. 2 ينظر: اللّسان (جوح) 2/432. 3 ينظر: معجم ما ساتعجم 2/1242. 4 ينظر: اللّسان (معن) 13/411. 5 ينظر: شروح سقط الزند 1/172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 مَعَانٌ من أَحِبَّتِنَا مَعَانُ1 ... تُجِيْبُ الصَّاهِلاَتِ بِهِ القِيَانُ2 وكان يرى أنّ المَعَانَ هو المكان المعمور، واشتقاقه من: المُعَايَنَة لأن الناس يكثرون فيه، فيعاين بعضهم بعضاً، وهو (مَفْعَل) من عَانَه يَعِينُه؛ إذا نظر إليه؛ لأنّ (مَفْعَلاً) لا يشتقّ إلاّ من الفعل الثّلاثيّ. ومن ذلك تداخل (ذود) و (م ذد) في (المَذَاد) وهو وادٍ في المدينة بين سَلْعٍ والخندق؛ وهو يحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ذود) فيكون على وزن (مَفْعَل) وأصله (مَذْوَد) ثمّ أُعلّ بالنّقل والتّسكين والقلب. ويجوز أن يكون أصله (م ذ د) فيكون وزنه (فَعَالاً) مثل (سَلامٍ) . وقد أجاز ابن منظورٍ الأصلين؛ إذ وضعه فيهما3.   1 معان الأول موضع بعينه في الأردن، والمقصود من الثّاني معنى اللّفظ، يريد: هذا الموضع معمور بأحبتنا، كقول الشّاعر: فليت مَعَاناً كَانَ ممَن نُحِبّثهُ ... مَعَاناً ولَيْتَ اللهَ حمَ التَّلاقِيَا (ينظر: شروح سقط الزّند 1/172، 173) . 2 ينظر: سقط الزّند 64. 3 ينظر: اللّسان (ذود) 3/169، و (مذد) 3/400. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ثانياً- ما في آخره نونٌ قبلها ألفٌ زائدةٌ: وهو الصّنف الثّاني في التّداخل بين الأجوف والصّحيح؛ وهو كثير لكثرة زيادة النّون آخراً بعد الألف الزّائدة؛ فتقارَبَ - في حكم الزّيادة أو الأصالة - حرفُ العلّة في وسط الكلمة والنّون؛ فمن ثَمَّ يكثر التّداخل لتقاربهما في الحكم. وهو يشيع في ثمانية أوزان؛ وهي: فَعْلاَن وفَيْعَال. فَعْلاَن وفَاعَال. فُعْلاَن وفُوعَال. فَعْلُون وفَيْعُول. وفيما يلي بيان ما بين تلك الأوزان من تداخلٍ: 1- فَعْلاَن وفَيْعَال. وهو أكثر هذه الأنواع تداخلاً، وشواهده كثيرةٌ، فمنه تداخل (ف ي ن) و (ف ن ن) في (فَيْنَان) في قولهم: رجل فَيْنَان الشّعْر طويلُه؛ وهو يحتمل الأصلين: فقد ذهب الجوهرِيّ1 إلى أنّ أصله (ف ي ن) ونصّ على أنّ وزنه (فَعْلان) وإذا سمِّي به مُنِع من الصّرف.   1 ينظر: الصّحاح (فين) 6/2179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 وذهب الخليل وسيبويه1 إلى أنّ أصله (ف ن ن) واشتقاقه من الفَنَن؛ أي: لشعره فنونٌ كأفنان الشّجر، فهو (فَيْعَال) وهو مصروف في العَلَمِيّة وغيرها. والرّاجح هو هذا الأصل؛ فإنّ فيه غَالِبَين مُتساويين: الياء والنّون، فرجّح الاشتقاق زيادة الياء وأصالة النّون؛ لأنّ الفَنَن الغُصْن والشّعر كالغُصن. وذكره ابن منظورٍ في الأصلين2. ويتداخل (د ي ح) و (د ح ن) في (الدَّيْحَان) وهو الجراد؛ فيحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (د ي ح) ووزنه - حينئذٍ (فَيْعَال) وهو مذهب كُرَاعٍ فيما حكاه ابن سِيدَه3. ويتداخل (خ ي ف) و (خ ف ن) في (الخَيْفَان) وهو: الجراد أوّل ما يطير، ومنه: جرادة خَيْفَانةٌ: أشبُّ ما تكون، وكذلك النَّاقة السّريعة؛ وهو يحتمل الأصلين: فقد جعله الخليل من (خ ف ن) من (الخَفْن) 4 فهو عنده (فَيْعَال) .   1 ينظر: الكتاب 3/218. 2 ينظر: اللّسان (فنن) 13/328، و (فين) 13/329. 3 ينظر: اللسان 3/330. 4 ينظر: العين 4/275، 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وجعله الأزهرِيّ من (خ ي ف) ورد على صاحب (العين) بقوله: (قلت: جعل خَيْفَاناً (فَيْعَالاً) من الخَفْن، وليس كذلك؛ وإنّما: الخَيْفَان من: الجراد؛ الّذي صار فيه خطوطٌ مختلفةٌ، وأصله من الأَخْيَف، والنّون في: خَيْفَانٍ نون (فَعْلان) والياء أصليّةٌ) 1. وإلى ذلك ذهب الصَّغانيّ2. وجعله ابن منظورٍ من الأصلين3. ومن ذلك تداخل (ش ي ط) و (ش ط ن) في (الشَّيْطَان) وهو يحتمل الوجهين:4 فمذهب الجمهور أنّ أصله (ش ط ن) وهو (فَيْعَال) عندهم، واشتقاقه من (الشّطْن) من قولهم: شَطَنَ يَشْطُنُ؛ أي: أَبْعَد؛ لأنّه بعيدٌ من رحمة الله تعالى، وعلى هذا المعنى قول النّابغة: نَأتْ بسُعَادَ عَنْكَ نَوًى شَطُوْنُ ... فَبَانَتْ والفُؤَادُ بِهَا رَهِيْنُ5   1 التّهذيب 7/437. 2 ينظر: العباب (خيف) 181. 3 ينظر: اللّسان (خيف) 9/102، و (خفن) 13/142. 4 ينظر: الكتاب 4/260، 340، والمقتضب 4/13، والأصول 3/240، والمنصف 1/109، 135، ورسالة الملائكة 249، واللّسان (شطن) 13/238، و (شيط) 7/338، والدّرّ المصون 1/10، وبصائر ذوي التّمييز 3/320. 5 ينظر: ديوانه 218. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 واستدلّوا على ذلك الأصل - أيضاً - باشتقاقهم فِعْلاً من لفظه؛ في قولهم: (تَشَيْطَنَ) وهو ممّا يدلّ على أصالة النّون فيه. وإلى هذا ذهب سيبويه في أحد قَوْلَيْه1، وابن السّرّاج2، وابن جِنِّيّ3. ويؤيّد مذهبهم هذا أمران: أحدهما: قولهم: شَيْطَانَةٌ في قول الشَّاعر: هِيَ البَازِلُ الكَوْمَاءُ لاَ شَيْءَ غَيره ... وَشَيْطَانَةٌ قَدْ جُنَّ مِنْهَا جُنُونُهَا4 لأنّ تاء التّأنيث قلّما تدخل على (فَعْلان) 5. وثانيهما: قولهم في الجمع (شَيَاطِيْن) وهو يدلّ على أنّ شيطاناً (فَيْعَال) ؛ لأنّهم لا يكسِّرون (فَعْلاَن) على (فَعَالِين) 6. وذهب بعضهم إلى أنّ أصله (ش ي ط) وأنّ وزنه (فَعلاَن) من شَاطَ يَشِيط؛ إذا هَاجَ والتَهَبَ الغَضَبُ؛ وهذا المعنى موجودٌ في (الشّيْطَان)   1 ينظر: الكتاب 4/321. 2 ينظر: الأصول 3/340. 3 ينظر: المنصف 1/109. 4 ينظر: رسالة الملائكة 251. 5 ينظر: رسالة الملائكة 250، 251. 6 رسالة الملائكة 251. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 لأنّ الالتهاب في الغضب يشبه الجنون والتّخبُّط، وعليه قوله عزّ وجلّ: {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 1. وكان سيبويه يجيز هذا الأصل في أحد قوليْه2. وثَمَّة ما يضعف هذا المذهب؛ وهو أنّه لم يسمع في تصاريفه إلاّ بثبوت النّون3. ولو قال قائلٌ منتصراً لهذا المذهب: إنّ لزوم النّون لتصاريفه إنّما كان ذلك لتوهّمهم أصالة النّون؛ على قاعدة توهّم أصالة الحرف الزّائد - لذهب مذهباً حسناً. وتظهر ثمرة هذا الخلاف في الصّرف ومنعه؛ فإن أُخِذ من (ش ط ن) فهو مصروفٌ، وإن أُخِذ من (ش ي ط) فهو ممنوعٌ من الصّرف4. ومثل هذا التّداخل كثيرٌ5.   1 سورة البقرة: الآية 275. 2 ينظر: الكتاب 4/260. 3 ينظر: الدّرّ المصون 1/10. 4 ينظر: المقتضب 4/13. 5 ومن ذلك – أيضاً تداخل (ع ود) و (ع دن) في العيدان وهو الطّويل من النّخل. و (ض ي ط) و (ض ط ن) في الضّيطان وهو كثير اللّحم الرّخو. و (ف ي ح) و (ف ح ن) في الفيحان وهو اسم موضع. و (م ي د) و (م د ن) في الميدان وهي محلة ببغداد. و (ع ي ر) و (ع ر ن) في العيرانة وهي النّجيبة من الإبل. و (غ ي س) و (غ س ن) في الغيسان وهو حدة الشّباب. و (ش ي ح) و (ش ح ن) في الشيحان وهو الطّويل. و (ص ي د) و (ص د ن) في الصيدان وهو الحصى الصّغار. و (ر ي ع) و (ر ع ن) في ريعان وهو اسم رجل. و (ب ي د) و (ب د ن) في البيدانة وهي الأتان. و (هـ ي د) و (هـ د ن) في الهَيْدَان وهو الثقيل الجبان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 2- فَعْلان وفَاعَال: ومنه تداخل (ع ي هـ) و (ع هـ ن) في (عَاهَان) وهو اسم رجلٍ؛ ويحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ع ي هـ) فيكون وزنه - حينئذٍ (فعلان) . ويجوز أن يكون أصله (ع هـ ن) فيكون وزنه (فَاعَالاً) . وأجاز ابن سِيدَه الأصلين1، وتابعه في ذلك ابن منظورٍ2. ومنه تداخل (روذ) و (رذن) في (رَاذَان) وهو موضعٌ بالسّواد3 في قول الشّاعر: وَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلٌ بِرَاذَانَ أَنَّنِي ... شَدَدْتُ وَلَمْ يَشْدُدْ مِنَ القَوْمِ فَارِسُ4 وهو يحتمل الأصلين:   1 ينظر: المحكم 2/193. 2 ينظر: اللّسان (عهن) 13/298، و (عيه) 13/520. 3 ينظر: معجم ما استعجم 1/626. 4 ينظر: اللّسان (رذن) 13/178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فيجوز أن يكون أصله (ر ي ذ) فيكون وزنه (فَعْلاَن) وعلى ذلك جاء في الشِّعر غير مصروفٍ. ويجوز أن يكون أصله (رذن) فيكون وزنه (فَاعَالاً) . وأجاز ذلك ابن سِيدَه بقوله: (فإن قلت: كيف تكون نونه أصلاً؛ وهو في الشِّعر الّذي أنشدته غير مصروفٍ؟ قيل: قد يجوز أن يعني به البقعة، فلا يصرفه، وقد يجوز أن تكون نونه زائدةً؛ فإن كان ذلك فهو من باب (ر وذ) أو (ر ي ذ) إمّا (فَعَلاناً) أو (فَعْلاناً) رَوَذان أو رَوْذان، ثمّ اعتلَّ اعتلالاً شاذًّا) 1. 3- فُعْلاَن وفُوْعال: منه تداخل (ش ور) و (ش ر ن) في (الشُّورَان) وهو القِرْطِن أو العُصْفُر، ويحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصله (ش ور) فوزنه - حينئذٍ (فُعْلاَن) . ويجوز أن يكون من (ش ر ن) فهو - حينئذٍ (فُوْعَال) . وقد أجاز الصّغانيّ2 الأصلين، وذكره ابن منظورٍ3، والفيروزاباديّ4 في (ش ر ن) على أنّه (فُوَْال) وهو الرّاجح؛ لأنّ   1 اللسان (رذن) 13/178، 179. 2 ينظر: التكملة (شرن) 6/257. 3 ينظر: اللّسان (شرن) شرن) 13/236. 4 ينظر: القاموس (شرن) 1560. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 (فُوْعَالاً) مخصوصٌ بالأسماء1. ويتداخل (خ وذ) و (خ ذ ن) في (خُوذَان) وهو: الخامل؛ إذا تأخَّر عن أهل الفضل، ويحتمل الأصلين: أن يكون من (خ وذ) على زنة (فُعْلاَن) . أو من (خ ذ ن) على وزن (فُوْعَال) . وكان أبو حَيّان2 يجيز الوجهين. والرّاجح أنّه (فُعْلاَن) لأنّه صفةٌ، و (فُعْلاَن) يغلب على الصِّفات3، كـ (خُمْصَان) وهو: الخالي البطن الضّامره، و (القُرْحَان) وهو الّذي لم يصبه الجُدَريّ. وذكر الأزهرِيّ4 والزّبيديّ5 (الخَوْذَان) بالفتح؛ فلعلّ هذا ممّا جاء بالوجهين: الفتح والضّمّ. ويتداخل (س وب) و (س ب ن) في (السُّوبَان) وهو: الرّجل الحسن الرّعاية للإبل؛ وهو يحتمل أن يكون أصله (س وب) ووزنه (فُعْلاَن) . ويحتمل أن يكون أصله (س ب ن) فيكون على وزن (فُوْعَال) .   1 ينظر: شرح الكافية الشّافية 4/2063. 2 ينظر: الارتشاف 1/112، وفيه أنّه خودان بالدّال المهملة، واللّسان (خوذ) 3/490. 3 ينظر: شرح الكافية الشّافية 4/2063. 4 ينظر: التّهذيب 7/523. 5 ينظر: التّاج (خوذ) 2/562. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وقد رجّح ابن مالكٍ1 الأصل الأوّل؛ لأنّه صفةٌ، و (فُعْلاَن) يكثر في الصّفات؛ كـ (خُمْصَان) وهو: خالي البطن. 4- فَعْلُون وفَيْعُول: فمن التّداخل بين هذين الوزنين ما وقع بين (ز ي ت) و (ز ت ن) في (الزَّيْتُون) وهو الثّمر المعروف؛ وهو يحتمل الأصلين، وقد اختلفوا فيه2: فذهب أكثرهم3 إلى أنّه من (ز ي ت) مشتقًّا من (الزَّيْت) ووزنه عندهم (فَعْلُون) . وكان على ذلك جماعة من العلماء؛ كابن السَّرَّاج4، والسِّيرافيّ5، وابن جِنِّيّ6، والجوهرِيّ7، والزَّمخشريّ8، والفيروزاباديّ9.   1 ينظر: شرح الكافية الشّافية 4/2063. 2 ينظر: الخصائص 3/203، والبصائر والذخائر 5/218، ورسالة الملائكة 255، وسفر السعادة 1/295، والارتشاف 1/102، والدر المصون 5/78. 3 ينظر: شرح الكافية الشّفية 1/199. 4 ينظر: الأصول 3/255. 5 ينظر: البصائر والذخائر 5/218. 6 ينظر: الخصائص 3/203. 7 ينظر: الصّحاح (زيت) 1/250. 8 ينظر: أساس البلاغة (زيت) 198. 9 ينظر: القاموس (زيت) 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 وهو من الأبنية التي فاتت سيبويه، وكان ابن جِنِّيّ1 يعجب كيف يفوت سيبويه وهو في القرآن الكريم. وذهب قوم إلى أنه جمع لـ (زَيْت) كما تقول: زيدٌ وزيدون، وإلى ذلك ذهب الزَّجّاج2. وذهب بعضهم إلى أنّ أصله (ز ت ن) واشتقّوه من (الزَّتْن) وهو أصل مُمَات3، ووزنه عندهم (فَيْعُول) كـ (قَيْصُوم) . وكان ابن كيسان وابن دريد على هذا المذهب4، ورجّحه ابن مالك؛ مستدلاًّ بسقوط الياء في الاشتقاق في قولهم: أرضٌ زَتِنَةٌ؛ إذا كانت كثيرة الزّيتون5. وبه استدلّ ابن عصفورٍ6 - أيضاً - وأضاف دليلاً آخر على صحّة مذهبهم، وهو أن (فَعْلُونا) بناء لم يستقرّ في كلامهم.0 واختاره السَّمين، وعضَّد أدلّتهم بقوله: "ولا يُتَوَهَّم أنّ ياءه7 أصليّةٌ، ونونه مزيدةٌ بدلالة الزّيت؛ فإنّهما مادّتان متغايرتان؛ وإن كان   1 ينظر: الخصائص 3/203. 2 ينظر: رسالة الملائكة 255. 3 ينظر: الخصائص 3/203. 4 ينظر: الخصائص 3/203. 5 ينظر: شرح الكافية الشافية 1/199. 6 ينظر: الممتع 1/125. 7 في الأصل: تاءه وهو تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الزّيت معتصراً منه، ويقال: زَاتَ طعامه: أي: جعل فيه زيتاً، وزَاتَ رأسه؛ أي: دَهَنَه به"1. وأرى أنّ الصّواب مع الجمهور؛ وهو أنّ الأصل هو (ز ي ت) ووزنه (فَعْلُون) كما قال ابن جِنِّيّ2. أما استدلال ابن مالك بقولهم: (أرضٌ زَتِنَةٌ) فيمكن حمله على توهّم أصالة النّون. وأمَّا استدلال ابن عصفورٍ بأنّ (فَعْلُوناً) أصلٌ مهملٌ فهو استدلال في غير محلّه؛ ألا ترى أن الجمهور أثبتوه وعدّوه ممّا فات سيبويه؟ وإذا ثبت ذلك بطل ما ذهب إليه السّمين بجعله (الزّيت) و (الزَّيْتُون) مادّتين متغايرتين، كأنه حمله على باب: سَبْطٍ وسِبَطْرٍ؛ فليس ثمّة موجبٌ لحمله على هذا الباب؛ لأن النّون من حروف الزّيادة؛ وهي واقعةٌ في موضعٍ تُزَاد فيه، وهو الطّرف. ويتداخل (م ي س) و (م س ن) في (مَيْسُون) وهو اسم امرأةٍ؛ ويحتمل الوجهين: فيجوز أن يكون الأصل (م ي س) فيكون على وزن (فَعْلُون) مثل (زَيْتُون) على مذهب من جعل النّون زائدةً.   1 الدرّ المصون 5/78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وإلى هذا ذهب ابن جِنِّيّ1؛ وهو مذهب قويٌّ؛ لأن المَيَّاسة من النِّساء هي الّتي تميس في مشيتها؛ أي: تختال؛ وقد يقال للغلام الحسن الوجه والقدّ: مَيْسُون2. ويجوز أن يكون أصله (م س ن) على وزن (فَيْعُول) وهو قياس مذهب مَن جعل النّون أصلاً في (زَيْتُون) . وقد ذكره ابن منظورٍ في الأصلين3: ومن ذلك (قَيْعُونٌ) فهو يحتمل الأصلين (ق ي ع) و (ق ع ن) فيكون على الأوّل (فَعْلُوناً) وعلى الثّاني (فَيْعُولاً) . وأجاز ابن منطورٍ الأصلين4.   1 ينظر: الخصائص 3/203. 2 ينظر: اللسان (ميس) 6/224. 3 ينظر: اللسان (ميس) 6/224، و (مسن) 13/408. 4 ينظر: اللسان (قعن) 13/345، 346. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ثالثاً- ما لا رابط فيه: وهو الصِّنف الثّالث؛ ويختلف عن سابقيه بأنّ التّداخل فيه متنوّعٌ، ولا رابط بين أمثلته، سوى الرّابط العامّ الّذي ينتظم الأصناف أو المجموعات الثّلاث؛ وهو التّداخل بين الأجوف والصّحيح. فمن ذلك تداخل (ن ور) و (ت ن ر) في (التَّنُّور) وهو: نوعٌ من الكوانين يخبز فيه؛ وقد اختلفوا في أصله1: فذهب ثعلبٌ - فيما نُسِبَ إليه2- إلى أنّ أصله (ن ور) ومنه النّار والنّور؛ ووزنه على هذا الأصل (تَفْعُول) وهو في الأصل: (تَنْوُورٌ) فقلبوا الواو الأولى همزةً لانضمامها، ثمّ حذفوها تخفيفاً، ثم شدّدوا النّون كالعوض من المحذوف3. على أنّ ما في (الفَصِيح) 4 خلاف ما نُسِب إلى ثعلب؛ وهو موافقٌ لرأي الجمهور.   1 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/51، والخصائص 3/285، وشرح الفصيح للجبّان 210، والممتع 1/30، وغرائب التّفسير 1/55، والدّرّ المصور 6/323. 2 ينظر: الخصائص 3/285، واللّسان (تنر) 4/95، والدّرّ المصون 6/323. 3 ينظر: معجم مفردات الإعلال والإبدال 65. 4 ينظر: 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وذهب أبو عليٍّ الفارسيّ1 - وتابعه ابن جِنِّيّ - 2 إلى أنّ أصله (ت ن ر) ووزنه (فَعُّول) . ولم يكن ابن جِنِّيّ يرتضي ما ذهب إليه ثعلب، وكان يتّهمه بعدم التّوفيق، ويقول: "ولو كان (تَفْعُولاً) من النّار - لوجب أن يقال فيه تَنْوُور، كما أنّك لو بنيْتَه من القول لكان؛ تَقْوُولاً، ومن العَوْد: تَعْوُوداً … وإنّما تَنُّورٌ: (فَعُّول) من لفظ (ت ن ر) وهو أصلٌ لم يستعمل إلاّ في هذا الحرف، وبالزّيادة كما ترى"3. وأجاز ابن جِنِّيّ - أيضاً - أن يكون (فَعْنُولا) وذكر أنَّ التنور لفظ اشترك فيه جميع اللُّغات من العرب وغيرهم. وعلى هذا المذهب أكثر العلماء؛ كالجوهرِيّ4، وابن سِيدَه5، وابن عصفورٍ6، وابن منظورٍ7. غير أنَّ في المنهج المقارَن، في هذه المادَّة، ما يؤيِّد مذهب ثعلبٍ - فيما نُسِبَ إليه - وهو اشتقاقها من النَّار أو النُّور، فقد ذكر طه باقر أنَّ   1 ينظر: الخصائص 3/285، والممتع 1/30، والدّرّ المصون 6/323. 2 ينظر: الخصائص 3/285. 3 الخصائص 3/285. 4 ينظر: الصّحاح (تنر) 2/602. 5 ينظر: اللّسان (تنر) 4/95. 6 ينظر: الممتع 1/30. 7 ينظر: اللّسان (تنر) 4/95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 كلمة (تَنُّور) وردت في اللُّغة الأَكَدِيَّة، بصيغة مضاهيةٍ للعربيَّة بهيئة (تَنُّور) (tinuru) وذكر أنَّ المعاجم الأكادِيَّة الحديثة اشتقّتها من المادَّة الأَكَدِيَّة (نَار) أو (نور) الموافقتين - في معناهما - للعربيَّة، وأشار إلى أنَّ زيادة التّاء في أوَّل الجذر أسلوبٌ مألوفٌ في اللُّغة الأَكَدِيَّة1. ويؤيِّد مذهب ثعلبٍ - أيضاً - أنَّ (ت ن ر) أصلٌ مهملٌ، كما أشار إلى ذلك الأزهرِيّ2. ومن التَّداخل بين الأجوف والصَّحيح: تداخل (ك ون) أو (ك ي ن) و (س ك ن) في قولهم: استكان ومستكين ويستكين، وقد اختلفوا في ذلك3: فذهب الجمهور إلى أنَّ الأصل الأجوف؛ ولكنَّهم اختلفوا فيه: فذهب بعضهم4 إلى أنَّه (ك ون) وهو (اسْتَفْعَل) من (الكَوْن) أي انتقل من كونٍ إلى كونٍ؛ كما قيل: استحال؛ إذا انتقل من حالٍ إلى حالٍ؛ كأنّه شيءٌ قد كان؛ أي: ذهب ومضى. وأصله - حينئذٍ (اسْتَكْوَنَ) فأُعِلَّ بالنَّقل والقلب.   1 ينظر: من تراثنا اللغوي القديم 67. 2 ينظر: التهذيب 14/270. 3 ينظر: الحلبيّات 115، والتّهذيب 11/68، 375، والخصائص 3/324، ورسالة الملائكة 215، والأفعال لابن القطّاع 2/176، والكشّاف 3/197، وشرح الشافية للرّضيّ 1/69، والبحر المحيط 3/75، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 459. 4 ينظر: الحلبيّات 115، ورسالة الملائكة 216، والكشّاف 3/197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وذهب بعضهم1 إلى أنَّه (ك ي ن) مأخوذٌ من (الكَيْنِ) وهو: لحم باطن الفرج؛ لذلّ ذلك الموضع ومهانته. وعلى هذا فأصله (استَكْيَنَ) فأُعِلَّ بالنَّقل والقلب كسابقه. وذهب بعضهم - فيما حكى المَعَرِّيّ2 - إلى أنَّ أصله (س ك ن) من السُّكون؛ بمعنى: الخضوع والذّلة، ووزنه على هذا الأصل (افْتَعَالَ) لأنَّه في الأصل (اسْتَكَنَ) على (افْتَعَلَ) ثم أُشْبِعَت فتحة الكاف؛ فقالوا: (اسْتَكَانَ) . وإلى مثل ذلك ذهب ابن سِيدَه3. و (يَسْتَكِينُ) و (مُسْتَكِينٌ) على هذا الأصل (يَفْتَعِيلُ) و (مُفْتَعِيل) وهي أبنيةٌ مستنكَرَةٌ يأباها قياس العربيَّة؛ فلا يجوز أن يذهب إلى مثلها غير مضطرٍّ - كما قال المَعَرِّيّ؛ لأنَّه لم تجر عادتهم بمثل ذلك، في منثور الكلام وسَعَته؛ وإنّما يستعمل مثلها في ضرورات الشِّعر4؛ كقول ابن هَرْمَةَ حينما اضطرَّه الوزن: وَأَنْتَ مِنَ الغَوَائِلِ حِيْنَ تَرْمِي ... وَعَنْ شَتْمِ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ5   1 ينظر: رسالة الملائكة 216، والأفعال لابن القطّاع 2/176. 2 ينظر: رسالة الملائكة 215، 216. 3 ينظر: اللّسان (سكن) 13/218. 4 ينظر: رسالة الملائكة 215، 216. 5 ينظر: ديوانه 92، والمحتسب 1/340، وأسرار العربية 45، وأمالي ابن شجري 1/122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 يريد (بمُتْنَزَح) فهو (مُفْتَعَال) ولا ضرورة في قولهم: استكان يستكين. ويتداخل (ت وب) و (ت ب ت) في (التَّابوت) وهو الصُّندوق؛ وهذا يحتمل الأصلين: فذهب الجوهرِيّ إلى أنَّه من (ت وب) وأنَّ وزنه (فَعْلُوهُ) وأصله (تَابُوَة) مثل (تَرْقُوَة) فلما سُكِّنت الواو انقلبت هاءُ التَّأْنيث تاء. قال: "لم تختلف لغة قريشٍ والأنصار في شيءٍ من القرآن إلاَّ في التّابوت؛ فلغة قريشٍ بالتَّاء، ولغة الأنصار بالهاء"1. وقيل: إنّه (فَعَلُوت) كـ (مَلَكُوت) من: تَابَ يَتُوب، والتَّوب: الرُّجوع؛ لأنَّ التَّابوت هو: الصُّندوق الَّذي توضع فيه الأشياء؛ فيرجع إليه صاحبه2. وذهب ابن برِّيّ إلى أنَّه من (ت ب ت) ووزنه (فَاعُول) مثل (حَاطُومٍ) و (عَاقُولٍ) وأنَّ من وقف عليه بالهاء فإنّما أبدلها من التاء؛ كما أبدلها في (الفُرَات) وليست فيه بتاء تأنيث؛ وإنّما هي أصليَّة من الكلمة نفسها، وكذلك في (تَابُوت) 3.   1 الصّحاح (توب) 1/92. 2 ينظر: الدرّ المصون 2/522. 3 ينظر: التّنبيه والإيضاح 1/45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وإلى مثل ذلك ذهب العُكْبَرِيُّ، وحمله على أنَّه ممَّا لا يُعْرَف له اشتقاق في لغة العرب1. ويتداخل (ن وف) و (ت ن ف) في (تَنُوفَ) أو (تَنُوفَى) وهي موضِعٌ ببلاد طيّئ2 بحائل في قول امرئ القيس: كأنَّ دِثَاراً حلّقتْ بِلَبُوْنِهِ ... عُقَابُ تَنُوفَى لاَ عُقَابُ القَوَاعِلِ3. ورواية ابن جِنِّيّ4: عُقَابُ تَنُوفَ لاَ عُقَابُ القَوَاعِلِ والوجهان صحيحان في اسم الموضع، كما ذكره أبو عبيد البكريّ5؛ وهما يحتملان الأصلين: فذهب أبو عبيدٍ البكريّ6 إلى أنَّ الأصل (ت ن ف) فوزن تَنُوفَ (فَعُول) ووزن (تَنُوفَى) (فَعُولَى) .   1 ينظر: التبيان 1/198. 2 ينظر: معجم ما استعجم 1/322، 2/1101. 3 ينظر: ديوانه 94، ودِثار: اسم راعي امرئ القيس، والقواعل: جبل من جبال سلمى، دون تَنُوفَى. 4 ينظر: الخصائص 3/191. 5 ينظر: معجم ما استعجم 1/222. 6 ينظر: معجم ما استعجم 1/222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وذهب ابن جِنِّيّ إلى أنَّ الأصل (ن وف) من النَّوف؛ وهو: الارتفاع، بقوله: "وأنا أرى أنَّ (تَنُوفَ) ليست (فَعُولاً) بل هي (تَفْعُل) من النَّوف؛ وهو: الارتفاع؛ سمِّيت بذلك لعُلُوِّها. ومنه: أنَافَ على الشَّيء؛ إذا ارتفع عليه، والنَّيِّف في العدد من هذا … فتَنُوفُ -في أنَّه علم- على (تَفْعُل) بمنزلة يَشْكُر ويَعْصُر"1. وما ذهب إليه أبو الفتح قريبٌ لدلالة الاشتقاق. ومثل تَنُوفَ (تَحُوطُ) وهو: اسم للقحط والسّنة الشّديدة؛ فيحتمل الأصلين: فيجوز أن يكون أصلها (ح وط) فيكون وزنها (تَفْعُلُ) منقولةً من الفعل المضارع؛ وأصلها (تَحْوُطُ) ثم أُعلَّت بالنّقل؛ مثل (تَقْوُل) و (تَقُول) وأشار إلى ذلك الأزهرِيّ2. ويجوز أن يكون أصلها (ت ح ط) فيكون وزنها (فَعُولاً) . والأوَّل أقرب؛ فلعلّ اشتقاقه من: الإحاطة؛ وهو: الاكتناف؛ فكأنّها أحاطتهم بالقحط والشّدّة. ولأنَّ الثّاني أصلٌ مهملٌ؛ فلا يكاد يتصرّف منه كلامٌ. وقد ذكرها ابن منظورٍ في الأصلين3.   1 ينظر: الخصائص 3/192. 2 ينظر: التهذيب 4/380. 3 ينظر: اللّسان (تحط) 7/266، و (حوط) 7/280. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 ويتداخل (هـ ي ق) و (هـ ق ل) في (الهَيْقَل) وهو ذكر النّعام؛ ويحتمل الأصلين1: فيجوز أن يكون من (هـ ي ق) مشتقّاً من (الهَيْقِ) وهو: الطُّول قال الأزهرِيّ: "ولذلك سمِّي الظَّليم هَيْقاً، ورجلٌ هَيْقٌ، يُشَبّه بالظَّليم؛ لنفاره وجُبنه"2. وعلى هذا الأصل فاللاَّم زائدةٌ في (الهَيْقَل) ووزنه (فَعْلَل) . ويجوز أن يكون (هـ ق ل) لقولهم لذكر النَّعام (الهِقْل) والأنثى (الهِقْلَةُ) 3. وعلى هذا الاشتقاق يكون من قال (الهَيْقَل) قد زاد الياء، ويكون وزنه - حينئذٍ (فَيْعلاً) بمنزلة (البَيْطَر) و (الحَيْدَر) . والحقّ أنَّ الأصلين متساويين من ناحية الاشتقاق، وكلّ واحدٍ منهما كثر استعماله؛ بحيث حمل بعض علماء اللُّغة على أن يقولوا: إنّ كلاًّ منهما أصلٌ مستقلٌّ برأسه؛ وأنَّهما من باب التّرادف.   1 ينظر: اللامات للزجاجي 134، والتهذيب 5/401، 6/343، وسر الصناعة 1/323، وشرح المفصّل لابن يعيش 10/7، والإيضاح في شرح المفصّل 2/391، والممتع 1/215، والارتشاف 1/108. 2 التّهذيب 6/343. 3 ينظر: اللامات للزجاجي 134، والتهذيب 5/401، والمقاييس 6/58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وممن أجاز ذلك ابن جِنِّيّ1؛ وهو اختيار ابن عصفورٍ2؛ وهو رأيٌ قريبٌ، وأقرب منه - عندي - أن يكون الأصل (هـ ي ق) فيكون وزن الهَيْقَل (فَعْلَلاً) ثُلاَثِيّاً؛ ألا تراهم زادوا الميم في (الهَيْقَم) كما نصّ الجوهرِيّ3؛ وابن يَعِيشَ4؛ وهو بمعنى (الهَيْقَل) والميم فيها بمثابة ميم شَدْقَمٍ وزُرْقُمٍ، وكذلك اللاَّم في (الهَيْقَل) زائدةٌ؛ وهي بمثابة اللاَّم في: زَيْدَلٍ وعَبْدَلٍ، والإجماع شبه معقودٍ على زيادة اللاَّم فيهما5. ومثل الهَيْقَل في تداخل الأصلين (الطَّيْسَلُ) وهو الكثير من كلّ شيءٍ؛ لقولهم في معناه: (الطَّيْسُ) فهو يحتمل (ط ي س) و (ط س ل) وكذلك (الفَيْش) و (الفَيْشَلَة) رأس العضو المذكَّر - فإنّه يحتمل (ف ي ش) و (ف ش ل) 6. وحملها على (ط ي س) و (ف ي ش) كحمل (الهَيْقَل) على (هـ ي ق) إلاّ أنَّه لم يسمع فيهما الميم مكان اللاَّم. ولو حملا على (ط س ل) و (ف ش ل) لكان ذلك وجهاً؛ لأنَّ زيادة الياء ثانية - أكثر من زيادة اللاَّم آخراً.   1 ينظر: سرّ الصّناعة 1/322، 323. 2 ينظر: الممتع 1/215. 3 ينظر: الصّحاح (هيق) 4/1570. 4 ينظر: شرح المفصّل 10/7. 5 ينظر: سرّ الصّناعة 1/321، والممتع 1/213. 6 ينظر: الممتع 1/214، 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 ج - التَّداخل بين النّاقص والصَّحيح: هذا هو النوع الثالث في هذا المبحث، والتداخل فيه كثير؛ كسابقه الأجوف. ويمكن تصنيف ما فيه من التداخل إلى أربع مجموعات؛ وهي: 1- ما في أوله ميم. 2- مُضَعَّف العين في المعتل. 3- ما يحتمل (فَعَوْلَى) و (فَعَوْعَلا) و (فَعَلْعَلا) . 4- ما لا رابط فيه. أوّلاً- ما في أوّله ميمٌ: يتداخل - من هذا النّوع (ل ط ي) و (م ل ط) في (المِلْطَى) وهي الأرض السّهلة؛ فتحتمل الأصلين: يجوز أن تكون من (ل ط ي) فتكون على وزن (مِفْعَل) مقصورةً من (مِلْطاء) وهي (مِفْعَال) . ويجوز أن يكون أصلها (م ل ط) ووزنها (فِعْلَى) مقصورة؛ وأصلها (فِعْلاء) . وإلى هذا ذهب أبو عليٍّ الفارسيّ؛ كما حكمى ابن منظورٍ1. ومثلها (المِلْطى) في قولهم: شَجَّه حتّى رأيت المِلْطَى؛ وروى الأزهريّ2 عن ابن الأعرابيّ أنّه ذكر الشِّجاج؛ فذكر المِلطَى؛ وهي التي   1 ينظر: اللّسان (ملط) 7/409. 2 ينظر: التّهذيب 13/360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 تخرق اللّحم حتّى تدنو من العظم، وكان الأزهريّ قد ذكرها في (م ل ط) فقال: "وقول ابن الأعرابيّ يدلّ على أنّ الميم من المِلْطَى ميم (مِفْعَل) وأنّها ليست بأصليّة؛ كأنّها من: لَطَيْتُ بالشّيء؛ إذا لَصِقْتُ به"1. ومن ذلك تداخل (ع ك و) في (المِعْكاء) 2 وهي الإبل الغلاظ السمان، في قول أَوْسِ بن حَجَر: الوَاهِبُ المِائَةَ المِعْكاءَ يَشْفَعُهَا يَوْمُ النِّضَالِ بأُخْرَى غَيْرُ مَجْهُودِ3 وفي قول النابغة: الوَاهِبُ المِائَةَ المِعْكاءَ زَيَّنَهَا ... سَعْدَانُ تَوْضِحَ فِي أَوْبَارِهَا اللِّبَدِ4 وهي تحتمل الأصلين: ذهب ابن السكيت - فيما حكاه ابن منظور5 - إلى أن أصلها (ع ك و) ووزنها (مِفْعَال) . ويجوز أن تكون الميم أصلية؛ فيكون أصلها (م ع ك) ووزنها (فِعْلاء) .   1 التّهذيب 13/360. 2 رواها ابن منظور في اللسان (معك) 10/490 بفتح الميم، ورواها في (عكا) 15/82 بكسرها. 3 ينظر: ديوانه 25. 4 ينظر: ديوانه 22. 5 ينظر: اللّسان (عكا) 15/82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وقد ذكرها ابن منظور في الأصلين1. ومن ذلك تداخل (د ر ي) و (م د ر) في (المَدْرِيَّةِ) وهي رِماح كانت تُرَكَّبُ فيها القرون المُحَّدَدة مكان الأَسِنَّة، ومنه قول لبيد بن ربيعة يصف البقرة الوحشية والكلاب: فَلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لَهَا مَدْرِيَّةٌ ... كالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّها وتَمَامُهَا2 وهي تحتمل الأصلين: ذهب الجوهريّ3 إلى أنَّ أصلها (م د ر) وهي (فَعْلِيّة) وتابعه ابن منظور4. وذهب الصغاني إلى أنها من (د ر ي) وأن الميم زائدة5؛ فوزنها على الأصل (مَفْعِلَة) . وما ذهب إليه الصغاني هو الصواب؛ لدلالة الاشتقاق؛ فقد ذكر ابن فارس أن الدال والراء والمعتل أصلان:   1 ينظر: اللسان (معك) 10/490، و (عكا) 15/82. 2 ينظر: ديوانه 312، وفيه مَدَرِيَّة بفتح الدّال؛ وهي ساكنة في شرح القصائد السّبع الطّوال 568، وشرح القصائد المشهورات 1/157، وشرح المعلقات العشر للشّنقيطيّ 130، والصّحاح (مدر) 2/812، ونقل الصّغانيّ (التّكملة (مدر) 3/195) رواية الفتح، ونصّ على أنّ التّسكين هو الصّواب. 3 ينظر: الصّحاح (مدر) 2/812) . 4 ينظر: اللّسان (مدر) 5/163. 5 ينظر: التّكملة (مدر) 3/195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 أحدهما: قصد الشيء، واعتماده طلبا. والآخر: حدة تكون في الشيء1؛ ولا تكاد تخرج (المِدْرِيَّة) وهي الرماح - عن تلك المعاني؛ فبان بالاشتقاق صِحَّة ما ذهب إليه الصَّغاني. ويحتمل (المَدْعِيُّ) وهو المتهم في نفسه (د ع و) و (م د ع) وقد ذكره الأزهري2 في (م د ع) ورجّح أن ميمه زائدة. وتابعه الصغاني3 وأشار إلى رأي الأزهري. ثانيا- مُضَعّف العين في المعتل: تضعيف العين في المعتلّ يؤدّي إلى تداخل الأصول؛ إذ يحتمل التّضعيف في العين أن يكون من باب إدغام العين في اللام؛ أي يكون من باب (فعل) ويحتمل أن يكون من باب تضعيف العين؛ نحو (فعّل) فيقع التداخل. فمن ذلك تداخل (ق ر ى) و (ق ر ر) في (القِرِّيّة) وهي الحوصلة؛ فتحتمل الوجهين: يجوز أن يكون أصلها (ق ر ي) فيكون وزنها (فِعَّيلة) وفي هذا الأصل ذكرها ابن سيده4.   1 ينظر: المقاييس 2/271. 2 ينظر: التّهذيب (2/261. 3 ينظر: التّكملة (مدع) 4/375. 4 ينظر: المحكم 6/309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 ويجوز أن يكون أصلها (ق ر ر) فيكون وزنها (فِعِّيلة) وأجاز ابن سيده هذا الأصل - أيضا -؛ حين أتى على (قِرِِّيّة) فقال: "وهذان قد يكونان ثُنائيين، فلا يكون بابهما"1 وهو يريد بقوله: (ثُنَائيين) أنهما من الثلاثي المضعّف. ومن تداخل (ق ض و) و (ق ض ض) في (القَضَّاء) من الإبل؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب الأزهري إلى أن أصله (ق ض ض) 2 فوزنه - عنده (فَعْلاء) . وذهب ابن بري إلى أن أصله (ق ض ي) مشتقا من: قضى يقضي؛ لأنه يُقضى بها الحقوق3. وقريب من هذا اختلافهم في قولهم: درع قَضَّاء، أي: فُرِغَ من عملها؛ وهي تحتمل الأصلين: يجوز أن يكون أصلها (ق ض ي) فتكون على وزن (فَعَّال) ويمكن أن يُستدلّ بقولهم: قَضَيْتُ الدِّرْعَ؛ أي: أحكمت صنعها، وعلى هذا قول أبي ذؤيب الهذلي:   1 المحكم 6/309. 2 ينظر: التّهذيب 8/252. 3 ينظر: اللّسان (قضض) 7/223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وتَعَاوَرَا مُسْرُودَتَيْنِ قَضَاهُما ... دَاودُ أو صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ1 وجعل الأزهري (قَضَّاء) (فعلاء) غير منصرف2، وأصلها (ق ض ض) واشتقاقها من (القَضِّ) وهو: خشونة ملمسها لجدّتها، إذ لم تنسحق3. ويبدو هذا الأصل أقرب من غيره؛ فلو كانت من (قَضَّيْتُهَا) أي: أحكمتها لقيل: (قَضْيَاء) 4. ومن أمثلة التداخل في هذا الباب: تداخل (ص ل ي) و (ص ل ل) في (الصِّلِّيان) وهو نبت له سنمة عظيمة؛ كأنها رأس القصبة؛ وهو يحتمل الأصلين: يجوز أن يكون أصله (ص ل ي) أو (ص ل و) ووزنه - حينئذ (فِعّلان) وعلى هذا الأصل قالوا: (أرضٌ مصلاة) إذا كثر فيها هذا النبات. ويجوز أن يكون أصله (ص ل ل) ووزنه - حينئذ (فِعْلِيان) وهو   1 ينظر: شرح أشعار الهذليين 1/39، والتّهذيب 8/251، مع اختلاف لا يضر بالشاهد. 2 ينظر: التّهذيب 8/851. 3 ينظر: اللّسان (قضض) 7/221. 4 ينظر: المحكم 6/64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 يشاكل (الحِرْصِيانة) من الحَرْص1، وهذا مذهب سيبويه2 والجوهري3. وأجاز الخليل الأصلين؛ فقال: "والصِّلّيان: نبت على (فِعّلان) 4 ويقال: (فِعْليان) … فمن قال (فِعْليان) قال [هذه] 5 أرض مَصْلاة"6 أي: يكثر فيها هذا النّبات. وفي قوله: "فمن قال (فِعْليان) قال [هذه] أرض مصلاة" تحريف واضح، والظاهر أنَّ صوابه أن يقال: "فمن قال (فِعّلان) … إلخ" لأن (فِعْليان) من (ص ل ل) فلا يقال منه: أرض مصلاة؛ لأن (مَصْلاة) من (ص ل ي) وأصلها (مَصْليَة) فأعِلَّت بالقلب لتحرّك الياء وانفتاح ما قبلها؛ ووزنها (مَفْعَلَة) وهو يصاغ من أسماء الأعيان للمكان الذي تكثر فيه؛ كقولهم: (أرض مَأْسَدَة) و (مَذْأَبَة) و (مَوْعَلَة) إذا كثرت فيها الأسُود أو الذِّئاب أو الوُعُول. ولو كانت من (فِعْليان) لقالوا: (أرض مَصَلَّة) كقولهم: (أرض مَخَزَّة) أي كثيرة الخُزَز؛ وهو ذكر الأرانب.   1 ينظر: التّاج (صلل) 7/406. 2 ينظر: الكتاب 4/262. 3 ينظر: الصّحاح (صلل) 5/1745. 4 وضعت في الأصل شدة على اللام هكذا (فِعلاّن) وهو سهو. 5 زيادة من التّهذيب 12/239 لتوضيح المعنى. 6 العين 7/155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وأصل (مَصَلَّة) : (مَصْلَلَة) على وزن (مَفْعَلَة) فسُكّنت اللام الأولى - وهي عين الكلمة - من أجل الإدغام. وقد حكى بعض العلماء هذا القول - على ما فيه - وتناولوه دون توقّف عند ألفاظه؛ كالأزهري1 وابن منظور2. ومما يرجح هذا ما نقله ابن منظور3 عن ابن سيده في جعله (الصّلّيانة) (فِعْليانة) من (الصَّلْي) ونقله الزبيدي4. فالسهو فيه في غاية الوضوح؛ لأن (الصِّلّيانة) إن كانت مشتقة من (الصَّلْي) فإنها لا تكون على وزن (فِعْليانة) بل (فِعّلانة) فإن كانت مشتقة من (الصَّلّ) فإنها - حينئذ (فِعْلِيانة) لا غير. وللإبدال نصيب في التدخل في مضعّف العين في المعتل؛ كقولهم: (لَبَّى) في: لَبَّبَ، و (تَمَطَّى) في: تَمَطَّط، و (تَظَنَّيْتُ) في: تَظَنَّنْتُ، ونحوه. فمن ذلك تداخل (س ر و) و (س ر ر) في (السُّرِّيّة) وهي الجارية المتخذة للملك والجماع؛ يقال فيها: تسرَّرْتُ جارية وتسرَّيتها؛ وهي تحتمل الأصلين:   1 ينظر: التّهذيب 12/239. 2 ينظر: اللّسان (صلى) 14/469. 3 ينظر: اللسان (صلل) 11/385. 4 ينظر: التاّج (صلل) 7/406. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 يجوز أن يكون أصلها (س ر و) من (السَّرو) وهو الارتفاع؛ لأنها تركب سراتها1، وقلبت الواو ياء طلبا للخفة، ثم أدغمت الياء في الياء، ثم حولت الضمة كسرة لمجاورة الياء. ويجوز أن يكون أصلها (س ر ي) من (السَّرِيّ) أي: المختار؛ لأنها مختارة على سائر الجواري. وعلى هذين القولين فوزن (السُّرِّيَة) (فُعِّيلة) كـ (مُرِّيق) وهو العُصْفُر. ويجوز أن يكون أصلها (س ر ر) من (السِّرّ) وهو: الجماع، للفرق بين الحرة والأمة التي توطأ؛ فيقال للحُرَّة إذا نكحت سرًّا، أو كانت فاجرة: (سِرِّيّة) ويقال للمملوكة يتسرَّاها صاحبها: (سُرِّيَّة) مخافة اللبس2 كما قالوا في النسب إلى الدهر: (دُهْرِيٌّ) يريدون به الشيخ الكبير، وقد ضموا أوله للتفريق بينه وبين (الدَّهْرِيّ) المُلْحد3. ويجوز أن يكون من: السّرّ؛ بمعنى: الخفية؛ لأن صاحبها يَسُرُّها ويستر أمرها عن حُرَّته؛ وهو اختيار ابن السّرّاج4. وكان الأخفش يشتقّها من السرور؛ لأنها موضع سرور الرجل5.   1 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/349. 2 ينظر: اللّسان (سرر) 4/358. 3 ينظر: شواذ النسب 89، 94. 4 ينظر: الأصول 3/342. 5 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وهي على هذا الأصل - أعني (س ر ر) - (فُعْلِيَّة) والياء فيها للنسب. ومن ذلك تداخل (د س ي) و (د س س) في قوله - عز وجل: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 1 أي أخفاها؛ وهو يحتمل الوجهين، على اختلاف بينهم. فمذهب الجمهور2 أن الأصل (د س س) وأن الألف في (دَسَّاها) مبدلة من سين؛ كراهية اجتماع ثلاث سينات في (دسسها) كما قالوا: تَظَنَّيْتُ من: الظّنّ، وتقضّينا أي: تقضّضنا من (تَقَضَّض البازي) إذا أسرع في طيرانه، وهوى منقضا على فرسيته، والأصل: (دَسَّيَهَا) بالإبدال ياء، ثم قلبت الياء ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وذهب الخليل إلى أنّ أصله (د س و) من (دَسَا يَدْسُو دُسُوًّا ودَسْوَةً، وهو نقيض زكا يزكو زكاء وزكاة؛ وهو داسٍ لا زاك) 3. وبهذا فَسَّره أبو جعفر النّحّاس4. ورُوِي عن ابن الأعرابيّ5 أنه قال: دَسَا: إذا استخفى.   1 سورة الشّمس الآية 10. 2 ينظر: معاني القرآن للفراء 3/267، ومجاز القرآن 2/300، ومعاني القرآن وإعرابه 5/332، والتّهذيب 13/41، وإعراب ثلاثين سورة 102، والتّبيان 2/1290، وعمدة الحفّاظ 175. 3 العين 7/283. 4 ينظر: إعراب القرآن 5/237. 5 ينظر: التّهذيب 13/41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 قال الأزهريّ: "وهذا يقرُبُ ممّا قاله الليث … وقد بيّنتُ في مضاعف السين أنَّ دَسَّاها في الأصل؛ دَسَّسَها، وأن السّينات توالت؛ فقلبت إحداهن ياء، وأمَّا دَسَا غيُر محولٍ عن المضعف من باب الدس؛ فلا أعرفه ولم أسمعه؛ وهو مع ذلك غير بعيد من الصواب"1. ومن ذلك تداخل (م ط و) و (م ط ط) في قوله - عز وجل: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} 2 أي: يتبختر؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب الفراء إلى أنّ أصله (م ط و) مشتقًّا من (المَطَا) وهو الظهر؛ فكأنّه يلوي ظهره تبخترا3. والأصل فيه (يَتَمَطَّوُ) فقلبت الواو ياء؛ لوقوعها لاما فوق الثالثة؛ فصارت (يَتَمَطَّيُ) فقلبت الياء ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ووزنه (يَتَفَعَّلُ) 4. وذهب الزمخشري إلى أن أصله (م ط ط) من (المَطِّ) وأصله (يَتَمَطَّطُ) فقلبت الطاء الأخيرة ياء؛ لتوالي ثلاث طاءات؛ فصارت (يَتَمَطَّى) فقلبت الياء ألفاً؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها5.   1 التّهذيب 13/41. 2 سورة القيامة: الآية 33. 3 ينظر: معاني القرآن 3/212. 4 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 470. 5 ينظر: الكشاف 4/664. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 ويؤيد ما ذهب إليه الزمخشري قولهم: مَطّ حاجبيه مَطًّا؛ أي: مدّهما وتكبّر. ولعلّ المعنى أنه ذهب إلى أهله يمدّ خطاه، ويمدّ حاجبيه تبخترًا. ثالثا- ما يحتمل فَعَوْلَى وفَعَوْعَلا وفَعَلْعَلا: هذا صنف يقع التداخل فيه بين الناقص والصحيح في الثلاثي؛ وهو ما يحتمل أن يكون وزنه (فَعَوْلَى) أو (فَعَوْعَلا) أو (فَعَلْعَلا) كـ (الخَجَوجَى) وهو الطويل الرجلين، و (الشَّجَوْجَى) المفرط الطول، و (الذَّلَولَى) الحسن الخلق أو السريع، و (القَطَوْطَى) وهو من يقارب الخطو. وقد اختلفوا في أصول تلك الكلمات: ذهب فريق إلى أنها من الثلاثي المضعّف، وأصولها (خ ج ج) و (ش ج ج) و (ذ ل ل) و (ق ط ط) ووزنها (فعولى) . وذهب إلى ذلك: أبو حيّان1، والفيروزابادي2، والسّيوطي3، والزَّبيدي4.   1 ينظر: الارتشاف 1/22. 2 ينظر: القاموس (حجج) 237، و (شجج) 249، و (قطط) 882، و (ذلل) 1295. 3 ينظر: المزهر 2/8. 4 ينظر: التّاج (خجج) 2/27، و (شجج) 2/63، و (قطط) 5/210، و (ذلل) 7/330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 وذهب الجمهور إلى أنها من المعتلّ الناقص؛ وأصولها: (خ ج ي) و (ش ج و) و (ق ط و) و (ذ ل ي) . وكان يرى ذلك سيبويه1، والمبرّد2 وابن السّراج 3 وابن عصفور4 وغيرهم. وعلى رأي هؤلاء فهي تحتمل وزنين؛ وهما (فَعَوْعَل) و (فَعَلْعَل) : فذهب سيبويه - في أحد قوليه - إلى الأوّل حين قال: "وأمَّا قَطَوْطَى فَمْبنيّة5 أنها (فَعَوْعَل) لأنّك تقول: قَطَوان، فتشتقّ منه ما يذهب الواو، ويثبت ما الألف بدل منه، وكذلك: ذَلَوْلى؛ لأنك تقول: اذْلَوْلَيْتُ، وإنما هي (افْعَوْعَلْتُ) وكذلك (شَجَوْجًى) وإن لم يشتق منه؛ لأنه ليس في الكلام (فَعَوْلى) وفيه (فَعَوْعَل) فتحمله على القياس؛ فهذا ثبت"6.   1 ينظر: الكتاب 4/311. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي 1/253، ولم أقف على رأي المبرد في المقتضب أو غيره من كتبه. 3 ينظر: الأصول 3/234. 4 ينظر: الممتع 1/282-284. 5 هكذا في طبعتي الكتاب؛ ولعل الصواب ((فَمُبينة)) من الإبانة؛ وهو أقرب إلى سياق كلامه، والله أعلم. 6 الكتاب 4/311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 ولم يحمله ابن السّرّاج1 على (فَعَلْعَل) لأنّ باب (فَعَوْعَل) عنده - أولى به؛ لكثرته وقلة باب (صَمَحْمَح) و (دَمَكْمَك) وهما على وزن (فَعَلْعَل) . أما الوزن الثاني - أعني (فَعَلْعَلا) فقد ذهب إليه سيبويه2 في رأيه الآخر في المسألة، واحتجّ بأنه أكثر من باب (فَعَوْعَل) خلافا لما حكم به ابن السّرّاج. وكان المبرّد على هذا الرّأي، ويحتج -أيضا- بكثرة (فَعَلْعَل) بالقياس على (فَعَوْعَل) 3 أيضا. وتابعهما ابن عصفور4 في الاختيار، وفصّل في المسألة تفصيلا جميلا، وكان يحتجّ لأصالة الألف الأخيرة بأنها لو جعلت زائدة لكان وزنها (فَعَوْلَى) وهو بناء غير موجود. أما الواو المتوسّطة فلو جعلت أصلية؛ فنحن - عندئذ - أمام أمرين: أحدهما: أن يجعل المضعّفان أصلين. وثانيهما: أن يجعل أحدهما أصلا والآخر زائدًا.   1 ينظر: الأصول 3/234. 2 ينظر: الكتاب 4/394. 3 ينظر: شرح الشافية للرضي 1/253. 4 ينظر: الممتع 1/282، 283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 فلو جعلا أصلين لما جاز ذلك؛ لأنه يؤدّي إلى أن تكون الواو أصلا في بنات الأربعة؛ وهو مرفوض إلاَّ في نحو (ضَوْضَيْت) و (قَوْقَيْتَ) من بنات الأربعة. ولو جعل أحدهما أصلا والآخر لأدّى ذلك إلى أن يكون الوزن (فَعَلْعَلا) وهو بناء موجود في العربية. فثبت بذلك أن الألف بدل من أصل. وابن عصفور يريد - هنا - أن أصولها قبل الإبدال: (خَجَوْجَو) و (شَجَوجَو) و (قَطَوطَو) و (ذَلَوْلَو) فيحتمل (قَطَوطَو) وأخواتها الأصلين؛ فإما أن تجعل الواو الأخيرة أصلا، أو تجعلها تكريرا لأصل. فإن جعلتها أصلا وجب أن تكون الواو الوسطى زائدة؛ فيكون وزنه (فَعَوْعَلا) مثل (عَثَوْثَل) وهو: الشيخ الثقيل. وإن كانت تلك اللام تكريرا لأصل، كما أن الطاء الثانية في (قَطَوطَو) تكرير للأولى؛ وهي العين، وجب - حينئذ - أن تكون الواو الأولى أصلية؛ فيكون وزنها (فَعَلْعَلا) من باب (صَمَحْمَح) و (دَمَكْمَك) . ولم يجز السّيرافيّ1 (فَعَلْعَلا) والصواب - عنده - أن تكون (فَعَوْعَلا) لقولهم فيه: (اقْطَوْطَى) وهو (افْعَوْعَلَ) لا غير؛ لأنه ليس في الأفعال (افْعَلْعَلَ) وكذلك قالوا في (ذَلَوْلَى) : (اذْلَوْلَى) .   1 ينظر: اللّسان (قطا) 15/190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 غير أن ابن عصفور خطَّأ السّيرافيّ؛ وإن لم ينصّ على اسمه صراحة؛ وجعل رأيه مما لا يلتفت إليه؛ إذ ليس (قَطَوْطَو) -على رأي ابن عصفور - باسم "جارٍ على: اقْطَوْطَى؛ فيلزم أن تكون الواو الزائدة فيه من غير لفظ اللام؛ كما هي في: اقْطَوْطَى، بل لا يلزم من كونهم قد اشتقّوا: اقْطَوْطَى، من لفظ: قَطَوْطى - أكثر من أن تكون أصولها واحدة، وذلك موجود فيهما؛ لأن: قَطَوْطى - إذا كان وزنه (فَعَلْعَلا) كانت إحدى العينين وإحدى اللامين زائدتين؛ فتكون حروفه الأصول: القاف والطاء والواو؛ وكذلك: اقْطَوْطَى؛ الواو وإحدى الطائين زائدتان، وحروفه الأصول: القاف والطاء والواو التي انقلبت ألفاً"1. وما ذهب إليه ابن عصفور لإبطال رأي السيرافي بعيد؛ ألا ترى أنه يترتب عليه فساد مقياس من أهم مقاييس التفريق بين الأصول وتمييزها؛ وهو الاشتقاق الذي يعتد به العلماء، ويفزعون إليه في كثير من المسائل الصرفية، ولا يُترك الأخذ به إلا بثبت، كالتوهم ونحوه، ولا حاجة إلى حمل (اقْطَوْطَى) على التوهم. والقول - هنا - ما قاله السّيرافيّ، والأدلة تُؤيّده، فإن موضع الواو الوسطى في (قَطَوْطَى) وأخواتها؛ من المواضع التي تكثر فيها حروف الزيادة؛ كالألف والياء والواو والنون؛ نحو (عُلابِط) و (تُمَاضِر) و (عَمَيْثَل) وهو: الضَّخم الثقيل، و (سَمَيدَع) وهو: السَّيِّد، و (فَدَوكَس)   1 الممتع 1/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وهو: الأسد، و (سَرَومَطَ) وهو: الطويل، بل إن النون لا تأتي زائدة باطّراد مستمرّ إلا في هذا الموضع؛ نحو (فَلَنْقَس) وهو: البخيل، وشَرَنْبَث؛ وهو: غليظ الكفّين. ويدلّ على قوة مذهب السّيرافيّ _ أيضا - أنهم اعتادوا الفصل بين العينين بالمعتلّ؛ كقولهم: (عَثَوثَل) و (خَفَيفَد) وهو: الخفيف من الظّلمان، وفصلوا بينهما - أيضا - بالنّون: كقولهم (عَقَنْقَل) وهو: الكثيب الهائل. فإذا كثر ذلك كان حمل (قَطَوْطى) وأخواتها على (فَعَوْعَل) هو الوجه الأقرب. ولو كان من سبيل إلى حمل (صَمَحْمَح) ونحوه على هذا الباب لفعلوه، والذي يمنعهم أن الحرف الأوسط ليس من حروف الزيادة. رابعا- ما لا رابط فيه: وهو ما جاء من أمثلة متفرّقة لا جامع بينها سوى أنها من باب التّداخل بين النّاقص والصّحيح. ومن ذلك تداخل (ط غ و) أو (ط غ ي) و (ط غ ت) في (الطَّاغوت) وهو بناء مبالغة؛ كالجبروت والمَلَكُوت، وقد اختلفوا في أصله1:   1 ينظر: الكتاب 3/240، ومعاني القرآن للزجاج 1/340، والمحتسب 1/132، ومشكل إعراب القرآن 1/107، والتبيان 1/205، والمخصص 11/25، والبحر المحيط 2/272، والدر المصون 2/548، واللسان (طغي) 15/9، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 فذهب الجمهور إلى أن أصله المعتل الناقص، واختلفوا في لامه أهي واو أو ياء: فذهب بعضهم1 إلى أنه (ط غ ي) من: طغيتَ تَطْغَى؛ بدلالة قوله - عز وجل: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} 2 والتاء فيه زائدة؛ وأصله (طَغَيُوت) على (فَعَلُوت) ثم حدث فيه قلب بتقديم اللاَّم موضع العين؛ فصار - بعد القلب - (طيغوتا) ووزنه (فلعوت) فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا؛ فقالوا: (طاغوت) 3. ويجوز أن يكون الأصل (ط غ و) من: طغا يطغو؛ فقد روى ابن جني4 عن قطرب وغيره: طَغَا يَطْغُو طُغُوًّا وطُغْوَانا. وحكى الواو - أيضا - أبو عليّ الفارسيّ5. وعلى هذا فإنَّ أصله (طَغَوُوتا) ثم حدث فيه ما ذكر آنفا. ويجوز أن يكون أصله (ط غ ت) فتكون تاؤه أصلية؛ ووزنه (فاعول) وقد حكى ذلك السمين الحلبي6.   1 ينظر: المحتسب 1/132، والتبيان 1/205. 2 سورة البقرة الآية 15. 3 ينظر: المحتسب 1/132. 4 ينظر: المحتسب 1/132، 133. 5 ينظر: التكملة 269. 6 ينظر: الدر المصون 2/548. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 والأول - وهو رأي الجمهور - أقوى؛ لقرب الاشتقاق. ويتداخل (ر ق ي) و (ت ر ق) في (ترقوة) وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق؛ وقد اختلفوا في أصلها: فذهب الجمهور1 إلى أنها من (ت ر ق) وصَحَّت الواو فيها؛ لأنهم أجروا الهاء فيها مُجرى الراء في منصور والطاء في عَضْرَفُوط، ولولا ذلك لقلبت ياء؛ فيقال فيها: تَرْقِيَةٌ2، ومثلها في ذلك قَمَحْدُوَةٌ؛ وهي عظمة بارزة؛ في مؤخرة الرأس. وذكر أبو حيان أن بعضهم يرى أن أصلها (ر ق ي) وأن التاء زائدة، وهي مشتقة من (رَقَى) 3 فيكون وزنها (تَفْعُلَة) . ولعل من ذهب إلى هذا رأى أن جعل التاء فيها أصلا يؤدّي إلى وزن نادر؛ وهو (فَعْلُوَةٌ) ورأى - أيضا - أن زيادة التاء أولا أكثر من زيادة الواو آخرًا. ومن أمثلة هذا النوع: تداخل (خ ر ي) و (خ رت) في قولهم: (الخَراتان) لنجمين سُمّيا بذلك؛ لنفوذهما إلى جوف الأسد، ولا يعرف إلاَّ على التثنية؛ وهما يحتملان الأصلين: يجوز أن يكون أصلها (خ ر ي) والواحدة (خراة) فتكون التاء في الخراتين تاء التأنيث، وليست لاما.   1 ينظر: الكتاب 3/443، والجمهرة 3/1240، والمنتخب 2/564، والممتع 1/91. 2 ينظر: سر الصناعة 2/616. 3 ينظر: الارتشاف 1/105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 والأصل (خَرْيَتَان) فأُعِلَّت الياء بالتسكين والقلب، ونقل الحركة؛ والوزن على هذا (فَعْلَتَان) . ويجوز أن يكون المعتل واوا؛ فيكون أصلها (خروتان) ثم أعلت الواو كإعلال الياء، والوزن واحد. ويجوز أن تكون العين متحركة في الأصل فالوزن (فَعَلَتَان) والإعلال - حينئذ - بالتسكين والقلب فحسب. وقد حكاهما - أعني: الواو والياء - كراع1. ويحتمل أصلها أن يكون من (خ ر ت) واشتقاقها من (الَخْرت) وهو: الثقب؛ فكأنهما نفذا من ثقب إلى جوف الأسد؛ فتكون التاء أصلية؛ فوزنهما - حينئذ - (فَعَالان) . وقد أجاز ابن سيده الأصلين2، وتابعه ابن منظور؛ فذكرها في الموضعين3. ومن ذلك تداخل (ع ظ و) و (ع ن ظ) في قولهم: رجل عُنْظُوان؛ أي: بَذِيء فَحَّاش؛ وهو - أيضا - نبت تأكله الإبل؛ فلا تستطيع أن تَجْتَرَّه، ولا أن تَبْعَره؛ فتحبط بطونها؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب الجوهري4 إلى أن أصله (ع ن ظ) ووزنه (فُعْلُوَان) .   1 ينظر: المحكم 5/154. 2 ينظر: المحكم 5/92، 154. 3 ينظر: اللّسان (خرت) 2/29، و (خرا) 14/236. 4 ينظر: الصحاح (عنظ) 3/1174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وذهب الأزهري1 إلى أن أصله (ع ظ و) والنون زائدة فوزنه - حينئذ - (فُنْعُلان) وهو كذلك؛ لدلالة الاشتقاق؛ فهم يقولون: (عظاه) إذا تناوله بلسانه2، وعَظَا فُلانا يعظوه؛ إذا قطعه بالغِيبة. ويقولون في معناه الآخر: عَظِيَ الجمل يَعْظَى عَظًى شديدا؛ فهو عَظٍ3. أما مذهب الجوهري في أنه من (ع ن ظ) فضعيف؛ ولا مستند له من دليل.   1 ينظر: التهذيب 2/300. 2 ينظر: المحكم 2/240. 3 ينظر: التهذيب 3/146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 المبحث الرّابع: التَّداخل بين الصَّحيح والصَّحيح يكثر التَّداخل بين الأصلين الصَّحيحين؛ وهو يضارع في ذلك ما تقدَّم في التَّداخل بين المعتلّ، والمعتلّ أو المعتلّ والمهموز، أو المعتلّ والصَّحيح. غير أن التقسيم الّذي ينتظم هذا النوع من التَّداخل يختلف عما سبق؛ لأن التَّداخل - هنا - واقع بين كلمتين هما من نوع واحد؛ وهو (الصَّحيح) بخلاف ما سبق؛ فإن التَّداخل فيه كان بين نوعين مختلفين. فالتقسيم الجامع لما في هذا المبحث من تداخل يقوم على موقعي الحرفين المتداخلين من الميزان؛ وله سِتّ صور؛ وهي: أ- التَّداخل بين الفاء والفاء (×ع ل - ×ع ل) . ب- التَّداخل بين الفاء والعين (×ع ل - ف× ل) . ج- التَّداخل بين الفاء واللاّم (× ع ل- ف ع ×) . د- التَّداخل بين العين والعين (ف × ل- ف × ل) . هـ- التَّداخل بين العين واللاّم (ف × ل- ف ع ×) . و التَّداخل بين اللاّم واللاّم (ف ع ×- ف ع ×) . ونتناول فيما يلي كل واحدة منها بشيء من التفصيل: أ- التَّداخل بين الفاء والفاء (× ع ل- × ع ل) : يكثر التَّداخل في الصَّحيح بين الفاء والفاء، فيما أوله ميم تحتمل الأصالة والزيادة، وثانيه همزة أو ألف؛ كتداخل (م ب د) و (أب د) في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 (مأبد) وهو اسم موضع بالسراة؛ كما جاء في قول أبي ذؤيب: يَمَانِيَةٍ أَحْيَا لها مَظَّ مَأْبَدٍ وآلَ قَرَاسٍ صَوْبُ أَرْمِيَةٍ كُحْلِ1 وقد روي (مأبد) بالتخفيف؛ وهو يحتمل الأصلين: يجوز أن يكون من (م ب د) ووزنه - حينئذ - (فاعل) ويكون وزن (مأبد) (فأعل) من باب همز غير المهموز كـ (عالم) وقد ذهب إلى مثل هذا ابن سيده2. ويجوز أن يكون من (أب د) فالميم زائدة، ووزنه - حينئذ (مفعل) . وقد ذكره ابن منظور في الأصلين3: ومثل ذلك تداخل (م ر ب) و (أر ب) في (مَأْرِب) وهي: بلاد الأزد في اليمن؛ الّتي أخرجهم منها سيل العرم؛ فقد سمع فيها إبدال الهمزة ألفا، أو التُزِمَ فيها4، وهي تحتمل الأصلين: يجوز أن تكون من (م ر ب) على وزن (فاعِل) أو (فَأْعِل) على لغة الهمز؛ وهو اختيار ابن سيده5؛ كاختياره في (مَأْبِد) . ويجوز أن يكون أصلها (أر ب) على زيادة الميم؛ فوزنها - حينئذ   1 ينظر: شرح أشعار الهذليين 1/96. 2 ينظر: اللّسان (أبد) 3/70، و (مبد) 3/395. 3 ينظر: اللّسان (أبد) 3/70، و (مبد) 3/395. 4 ينظر: التّاج (أرب) 1/116. 5 ينظر: التّاج (أرب) 1/212. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 - (مَفْعِل) . وقد ذكرها في الأصلين كلٌّ من ابن منظور1، والفيروزابادي2، والزبيدي3. ومنه تداخل (م ج ل) و (أج ل) في (المأجل) وهو: مستنقع الماء، وقال بعضهم: (الماجل) بالتخفيف وكسر الجيم؛ فيحتمل الأصلين: جعله ابن دريد4 من (م ج ل) وتابعه الصغاني5 فالوزن - حينئذ - (فاعِل) و (فَأْعَل) . وذهب بعضهم إلى أن الأصل (أج ل) فيكون الوزن (مَفْعِلا) . ومن هؤلاء ابن فارس الّذي رد على ابن دريد بقوله: "وغلط ابن دريد في هذا البناء في موضعين: ذكر أن الماجِل: مستنقعُ الماء؛ وهذا من باب (أَجَلَ) وذكر أن المَجَلَّة: الصحيفة [و] هو من (ج ل ل) 6". أما ابن منظور فذكرها في الموضعين7. ومن أسباب التَّداخل فيها أنهم اختلفوا في روايتها؛ فبعضهم يهمز   1 ينظر: اللّسان (أرب) 1/212، و (مرب) 1/747. 2 ينظر: القاموس (أرب) 74، و (مرب) 174. 3 ينظر: التّاج (أرب) 1/146، و (مرب) 1/476. 4 ينظر: الجمهرة 1/491. 5 ينظر: التكملة (مجل) 5/511. 6 المقاييس 5/299. 7 ينظر: اللّسان (أجل) 11/12، و (مجل) 11/616. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 ويفتح الجيم، وبعضهم لا يهمز ويكسرها1. ومنه - أيضا - (المأصِر) وهو: حبل يلقى في الماء؛ ليمنع السفن عن السير؛ حتّى يؤدّي صاحبها ما عليه من حق السلطان؛ وهو يحتمل الأصلين: فمن خففه جعله من (م ص ر) ووزنه عنده (فاعِل) . ومن همزه جعله من (أص ر) ووزنه عنده (مَفْعِل) . وقد ذكره ابن منظور في الأصلين2. ومن التَّداخل بين الفاء والفاء، مما أوله ليس بميم، ما وقع بين (أن ر) و (هـ ن ر) في قولهم: هَنَرْتُ الثَّوب، بمعنى: أنرته، أَهَنيره؛ إذا علمته وهو يحتمل الأصلين: ذهب ابن خالويه إلى أن أصله (أن ر) و (أَهَنِير) في الأصل عنده (أَأَنِير) 3 فيكون وزنه على ما ذكره (أَفَعْيِل) فهو في الأصل (أَأَنِير) فأُعِلَّ بنقل حركة الياء إلى ما قبلها؛ فأصبحت (أَأَنِير) وهو على مذهب من جعل أَهَرَقْتُ الماء أَهَرِيقُهُ من (هرق) 4 وهذا على تقدير أن الأصل (أن ر) وإلا فله في الاعتلال توجيه آخر.   1 ينظر: التّهذيب 11/194، والنّهاية 4/300، وشرح النّظم الأوجز 129. 2 ينظر: اللّسان (أصر) 4/24، و (مصر) 5/77. 3 ينظر: ليس في كلام العرب 112. 4 ينظر: اللّسان (هرق) 10/365. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وجعله الأزهري1 من (هـ ن ر) وتابعه ابن منظور2؛ وتقدير ذلك أن الهمزة مبدلة من الهاء، وأحسبه مُعتلاّ؛ فيخرج عما نحن فيه، مثل (أَهَرَقْتُ الماء) ألا تراهم قالوا: أَهَرَاقَتِ السماء ماءها؛ وهي تُهْرِيقُ3؛ لأنهم أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم أُلزمت فصارت كأنها من الكلمة نفسها، ثم أدخلوا الألف بعد على الهاء، وتركوا الهاء عوضا عن حركة العين المحذوفة؛ لأن أصل (أَهْرَقَ) أَرْيَقَ"4 ومثله (أَهَنِيرُ) فيكون أصله - حينئذ - (ن ي ر) على ظاهر اللفظ لفقد الاشتقاق، أو (ن ور) حملا على أوسع البابين. ب - التَّداخل بين الفاء والعين (× ع ل - ف × ل) : يكثر التَّداخل بين الفاء والعين في الصَّحيح، ولا يخرج ما فيه عن صنفين: أحدهما: ما في ميم محتملة للأصالة والزيادة. وثانيهما: ما ليس في أوله ميم. فمن الأول تداخل (م ل ط) و (ل ط ط) في (المِلْطَاط) وهو: أعلى حرف الجبل، أو صحن الدار، أو ساحل البحر، في حديث عبد الله ابن   1 ينظر: التّهذيب 6/273. 2 ينظر: اللسان (هنز) 5/267. 3 ينظر: الأصول 3/333، 334، والتّاج (هرق) 7/93،94. 4 ينظر: اللّسان (هرق) 10/366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 سعود - رضي الله عنه -: "هذا المِلْطَاط طريقُ بَقِيَّةِ المؤمنين"1. وهو يحتمل الأصلين: جعله الجوهري2 من (ل ط ط) على أن الميم زائدة؛ فوزنه عنده (مِفْعَال) وتابعه الزمخشري3، والفيروزابادي4، واشتقاقه من قولهم: لُطَّ الطريق؛ إذا وُطئ كثيرا؛ كقولهم: مِيتاء للذي أُتِيَ كثيرا من الطرق. وجعله أبو موسى الأصفهاني من (م ل ط) على تقدير أصالة الميم5 فوزنه - حينئذ (فِعْلال) . والأصل الأول أرجحُ لقرب الاشتقاق؛ وقد وضعه بعض المعجميين في الأصلين6. ومن ذلك تداخل (م ل ك) و (ل أك) في الملائكة، جمع (مَلَكٍ) . وقد اختلفوا في أصله7:   1 ينظر: المجموع المغيث 3/226، والفائق 3/316، والنّهاية 4/257. 2 ينظر: الصّحاح (لطط) 3/1156. 3 ينظر: الفائق 3/316. 4 ينظر: القاموس (لطط) 885. 5 ينظر: المجموع المغيث 3/226. 6 ينظر: النّهاية (لطط) 4/251، و (ملط) 4/57، واللّسان (لطط) 7/390، و (ملط) 8/408. 7 ينظر: الكتاب 4/379، ومجاز القرآن 1/35، ومعاني القرآن وإعرابه 1/112، والأصول 3/339، والجمهرة 2/981، والخصائص 2/79، والمنصف 2/102، ورسالة الملائكة 6، والأزهية 251، والمقتصد في شرح التّكملة 2/822، والمحكم 7/69، وشرح الشافية للرضي 2/346، والبحر المحيط 1/137، والدر المصون 1/250، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 ذهب الجمهور إلى أن أصله (مَلأَكٌ) من (ل أك) واشتقاقه من قولهم: لأَكَلَه؛ أي: أرسله، فحذفت همزة (مَلأَك) لكثرة الاستعمال وألقيت حركتها على اللاّم، أو خفف تخفيفا بطرح الفتحة علىاللاّم1؛ كما تقول في (مسألة) : مسلة. ووزن (مَلَك) قبل التخفيف (مَفْعَل) وبعده (مَفَل) وكأنه بمعنى المصدر جعل بمعنى المفعول؛ لأن المصادر تأتي بمعنى المفعول كثيرا2. واستدلوا على أنه من هذا الأصل بقول الشاعر: أَلِكْنِي إلى قَوْمِي السَّلامَ رِسَالَةً ... بآيَةِ ما كَانُوا ضِعَافًا ولا عُزْلا3 فأصله (ألئكني) فخففت الهمزة بأن طرحت كسرتها على اللاّم. ورده الآخر إلى أصله؛ فقال: فَلَسْتَ لإِنْسِيٍّ ولَكِنْ لِمَلأَكٍ ... تَنَزَّلَ من جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ4 وبقولهم في جمعه: مَلائِك ومَلائكة؛ فردوا المحذوف إليه. وقيل: إنه مشتق من (أل ك) فأصله (مَأْلَك) من الأَلُوكة؛ وهي:   1 ينظر: المنصف 2/103. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347. 3 ينظر: الكتاب 1/197، وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/79، والمنصف 2/103. 4 ينظر: المفضليات 294، ومجاز القرآن 1/33، والمنصف 2/102، تهذيب إصلاح المنطق 1/224، والمقتصد في شرح التكملة 2/824. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الرسالة، ثم قلبت اللاّم بالتقديم، فقيل: مَلأَك، وتركت الهمزة لكثرة الاستعمال؛ فقالوا: مَلَك. وأثر عن الكسائي1 أنه كان يقول بهذا الرأي. والراجح أنه لا قلب فيه؛ فهو من (ل أك) كما ذهب الجمهور، ولو كان من (أل ك) لظهر في بعض تصاريفه، ولقالوا في جمعه (مَآلكة) وقد جاء الجمع على الأصل (ل أك) وهو (ملائكة) وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من سبعين مَرَّة. على أن بعضهم ذهب إلى أنه من (م ل ك) ووزنه (فَعَل) والهمزة في (مَلأَك) زائدة، ووزنه (فَعْأل) والملائكة عندهم (فَعَائِلة) . وممن قال بهذا الرأي أبو عبيدة2، وابن كيسان الّذي اشتقه من الملك "لأنه مالك للأمور الّتي جعلها الله إليه"3 والّذي أراه أن ألأصل في ذلك (ل أك) لظهور الهمزة في المفرد في قولهم: (ملأك) وفي الجمع في قولهم: (ملائكة) فحمل (ملأك) على (فَعْأل) بعيد؛ لأن (فَعْأَل) قليل لا يرتكب مثله إلا بظهور اشتقاق: كما في (شَمْأَل) 4. ويُعَضِّد ذلك وجود نظيره في بعض اللغات السامية، ولا زال فعله   1 ينظر: الصّحاح (ملك) 4/1611، ورسالة اللائكة 6. 2 ينظر: مجاز القرآن 1/35. 3 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347. 4 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 الثلاثي (لأَكَ) يستعمل في بعضها؛ وهو في الحبشية والسريانية والعبرية (ملأك) على نحو ما تقدم في الكلام عن حسن الاستئناس بالموازنة بين اللغات السامية، في الدراسات اللغوية بعامة، وفي الأصول بخاصة1. ومن ذلك تداخل (م ع د) و (ع د د) في (مَعَدّ) وهو: اسم قبيلة؛ ويحتمل الأصلين2: ذهب سيبويه إلى أن أصله (م ع د) وأن وزنه (فَعَلّ) واستدل بقولهم: (تَمَعْدَد) فحمله على (تَفَعْلَلَ) لقلة (تَمَفْعَلَ) 3. وذهب بعضهم4 إلى أن أصله (ع د د) والميم زائدة؛ ووزنه (مَفْعَل) واحتجوا بأن (مَفْعَلا) أكثر من (فَعَلّ) بل الأخير في غاية القلة. أما قولهم: (تَمَعْدَدَ) فهو يشاكل - عند أصحاب الرأي (تَمَكَنَّ) و (تَمَنْدَل) و (تَمَدْرَعَ) و (تَمَغْفَر) وهي (تَمَفْعَلَ) بلا خلاف، فكما توهموا في (مِسْكين) و (مِنْدِيل) أنهما (فِعْلِيل) وفي (مِدْرَعَة) أنها (فِعْلَلَة) وفي (مُغْفُور) أنه (فُعْلُول) للزوم الميم في أوائلها، توهموا في (مَعَدّ) أنه (فَعَلّ) فقالوا: تَمَعْدَدَ5.   1 ينظر: ص (274) من هذا البحث. 2 ينظر: الأصول 3/237، والتكملة للفارسي237، وشرح الملوكي 154، والإيضاح في شرح المفصل2/383، وسفر السعادة1/477. 3 ينظر: الكتاب 4/308. 4 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/336. 5 شرح الشافية للرضي 2/336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وأما الثاني - مما نحن فيه - وهو ما ليس في أوله ميم؛ فمنه تداخل (ت أف) و (أف ف) في (تَئِفَّة) و (تَئِفَّان) في قولهم: جاء على تَئِفَّة ذلك، وتَئِفَّان ذلك؛ أي: على وقته، وربما قالوا: تَفِيئَةٌ1) بمعناه. وقد اختلفوا في أصله2. ذهب سيبويه إلى أن الأصل (ت أف) ووزن (تَئِفَّة) عنده (فَعِلَّة) و (تَئِفَّان) (فَعِلاَّن) 3 وتابعه في هذا المبرد4. وجعل الجواليقي (تَئِفَّة) (فَعِلَّة) أيضا وخالف في (تَئِفَّان) فجعله (تَفْعَلاَن) 5. ويبدو أن اللبس في وزن هذه الكلمة قديم منذ عهد سيبويه؛ فقد اختلفوا في النقل عنه خلاف ما وصلنا في الكتاب - فقد قال ابن السّرّاج: "وهذا الحرف في بعض النسخ6 قد ذكر في باب التاء، وجعل   1 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه 58. 2 ينظر: الكتاب 4/264، والأصول 3/212، وشرح السّيرافي (د/ فائز) 642، والبغداديات 407، والعضديات 208، وشرح المقامات للمطرزي 83 أ، ب، وسفر السعادة 1/175، وشرح الشافية للرضي 2/397، واللّسان (أفف) 9/8، و (تأف) 9/16، والممتع 1/85، والمزهر 2/14. 3 ينظر: الكتاب 4/264، 278. 4 ينظر: البغداديات 407؛ ولم أقف عليه في كتب المبرد المطبوعة. 5 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه 58. 6 يعني: نسخ الكتاب لسيبويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 على مثال: تَفْعِلَة"1. وزاد الفارسيّ: "قال2: والّذي أخذته عن أبي العَبَّاس3: تَئِفَّة (فَعِلَّة"4. وذهب أبو علي الفارسي إلى أن أصله (أف ف) ووزنهما (تَفْعِلَة) واستدل على زيادة التاء باشتقاقهم من الكلمة ما تسقط منه في قولهم: أتاني في إفّان ذلك، وأفّان ذلك، وأَفَفِ ذلك وتَئِفّة ذلك5. فقولهم: (أَفَفٌ) يدل على زيادة التاء في (تَئِفَّة) ويدل على زيادة النون - أيضا - في (تَئِفَّان) . وإلى مثل هذا ذهب الجوهري6. والرأي ما رآه الفارسي لقوة ما استدل به؛ وهو الاشتقاق؛ والقياس يعضّده - أيضا-؛ لأن (فَعِلّة) و (تَفْعِلَة) – غير المصدر - متساويان في الندرة؛ فإذا تساويا في ذلك رُجِّح الزائد؛ لأن باب الزيادة أوسع؛ والزائد فرع، ولا يستنكر في الفرع أن يجيء على الندرة. وثمة دليل آخر على زيادة التاء؛ وهو قولهم فيها: (تفيئَة) وهي   1 الأصول 3/212. 2 أي: ابن السراج. 3 يعني المبرد. 4 البغداديات 407. 5 ينظر: البغداديات 407. 6 ينظر: الصّحاح (أفف) 4/1321. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 مقلوبة من (تَئِفَّة) فلا تكون التاء فيه مزيدة والبنية؛ كما هي من غير قلب. قال الزمخشري: "لأن الكلمة مُعَلَّة؛ مع أن المثال من أمثلة الفعل والزيادة من زوائده، والإعلال في مثلها ممتنع؛ ألا ترى أنك لو بنيت مثال: تضرب، أو: تكرم اسمين من البيع لقلت: تَبْيَع، وتُبْيِع من غير إعلال؛ إلا أن تبني مثال تِحْلِئ1؛ فلو كانت التَّفِيئَة (تَفْعِلَة) من: الفَيْئ لخرجت على وزن تَهْيِئَة؛ فهي إذن -لولا القلب (فَعِيلَة) لأجل الإعلال، كما أن يَأْجَجًا (فَعْلَل) لترك الإدغام، ولكن القلب عن التَّئِفّة هو القاضي بزيادة التاء. وبيان القلب أنَّ العين واللاّم - أعني: الفاءين - قدمتا على الفاء - أعني: الهمزة - ثم أبدلت الثانية من الفاءين ياء؛ كقولهم: تَظَنَّيت"2. ومراده أن (تَفِيْئة) كانت بعد القلب (تَفْفِئَة) على وزن (تَعْلِفَة) ثم قلبت الفاء الثانية ياء للتخفيف؛ فقالوا: (تَفِيئَة) فأعلت بنقل الكسرة إلى ما قبلها؛ فقالوا: (تَفِيئَة) كما أعلت (تَحِيَّة) وأصلها قبل الإعلال (تَحْيِيَة) ولولا قلب الفاء الثانية ياء في (تَفْفِئَة) لأدغم الفاءان؛ فيقال: (تَفِّئة) فتلتبس بـ (فَعِّلة) فاختير قلب الفاء الثانية ياء وإعلالها. ومن ذلك تداخل (ن ق ض) و (ق ض ض) في قوله تعالى:   1 التحلئ: شعر وجه الأديم، ووسخه، وسواده. ينظر: القاموس (حلا) 47. 2 الفائق 3/150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 {فَوَجَدا فيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} 1 وهو يحتمل الأصلين: ذهب أبو علي الفارسيّ2 إلى أنّ أصله (ن ق ض) من النقض؛ وهو اسم البناء المنقوض؛ إذا هُدِمَ؛ ووزنه عنده (يَفْعَلّ) مثل: يَحْمَرّ. وذهب الأزهري3 إلى أن أصله (ق ض ض) من (قَضَضْتُ الشيء) إذا دققته؛ ومنه قيل للحصى الصَّغار (قضض) فوزنه - عنده (يَنْفَعِل) والأصل (يَنْقَضِض) فسكنت الضاد الأولى وأدغمت في الثانية. وعلى هذا الأصل العكبري4، ولكنه اشتقّه من: السُّقُوط؛ وشبهه بانقضاض الطائر. ج - التَّداخل بين الفاء واللاّم (× ع ل- ف ع×) : على الرغم من كثرة ما في الصَّحيح من تداخل لم أعثر على مثال واحد للتداخل بين الفاء واللاّم. ولعل ذلك أن يكون بسبب من بعد الفاء عن اللاّم، وخلو الأصل الصَّحيح من حروف العلة الّتي تؤدي إلى التَّداخل كثيراً. وبذلك فإنه بإمكاننا أن يصل إلى نتيجة، وهي أنّه لا يكاد يقع تداخل في أصلين صحيحين بين فاء الكلمة ولامها؛ لبعد ما بينهما.   1 سورة الكهف: الآية 77. 2 ينظر: التّكملة 218. 3 ينظر: التهذيب 8/250. 4 ينظر: التّبيان 2/857. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 على أنني مع ذلك لا أقطع بهذا، لاحتمال وجود شيء منه - ولو على سبيل الندرة - في لغة العرب الواسعة، مما لم أقف عليه. د - التَّداخل بين العين والعين (ف × ل- ف× ل) : يقع التَّداخل بين العين والعين، ووقوعه غير كثير، ومنه تداخل (ع ت د) و (ع د د) في قوله عز وجل: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} 1، وهو يحتمل الأصلين: يجوز أن يكن الأصل (ع ت د) أي: هيأت من العتاد؛ وهو الشيء الّذي يُهَيَّئُ له. وإلى ذلك ذهب الأزهري2 ولم يحمله على الإبدال بين (عتد) و (عدد) وعلى ذلك حمله العكبري3- أيضا. وذهب بعضهم إلى أن العُدَّة إنما هي (العُتْدَة) وأعدّ يعد إنما هو (أعتد يعتد) ولكنهم أدغموا التاء بعد قلبها في الدال4. وذهب بعضهم5 إلى أن أصله (ع د د) ثم أبدلت الدال تاء؛ فراراً من الإدغام.   1 سورة يوسف الآية 31. 2 ينظر: التّهذيب 2/194، 195. 3 ينظر: التّبيان 2/730. 4 ينظر: التّهذيب 2/194. 5 ينظر: اللّسان (عدد) 3/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وإلى هذا ذهب الراغب1، ووضعه ابن منظور2 في الأصلين. ومثل ما تقدَّم اختلافهم في أصل (أَعْتَدْنا) فهي تحتمل الأصلين المذكورين. ومن التَّداخل بين العين والعين في الصَّحيح ما وقع بين (ق ق ز) و (ق ز ز) في (القَاقُوزَة) و (القَاقزَّة) وهي: المشربة. ذهب الصَّغَاني3 إلى أنَّ أَصلها (ق ق ر) فَوَزْنُ (القَاقُوزَةِ) (فَاعُولة) و (القَاقُزَّةِ) (فَاعُلَّة) وهو الظَّاهر في أصلها. وذهب الجَوْهَري إلى أنَّها من (ق ز ز) 4 والأوَّلُ أقرب؛ لأنَّ (قَاقُوزَة) على هذا الأصل تحتمل أَحْدَ وَزنين: وهما (فَافُولَة) و (فَافُوعَة) الأوَّل على تقدير حذف العَيْنِ وهي الزَّاي والثاني على تقدير حذف اللاّم وهي الزَّاي - أيضاً - وهما غَريبان. وثَمَّةَ احتمالٌ؛ وهو: أن تكون القافُ الثانية مُبدلة من الزاي الأولى؛ وهو وَجهٌ ضعيف؛ لأنَّه لم يُعهد الإبدال بين القاف والزَّاي. ومن ذلك تداخل (ص ن ت) و (ص ت ت) في (الصِّنتيت) وَصْفٍ للسَّيِّد الكريم، وهو يَحتمل الأصلين:   1 ينظر: المفردات 324. 2 ينظر: اللّسان (عتد) 3/279، و (عدد) 3/284. 3 ينظر: التكملة (قزز) 3/293. 4 ينظر: الصحاح (قزز) 3/891. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ذهب الأزهريُّ1 إلى أنَّ أصله (ص ن ت) فيكون وزنه (فِعْلِيلاً) أو (فِعْلِيتا) كالوجهين في (حِلْتِيتٍ) وتابعه ابن منظور2 ويرى أبو حَيَّان3 أنَّ النُّون زائدةٌ؛ أصله (ص ت ت) ووزنه (فِنْعِيلاً) . ومثله (صِنْدِيدٌ) في معناه وأصله. ومن ذلك تداخل (ع ن ب) و (ع ب ب) في (العُنْبَبِ) للماء الكثير؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب سِيبَوَيهِ إلى أنَّ أصله (ع ن ب) ووزنه (فُعْلل) كُرِّرَت الباء للإلحاق4. ويرى الأزْهَرِيُّ أنَّ أصله (ع ب ب) وأنَّ النون زائدة ووزنه (فُنعَل) واشتقاقه من العَبِّ؛ لأنه الماء5. والاشتقاق يؤيّد الأزهَريَّ، والقياس في صَفِّ سيبويه؛ لأنه جعله من باب (قُعْدَدٍ) . هـ - التَّداخل بين العَيْنِ واللاّم (ف×ل-ف ع×) :   1 ينظر: التهذيب 12/155. 2 ينظر: اللسان (صنت) 2/57. 3 ينظر: الارتشاف 1/100. 4 ينظر: الكتاب 4/277. 5 ينظر: التهذيب 1/117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 َقَعُ التَّداخل بين العَيْنِ واللاّم في الصَّحيح، وممَّا جاء منه تداخل (ع ن س) و (ع س ل) في (العَنسَلِ) وهو: الذِّئبُ أو الثَعْلَبُ، وقيل: النَّاقة السريعة، وهو يحتمل الوجهين: ذهب سيبويه إلى أنَّ النُّونَ زائدة، وأنَّه مشتقٌّ من العُسُولِ، وهو العَدْوُ السَّريع المُضطرب، واستدل بقولهم: العَسَلان1 وهو عَدْوُ الذِّئبِ، ومنه قول الشاعر: عَسَلانَ الذِّئبِ أَمْسَى قَارِباً ... بَرَدَ اللَّيلُ عَلَيهِ فَنَسَلْ2 وهذا مذهب ابن جِنِّي3، وابن يَعِيشَ4، وابن عُصْفُور5 - أيضاً. وذهب محمَّد بن حَبِيبَ6 إلى أنَّ أصله (ع ن س) وأنَّ اللاّم زائدةٌ؛ فيكون وزنه عنده (فَعْلَل) بزيادة اللاّم الأخيرة؛ فلو بنيت على وزنه من (ضَرَبَ) لَقُلْتَ: (ضَرْبَلَ) ومن خَرَجَ لَقُلْتُ (خَرْجَلَ) وقد ذهب بها وفق   1 ينظر: الكتاب 4/320. 2 هو: النابغة الجعدي، كما في ديوانه 90، ونسب لغيره. ينظر: مجاز القرآن 2/42، والجمهرة 2/842، والاشتقاق لابن دريد 227، والأضداد للأنباري 271، وشرح المفضليات 755، والإبدال لأبي الطّيّب اللغوي 2/320، وسرّ الصّناعة 1/324. 3 ينظر: الخصائص 2/47، وسرّ الصناعة 1/324. 4 ينظر: شرح الملوكي 212. 5 ينظر: الممتع 1/215. 6 وهو، محمد بن حبيبَ البغدادي: و ((حبيب)) اسم أمه، وكان عالماً بالنسب وأخبار العرب، مكثراً من رواية اللغة (توفي سنة 245هـ) . ينظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/277، وإنباه الرواة 3/119، وتلخيص ابن مكتوم 207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 مذهبهم في زيادتها في (عَبْدَلٍ) و (زَيْدَلٍ) . وكان ابن جِنِّي يُضَعّف قَوْلَ ابن حَبيبَ؛ ويَرُدُّهُ بقوله: (والّذي ذهب إليه سيبويه هو القول؛ لأنَّ زيادة النُّون ثانية أكثر من زيادة اللاّم؛ ألا ترى إلى كثرة باب: قُنْبَرٍ، وعُنْصَلٍ، وقِنْفَخْرٍ، وقِنعاسٍ، وقِلَّةِ بابِ، ذلك وأُولالِكَ. ويلزم على ذلك أن تكون اللاّم في: فَلَندَعٍ زائدة، ويُجعل وزنه (فَلنعَل) لأنَّه الملتوي الرِّجل؛ فهوَ من الفَدْعِ؛ وهذا بعيدٌ) 1. ويُقوي مذهب سيبويه - أيضاً - الاشتقاق؛ لقولهم: عَسَلَ الثعلب الطَّريقَ؛ وعليه قول الشاعر: لَدْنٌ بِهْزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَهُ ... فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعْلَبُ2 وقول الآخر: واللهِ لَولاَ وَجَعٌ في العُرْقُوب ... لَكُنْتُ أَبْقَى عَسَلاً مِنَ الّذيب3 ويؤيدهُ - أيضاً - قولهم: فُلانٌ أَخبث من أبي عِسْلَةَ، يعني الذئب4. ومن ذلك تداخل (ج ذ ب) و (ج ب ذ) في قولهم: جَبَذَ الحَبْلَ ونحوه؛ وهو يحتمل الأصلين:   1 سر الصناعة 1/324. 2 هو: ساعدة بن جُؤية؛ كما في: شرح أشعار الهذليين 3/1120. 3 ينظر: اللسان (عسل) 11/446. 4 ينظر: اللسان (عسل) 11/447. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 ذهب ابن جِنِّي 1 إلى أنَّ (ج ب ذ) أصلٌ مستقلٌ؛ وليس مقلوباً عن (جَذَبَ) لأنَّهما جميعاً يتصرّفان تصرّفا واحداً؛ نحو: جَبَذَ يَجْبِذُ جَبْذًا؛ فهو: جَابذٌ، والمفعول: مَجْبُوذٌ، ويقولون في جَذَبَ: جَذَبَ يَجْذِبُ جَذْبًا، فهو: جَاذِبٌ والمفعول: مَجْذُوبٌ. قال ابن جِنِّي: "فإن جعلت -مع هذا- أحدهما أصلاً لصاحبه فَسَدَ ذلك؛ لأنَّك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر؛ فإذا وقفت الحال بينهما؛ ولم يُؤثر بالمَزِيَّة أحدهما وجب أن يتوازنا، وأن يُمثَّلا بصفحتيهما معاً"2. وعلى هذا المذهب ابن سيده3 وأبو حيَّان4. وأصل (جَبَذَ) على هذا الأصل (فَعَلَ) . وذهب ابن فارس إلى أنَّ الأصل (ج ذ ب) حين قال: (الجيمُ والباءُ والذَّالُ ليس أصلاً؛ لأنَّه كلمةٌ واحدةٌ مقلوبةٌ. يقال: جَبَذْتُ الشَّيء، بمعنى جَذَبْتُهُ) 5. وأخذ الجوهريُّ بهذا الرَّأي، ونصَّ على أنَّ (جَبَذَ) مقلوب من   1 ينظر: الخصائص 2/69. 2 الخصائص 2/70. 3 ينظر: اللسان (جبذ) 3/478. 4 ينظر: الارتشاف 1/125. 5 ينظر: المقاييس 1/501. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 (جَذَبَ) 1 وعلى هذا الرَّأي يكون وزن (جَبَذَ) (فَلَعَ) .   1 ينظر: الصحاح (جذب) 1/97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 و - التَّداخل بين اللاّم واللاّم (ف ع× ف ع×) : يَكثُرُ التَّداخل في الصَّحيح بين اللاّم واللاّم في نوعين: الأوَّل: ما آخِره نونٌ مسبوقة بألف زائدة قبلها مُضَعَّف. الثاني: ما آخره همزةٌ مسبوقة بألف زائدة قبلها مضعف. وتعود كثرة التَّداخل في النَّوعين إلى كثرة ما في اللغة من النَّوعين؛ ولأنَّ طبيعة البناء في الثُّلاثِيِّ المنتهي بنون أو همزة مسبوقتين بألف زائدة وقبلها حرفٌ مضعف تُؤَدِّي - إن عدم الاشتقاق - إلى احتمال أن تكون لام الكلمة ما بعدَ الألف النُّون أو الهمزة؛ فيكون التضعيف قبل الألف واقعاً على عين الكلمة، وتحتمل -أيضاً- أنَّ اللاّم أحدُ الحرفين المضعفين قبل الألف؛ وهو الحرف الثاني المتحرك؛ فتكون النون أو الهمزة زائدتين. وفيما يلي نأتي على تفصيل الكلام عن ذلك من خلال بعض الأمثلة: أوَّلاً- ما آخره نونٌ: في هذا النَّوع ثلاثة أوزان تتداخل مع ثلاثة أوزان أخرى؛ وهي: 1- (فَعْلان) و (فَعَّال) . 2- (فِعْلان) و (فِعَّال) . 3- (فُعْلان) و (فُعَّال) . أمَّا (فَعْلان) و (فَعَّال) فمنه تداخل (ح س س) و (ح س ن) في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 (حَسَّان) وهو اسم رجلٍ؛ يحتمل الأصلين1: يجوز أن يكون أصله (ح س س) من الحَسِّ؛ فلا ينصرف؛ لأنَّه (فَعْلاَن) . ومَن صَرَفه فإنَّ أصله عنده: (ح س ن) من: الحُسْنِ، ووزنه (فَعَّال) . ومثله (طَحَّان) عَلَمٌ، فيحتمل أن يكون (فَعَّالاً) من: الطَّحْنِ؛ فيكون مَصروفاً، ويحتمل أن يكون (فَعْلان) من: الطَّحِّ والطَّحَّاء، وهو الممتد من الأرض2؛ فلا ينصرف. وقال ابن بَرِّي: "لا يكون الطَّحَّان مصروفاً إلاَّ من الطَّحن، ووزنه (فَعَّال) ولو جعلته من: الطَّحَّاء - لكان قياسه: طَحْوان؛ لا طَحَّان؛ فإن جَعَلْتَهُ من: الطَّحِّ كان وزنه (فَعْلان) لا فَعَّال"3. ومن ذلك (جَدَّان) وهو: اسم رجلٍ؛ فإن جُعل (فَعَّالا) فهو من (ج د ن) وإن جُعل على (فَعْلان) فهو من (ج د د) 4. ومثله (حَرَّان) وهو: اسم بَلَدٍ؛ فإنَّه يحتمل الأصلين (ح ر ر) و (ح ر ن) والوَزْنَينِ (فَعَّال) و (فَعْلاَن) 5. ومثل ذلك (غَسَّان) و (هَتَّان) و (قَبَّان) و (سَمَّان) . وأمَّا (فِعْلاَن) و (فِعَّال) فمنه تداخل (ز م م) و (ز م ن) في (زِمَّان)   1 ينظر: المقتضب 3/336، وشرح المفصل لابن يعيش 9/155، وشرح الشافية للرّضيّ 2/376. 2 ينظر: المقتضب 4/13. 3 اللسان (طحن) 13/265. 4 ينظر: التكملة للصغاني (جدن) 6/206. 5 ينظر: اللسان (حرر) 4/185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وهو: اسم رجل، يَحتمل أن يكون من باب (زَمَمْتُ النَّاقَةَ) أي: عَلَّقْتُ عليها الزِّمام؛ فيكون على وزن (فِعْلان) . ويحتمل أن يكون على (فِعَّال) من (الزَّمَنِ) وهو: الوقت. والأصل الأوَّل أعلى عند ابن جِنِّي1؛ لأنَّ قياس مذهب سيبويه2 أنَّ ما فيه حرفان ثانيهما مُضَعَّف وبعدهما ألفٌ ونون، يُحمل على زيادة الألف والنُّون ما لم يُعرف اشتقاقه. ومن ذلك (حِطَّان) وهو: التَّيس؛ فهو يحتمل الأصلين (ح ط ط) على وزن (فِعْلان) و (ح ط ن) على وزن (فِعّال) . وذهب ابن دريد3 إلى أنَّه (فِعْلاَن) . وجعله ابن منظور في (ح ط ن) وأشار إلى الاحتمالين4. ومنه (إِبَّان) كل شيء؛ وهو وقته وأوانه؛ فإنه يحتمل الأصلين: جعله بعضهم من (أب ب) من قولهم: أَبَّ لكذا؛ إذا تهيَّأ له وعزم عليه؛ كأنَّه يقول: أتاني في تهيُّوء ذلك5؛ فهو -حينئذ (فِعْلان) . وجعله الجوهريُّ مشتقا من (أب ن) 6. ومنه تداخل الأصلين في (عِدَّان فرعون) فإنه يحتمل الأصلين. وقد ذكر ذلك الأزهري بقوله: (من جعل عِدَّان (فِعْلانا) فهو من العَدِّ   1 ينظر: المبهج 35. 2 ينظر: الكتاب 3/218. 3 ينظر: الاشتقاق 226. 4 ينظر: اللسان (حطن) 13/124. 5 ينظر: البغداديات 408. 6 ينظر: الصحاح (أبن) 5/2066. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 والعِدادِ ومن جعله (فِعْلالا) فهو من: عَدَن) 1. والأقرب عنده أنَّه من العَدِّ؛ لأنَّه جُعل بمعنى: الوقت. وأمَّا (فُعَّال) و (فُعْلان) فيتداخل منه (ر ب ب) و (ر ب ن) في (رُبَّان) كُلِّ شيء؛ وهو مُعظَمُه وجَماعَتُه، ورُبَّان السفينة الّذي يقودها؛ وهو يحتمل الأصلين، والأقرب عند الصَّغانيِّ (ر ب ن) لقولهم: تَرَبَّن فُلانٌ2؛ أي: صار رُبَّانَ سفينةٍ. ومن: (الدُّكَّان) وهي: الدَّكَّة المَبْنِيَّة للجلوس عليها؛ وهو يحتمل الأصلين (د ك ك) و (د ك ن) 3. فمن اشتقه من قولهم: (دَكَنْتُ الشيء أَدْكُنُهُ دَكْنًا) إذا نَضَدْتُ بعضه فوق بعض؛ فأصله عنده (د ك ن) ووزنه (فُعَّال) وهو محكي عن ابن دريد4. ومن اشتقَّه من: الدَّكِّ، لقولهم: أَكَمَةٌ دَكَّاء؛ إذا كانت منبسطة، فهو عنده من (د ك ك) ووزنه (فُعلان) . ومن ذلك تداخل (ر م م) و (ر م ن) في (رُمَّان) وهو الفاكهة المعروفة؛ وقد اختلفوا في أصله5:   1 التهذيب 2/219، 220. 2 ينظر: التكملة (ربن) 6/237. 3 ينظر: المصنف 1/135. 4 ينظر: الجمهرة 2/680. 5 ينظر: الكتاب 3/218، وما ينصرف 37، والمنصف 1/134، والمحتسب 1/87، وشرح الشافية الكافبة 4/2045، وشرح الشافية للرّضي 2/388، وشرح المراديّ 5/255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وذهب الأخفش2 وابن مالك3 إلى أنَّ أصله (ر م ن) واستدل ابن مالك بثبوت النون في قولهم: (مَرْمَنةٌ) للبقعة الكثيرة الرُّمَّان؛ وكان يرى أنَّه لو كانت النُّون فيه زائدة لقالوا: (أرضٌ مَرَمَّةٌ) لا (مَرْمَنةٌ) . وليس بعيداً أن يكون ذلك على قاعدة توهم أصالة الحرف الزَّائد. ومنه (دُرَّانَةُ) من أسماء النِّساء؛ فهو يحتمل الأصلين (د ر ن) و (د ر ر) . قال الأزهريُّ: (النُّون في دُرَّانة إن كانت أصلية فهي (فُعْلالَة) [هكذا] من الدَّرَنِ. فإن كانت غير أصلية فهي (فُعْلانة) مِنَ: الدُّرِّ أو الدَّرِّ؛ كما قالوا: قُرَّان مِنَ: القُّرِّ، أو مِنَ: القَرِينِ) 4. ولعلَّ الأزهريَّ وَهِم -رحمه الله- حين قال: إنَّها (فُعْلالَة) مِنَ: الدَّرَنِ؛ لأنَّ قياس وزنها إن كانت مشتقة من (الدَّرَنِ) أن يكون (فُعَّالَة) ولا وجه لـ (فُعْلالة) . وقد نقله ابن منظور5 على ما فيه، ولعله سها عن إصلاحه، أو التَّنبيه عليه.   1 ينظر: الكتاب 3/218. 2 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/388. 3 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2045. 4 التهذيب 14/93. 5 ينظر: اللسان (درن) 13/154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 (ثانياً) : ما آخره همزة: منه تداخل (ص د د) و (ص د أ) في (صَدَّاءَ) وهو: اسم بئر في قَوْلِ الشَّاعر: وإنِّي وتِهْيَامِي بِزَيْنَبَ كالّذي ... يُطالِبُ مِن أَحْوَاضِ صَدَّاءَ مَشْرَبَا1 وهي تحتمل الأصلين: يجوز أن تكون (فَعْلاء) من (ص د د) فكأنَّها تَصُدُّ طالبها. ويجوز أن تكون (فَعّالا) من (ص د أ) وأنَّه لذلك وضعها ابن منظور في المهموز2، وقد يقال: (عَيْنٌ صَدآءُ) أي: عَذْبَةُ الماء، وفي المثل: (ماءٌ ولا كَصَدْآءَ) 3. ويحتمل أصلاً ثالثاً؛ وهو المعتلّ (ص د ي) 4 ووزنها -حينئذ (فَعَّال) أيضاً- فيكون اشتقاقها من: صَدَا يَصْدُو أو صَدِيَ يَصْدَى؛ وهو: شدَّة العَطَشِ، والأصل الأخير -أعني: المعتلّ- ليس ممّا نحن فيه هنا. ومن ذلك تداخل (ك ل أ) و (ك ل ل) في (كَلاَّء) وهو: مَرْفَأُ السُّفن؛ فيحتمل الأصلين: ذهب سيبويه5 إلى أنَّه (فَعّال) مثل (جَبَّار) من (ك ل أ) لأنَّه يَكْلأُ السُّفن من الرِّيحِ.   1 ينظر: اللسان (صدأ) 1/109. 2 ينظر: اللسان (صدأ) 1/109. 3 ورد هذا المثل بالصيغتين: صدّاء وصدآء. ينظر: الأمثال لأبي عبيد 135، وجمهرة الأمثال 2/241، والمستقصى في أمثال العربية 2/339. 4 ينظر: تهذيب اللغة 12/230، واللسان (صدأ) 1/109. 5 ينظر: الكتاب 4/257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وهو عند ثَعْلَبٍ (فَعْلاء) مِن (ك ل ل) لأنَّ الرِّيحَ تَكِلُّ فيه فلا يَنْخَرِقُ1، وقيل2: إنَّه من (كَلَّ) إذا تَعِبَ. وقولُ سيبويه أَرْجَحُ؛ لأنَّهم ذكروا أنَّ الكَلاَّءَ مُذَكَّرٌ لا يُؤنِّثُه أحدٌ مِنَ العرب3. وبتداخل في (الثُّفَاءِ) وهو حبُّ الرَّشاد أصلان (ث ف أ) و (ث ف ف) وهو يحتملهما؛ فيجوز أن يكون (فُعَّالا) 4 مَن (ث ف أ) أو (فُعْلاَء) من (ث ف ف) والأوَّل أرجح؛ لأنَّ (ث ف ف) أصلٌ مهملٌ. ومنه (الدُّبَّاء) وهو: القَرْعُ، وواحدها: دُبَّاءةٌ؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب الهَرويُّ5 إلى أنَّه (فُعْلاء) من (د ب ب) وتابعه ابن الأثير6 ومُوَفَّق الدِّين البغداديُّ7. ويَرى الزَّمخشريُّ أنَّه (فُعال) ولامهُ همزةٌ؛ آخذاً بظاهر اللَّفظ، ومستدلاً بأنَّه لا يُعرف انقلاب لامِهِ عن واوٍ أو ياءٍ8. ويحتمل (القِثَّاءُ) الأصلين (ق ث أ) من قولهم: أَقْثَأَ القَوْمُ؛ إذا كثُرَ عندهم القِثَّاءُ؛ فوزنه -حينئذ (فِعّال) .   1 ينظر: اللسان (كلأ) 1/146. 2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 6/127. 3 ينظر: اللسان (كلأ) 1/146. 4 ينظر: اللسان (ثقأ) 14/14. 5 ينظر: الغريبين 2/277. 6 ينظر: النهاية 2/98. 7 ينظر: المجرد للغة الحديث 1/492. 8 ينظر: الفائق 1/407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 ويجوز أن يكون وزنه (فِعْلاَء) من (ق ث ث) . وقد أجاز ابن عَقِيلٍ1 الأصلين؛ ولكنَّه ذكَرَ أنَّ وزنه على احتمال أصالة الهمزة (فِعْلال) 2 وهو غير مستقيم كما ترى، وقياس وزنه (فِعَّال) .   1 ينظر: المساعد 4/65. 2 وقع في المساعد شيء من الخلل في ثلاثة أوزان، وذاك أن ابن عقيل –رحمه الله- ذكر أن قثّاء وحنّان وقُوباء وعِقيان تحتمل زيادة الحرف الأخير، فتكون أوزانها (فِعْلاء) و (فِعْلان) و (فُعلاء) و (فِعْلان) على التوالي؛ وهذا مستقيم. ثم ذكر أن أوزانها على الاحتمال الآخر، وهو أصالة الحرف الأخير بعد الألف: (فِعْلان) و (فِعّال) و (فُعَّال) و (فعلال) (هكذا بدون ضبط) فواحد من هذه الأربعة على قياس الوزن؛ وهو الثاني، والثلاثة الباقية ليس على قياس الوزن، وصوابها على التوالي: (فِعّال) وهو وزن قِثَّاء و (فَعّال) وهو وزن حَنّان وقد ذكر على الصّواب و (فُوْعال) مثل طُومار وهو وزن قُوباء و (فِعْيال) مثل جِرْيَال وهو وزن عِقْيَان. ولعلّ الخلل في هذه الأوزان وقع من النسّاخ أو من الطّباعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الفصل الثاني: التداخل في الرباعي والخماسي مدخل ... الفصل الثَّاني: التَّداخل في الرُّباعيّ والخماسيّ يقلّ تداخل الأصول بين الرّباعي والرّباعي قلّةً ظاهرةً، ويصل إلى حدّ النُّدرة بين الخماسيّ والخماسي. ولمّا كان الرّباعي والخماسيّ متشابهين في قلَّة المادّة وندرة التَّداخل؛ ولا سيّما الخماسي جاء الحديث عنهما- هنا - في موضع واحد. إنَّ لندرة التَّداخل في الرُّباعيّ أوالخماسيّ أسباباً من أهمّها: الأوّل: قلّة ما جاء في اللّغة العربية من الرُّباعيّ أو الخماسيّ؛ قياساً على ما جاء منها في الثّلاثيّ؛ ألا ترى أنَّ ما جاء على الرُّباعيّ في (الصّحاح) للجوهريّ لا يتعدّى ما نسبته (66ر13 ?) وهو ما يمثّل ثمانية وستين وسبعمائة أصل من مجموع ما في الصّحاح من أصول؛ وعدّتها عشرون وستمائة وخمسة آلاف أصل1. وما فيه من الخماسيّ لا يتجاوز ما نسبته (67ر.. ?) وهي نسبة   1 ينظر: دراسة إحصائية لجذور مفردات اللّغة العربيّة في الصّحاح23. ولا شكّ أن القارئ سيدرك اختلافاً يسيراً في النّسبة المذكورة ومجموع الجذور بين ما ذكرته وما ورد في هذا المرجع، وسبب ذلك أنّني تركت واحداً وعشرين جذراً من المجموع العام لما في الصحاح من جذور؛ لأنّها من المبنيّات كالحروف الثّنائية ونحوها؛ كـ إذا وها وهلا ممَّا ذكره الجوهري في باب الألف اللّينة، وقد ذكروا أنَّه ليس من الأصول المتصرفة. وللموازنة ينظر: دراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس9. ولا بدّ أنّ القارئ سيتنبه –أيضاً- إلى أنَّ الجذور الرباعية –هنا- نقصت أصلين عمّا جاء في كتاب: دراسة إحصائية لجذور مفردات اللّغة العربيّة في الصحاح، والمشار إليه في صدر هذه الإحالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 جدّ قليلة؛ لا تكاد تذكر؛ لأنّ ما في الصّحاح من الخماسيّ لا يتجاوز ثمانية وثلاثين أصلاً. أمّا الثّلاثيّ في الصّحاح فبلغت نسبته (85,65 ?) لأنَّ عدد الأصول الثّلاثية فيه أربعة عشر وثمانمائة وأربعة آلاف أصل؛ وهو ما يزيد على أربعة أخماس ما في الصّحاح من أصول. وتختلف النسبة قليلاً في (لسان العرب) وفي (تاج العروس) ولكنّها لا تبتعد كثيراً عمّا في (الصّحاح) . فالرباعي في (اللّسان) 1 يبلغ ما نسبته (47, 27 ?) لأنّه يمثّل ثمانية وأربعين وخمسمائة وألفي أصل من مجموع أصول (اللّسان) البالغ ثلاثة وسبعين ومائتين وتسعة آلاف أصل؛ بينما لا يتجاوز الخماسيّ ما نسبته (02, 2%) إذ لم تتجاوز الأصول الخماسية سبعة وثمانين ومائة أصل؛ في حين بلغ الثّلاثيّ ما نسبته (51, 70%) لأنَّ ما فيه من ذلك يبلغ ثمانية وثلاثين وخمسمائة وستة آلاف أصل. أمَّا (تاج العروس) 2 فتبلغ الأصول الرّباعية فيه ما نسبته (07, 34%) فعدّتها واحد وثمانون وأربعة آلاف أصل رباعيّ من مجموع ما فيه من الأصول، وقدره ثمانية وسبعون وتسعمائة وأحد عشر ألف أصل؛ بينما لم يتجاوز الخماسيّ في (التّاج) ما نسبته (5, 2%) وهو يمثّل ثلاثمائة أصل خماسيّ؛ في حين بلغت نسبة الثّلاثيّ (42, 63%) وهي تمثّل سبعة وتسعين وخمسمائة وسبعة آلاف أصل ثلاثي.   1 ينظر: إحصائيّات جذور معجم لسان العرب93. 2 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم تاج العروس9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وفيما يلي إحصاء ما تقدم في الجداول الثلاثة التالية، لتسهل على القارئ الموازنة: جدول عدد الأصول الثلاثية في المعاجم الثلاثة المعجم ... الثلاثي ... نسبة الرباعي ... الخماسي ... المجموع الصحاح ... 4814 ... 768 ... 38 ... 5620 اللسان ... 6538 ... 6548 ... 187 ... 9273 التاج ... 7597 ... 4081 ... 300 ... 11978 جدول يبين نسبة الأصول الثلاثة في كل المعاجم المعجم ... نسبة الثلاثي ... نسبة الرباعي ... نسبة الخماسي الصحاح ... 85.65‰ ... 13.67‰ ... 00.67‰ اللسان ... 70.51‰ ... 27.47‰ ... 2.02‰ التاج ... 63.43‰ ... 34.07‰ ... 2.5‰ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 الثّاني: أنَّ من أهمّ أسباب تداخل الأصول أن تزيد حروف الكلمة على عدد حروف الأصل؛ فإذا زادت زادت فرص التَّداخل. والفرق في ذلك بين الثّلاثيّ من جهة، والرباعي والخماسي من جهة كبيرٌ؛ فالثّلاثي عرضة للزوائد بجميع أنواعها؛ ويساعد على ذلك خفّته؛ لقلّة أصوله؛ بينما تقلّ الزّوائد في الرّباعي لثقله، وهي أقلّ في الخماسيّ، وقد تقدّم في الباب الأوّل1 أنَّ الفعل لا يكون خماسيَّ الأصول للثّقل. وإن وقع فيهما شيء من الزّوائد فهو في الغالب من حروف العلّة: الألفِ والواو والياءِ؛ وهنّ أمّهات الزوائد، وزيادتهن في الرّباعي أو الخماسيّ لا خفاء فيها؛ لأنّهنّ لا يكنّ أصلاً فيهما؛ كما قرّر جمهور علماء العربيّة. ومثال الألف - فيما يكثر زيادته (سِرْدَاحٌ) وهي: النّاقة السّريعة، و (قَبَعْثَرَى) وهو: الجمل الضَّخم العظيم. ومثال الواو (عُصْفُورٌ) و (عَضْرَفُوطٌ) وهو ذَكَرُ العِظَاء. أمَّا الياء فمثالها (غِطْرِيفٌ) وهو: السِّيد الكريم، و (خُزَعْبِيلٌ) وهو: الباطل. وممّا يكثر زيادته النّون؛ وهي مطّردة في الرّباعي وما شابهه؛ إذا توسّطت ساكنة؛ نحو (جَحَنْفَلٍ) و (غَضَنْفَرٍ) . وأمر النّون في وضوحٍ زيادتها في ذلك الموضع كوضوح زيادة   1 ينظر: ص (136) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 حروف العلّة الثّلاثة؛ لأنَّ النّون من حروف الذّلاقة الّتي لا يكاد يَعرَى رباعيٌّ أو خماسي منها1. وتزاد النّون آخراً في الرّباعي؛ نحو (عُقْرُبَان) وهي: دُويّبة تدخل الأذن، و (حِدْرِجَان) وهو: القَصير من الرِّجال. أمَّا زيادة النّون في الخماسيّ فنادرة؛ نحو (قُرَعْبَلانَة) وهي: دُوَيبة عريضةٌ؛ وهذا البناء من النَّوادر؛ لأنَّ الخماسيّ لا يكاد تلحقه إلاَّ زيادة واحدة2؛ وهي في الغالب من حروف العلّة. فيتّضح بذلك الفرق بينهما وبين الثّلاثيّ الّذي يحتمل أربعة أحرفٍ زوائد في آنٍ واحد؛ مثل (اشْهِيبَابٍ) و (احْمِيْرَارٍ) وهما على (افْعِيلال) 3 و (كُذُبْذُبَان) . فإذا زاد عليه قلّة الرّباعي والخماسي في اللّغة؛ على نحو ما ثبت بالموازنة؛ زادت الهوّة بينهما، وتكشَّفتْ؛ فقلّ التّداخل في الرّباعي إلى حدٍّ كبير، وندر في الخماسيّ حتّى كاد ينعدم وجوده. الثَّالث: أنَّ أكثر ما جاء من تداخل الرُّباعيّ أو الخماسيّ إنَّما يقع بين كلِّ واحد منهما وما كان دونه في الأصول؛ أي: أنّ التَّداخل يكون بين الرُّباعيّ والثّلاثي، ويكون بين الخماسيّ والرباعي، أو الخماسيّ   1 ينظر: سر الصناعة1/64،65، وشرح الشّافية للرّضي3/262، ورسالة في الحروف الذّولقية151. 2 ينظر: الممتع1/163. 3 ينظر: الممتع 1/144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 والثلاثي، وكلّ ذلك ليس ممَّا نحن فيه في هذا الفصل؛ فله بحثٌ مستقلٌ يأتي -إن شاء الله- في محلِّه. ولعلَّ هذا ممّا يفسّر قلّة التّداخل - هنا - أيضاً. على أنّه لا يجوز أن يقاس على الثّلاثي؛ لأنَّ الثّلاثي لا أصول أقلّ منه، ولو وجد ذلك في العربيّة لما كثر التَّداخل فيه على النّحو الّذي تقدَّم في الفصل السّابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 المبحث الأوَّلُ: التَّداخل بين الرّباعي والرّباعيّ من ذلك تداخل (ب ل أص) و (ب ل هـ ص) في قولهم: (بَلأَص) إذا فرَّ وعَدَا من فزعٍ، وأسرع؛ ومنه قول الشّاعر: ولَوْ أُرِي فَاكَرِشٍ لَبَلْهَصَا1 فهو يحتمل الأصلين: ذهب ابن فارس إلى أنَّ أصله (ب ل هـ ص) على الإبدال؛ وكان يقول: "بَلأَصَ: غير أصلٍ؛ لأنَّ الهمزة مبدلة من هاء، والصَّاد مبدلة من سينٍ"2. وتبعه في ذلك الأزهري3. وذهب ابن منظور4 إلى أنَّ الأصل (ب ل أص) وذكر (بَلْهَصَ) في أصلٍ مستقلٍّ؛ ولم يستبعد الإبدال؛ حين قال: "وقد يجوز أن يكون هاؤه بدلاً من همزة بَلأصَ"5.   1 ينظر: التهذيب6/519، واللسان (بلهص) 7/8. ويروى –أيضاً ولو رأى قال الأزهري: فَاكَرشٍ؛ أي: مكاناً ضيّقًا يُستخفى فيه. 2 المقاييس 1/332. 3 ينظر: التهذيب 6/518. 4 ينظر: اللّسان (بلهص) 7/8. 5 اللّسان (بلهص) 7/8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 ونقل ذلك الزَّبِيدي1. ولا يستبعد الإبدال بين الهمزة والهاء؛ لأنّهما من الحلق ومخرجهما واحد. ويتداخل (ح ن ت ل) و (ح ت أل) في (الحُنْتَألِ) في قولهم: "مالي عنه (حُنْتَألٌ) أي: ما لي منه بدٌّ؛ وهو يحتمل الأصلين: يجوز أن يكون أصله (ح ن ت ل) فتكون الهمزة زائدة؛ ووزنه - حينئذً (فُعْلأل) وإلى هذا ذهب ابن سيده، وابن منظور2. وذهب الجواليقي إلى أنَّ الأصل (ح ت أل) بزيادة النّون؛ وأنَّ وزنه (فُنْعَلٌّ) 3. وما ذهب إليه ابن سيده وابن منظور هو الأقرب؛ فقد روى الجوهريّ أنَّهم يقولون: "ما أجد منه حُنْتاَلاً"4 بلا همزٍ؛ وإن كان يجوز حمله على التّسهيل. ويقوِّيه -أيضاً- سقوط الهمزة في (الحُنْتُلِ) وهو شبه المِخلب المُعَقَّفِ5؛ فالاشتقاق يقوِّيه؛ لأنَّ المخلب هو الّذي ينشب في الشَّيء؛ فلا يكاد ينفكّ منه؛ فقولهم: (ما لي عنه حُنْتَألٌ) يعني: ما لي منه بدٌّ، وهو   1 ينظر: التّاج (بلهص) 4/375. 2 ينظر: اللسان (حنتل) 11/183. 3 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه86. 4 ينظر: الصّحاح (حتل) 1666. 5 ينظر: التهذيب5/332. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 قريب من هذا المعنى. ويحتمل (دَهْدَيتُ) في قولهم: (دَهْدَيتُ الحجرَ) أي: دَحْرجْته- الأصلين: حمله بعضهم على ظاهره فجعله من (د هـ د ى) كما فعل ابن منظور1. وهو رأي ضعيف؛ لأنَّ حرف العلّة لا يكون أصلاً في رباعيٍّ خلا المضاعف؛ نحو عَوْعَى عَوْعَاةً: زجر الضَّأن، وقوقَتِ الدَّجاجة. وجعله الخليل من (د هـ د هـ) 2 فالياء الأخيرة مبدلة من هاء، وأصله (دَهْدَهْتُ) واستدلّ بقول عمرو بن كلثوم: يُدَهْدِهْنَ الرُّؤُوسَ كَمَا تُدَهْدِي ... حَزَاوِرَةٌ بِأَيْدِيهَا الكُرِينَا3 وكان يقول: "حوَّل الهاء الأخيرة ياءً؛ لأنَّ الهاء أقرب الحروف شَبَهاً بالياء؛ ألا ترى أنَّ الياء مَدَّةً والهاء نَفَسٌ، ومن هنالك صار مجرى الياء والواوِ والألف والهاء في رويِّ الشّعر واحداً"4. وسار على هذا المبحث في أصل الكلمة: المازِنيّ وابن جنّي5،   1 ينظر: اللسان (دهدى) 14/276. 2 ينظر: العين3/348. 3 ينظر: ديوانه88، وفيه يدهدون وفي شرح ديوان امرئ القيس بتحقيق السّندوبي ص326 ما يوافق رواية الخليل. والحَزْوَر والحَزَوّر الغلام الّذي قد شبَّ وقوي، والجمع: حَزَاوِرة، ينظر: اللسان (حزر) 4/186. 4 العين3/348. 5 ينظر: المنصف2/175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 واستدلاّ بقولهم: (دَهْدُوهَةُ الجُعْلِ) بمعنى: دَحْرُوجَتِه، وبقولهم: (دَهْدَهْتُ) فدلّ ذلك على أنَّ الهاء أصل؛ ولكنّهم أبدلوا منها الياء. وثَمَّةَ أصل ثالثٌ يحتمله اللّفظ؛ ليس ممَّا نحن فيه؛ وهو أن يكون ثلاثياً؛ فيكون وزن (دَهْدَى) (فَعْلَى) من باب سَلِسٍ وقَلِقٍ، ثمّ زيدت فيه الألف للإلحاق بالرّباعي1. ويتداخل في الرّباعي (ط م أن) و (ط أم ن) في قولهم: (اطْمَأنَّ) فهو (مُطْمَئِنٌّ) بمعنى: سَكَنَ؛ وهو يحتمل الأصلين؛ وقد اختلفوا فيه2: ذهب سيبويه إلى أنَّ أصله (ط أم ن) وإنّما حدث فيه قلبٌ3 بتقديم الهمزة؛ فيكون وزن (اطْمأنّ) و (مُطْمَئِنٌّ) على مذهب سيبويه (افْلَعَلّ) و (مُفْلَعِلاّ) على القلب. وذهب أبو عمر الجَرمِيّ إلى أنَّ الأصل (ط م أن) 4 وهو عكس مذهب سيبويه؛ فيكون وزن (اطْمَأَنّ) و (مُطْمَئِنٌّ) (افْعَلَلّ) و (مُفْعَلِلاًّ) مثل (اقْشَعَرَّ) و (ومُقْشَعِرٍّ) . وقد وازن العلماء بين المذهبين وحجّة كلّ منهما، فاختار بعضهم مذهب سيبويه، واختار بعضهم مذهب الجَرميّ.   1 ينظر: احتمال الصّورة اللّفظية لغير وزن118. 2 ينظر: المنصف2/104، والخصائص2/74،75، والصحاح (طمن) 6/2159، وبغية الآمال131، وشرح الشافية للرّضي2/74، والممتع2/617. 3 ينظر: الكتاب3/467. 4 ينظر: المنصف2/104، والممتع2/617. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وممّن اختاروا مذهب سيبويه: ابن جنّي1 الّذي يعدُّ خير من علّل مذهب سيبويه وأبرز حجّته؛ فذكر أنَّ سيبويه كان يرى أنَّه لمّا كان (طَأْمَنَ) مجرّداً من الزّوائد، و (اطْمَأَنَّ) مزيداً فيه، ولم يُمسع (طَمْأَنَ) من غير زيادة2؛ فينبغي أن يكون المجرّد هو الأصل، وهو (طَأْمَنَ) والمزيد فيه هو المقلوب؛ وهو (اطْمَأَنَّ) لأنَّ الزّيادة إذا لحقت الكلمة لحقها ضربٌ من الوَهَن "لأنَّ مخالطتها شيء3 ليس من أصلها مزاحمة لها … وإذا كان في الزّيادة طرف من الإعلال للأصل كان أن يكون القلب مع الزِّيادة أولى؛ وذلك أنَّ الكلمة إذا لحقها ضربٌ من الضّعف أسرع إليها ضعفٌ آخر؛ كحذفهم ياَء حَنِيفَةَ في الإضافة إليها لحذف تائها في قولهم: حَنَفِيٌّ، ولمّا لم يكن في: حَنِيفٍ تاءٌ تُحذف فيحذف ياؤها جاء في الإضافة إليه على أصله، فقالوا: حَنِيفِيٌّ"4. وانبرى ابن جنّي إلى رأي الجَرميّ محاولاً إبطال حجّته الّتي تقوّي مذهبه؛ فقال: "فإن قال أبو عُمَر: جَرْيُ المصدر على: اطْمَأَنَّ، يدلّ على أنّه هو الأصل، وذلك قولهم: الاطْمِئْنَان- قيل: قولهم: الطَّاْمَنَةُ، بإزاء قولهم: الاطْمِئْنَان فمصدر بمصدر.   1 ينظر: الخصائص2/74،75. 2 ينظر: المنصف2/104. 3 كذا في الخصائص2،74، وهو فاعل مخالطة ويجوز النصب على أنه مفعول، كما قال محقق الخصائص الشيخ محمد علي النجار. 4 الخصائص74، 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 وبقي على أبي عمر أنَّ الزّيادة جرت في المصدر جريها في الفعل والعلّة في الموضعين واحدة، وكذلك الطُّمَأنِينَةُ ذات زيادة؛ فهي إلى الإعلال أقرب"1. وفي الحقّ أنّ ما ذكره ابن جنّي في الاحتجاج لسيبويه، وإضعاف رأي الجرمي، من الممكن نقضه ألا ترى أنّه أقام دليله وحجّته على أساس أنّ العرب لم تقل (طَمْأَنَ) البتّة2 بل قالت: (اطْمَأَنَّ) في حين أنَّ الأمر بخلاف ذلك؛ فقد روى أئمّة اللّغة (طَمْأَنَ) بإزاء (طَأْمَنَ) . قال الفارابِيُّ: "طَأْمَنَ ظهره، وطَمْأَنَ، بمعنى"3. وقال الجوهريُّ: "طَمْأَنَ ظهره وطَامَنَه بمعنى، على القلب، وطَأْمَنت منه: سَكَّنْتُ"4. ونقل نحو ذلك جماعة؛ منهم السَّرقُسْطِيُّ5، وابن منظور6،   1 الخصائص 2/75. 2 ينظر: المنصف2/104. 3 ديوان الأدب4/245. 4 الصحاح (طمن) 6/2159. 5 ينظر: الأفعال3/284، والسّرقسطيّ هو: أبو عثمان سعيد بن محمّد المعافريّ السّرقسطيّ؛ المعروف بابن الحدّاد، وهو من أئمة اللّغة والنّحو في زمانه، توفي بعد (400هـ) ومن مصادر ترجمته: الصِّلة1/213، وبغية الوعاة1/589، وكشف الظّنون1/133. 6 ينظر: اللِّسان (طمن) 13/268. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 والفيروزآبادي1، والزَّبِيديّ2، دون أن ينكره أحد منهم. ومن سمع أو روى حجّة على من لم يسمع أو لم يروِ. وبذلك يتساوى الأصلان (طَمْأَنَ) و (طَأْمَنَ) في ورودهما متجرّدين من الزَّوائد؛ فيبقى ترجيح أحدهما على الآخر؛ بالنّظر إلى تصرّف كلّ منهما؛ وهي قاعدتهم في معرفة الأصل في القلب. فإن تساويا فليس أحدهما بأولى من الآخر؛ وإن رَجَحَ أحدهما فهو - في الغالب - الأصل. وتقَصِّي ذلك في (طَأْمَنَ) و (طَمْأَنَ) يبيّن ما يلي: قالوا في الأوّل: طَأْمَنَ يُطَأْمِنُ طَأْمَنَةً فهو مُطَأْمِنٌ3. وقالوا في الثّاني: طَمْأَنَ يُطَمْئِنُ طَمْأَنَةً، واطْمَأَنَّ يَطْمَئِنُّ اطْمِئْنَاناً وطُمَأْنِينَةً، وهو مُطْمَئِنٌّ. وبذلك يتَّضح أنَّ (طَأْمَنَ) قصَّر عن (طَمْأَنَ) في التّصريف؛ فلم يأت منه (اطْأَمَنَّ يَطْأَمِنُّ اطْئِمْنَاناً فهو مُطأَمِنٌ، فيما يقابل: اطْمَأَنَّ يَطْمَئِنُّ اطْمِئْنَاناً فهو مُطْمَئِنٌّ. ولم يأتِ (طُؤَمْنِينَةٌ) فيما يقابل طُمَأْنِينَةً. ولعلّ ذلك ما جعل الرَّضيّ4 وابن عصفور يأخذان برأي الجَرميّ وقد كان ابن عصفور أكثر وضوحاً في ذلك حينما عرض للرّأيين، وعلّق   1 ينظر: القاموس (طمن) 1565. 2 ينظر: التَّاج (طمن) 9/270. 3 ينظر: اللّسان (طمن) 13/268، والقاموس (طمن) 1565، والتَّاج (طمن) 9/270. 4 ينظر: شرح الشّافية1/22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 على رأي الجَرميّ بقوله: "وهو الصّحيح عندي؛ لأنَّ أكثر تصريف الكلمة أتى عليه"1 أي على (طَمْأَنَ) . ولعلَّ ممّا يرجّح هذا الأصل - أعني (ط م أن) أنّ القرآن الكريم جاء عليه في ثلاث عشرة آية2، ولم يأت فيه من الأصل الآخر شيء.   1 الممتع2/617،618. 2 وهي: {اطْمَأَنّ} في سورة الحج الآية11، و {اطْمَأْنَنْتُمْ} في سورة النّساء، الآية103، و {اطْمَأَنُّوا} في سورة يونس، الاية7، و {تَطْمَئِنّ} في سورة آل عمران، الاية126، والمائدة، الآية113، والأنفال، الآية10، والرّعد، الآية 28مرّتين، و {لِيَطْمَئِنَّ} في سورة البقرة، الاية260، و {مُطْمَئِنّ} في سورة النّحل، الآية106، و {مُطْمَئِنِّينَ} في سورة الإسراء، الآية95، و {مُطْمَئِنَّةً} في سورتي: النّحل، الآية112، والفجر، الآية27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 المبحثُ الثَّاني: التَّداخل بين الخماسيّ والخماسيّ تقدَّم أن التَّداخل بين الخماسيّ والخماسي نادر الوقوع للأسباب الّتي ذكرت ثَمَّ. وممّا جاء منه تداخل (ز ب ر ج د) و (ز ب ر د ج) في (الزَّبَرْجَدِ) وهو الزُّمُرُّدُ؛ فيحتمل الأصلين: يجوز أن يكون أصله (ز ب ر د ج) على ظاهر لفظه؛ كما وضعه ابن منظور1، وتابعه الفيروزآباديّ2. ويجوز أن يكون الأصل فيه (ز ب ر ج د) فيكون (زَبَرْدَجٌ) مقلوباً من (زَبَرْجَدٍ) . وإلى هذا ذهب ابن جنّي، وذكر أنَّه جاء مقلوباً في ضرورة الشّعر؛ وهو مخصوص بالقافية. والعلّة عنده في جعله مقصوراً على الضّرورة؛ أنَّ العرب لا تقلب الخماسيّ؛ لاستكراههم هذا البناء؛ لإفراط طوله3. ومن ذلك تداخل الأصلين (ق ر ط ع ب) و (ق ر ع ط ب) في قولهم: ما لفلان قُرُطْعُبَة، أي ماله قليل ولا كثير. قال الرّاجز: فَمَا عَلَيهِ مِنْ لِبَاسٍ طِحْرِبَهْ   1 ينظر: اللّسان (زبردج) 2/285. 2 ينظر: القاموس (زبردج) 244. 3 ينظر: الخصائص1/62، والمحكم7/414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَمَالَهُ مِنْ نَشَبٍ قُرُطْعُبهْ1 وقال: رواها أبو زيد فيما حكاه ابن دُريد: قُرُعْطُبة2، وعدّها السّيوطيّ من القلب3. وليس لدينا دليل قاطع لتمييز الأصل من المقلوب في هذه الكلمة، ويمكن أن يفهم من كلام أكثر الأئمّة أنّ الأصل (ق ر ط ع ب) بتقديم الطّاء؛ فقد ذكرها فيه كلٌّ من الجوهريّ4، والصّغانيّ5، وابن منظور6، والفيروزآباديّ7، والزَّبِيديّ8، ولم يحكوا فيه القلب، أو يذكروه في الأصل الآخر. ومن ذلك تداخل الأصلين (ق ن ع ص ر) و (ق ن ص ع ر) في (قِنْصَعْرٍ) على رواية كُراعٍ، وقد فسَّره بأنَّه القصير الظّهر والعنق من   1 ينظر: الجمهرة2/1223، والإبدال لأبي الطّيب1/49، واللسان (قر طعب) 1/671، وقُرُطعبة في البيت بضمّ الرّاء على رواية الجمهرة، وبفتحها في اللّسان. وقد روى الفيروزآبادي الكلمة في غير البيت على ثلاث صور من الضّبط؛ وهي: قِرْطَعبة كجردحلة، وقُرُطعُبَة ككُذُبْذُبة، وقُرَطعَبَة كذُرَحْرَح. ينظر: القاموس (قرطعب) 159. 2 ينظر: الجمهرة2/1223. ووزن (فُعُلّل) من أوزان الخماسيّ المختلف فيها. 3 ينظر: المزهر1/479. 4 ينظر: الصِّحاح (قرطعب) 1/201. 5 ينظر: التكملة (قرطعب) 1/239. 6 ينظر: اللسان (قرطعب) 1/671. 7 ينظر: القاموس (قرطعب) 159. 8 ينظر: التَّاج (قرطعب) 1/427. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 الرِّجال1. و (القِنْصَعْرُ) مقلوب من (قِنْعَصْرٍ) أو العكس؛ فإنَّ معناهما واحد. على أنّ كُراعاً خالف اللّغوييّن في روايته بتقديم العين على الصّاد؛ فلم أجد من يوافقه على ذلك؛ فجمهور اللّغويين مجمعون على أنّه من الأصل الثَّاني، أعني: (ق ن ص ع ر) 2. غير أنَّ الأزهري رواه بتقديم العين على النّون - أيضاً - قال -بعد أن ذكر ما يوافق الجمهور: "وضَرَبْتُهُ حَتَّى اقْعَنْصَرَ؛ أي: تقاصر إلى الأرض؛ وهو مُقْعَنْصِرٌ؛ قدّم العين على النّون حتّى يحسن إخفاؤها؛ فإنّها لو كانت بجنب القاف ظهرت؛ وهكذا يفعلوان في (افْعَنلَلَ) يقلبون البناء حتَّى لا تكون النّون قبل الحروف الحلقيّة"3. ولا يخفى أنّ قياس البناء في (اقْعَنصَرَ) يقتضي زيادة النّون؛ لتوسّطها ساكنة؛ كنون (احْرَنْجَمَ) فتكون الكلمة رباعيّة، فتخرج - حينئذ - ممَّا نحن فيه، أو تكونا من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ. ويظهر ممَّا تقدَّم أنَّ الإبدال أو القلب من أهمِّ أسباب التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعيّ أو الخماسيّ والخماسيّ.   1 ينظر: المنتخب1/168. 2 ينظر: العين2/288، والجمهر ة3/1228، والتهذيب 3/279، واللسان (قنصعر) 5/118، والقاموس (قنصعر) 599، والتَّاج (قنصعر) 3/509. 3 التهذيب3/279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 الباب الثالث: التداخل بين بناءين مختلفين الفصل الأول: التداخل بين الثلاني والرباعي التداخل بين الثلاني والرباعي ... الفصل الأوّل: التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي لا يصل التَّداخل بين الثّلاثيّ والرباعيّ في شيوعه أو كثرته إلى ما وصل إليه التَّداخل بين الثّلاثيّ والثلاثي، كما تقدّم في الباب الثّاني؛ وهو - مع ذلك - كثير، وقد نبّه على كثرته ابن جنّي1. والّذي يلفت النّظر من خلال فحص أمثلته الكثيرة وتأمّلها- أنّ أقسام التَّداخل فيها سبعة؛ وهو أحرى أن يدرس من خلالها؛ وهي على النّحو التّالي: 1- ما جاء على (فَعْلَل) المضاعف. 2- ما تقارب فيه الأصلان فتداخلا. 3- ماآخره ميم. 4- ما في حشوه ميم. 5- ما آخره نونٌ. 6- ما ثانيه نونٌُ. 7- ما تنوَّع فيه التَّداخل.   1 ينظر: الخصائص2/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 المبحث الأوّل: ما جاء على (فعْلل) المضاعف من الرّباعي - عند البصريّين - نوع يماثل أوّلُه ثالثَهُ وثانيه رابعَه، نحو (صَلْصَلَ) و (زَلْزَلَ) و (قَلْقَلَ) و (كَبْكَبَ) وقد وقفنا - من قبل - على اختلاف علماء العربيّة القدامى في أصوله؛ وأنّ بعضهم ذهب إلى أنَّه ثنائيٌّ، وزنه (فَعْفَعَ) وذهب جمهور الكوفيّين ومن تابعهم من البصرييّن إلى أنّه ثلاثيٌّ، ووزنه: إمّا (فَعْفَلَ) أو (فَعَّل) وذهب جمهور البصرييّن -وهم أكثر أهل اللّغة- إلى أنَّه رباعيٌّ، ووزنه (فَعْلَلَ) . ويكفي في هذا المبحث الوقوف على سبيل التَّداخل فيه؛ من خلال جملة من الأمثلة؛ دون الالتفات إلى مذهب من قال: إنّه ثنائيٌّ؛ إذ انتهى البحث إلى أنَّ الأصول ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة فحسب؛ وهو مذهب جمهور المتقدمين من علماء العربيّة. إنَّ هذا النّوع من الرّباعيّ كثير في العربيّة، إذ كاد يقع في جميع الحروف، واستثنى ابن عقيل1 الهمزة فاءً، وذكر أنَّه لم يسمع في كلامهم مثل: (أَجْأَجَ) إلاَّ أن تكون الهمزة عيناً؛ نحو: (بَأْ بَأَ) الرّجل إذا أسرع، و (دَأْدَأَ) حِملُهُ، بمعنى مالَ، و (رَأْرَأَ) إذا حرّك حَدَقَتَه. وقلَّ مع الياء مطلقاً، أي فاءً كانت نحو (يُؤْيُؤ) وهو طائر من الجوارح، أو عيناً؛ نحو (صِيصِيَةٍ) وكذلك مع الواو عيناً؛ نحو (الضَّوْضَاةِ)   1 ينظر: المساعد4/27،28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وهي الأصوات المختلطة. وسبيل التَّداخل في أكثر ذلك؛ نحو (رَعْرَعَ) و (زَلْزَلَ) و (جَرْجَرَ) وما شابهه -أنّه- يحتمل أصلين، أحدهما ثلاثيّ والآخر رباعيّ: فيرى جمهور الكوفييّن أنّه ثلاثيّ بإسقاط الحرف الثّالث من الأصل. وهذا يحتمل أن يكون تكريراً للفاء1، على وزن (فَعْفَل) فتكون الأصول: (ر ع ع) و (ز ل ل) و (ج ر ر) . ويحتمل على مذهب بعض الكوفييّن2، والبغداديّين3 أن يكون الحرف الثّالث مبدلاً من الحرف الأوسط المضعّف؛ فالأصل عندهم: (رَعَّعَ) و (زَلَّلَ) و (جَرَّرَ) فلمّا استثقل ذلك أُبدل الحرف الثّاني المضعّف حرفاً من جنس فاء الكلمة؛ فوزنه عندهم على الأصل (فَعَّلَ) ولم تتغيّر الأصول فهي (ر ع ع) و (ز ل ل) و (ج ر ر) كما هي عليه في الرّأي الأوّل. ويتغيّر الوزن عند الزّجّاج4 في أحد قوليه؛ فوزن (رَعْرَعَ) و (زَلْزَلَ) و (جَرْجَرَ) على التّوالي: (فَعْرَلَ) و (فَعْزَلَ) و (فَعْجَلَ) وهو غريب كما ترى؛ لأنَّه يؤدّي إلى القول بزيادة ما ليس من حروف الزّيادة؛ كالرّاء والزّاي والجيم.   1 ينظر: معاني القرآن للفرّاء3/114، وأبنية الأسماء والمصادر11أ، والمساعد4/61. 2 ينظر: الإنصاف2/788. 3 ينظر: سرّ الصناعة1/108. 4 ينظر: شرح الكافية الشَّافية4/2036، وشرح المراديّ5/241، والمساعد4/60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 ومذهب جمهور البصريّين أنّ ذلك كلّه رباعيٌّ، وأنَّ وزنه (فَعْلَلَ) وجميع حروفه أصول1. وترتّب على هذا الاختلاف أنّ (زَلَّ) و (زَلْزَلَ) عند الكوفيّين، من أصلٍ واحد، وكذلك (بَلَّ) و (بَلْبَلَ) و (صَرَّ) و (صَرْصَرَ) و (بَثَّ) و (بَثْبَثَ) ونحو ذلك. أمّا البصريّون فيرون أنّ نحو: (زَلَّ) و (زَلْزَلَ) أصلان مختلفان؛ أحدهما ثلاثيّ والآخر رباعيّ، وكذلك الباقي؛ وهما بمثابة ما تقاربت أصوله واتّحدت معانيه، من المترادفات الّتي تبدو متداخلة؛ كباب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ2؛ وهو باب واسع. وثَمَّةَ كلمات من هذا النّوع تتداخل أصولها عند البصرييّن أنفسهم، أو على مذهبهم؛ وهي ما كانت عينُهُ حرف علّةٍ، وفي آخرها همزة قبلها ألف، نحو: (شَوْشَاء) وهي النّاقة الخفيفة في قول حُميد بن ثور الهلاليّ: مِنَ العِيسِ شَوْشَاءٌ مِزاقٌ تَرَى بِهَا نُدُوباً مِنَ الأَنْسَاعِ فَداً وتَوْءَماً3 وهي تحتمل الأصلين:   1 ينظر: الكتاب4/291، والمنصف2/178، ودقائق التّصريف183، ورسالة الملائكة280، والمقتصد في شرح التّكملة2/823، وشرح المفصل6/112، والإيضاح في شرح المفصّل2/378، والتّسهيل296،297، وشرح الشَّافية للرّضيّ1/62، والملخّص2/257، وشرح المراديّ5/241. 2 ينظر: الخصائص 2/52. 3ينظر: ديوانه21،والتكملة للصغانيّ (شوش) 3/484. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 فيجوز أن تكون رباعيّة من باب (فَعْلَل) المضاعف، وأصلها (ش وش و) ووزنها -حينئذٍ (فَعْلال) والهمزة منقلبة عن واو، وأصلها قبل القلب (شَوْشَاوٌ) . ويجوز أن تكون ثلاثيّةً، على وزن (فَعْلاء) والأصل (ش وش) . وقد أشار الأزهريّ إلى الاحتمالين، وقوله: "وسماعي من العرب: ناقةٌ شَوْشَاةٌ بالهاء وقصر الألف" 1يرجّح (ش وش) . وإن صحّ (شَوْشَاءٌ) كما في الشّاهد على رواية الدّيوان، والأزهريّ والصَّغانيّ2فإنّ حملها على (ش وش و) يكون أقرب؛ لكثرة هذا الباب ونُدرة باب (سَلِسٍ) وللدّخول في أوسع البابين. وليس في صرفها دليل قاطع على هذا الأصل الرّباعيّ؛ لاحتمال أن تكون صُرفت للضّرورة الشّعريّة. ولو وردت في نثر غير مصروفة لقُطع بأنّها من (ش وش) فينتفي الرّباعيّ؛ لأنّها -حينئذٍ (فَعْلاء) . ونحو هذا قولهم للتّمر الّذي لا يشتدّ نواه: (الشِّيشَاء) في قول الشّاعر: يَا لَكَ مِنْ تَمْرٍ ومِنْ شِيشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي المَسْعَلِ واللَّهّاءِ3 فإنّه يحتمل الأصلين الثّلاثيّ (ش ي ش) والرّباعيّ (ش ي ش ي) فهو على الأوّل (فِعْلاء) وعلى الثّاني (فِعْلال) .   1 ينظر: التهذيب11/445. 2 التكملة (شوش) 3/484. 3 ينظر: التهذيب11/441، والصحاح (شيش) 3/1009، واللسان (شيش) 6/311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 وقد جعلها الجوهريّ1وابن منظور2في الثّلاثيّ (ش ي ش) وهو الرّاجح؛ لأنّه لا يوجد (فِعْلال) مضاعف إلاّ مصدر؛ نحو: الزِّلْزَال والقِلْقَال، وإنّما يكون في الأ سماء غير المضاعفة؛ كالقِرْطَاسِ3. ومن ذلك (قِيقَاء) وهو المكان الظاهر الغليظ الحجارة، و (زِيزَاء) وهو الأكمة الصّغيرة، أو الأرض الغليظة، وهما يحتملان ثلاثة أصول: اثنان ثلاثيّان، والثّالث رباعيّ4: فيجوز أن يكون الأصل ثلاثيّاً؛ فهو إمّا (ق وق) و (زي ز) والوزن (فِعْلاء) كـ (عِلْبَاء) و (حِرْبَاء) . وإمّا (ق ق و) و (ز ز ر) فوزنهما -حينئذٍ (فِيعَال) مثل (قِيتال) . وهذان الأصلان مرجوحان؛ وهما لا يجوزان عند ابن جنّي5؛ لئلاّ تجعل الفاء والعين من موضع واحد؛ يعني حرفاً واحداً؛ نحو (د د ن) وهو قليل جدّاً؛ ولأنّهما ليسا مصدرين؛ فيحملان على (قِيتَال) . ويبعد حملهما على (دِيبَاجٍ) و (دِيوَانٍ) بأن يكون أصلهما (قِقَّاء) و (زِزَّاء) كما أنّ (دِيوَاناً) و (دِيبَاجاً) : (دِوَّانٌ) و (دِبَّاجٌ) ؛ إذ لا دليل عليه، وفيه أنّه من باب: دَدَنٍ - أيضاً.   1 ينظر: الصِّحاح (شيش) 3/1009. 2 ينظر: اللّسان (شيش) 6/311. 3 ينظر: المنصف2/181. 4 ينظر: المنصف 2/180،181، واحتمال الصورة اللّفظيّة لغير وزن131. 5 ينظر: المنصف2/180. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 ويجوز أن يكون من الرّباعي؛ ووزنهما (فِعْلال) كـ (قِرْطَاسٍ) من (ق وق و) و (ز وز و) أو (ز ي زي) على ظاهر اللّفظ. وقد حملت الأوّل على الواو؛ لقولهم في جمعه: القواقي؛ وأصله القَوَاقِوُ. وحملهما على الأصل الرّباعي مرجوح؛ لأنّه ليس في الكلام (فِعْلال) من المضاعف إلاَّ المصدر -كما تقدّم- نحو: الزِّلْزَال والقِلْقَال؛ وإنّما يكون في الأسماء غير مضاعفة؛ كالقِرْطَاسِ والجِرْهَاسِ وهو الجسم. ولذا؛ فإنّ الرّاجح في هاتين الكلمتين الأصل الثلاثيّ الأول؛ وهو (ق وق) و (ز ي ز) ووزنهما (فِعْلاء) مثل: عِلْبَاء. ومنه قولهم: (صَاصَتِ النَّخْلَةُ تُصَاصِي صِيصَاءً) أي: صار تمرها حَشَفاً؛ فهو يحتمل الأصلين (ص ص ي) و (ص ي ص ي) . فَصَاصتْ صِيصَاءً على الأصل الأوّل (فَاعَتْ فِيعَلاً) وهي في الأصل (فَاعَلَتْ) فحذفت اللاّم -وهي الألف المنقلبة- لالتقاء السّاكنين؛ كما قالوا: سَعَتْ وغَزَتْ؛ فَصَاصتْ صِيصَاءً بمنزلة: قَاتَلَتْ قِيتَالاً 1. وهي على الأصل الثّاني الرّباعي: (فَعَلَتْ فِعْلالاً) والأصل (فَعْلَلَت فِعْلالاً) وقد حذفت اللاّم الثّانية لالتقاء السّاكنين؛ كما تقدّم في الثّلاثي؛ وهو بمنزلة: حَاحَيْتُ وعَاعَيْتُ، من الرّباعيّ المضاعف. وفي ذلك قال ابن جنّي: (صَاصَتِ النَّخلة لا يخلو من أن يكون   1 ينظر: الكتاب4/80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 (فَاعَلْتُ) 1 بمنزلة: دَاوَمْتُ وعَاوَدتُ، أو تكون (فَعْلَلْتُ) من مضاعف الياء بمنزلة: حَاحَيْتُ وعَاعَيْتُ، وتكون الألف منقلبة عن الياء، بمنزلتها في حَاحَيتُ وعَاعَيْتُ) 2. وحمله على كلا الوجهين لا يخلو من شذوذ؛ إذ لو جعل من الثّلاثيّ كانت الفاء والعين من موضع واحد كـ (دَدَن) وهو نادرٌ. وإن جعل رباعيّاً على (فَعْلَلْتُ) أضعفه أنّه لم يأتِ - من هذا الباب - إلاّكلمات ثلاثٌ؛ وهي: حَاحَيْتُ وعَاعَيتُ وهَاهَيْتُ، كما أنَّ هذا جاء في الأصوات كالأمثلة الثّلاثة المتقدّمة، و (صَاصَتِ النّخْلَة) ليس من الأصوات في شيء. وعلى الرّغم من ذلك فإنّ ابن جنّي يميل إلى الأصل الرّباعيّ، ويراه كأنّه الأشبه 3. وثَمَّةَ أصل ثالثٌ غير بعيد وهو (ص وص) فيكون (صَاصَتْ) بمنزلة: قَالتْ، ووزنه -حينئذٍ (فَعَلَتْ) و (صِيْصَاء) (فِعْلاء) وفيه أنّ (فِعْلاء) ليس من المصادر؛ ولعلّه ممَّا جاء على غير فعله. على أنَّ قولهم: (أَصَاصَ النَّخلُ) يقوّي هذا الأصل -أعني (ص و   1 أسند الفعل –هنا- إلى تاء الفاعل المتحركة؛ لأجل إظهار اللاّم؛ لأنّ اتصال الفعل بتاء التأنيث الساكنة يوجب حذف اللاّم؛ لاعتلالها وسكونها. 2 المنصف2/181. 3 ينظر: المنصف2/182،181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 ص) ولو حمل على اليائيّ (ص ي ص) لكان وجهاً، لقولهم: صَيَّصَتْ1. فيكون من باب: سَلِسٍ وقَلِقٍ. ومن ذلك (الدَّودَاة) وهي الأُرجوحة، فإنَّها تحتمل ثلاثة أصول؛ أحدها رباعيّ: فيجوز أن تكون (فَعْلاة) كـ (أَرْطَاة) من (د ود) . ويجوز أن تكون (فَوْعَلة) كـ (جَوْهَرَة) من (د د و) . ويجوز أن تكون من (فَعْلَلَة) كالقَرْقَرَةِ، من الرّباعيّ (د ود و) وأصلها (دَوْدَوَة) ثمّ قلبت الواو ياءً؛ لأنّها رابعة؛ فصارت في التّقدير (دَوْدَيَة) فانقلبت الياء ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ فصارت (دَوْدَاة) . وهذا الأصل الرّباعيّ هو الرّاجح؛ حملاً على أوسع البابين؛ لأنّها إن جعلت (فِعْلاة) كانت من باب: سَلِسٍ وقَلِقٍ؛ وهو قليل؛ وإن جُعلتْ (فَوْعَلَة) دخلتْ في باب أضيق؛ وهو باب: كَوْكَبٍ، ودَدَنٍ 2. ومن غرائب التَّداخل بين الثّلاثيّ والرباعي المضاعف ما رواه الأزهريّ3من قول بعضهم في (زُحْزِحَ) في قوله عزّوجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} 4إنّه مكرّر من باب المعتل، وأصله زَاحَ يُزِيحُ؛ إذا تأخّرَ. أو مأخوذ من (الزَّوْحِ) وهو السُّوق الشّديد؛ كما ذكره ابن   1المنصف 2/183. 2 ينظر: اللّسان (د وا) 14/278. 3 ينظر: التّهذيب3/415. 4 سورة آل عمران: الآية185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 منظور1. وما رواه الأزهري ونقله ابن منظور بعيد؛ لا دليل عليه غير المعنى، والأصول لا تقرّر بالمعنى فحسب؛ فلو جاز ذلك لأمكن إعادة كثير من المترادفات إلى أصل واحد. ولو قيل: إنّه من (ز ح ح) لكان وجهاً؛ فهو مذهب طائفة من أهل اللّغة؛ وهم بعض الكوفيّين ومن وافقهم؛ كما تقدّم، والرّاجح أنّه رباعيٌّ من (ز ح ز ح) على مذهب جمهور البصرييّن.   1 ينظر: اللّسان (زحح) 2/468. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 المبحث الثاني: ما تقارب فيه الأصلان فتداخلا ... أكثر الحروف فكثيرمنه قولهم: سَبِطٌ وسِبَطْرٌ؛ فهذان أصلان لا محالة؛ ألا ترى أنّ أحداً لا يدَّعي زيادة الرّاء، ومثله سواء: دَمِثٌ ودِمَثْرٌ، وحَبِجٌ وحِبَجْرٌ"1. وكان - رحمه الله - يَرُدّ على بعض العلماء؛ لجعلهم بعض ما جاء من هذا أصلاً واحداً؛ كالّذي روي عن ثعلب 2؛ وهو أنَّه كان يرى أنّ الباء في (زَغْدَبٍ) زائدة في قول العجّاج: يَرُدُّ قَلْحاً وَهَدِيراً زَغْدَباً 3 لأنّه أخذه من: زَغَدَ البعيرُ زَغْداً؛ إذا هَدَرَ. فقال ابن جنّي في ردّه: "وقوله: إنَّ الباء زائدة كلام تمجّه الآذان، وتضيق عن احتماله المعاذِير"4. وإنّما حَمَلَ ابنَ جنّي على هذا القول أنَّ الباء ليست من حروف الزّيادة؛ فوزن الزَّغْدَبِ على مذهب ثعلب: (فَعْلَبْ) . وقاعدة ابن جنّي فيما كان من غير حروف الزّيادة؛ كالرّاء في (سِبَطْرٍ) والباء في (ثَعْلَبٍ) و (زَغْدَبٍ) ونحوه سليمة مطّردة؛ وهو شِقٌّ من القاعدة، وذاك أن يكون الحرف من غير حروف الزّيادة. غير أنّ القاعدة عنده - رحمه الله - لم تكن في شقِّها الآخر بذلك   1 الخصائص2/49، والحَبج والحِبَجْر: المنتفخ السّمين، أو الوتر الغليظ. ينظر: اللّسان (حبج) 2/225، و (حبجر) 4/162. 2 ينظر: المبهج154. 3 ينظر: ص (199) من هذا البحث، وفيه اختلاف في الرواية هناك. 4 الخصائص2/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 القدر من الاطّراد؛ إذ لم تخل ممَّا يدفع عنها تلك الصّفة؛ وهذا الشِّقّ من القاعدة؛ هو ما كان الحرف المختلف بين اللّفظين من حروف الزّيادة؛ كـ (دِلاصٍ) و (دُلامِصٌ) وهو الشّيء البرّاق، و (الهِبْلَعِ) و (البَلْعِ) و (الحَلْقِ) و (الحُلْقُومِ) وشيء (صَلْدٍ) و (صُلادِم) و (الهِرْمَاس) و (الهَرْسِ) وهو الأسد، و (الأَشْدَقِ) و (الشَّدْقَمِ) وهو البعير، ونحو ذلك؛ وهما أصلان عنده على الرّغم من أنَّ الحرف من حروف الزّيادة؛ فقد قال ابن جنّي في تلك الأمثلة: "وينبغي أن يكون جميع هذا من أصلين، ثلاثيّ ورباعيّ" 1. وما ذهب إليه ابن جنّي في (دُلامِص) يوافق مذهب المازنيّ 2؛ وهو خلاف مذهب الخليل؛ إذ كان يرى أنّ الميم زائدة 3، على نحو ما نقل عنه المازني 4 وابن جنّي 5؛وهما يريان أنّها أصل، وأنَّ (دُلاَمِصاً) أصل مستقلّ ليس من (دِلاَصٍ) ومعناهما واحد؛ وذلك أنّهما وجدا أنّ زيادة الميم حشواً قليلة. ويشبه هذا: الخلاف في (هِجْرَعٍ) و (هِبْلَعٍ) فقد ذهب الأخفش6 إلى أنّهما من (الجَرَعِ) و (البَلَعِ) وأنّ الهاء فيهما زائدة؛ لأنّ (الهِجْرَعَ)   1 الخصائص2/49. 2 ينظر: المنصف2/151. 3 ينظر: العين7/100. 4 ينظر: المنصف1/151. 5 ينظر: الخصائص2/51. 6 ينظر: سر الصناعة2/569. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 الطّويل، و (الجَرْعُ) المكان السَّهل المنقاد، و (الهِبْلَعُ) الأكول وهو من البَلَعِ، ووزنهما عنده (هِفْعَل) . وقد حُكي عن الخليل 1 أنّه كان يرى أنَّ الهاء في (هِرْكَوْلَةٍ) وهي: الضَّخمة الأوراك -زائدة؛ لأنّها تَرْكُل في مشيتها. وكلّ ذلك عند ابن جنّي من أصول مختلفة؛ بعضها ثلاثيّ، وبعضها رباعيّ، والهاء أصل فيها؛ فوزن (هِجْرَعٍ) و (هِبْلَعٍ) عنده (فِعْلَل) 2 و (هِرْكَوْلَةٍ) (فِعْلَوْلَة) وقد حمله على هذا ونحوه أنّه وجد الحرف تقلّ زيادته في ذلك الموضع؛ فرجّح الأصالة. على أنّه - رحمه الله - كان يشعر بما ينطوي عليه ذلك المذهب من عدم اطّراد فيما كان فيه الحرف الأوّل من الزّوائد، وربّما نسي جزمه بأصالة الحرف؛ فعاد وقَبِل ما كان رفَضه، بل ربّما حاول الاحتجاج له بقوله: "ولست أرى بما ذهب إليه أبو الحسن والخليل من زيادتها في هذه الأسماء الثّلاثة بأساً؛ ألا ترى أنّ الدّلالة إذا قامكت على الشيء فسبيله أن يقضى به، ولا يلتفت إلى خلاف ولا وفاق … ألا ترى أنّهم قضوا بزيادة اللاّم في: ذلك وهنالك وعبدل … فكذلك يقضي بزيادة الهاء في: هِجْرَعٍ وهِبْلَعٍ وهِرْكَولَة وأُمَّهاتٍ؛ لقيام الدّلالة على ذلك" 3.   1 ينظر: المنصف 2/25، وسر الصناعة2/569. 2 ينظر: المنصف1/25. 3 ينظر: سر الصناعة2/570،571. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 بل خالف رأيه -أيضاً- في (دُلامِصٍ) فاعترف في موضع 1بأنّ مذهب الخليل أكشف، وأوجه، وأقيس، وأجرى على الأصول. واختار في هذا الموضع - أيضاً - مذهب الأصمعيّ 2في جعله (الهِرْمَاسَ) من (الهَرْسِ) بزيادة الميم الوسطى، وجعل القول به هو الأظهر؛ على مذهب كثيرين من أهل اللّغة 3، غير الأصمعيّ؛ وهو خلاف ما كان قرّره ابن جنّي في موضع آخر 4. ويدلّ على ذلك - أيضاً - أنّه قرّر أصالة الميم في: بُلْعُومٍ، وحُلْقُومٍ، وصُلادِمٍ، وشَدْقَمٍ 5. ثمّ عاد ورجّح زيادتها لأنّ زيادتها آخراً أقرب مأخذاً؛ لمشابهتها في تطرّفها مجيئها في أوّل الكملة؛ لأنّ زيادة الميم آخراً -كما قال: "أكثر منها أوّلاً 6؛ ألا ترى إلى تلقّيهم كلّ واحد من دِلْقَمٍ، ودِرْهَمٍ، ودِقْعِمٍ، وفُسْحُمٍ، وزُرْقُمٍ، وسُتْهُمٍ، ونحو ذلك بزيادة الميم في آخره … وينبغي أن يكون ذلك؛ لأنَّ آخر الكلمة مشابه لأوّلها؛ فكانت   1 ينظر: المنصف ‍1/152. 2 ينظر: الخصائص2/50،51. 3 ينظر: التكملة للفارسي238، ورسالة االملائكة243، والمقتصدفي شرح التكملة2/822، والإيضاح في شرح المفصل2/383، وشرح الشَّافية للرضي2/334. 4 ينظر: الخصائص2/50،51. 5 ينظر: الخصائص 2/50. 6 لعلّه يريد: حشواً؛ لأنّ زيادة الميم أوّلاً كثير، وهو من مواضع اطّرادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 زيادة الميم فيه أمثل من زيادتها حشواً" 1. وكان يقول في أوّل الصّفحة: "وينبغي أن يكون جميع هذا من أصلين ثلاثيّ ورباعيّ". وأكّد ابن جنّي على أصالة الهمزة في نحو (زَرِمَ) و (ازْرَأَمَّ) بمعنى: انقطعَ، و (خَضِلَ) و (اخْضَأَلَّ) أي: ابتلّ ونَدِيَ، و (أَزْهَرَ) و (ازْهأَرَّ) و (ضَفِدَ) و (اضْفأَدَّ) إذا كثر لحمه وثَقُل، و (زَلِمَ) القوم و (ازْلأَمُّوا) إذا أسرعوا، وأنّ ذلك أصلان ثلاثيّ ورباعيّ 2، ورفض حملها على باب: شَأْمَلٍ وشَمْألٍ من قولهم: شَمَلَتِ الرّيحُ؛ لقلّته. وما أحراه - حينئذٍ - أن يدخلهما - أيضاً - في الرّباعيّ -أعني: شَمْألاً وشَأْمَلاً؛ ويكون قولهم: (شَمِلَتِ الرّيح) أصلاً ثلاثياً مستقلاًّ لا صلة له بشَمْأَلٍ، وشَأْمَلٍ إلاّ بمعناه؛ ليدخل فيما ذكر. وأرى أنّ زَرِمَ وازْرَأَمَّ أصل واحد؛ وهو الثّلاثيّ، وأنّ الهمزة زائدة؛ لأنَّها من حروف الزّيادة؛ ووزنه: (افْعَأَلّ) لإلحاق الثّلاثيّ بمزيد الرّباعيّ نحو: اسْبَطَرَّ، وكذلك باقي ما ذكره. وكان أبو جعفر اللَّبْليُّ 3يرى مثل هذا حين قال: "وقد أُلحق بهذا   1 الخصائص2/51. 2 ينظر: الخصائص 2/51. 3هو: أبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يعقوب اللّبليّ الفهريّ (المتوفى سنة 691هـ) وهو من علماء اللّغة بمدينة لَبْلَة بغرب الأندلس. ومن مصادر ترجمته: مَلْء العَيْبَة2/209، وعنوان الدراية300،ونفح الطّيب2/108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 المثال -أعني (افْعَلَلَّ) (افْعَألّ) وإن كان سيبويه قد زعم أنّه لم يُلحق به شيء؛ قالوا: اغضَألَّ الشّجرُ؛ إذا كثر أغصانها، واشتدّ التفافها، واقْسَأنَّ: إذا كَبِرَ، وازْوَألّ، في معنى: زَال، واجْفَألّ القوم: انهزموا … وكذا قياس كلّ فعل على زنته؛ ممَّا لم نذكره"1. وذهب قوم - ومنهم الأزهريّ 2إلى أنّ الهمزة في نحو: اشْمَأزَّ -زيدت؛ لئلاَّ يجتمع ساكنان؛ إذ الأصل: اشْمازَّ. وقيل: حذفت لضرورة الشّعر؛ على نحو ما يأتي تفصيله في الباب الرّابع -بمشيئة الله. وعلى المذهبين تكون الهمزة زائدة؛ وهما أقوى من مذهب ابن جنّي، ومذهب اللّبليّ أقوى المذهبين. وينبغي طرد الباب على مذهب ابن جنّي؛ فيقال بأصالة كثير ممَّا ذكروا أنّه زائد؛ كهمزة (شَمْألٍ) و (جُرَائِضٍ) و (حُطَائطٍ) و (قُدَائِمٍ) و (النَّئدُلان) وهاءِ (أُمَّهاتٍ) وميمِ (سُتْهُمٍ) و (زُرْقُمٍ) و (فُسْحُمٍ) لأنَّ الزّوائد وقعت في مواضع تقلّ فيها زيادتها، وفي ذلك ضرر لا يخفى؛ إذ يختلط الزّائد بالأصلي، وتستغلق كثير من الأصول؛ فليس في هذا المذهب الّذي أخذ به ابن جنّي حدود بيّنّة؛ تمنع دخول أصل على آخر. ولعلّ القاعدة المناسبة لهذا الباب أن يقال: إذا وجد لفظان أحدهما   1 بغية الآمال131،132. 2 ينظر: التهذيب15/682. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 ثلاثيّ والآخر رباعيّ ومعناهما واحد؛ وليس بينهما إلاَّ حرف واحد، نُظرَ إلى ذلك الحرف؛ فإن كان من حروف الزّيادة فالكلمتان من أصل واحدٍ؛ نحو: الجَرْعِ، والهجْرَعِ، والبَلْعِ، والبُلْعُومِ، والدَّلِصِ، والدُّلامِصِ، والهَرْسِ، والهِرْمَاسِ، وزَرِمَ، وازْرَأمَّ، والشَّمال والشَّأْمَلِ. إلاَّ ان يكون من باب الرّباعي المضاعف؛ نحو: سَلَّ وسَلْسَلَ، ومَرَّ ومَرْمَرَ، وهَفَّ وهَفْهَفَ؛ فهما أصلان لا محالة، كما تقدّم. أو يعترض هذا قاعدة أخرى تمنعه؛ كأن يؤدّي القول بالزّيادة إلى بناء مفقود. وإن كان من غير حروف الزّيادة فهما أصلان مختلفان نحو: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ، ودَمِثٍ ودِمَثْرٍ؛ فيطّرد الباب، وينكشف الطّريق، ويحسم الخلاف. وإنّما استُثني الرّباعي المضاعف من هذا؛ لثبوت أصوله عند جمهور البصرييّن وأكثر أهل اللّغة كما تقدّم؛ ولأنّ باب الرّباعي أوسع من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ. وبهذه القاعدة يمكن أن يحكم بزيادة السّين في (خَلْبَسَ) 1 قلبَه بمعنى فَتَنَه؛ لأنّه في معنى (خَلَبَ) قلبَه، وفي (القُدْمُوسِ) 2 لأنَّه بمعنى القديم. والهاءِ في (السّهْلَبِ) لأنّه بمعنى (السَّلَبِ) وهو الطّويل. واللاّمِ في (نَهْشَلٍ) لأنّه بمعنى (النَّهشِ) 3وفي (عِثْوَلٍ) وهو: الأحمق الثَّقيل؛ لقولهم   1 ينظر: شرح لامية الأفعال لبحرق55. 2 ينظر: الارتشاف1/106. 3 ينظر: الارتشاف 1/108. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 بمعناه (أعْثَى) 1. والنّونِ في (كُنَادرٍ) و (كُنْدُرٍ) وهو: الرّجل الغليظ القصير مع شدّة، ويوصف به الغليظ من حُمُر الوحش؛ لقولهم: (كُدُر) بمعناه. ونحو ذلك؛ وهو كثير.   1 ينظر: اللّسان (عثل) 11/424، و (عثو) 15/29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 المبحث الثّالث: ما في آخره ميمٌ تكاد تكثر زيادة الميم آخراَ في الرّباعيّ كـ (زُرْقُمٍ) و (سُتْهُمٍ) و (ضِرْزِمٍ) و (فُسْحُمٍ) ومع ذلك فإنَّ زيادتها ليست مقيسة؛ لأنّها لم تبلغ حدّ الاطّراد1. وثَمَّةَ تداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي يقع بسبب الميم المتطرّفة؛ فمنها ما هو زائد عند بعض العلماء، ومنها ما هو أصل عند بعضهم الآخر. وقد حاول بعضهم جمع ما في آخره ميم زائدة، ومن أوائل هؤلاء: ابن السّكّيت2، وابن دريد 3.وعقد السّيوطيّ 4فصلاً لذلك؛ جمع فيه ما وقف عليه ممَّا جمعه المتقدّمون. وقد أشرت فيما مضى إلى أنَّ بعض المُحدثين فسّر هذه الميم بأنّها بقايا التّمييم في اللّغة الحِمْيَرَيَّة أو اليمنيّة الجنوبيّة القديمة، وفي بعض اللّغات السّاميّة كالعبريّة؛ وهو ما يقابل التّنوين في العربيّة، وأنّ تلك الميم قد تُنُوسيت في بعض الكلمات العربيّة، واستُعملت على توهّم أصالتها5. ومهما يكن من أمر فإنَّ القاعدة السّابقة لـ (سَبِطٍ) و (سِبَطْرٍ) الّتي   1 ينظر: المفتاح في الصّرف88، وشرح الملوكي24. 2 ينظر: القلب والإبدال147. 3 ينظر: الجمهرة3/1332. 4 ينظر: المزهر2/257. 5 ينظر: من أسرار اللّغة90، والتمييم والتّنوين58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 تقدّم ذكرها في المبحث الماضي يمكن أن تكون أنجح الوسائل للوقوف على حقيقة التَّداخل بين الثلاثيّ والرّباعيّ ممَّا في آخره ميم؛ فإن كان للكملة ما يقابل معناها في أصلٍ ثلاثيّ مجرّدٍ من الميم فإنّها زائدة، وإلاّ فالكلمة رباعيّة، حتّى يقوم دليل على خلاف ذلك. وأذكر فيما يلي بعض ما وقع فيه التَّداخل، ممَّا في آخره ميم: فمنه (الخَلْجَمُ) وهو الطّويل؛ فهو رباعيّ عند سيبويه1؛ ووزنه عنده (فَعْلَل) . وذهب كُراع 2إلى أنّه ثلاثيّ، والميم زائدة، على وزن (فَعْلَم) ومذهبه مقبول لقولهم للطّويل من الخيل: أَخْلَج. قال الشّاعر: وأَخْلَجُ نَهَّاماً إذا الخَيْلُ وْ عَنَت ... جَرَىَ بِسِلاحِ الكَهْلِ، والكَهْلُ أَجْرَدُ3. وإلى مثل هذا ذهب بن دُريد4. وذهب سيبويه5 إلى أنّ (شَجْعَمًا) رباعيٌّ، وميمه أصليّة؛   1 ينظر: الكتاب4/288. 2 ينظر: المنتخب2/690. 3 ينظر: اللّسان (خلج) 2/260. 4 ينظر: الجمهرة3/1332. 5 ينظر: الكتاب4/88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 ووزنه (فَعْلَل) وذهب غيره1إلى أنَّ الكلمة ثلاثيّة بزيادة الميم؛ ووزنها (فَعْلَم) واستدلّوا بأنّ (الشَّجْعَمَ) في معنى (الشُّجَاعِ) . قال الرّاجز: قَدْ سَالَمَ الحَيَّاتُ منه القَدَما ... الأفْعُوانَ والشُّجَاعَ الشّجْعَمَا2 وهذا يدلّ على أنَّ زيادة الميم هي الرّجحة. وذهب ابن جنّي3 إلى أنّ (صُلادِماً) وهو الشّديد الصّلب رباعيّ، على أصالة الميم؛ فيكون وزنه -حينئذٍ (فُعَالِلاً) . ومذهب الجرجانيّ4أنّه ثلاثيّ من (ص ل د) لأنّه بمعنى (الصّلدِ) فوزنه (فُعَالِمُ) وهو مذهب قويٌّ؛ لدلالة الاشتقاق. وذهب ابن دريد5 إلى أنَّ (سَعْدَماً) وهو: أبو بطنٍ من بني تميم؛ يقال لهم: السَّعَادِمُ -ثلاثيّ، بزيادة الميم؛ ووزنه (فَعْلَم) وكأنّه اشتقّه من: السَّعَادةِ. وليس فيما ذهب إليه دليل قويّ، فكثير من الأعلام مرتجل.   1 ينظر: المقتصد في شرح التكملة2/822، والممتع1/240، والمزهر2/88. 2 ينظر: تأويل مشكل القرآن 195، والمقتضب3/283، والمنصف3/69، والإفصاح للفارقي337، وشرح الفصيح للخميّ191، ورصف المباني274. وكان حق الأفعوان وما بعده الرّفع على البدليّة من الحيّات، ولكنّه نصبه حملاً على المعنى؛ فكأّنه قال: وسالمت القدَمَ الأفعوانَ (ينظر: الإفصاح للفارقي338) . 3 ينظر: الخصائص2/50. 4 ينظر: المقتصد في شرح التكلمة2/822. 5 ينظر: الاشتقاق557. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 المبحثُ الرَّابعُ: ما في حَشْوِهِ ميمٌ زيادة الميم حشواً أمرٌ نادرٌ؛ كما قرّره العلماء1، ومع ذلك وقع تداخل في عدد غير قليل ممَّا في حشوه ميم؛ فاختلفوا في بعضه؛ فمنهم من عدَّ الكلمة ثلاثيّة، ومنهم من عدّها رباعيّة؛ على أصالة الميم. فمن ذلك تداخل (ط ر ح) و (ط ر م ح) في قولهم: طَرْمَحَ بِنَاءَ هـ؛ أي: طَوَّله، ومنه قولهم: طِرِمَّاح؛ وهو الطّويل، أو المرتفع العالي؛ وقد اختلفوا فيه: فذهب كُراع2 إلى أنَّه ثلاثيّ بزيادة الميم؛ ووزنه (فِعِمَّال) وإلى هذا ذهب ابن فارس3، والجوهريّ4، والسّيوطيّ5وهم يشتقّونه من (الطّرَّحِ) وهو: البعيد الطّويل، ومنه قول الأعشى: تَبْتَنِي الحَمْدَ وتَسْمُو للعُلَى ... وتُرَى نَارُكَ من نَاءٍ طَرَحْ6 ومنه قولهم: نخلة طَرُوحٌ؛ إذا كان أعلاها بعيداً عن أسفلها، أو   1 ينظر: الخصائص2/51. 2 ينظر: المنتخب2/690. 3 ينظر: المقاييس3/457. 4 ينظر: الصِّحاح (طرح) 1/387. 5 ينظر: المزهر2/23. 6 ينظر: ديوانه289، وينظر: الصِّحاح (طرح) 1/387،وفيه اختلاف في الرواية لا يضرّ بالشّاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 طويلة العَرَاجِينِ. وطَرَحَ الشَّيء طَوَّله، وقيل: رفعه وأعلاه، وخصَّ بعضهم به البناء؛ فقال: طَرَّحَ بناءَ هـ تَطْرِيحاً طَوَّله، وكذلك طَرْمَحَ1. ومذهب سيبويه أنّه رباعيّ؛ بأصالة الميم؛ وجعل وزنه (فِعِلاَّلاً) 2 وتابعه جماعة من العلماء؛ منهم: ابن السَّرّاج3، والجواليقيّ4، وابن عصفور5. ومذهبهم غير قويّ؛ لأنّ الاشتقاق ليس في صفهم، فجعله ثلاثياً هو الرّاجح. ومن ذلك (الشَّمْحَطُ) و (الشَّمْحَاطُ) و (الشُّمْحُوط) وهو: المفرط طولاً؛ فهو يحتمل الأصلين: فذهب الجوهريّ إلى أنّه ثلاثيّ من (ش ح ط) والميم زائدة6؛ ودليله الاشتقاق؛ لأنَّ (الشَّحْطَ) البُعْدُ7، يقال: شَحَطَ المزارُ؛ أي: بَعُدَ. وجعله ابن دريد8 من الرّباعيّ، وذكره سيبويه9بالنّون:   1 ينظر: اللّسان (طرح) 2/529. 2 ينظر: الكتاب4/295. 3 ينظر: الأصول3/218. 4 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه122. 5 ينظر: الممتع1/155. 6 ينظر: الصِّحاح (شحط) 3/1136. 7 ينظر: المقاييس3/251. 8 ينظر: الجمهرة2/1142. 9 ينظر: الكتاب4/291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 (شُنْحُوطٌ) وهو عنده رباعيٌ، وتابعه ابن عصفور1. ولعلّ النّون مبدلة من الميم، ويجوز العكس. وقد ذكره ابن منظور في الموضعين2. والرّاجح في هذا- أيضا ً- أنّه ثلاثيّ لدلالة الاشتقاق؛ فلا يجوز - على ما تقرّر - أن يكون (الشَّحْطُ) و (الشُّمْحُوط) من باب: سَبِطٍ وسِبَطرٍ؛ لأنّ الميم من حروف الزّيادة. واختلفوا في أصل (القَمَحْدُوَةِ) :عظمٍ خلف الرّأسِ؛ وهو يحتمل الأصلين: فذهب الجوهريّ 3 إلى أنّه ثلاثيّ، ووزنه على كلامه (فَمَعْلُوة) . وذهب سيبويه 4 ومن تابعه 5 إلى أنّه رباعيٌ، على وزن (فَعَلُّوَة) . ولعلّ في جمعها على (فَعَالِل) في قولهم: (قَمَاحِدُ) ما يستأنس به على أصالة الميم، وإن كان حمله على التّوهّم غير بعيد. ومن ذلك (الدَّهْمَجَةُ) وهو: المشي للكبير؛ كأنّه في قيد، ومقاربة خطو البعير أو العير. قال الشَّاعر:   1 ينظر: الممتع1/149. 2 ينظر: اللّسان (شحط) 7/329، و (شمحط) 7/337. 3 ينظر: الصِّحاح (قحد) 2/522. 4 ينظر: الكتاب4/292. 5 ينظر: الأصول3/215، والممتع1/154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 وعَيْرٌ لَهَا مِنْ بَنَاتِ الكُدَادِ ... يُدَهْمِجُ بالوَطْبِ والمِزْوَدِ1 وهو يحتمل الأصلين: ذهب الجوهريّ إلى أنّه ثلاثيّ من (د هـ ج) بزيادة الميم2، ووزنه - حينئذٍ - (الفَعْمَلَة) . وذهب الأزهريّ إلى أنّه رباعيّ بأصالة الميم3، وتابعه الصَّغانيّ4، وابن منظور5، والفيروزآباديّ6، والزَّبِيديّ7، وما ذهبوا إليه هو الصّواب؛ فليس ثَمَّةَ اشتقاق يدعم مذهب الجوهريّ في أنّه ثلاثيّ بزيادة الميم.   1 ينظر: الصِّحاح (دهج) 1/316، واللسان (دهج) 2/276، والتّاج (دهمج) 2/46. 2 ينظر: الصِّحاح (دهج) 1/316. 3 ينظر: التهذيب6/510. 4 ينظر: التكملة (دهنج) 1/434. 5 ينظر: اللّسان (دهمج) 2/276. 6 ينظر: القاموس (دهمج) 242. 7 ينظر: التَّاج (دهمج) 2/46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 المبحث الخامس: ماآخره نون تقدَّم أنَّ النّونَ تزاد كثيراً في آخر الكلمة في بعض الصّيغ المخصوصة، وتزاد -أيضاً- بما يقرب من الاطّراد، إذا كان قبلها ألفُ مدٍّ مسبوقة بأكثر من أصلين؛ وليست من باب: جَنْجَان وبَنْبَان. ويكثر التَّداخل في نوع تزاد فيه النّون آخراً غير مسبوقة بألف؛ نحو: (رَعْشَنٍ) للمُرْتَعِش، و (بِلَغْنٍ) وهو الّذي يبلِّغُ النّاس أحاديث بعضٍ، و (العَلْجَنِ) وهي النّاقة الغليظة الجَسْرَة، و (الخِلَفْنَة) في قولهم: (في خُلُقِ فُلانٍ خِلَفْنَةٌ) أي: خلاف، و (السِّمْعَنَّةِ) و (النِّظْرَنَّةِ) من: السَّمْعِ والنَّظَرِ، ومثل هذا كثير1؛ ممَّا كان الاشتقاق دليلاً على زيادة النّون فيه، ولا يجوز أن يجعل من باب سَبِطٍ وسِبَطْرٍ؛ لأنَّ النُّون من حروف الزّيادة. ومما تداخل فيه الثّلاثيّ بالرّباعي؛ ممَّا آخره نون (ارْجَحَنَّ) بمعنى: اهتزَّ ومالَ، فإنّه يحتمل الأصلين: فذهب قوم إلى أنّ أصله (ر ج ح) وأنَّ النّون زائدة؛ لأنّهم أخذوه من الرّجحان؛ فوزنه -حينئذٍ- (افْعَلَنَّ) . ومذهب البصرييّن أنّ النّون أصل، والكلمة -عندهم- رباعيّة من (ر ج ح ن) وكان المَعَرِّي يقول رداً على من قال بزيادة النّون: (وليس ذلك على مذهب البصرييّن؛ لأنّهم يجعلون ارْجَحَنَّ (افْعَلَلَّ) ولا يجعلون   1 ينظر: القلب والإبدال149،150،والمزهر2/259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 من أبنية الأفعال (افْعَلَنَّ) وإنّما تزاد النّون في أواخر الأسماء بالقياس الصحيح أو بالاشتقاق) 1. ولعلّه من أجل ذلك وضعه ابن منظور2 في الرّباعيّ، والمذهب الأوّل قويّ؛ للاشتقاق؛ ولا يردّه ما ذكره المعرِيّ؛ لأنّه يمكن حمل (ارْجَحَنَّ) على توهّم أصالة النّون، قياساً على (اقْشَعَرَّ) . واختلفوا في: (بَرْهَنَ) من قولهم بَرْهَنَ فلانٌ؛ إذا جاء بالبرهان؛ فجعله بعضهم ثلاثياً؛ وهو -عند بعضهم- رباعيّ. ذهب الأزهريّ إلى أنّه ثلاثيّ من (ب ر هـ) من الظّهور والإيضاح وجعل قولهم: بَرْهَنَ فلانٌ: إذا جاء بالبرهان مولّداً، وذكر أنَّ الصّواب أن يقال: (أَبْرَهَ) إذا جاء بالبرهان؛ فالنّون عنده نون المصدر، وأجاز أن تكون نون الجمع على (فُعْلان) ثمّ جعلت كالنّون الأصليّة على التّوهّم، فاشتقّوا منها الفعل، بثبوت النّون3. وإلى ذلك ذهب الزّمخشريّ4والخَفَاجيّ5، وجعلا قولهم: (بَرْهَنَ) مولّداً. وكان ابن جنّي يرى أنَّ قولهم: (بَرْهَنْتُ) عربيٌّ فصيح، وبه استدلّ   1 رسالة الملائكة247. 2 ينظر: اللّسان (رجحن) 13/177. 3 ينظر: التهذيب6/294. 4 ينظر: أساس البلاغة21. 5 ينظر: عناية القاضي4/74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 على أنّ البُرهان رباعيٌّ من (ب ر هـ ن) ووزنه (فُعْلال) 1. وهو مذهب الجوهريّ2 - أيضاً - وتابعه الفيروزآباديّ3. وقريبٌ من ذلك قولهم: (دِهْقَانٌ) للرَّجل القويّ على التّصرّف مع شدّةٍ وخُبْرٍ، ومنه قالوا: (تَدَهْقَنَ) وهو يحتمل الأصلين: فذهب سيبويه إلى أنّه رباعيّ، وأصله (د هـ ق ن) مستدلاًّ بقولهم: (تَدَهْقَنَ) إذ ليس في الأفعال (تَفَعْلَنَ) 4 وتابعه ابن السَّرَّاج5، وابن جنّي6، وغيرهما7. وأجاز الزّجَّاجيّ8 الوجهين الثّلاثيّ والرّباعي، وفصّل فيه، فذكر: أنّه من الرُّباعيّ عند من صَرَفه، ومن الثّلاثيّ عند من منعه من الصّرف. ولهذا جعله ابن منظور في الموضعين9. ومن ذلك (هِيرُون) وهو ضربٌ من التّمر، فإنّه يحتمل عند ابن سيده الأصلين: (فِعْلَوناً) و (فِعْلَولاً) الأوّل من (هـ ي ر) والثّاني من   1 ينظر: التنبيه على شرح مشكلات الحماسة12. 2 ينظر: الصِّحاح (برهن) 5/2078. 3 ينظر: القاموس (برهن) 1522. 4 ينظر: الكتاب4/321. 5 ينظر: الأصول3/240. 6 ينظر: المنصف1/135. 7 ينظر: الممتع1/261. 8 ينظر: اشتقاق أسماء الله285. 9 ينظر: اللّسان (دهق) 10/107، و (دهقن) 13/163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 (هـ ي ر ن) 1. ولا يردُ على ابن سيده أنّه جعل الياء أصلاً في بنات الأربعة، لقوله: إنّه يحتمل أن يكون (فِعْلَولاً) بأصلة النّون، وأنّ حرف العلّة لا يكون أصلاً في بنات الأربعة، كما تقرّر في الأصول؛ لعدم وجود (فِيعُول) في الأصول، ولو كانت الفاء مفتوحة لحمل على (قَيْصُومٍ) و (حَيْزُومٍ) و (خَيْشُومٍ) بزيادة الياء. ومن ذلك العِرَضْنَةُ، الاعتراض في السَّير والنّشاط، وهو يحتمل الأصلين الثّلاثيّ والرّباعي: ذهب سيبويه إلى أنّه ثلاثيّ، من (ع ر ض) وأنّ وزنه (فِعَلْنَة) واستدلّ بأن اشتقاقه من الاعتراض2. وتابعه جمهور العلماء3. وذهب الأزهريّ4إلى أنَّه رباعيّ، وتابعه ابن منظور فذكره في الرُّباعيّ5.   1 ينظر: المحكم4/274. 2 ينظر: الكتاب4/320. 3 ينظر: الأصول 3/238، وشرح الشَّافية 2/340، والممتع 1/471، والارتشاف 1/102. 4 ينظر: التهذيب3/328. 5 ينظر: اللّسان (عرضن) 13/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 وما تقدّم يقال - أيضاً - في (عِرَضْنَى) وهي مشية بها اعتراض1. ومن ذلك (فَرْتَنَى) وهي: الأمة البغيّ الفاجرة؛ فالنّون فيها - وإن كانت ليست آخراً - هي كالآخرة، في الحكم؛ ألا تراهم قالوا: الفَرْتَنَة والفَرْتَنَى، كما قالوا: العِرَضْنَة والعِرَضْنَى؟ وهي تحتمل الأصلين الثلاثيّ والرّباعي: فذهب سيبويه2إلى أنّها (فَعْلَلَى) من (ف ر ت ن) وإلى ذلك ذهب الجوهريّ3، والصَّغانيّ4. وذهب ابن حبيب - فيما حكاه ابن منظور5- إلى أنّها ثلاثيّة من (ف ر ت) بزيادة النّون والألف؛ فوزنها عنده (فَعْلَنَى) وأراه الأقرب؛ لقولهم: فَرَتَ الرَّجلُ يَفْرُتُ فَرْتاً؛ إذا فجر6. وقد ذكرها في الموضعين كلٌّ من ابن منظور7، والفيروزآباديّ8، والزَّبِيديّ9.   1 ينظر: شرح الشَّافية للرّضي2/340. 2 ينظر: الكتاب4/296. 3 ينظر: الصِّحاح (فرتن) 6/2177. 4 ينظر: التكملة (فرتن) 6/286. 5 ينظر: اللّسان (فرتن) 13/322. 6 ينظر: اللّسان (فرتن) 13/322. 7 ينظر: اللّسان (فرت) 2/16، و (فرتن) 13/322. 8 ينظر: القاموس (فرت) 201، و (فرتن) 1576. 9 ينظر: التَّاج (فرت) 1/568، و (فرتن) 9/300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 ومن التَّداخل في هذا النّوع: التباس (فِعْلاَل) و (فِعْلان) فإنّ كلّ فعل في آخره نونٌ رابعة، مع ثلاثة أحرف أصول، ليس في أوّله همزة، فإنّ النّون تجيء في مصدره ملتبسة بنون (فِعْلان) حتّى يكون الاشتقاق مميّزاً بين النّونين؛ كقولهم في مصدر (سَلْعَنَ) وهو ضربٌ من المشي: السَّلْعَنَة، والسِّلْعَان، فيلتبس السِّلْعَان - والنّون فيه أصليّة - بالسِّلْعَان؛ إذا جعلته جمعَ سَلْعٍ، وهو ضربٌ من الشّجر، والنّون فيه زائدة1.   1 ينظر: رسالة الملائكة249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 المبحَثُ السَّادسُ: ما ثَانِيه نُونٌ القاعدة الّتي قرّرها العلماء هي أنّ النّون إذا كانت ثانية ساكنة فهي أصل حتّى يقوم الدّليل على زيادتها. قال سيبويه: "فأمّا إذا كانت ثانية ساكنة فإنّها لا تزاد إلاّ بِثَبَتٍ. وذلك: حِنْزَقْرٌ 1، وحِنْبَتْرٌ 2، لقلّة الأسماء من هذا النَحو؛ لأنّك لا تجد أمّهات الزّوائد في هذا الموضع"3. وعلى الرّغم من ذلك فإنّ النّون السّاكنة - هن ا- من المواضع الّتي يكثر التَّداخل فيها بين الثّلاثيّ والرّباعي؛ بخلاف النُّون الثّالثة السّاكنة المتوسّطة بين أربعة أحرف؛ كنون (عَقَنْقَلٍ) و (جَحَنْفَلٍ) فإنّها زائدة؛ لأنّ هذا موضع زيادتها مطلقاً. إلاَّ أمثلةً نوادرَ احتملت فيها الأصالة؛ كما تقدّم4. فمن التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي؛ بسبب النُّون السّاكنة الثانية؛ ما وقع في قولهم: (القِنَّسْرُ والقِنَّسْرِيُّ) للكبير المُسِنِّ الّذي أتى عليه الدّهر؛ كقول العَجَّاج:   1 وهو القصير الدّميم، أو الحيّة. ينظر: القاموس (خنزقر) 486. 2 وهي الشّدّة. ينظر: القاموس (حنبتر) 486. 3 الكتاب4/323. 4 ينظر: ص (211) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 أَطَرَباً وأَنْتَ قِنَّسْرِيٌّ ... والدَّهْرُ بالإنْسَانِ دَوَّارِيٌّ 1 وهو يحتمل الأصليين: فذهب الجوهريّ إلى أنّه ثلاثيٌ من (ق س ر) بزيادة النُّون2؛ فوزنه - حينئذٍ - (فِنَّعْلِيٌّ) . وذهب ابن دريد إلى أنّه رباعيٌّ من (ق ن س ر) بأصالة النُّون3، وتابعه الصّغانيّ فذكره في الرّباعي، وردّ على الجوهريّ بقوله: "وذكر الجوهريّ القِنَّسرِيَّ في (ق س ر) ظنّاً منه أنّ النُّون زائدة؛ واشتقاق: تَقَنْسَرَ منه يدفع ذلك، وموضع ذكره في هذا الموضع [يعني: ق ن س ر] وقد ذكره ابن دريد والأزهريّ4في الرّباعي) 5. وما ذهبوا إليه -هنا- هو الأقرب؛ لقولهم: (تَقَنْسَرَ الإنسَانُ) إذا شَاخَ، وتَقَبَّضَ. قال الشَّاعر:   1 ينظر: ديوانه (بتحقيق د. عبد الحفيظ السّطلي) 1/480. 2 ينظر: الصِّحاح (قسر) 2/791. 3 ينظر: الجمهرة2/1151. 4 ينظر: التهذيب9/394. 5 التكملة (قنسر) 3/178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وَقَنْسَرَتْه أُمُورُ فاقْسَأَنَّ لَهَا ... وقَدْ حَنَى ظَهْرَه دَهْرٌ وقَدْ كَبِرَا1 ويحتمل (شِنْظِيرٌ) وهو السَّخيف العقل، والفاحش البذيء من الرّجال - الأصلين الثّلاثيّ والرّباعي: فذهب الأصمعيّ إلى أنّه ثلاثيّ من (ش ظ ر) بزيادة النُّون2، وإلى هذا ذهب أبو حَيَّان3. ومذهب سيبويه أنّه رباعيّ من (ش ن ظ ر) على وزن (فِعْليل) 4 وهو مذهب الجمهور5. وما ذهب إليه الأصمعيّ لا دليل عليه، ومذهب الجمهور أقرب؛ لأنّ النُّون - في هذا الموضع - أصليّة حتّى تقوم الدّلالة بزيادتها. ومن ذلك (عِنْفِصٌ) وهي: المرأة البذيئة القليلة الحياء، واللّفظ يحتمل الأصلين: فذهب سيبويه إلى أنّه رباعيّ، على وزن (فِعْلِل) 6 وهو مذهب   1 ينظر: الجمهرة2/1151،والمخصص1/44،واللسان (قنسر) 5/117. 2 ينظر: اللّسان (شطر) 4/409. 3 ينظر: الارتشاف1/100. 4 ينظر: الكتاب4/293. 5 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه112، والممتع1/149. 6 ينظر: الكتاب4/289. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 الجمهور1. وذهب الجوهريّ2 إلى أنّه ثلاثيّ من (ع ف ص) وأنّ النُّون زائدة، ولا دليل لمذهبه. ويتداخل ثلاثة أصول: (م ج ن) و (ج ن ن) و (م ن ج ن) في (المَنْجَنُونِ) وهي الدُّولاب الَّتي يستقى عليها. قال الشّاعر: اعْجَلْ بِغَرْبٍ مِثْلِ غَرْبِ طَارِقِ ... وَمَنْجَنُونٍ كَالأَتَانِ الفَارِقِ3 وهي تحتمل الأصول الثّلاثة4: فذهب بعضهم إلى أنّها ثلاثيّة، ويجوز فيها أصلان: أحدهما: (م ج ن) فيكون وزنها (فَنْعَلُولاً) بزيادة النُّون الأولى وتكرير النُّون الآخرة؛ وهو مذهب سيبويه في أحد قوليه5.   1 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه136،وسفر السّعادة1/389، والممتع1/66. 2 ينظر: الصِّحاح (عفص) 3/1045. 3 ينظر: اللّسان (منجنون) 13/423. 4 ينظر: الكتاب4/292، والأصول3/216،217،والتكملة للفارسي238، والمنصف1/145، والصحاح (جنن) 5/2095، وشرح أبنية سيبويه155، وشرح الملوكي156، وشرح المفصل لابن يعيش9/152، وشرح الشَّافية للرضي2/353، والارتشاف1/23. 5 ينظر: الكتاب4/292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وإلى ذلك مال جماعة من العلماء، وقد قضوا بأنّ نون خَنْدَرِيسٍ زائدة؛ لئلاّ يؤدّي القول بأصالتها إلى ما ليس من أبنيتهم، والنون الأولى في مَنْجَنُون كنون خَنْدَرِيسٍ، وقد قيل: مَنْجَنِينٌ كخَنْدَرِيسٍ؛ فوجب - على رأيهم - الحكم بزيادة نون مَنْجَنِينٍ؛ وإذا وجب هذا وجب الحكم بزيادتها في مَنْجَنُونٍ1.وهو وجه مقبول لولا الجمع -كما سيأتي. والآخر: ما ذهب إليه الجوهريّ من أنّها من (ج ن ن) بزيادة الميم والنّون في أوّل الكلمة 2، فوزنها على مذهبه: (مَنْفَعُول) وهو بعيد -كما سيأتي. ومذهب الجمهور وعلى رأسهم سيبويه - في أحد قوليه3 - أنّها رباعيّة من (م ن ج ن) ووزنها عندهم (فَعْلَلُول) . ولا يجوز أن تكون الميم زائدة عند الجمهور؛ لأنّه لا يعلم في الكلام (مَفْعَلُول) ولا يجوز أن تكون الميم والنون زائدتين؛ على نحو ما ذهب إليه   1 ينظر: الإيضاح في شرح المفصل2/382. 2 ينظر: الصِّحاح (جنن) 5/2095. 3 ينظر: الكتاب4/292، ويتضح الرأيان في قوله: ويكون على مثال (فَعْلَلوَل) وهو قليل، قالوا: منجنون؛ وهو اسم، وحندقوق وهو صفة. ولا نعلم في بنات الأربعة فَعْليولاً، ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكن (فَنْعَلَول) وهو اسم، قالوا: منجنون؛ وهو اسم. على أنَّ سيبويه - رحمه الله - ذكر في موضع آخر أنّ منجنوناً رباعي، بمنزلة: عرطليل (الكتاب4/309) ولعلّه كان يميل إلى الأصل الرُّباعيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 الجوهريّ لوجهين: أحدهما: أنّ ذلك يؤدّي إلى أن تجتمع في أوّل الكلمة زيادتان؛ وليست الكلمة جاريةً على فعلٍ؛ نحو: مُنْطَلِقٍ ومُسْتَخْرِجٍ؛ وذلك لايكون في اللّغة إلاّ على سبيل النّدرة؛ كـ (إنْقَحْلٍ) على زنة (إنْفَعْلٍ) . والآخر: أنَّه لا يعلم في الكلام (مَنْفَعُول) فتُحمل هذه عليه. وحملُها على الأصل الثّلاثيّ (م ج ن) بزيادة النُّون كما في خَنْدَرِيسٍ وجهٌ مقبول لولا ثبوت النُّون في الجمع في قولهم: مَنَاجِينَ؛ وهو حجّة سيبويه1؛ فلو كانت زائدة لقيل: مَجَانِينَ، إلاّ أن يكون قولهم في الجمع: مَنَاجِينَ على توهّم أصالة النُّون؛ كقولهم: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ؛ فيضعُف الدّليل؛ غير أنّ حملها على الظّاهر هو الأولى؛ لأنّه الأكثر؛ ولانعدام الدّليل على أنّها جمعت على توهّم أصالة النُّون. ولمّا انتفت زيادة الميم، ورجَحت أصالة النُّون، ولم يجز زيادتهما معاً، لم يبقَ إلاَّ أن يكونا أصلين؛ على وزن (فَعْلَلُول) بتكرير اللاّم؛ كما في حَنْدَقُوقٍ؛ وهو ضربٌ من النّبات، وهما ملحقان بعَضْرَفُوطٍ2.   1 ينظر: الكتاب4/309. 2 ينظر: المنصف1/146، والإيضاح في شرح المفصل2/382. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 المبحث السَّابعُ: ما تنَوَّعَ فيه التَّدَاخلُ ثَمَّةَ تداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي جاء في أمثلة متناثرة متنوّعة؛ ليست ممَّا تقدَّم؛ كتداخل (غ ر ق) و (غ ر ن ق) في (الغُرْنَيقِ) ضربٍ من طير الماء؛ وهو يحتمل الأصلين: فذهب الجوهريّ 1إلى أنّه ثلاثيّ من (غ ر ق) بزيادة النُّون؛ ووزنه -حينئذٍ- (فُعْنَيل) وليس في الصّنعة ما يدلّ على زيادة النُّون؛ فهي - وإن وقعت موقع النُّون الَّتي يجزم بزيادتها لتوسّطها بين أربعة أحرف - ليست هنا من هذا الباب؛ لتحرّكها. ولكنّ الاشتقاق يسعف الجوهريّ؛ ألا ترى أنّ (الغُرْنَيقَ) من طيور الماء الَّتي تغوص في الماء تارةً وتطفو تارةً؛ فكأنّها تغرق فيه. وذهب سيبويه 2 إلى أنّه رباعيّ، من (غ ر ن ق) على وزن (فُعْلَيل) وعلى هذا جمهور اللّغوييّن3. وإن قيل: من أين لهم عدّ النُّون أصلاً، ولا نظير له في بنات الأربعة يقابله، فما ينكر أن تكون زائدة؛ كما في: خُنَثْعَبَة، وكَنَهْبُلٍ، وعُنْصُلٍ، وعُنْظُبٍ؟   1 ينظر: الصِّحاح (غرق) 4/1537. 2 ينظر: الكتاب4/293. 3 ينظر: أدب الكاتب 599، والمحكم6/48، والممتع1/149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 فالقول في ذلك عند ابن سيده: "إنَّ هذه النُّون قد ثبتت في هذه اللّفظة أَنَّى تصرّفت، ثَبَاتَ بقيّة أصول الكلمة؛ وذلك أنّهم يقولون: غُرْنَيقٌ، وغِرْنِيقٌ، وغُرْنُوقٌ، وغُرَانِق، وغَرَوْنَق. وثبتت - أيضاً - في التّكسير؛ فقالوا: غَرَانِيقُ وغَرَانِقَةٌ. فلمّا ثبتت النُّون في هذه المواضع كلّها، ثبات بقيّة أصول الكلمة؛ حُكِمَ بكونها أصلاً"1. وأمّا استدلال أبي عليّ الفارسيّ على أصالة النُّون؛ بأنّه قد أُلحق بها (العُلَّيقُ) ولا يلحق إلاَّ بالأصول - فمردود بأمرين: أحدهما: أنّ (العُلَّيقَ) (فُعَّيْل) وتضعيف العين لا يكون للإلحاق؛ لأنَّ أصل تضعيف العين إنّما هو للفعل؛ نحو: قَطَّع وكَسَّر؛ فهو في الفعل مفيد للمعنى، وكذلك هو في بعض الأسماء؛ نحو: شَرَّابٍ وقَطَّاعٍ وسِكِّيرٍ، ومن ثمَّ لم يجعل التّضعيف للإلحاق؛ لأنَّ الإلحاق صناعة لفظية لا معنويّة -كما قال ابن سيده2. والآخر: أنّ قوله: إنّه لا يلحق إلاّ بالأصول يخالف ما قرّره العلماء بجواز الإلحاق ببعض الفروع والمزيدات؛ كإلحاقهم (اقْعَنْسَسَ) بـ (احْرَنْجَمَ) و (حَبَونَن) بـ (حَبَوكَرٍ) على نحو ما تقدَّم في الباب الأوّل3. والرّأي عندي في أصل هذه الكلمة أنّها ثلاثيّة من (غ ر ق) كما   1 المحكم6/48. 2 ينظر: المحكم 6/48. 3 ينظر: ص (226) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 ذهب الجوهريّ لقوّة الاشتقاق. ويتداخل الأصلان الثّلاثيّ والرّباعي في (السُّبرُوتِ) من الأرض؛ وهي: القَفْرُ، ويوصف به الرّجل الفقير؛ وهو يحتمل الأصلين: فمذهب سيبويه1 أنَّه رباعيّ من (س ب رت) على وزن (فُعْلُول) . وذكر أبو حيَّان أنّه عند غير سيبويه ثلاثيّ من (س ب ر) على وزن (فَعْلُوت) 2. ولعلّهم استدلّوا بقولهم: (السُّبْرُور) في معناه؛ فقد قال الشَّاعر: تُطْعِمُ المُعْتَفِينَ ممَّا لَدَيها ... مِنْ جَنَاهَا، والعَائِلَ السُّبْرُورَا3 قال ابن سيده: "فإن صحَّ هذا فتاء سُبْرُوت زائدة"4. ويتداخل في (الكَوْكَبِ) وهو ضرب من النّجوم في السماء- خمسة أصول ثلاثة ثلاثيّة ورباعيّان: فيرى الجمهور5 أنّه من (ك ك ب) ووزنه (فَوْعَل) من باب ما جاء عينه من جنس فائه؛ كـ (دَدَن) إلاَّ أنّه فُرِّق بين الفاء والعين في   1 ينظر: الكتاب4/318. 2 ينظر: الارتشاف1/105. 3 ينظر: اللّسان (سبر) 4/342. 4 ينظر: اللّسان (سبر) 4/342. 5 ينظر: الأصول3/209، والخصائص2/56، والصحاح (ككب) 1/213، والمقتصد في شرح التكملة2/786، والممتع1/82، والبحر المحيط4/162، والدّر المصون5/11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 (كَوْكَبٍ) بحرف علّةٍ زائد. ونظيره (قَوْقَل) وهو: ذَكَرُ القَطَا؛ فأصله (ق ق ل) و (لَوْلَب) إن كان عربيّاً- وهو: استدارة الماء عند فم الصُّنْبُور؛ فإنّه من (ل ل ب) . وذهب الأصمعيّ إلى أنّه ثلاثيّ من (وك ب) وقد صُدِّر بكاف زائدة1، وذكر الأزهريّ أنّه من هذا الأصل عند حذَّاق النّحوييّن2. وكان الصَّغانيّ3يرى ذلك؛ ووزنه حينئذٍ (كَفْعَل) وهذا مردود بأنّ الكاف ليست من حروف الزّيادة، وأمّا قولهم: هِنْدِيٌّ وهِنْدِكِيٌّ فهو من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ؛ أي أنّهما أصلان. وإلى ذلك ذهب أبو حيّان في ردِّه على الصَّغانيّ؛ لحكايته ما نقل عن الأصمعيّ حين قال: "وليت شعري من حذَّاق النّحوييّن الّذين تكون الكاف عندهم من حروف الزّيادة في أوّل الكلمة؟ فأمّا قولهم: هِنْدِيٌّ وهِنْدِكِيٌّ في معنى واحدٍ؛ وهو المنسوب إلى الهند؛ قال الشَّاعر: وَمَقْرَبَةٌ دُهْمٌ وَكُمْتٌ كَأَنَها ... طَمَاطِمُ يُوفُونَ الوِفَازَ4هَنَادِكُ5 فخرّجه أصحابنا على أنّ الكاف ليست زائدة؛ لأنّه لم يثبت زيادتها   1 ينظر: التهذيب10/402. 2 ينظر: التهذيب 10/402. 3 ينظر: التكملة (ككب) 1/261. 4 الوِفاز: المرتفع من الأرض. ينظر: اللّسان (وفز) 5/430. 5 البيت لكُثيّر، كما في ديوانه347، وفيه اختلاف لايضرّ بالشّاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 في موضع من المواضع فيحمل عليه؛ وإنّما هو من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ"1. ويجوز أن تكون تلك الكاف سرت لبعض العرب من لغة الحبش؛ فإنّهم يدخلون الكاف - مشوبة بالياء - في النِّسَب 2. وذهب الرّاغب الأصبهانيّ إلى أنّ أصله (ك ب ب) إذ ذكرها في (كَبَّ) 3وظاهر قياسه أنّ الواو زائدة والكاف الثّانية في (كَوْكَبٍ) بدل من إحدى الباءين، وهذا غريب جدّاً -كما قال السَّمين4. وذهب الخليل إلى أنّه رباعي من (ك وك ب) 5فوزنه - حينئذٍ (فَعْلَل) لوضعه في الرّباعيّ؛ وهو فهم الأزهريّ6. ويردّه أنّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الأربعة؛ كما تقرّر في الأصول7. وذهب بعض المستشرقين - ومنهم بروكلمان8وبرجشتراسر9 - إلى أنّه في الأصل (كَبْكَب) (kabkab) كما في الأصول السّاميّة، وأنّه لم يبق على حاله إلاّ في الأمهَرِيَّة؛ فالكوكب فيها: (kabkib) وهو في   1 ينظر: البحر المحيط4/162. 2 ينظر: البحر المحيط 4/162،163. 3 ينظر: المفردات695. 4 ينظر: الدّر المصون5/11. 5 ينظر: العين5/433. 6 ينظر: التهذيب10/402. 7 ينظر: الممتع1/292. 8 ينظر: فقه اللغات السامية74. 9 ينظر: التطور النّحوي97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 الأكَدِيَّةِ: (kakkabu) وفي العبريّةِ: (kokab) وهو أقرب إلى العربيّة- وفي السّريانيّة: (kawkba) وفي الحبشية: (kokab) . وقارب بعض علماء العربيّة القدامى بين (الكَوْكَبَةِ) و (الكَبْكَبَةِ) في المعنى؛ فقد قال البندنيجيّ: (الكَبْكَبَة: الجماعة من النّاس. والكَوْكَبَةُ: مثلها) 1فكأنّها عنده من التّرادف.   1 ينظر: التقفية208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 المجلد الثاني تابع الباب الثالث الفصل الثاني: التداخل بين الثلاثي والخماسي التداخل بين الثلاثي والخماسي ... الفصل الثّاني: التّداخل بين الثّلاثيّ والخُماسيّ لا يكثر التّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ، كثرته بين الثّلاثيّ والرّباعيّ، كما في الفصل السّابق؛ ولعلّ ذلك يعود إلى أمرين: الأوّل: قلّة الأصول الخماسيّة في اللّغة العربيّة. الثّاني: التّباعد بين الأصلين؛ فبينهما الرّباعيّ؛ وهو أولى بالتّداخل من أحدهما، في أكثر الأمثلة؛ ومن ثَمَّ فإنّ التّداخل بين الثلاثيّ والخُمَاسيّ يحتمل - أيضاً - في كثيرٍ من الحالات تداخلاً مع الرّباعيّ. ويقع ما في هذا الفصل من تداخل في مجموعتين؛ وهما: 1- تداخل أصلين اثنين. 2- تداخل ثلاثة أصولٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 المبحث الأوّل: تداخل الأصلين الأصلان المتداخلان هنا هما الثّلاثيّ والخماسيّ؛ كتداخل (ش م ر) و (ش م ر د ل) في (الشَّمَرْدَل) من الإبل وغيرها؛ وهو: الفتيّ الحسن الخلق، والقويّ السّريع: فمذهب ابن فارسٍ أنّه ثلاثيّ من (ش م ر) 1 فيكون وزنه - حينئذٍ - (فَعَلْدَلاً) وهو بعيدٌ؛ إذ لا دليل من الاشتقاق عليه؛ ولأنّ الدّال ليست من حروف الزِّيادة. ومذهب الجمهور2 أنّه خماسيّ من (ش م رد ل) ووزنه عندهم (فَعَلَّل) . ومن ذلك تداخل الأصلين في (العَرَنْجَج) وهو اسم حِمْيَرَ بن سبأ: فجعله ابن دريدٍ خماسيّاً على وزن (فَعَلَّل) بقوله (ليس النّون فيه زائدةً؛ وهو من قولهم: اعْرَنْجَجَ الرّجل في أمره، إذا جدَّ فيه؛ كأنّه (افْعَنْلَلَ) 3. وهو عند الجمهور4 من الثّلاثيّ، وأصله (ع ر ج) على وزن (فَعَنْلَل) ملحقٌ بالخماسيّ بزيادة النّون، وإحدى الجيمَيْن.   1 ينظر: المقاييس 3/274. 2 ينظر: اللّسان (شمردل) 11/371. 3 الاشتقاق 362. 4 ينظر: اللّسان (عرج) 2/323. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 أمّا النّون فيه فإنّ هذا موضع زيادتها باطّراد؛ لسكونها، ووقوعها وسطاً بين أربعة أحرفٍ، وليست ممّا يستثنى من ذلك؛ ويدلّ على زيادة الجيم فكّ الإدغام. ومن ذلك (اليَسْتَعُور) وهو: الباطل، أو شجرٌ تصنع منه المساويك، وقيل: إنّه موضعٌ. قال عروة بن الورد: أَطَعْتُ الآمِرِينَ بصَرْمِ سَلْمَى فطَارُوا في عِضَاهِ اليَسْتَعُور1 فيرى الجمهور2 - وعلى رأسهم الخليل3 وسيبويه4 - أنّه خماسيّ من (ي س ت ع ر) على وزن (فَعلَلُول) كعَضْرَفُوطٍ، واحتجّوا بأنّ الحروف الزّوائد لا تلحق بنات الأربعة أوّلاً، إلاّ الميم الّتي في أوّل الاسم الجاري على فعله5. وذهب ثعلبٌ إلى أنّه ثلاثيّ6 من (س ع ر) وأنّ الياء والنّون فيه   1 ينظر: ديوانه 32، وفي اللّسان (يستعر) 5/300، (في البلاد اليستعور) . 2 ينظر: الأصول 3/235، والتّهذيب 3/368، وليس في كلام العرب 205، والمنصف 1/145، والخصائص 1/236، ورسالة الملائكة 246، والمقتصد في شرح التّكملة 2/807، وشرح المفصّل لابن يعش 9/150، وشرح الملوكيّ 143، وشرح الكافية الشّافية 4/2039، والممتع 1/164، وشرح المراديّ 5/247. 3 ينظر: التّهذيب 4/313. 4 ينظر: الكتاب 4/313. 5 الكتاب 4/313. 6ينظر: المنصف 1/145. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 زائدتان، وتابعه ابن دريدٍ، وذكر أنّه ليس في العربيّة على وزن (يَفْتَعُول) غيره1، وإلى هذا أشار ابن خالويه2، وكأنَّه كان يراه، وتابعهم ابن القطّاع3، ورضيّ الدّين الشّاطبيّ في حواشيه على (الصّحاح) 4. وفي الحقّ أنّ ما ذهبوا إليه ضعيفٌ؛ لأنّ الزّوائد لا تلحق بالرّباعيّ من أوّله على ما تقرّر في العربيّة، ولأنّه ليس من أوزان كلامهم (يَفْتَعُول) ولعلّ هذا ما دفع ابن جنّيّ إلى التّعقيب على رأيهم حين قال: (من قال: إنّ مثال يستعور: (يَفْتَعُول) فلا يدري من صنعة التّصريف شيئاً؟ وإنّما هو فيه هاذٍ) 5. ومن أمثلة التّداخل في هذا الباب: تداخل الأصلين في (القَلَهْذَم) وهو: القصير، أو الخفيف، أو البحر الكثير الماء. فذهب ابن فارسٍ إلى أنّه ثلاثيٌّ من (ق ذ م) بزيادة اللاّم والهاء6؛ فوزنه حينئذٍ (فَلَهْعَل) وهو بعيدٌ؛ لاجتماع حرفين يندر زيادتهما حشواً؛ وهما اللام والهاء.   1 ينظر: الجمهرة 2/1222. 2 ينظر: ليس في كلام العرب 205. 3 ينظر: أبنية الأسماء والمصادر 27أ. 4 ينظر: اللّسان (يستعر) 5/300. 5 ينظر: المنصف 1/145. 6 ينظر: المقاييس 5/116. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 وذهب الجمهور إلى أنّه خماسيّ على زنة (فَعَلَّل) نحو: سَفَرْجَلٍ1. ويتداخل الأصلان (هـ ق ب) و (هـ ق ب ق ب) في (الهَقَبْقَبِ) : الصُّلب الشّديد؛ وهو يحتمل الأصلين: فكان ابن سِيدَه يعدّه من الخماسيّ2؛ ووزنه - حينئذٍ (فَعَلَّل) . وقياسه على مذهب الجمهور أن يكون من الثُّلاثيّ (هـ ق ب) على وزن (فَعَلْعَلَ) كـ (صَمَحْمَح) و (حَبَرْبَر) . وإلى هذا ذهب الصّغانيّ3 والفيروزاباديّ4، وهو الصحيح. ومن ذلك تداخل الأصلين (ص ل ق) و (ص هـ ص ل ق) في (الصَّهْصَلِقِ) وهو: الشّديد الصّوت، ويكثر نعت المرأة به؛ كقول الرّاجز: قَدْ شَيَّبَتْ رَأْسِي بِصَوْتِ صَهْصَلِقْ5 وهو يحتمل الأصلين: فكان الجوهريّ يراه ثلاثياًّ من (ص ل ق) 6 ووزنه - حينئذٍ (فَهْفَعِل) وهو بعيدٌ، ولا دليل على زيادة الهاء، وتكرير الصّاد.   1 ينظر: اللّسان (قلهذم) 21/492، والقاموس (قلهذم) 1486. 2 ينظر: المحكم 4/354. 3 ينظر: التّكملة (هقب) 1/291. 4 ينظر: القاموس (هقب) 184. 5 ينظر: الّسان (صهصلق) 10/207. 6 ينظر: الصّحاح (صلق) 4/1509. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 وهو من الخماسيّ؛ قياساً على مذهب الجمهور، ووزنه (فَعْلَلِل) كـ (جَحْمَرِش) . وإلى ذلك ذهب ابن منظورٍ1. ومن أمثلة التّداخل في هذا النّوع: تداخل الأصلين في (السَّقَنْقُور) وهو: الوَرَلُ المائِيّ، ويقال: إنّه من نسل التِّمساح: فذهب الصّغانيّ إلى أنّه خماسيّ من (س ق ن ق ر) 2 ووزنه - حينئذٍ (فَعَلُّول) وهو بعيدٌ؛ لأنّ النّون في موضع الزّيادة، والقاف في موضع تكريرٍ، إلاّ أن يكون أعجميّاً؛ فيصحّ ما ذهب إليه أو يكون قريباً. وقياس مذهب الجمهور أنّه ثلاثيّ من (س ق ر) على زنة (فَعَنْعُول) بتكرير العين؛ وهي القاف؛ نحو (عَقَنْقَل) من (ع ق ل) و (عصنصر) من (ع ص ر) . وممّا يبدو غريباً للوهلة الأولى ما ذهب إليه ابن فارسٍ؛ وهو أنّ أصل (عَلْطَميس) وهي: الجارية التّارّة الحسنة القوام. والنّاقة الشّديدة الضّخمة - ثلاثيٌّ من (ع ي ط) فقدكان يرى أنّ الأصل (عَيْطَمُوسٌ) وأنّ اللاّم بدلٌ من الياء، وكلّ ما زاد على العين والطّاء - في الكلمة - زائدٌ، وأصله (العَيْطَاء) وهي: المرأة الطّويلة، أو الطّويلة العُنُق3. ووزنه على مذهبه (فَعْلَمِيْس) بزيادة الميم والياء والسّين، أمّا الياء فلا خلاف في زيادتها، ويشهد بزيادة الميم قولهم - بمعناه (العِلْطَوْس) وهي:   1 ينظر: اللّسان (صهصلق) 10/207. 2 ينظر: التّكملة (سقنقر) 3/33. 3 ينظر: المقاييس 4/372. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 المرأة الحسناء1. ويدلّ على زيادة السّين والميم قوله: (العَيْطَاء) وهي: المرأة الطّويلة العنق في اعتدالٍ2. ويدلّ على إبدال اللاّم من الياء قولهم في معناه: عَيْطَمُوسٌ3. ومذهب الجمهور4 أنّه خماسيّ على وزن (فَعْلَلِيل) كدَرْدَبِيس؛ وهو الشّيخ الهَرِم، أو العجوز الفانية. وفي أبواب الخماسيّ من معاجم التّقليبات قدرٌ صالحٌ ممّا ليس فيه، بل هو من الثلاثيّ. وليس لي إلاّ التّوقف عن الحكم بأنّه وضع ثَمَّ للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ؛ فلا دليل عليه سوى الباب وحده؛ ولا يخلو ذلك من مزلقةٍ على نحو ما نُبِّه عليه في التّمهيد لهذا البحث. وفيما يلي أمثلةٌ لبعض ما في أبواب الخماسيّ من معجم (تهذيب اللّغة) للأزهريّ ممّا أصوله ثلاثيّةٌ؛ وليست خماسيّةً: (عَصَنْصَرٌ) 5 وهو القصير، والأصل (ع ص ر) . و (القَصَنْصَع) 6 وهو القصير، والأصل (ق ص ع) .   1 ينظر: اللّسان (علطس) 6/146. 2 ينظر: اللّسان (عيط) 7/357. 3 ينظر: الأصول 3/50. 4 ينظر: الكتاب 4/303، والتّهذيب 3/369. 5 ينظر: التّهذيب 3/370. 6 ينظر: التّهذيب 3/371. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 و (العَقَنْقَل) 1 وهو: الحبل العظيم من الرّمل، والأصل (ع ق ل) . و (العَرَكْرَكَة) 2وهي: المرأة المسترخية الشحم، والأصل (ع رك) . و (العَبَنْبَل) 3 وهو: العظيم، والأصل (ع ب ل) . و (الحَبَرْبَرَة) 4 وهي: القَمِئَة المناقرة، والأصل (ح ب ر) . و (الحَوَرْوَرَة) 5 وهي: البيضاء، والأصل (ح ور) . و (الصَّمَحْمَح) 6 وهو: الرّجل الشّديد، والأصل (ص م ح) . و (اسْلَنْقَى) 7 إذا اضطجع على قفاه، والأصل (س ل ق) . و (السَّجَنْجَل) 8 وهي: المِرْآة، والأصل (س ج ل) .   1 التّهذيب 3/372. 2 التهذيب3/372. 3 التهذيب3/372. 4 التهذيب5/336. 5 التهذيب5/336.. 6 التّهذيب 5/336. 7 التّهذيب 9/422. 8 التّهذيب 11/260. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 المبحث الثّاني: تداخل ثلاثة أصولٍ والمراد من هذا: التّداخل الّذي يكون بين خماسيّ وأصلين ثلاثيّين، أو خماسيٍّ وثلاثيٍّ وبينهما رباعيٌّ؛ والأخير هو الكثير فيه. فمن الأوّل تداخل الأصلين (خ ب ث) و (خ ث ن) مع الخماسيّ (خ ب ع ث ن) في (الخُبَعْثِن) وهو: التّار البدن في كلّ شيءٍ، أو القويّ الشّديد من الرّجال: فمذهب ابن فارسٍ أنّه ثلاثيٌّ، وأصله (خ ب ث) بزيادة العين والنّون1 فوزنه على قياس ما ذكره (فُبَعْلِن) وهو بعيدٌ؛ لأنّ الباء ليست من حروف الزّيادة. وهو عند الجوهريّ من (خ ث ن) 2 بزيادة الباء والعين؛ فوزنه - حينئذٍ (فُبَعْعِل) ثمّ يؤول إلى (فُبَعِّل) بزيادة العين الأولى، أمّا الثّانية فعين الميزان المقابلة الثّاء؛ وهو بعيدٌ؛ لأنّ الباء والعين ليسا من حروف الزّيادة.   1 ينظر: المقاييس 2/248. 2 ينظر: الصّحاح (خبعثن) 5/2105، ويجدر التّنبيه إلى أنّ الجذر في المطبوع؛ وهو (خبعثن) اجتهاد من المحقّق – رحمه الله – لم يوافق مراد الجوهريّ؛ لأمرين: الأوّل: أنّ ما قبله وما بعده يدلاّن على أنّه (خثن) فهو بين (ختن) بالتّاء المثنّاة و (خدن) . الثّاني: أنّه يوافق (خثن) كما في النّسخ الخطّية الّتي اطّلع عليها ابن منظور، وقد أدرك ذلك ونبّه عليه بقوله: (اللّسان: خبعثن 13/137) : "وهذه التّرجمة ذكرها الجوهريّ بعد ترجمة (ختن) وكذلك ذكره ابن بري – أيضاً – ولم ينتقده على الجوهريّ)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 ومذهب الجمهور في هذه الكلمة أنّها خماسيّةٌ1، بأصالة جميع حروفها، فليس فيها من حروف الزّيادة سوى النّون؛ ولا دليل على زيادتها. ومن النّوع الثّاني؛ وهو تداخل الثُّلاثيّ والخماسيّ وبينهما الرّباعيّ: تداخل (خ ر ش) و (ن خ ر ش) و (ن خ ور ش) في قولهم جروٌ (نَخْوَرِشٌ) إذ تحرّك وخَدَشَ، وقد اختلفوا فيه2: فَذَهَبَ المبرّد إلى أنّه خماسيٌّ على زنة (فَعْلَلِل) كـ (جَحْمَرِشٍ) 3 وهي: العجوز، وتابعه ابن عصفورٍ4؛ وغيرهما ممّن يستدلّون بأنّ القول بزيادة النّون والواو يؤدّي إلى وزنٍ مفقودٍ؛ وهو (نَفْوَعِل) . وكان ابن عصفورٍ يستدلّ على أصالة الواو في (نَخْوَرشٍ) بأنّ الواو تكون أصليّةً في بنات الخمسة5. وهو خلاف ما قرّره علماء العربيّة في الأصول، على نحو ما تقدّم6. بل إنّه خلاف ما قرّره ابن عصفورٍ نفسه عن الواو في موضعٍ آخرَ.   1 ينظر: الكتاب 4/302، والتّهذيب 3/366، وشرح الشّافية 2/340، واللّسان (خبعثن) 13/137. 2 ينظر: المقتضب 1/68، والمنتخب 2/692، والمنصف 1/31، والمحكم 5/15، والتّكملة للصّغانيّ (خرش) 3/471، وسفر السّعادة 1/486، وشرح الشّافية للرّضيّ 3/364. 3 ينظر: المقتضب1/68. 4 ينظر: الممتع1/94. 5 ينظر: الممتع1/94. 6 ينظر: ص (242) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 قال: "وإن كان معها ثلاثة أحرفٍ مقطوعٍ بأصالتها فصاعداً قضيت على الواو بالزّيادة؛ لأنّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الخمسة، ولا في بنات الأربعة، إلاّ في المضعّف نحو قَوْقَيْتُ وضَوْضَيْتُ، فإنّ الواو فيه أصلٌ"1. وهذا ما عليه العلماء في الأصول. ولعلّ ذلك وقع منه - رحمه الله - من قبيل السّهو؛ ألا تراه خالف في الحكم في نحو (نَخْوَرِشٍ) نفسه؛ إذ نصّ في موضعٍ آخر2 على أنّ الواو فيه زائدةٌ؟ وذهب كُراع إلى أنّه ثلاثيٌّ من (خ ر ش) مشتقّاً من الخرش3، وتابعه ابن سِيدَه4 والصَّغانيّ5 وغيرهما؛ وهو عندهم (نَفْوَعِل) وليس في الكلام غيره. والاشتقاق خير شاهدٍ لهم؛ فالخرش: الخدش في الجسد بالأظافر أو غيرهما. ويقال: اخْتَرَشَ الجرو: تحرَّك وخَدَشَ، وتَخَارَشَت الكلاب والسَّنانير؛ أي: تَخَادَشَت، ومن ذلك قول الرّاجز: إنَّ الجِرَاءَ تَخْتَرِشْ ... في بَطْنِ أمِّ الهَمَّرِشْ فيهنَّ جِرْؤٌ نَخْوَرِشْ6   1 الممتع 1/292. 2 ينظر: الممتع 1/279. 3 ينظر: المنتخب 2/692. 4 ينظر: المحكم 5/15. 5 ينظر: التّكملة 3/471. 6 ينظر: الصّحاح (خرش) 3/1003، واللّسان (خرش) 6/293، و (همرش) 6/26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 ويحتمل بين الأصلين؛ الأصل الرّباعيّ؛ وهو (ن خ ر ش) فيكون وزنه على هذا الأصل (فَعْوَلِلاً) . وما ذكر في ترجيح الأصل الثّلاثيّ على الخماسيّ يصلح لأن يقال هنا. ومن ذلك تداخل (ف ت ك) و (ف ت ك ر) و (ف ت ك ر ن) في قولهم: (الفُتَكْرِينُ) بتثليث الفاء، والإعراب على النّون، أو إلزامها الفتح - وهي: الدّواهي أو الدّاهية، أو الشّدائد، أو الأمر الشّديد العظيم؛ لأنّه يحتمل الجمع والإفراد: وهو يحتمل الأصول الثّلاثة المذكورة: فذهب ابن فارسٍ إلى أنّه ثلاثيٌّ من (ف ت ك) بزيادة الرّاء والنّون، واشتقاقه من (الفَتْك) ؛ لأنّ الدّواهي من طبيعتها الفتك بفريستها1. ووزنه - حينئذٍ (فُعَلْرِيْن) وهو بعيدٌ؛ لأنّ الرّاء ليست من حروف الزّيادة. ومذهب الجمهور2 أنّه رباعيٌّ من (ف ت ك ر) وكأّنه (فُتَكْرٌ) ثمّ جمع بالواو والنّون في الرّفع، والياء والنّون في النّصب والجرّ، ثمّ أُلْزِم الياء والنّون في جميع الحالات؛ ولم يسمع بالواو.   1 ينظر: المقاييس 4/514. 2 ينظر: الممتع 1/67، واللّسان (فتكر) 5/44، والقاموس (فتكر) 584. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وقد رواه ابن منظورٍ1 بفتح النّون، ورواه الفيروزاباديّ2 بضمّها؛ فمن جعل النّون للجمع فتحها، ومن تناسى الجمع عامله معاملة المفرد؛ فقال فيه: هذه فُتَكْرِينٌ، ورأيتُ فُتَكْرِيْناً، وفزعتُ من فُتَكْرِيْنٍ. ووزنه على هذا الأصل الرّباعيّ (فُعَلِّينُ) . ويجوز أن يكون خماسيّاً بأصالة النّون على لغة الإعراب، ووزنه (فُعَلِّيل) كـ (قُذَعْمِيل) وإلى هذا مال ابن منظورٍ؛ لكي لا يؤدِّي القول بزيادة النّون وضمّ الفاء إلى بناءٍ غير موجودٍ؛ وهو (فُعَلّ) فليس في الكلام؛ نحو: جُعْفَر3. والرّأي أنّه رباعيٌّ، والأصل فيه كسر الفاء على وزن (فِعَلّ) وهو بناءٌ موجودٌ كـ (فِطَحْلٍ) وسماع الضّمّ والفتح فيه كسماع الفتح في اللاّم الأولى في (جُؤْذَرٍ) ونحوه، على الرّغم من فقد (فُعْلَل) عند البصريّين؛ لأنّ الأصل الضّمّ، وكذلك في (فُتَكْرِين) فالأصل الكسر على وزن البناء الموجود، ولمّا تُنُوسِيَ الجمع وأُعْرِبَ، وكثُر الضّمّ على الفاء التبس بالخماسيّ (فُعَلِّيل) كـ (قُذَعْمِيل) وإن لم يكن منه. ومن ذلك تداخل (ح د ر) و (ح ن د ور) وبينهما (ح ن د ر) في (حِنْدَورَةٍ) وهي الحَدَقَة: فكان ابن عصفورٍ يرى أنّها خماسيّةٌ من باب (قِرْطَعْبٍ) على زنة   1 ينظر: اللّسان (فتكر) 5/44. 2 ينظر: القاموس (فتكر) 584. 3 ينظر: الممتع 1/67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 (فِعْلَلّ) . ونصَّ على أصالة الواو بقوله: (والواو أصلٌ في بنات الخمسة) 1. وما قيل في الرّدّ عليه في (نَخْوَرِشٍ) من قبل يصلح؛ لأن يقال هنا. وذهب الجوهريّ إلى أنّها من (ح د ر) 2 وضبطها بضم الحاء والدال: (حُنْدُرة) فيكون وزنها عنده (فُنْعُوْلَةً) . ويجوز أن تكون من الرّباعيّ (ح ن د ر) وإلى هذا مال ابن منظورٍ3. ولا شكّ في زيادة الواو؛ لأنّها صحبت ثلاثة أصولٍ؛ وليست في أوّل الكلمة، ولقولهم في معناها: (حُنْدُر) بذهاب الواو. أمّا النّون فالرّاجح أنّها زائدةٌ؛ لقولهم: ناقةٌ حادرة العينين؛ إذا امتلأتا، سمِّيَت حَدْراء لذلك، والحدرة قُرْحةٌ تخرج بباطن جفن العين4. وبهذا يرجح الأصل الثُّلاثيّ على الخماسيّ والرّباعيّ. ومنه تداخل الأصلين (ج ن ق) و (م ج ن ق) وبينهما الأصل الرّباعيّ (م ج ن ق) في (المَنْجَنِيقِ) وهي: القذّاف الّتي يرمى بها الحجارة. قال الشّاعر: لَقَدْ تَرَكَتْنِي مَنْجَنِيقُ ابْنِ بَحْدَلٍ ... أَحِيْدُ عَنِ العُصْفُورِ حِينَ يَطِيرُ5   1ينظر: الممتع1/100، وفي هامشه أنها (الخمسة) وهو الصواب، وفي المتن (الأربعة) وهوسهو. 2 ينظر: الصّحاح (حدر) 2/625. 3 ينظر: اللّسان (حذر) 4/217. 4 ينظر: المقاييس 2/32. 5 ينظر: الصّحاح (أول فصل الجيم من باب القاف) 4/1455، واللّسان (مجنق) 10/338. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 وفي أصلها خلافٌ1: فذهب ابن دريدٍ2 وغيره3 إلى أنّها من (ج ن ق) وتقديرها (مَنْفَعِيل) واستدلّوا بقولهم: (جَنَقْنَاهم بالمَنْجَنيق) وبقول أعرابيٍّ: (كانت بيننا حروب عونٌ تفقأ فيها العيون، مرّةً نُجْنَق، وأخرى نُرشَق) 4 أي: تارةً نرمى بالمنجنيق، وتارةً نرشق بالسِّهام. قال ابن دريدٍ: (فقوله: نُجْنَقُ دالٌّ على أنّ الميم زائدةٌ؛ ولو كانت أصليَّةً لقال: نُمَجْنَق) 5. وتحتمل الأصل الخماسيّ؛ إن صحّ أنّها كلمةٌ أعجميَّةٌ معرَّبةٌ6؛ لأنّم وجدوا فيها الجيم والقاف، ولا يجتمعان في كلمةٍ عربيّةٍ، وذكروا أنّ الأصل: (مَنْ جهْ نِيك) وتفسيره: ماأجودني، أو (مَنْجَكْ نِيكْ) 7. ويرى بعض الباحثين أنّ الصّواب أنّها يونانيّةٌ؛ وأصلها (صورة 14:منكنيكون) ومنها: (صورة15: منكينقا)   1 ينظر: الكتاب 4/309، والأصول 3/237، والمنصف 1/146، والمقتصد في شرح التّكملة 2/816، وشرح الملوكيّ 154، والإيضاح في شرح المفصّل 2/383. 2 ينظر: الجمهرة 1/490. 3 ينظر: اللّسان (جنق) 10/37، و (مجنق) 1/338. 4 الجمهرة 1/490، وينظر: المنصف 1/147، وسفر السّعادة 1/479، وشرح الشّافية للرّضيّ 2350. 5 الجمهرة 1/490. 6 ينظر: المعرب 571، ورسالتان في المعرّب 104، وشفاء الغليل 184، والطّراز المذهّب 109ب. 7 ينظر: رسالتان في المعرّب 104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 بالسّريانيّة1. وإن صحّ أنّها معرَّبةٌ فهي خماسيَّةٌ؛ وليس في قولهم: جَنَقُونَا، أو نُجْنَقُ، ونحوه دليلٌ؛ لأّنهم (إذا اشتقّوا من الأعجميّ خَلَّطوا فيه؛ لأنّه ليس من كلامهم فاجترؤوا عليه فغيّروه) 2. فيكون وزنها على هذا (فَعْلَلِيلاً) بمنزلة (دَرْدَبِيسٍ) . وكان سيبويه3 ومن تابعه4 يرون أنّها رباعيّةٌ من (م ج ن ق) ووزنها (فَنْعَلِيل) بمنزلة (عَنْتَرِيسٍ) . واستدلّوا على أصالة الميم وزيادة النّون ببقاء الأولى وسقوط الثّانية في الجمع؛ إذ قالوا: مَجَانِيق؛ فجرت النّون مجرى الياء في (عَيْضَمُوزٍ) وهي:العجوز الكبيرة، وجمعها: عَضَاميزُ. ولأنّه (إن جعلت النّون فيه من نفس الحرف فالزّيادة لا تلحق بنات الأربعة أوّلاً؛ إلاّ الأسماء من أفعالها نحو: مُدَحْرِجٍ، وإن كانت النّون زائدةً فلا تزاد الميم معها؛ لأنّه لا يلتقي في الأسماء، ولا في الصّفات الّتي ليست على الأفعال المزيدة في أوّلها حرفان زائدان متواليان، ولو لم يكن في هذا إلاّ أنّ الهمزة الّتي هي نظيرتها لم تقع بعدها الزّيادة لكانت حجّةً) 5.   1 ينظر: المعرّب 572. 2 المنصف 1/147، وينظر: شرح الشّافية 2/350. 3 ينظر: الكتاب 4/309. 4 ينظر: الأصول 3/50، 237، والمنصف 1/146، والاستدراك 168، وشرح الملوكيّ 15، والممتع 154، 253. 5 الكتاب 4/309. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 وإن ثبت أنّها أعجميّةٌ فليس فيما استدلّوا به على زيادة النّون دليلٌ؛ لما تقدّم، وإن كانت عربيّةً فلكلٍّ من الثّلاثيّ والرُّباعيّ دليله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 الفصل الثالث: التداخل بين الرباعي والخماسي تمهيد الفصل الثالث ... الفصل الثّالث: التّداخل بين الرُّباعيّ والخُماسيِّ لا يكثر التّداخل - أيضاً - بين الرّباعيّ والخماسيّ كثرته بين الثّلاثيّ والرّباعيّ؛ وهو في القلّة كتداخل الثّلاثيّ والخماسيّ. ومردّ ذلك قلّة الأصلين؛ ولا سيّما الخماسيّ. ولعلّ أوّل من فطن إلى ذلك، ونبه عليه ابن جنّيّ؛ حين قال: "وأمّا تزاحم الرّباعيّ مع الخماسيّ فقليلٌ؛ وسبب ذلك قلّة الأصلين جميعاً؛ فلمّا قلاَّ قلّ ما يعرض من هذا الضّرب فيهما"1. وينتظم التّداخل بين الرّباعيّ والخماسيّ في هذا الفصل مجموعتان؛ هما: الأولى: ما ثانيه نونٌ. الثّانية: ما ليس ثانيه نونٌ.   1 الخصائص 2/55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 المبحث الأوّل: ما ثانيه نونٌ إنّ النّون الثّانية - كما تقدّم - لا تزاد في الرّباعيّ إلاّ بثبتٍ، كما لا تزاد في الخماسيّ بغير ذلك؛ على عكس حالها متوسّطةً بين أربعة أحرفٍ. بيد أنّ زيادتها ليست نادرةً؛ فقد وقع التّداخل بها في الخماسي فمن العلماء من يراها أصلاً؛ فيجعل الكلمة خماسيّةً، ومنهم من يراها زائدةً؛ فتكون الكلمة عنده رباعيّةً. وفيما يلي بيان هذا من خلال الأمثلة: يتداخل الأصلان الرّباعيّ والخماسيّ في (الهُنْدَلِع) وهي: بقلةٌ غريبةٌ، قيل: لا تنبت كلّ سنة، وهي تحتمل الأصلين: فذهب الجمهور1 إلى أنّها رباعيّةٌ من (هـ د ل ع) بزيادة النّون، ووزنها عندهم (فُنْعَلِل) لأنّه لا أصل يقابل النّون فتحمل عليه؛ فهي كنون (كُنْتَأل) وهو: القصير، و (كَنَهْبُل) وهو: ضربٌ من الشّجر؛ وهما زائدتان2. وذَهَبَ ابن السّرّاج3 إلى أنّها خماسيّةٌ من (هـ ن د ل ع) على   1 ينظر: الخصائص 3/203، وشرح الكافية الشّافية 4/2025، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/49. 2 ينظر: الخصائص 3/203. 3 ينظر: الأصول 3/325، وشرح الكافية الشّافية 4/2025، وشرح المراديّ= =5/231. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 بناء (فُعْلَلِل) وأنّه ممّا فات سيبويه من الأبنية.وما ذهب إليه ضعيفٌ للأوجه التّالية: الأوّل: أنّه يلزم على تقدير أصالة النّون عدم النّظير. الثّاني: أنّه حكي (الهِنْدَلِع) بكسر الهاء؛ كما روي عن كُرَاعٍ1؛ فيلزم على القول بأصالة النّون إضافة بناءٍ سادسٍ، وهو (فِعْلَلِل) فيفوت تفضيل الرّباعيّ على الخماسيّ؛ وهو المطلوب2؛ لأنّه -حينئذٍ - أقلّ منه في عدد الأبنية الأصول؛ وهو مخالفٌ لطبيعة الأصول في العربيّة؛ لأنّ الأقلّ في عدد حروفِهِ الأصولِ هو الأكثر في عدد الأبينة؛ لخفّته وكثرة استعماله؛ ألا ترى أنّ أبنية الثّلاثيّ أكثر من أبنية الرّباعيّ؛ فوجب أن تكون أبنية الرّباعيّ أكثر من أبنية الخماسيّ. الثّالث: أنّه يلزم على قول ابن السّرّاج أصالة نون (كُنْتَأْلٍ) و (كَنَهْبُلٍ) ونحوهما ممّا لم تثبت أصالة النّون فيه3؛ وذلك خرقٌ لا يرقع؛ فتكثر الأصول4. الرّابع: أنّ الحرف إذا تردّد بين الأصالة والزّيادة فحمله على الزّيادة   1 ينظر: شرح المراديّ 5/232. 2 ينظر: شرح المراديّ 2/232. 3 ينظر: الخصائص 3/203، وشرح الكافية الشّافية 4/2025، وشرح المراديّ 5/232. 4 ينظر: الخصائص 1/49. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 أولى؛ لكثرة ذي الزّيادة، وقلّة أبنية الأصول1. ومن أمثلة التّداخل في هذا الباب: تداخل الأصلين في (القَنْفَرِشٍ) وهي: العجوز الكبيرة في قول الرّاجز: قَدْ زَوَّجُونِي بعَجُوزٍ قَنْفَرِشٍ2 وهي تحتمل الأصلين: فذهب ابن دريدٍ إلى أنّها من الرّباعيّ (ق ف ر ش) بزيادة النّون؛ على زنة (فَنْعَلِل) 3. وذهب الجوهريّ إلى أنّها من الخماسيّ وأصلها (ق ن ف ر ش) 4 بأصالة النّون على زنة (فَعْلَلِل) وهو الرّاجح؛ لأنّ النّون لا تزاد في هذا الموضع إلاّ بثَبَتٍ؛ وليس ثَمَّةَ ما يدلّ على زيادتها، والبناء على أصالتها موجودٌ؛ وهو (فَعْلَلِل) كـ (جَحْمَرِشٍ) . ويتداخل الأصلان الرّباعيّ والخماسيّ في (خَنْدَرِيسٍ) وهو: التّمر القديم، أو الحِنطة، وقيل: الخمر، وهو يحتمل الأصلين: فمذهب الجوهريّ5 وغيره6 أنّه رباعيٌّ من (خ د ر س) بزيادة   1 ينظر: الخصائص 1/49. 2 ينظر: الجمهرة 2/1134، 3/1228. 3 ينظر: الجمهرة 3/1228. 4 ينظر: الصّحاح (قنفرش) 3/1017. 5 ينظر: الصّحاح (خورس) 3/923. 6 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 1/50، والارتشاف1/53. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 النّون ووزنه حينئذٍ (فَنْعَلِيل) . ومذهب الجمهور1 وعلى رأسهم سيبويه2 أنّه خماسيّ من (خ ن د ر س) على وزن (فَعْلَلِيل) بأصالة النّون؛ وهو الرّاجح لوجود البناء؛ كـ (سَلْسَبيلٍ) و (عَلْطَبِيسٍ) وهو الأملي البرّاق؛ ولأنه لا يوجد دليلٌ على زيادة النّون. ومن ذلك تداخل الأصلين في (حِنْزَقْرٍ) وهو: القصير الدّميم من النّاس، ويحتمل الأصلين: فيرى الجمهور3 أنّه خماسيّ على وزن (فِعْلَلّ) كـ (قِرْطَعْبٍ) و (جِرْدَحْلٍ) . وذهب ابن دريدٍ إلى أنّه رباعيٌّ على زنة (فِنْعَلّ) 4 بزيادة النّون. ومذهب الجمهور أرجح؛ لأنّهم لم يجدوا دليلاً على زيادة النّون؛ الّتي لا تزاد في هذا الموضع إلاّ بثَبَتٍ؛ كما ذكرنا. ويتداخل الأصلان الرّباعيّ ولخماسيّ في (القِنْصَعْرِ) وهو: الرّجل القصير العنق، والظّهر المُكَتَّل؛ وهو يحتملهما:   1 ينظر: الكتاب 4/302. 2 ينظر: الأصول 3/222، ومختصر شرح أمثلة سيبويه 92، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/50، والممتع 1/163. 3 ينظر: الكتاب 4/323، والمنصف 1/30، شرح الملوكيّ 168، 169، والصّحاح (حنزرق) 2/638. 4 ينظر: الجمهرة 3/1238. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 فذهب ابن دريدٍ إلى أنّه رباعيٌّ على زنة (فِنْعَلّ) 1 وتردّد فيه الأزهريّ2. وكان ابن منظورٍ يميل إلى أنّه خماسيٌّ فذكره فيه3؛ ووزنه - حينئذٍ (فِعْلَلّ) وهو الرّاجح على قاعدة النّون ثانيةً. ومن ذلك تداخل الأصلين الرّباعيّ والخماسيّ في (هَمَّرِشٍ) وهي: العجوز المضطربة الخلق، وقد اختلفوا فيه4: فذهب سيبويه في أحد قوليه إلى أنّه رباعيٌّ من (هـ م ر ش) على وزن (فَعَّلِل) ونصّ كلامه: (ويكون على مثال (فَعَّلِل) وهو قليلٌ. قالوا: الهَمَّرِش) 5. وإلى هذا ذهب كُرَاعٌ فيما حكاه ابن سِيدَه6، وذكر أنّه لا نظيرله البتَّة ونقله ابن السّرّاج7، وكان ابن عصفورٍ يراه، ويحتجّ له بقوله: "فأمّا هَمَّرِش، فينبغي أن يحمَل على أنّ إدغامه من قبيل إدغام المثلين؛ ويكون   1 ينظر: الجمهرة 3/1228. 2 ينظر: التّهذيب 3/279. 3 ينظر: اللّسان (قنصعر) 5/118. 4 ينظر: الكتاب 4/298، 330، والأصول 3/221، 345، والخصائص 2/60، والمقتصد في شرح التّكملة 3/1145، وشرح الشّافية للرّضيّ 2/270، 364، والممتع 1/296. 5 الكتاب 4/298. 6 ينظر: المحكم 4/343. 7 ينظر: الأصول 3/221. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وزن الكلمة (فَعَّلِلاً) فتكون ملحقةً بجَحْمَرِشٍ؛ لما ذكرنا من أنّ الأصل في كلّ إدغام يكون في كلمة واحدةٍ - أن يحمَل على أنّه من قبيل إدغام المثلين، إلاّ أن يمنع ذلك مانعٌ؛ فإذا صغّرت هَمَّرِشاً على هذا القول، أو كسّرته، قلت: هُمَيْرِشٌ وهَمَارِشُ؛ فتحذف إحدى الميمين؛ لأنّها زائدةٌ"1. وذهب سيبويه في قوله الآخر إلى أنّه رباعيٌّ - أيضاً - ولكن على زنة (فَنْعَلِل) فقد كان يقول: "وأمّا الهَمَّرِش فإنّما هي بمنزلة القَهْبَلِس2، فالأولى نونٌ - يعني: إحدى الميمين - نونٌ ملحقةٌ بقَهْبَلِسٍ؛ لأنّك لا تجد في بنات الأربعة على مثال فَعَّلِل"3. وهذا خلاف ما تقدّم، من أنّه كان يراه على وزن (فَعَّلِل) ولعلّه نسي ما قاله ثَمَّ أو غيّر رأيه فيه، أو كان يرى الوجهين معاً. وقد أدرك ابن سِيدَه ما وقع لسيبويه؛ فقال: (جعلها سيبويه مرّةً (فَنْعَلِلاً) ومرّةً (فَعَّلِلاً)) 4. على أنّه ينبغي أن ندرك أنّ الأصل لا يختلف في قولَيْ سيبويه فهو رباعيٌّ على القولين من (هـ م ر ش) والفرق بين الوزنين في الحرف   1 الممتع 1/296. 2 القهبلس: الضّخمة من النّساء، ينظر: اللّسان (قهبلس) 6/185. 3 الكتاب 4/330. 4 المحكم 4/343، وفيما نقله ابن منظور من نص ابن سيده في هذا الموضع تحريف؛ إذ جعل الوزن الثاني (فَعْلَلِلاً) ولعلّه من خلل الطّباعة، ينظر: اللّسان (همرش) 6/365. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 الزّائد؛ فهو ميمٌ على وزن (فَعَّلِل) ونونٌ على وزن (فَنْعَلِل) ولكنّها قلبت ميماً من أجل الإدغام. وينبغي أن لا يُقطع - أيضاً - في نسبة تباين الرّأي في هذه الكلمة إلى سيبويه، فليس بعيداً أن يكون من زيادات بعض العلماء في نسخ الكتاب، أو من وهم النسّاخ؛ فإنّ هذه الكلمة كانت ساقطةً من نسخة ابن السّرّاج من الكتاب المنسوخة عن نسخة أبي العبّاس المبرّد؛ ولم تكن مثبتةً - أيضاً - في نسخة ثعلب1. ومهما يكن من أمرٍ؛ فلم يكن أبو عليٍّ الفارسيّ - فيما نقله ابن سِيدَه2- راضياً عن الوزن الثّاني؛ الّذي جاء في (الكتاب) وهو (فَنْعَلِل) لأنّه لو كان الأمر كذلك لظهرت النّون؛ فإنّ إدغام النّون السّاكنة في الميم من كلمةٍ واحدةٍ؛ لا يجوز. وكان يستدل بأنهم لم يدغموا النُّون في قولهم: (شَاةٌ زَنْماء) كراهة أن تلتبس بالمضاعف. على أن ما ذهب إليه أبوعلي لا يؤخذ على إطلاقه؛ ألا تراهم أجازوا إدغام أحد المتقاربين في الآخر، في كلمة واحدة؛ إذا لم يكن ملبساً؟ وذلك في أبنيةٍ محصورةٍ؛ نحو (انفَعَلَ) و (افْتَعَل) و (تَفَعَّلَ) و (تَفَاعَلَ) نحو (امَّحَى) و (اسَّمَعَ) و (ازَّمَّلَ) و (ادَّارَكَ) وكذلك (فَنْعَلِل) فلعلّ منه (هَمَّرِش) . وذهب الأخفش إلى أنّه خماسيٌّ من (هـ ن م ر ش) بأصالة النّون   1 ينظر: الأصول 3/221. 2 ينظر: المحكم 4/343. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 وزنه (فَعْلَلِل) كـ (جَحْمَرِش) 1، وقد قلبت النّون ميماً وأدغمت لعدم اللّبس؛ لأنّه لا وجود لبناء (فَعَّلِل) سوى (هَمَّرِش) . أمّا (هُمَّقِع) وهو: الأحمق فهو رباعيٌّ، وإحدى الميمين زائدةٌ؛ وهو على بناء (فُعَّلِل) لوجوده، نحو (شُمَّخِرٍ) وهو: الرّجل الجسيم المكتبّر، و (دُبَّخِسٍ) وهو الضّخم. واحتجّ الأخفش - أيضاً - بأنّ (هذه البنية - أعني: (فَعْلَلِلاً) - لم توجد في موضعٍ من المواضع، قد لحقتها زوائد للإلحاق؛ فيعلم بذلك أنّ هَمَّرِشاً في الأصل: هَنْمَرِشٌ؛ إذ لو لم يحمل على ذلك، وجعل من إدغام المثلين لكان أحد المثلين زائداً؛ فيكون ذلك كسراً لما ثبت في هذه البِنية واستقرّ، من أنّها لا تلحقها الزّوائد للإلحاق) 2. على أنّه يرد عليه أنّهم ألحقوا بها مثالاً واحداً على رأي بعضهم؛ وهو: نَخْوَرِشٌ3. وكان ابن جنّي يقول بمذهب الأخفش؛ فيرى أنّ الكلمة خماسيّةٌ: قلبت نونها وأدغمت؛ لمّا أُمن اللّبس؛ لعدم وجود (فَعَّلِل) 4. وينبغي على هذا الخلاف بينهم في أصل (هَمَّرِشٍ) أن يختلف التّصغير والتّكسير؛ فيقال: هُمَيْرِشٌ وهَمَارِشُ على رأي من رآه   1 ينظر: الأصول 3/345، والممتع 1/345، 346. 2 الممتع 1/297. 3 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 2/364، والممتع 1/297. 4 ينظر: الخصائص 2/60. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 رباعيًّا1 ويقال: هُنَيْمِرٌ وهَنَامِرُ على رأي من كان يعدّه خماسيّاً2. ومن التّداخل بين الرّباعيّ والخماسيّ، ممّا ثانيه نونٌ، تداخل الأصلين في قولهم: (عجوزٌ شَنَهْبَرَةٌ) و (شَهْبَرَةٌ) بمعناه، وقد جاء في الحديث: "لا تتزَوَّجَنَّ شَهْبَرَةً ولا نَهْبَرَةً" 3 وهو يحتمل الأصلين: فذهب ابن عصفورٍ إلى أنّه خماسيٌّ، وليس من (شَهْبَرَةٍ) فهما أصلان من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ؛ لأنّه لا يجوز - عنده - أن يكون (شَنَهْبَرةٌ) رباعيّاً على وزن (فَنَعْلَلَة) لأنّ ذلك بناءٌ غير موجودٍ؛ فيكون موافقاً لمعنى (شَهْبَرةٍ) وليس منه. وبالقياس على ما ذكرتُهُ من قاعدة سَبِطٍ وسِبَطْرٍ فإنّهما من أصلٍ واحدٍ، لا أصلين، وهو (ش هـ ب ر) فيكون وزن شَنَهْبَرَةٍ (فَنَعْلَلَة) لدلالة الاشتقاق؛ ولأنّ النّون من حروف الزّيادة. وفقد البناء فيما احتجّ به ابن عصفورٍ دلالةٌ قويّةٌ، إلاّ أنّ الاشتقاق مع كون النّون من حروف الزّيادة - أقوى؛ فيكون من نوادر الأبنية. ونحو ذلك (خَضْرَفٌ) و (خَنْضَرِفٌ) وهما بمعنى: المرأة الضّخمة اللّحيمة الكبيرة الثّديين، وقيل: المسترخية اللّحم، فقد ذهب ابن عصفورٍ إلى أنّهما أصلان مختلفان، على الرّغم من تقاربهما في اللّفظ واتّفاقهما في   1 ينظر: الممتع 1/296. 2 ينظر: الخصائص 2/60. 3 ينظر: كنز العمّال 16/302، وغريب الحديث للخطّابي 3/216، والمجموع المغيث 2/23، والنّهاية 2/512، والنّهبرة: القصيرة الدّميمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 المعنى؛ لأنّ القول بزيادة النّون يؤدّي إلى بناء (فَنْعَلِل) وهو غير موجودٍ؛ كما ذكر؛ فيحملان على باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ1. وأرى أنّهما من أصلٍ واحدٍ؛ وهو الرّباعيّ (خ ض ر ف) للعلّة السّابقة. أمّا قولهم (خِنْثَبَةٌ) و (خِنْثَعْبَةٌ) وهما بمعنى: النّاقة الغريزة اللّبن، فليس أحدهما من الآخر؛ بل هما من بابٍ: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ؛ لأنّ العين ليست من حروف الزّيادة. ويجوز في (خِنْثَعْبَةٍ) أن يكون رباعيّاً أو خماسيّاً؛ فمن رواه بضمّ الخاء جعله رباعياًّ؛ كما فعل سيبويه؛ فهو عنده بمنزلة (كَنَهْبُل) في زيادة النُّون؛ لأنّه ليس في الكلام على مثال (جُرْدَحْلٍ) وإنّما جاء بزيادة النّون2. ومن رواه بالكسر جعله خماسيّاً، بأصالة النّون كـ (قِرْطَعْبٍ) ومن هؤلاء الفاربيّ3، ونصّ على أنّ وزنها (فِعْلَلَّة) . والقول بزيادتها هو الرّاجح؛ لدلالة الضّمّ؛ إذ ليس في الكلام (فُعْلَلّ) وبهذا استدلّ أبو عليٍّ الفارسيّ4.   1 ينظر: الممتع 1/146، 147. 2 ينظر: الكتاب 4/325. 3 ينظر: ديوان الأدب 2/96. 4 ينظر: التّكملة 240. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 ومن تداخل الأصلين ممّا ثانيه نونٌ ما وقع في (العَنْدَلِيب) 1 وهو: طائرٌ أصغر من العصفور، يصوّت ألواناً، يقال: إنّه البُلْبُل، وهو يحتمل الأصلين: فذهب سيبويه إلى أنّه خماسيٌّ على زنة (فُعْلَلِيل) كـ (خَنْدَرِيسٍ) 2 وعلى ذلك - أيضاً - ابنُ السَّرَّاج3، وابن سِيدَه4، والزَّمخشريّ5. وذهب الأزهريّ إلى أنّه رباعيٌّ، من (ع ن د ل) ثُمَّ مُدَّ بياءٍ، وكُسِعَ بلامٍ مكرّرةٍ، فقالوا: (عَنْدَلِيلٌ) فقلبت اللاّم باءً6. وكان الأزهريّ يستدلّ لمذهبه بظهور اللاّم على أصلها في قول الشّاعر: والعَنْدَلِيلُ إذا زَقَا فِي جَنَّةٍ ... خَيْرٌ وأَحْسَنُ مِنْ زُقَاءِ الدُّخَّل7 ولكلٍّ من الرّايين ما يؤيّده، والرّاجح أنّه خماسيٌّ؛ فليس في مادّة (عندل) ما يدلّ على معناه، أمّا قولهم: يُعَنْدِلُ البلبل، أي: يصوّت، وعَنْدَلَ الهُدْهُدُ، فليس فيه دليلٌ قاطعٌ؛ أنّه يحتمل أن يكون مشتقّاً من   1 ليس التّداخل في هذه الكلمة بسبب النّون الثّانية، وإنما ذكر –هنا- لدخوله تحت عنوان المبحث. 2 ينظر: الكتاب 4/303. 3 ينظر: الأصول 3/222. 4 ينظر: المحكم 2/230. 5 ينظر: أساس البلاغة (عندلب) 314. 6 ينظر: التّهذيب 3/352. 7 ينظر: التّهذيب 3/352، واللّسان (عندل) 11/480. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 (العَنْدَلِيب) أو (العَنْدَلِيلِ) على حدٍّ سواءٍ؛ لأنّ الخامس محذوفٌ في قولهم: (يُعَنْدِلُ) و (عَنْدَلَ) على طريقتهم؛ إذا اضطرّوا إلى نحو ذلك من سَفَرْجَلٍ: سَفْرَجَ. وقولهم: إنّ الباء في (العَنْدَلِيب) مبدلَةٌ من اللاّم ليس عليه دليلٌ قاطعٌ، ولو كان بينهما تبادلٌ لكان الأولى أن تكون الباء هي الأصل؛ واللاّم هي البدل؛ لمشاركة اللاّم الأولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 المبحث الثّاني: ما ليس ثانيه نوناً إنّ التّداخل في هذا النّوع أقلّ من التّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعيّ للعلّة السّابقة - أيضاً - ومنه تداخل الأصلين الرّباعيّ والخماسيّ في (السّلْسَبِيل) وهو: الماء أو الشّراب اللّذيذ اللّيّن الّذي لا خشونة فيه. قال عزّ وجلّ: {عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} 1 فكأنّ العينَ سمِّيت بالصّفة منه، وقد جاء مصروفاً؛ لأنّه رأس آيةٍ2، وفي أصله خلافٌ بين أهل اللّغة. فمذهب الجمهور3 - وعلى رأسهم سيبويه -4 أنّه خماسيٌّ من (س ل س ب ل) على زنة (فَعْلَلِيل) كـ (دَرْدَبِيسٍ) . وذهب بعضهم إلى أنّه رباعيٌّ من (س ل ب ل) على وزن   1 سورة الإنسان: الآية 18. 2 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 5/261. 3 ينظر: التّبيان 2/2260، والجامع لأحكام القرآن 19/142، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/62. 4 ينظر: الكتاب 4/303. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 (فَعْفَلِيل) بتكرير السّين، وهي فاء الكلمة، كـ (دَرْدَبيسٍ) على رأي من جعل الدّال الثّانية مكرَّرةً1، وهذا بعيدٌ؛ إذ لا دليل على تكرير الفاء؛ كما تقرّر عند جمهور اللّغويّين، وقد بُسِط القول في مثله في الباب الأوّل. وذهب الزَّمخشريّ إلى أنّه رباعيٌّ - أيضاً - ولكن من (س ل س ل) بزيادة الباء2، ووزنه - حينئذٍ (فَعْلَبِيل) وهو بعيدٌ؛ لأنّ الباء ليست من حروف الزّيادة. ويحتمل رأيه شيئاً آخر، نبّه عليه أبو حيّان؛ وهو أنّه أراد أنّ الباء زائدةٌ على بناء (سَلْسَل) و (سَلْسَالٍ) فصارت خماسيّةً من باب الأصلين المتقاربين؛ كما في: سَبِط وسِبَطْرٍ3؛ فإن كان الأمر ذاك فمذهبه كمذهب الجمهور في أنّها خماسيّةٌ، على وزن (فَعْلَلِيل) . وذهب بعضهم إلى أنّ الكلمة ليست خماسيّةً ولا رباعيّةً؛ بل هي ثلاثيّةٌ إمّا من (س ل س) أو من (س ل ل) أو مركبَّةٌ من (سَأَلَ) و (سَبِيل) . وكان السّمين الحلبيّ يرى أنّها من (س ل س) 4؛ لأنّه وجدها   1 ينظر: شرح الشّافية 1/62، والبحر المحيط 8/39، والارتشاف 1/54، والمزهر 2/16. 2 ينظر: الكشّاف 4/672. 3 ينظر: البحر المحيط 8/398. 4 ينظر: عمدة الحفّاظ 246. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 بمعناه؛ لقولهم: شرابٌ سَلِسٌ؛ أي: سهلٌ، ليّن الانحدار؛ فيكون وزنها - حينئذٍ (فَعْلَبيلاً) بزيادة الباء واللاّم الأخيرة؛ وهو بعيدٌ؛ لزيادة ما ليس من حروف الزّيادة، وهي الباء. وجعله الرّاغب من (س ل ل) 1 فيكون وزنها - حينئذٍ (فَعْفَبِيلاً) وهو بعيدٌ من وجهين: الأوّل: زيادة ما ليس من حروف الزّيادة؛ وهو الباء. الثّاني: تكرير ما لم يقم الدّليل على تكريره؛ وهو فاء الكلمة. وقيل: إنّها مركّبةٌ من (سَأَلَ) و (سَبِيل) على طريق التّركيب الإسناديّ في الأعلام كـ (تأََبَّطَ شَرّاً) و (شَابَ قَرْنَاها) فأصلها على هذا الرّأي: (سَلْ سَبيلاً) 2 وسمِّيت الجنّة بذلك؛ لأنّه لا يشرب منها إلاّ من سأل إليها سبيلاً، بالعمل الصّالح. وقد عزي هذا الرّأي إلى عليّ بن أبي طالبٍ3 - رضي الله عنه - وفي عزوه إليه - رضي الله عنه - بعدٌ، كما أشار إليه بعض العلماء4. وليس لهذا الرّأي - من حيث الصّناعة - دليلٌ قاطعٌ؛ وهو غير مقبولٍ عند حُذّاق العربيّة، ومنهم الزَّمخشريّ الّذي كان يراه تكلّفاً   1 ينظر: المفردات 418. 2 ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة 4، والكشّاف 4/672، والبحر المحيط 8/398، وعمدة الحفّاظ 246، والمدخل لعلم كتاب الله 106. 3 ينظر: الكشّاف 4/672، والبحر المحيط 8/398. 4 ينظر: البحر المحيط 8/398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 وابتداعاً1، وكذا الكِرمانيّ2. ومن أمثلة التّداخل في هذا النّوع: تداخل (ع ق ر ط) ، و (ع ق ر ط ل) في (العِقِرْطَل) : أنثى الفيل، واللّفظ يحتمل الأصلين: فذهب الفارسيّ3 وابن مالكٍ4 إلى أنّه رباعيٌّ، واللاّم زائدةٌ. وإنّما حداهما على ذلك أنّهما روياه بكسر العين والقاف؛ فلم يجدا (فِعِلَّل) فحملاه على (فِعِلَّل) بزيادة اللاّم، وليس بأصالتها. وذهب ابن سِيدَه5 وابن منظورٍ6 والفيروزاباديّ7 إلى أنّه خماسيٌّ، على زنة (فَعَلَّل) لأنّهم رووه بفتح العين والقاف، فحملوه على (سَفَرْجَل) فإن كان الأصل الفتح فهو خماسيٌّ، وإن كان الكسر فهو رباعيٌّ. ومن ذلك ما تقارب فيه الأصلان الرّباعيّ والخماسيّ كـ (ضَبَغْطَى) و (ضَبَغْطَرَى) وهما كلمتان يُفزّع بهما الصّبيان، أو فزَّاعة الزّرع الّتي تنصّب للطّير؛ وهما أصلان مختلفان - كما نصّ ابن جنّي8 ـ أوّلهما   1 ينظر: الكشّاف 4/672. 2 ينظر: غرائب التّفسير 2/1289. 3 ينظر: المساعد 4/57. 4 ينظر: التّسهيل 296، وشفاء العليل في إيضاح التّسهيل 3/1073. 5 ينظر: المحكم 2/329. 6 ين اللّسان (عقرطل) 11/466. 7 ينظر: القاموس (عقرطل) 1337. 8 ينظر: الخصائص 2/55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 رباعيٌّ، وثانيهما خماسيٌّ، وإن تقاربت حروفهما، واتّحد معناهما؛ فليس أحدهما من الآخر؛ لأنّ الرّاء ليست من حروف الزّيادة. وقد ذكرهما ابن منظورٍ في الأصلين1 على الصّواب. ونحو ذلك تداخل الأصلين (د ر د ب) و (د ر د ب س) في (دَرْدَبَ) و (دَرْدَبِيس) في قول الشّاعر: أُمُّ عِيَالٍ فَخْمَةٌ تَعُوس قَدْ ... دَرْدَبَتْ والشَّيْخُ دَرْدَبِيسُ2 وهما بمعنى: الشّيخ الكبير الهمّ والعجوز - أيضاً -. ويحتملان ثلاثة أوجهٍ: الأوّل: أن يكون الرّباعيّ (دَرْدبَ) هو الأصل؛ فتكون السّين في (دَرْدَبِيس) زائدةً، كزيادتها في (خَلْبَسَ) من (خَلَبَ) . والثّاني: أن يكون أصلين متقاربين؛ وليس أحدهما من الآخر؛ وإلى هذا مال ابن جنّيّ3. والثّالث: أن يكون (دَرْدَبيسٌ) هو الأصل، و (دَرْدبَ) فعلٌ مشتقٌّ منه؛ فاضطرّ علىحذف خامسه؛ أنّ الفعل لا يكون على خمسة أصولٍ. وليس هذا الوجه ببعيدٍ عند ابن جنّي؛ الّذي قال: (ولا أدفع أن يكون استكره نفسه على أن بنى من دردبيس فعلاً فحذف خامسه، كما   1 ينظر: اللّسان (ضبغطر) 4/481، و (ضبغط) 7/341. 2 ينظر: التّهذيب 13/152، واللسان (دردبيس) 6/81، والتّاج 4/148. 3 ينظر: الخصائص 2/55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 أنّه لو بنى من سَفَرْجَلٍ فعلاً عن ضرورةٍ لقال: سَفْرَجَ) 1. وهذا الّذي ذهب إليه ابن جنّي قويٌّ؛ وهو أرجح الأوجه الثّلاثة، ويتلوه الأوّل، ثمّ الثّاني؛ وهو أبعدها؛ لما تقدّم في قاعدة: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ.   1 الخصائص 2/55. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 الباب الرابع: أسباب التداخل وأثره في بناء معاجم القافية الفصل الأول: أسباب التداخل ... الفصل الأوّل: أسباب التّداخل ثَمَّةَ أسبابٌ تؤدّي - في النّهاية - إلى تداخل الأصول في معاجم القافية، ومن أبرزها: أ- اتّحاد المعنى (تقارب الأصلين والمعنى واحدٌ) . ب- القلب المكانيّ. ج- الإبدال. د- الهمز والتّخفيف. هـ- التّعريب. والحذف والتعويض. ز-الإلحاق. ح-النّحت. ط-الضّرورة الشِّعريّة. ي-تصريف الحروف وما أشبهها. ك-الإدغام. ل-الجمع. م-توهّم أصالة الحرف. ن-اختلاف الحركات. س-التّصحيف والتّحريف. ع-متابعة مدرسة التّقليبات. وفيما يلي إفراد كلّ منها بشيءٍ من التّفصيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 أ- اتّحاد المعنى (تقارب الأصلين والمعنى واحدٌ) . يؤدّي اتّحاد المعنى بين الكلمتين إلى تداخل الأصول، ولا يؤخذ ذلك على إطلاقه؛ فهو مشروطٌ بأن تتّفق الكلمتان في أكثر الحروف؛ وهو ما يعرف اصطلاحاً بباب (سَبِطٍ وسِبَطْرٍ) . ومنه أن تجد الثلاثيّ على أصلين متقاربين والمعنى واحدٌ؛ فيظنّ أنّهما من أصلٍ واحدٍ؛ وليسا أصلين، كقولهم: شيءٌ رِخوٌ، ورِخْوَدٌّ، بمعنى: ليّنٍ، وهما - كما ترى - شديدا التّداخل في الأصول. وقد حكى الأزهريّ عن أبي الهيثم1 أنّه يرى أنّ (الرِّخْوَدَّ) و (الرِّخْوَ) أصلٌ واحدٌ؛ وهو (ر خ و) وذكر أنّ الرِّخْوَدَّ: هو الرِّخْوُ: زيدتْ فيه دالٌ، وشدِّدت؛ كما يقال: فَعْمٌ وفَعْمَلٌ2 وهو: الممتلئ. وعلى مذهب أبي الهيثم هذا يكون وزن (الرِّخْوَدِّ) (فِعْلَدّ) وليس الأمر كذلك. قال ابن جنّي: "وإنّما تركيب: رِخْوٍ من (رخ و) وتركيب: رِخْوَدٍّ من (ر خ د) وواو رِخْوَدٍّ زائدة"3.   1 هو: أبو الهيثم الرّازيّ، ولا يكاد يعرف من اسمه ونسبه غير هذا؛ وهو معدود في النّحاة اللغويّين، وقد قدم (هراة) قبل وفاة (شمر) بُسنيّات، فنظر في كتبه، وعلّق بردٍّ عليه، وكان السّكري يروي عنه، وتوّفي سنة (276هـ) . ومن مصادر ترجمته: الفهرست 86، وتهذيب اللّغة 1/26، وإنباه الرّواة 4/188. 2 ينظر: التّهذيب 7/268. 3 الخصائص 2/44. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 وهو على وزن (فِعْوَلّ) مثل (عِلْوَدٍّ) وهو: الغليظ الرّقبة، و (عِسْوَدٍّ) وهو القويّ الشّديد. أمّا (رِخْوٌ) فهو (فِعْلٌ) . ويقوّي هذا أنّ الدّال في (رِخْوَدٍّ) ليست من حروف الزّيادة؛ فلا يقال: إنّ الأصل: (رِخْوٌ) ثمّ زيدت الدّال؛ كما قال أبو الهيثم. والّذي أدّى إلى تداخل الأصلين في (رِخْوٍ) و (رِخْوَدٍّ) أنّ الفاء والعين فيهما متّفقتان؛ مع اتّحاد المعنى؛ وذلك أنّ الرِّخو: الضّعيف، والرِّخْوَدّ: المتثنّي، ويقال: امرأةٌ رِخْوَدَّةٌ، وجمعها: رَخَاوِيد. قال أبو صخرٍ الهُذليّ: عَرَفْتُ من هِنْدَ أطلالاً بذي التُّودِ ... قفراً وَجَارَاتِهَا البِيضِ الرَّخَاوِيدِ1 ومنه تداخل الأصلين (ض ي ط) و (ض ط ر) في قولهم: (ضَيَّاطٌ) و (ضَيْطَارٌ) لاتّحاد معناهما؛ وهو التّبختر والتمايل في المِشْية2، ولاتّفاقهما في أكثر الحروف. والصّحيح أنّ (ضَيَّاطاً) من تركيب (ض ط ر) و (ضَيْطَاراً) من (ض ط ر) ووزن الثّاني منهما (فَيْعَال) أمّا الأوّل فيحتمل ثلاثة أوجهٍ؛ وهي: (فَعَّال) كخَيَّاطٍ، و (فَيْعَال) كخَيْتَامٍ، و (فَوْعَال) كتَوْرَابٍ، فيكون أصله على هذا الأخير (ضَوْيَاطاً) ثمّ قلبت الواو السّاكنة ياءً، وأدغمت؛   1 ينظر: شرح أشعار الهذليّين 2/924، والتّود: شجر، ويروى: البيد. 2 ينظر: اللّسان (ضطر) 4/488، و (ضيط) 7/345. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 فقالوا: ضَيَّاطٌ1. ومنه تقارب (فُؤَادٍ) و (فَادٍ) في قول القُطاميّ: كَنِيَّةِ القَوْمِ مِنْ ذِي الغَيْضَةِ احْتَمَلُوا ... مُسْتَحْقِبِينَ فُؤَاداً مَالَهُ فَادِ2 فـ (فُؤَادٌ) من (ف أد) و (فادٍ) من (ف د ي) . ومنه (الثّرى) وهو: التّراب النّديّ و (الثَّرَاء) وهو: كثرة المال؛ وهما أصلٌ واحدٌ عند ابن فارسٍ؛ وهو: الكثرة وخلاف اليُبْس3. وعليه الجوهريّ؛ إذ ذكرهما في (ث ر و) 4، وتابعه فيه ابن منظورٍ5. وليس (الثّرى) من لفظ (الثّرَاء) فهما أصلان؛ أوّلهما من تركيب (ث ر ي) لقولهم: الْتَقَى الثَّريان؛ وذاك أن يجيء المطر؛ فيرسخ في الأرض حتّى يلتقي هو وندى الأرض. والثّاني: وهو: الثَّرَاء - من تركيب (ث ر و) لأنّه من: الثّروة، وهي: كثرة الشّيء؛ ومنه قولهم: ثَرَوْنَا بني فلانٍ نَثْرُوهم ثَرْوَةً؛ إذا كنّا أكثر منهم، ومنه كثرة المال، وهذا رأي ابن جنّي6؛ وهو الرّاجح؛   1 ينظر: الخصائص 2/45. 2 ينظر: ديوانه 79، وهو –هنا – يعني نفسه بذلك، أي: أنهم استحقوه معهم، واحتملوه أسيرا؛ لا فداء له من الأسر، وآسره من سلبت فؤاده من الحي. 3 ينظر: المقاييس 1/374. 4 ينظر: الصّحاح (ثرا) 6/2291، 2292. 5 ينظر: اللّسان (ثرا) 14/110، 111. 6 الخصائص 2/48. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 لدلالة الاشتقاق. وقد تسمّح فيهما الفرّاء؛ فعدّهما من المقصور والممدود؛ على الرّغم من اختلاف الأصلين1. وأدّى اتّحاد المعنى في (الفَيْشَة) و (الفَيْشَلَةِ) وهما بمعنى: الحشفة في العضوّ المذكّر - إلى تداخل الأصلين: (ف ي ش) و (ف ش ل) في حين أنّه يجوز فيهما وجهان: الأوّل: أن يكونا أصلين مختلفين، من باب (سَبِطٍ وسِبَطْرٍ) وهو رأي جماعة من العلماء؛ كالجرميّ2، وابن جنّي3، والجوهريّ4، وابن منظورٍ5، والفيروزاباديّ6؛ وهم يذهبون إلى أنّ اللاّم في (الفّيْشَلَة) أصليّةٌ وليست زائدةً؛ ولا يستدلّون بسقوطها في قولهم: (فَيْشَةٌ) فهذه عندهم من أصلٍ مستقلٍّ؛ وهو (ف ي ش) وإنّما دعاهم إلى هذا أنّهم وجدوا الياء في (الفَيْشَلَة) أقرب إلى الزّيادة من اللاّم؛ لكثرة زيادة الياء ثانيةً7 فوزنها عندهم (فَيْعَلَة) .   1 ينظر: المقصور والممدود 17، والخصائص 2/48. 2 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 2/381. 3 ينظر: الخصائص 2/48، 49. 4 ينظر: الصّحاح (فشل) 5/1790. 5 ينظر: اللّسان (فشل) 11/521. 6 ينظر: القامس المحيط (فشل) 1346. 7 ينظر: الممتع 1/214. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 الثّاني: أن تكون اللاّم في (الفَيْشَلَة) زائدةً؛ لقولهم: (الفَيْشَة) 1. وعلى هذا فوزنها (فَعْلَلَة) واللاّم الثّانية زائدةٌ. وهذا الرّأي هو الرّاجح عندي؛ إذ اللاّم من حروف الزّيادة، ودلالة الاشتقاق قويّةٌ، وهي من أقوى المقاييس الّتي تُمَيَّز بها الأصول. ويبدو أنّ الزّبيديّ كان يجيز الأصلين؛ فذكر (الفَيْشَلَة) في (ف ي ش) و (ف ش ل) 2. وأمّا إذا اختلف المعنى في الكلمتين؛ فينبغي أن يفصل بين الأصلين؛ كـ (المَهَانَة) فهي (مَفْعَلَة) من: الهوان، والميم فيها زائدةٌ، أمّا (المَهَانَة) من: الحقارة فهي عند الجمهور من (م هـ ن) 3، ووزنها حينئذٍ (فَعَالَة) . وكذلك (مَقِيلٌ) فهو من (ق ي ل) إن كان بمعنى اسم الزّمان أو المكان؛ من: قال يَقِيلُ في القيلولة؛ وهي الظّهيرة؛ فوزنه (مَفْعِل) ؛ لأنّ عين المضارع مكسورةٌ4. ويكون من (م ق ل) إن كان بمعنى: النّظر أو الغَمْس؛ فوزنه (فَعِيل) بمعنى اسم المفعول5.   1 ينظر: شرح الملوكيّ 211، والممتع 1/214، وشرح الشّافية للرّضيّ 2/381. 2 ينظر: التّاج 4/336، 8/58. 3 ينظر: اللّسان (هون) 13/438. 4 ينظر: تصريف الأسماء 121، 122. 5 ينظر: احتمال الصّورة اللّفظيّة لغير وزن 121. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 ب- القلب المكانيّ: القلب في اللّغة: تحويل الشّيء عن وجهه، ومنه: قلب الشّيء، وقَلَّبه: حَوَّله ظهراً لبطنٍ، وَقَلَبَ رَدَاءَه: حَوَّله1. والقلب المكانيّ في اصطلاح اللّغويّين: هو حلول حرفٍ مكان حرفٍ في الكلمة المفردة بالتّقديم والتّأخير: مع حفظ معناها2.نحو: اضْمَحَلَّ وامْضَحَلَّ، وعميق ومَعِيقٍ؛ وسحابٍ مُكْفَهِرٍّ ومُكْرَهِفٍّ، وقَافَ الأثرَ وقَفَاه3. وهو سماعيٌّ؛ يحفظ ولا يقاس عليه؛ كما قال ابن عصفورٍ4 وهو رأي الجمهور. ولم يكن القلب المكانيّ محلّ اتّفاق عند العلماء؛ فقد اختلفوا فيه؛ وتفاوتت أدلّتهم في معرفة الأصل من المقلوب، ولاتكاد تخرج آراؤهم في القلب عن ثلاثةٍ: 1- قبول القلب بشكلٍ مطلقٍ. 2- إنكاره. 3- قبوله مقيّداً بوجود الدّليل. أمّا الأوّل فهو مذهب كثيرٍ من أهل اللّغة؛ إذ تلقّوا القلب المكانيّ بالقبول، وكانوا يرون أنّ لكلّ مثالٍ أصلاً وفرعاً؛ ووافقهم على ذلك   1 ينظر: الصّحاح (قلب) 1/204، 205، والتّاج (قلب) 1/437، 438. 2 ينظر: ظاهرة القلب المكاني في العربيّة301، واللهجات العربيّة في التّراث 2/647. 3 ينظر: المزهر 1/476. 4 ينظر: الممتع 2/615. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 النّحويّون من الكوفيّين1. وقد أفرد له بعض اللّغويّين - من المدرستين - أبواباً في مؤلّفاتهم؛ جمعوا فيها كثيراً من أمثلته، ومن هؤلاء: أبو عبيدٍ القاسم بن سلاَّم2، وابن قتيبة3، وكُراعٌ4، وابن دريدٍ5، وابن فارسٍ6، وابن سِيدَه7، والسّيوطيّ8. وكان بعض المتأخّرين من المعاصرين يرون ما يراه جمهور أهل اللّغة من المتقدّمين، وعندهم أنّ مثل هذه الكلمة إذا وقعت في اللّغة الواحدة كالعربيّة؛ فإنّه يجب أن ينظر إليها على أنّ بعضها أصلٌ والآخر مقلوبٌ عنه، ولا معنى للتّفريق بينها9، كما فعل البصريّون - كما سيأتي - فالتّقديم والتّأخير من سمات اللّغة. أمّا الرّأي الثّاني في القلب فقد تزعّمه ابن درستويه؛ إذ كان ينكر القلب، ويُخرّج ما جاء منه على أنّه من أصولٍ مستقلّةٍ؛ وإن تشابهت في   1 ينظر: تاريخ آداب العرب 1/186، 187، وظاهرة القلب المكانيّ في العربيّة 286. 2 ينظر: الغريب المصنف 210م-211ب. 3 ينظر: أدب الكاتب 492-494. 4 ينظر: المنتخب 2/594-598. 5 ينظر: الجمهرة 3/1254، 1255. 6 ينظر: الصّاحبيّ 329-322. 7 ينظر: المخصّص 14/27، 28. 8 ينظر: المزهر 1/476-481. 9 ينظر: في اللهجات العربيّة 167. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 المعنى؛ فهو عنده من لغات القبائل، ويرى أنّ لكلّ قولٍ مناسبةً، ولكلّ لفظٍ معناه الخاصّ، الّذي ينفرد به عن غيره في العربيّة؛ كالتّرادف والأضداد1. أمّا الثّالث فهو موقف أكثر البصريّين؛ وقد توسّطوا فيه، وأساس مذهبهم هذا "أنّ كلّ لفظين وجد فيهما تقديمٌ وتأخيرٌ؛ فأمكن أن يكونا جميعاً أصلين ليس أحدهما مقلوباً عن صاحبه؛ فهو القياس الّذي لا يجوز غيره"2. وقد كان البصريّون يستدلّون على القلب بأمورٍ، منها: 1- أن يقلّ أحد اللّفظين في التّصرّف عن الآخر؛ فيكون الأكثر تصرّفاً هو الأصل، والآخر هو المقلوب؛ كقولهم: أَنَى الشّيء يَأْنِي، وآنَ يَئِين؛ إذا حان وأدرك منتهاه؛ فالأصل: أَنَى، وآنَ مقلوبٌ عنه، والدّليل على هذا ورود مصدر (أَنَى) وهو: الإِنَى والأَنَى3، وليس لـ (آنَ) مصدرٌ. أمّا إذا تساويا في التّصرّف؛ نحو: جَذَبَ وجَبَذَ؛ فلا يكون أحدهما مقلوباً عن الآخر؛ لقولهم: جَذَبَ يجْذِبُ جذباً، فهو جاذبٌ، والمفعول مجذوبٌ، وجَبَذَ يَجْبِذُ جبذاً، فهو جابذٌ، والمفعول مجبوذٌ4.   1 ينظر: المزهر 1/481،وظاهرة القلب المكاني في العربيّة 291، 300. 2 الخصائص 2/69. 3 ينظر: اللّسان (أني) 14/48. 4 ينظر: الكتاب 4/381، والخصائص 2/69، 70، ودرّة الغوّاص 254، وشرح درّة الغوّاص للخفاجيّ 237، والدرّ اللّقيط 78أ، ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 وكذلك لا يدّعون في: وَأَدَ ابنته، إذا دفنها؛ وهي حيّةٌ - أنّه مقلوبٌ؛ من: آدَ، بمعناه؛ لأنّ كلاًّ منهما كامل التّصرّف في الماضي، والمضارع، والآمر، والمصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول؛ وليس فيه شيءٌ من مسوّغات القلب1. ولكن ثمَّة ما يدعو للحذر من أخذ هذا المقياس على إطلاقه؛ وهو أنّ اللّغة لم تصل إلينا كاملةً؛ كما قال أبو عمرو بن العلاء2، وابن فارسٍ3، ويزاد على هذا أنّ أصحاب المعاجم لم يلتزموا ذكر كلّ ماجاء على القياس من تصريفات الكلمة؛ فهم كثيراً ما يتركون بعض التّصاريف؛ كالمصادر، والجموع، وأسماء الفاعلين، أو المفعولن؛ لمجيئهما على القياس. 2- أن يُصحّح اللّفظ مع وجود موجب الإعلال؛ كقولهم: أَيِسَ ويَئِسَ، فإنّ الأوّل مقلوبٌ عن الثّاني؛ إذ فيه موجب الإعلال؛ وهو تحرّك الياء وانفتاح ما قبلها، وترك الإعلال دليلٌ على أنّه مقلوبٌ عن: يَئِسَ4. 3- أن يترتّب على عدم القلب اجتماع همزتين في الطّرف في اسم الفاعل من الأجوف المهموز؛ نحو: (جاء) من (ج ي أ) وقياسه قبل   1 ينظر: البحر المحيط 8/433، ودراسات في أساليب القرآن الكريم ق2 ج1/13. 2 ينظر: طبقات فحول الشّعراء 1/25، والخصائص 1/386. 3 ينظر: الصّاحبيّ 58. 4 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 1/23، 24، ولركن الدّين الإسترباذيّ 76ب، وللجاربرديّ 23. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 القلب؛ جايئ؛ على وزن (فاعِل) ثمّ يهمز، فيقال: جائئ؛ فتجتمع همزتان في الطّرف؛ فلذا قلب الخليل في (جايئ) خوفاً من اجتماع همزتين فقال: (جائي) بزنة (فَالِع) ثمّ أُعِلّ إعلال قاضٍ؛ فيقال: جاءٍ. وكذلك في جمعه على (فَوَاعِل) نحو (جَوَاءٍ) وفي الجمع الأقصى لمفردٍ لامه همزةٌ مسبوقةٌ بحرف مدّ؛ كما في: خطايا، جمع: خطيئةٍ؛ وهو مذهب الخليل1، فيكون وزن: جاءٍ وجواءٍ، وخطايا عنده: (فَالٍ) و (فوالٍ) و (فَعَالَى) وهي عند سيبويه (فَاعٍ) و (فَوَاعٍ) و (فَعَائل) 2. وثَمَّة ما يعرف به القلب غير ما تقدّم؛ كمنع الصّرف بغير علّةٍ؛ لو لم يُقَلْ بالقلب؛ كمنع الصّرف في: أشياء؛ فإنّها (لَفْعَاء) عند البصريّين، وأصلها: شَيْئاء؛ وهي (أفْعَال) عند الكسائيّ، و (أَفْعَاء) عند الفرّاء والأخفش. وممّا حمل البصريّين على أن يقولوا بالقلب فيها أنّهم ألفوها ممنوعةً من الصّرف، ولم يقولوا بمذهب الكسائيّ لكي لا تمنع الكلمة منالصّرف بغير علّةٍ، واستدلّوا - أيضاً - بأمورٍ منها قول العرب في جمعها: أشَايَا وأَشَاوَى، وأَشْيَاوَات، وقولهم في التّصغير: أُشَيَّاء؛ وأمّا مذهبا الفرَاء والأخفش فقد ضُعِّفَا3. نعم؛ ويؤدّي القلب المكانيّ - كما أشرت - إلى تداخل الأصول،   1 ينظر: الكتاب 4/377، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/25. 2 ينظر: الكتاب 4/377. 3 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 1/25-230. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 ويلتبس الأصل بالفرع، ويجعل الفرع أصلاً والأصل فرعاً في مثل (الهَذْمَلَة) وهي: ضربٌ من المشي عند الجوهريّ، وقد ذكرها في (هـ ذ م ل) فأنكر عليه الصّغانيّ ذلك، وقال: "وقد انقلب عليه اللّفظ، والصّواب: الهَذْلَمَة، وموضع ذكرها حرف الميم"1. وذكر الجوهريّ (البّازِي) في (ب ز و) 2 على الصّواب؛ لأنّه مقلوبٌ، ووزن (البَازِ) : (فَلَع) 3 على القلب؛ بدليل تكسيره على: أبوازٍ؛ وهو (أَفْلاع) وقد ذكره ابن منظورٍ في (ب وز) 4 على لفظه. وربّما جعلا جميعاً أصلين؛ على نحو ما ذهب إليه ابن درستويه، أو حملا على الأصلين. ويظهر هذا جليّاً في بعض معاجم القافية؛ بوضع الكلمة ومقلوبها في الموضعين الأصل والفرع في كثيرٍ ممّا جاء مقلوباً؛ فيعطى كلٌّ منهما شرحاً وافياً، وكأنّه أصلٌ مستقلٌّ برأسه. فممّا جاء في الأصلين في المعجم الواحد: (لاثٍ) وهو الشّيء الملتفّ بعضه على بعضٍ، ومنه: شَجَرٌ لاثٍ. وقد ذكره ابن منظورٍ في (ل وث) 5 و (ل ث و) 6 وذكر - أيضاً   1 التّكملة (هذلم) 5/553. 2 ينظر: الصّحاح 6/2281. 3 ينظر: الخصائص 1/7. 4 ينظر: اللّسان5/314. 5 ينظر: اللّسان 2/187. 6 نفسه 15/241. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 - قولهم: قَفَا الأثرَ وقَافَه في الأصلين1. وذكر الزّبيديّ قولهم: يومٌ حَمْتٌ ومَحْتٌ؛ أي: شديد الحرّ - في الأصلين2. وممّا تداخلت فيه الأصول بسبب القلب: (الأَفْعَى) وهي: الحيَّة و (الأُفْعُوَان) وهو: ذكر الأفاعي؛ فإنّهما يحتملان أصلين: الأوّل (ف ع و) ووزنهما - عندئذٍ (أَفْعَل) و (أُفْعُلاَن) وهو مذهب أكثر العلماء، ويقوّيه: تَفَعَّى الرّجل في الشّرّ، وأَفْعَى؛ إذا صار ذا شرٍّ بعد خيرٍ، ويقال: أرضٌ مُفْعَاةٌ؛ أي: كثيرة الأفاعي3. وأصل مُفْعَاةٍ: مَفْعَوَةٌ؛ فقلبت الواو ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وذهب بعضهم إلى أنّ (الأّفْعَى) و (الأُفْعُوَان) من (ف وع) واشتقاقها من: فَوْعَة السّمّ؛ وهي: حرارته؛ وقد حدث فيهما قلبٌ بتقديم اللاّم على العين؛ فوزنها - حينئذٍ (أَفْلَع) و (أُفْلُعَان) 4. ويتداخل الأصلان (م ي د) و (م د ي) في (المَيْدَان) وهو: المِضْمار؛ الّذي تجري فيه الخيل؛ وقد اختلفوا في وزنه؛ فقيل: إنّه (فَعْلاَن) من: مَادَ يَمِيدُ؛ إذا تَلَوَّى واضطربَ، ومعناه أنّ الخيل تجول فيه، وتنثني متعطّفةً،   1 نفسه (قوف) 9/293، و (قفا) 15/194. 2 ينظر: التّاج (حمت) 1/539،و (محت) 1/584. 3 ينظر: الصّحاح (فعو) 6/2456، واللّسان (فعو) 15/159، والقاموس (فعو) 1703. 4 ينظر: المحكم 2/270، واللّسان (فوع) 8/258. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 وتضطرب في جولانها. وقيل: إنّه (فَلْعَان) على القلب؛ من (المَدَى) وهو الغاية؛ لأنّ الخيل تنتهي فيه إلى غاياتها من الجري والجولان، وأصله: مَدْيَان؛ قُلِبَ بتقديم الياء، وهي لامه، وأخِّرت الدّال؛ وهي عينه؛ فصار: مَيْدَاناً؛ كما قيل في جمع بازٍ: بِيْزان، والأصل: بِزْيان، وباز: (فَلَع) وبِيزَان (فِلْعَان) وأصل (الباز) قبل القلب: (البَازِي) 1. ويتداخل بسبب القلب (ح ت و) و (ح وت) في (المُحْتَات) : الموثّق الخلق؛ وهو يحتمل الأصلين: فقد يجوز أن يكون مقلوباً على وزن (مُفْتَلِعٍ) فقدّمت اللاّم؛ وهي حرف العلّة، وأخِّرت العين؛ وهي التّاء. واشتقّه ابن الأعرابيّ على هذا الأصل من: حَتَوْتُ الكساء2. ويجوز أخذه على ظاهره؛ فيكون وزنه (مُفْتَعِلاً) من (ح وت) وأصله (مُحْتَوَت) فقلبت الواو ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ كما في مُختارٍ ومُنقادٍ. ويؤدّي القلب - أيضاً - إلى تداخل الأصلين (وج هـ) و (ج وهـ) في (الجَاه) وهو: المنزلة والقدر عند السّلطان، ومنه ما رواه ابنُ جنّي عن الفرّاء أنّه سمع أعرابيّةً من غَطَفَان، وقد زجرها ابنها؛ فقال لها الفرّاء:   1 ينظر: التّاج (ميد) 2/507. 2 ينظر: المحكم 3/379. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 رُدِّي عليه، فقالت: أخاف أن يجُوهَني بأكثر من هذا1. وهو يحتمل الأصلين: فقد يجوز أن يكون من: (وج هـ) فيكون اشتقاق (الجَاه) من (الوَجْه) وقولها: أخاف أن يجوهني بأكثر من هذا: أي: يواجهني، من الوجه - أيضاً - وعلى هذا فأصل (الجَاه) قبل القلب: (الوجه) فأعلّ بالقلب المكانيّ، ثمّ حرِّكت عينه؛ فصار إلى: (جَوَهٍ) ثمّ قلبت الواو ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ فقالوا: (الجَاه) . ويدلّ على هذا ما حكاه أبو زيد أنّهم يقولون: قد وَجُهَ الرَّجل وَجَاهة عند السلطان، وهو وجيه، ولم يقولوا: جَوِيه2. وذكر الجوهري في (ج وهـ) على ظاهر اللّفظ، وذكر أنّهم يقولون: جَاهَه بالمكروه جوهاً؛ أي: جَبَهَه3، ولعلّ قول الأعرابيّة: (يجوهني) يكون من هذا. وذكره ابن منظورٍ - أيضاً - في هذا الأصل؛ لكنّه نقل عنهم تنبيههم على القلب4. ويتداخل في قوله عزّ وجلّ: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ   1 ينظر: الخصائص 2/76. 2 ينظر: الخصائص 2/76. 3 ينظر: الصّحاح (جوه) 6/2231. 4 ينظر: اللّسان (جوه) 13/487. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 يَتَسَنَّهْ} 1 ثلاثة أصولٍ؛ لأسبابٍ منها: القلب؛ وهي: (س ن هـ) و (أس ن) و (س ن ن) وبيانها كما يلي: ذهب الفرّاء إلى أنّ الهاء أصلٌ؛ فيكون أصل (يَتَسَنَّة) (س ن هـ) ووزنه على هذا الأصل (يَتَفَعَّل) وهو مشتقٌّ من لفظ (السَّنَة) على لغة من يقول: إنّ لامها هاءٌ، وأصل (سَنَةٍ) على هذا (سَنَهَةٌ) ومعنى: لم يتَسَنَّه: لم يتغيّر بمرور السِّنين2. ويبدو أنّ أبا حيّان كان يرى هذا؛ إذ ذكره في هذا الأصل3. ويؤيّد هذا ألأصل قولهم: بعتُهُ مُسانهةً، وقولهم في التّصغير: سُنَيْهَةٌ، وفي الجمع: سَنَهَاتٌ، ومن هذا قولهم: سَانَهْتُ وأَسْنَهْتُ عند بني فلانٍ؛ أي: قضيت سنةً، ومن ذلك قول الشّاعر: وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاء ولا رُجَّبِيَّةٍ ... ولكِنْ عَرَايَا في السِّنِينِ الجَوَائِخِ4 وأجاز بعضهم أن يكون أصله (أس ن) واشتقاقه من: أَسِنَ الماء؛ أي: تغيّر؛ وعلى الرّغم من قربه في المعنى فقد ردّه بعض النّحاة5؛ لبعده   1 سورة البقرة: الآية 259. 2 ينظر: معاني القرآن 1/172. 3 ينظر: تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب 144. 4 البيت لسويد بن صامت؛ وهو في معاني القرآن للفرّاء 1/173، ومجالس ثعلب 1/76، وأمالي القالي 1/121، والبحر المحيط 2/285، والدّرّ المصون 2/564، وقوله: رجّبيّة، وصف لنخلة بني تحتها رُجْبَة لتسندها من السّقوط لطولها، والياء الأخيرة للنّسب. ينظر: اللّسان (رجب) 1/412. 5 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/343. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 في الاشتقاق من حيث الصّناعة؛ إذ لو كان مشتقّاً من: أَسِنَ الماء - لكان قياسه حين يبنى منه (تَفَعَّلَ) أن يقال: تَاَسَّنَ؛ لا تَسَنَّهَ. على أنّ له وجهاً في القياس؛ وهو أن يكون قد حدث فيه قلبٌ، بأن أخّرت فاؤه - وهي الهمزة - إلى موضع لامه؛ فصار: (يَتَسَنَّأ) بالهمزة آخراً، ثمّ أبدلت الهمزة ألفاً؛ كقولهم في قَرَأَ: قَرَا، ثمّ حذفت للجزم - كما قال السّمين1. وذهب المبرّد إلى أنّ الهاء للسّكت، واللاّم محذوفةٌ للجازم2؛ فيكون وزنه: (يَتَفَعَّه) (وإثباتها وصلاً من قبيل إجراء الوصل مُجرى الوقف، وأصل الكلمة مشتقٌّ من السّنة، ولامها واوٌ، فأصله: يَتَسنَّى، ثمّ حذفت اللاّم للجزم، وقبل ذلك كان: يَتَسَنّو؛ تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفاً) 3 فقالوا: يَتَسَنّى. ويجوز أن يكون من (س ن ن) واشتقاقه من: (السَّنِّ) أو من (مَسْنُونٍ) وهو: المتغيّر؛ وعليه قوله عزّ وجلّ: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} 4. وأصله: يستسَنَّنُ؛ بثلاث نوناتٍ؛ على وزن (يَتَفَعَّل) فاستثقل توالي الأمثال؛ فأبدلت الأخيرة ياءً؛ فقالوا: يَتَسَنَّى؛ على حدّ قولهم: تَظَنَّى، من تَظَنَّنَ، وقولك: قَصّيت أظفاري؛ أي: قصَّصْتُها. ثمّ أبدلت في (يَتَسَنَّى)   1 ينظر: الدّرّ المصون 2/564. 2ينظر: البحر المحيط 2/285. 3 ينظر: معجم مفردات الإبدال والإعلال 408. 4 سورة الحجر: الآية 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ثمّ حذفت الأف للجزم1. ج- الإبدال. الإبدال - في اللّغة - من البدل؛ وهو: العِوَض والخَلَف، والتّبديل والإبدال: تغيّر الشّيء عن حاله، وجعل شيءٍ مكان غيره2. والإبدال - في الاصطلاح اللّغويّ: إقامة حرفٍ مكان حرفٍ في موضعه، أو: هو اتّفاق كلمتين في معنييهما وحروفهما عدا حرفاً واحداً3، كالسِّراط والصِّراط، والتَّولَج والدّولَج، ونبيثة البئر ونبيذتها؛ وهو: ترابها. والإبدال على نوعين: صرفيٌّ، ولغويٌّ: الإبدال الصّرفيّ: هو ما يبدل من غيره إبدالاً قياسيّاً مضطرّاً إليه في التّصريف أو مستحبّاً؛ بحيث يؤدّي تركه - أحياناً - إلى الخطأ4. وهو على قسمين: أحدهما: إبدال حرفٍ من غيره؛ لأجل الإدغام عند التقاء   1 ينظر: معاني القرآن للفرّاء 1/172، والدّرّ المصون 2/563. 2 ينظر: الصّحاح (بدل) 4/1632، واللّسان (بدل) 11/48، والقاموس (بدل) 1247. 3 ينظر: الصّاحبيّ 332، والمخصّص 13/267، وشرح الملوكيّ 213، وشرح الشّافية للرّضيّ 3/197، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 2/1340، وظاهرة الإبدال اللّغويّ 11. 4 ينظر: اللهجات العربيّة في التّراث 1/347، ويلحظ أن الإبدال – بمعناه الواسع – يتضمن قسما من الإعلال، وهو الإعلال بالإبدال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 صوتين متجانسين أو متقاربين؛ كإدغام لام التّعريف بعد إبدالها في بعض الحروف، كالسّماء والشّمس والدّواء، وكإدغام الباء في الميم في: اكتب محمداً. وغيره من المسائل؛ الّتي تبحث في باب الإدغام 1. والآخر: الإبدال لغير الإدغام؛ وهو يقع في الغالب في حروف مخصوصةٍ؛ وهي تسعةٌ؛ يجمعها قولك: (هَدَأْتُ مُوطِياً) 2 ولم يقتصر بعضهم على هذه التّسعة، بل ذكر غيرها؛ ممّا يعدّ من حروف الإبدال الصّرفيّ اللاّزم3؛ بل هي من الإبدال اللّغويّ غير اللاّزم. ومن الإبدال الصّرفيّ إبدال الواو تاءً في (الافتعال) نحو (الاتّعاظ) و (الاتّعاد) في (الاوتِعَاظ) و (الاوْتِعَاد) وإبدال التّاء طاءً؛ نحو (اصْطَبَرَ) و (اصْطَنَعَ) في (اصْتَبَرَ) و (اصْتَنَعَ) وكذلك قلب الواو أو الياء همزةً، نحو (سَمَاءٍ) و (قَضَاءٍ) في (سَمَاوٍ) و (قَضَايٍ) . ب- أمّا الإبدال اللّغويّ فهو إبدال حرفٍ من حرفٍ في موضعه من   1 ينظر: الكتاب 4/445، وشرح المفصّل لابن يعيش 10/7، والنّشر لابن الجزريّ 1/286. 2 ينظر: الألفيّة 377، وشرح ابن النّاظم 836. 3 جعلها سيبويه (الكتاب 4/237) أحد عشر حرفاً؛ وهي: الهمزة والألف والياء والواو والميم والنّون والهاء والطّاء والدّال والجيم والتّاء، وعند المبرّد (المقتضب1/61) وأبي البركات الأنباريّ (الوجيز 44) وغيرهما: اثنا عشر حرفاً يجمعها قولك: (طال يوم أنجدته) ، وهي عند الزّمخشريّ (المفصل 360) خمسة عشر حرفاً جمعها ي قوله: (استنجده يوم صال زط) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 غير اضطرارٍ إليه في التّصريف؛ لعلاقة صوتيّةٍ بين الحرفين1؛ وقد توسّعوا في حروفه؛ فأجاز بعضهم وقوعه في جميع حروف الهِجاء2. وقد كثرت ألفاظ الإبدال - بعمومه - ولا سيّما الإبدال اللّغويّ؛ وهو في ذلك بخلاف القلب، ولعلّ ذلك ما دفعهم إلى إفراد الإبدال بمؤلفاتٍ مستقلّةٍ جمعت ألفاظه، ولمّتْ شتاتها، ومنها كتاب (الإبدال) لأبي الطّيّب اللّغوي؛ الّذي يعدّ من أوسعها وأغزرها مادّةً. والإبدال اللّغويّ أعمّ من الإبدال الصّرفيّ، وعلاقة أحدهما بالآخر - عند كثيرٍ من العلماء ولا سيّما المتأخّرين - علاقة الكلّ بالجزء، وإطلاقه - وبخاصّةٍ في المعاجم - يشمل النّوعين. ولا بدّ - للوقوف على أثر الإبدال في تداخل الأصول - من بيان الأصل من الفرع في الصّورتين اللّفظيتين؛ على الرّغم ممّا في ذلك من صعوبة؛ إذ لا يعدّ تحديد الأصل من الصّورتين في الإبدال اللّغويّ من الأمور اليسيرة، ويكاد يكون متعذِّراً في بعض الألفاظ؛ وهو بخلاف الإبدال الصّرفيّ؛ الّذي تناوله العلماء على أساس أنّ اللّفظ المبدل له أصلٌ معروفٌ، وقد أبدل لعلّةٍ تصريفيّةٍ. ويقودنا البحث عن الأصل إلى تقسيم اللّغويّ إلى ثلاثة أنواعٍ: 1- ما نطق به في بيئتين (قبيلتين) مختلفتين: إنّ كثيراً ممّا جاء من الإبدال هو من هذا النّوع؛ وكان أبو الطيّب   1 ينظر: اللهجات العربيّة في التّراث 1/348. 2 ينظر: المزهر 1/461. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 اللّغويّ يرى أنّ الإبدال لا يكون في القبيلة الواحدة؛ بحيث يتعمّد العربيّ إبدال حرفٍ من حرفٍ؛ وإنّما هي لغاتٌ مختلفةٌ لمعانٍ متّفقةٍ. قال: "والدّليل على ذلك أنّ قبيلةً لا تتكلّم بكلمةٍ طوراً مهموزةً، وطوراً غير مهموزةٍ، ولا بالصّاد مرّة، وبالسّين أخرى؛ وكذلك إبدال لام التّعريف ميماً؛ والهمزة المصدّرة عيناً؛ كقولهم في نحو أَنْ: عَنْ؛ لا تشترك العرب في شيءٍ من ذلك؛ إنّما يقول هذا قومٌ، وذلك آخرون"1. على أنّ ابن جنّي لا يعدّ الكلمتين من الإبدال؛ إذا كانتا من بيئين (قبيلتين) مختلفتين؛ بل هما لغتان؛ فمن ذلك أنّ قريشاً تقول: كُشِطتْ، وتقول قيسٌ: قشطت فقال: "وليستِ القاف في هذا بدلاً من الكاف؛ لأنّهما لغتان لأقوام مختلفين"2. وعندي أنّ كلا المذهبين صحيحٌ؛ فمن نظر إلى اللّغة الأمّ؛ ولم يشترط في صحّة الإبدال أن يكون من قبيلةٍ واحدةٍ، فذلك عنده من الإبدال، ومن اشترط ذلك فهو عنده من اللّغات؛ وليس من الإبدال. على أنّ الّذي يعنينا - هنا - هو تحديد الأصل من الفرع؛ فعلى مذهب أبي الطّيّب تكون إحدى الصّورتين أصلاً، والأخرى هي الفرع. ويحتمل أن يكون أحدهما أصلاً والآخر فرعاً؛ إذا نظر إلى اللّغة الأمّ، وبحث عن الأصل الأوّل. ومن هذا النّوع ما تفرّدت بعض القبائل بصورةٍ منه، وعلى خلافها   1 ينظر: المزهر 1/460. 2 سرّ الصّناعة 1/277. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 عامّة العرب؛ وهو أن يؤثّر عن قبيلة إبدالها صوتاً معيَّناً من صوتٍ آخر، في بعض الكلمات، كإبدال الصّاد أو السّين تاءً عند طيّئ، فقد ذكر الأصمعيّ أنّهم يُسمّون اللّصوص: اللّصوت، ويسمّون اللّصّ: لِصْتاً1؛   1 ذهب (برجستراسر) مذهباً خالف فيه الجمهور؛ فقد ردّ على الزّمخشري حين وجده يسير على مذهبهم، ويقول بأنّ التّاء في (اللّصت) مبدلة من الصّاد؛ فاتّهمه بعكسه الإبدال فيه، وقال: "والحقيقة أنّ التّاء هي الأصل؛ والصّاد الثّانية مبدلة منها، فنحن نعرف أنّ اللّصّ معرّب من اليونانيّة بواسطة الآراميّة؛ أي: السّريانيّة، وهو في اليونانيّة: (صورة 16) ، أي: lestes، وفي السّريانيّة:lesta؛ فيتّضح من ذلك أنّ: لصتاً هي الأصل، وأنّ لصاً أبدلت منها بتشابه التّاء للصّاد، ثمّ إدغامها فيها" (التّطور النّحويّ 52) . والرّاجح عندي مذهب الجمهور؛ وهو يوافق قوانين الإبدال في جنوحهم إلى التّخفيف لثقل المثلين، ومن وسائلهم في ذلك: الحذف أو الإدغام أو الإبدال في ((اللّصّ)) قريب من اختيارهم إيّاه في قولهم: تظنّيت، وقصّيت أظفاري، والأصل: تَظَنَّنْتُ، وقَصَّصْتُ. ولعلّ الّذي "سهل لطيئ أن تبدل هذا الإبدال – إيثارها نطق التّاء على نطق الصّاد؛ بحكم ميلها إلى الاقتصاد في الجهد، وأن هذا يناسبه الصّوت الشّديد المناظر لصوت الصّاد هو الطّاء، وأن الطّاء إذا رققت – أصبحت تاءً" (ينظر: لغات طيّئ 1/191) . أمّا ما ذكره برجستراسر من تقارب بين العربيّة واليونانيّة والسّريانيّة في كلمة (اللّصت) فيمكن حمله على توافق اللّغات، وليس بعيداً أن يكون سرى إلى السّريانيّة من العربيّة، ثمّ انتقل إلى اليونانيّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 وهم الّذين يقولون للطّسّ: طسْتٌ، وذكر أنّه مخالفٌ لأكثر العرب1. ولعلّ أوضح ما يكون ذلك في الظّواهر اللّغويّة الملقّبة المنسوبة لبعض القبائل، الّتي ربّما اشتركت في بعضها أكثر من قبيلةٍ، ومن هذه اللّغات: (الاستِنْطَاء) في هذيلٍ والأزد، وهو جعل العين السّاكنة نوناً، نحو: (أَنْطَى) بدلاً من أعطى2. و (العَجْعَجَة) في قُضاعة، وهي إبدال الياء المشدّدة جيماً، قال الرّاجز: خَالِي عُوَيْفٌ وأَبُو عَلِجّ ... المُطْعِمَانِ اللَّحْمَ بِالعَشِجّ وبِالغَدَاةِ فِلَقَ البَرْنِجّ ... تُقْلَعُ بِالوُدِّ وبِالصَّيْصِجّ3 أراد: بالعشيّ والبرنيّ وبالصّيصيّ. و (العَنْعَنَة) في تميمٍ، وهي قلب الهمزة في أوّل الكلمة عيناً، فيقولون: (عِنَّكَ) و (عَسْلَمَ) و (عُذُنٌ) في: إنّك وأَسْلَم وأُذُنٌ4. و (الفَحْفَحَة) في هذيلٍ، وهي إبدال الحاء عيناً، كقولهم: (عَتَّى) في   1 ينظر: الإبدال لابن السّكيت 42، بتحقيق هفنر، ولغات طيّ 1/190. 2 ينظر: المزهر 1/222. 3 ينظر: الإبدال لأبي الطّيّب 1/257، وتهذيب اللّغة 1/68، وسرّ الصّناعة 1/175، وشرح المفصّل لابن يعيش 10/50، والممتع 1/35. 4 ينظر: المزهر 1/221. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 حَتَّى1. و (الوَتْمُ) في اليمن؛ كقولهم: النّات والأَكْيَات؛ يريدون: النّاس والأكياس2. 2- ما نطق به في البيئة (القبيلة) الواحدة: وما جاء من هذا في الإبدال قليلٌ، وما تقدّم في نصّ أبي الطّيّب ينفي وقوعه، وقد رفض بعض الباحثين المعاصرين في زماننا أن يقع الإبدال في البيئة الواحدة، وعزا بعض ما جاء من ذلك إلى أزمانٍ مختلفةٍ فيها3. 3- ما جاء بالصّورتين على التّساوي في الاستعمال: وهذا النّوع كثيرٌ، وأكثره غير مُعزَوٍّ إلى بيئةٍ معيّنةٍ؛ وهو يحتمل أمرين: الأوّل: أن يكون منه أصلٌ وفرعٌ. الثّاني: أن يكون كلٌّ من اللّفظين المتقاربين أصلاً مستقلاًّ برأسه؛ من قبيل التّرادف؛ فيحمل على لغات القبائل. وأكثر ما جاء من تداخل الأصول بسبب الإبدال إنّما هو من هذا   1 ينظر: الاقتراح 357، والمزهر 1/222، ومميزات لغات العرب 11. 2 ينظر: النّوادر لأبي زيد 104، والحيوان 1/187، والجمهرة 2/842، وأمالي القالي 2/68، والخصائص 2/53، والمخصّص 3/26، 13/283، وشرح المفصّل لابن يعيش 10/36. 3 ينظر: من أسرار اللّغة 76، 77، واللهجات العربيّة في التّراث 1/455. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 النّوع، وضابطه عند ابن جنّي أنّه متى "أمكن أن يكون الحرفان جميعاً أصلين؛ كلّ واحدٍ منهما قائمٌ برأسه؛ لم يَسُغ العدول عن الحكم بذلك. فإن دلّ دالٌّ أو دعت ضرورةٌ إلى القول بإبدال أحدهما من صاحبه عمل بموجب الدّلالة، وصِيرَ إلى مقتضى الصَّنعة"1 على وفاق ما ذهب إليه في القلب المكانيّ؛ فالقاعدة الّتي يعرف بها ابن جنّي الإبدال هي كثرة الاستعمال أو التّصرّف؛ فاللّفظ الأكثر استعمالاً أو تصرّفاً هو المبدل منه؛ وهو الأصل، والأقلّ استعمالاً أو تصرّفاً هو البدل؛ وهو الفرع. فإذا تساويا في ذلك فهما جميعاً أصلان. فقولهم (ما قام زيدٌ بَنْ عمرٌو) مبدلٌ من قولهم: بل عمرٌو؛ لأنّ (بل) أكثر استعمالاً من (بَنْ) 2. وجعل ابن جنّي (جُعْسُوساً) وهو: القصير اللّئيم - أصلاً، و (جُعْشُوشاً) هو الفرع، واستدلّ بزيادة الأوّل في التّصرّف؛ لقولهم في الجمع (جَعَاسِيسُ النّاس) ولا يقال بالشّين3. وأمّا قولهم: سُكّرٌ طَبَرْزَنٌ وطَبَرْزَلٌ فهما أصلان عند ابن جنّي؛ لتساويهما في الاستعمال4، وكذلك قولهم: هَتَلَت السّماء، وهَتنت، وهما أصلان؛ لتساويهما في التّصرّف؛ فهم يقولون:هتنت السّماء تَهْتِنُ تَهْتَاناً،   1 الخصائص 2/82. 2 ينظر: الخصائص 2/84. 3 الخصائص 2/86. 4 الخصائص 2/82. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 وهَتَلَت تَهْتِلُ تَهْتَالاً؛ وهي سحائب هُتَّنٌ وهُتَّلٌ1، وكأنّها عنده من اللّغات. وفي الاستعانة بالدّرس الصّوتيّ ما عين على تمييز الإبدال من التّرادف، ومعرفة الأصل من الفرع في الإبدال؛ وثَمّة أمرٌ نادى كثيرٌ من علماء اللّغة المتأخّرين2، في هذا المجال، وخلاصته أنّه إن كان الحرفان في الصّورتين المتشابهتين من الحروف الّتي بينها علاقةٌ صوتيّة، كالتّجانس أو التّجاور أو التّقارب في المخارج والصّفات؛ فهو من الإبدال. والأصوات المتجانسة الّتي يسوغ الإبدال بينها هي: التّاء والذّال والظّاء. والدّال والتّاء والطّاء. والزّاي والسّين والصّاد. والشّين والجيم والياء. والحاء والعين. والأصوات المتجاورة الّتي يسوغ الإبدال بينها هي: الثّاء والفاء. والذّال والفاء. والذّال والزّاي.   1 الخصائص 2/82. 2 ينظر: من أسرار اللذغة 75، والاشتقاق لعبد الله أمين 333، ودراسات في فقه اللّغة 218، واللهجات العربيّة في التّراث 2/472، وظاهرة الإبدال اللّغويّ 67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 والقاف والكاف. أمّا الأصوات المتقاربة الّتي يمكن وقوع الإبدال بينها فهي: السّين والشِّين1. وإذا جاءت الصّورتان على خلاف هذا ممّا تباعد فيه الصّوتان يترجّح - عندئذٍ - أنّهما أصلان من باب التّرادف، كـ (الهُرْب) و (الثُرْب) وهما: الشّحم الرّقيق؛ الّذي يغشى الكرش؛ فهما أصلان لبعد العلاقة الصّوتيّة بين الهاء والثّاء، وكذلك (الزّحلُوفَة) و (الزُّحْلُوقَة) لبعد القاف من الفاء، وكذلك (انْدَاحَ) بطنه و (انْدَالَ) لأنّ الحاء ليست أخت اللاّم، ولا قريبةً منها2؛ فيكون هذا من لغات القبائل. وثمَّةَ كلماتٌ تداخلت أصولها؛ وكان للإبدال دورٌ رئيسٌ في ذلك؛ كتداخل (ص د ى) و (ص د د) في (تَصْدِيَة) في قوله عزّ وجلَّ: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إلاَّ مُكَاءً وتَصْدِيَة} 3 وقد اختلفوا فيه: فقد يجوز أن تكون من (ص د د) وأصله (تَصْدِدَةٌ) من قولهم: صَدَّدَ يُصَدِّدُ؛ إذا صفَّقَ وصَاحَ وعَجَّ؛ فقلبتِ الدَّالُ الأخيرة ياءً لكثرة الدّالات؛ فقالوا: صَدَّى تَصْدِيَةً؛ على حدِّ قولهم: قَصّيتُ أظفاري،   1 ينظر: ظاهرة الإبدال اللّغويّ 68-97. 2 ينظر: دراسات في فقه اللّغة 235، واللهجات العربيّة في التّراث 2/472، وظاهرة الإبدال اللّغويّ 41. 3 سورة الأنفال: الآية 35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 وأصله: قَصَّصْتُها1. وعلى هذا فإنّ المصدر في الأصل: تَصْدِيٌّ؛ على وزن (تَفْعِيلٌ) وهو قبل الإبدال: تصديدٌ؛ مثل: كلّم تكليماً؛ فحذفت الياء، وعُوّض منها تاء في آخر المصدر. ويجوز أن يكون الأصل (ص د ي) فقد قيل: إنّ التّصدية من الصّدى؛ وهو: الصّوت: الّذي يردّه عليك الجبل2؛ ومن هنا قيل للتّصفيق: تَصدِيةٌ؛ لأنّ اليدين تتصافقان؛ فيقابل صفق هذه صفق الأخرى، وصدى هذه صدى الأخرى3 ومن ذلك تداخل (ل ب ب) و (ل ب ي) في قول القائل: (لَبَّيْكَ ولَبَّيْهِ) أي: لزوماً لطاعتك، أو أنا مقيمٌ عليها، ومنه قول الشّاعر: دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَراً ... فَلَبَّى فَلبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ4 وهو يحتمل الأصلين: فقد ذهب الجمهور إلى أنّه من (ل ب ب) واشتقاقه من: لَبَّ بالمكان وألبَّ أقام به ولزمه، وأَلَبَّ على الأمر: لزمه، فلم يفارقه؛ ومنه قولهم: دارُ فلانٍ تُلِبُّ داري؛ أي تحاذيها، وأصل (لَبَّى) على هذا الاشتقاق؛ لَبَّبَ: فأبدلت الباء ياءً لأجل التّضعيف؛ على حدّ قولهم:   1 ينظر: الغريب المصنّف 212أ، والتّهذيب 12/104، واللّسان (صدد) 3/246. 2 ينظر: اللّسان (صدى) 14/454. 3 ينظر: التّاج (صدد) 2/395. 4 ينظر: الكتاب 1/352، وشرح أبيات سيبويه 1/379، ومغني اللّبيب 753، وشرح شواهد المغني 2/910، وشرح الأشمونيّ 2/251، والتّصريح 2/28. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 قصّيتُ أظفاري1. وحمله يونس على ظاهره؛ فذهب إلى أنّ أصل (لَبَّيْكَ) (لَبَّى) وأنّ الألف انقلبت ياءً لمّا اتّصلت بالضّمير؛ كما انقلبت الألف في (عَلَيكَ) 2، ونظير هذا (كلا وكلتا) في قلب ألفيهما ياءً متى اتّصلت بضميرٍ؛ وكانت في موضعٍ أو جرٍّ. وأدّى الإبدال إلى تداخل (أهـ ل) و (أول) في (آل) وهو اسمٌ ثلاثيٌّ على وزن (فعل) ويحتمل الأصلين: وقد اختلفوا فيه3: ذهب الكسائيّ إلى أنّ أصله (أول) واشتقاقه من: آلَ يؤول؛ بمعنى: رجع؛ لأنّ الإنسان يرجع إلى آله؛ وهو قبل الإبدال (أوّل) فأبدلت الواو ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وقياس تصغيره على الأصل (أُوَيلٌ) نحو: مالٍ ومُوَيلٍ، وبابٍ وبُوَيْبٍ4، وعزا بعضهم هذا الرّأي إلى يونس5 - أيضاً -. وذهب الجمهور إلى أنّ أصله (أهلٌ) فأبدلت الهاء همزةً؛ لقربها منها؛   1 ينظر: الصّحاح (لبب) 1/216، واللّسان (لبب) 1/730، 731. 2 ينظر: شرح أبيات سيبويه 1/380. 3ينظر: سرّ الصّناعة 1/101، وإعراب القرآن للنّحّاس 1/172، والاقتضاب 1/39، وشرح الملوكيّ 278، والممتع 1/348، وشرح الشّافية للرّضيّ 3/208، وشرح الأشمونيّ 1/13، والتّصريح 1/11. 4 ينظر: الاقتضاب 1/35، وشرح الأشمونيّ 1/13، وشرح الشّافية للجاربرديّ 317، والتّصريح 1/11. 5 ينظر: شرح ديوان المتنبّي للكنديّ ج1/118ب، والارتشاف 1/129. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 فقيل: (أَأْلٌ) فلمّا توالت همزتان أبدلت الثّانية ألفاً؛ كما قالوا: آدم وآخراً؛ فقالوا: (أَأْل) ورسمه (آلٌ) . وكان أبو جعفر النّحّاس يرى أنّ الهاء أبدلت ألفاً ابتداءً؛ من غير أن تبدل همزة قبل إبدالها ألفاً1، ولا يجوز هذا عند ابن جنّي؛ لأنّ الهاء لم تقلب ألفاً في غير هذا الموضع؛ فيقاس عليه؛ وإنّما تقلب الهاء همزةً في ماءٍ، وأصله (مَوَهٌ) . فعلى هذا أبدلت الهاء همزةً، ثمّ أبدلت الهمزة ألفاً؛ ولأنّ الألف - أيضاً - لو كانت منقلبةً عن الهاء ابتداءً لجاز أن يستعمل (آلٌ) في كلّ موضعٍ فيه (أهلٌ) كإبدالهم الهمزة من الواو في قولهم: وجوه القوم، وأُجُوهم، ووِسادةٌ وإسادةٌ؛ فأوقعوا البدل في جميع مواقعها قبل البدل؛ فلو كانت ألف (آلٍ) بدلاً من هاء (أهل) لقيل: انصرف إلى آلِكَ، كما يقال: انصرف إلى أهلك، ولقيل: آلك واللّيل في قولهم: أهلك واللّيل، وغير ذلك، ممّا يطول ذكره2. على أنّ الأصل على رأي النّحّاس وابن جنّي واحدٌ؛ وهو (أهـ ل) ويدلّ على قربه، وأنّ الألف ليست منقلبةً عن واوٍ؛ كما ذهب الكسائيّ- قولهم في التّصغير: (أُهَيْل) ولو كانت منقلبةً عن واوٍ لقالوا: (أُوَيْلٌ) 3.   1 ينظر: إعراب القرآن للنّحاس 1/223. 2 ينظر: سرّ الصّناعة 1/101، 102. 3 ينظر: الممتع 1/348. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 ومن التّداخل بسبب الإبدال ما وقع بين (ت خ ذ) و (أخ ذ) و (وخ ذ) في (اتّخذ) ومنه قوله عزّ وجلّ {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} 1 وقد اختلفوا فيه: فذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنّه (افْتَعَلَ) من (أَخَذَ) وأصله (اأْتَخَذَ) وتكتب (ائْتَخَذَ) فأبدلت الهمزة الثّانية ياءً؛ لاجتماع همزتين؛ الأولى مكسورةٌ، والثّانية ساكنةٌ؛ فأصبحت على تقدير (ايْتَخَذَ) على حدّ قولهم: (ايْتَزَرَ) من (ائْتَزَرَ) و (إيْمَانٌ) وأصله (إِئْمَانٌ) ثمّ أبدلت الياء تاءً، وأدغمت في تاء (الافتعال) فقالوا: (اتَّخَذَ) فلمّا كثر استعماله على بناء (الافتعال) توهّموا أنّ التّاء أصليّةٌ؛ فبنوا منه (فَعِلَ يفْعَل) فقالوا: تَخِذَ يَتْخَذُ، كما قالوا: تَقِيَ من اتَّقَى2. ونظيره في إبدال الياء تاءً وإدغامها قولهم: اتّسَروا الجزور؛ أي: اجْتَزَروها، واقتسموا أعضاءها؛ وإنّما هو من (اليَسْر) وأصله: ايْتَسَرُوا. وذهب الفارسيّ وابن جنّي إلى أنّه (افتعل) من: تَخِذَ يَتْخَذُ، وأنّه لا إبدال فيه؛ فتاؤه أصليّةٌ؛ وهي بمنزلة: (اتّبعتُ) من (تَبِعَ) 3. وقد جاء الفعل على أصله في قوله عزّ وجلّ: {قَالَ لَوْ شِئْتَ   1 سورة البقرة: الآية 51. 2 ينظر: الصّحاح (أخذ) 2/559، وشرح الشّافية للرّضيّ 3/83، والبحر الميحط 6/152، والدّرّ المصون 1/35. 3 ينظر: الحجّة للقرّاء السّبعة 2/68، والخصائص 2/287. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} 1 وفي قول الشّاعر: وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا نَسِيفاً كَأُفْحُوصِ القَطَاةِ المُطَرِّقِ2 قال الفارسيّ فيما كانت فاؤه همزةً؛ نحو: أَكَلَ وأَمَرَ: "فإذا بُنِيَ منه (افْتَعَلَ) قلتَ: ايْتَكَلَ وايْتَمَرَ؛ ولا تدغم الياء في التّاء كما أدغمت في: اتّعد واتّسَرَ؛ لأنّ الياء ليست بلازمةٍ. وقد حكى بعض البغداديّين فيه الإدغام؛ وهو - عندي - على قياس قول أصحابنا - خطأٌ"3. وذهب بعضهم إلى أنّ أصل أَخَذَ: وَخَذَ، و (افْتَعَلَ) منه: اوْتَخَذَ؛ فأبدلت الواو تاءً على القياس؛ كقولهم: اتّصَلَ، من: وَصَلَ4. د- الهمز والتّخفيف: ويسمّى الهمزُ - أيضاً - نبراً5، ويسمّى التّخفيف تسهيلاً؛ وهما   1 سورة الكهف: الآية 77. 2 هو: الممزّق العبديّ، ينظر: الأصمعيّات 165، والحيوان 2/298، ومجالس العلماء 255، والحجّة للقرّاء السّبعة 2/68، والخصائص 2/287، والغرز للنّاقة مثل الحزام للفرس، والغرز للجمل مثل الرّكب للبغل، ولعلّ المراد – هنا – المعنى الأوّل، والنّسيف: أثر العضّ أو الرّكض، والأفحوص: المبيض، والمطرّق: وصف القطاة الّتي حان خروج بيضها. 3 التّكملة 25. 4 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 3/79، 82. 5 للنّبر _ أيضاً _ دلالة تتجاوز الهمز؛ وهو: الضّغط على أحد المقاطع؛ ليعلو الصّوت به عند نطقه، ويبرز؛ وهو يوظّف في الحديث كثيراً لأداء بعض الدّلالات؛ ينظر: في أصول الكلمات 53. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 قريبان من الإبدال؛ لأنّهما تغيير الهمزة بحرفٍ معتلٍّ يوافق حركتها، أو همز الحرف المعتلّ. وقد عُدَّ الهمز من الظّواهر المستقلّة؛ لمّا كثرا في كلام العرب، حتى أفردت لهما مباحث خاصّةٌ، وألّفت فيهما مؤلّفاتٌ مستقلّةٌ. ويمكن أن يعدّ الهمز والتّخفيف من الأسباب المؤدّية إلى تداخل الأصول اللّغويّة؛ بدلالة ماجاء في بابي الهمزة والمعتلّ (الواو الياء) من معاجم القافية؛ فكثيرٌ من الكلمات المهموزة أعيدت في باب المعتلّ؛ وكأنّها من الأصلين؛ لأنّها تحتملهما؛ لمّا جاءت تارةً مهموزةً، وتارةً مخفّفةً. ومن طريف ما روي من تداخل الأصول بسبب الهمز والتّخفيف ما جاء في الحديث المرفوع أنّ قوماً من جهينة جاؤوا إلى النّبي - صلى الله عليه وسلم - بأسيرٍ؛ وهو يُرْعَدُ من البرد، فقال: "أَدْفُوه"؛ فذهبوا به فقتلوه؛ فوداه1 النّبي صلى الله عليه وسلم2 وإنّما أراد - عليه السّلام - أَدْفِئُوهُ من البرد؛ وهو من (د ف أ) وسَهَّلَه؛ لأنّه ليس من لغته التّحقيق؛ فالتبس بأصلٍ آخر؛ وهو (د ف و) ومنه قولهم: دَفَوْتُ الجريح أدْفُوه دَفواً؛ إذا أجهزتَ عليه3. وقد يؤدّي الهمز أو التّخفيف إلى تداخل أصلين؛ أحدهما غير   1 أي: دفع دِيته. 2 ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/33، والغربيين 2/312، والفائق 1/428، وغريب الحديث لابن الجوزي 1/341، والنّهاية 2/123. 3 ينظر: الجمهرة 2/673، والفائق 1/428، ومختار الصّحاح (فدو) 553. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 مهموزٍ ولا معتلٍّ كتداخل (د ر ر) في قولهم: (كَوْكَبٌ دُرّيءٌ) بالهمز، و (دُرِّيٌّ) بالتّخفيف، وربّما بفتح الدَّال وكسرها - أيضاً - فيقال: دَرِّيٌّ ودِرِّيٌّ؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب سيبويه - في أحد قوليه - إلى أنّه من (د ر أ) على وزن (فُعِّيل) 1 وهو صفةٌ من (الدَّرْءِ) بمعنى الدَّفْعِ2، ومنه قوله عزّ وجلّ: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} 3 أي: ادفعوه، وقد وُصِفَ الكوكب بهذا لاندفاعه في مُضِيِّه من المشرق إلى المغرب، ويقال: درأ الكوكب دُرُوءاً؛ إذا اندفع وانقضّ لرجم الشّياطين. ومنه قولهم: دَرَأَ فلانٌ علينا؛ أي: هَجَمَ؛ قال أوس بن حجر: فَانْقَضَّ كالدُّرِّيءِ يتبعه ... نَقْعٌ يثوب تخاله طُنُباً4 وقال السّيرافيّ من هذا المعنى: "وهو مشتق من دَرَأَ يَدْرَأُ؛ كأنّ ضوءه يدفع بعضه بعضاً من لمعانة" 5 ولأبي علي الفارسي - في تفسير اشتقاقه - رأيٌ قريبٌ من رأي السّيرافيّ؛ فـ (دُرِّيٌّ) عنده من هذا الاشتقاق و"كأنّه دفع الخفاء والغموض عن نفسه؛ لشدّة وضوحه للحسّ، وظهوره لفرط ضيائه ونوره؛ فهو خلاف السُّها وما أشبهه، من الكواكب   1 ينظر: الكتاب 4268. 2 ينظر: البغداديّات 497. 3 سورة آل عمران: الآية 168. 4 ينظر: ديوانه 3، وتأويل مشكل القرآن 430، واللّسان (درأ) 1/73. 5 ينظر: شرح السيرافي (بتحقيق د. عبد المنعم فائز) 646. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 الغامضة غير النَّيِّرة"1. وله وجهٌ آخر في الاشتقاق؛ وهو أن يكون من قولهم: دَرَأْتِ النَّارُ، إذا أضاءت2، والجامع بين هذا الاشتقاق وصفة الكوكب: الإضاءة. وعلى هذا الأصل - أعني (د ر أ) يكون من قال: دُرِّيّ، بغير همزٍ قد خفّف الهمزة، وجعلها ياءً؛ فأدغمت ياءُ (فَعِيل) فيها. وذهب أبو عبيدٍ إلى أنّ أصل (دُرِّيّ) (د ر ر) وهو منسوبٌ إلى الدُّرِّ، شبّه به لصفائه وإضاءته، ووزنه (فُعْلِيّ) 3 وهو موافقٌ للرّأي الآخر لسيبويه، إذ جعل جمعه (دَرَارِي) على وزن (فَعَالِي) مثل: بَخَاتِي وقَمَارِي4؛ فيكون وزن (دُرِّيّ) (فُعْلِيّ) كما ذكر أبو عبيدٍ، وقد نبّه عليه أبو عليٍّ5. وأَدَّى التّخْفِيف إلى تداخل (ل ب ب) و (ل ب أ) في (تُلَبِّي) من قول الشّاعر: رَدَدْنَ حُصَيْناً مِنْ عَدِيٍّ وَرَهْطِهِ ... وَتَيْمٌ تُلَبِّي فِي العُرُوجِ وَتَحْلُبُ6   1 البغداديّات 498. 2 ينظر: اللّسان (درأ) 1/74. 3 ينظر: الصّحاح (درأ) 1/49، والتّبيان في إعراب القرآن 2/970. 4 ينظر: الكتاب 4/251. 5 ينظر: البغداديات 497. 6 ينظر: التّهذيب 15/337، والتّاج (لبب) 1/464. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 فهو يحتمل الأصلين: ذهب الأحمر1 إلى أنّ أصله (ل ب ب) واشتقاقه من قولهم: لَبّ بالمكان، وألبَّ؛ إذا أقام به، ومعنى قوله: وَتَيْمٌ تُلَبِّي في العُرُوجِ وَتَحْلُبُ أي: تلازمها وتقيم فيها2، وأصله (تُلَبِّبُ) فأبدلت الباء الأخيرة ياءً. وذهب أبو الهيثم إلى أنّه من (اللّبَأ) أي: تَحْلُبُ اللّبأ، وتشربه، وقد تُرِكَ همزة تخفيفاً. قال أبو منصورٍ: "والذي قاله أبو الهيثم أصوب؛ لقوله بعده: وتحلب"3. ومن ذلك - أيضاً - تداخل الأصلين (ق ر أ) و (ق ر ن) في (القرآن) الكريم؛ وقد كان عبد الله بن كثيرٍ يسهّل همز (القرآن) ويلقي حركتها على الرّاء4.   1 هو: علي بن المبارك الأحمر النّحويّ، صاحب الكسائيّ، وكان مؤدّب الأمين، وقد اشتهر بالتّقدّم في النّحو، واتّساع الحفظ، وكانت وفاته سنة 194هـ تقريباً، ومن مصادر ترجمته: طبقات النّحويّين واللّغويّين 134، وتاريخ بغداد 12/104، وإنباه الرّواه 2/312-317. 2 ينظر: التّهذيب 15/336، واللّسان (لبب) 1/731. 3 ينظر: اللّسان (لبب) 1/731، واختيار أبي منصور ساقط من طبعة التّهذيب، ولعله كان في أصوله القديمة، الّتي نقل عنها ابن منظور. 4 ينظر: النّشر 1/414. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 ويحتمل (القرآن) عند تخفيف همزته (فُعْلانًا) و (فُعَالاً) وقد اختلفوا فيه: ذهب الجمهور إلى أنّه من (ق ر أ) واشتقاقه من: قرأت الشّيء قرآناً، أي: جمعته وضممت بعضه إلى بعضٍ، ومنه قولهم: ما قرأتِ النّاقة سلًى قطُّ، أي: ما ضمّته إليها أو حملته، وسمّي قرآناً؛ لأنّه يجمع السُوَر، فيضمّ بعضها إلى بعضٍ، ويجوز أن يكون مشتقّاً من: القراءة التّلاوة1. ويجوز - أيضاً - أن يكون مشتقّاً من: القَرْءِ؛ وهو اسمٌ للوقت؛ كأنّه نزل في أوقاتٍ مختلفةٍ2. ووزن (القرآن) على هذا الأصل (فُعْلان) ووزنه - عند التّخفيف - بحذف الهمزة: (فُعَان) ؛ لأنّ الهمزة لام الكلمة؛ وهي محذوفةٌ. وذهب بعضهم إلى أنّ (القُرَانَ) من (ق ر ن) واشتقاقه من قولك: قَرَنْتُ الشّيء بالشّيء؛ فوزنه على هذا الرّأي (فُعَال) 3. ويضعف هذا الرّأي أنّ (فُعَالاً) غير مقيسٍ في المصادر، إلاّ في الدّاء والصّوت لفعل لازمٍ، وإن كان اسماً فقياسه كسر القاف. وفيه ردٌّ على ابن قِسْطَنْطينَ4 الّذي كان يرى أنّ (القُرَان اسمٌ، وليس بمهموزٍ؛ ولم   1 ينظر: اللّسان (قرأ) 1/128. 2 ينظر: عبث الوليد 24. 3 ينظر: عبث الوليد 25، والجاسوس 45، 46. 4 هو: إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين؛ مولى بني ميسرة موالي العاص بن هشام المخزوميّ، وكان يعرف بـ (القسط) وعليه تتلمذ الإمام الشّافعيّ، وكانت وفاته سنة 170هـ، ومن مصادر ترجمته: السّبعة 65، وغاية النّهاية 1/165، 166. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 يؤخذ من قَرَأْتُ؛ ولو أُخِذَ من: قرأتُ، لكان ما قُرئَ: قرآناً؛ ولكنّه اسمٌ للقُرَان؛ مثل: التّوراة والإنجيل) 1، وكان يهمز: قرأتُ؛ فيقرأ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} 2وعنه أخذه الإمام الشّافعيّ3. وما ذهب إليه ابن قِسْطِنْطِين غير قويّ؛ لأنّ أكثر القرّاء على همزه؛ فهو ممّا أصله الهمز، وسهِّلَ على لغة الحجازيّين، والاشتقاق يؤيّد الهمزة، ويضعّف هذا الرّأي - أيضاً - أنّ وزن القرآن عند الهمز إذا كان مشتقّاً من (ق ر ن) : (فُعْأال) وهو في الرّسم: (فُعْآل) ولا نظير له فيما أعلم. هـ- التّعريب: يطلق القدامى على ضربٍ من الألفاظ الّتي دخلت في العربيّة من غيرها من اللّغات مصطلحاتٍ؛ وهي: (المُعَرَّب) و (الدّخيل) و (الأعجميّ) وكثيرون منهم لا يكادون يفرّقون بينها؛ فالمُعرّب عندهم "ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغاتها"4. وقد صرّح السّيوطيّ بأنّ الدّخيل يرادف المُعَرَّب؛ فقال: "ويطلق على المعرّب: دخيلٌ، وكثيرٌ ما يقع ذلك في كتاب العين والجمهرة   1 تاريخ بغداد 2/62، وينظر: آداب الشّافعيّ 143، وغاية النّهاية 1/166. 2 ينظر: الرسالة14، 15، وما علقه الأستاذ أحمد شاكر على هامشه رقم24. 3 سورة الإسراء: الآية 45. 4 المزهر 1/268، وينظر كشّاف اصطلاحات الفنون 4/945، وشفاء الغليل 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 وغيرهما"1. وكذلك الأعجميّ عندهم بهذا المعنى. وقد جمع ابن منظورٍ المصطلحات الثّلاثة في نصٍّ واحدٍ إذ قال: "البُخْتُ والبُخْتِيَّة: دخيلٌ في العربيّة، أعجميّ، معرّبٌ"2. واستمرّ عدم التّفريق بينها عند بعض المتاخّرين؛ كجرجي زيدان3 ومحمّد المبارك4، وصُبْحِي الصّالح5. وفرّق كثيرٌ من المتأخّرين المعاصرين بين مصطلحيْ: المعرّب والدّخيل؛ وأهملوا مصطلح الأعجميّ؛ الّذي لا يرد لديهم - في الغالب - إلاّ عفواً أو في ترديد أقوال القدامى. غير أنّهم اختلفوا في مفهومهما؛ فالمعرّب عند أكثرهم - وكما يراه مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة - هو: "اللّفظ الأجنبيّ الّذي غيّره العرب بالنّقص أو الزّيادة أو القلب"6. أمّا الدّخيل فهو: "اللّفظ الأجنبيّ الّذي دخل العربيّة دون تغييرٍ"7.   1 المزهر 1/269. 2 ينظر: اللّسان (بخت) 2/9. 3 ينظر: تاريخ آداب اللّغة العربيّة 1/39، 40. 4 ينظر: فقه اللّغة وخصائص العربيّة 295، 296. 5 ينظر: دراسات في فقه اللّغة 322، 323. 6 المعجم الوسيط 1/416، وينظر: المظاهر الطّارئة 115، وعوامل التّطور اللّغوي 85، والألفاظ اللغويّة خصائصها وأنواعها 66، والتّعريب في ضوء علم اللّغة المعاصر 69. 7 المعجم الوسيط 1/16، وينظر: كلام العرب 71، 72، وعوامل التّطوّر اللّغويّ 85، والألفاظ اللّغويّة 66، والتّعريب في ضوء علم اللّغة المعاصر 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 وربّما اختلف مفهومهما عند بعضهم، فالمعرّب: هو: ما نطق به الجاهليّون ومن يحتجّ بلغتهم من الكلام الأعجميّ، أمّا الدّخيل فهو: ما دخل العربيّة بعد عصور الاحتجاج1. ويرى بعضهم أنّ للدّخيل مدلولاً عامّاً يشتمل على المعرَّب والمولّد والمحدث2. وبهذا يكون للدّخيل مفهومان: مفهومٌ ضيّقٌ، وهو: ما دخل في العربيّة دون تغييرٍ عند أكثرهم، أو دخلها بعد عصور الاحتجاج عند بعضهم. ومفهومٌ واسعٌ؛ وهو: ما دخل العربيّة مطلقاً؛ فيشمل المعرّب والدّخيل بمعناه الضّيّق، ويشمل - أيضاً - عند بعضهم - المولّد والعامّيّ والمحدث. والتّعريف الأوّل لكلٍّ من المعرّب والدّخيل - عند جمهور المتأخّرين - هو الأقرب عندي؛ وهو ما عليه مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة. ويعدّ المعرّب والدّخيل من الأسباب المهمّة لتداخل الأصول، ويظهر جليّاً في معاجم القافية، وهو مردودٌ إلى اختلاف نظرة اللّغويّين إلى أصول المعرّب والدّخيل؛ ففي حين رأى كثيرٌ منهم أنّه ينبغي ألاّ يعرض لأصول المعرَّب واشتقاقه على قياس العربيّة، لأنّه لا أصل له فيها - رأى بعضهم عكس ذلك؛ فتكلّفوا لكثيرٍ من المعرّب أو الدّخيل أصولاً؛ فتعدّدت   1 ينظر: الوجيز في فقه اللّغة 444، وفي فقه اللّغة وقضايا العربيّة 181، وكلام العرب 71، 72. 2 ينظر: الوجيز في فقه اللّغة 444، وفقه اللّغة للدّكتور محمّد خضر 183. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 بسبب اختلاف النّظرة وتداخلت؛ وربّما أدّى ذلك إلى حجبها عن طالبيها في هذه المعاجم. ومن أصحاب الرّأي الأوّل القائلين بضرورة الحذر من إعادة المعرَّبات إلى أصولٍ عربيّةٍ واشتقاقها منها - ابن السَّرَّاج؛ إذ قال في رسالته في الاشتقاق في باب: ما يجب على النّاظر في الاشتقاق أن يتوقّاه، ويحترس منه: "ممّا ينبغي أن يحذر منه كلّ الحذر أن يشتقّ من لغة العرب لشيءٍ من لغة العجم؛ فيكون بمنزلة من ادّعى أن الطّير ولد الحوت"1. ونقل هذا عنه جماعةٌ: كالجواليقيّ2 والخفاجيّ3، والمحبّي4، والقِنَّوجيّ5. وكان الزجّاج يحذِّر من جعل: (يَاجُوج) و (ماجُوج) على وزن (فَاعُول) ، ويقول: "وهذا لو كان الاسمان عربيّين لكان هذا اشتقاقهما، فأمّا الأعجميّة فلا تشتقّ من العربيّة"6، وبنحو ذلك قال الأزهريّ7. ولم يعرض ابن فارسٍ لاشتقاق (الخَنْدَريس) وهي: الخمر؛ لأنّه   1 ينظر: المعرب 91. 2 ينظر: المعرب 91. 3 ينظر: شفاء الغليل 2. 4 ينظر: قصد السّبيل 2ب. 5 ينظر: العلم الخفّاق 175. 6 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/310. 7 ينظر: القراءات وعلل النّحويّين فيها 1/354. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 يقال: إنّها روميّةٌ1, وقال في موضعٍ آخر: "فأمّا النّبَهْرَج2 فليست عربيّةً صحيحةً؛ فلذلك لم يُطلب لها قياسٌ"3. وردّ ابن برّيّ على الحريريّ لتجويزه أن يقال: (الشَّطَرَنج) بالشّين المعجمة - مشتقٌّ من: المشاطرة، وإن كان بالسّين فهو مشتقٌّ من التّسطير عند التّعبئة4؛ وغلّطه في هذا؛ لأنّ الأسماء الأعجميّة لا تشتقّ من الأسماء العربيّة، وقال: "ألا ترى أنّهم أبطلوا قول من زعم أنّ إبليس [مشتقٌّ] من أَبْلَسَ بامتناع صرفه، وأيضاً فإنّه قد جعل هذه الكلمة خُمَاسيّةً، واشتقاقها من: التّسطير - يوجب أنّها ثلاثيّةٌ؛ وتكون النّون والجيم زائدتين؛ وهذا بيّن الفساد، واضح الاختلال"5. وذكر ابن عقيلٍ أنّ الألفاظ المعرّبة؛ نحو: إبراهيم لا يدخلها التّصريف؛ "لأنّها منقولةٌ من لغةٍ لها حكم يخصّها؛ ولا مشاركة بينها وبين لغة العرب في أحكام هذا الباب؛ والقول بزيادة بعض حروف الأعجميّ وأصالتها، ليس معناه إلاّ المقايسة؛ بمعنى أنّ العربيّ في مثله؛ حقّه كذا؛ فيثبت لهذا ما ثبت لذلك للتّعريب"6.   1 ينظر: المقاييس 2/252. 2 النبهرج من الدّراهم: الزّائف أو المبطل. ينظر: اللّسان (بهرج) 2/217. 3 المقاييس 2/252. 4 ينظر: درّة الغوّاصّ 177. 5 حواشي ابن برّي على درّة الغوّاص 25أ، ب. 6 المساعد 4/7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 وردّ الزّبيديّ على صاحب (القاموس) في كلمة: (كَارَزِين) وهي: موضعٌ بفارسٍ، بأنّ محلّها الرّباعيّ (ك ر ز ن) لا الثّلاثيّ (ك ر ز) لأنّها أعجميّةٌ1. أمّا من أجاز اشتقاق الألفاظ المعرّبة من العربيّة، وإعادتها إلى أصولها والحكم عليها بالأصليّ والزّائد فذاك "على معنى أنّها لو كانت من كلامهم تقديراً؛ لكان قياسها أن يكون كذلك"2. وكان عبد القاهر الجرجانيّ يميل إلى هذا الرّأي؛ ويدافع عنه. قال: "إن قال قائلٌ: كيف تحكمون بزيادة النّون في: نَرْجِس؛ وهو أعجميٌّ لا أصل له في كلامهم؛ فمن أين لكم مذهب العجم فيه؟ فالجواب أنّك لم تقف على مذهب النّحويّين؛ وذلك أنّهم إذا نقلوا اللّفظ إلى كلامهم فإنّهم يعتقدون فيه من الزّيادة، والأصل ما يكون في أصول كلامهم؛ فإذا قلنا: إنّ نَرْجِساً قد اعتقدوا فيه زيادة النّون - فالمعنى أنّهم اعتقدوا أنّ الفعل لو أخذ منه لكان على رَجَسَ"3. واستدلّ على استقامة ما ذهب إليه بأنّهم قالوا: زَرَجُون للخمر؛ وهو فارسيٌّ معرّبٌ، ثمّ اشتقّوا منه اسم مفعولٍ؛ وعليه قول الشّاعر: هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ لأُمِّ الخَزْرَجِ ... مِنْهَا فَأَضْحَى الْيَوْمَ كَالْمُزَرِّجِ4   1 ينظر: التّاج (كرزن) 9/320. 2 الإيضاح في شرح المفصّل 2/372. 3 المقتصد في شرح التّكملة 2/842. 4 ينظر: المنصف 1/148، والخصائص 1/359، والممتع 1/254. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 غير أنّ ما استدلّ به الجرجانيّ لا يعدّ أمراً حاسماً لاشتقاق المعرَّب أو الدّخيل من العربيّة، وتكلّف أصولٍ له من أصولها؛ فما جاء منه نحو: (المُزَرِّج) إنّما يحمل على التّوهّم؛ كما في (تَمَسْكَنَ) و (تَمَدْرَعَ) ونحوهما؛ وهو كثيرٌ في كلامهم. ولذلك أرى صحّة ما ذهب إليه الفريق الأوّل؛ وهم أكثر أهل اللّغة؛ لقوّة ما احتجّوا به؛ ولأنّ التّمادي في الاستدلال على أصل المعرّب بالاشتقاق منه في العربيّة قد يؤدّي إلى شيءٍ من تعميةٍ وتضليلٍ؛ كاستدلال بعضهم على أنّ أصل (المَنْجَنِيق) : (ج ن ق) لقولهم: جَنَقُونا ونُجْنَق وقد أدّت محاولات بعضهم لإخضاع المعرّب والدّخيل إلى مقاييس العربيّة في الأصول إلى التّداخل في موادّها، ووضع كثيرٍ منه في غير أصله؛ كوضع الجوهريّ كلمة (الإستَبْرَق) وهو: الدِّيباج الغليظ في (ب ر ق) 1 مع نصّه على أنّه معرّبٌ، ويبدو أنّه جعله على وزن (اسْتَفْعَلَ) ولا وجه له؛ لأنّ الهمزة مقطوعةٌ؛ وهي أصليّةٌ، وكذلك السّين والتّاء؛ ولأنّ الكلمة معرّبةٌ من الفارسيّة وأصلها (إِسْتفْرَه) أو (إِسْتَرْوَهْ) 2. ويبدو أنّ الجوهريّ لم يكن على يقين من هذا الأصل؛ فأعاد الكلمة في أصلٍ آخر؛ وهو (س ر ق) 3 فأغرب بذلك؛ إذ لا وجه لهذا الأصل؛ لأنّه حكم بزيادة الباء مع الهمزة والتّاء، والأول أقرب؛ إذ فيه حملٌ على قياس لغة العرب.   1 ينظر: الصّحاح 4/1450. 2 ينظر: المعرّب 108، والمهذّب 199، وجامع التّعريب 11ب. 3 ينظر: الصّحاح 4/1496. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وقد توبع الجوهريّ في جعله (الإِسْتَبْرَق) في الأصلين، فذكره ثَمَّ ابن منظورٍ1، واكتفى الفيروزاباديّ بالأصل الأوّل2. واقترب الأزهريّ من أصله؛ إذ وضعه في باب الخماسيّ، ولكنّه حكم بزيادة الهمزة3، ووضعه الجواليقيّ في باب الهمزة؛ ولم يحكم بزيادة شيءٍ منه4. ومن ذلك (أَلْمَاس) وهو: حجرٌ معروفٌ من أنفس الجواهر؛ فقد ذكره الفيروزاباديّ في (م وس) 5 بزيادة الهمزة واللاّم؛ وهما من بنية الكلمة؛ كما في (إِلْيَةٍ) فوزنه (فَعْلال) كما نصّ عليه السّعد التّفتازانيّ6. وكان ابن الأثير يقول: "أظنّ الهمزة واللاّم فيه أصليّتين مثلهما في: إلياس، وليست بعربيّةٍ؛ فإن كان كذلك فبابه الهمزة؛ لقولهم فيه: الأَلْمَاس"7. وقد ذهب بعض علماء العربيّة المتأخّرين إلى أنّ الكلمة معرَّبةٌ من اليونانيّة، وأصلها (صورة17) ولمّا دخلت العربيّة، وكثر استعمالها - توهّموا فيها زيادة الهمزة واللاّم؛ وهما من بناء الكلمة؛   1 ينظر: اللّسان (برق) 10/19، و (سرق) 10/156. 2 ينظر: القاموس 1120. 3 ينظر: التّهذيب 9/422. 4 ينظر: المعرّب 108. 5 ينظر: القاموس (موس) 743. 6 ينظر: الجاسوس 511. 7 النهاية 4/289. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 فعدّوهما أداة التّعريف1؛ فيكون أصل الكلمة رباعيّاً؛ وهو (أل م س) وليس (م وس) . ومن ذلك (سُنْدُسٌ) وهو: الدّيباج؛ فقد ذكر الجواليقيّ أنّه لا خلاف بين أهل اللّغة في أنّه معرّبٌ2؛ وعلى هذا فحروفه جميعاً أصولٌ، ولكنّ الجوهريّ جعله من الثّلاثيّ (س د س) 3، وذكره ابن منظورٍ في الرّباعيّ (س ن د س) 4 وهو كذلك عند الفيروزاباديّ5. ومثل هذا كثيرٌ. ولا سبيل لمنع تداخل الأصول في المعرّب أو الدّخيل إلاّ بأن يوضع ما ثبت أنّه من المعرّب أو الدّخيل في جزورٍ توافق نطقه في العربيّة؛ دون النّظر إلى أصليٍّ أو زائدٍ فيه "لأنّه محالٌ أن يشتقّ العجميّ من العربيّ"6 وهو مذهب أكثر المتأخّرين7. وقد أحسن مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة صنعاً حينما "الْتَزَمَ في منهجه بوضع الكلمات المعرّبة في ترتيبها الهجائيّ؛ لأنّه ليست لها في العربيّة أسرٌ تنتمي إليها"8.   1 ينظر: المعرب 76 من مقدّمة المحقّق. 2 ينظر: المعرب 361. 3 ينظر: الصّحاح 3/937. 4 ينظر: اللّسان 6/107. 5 ينظر: القاموس 710. 6 المزهر 1/287. 7 ينظر: دراسات في المعجم العربيّ 188، وأثر الدّخيل على العربيّة الفصحى 262. 8 المعجم الوسيط (المقدّمة) 4. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 وليس في الالتزام بمثل هذا في أصول المعرّب والدّخيل ابتداعٌ؛ فقد تقدّم أنّ كثيراً من العلماء كانوا يرون ألاّ يشتقّ المعرّب من أصول العربيّة؛ فلم يعمدوا إلى تجريد معرّباتهم من بعض الحروف؛ وفق أصول العربيّة. وقد اتّبع بعض المعجّمين المنهج الصّحيح في بعض المعرّبات؛ كابن سِيدَه الّذي ذكر (شَاهَسْفَرهْ) وهو: رَيْحان الملك - في باب السّداسيّ1. وكذلك الصّغانيّ إذ ذكر (الأمْبَرْبارِيس) وهو: حبٌّ حامضٌ - في مدخلٍ سباعيٍّ وهو (أم ب ر ب ر س) 2، وكذا صنع ابن منظورٍ في (أنْدَرَاوَرْد) وهو: نوعٌ من السّراويل المشمّرة؛ فذكر في مدخلٍ سباعيٍّ3، وذكر (المُسْتَفْشَارَ) وهو: العسل المعتصر بالأيدي في (م س ت ف ش ر) 4. و الحذف والتّعويض: الحذف - في اللّغة - طرح الشّيء وإسقاطه بقطعٍ أو نحوه5. والتّعويض: جعل الشّيء خلفاً لشيءٍ آخر6.: والحذف والتعويض في اصطلاح الصرفيين: جعل حرف خلفا لحرف أو أكثر، أو خلفا لحركة، ومثال حذف الحرف وتعويضه بآخر:   1 ينظر: المحكم 4/355. 2 ينظر: التّكملة 3/318. 3 ينظر: اللّسان (أندرورد) 3/74. 4 ينظر: اللسان 5/173. 5 ينظر: اللّسان (حذف) 9/39، 40. 6 ينظر: اللّسان (عوض) 7/193. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 (عِدَةٌ) فالتّاء عوض عن الواو المحذوفة، والأصل (وع د) وهذا النّوع يقع كثيراً في العربيّة. ومثال التّعويض عن أكثر من حرفٍ قولهم في تصغير مستَخرج: مُخَيْرِيْجٌ، فالياء الثّانية عوضٌ عن الحرفين المحذوفين؛ وهي الواو في (أطْوَع) ؛ وهما السّين والتّاء. ومثال تعويض الحركة ما ذكره سيبويه من أنّ السّين في (أَسْطَاعَ) عوضٌ عن حركة عين الكلمة؛ وهي الواو في (أطْوَعَ) قبل الإعلال1. وربّما حذف الحرف؛ ولم يعوّض عنه؛ نحو (أَبٍ) و (أَخٍ) و (دَمٍ) . والّذي يعنينا - هنا - هو حذف الحرف؛ سواءٌ أعوَّض عنه أم لا؛ لأنّ التّداخل كثر بسبب الحذف؛ لاختلاف الرّأي في تحديد موقع الحرف المحذوف؛ هل هو في أوّل الكلمة أو في وسطها أو في آخرها. وممّا تداخلت أصوله بسبب الحذف ما وقع في كلمة (اسمٍ) من تداخل الأصلين: (س م و) و (وس م) وهذا من مواضع الخلاف المشهورة بين البصريّين والكوفيّين2: ذهب الكوفيّون إلى أنّ أصله (وس م) واشتقاقه من (الوَسْم) واحتجّوا بأنّ الوسم في اللّغة العلامة، والاسم: وَسْمٌ على المسمّى وعلامة   1 ينظر: الكتاب 1/25. 2 ينظر: المقتضب 1/329، واشتقاق أسماء الله للزّجّاجي 255، والإنصاف في مسائل الخلاف 1/6،والتّبيين 132، وائتلاف النّصرة 27، والبحر المحيط 1/14، والدّرّ المصون 1/19، وشرح الأشمونيّ 4/275. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 عليه يعرف به، ولذلك قيل: الاسم سِمةٌ توضع على الشّيء يعرف بها، وأصل الاسم عندهم: (وَسْمٌ) فحذفت الفاء؛ وهي الواو، وزيدت الهمزة في أوّله؛ عوضاً عن المحذوف، أو بقيت العين ساكنةً؛ فجيئ بهمزة الوصل؛ ووزنه عندهم (اعْل) 1. وذهب البصريّون إلى أنّ أصله (س م و) واشتقاقه من السّموّ؛ وهو: العلوّ، من: سَمَا يسمو؛ إذا علا، ومنه سمّيت السّماء سماءً؛ لعلوّها، والاسم يعلو على المسمّى، ويدلّ على ما تحته من المعنى، ويرفعه إلى الأذهان بعد خفائه. والأصل فيه قبل الحذف والتّعويض: (سِمْوٌ) على وزن (فِعْل) فحذفت اللاّم؛ الّتي هي الواو وعُوِّض عنها بهمزةٍ في أوّله؛ فوزنه عندهم (افْعٌ) لحذف اللاّم منه. واحتجّ البصريّون بأشياء؛ منها: عودة اللاّم المحذوفة في بعض تصاريف الكلمة في الفعل الماضي؛ نحو: سمّيت وأسميت، وفي التّصغير؛ نحو: سُمَيٌّ وفي الجمع نحو: أسماءٍ وأَسَامٍ، وفي صيغة (فَعِيل) نحو: سَمِيٍّ؛ ولو كان المحذوف منه أوّله لعاد في التّصريف؛ فكان يقال فيما تقدّم: وَسَمْتُ وأَوسَمْتُ ووُسَيْمٌ وأَوْسَامٌ ووَسِيمٌ2. ومنها: أنّ سبيل العرب إذا حذفوا في أوّل الكلمة عوّضوا في آخرها؛ مثل:   1 ينظر: الإنصاف 1/6، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/258، 259. 2 ينظر: التّبيين 133. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 ابنٍ، ولمّا كان التّعويض في أوّل (اسمٍ) دلّ على أنّ المحذوف في آخره1؛ وبهذا رجح مذهب البصريّين بالسّماع والقياس. ومن ذلك تداخل (ع ض و) و (ع ض هـ) في (العِضَة) وهي: القِطْعَة والفِرقة، وواحدة العِضَاهِ؛ وهو: شجرٌ: ذهب الكسائيّ إلى أنّ المحذوف هاءٌ من موضعي اللاّم، والأصل (ع ض هـ) واشتقاقها من (العَضِيهَة) وهي: الكذب2. وكان الجوهريّ يرى أنّها من هذا الأصل، وأنّ المحذوف الهاء؛ وهي بمثابة: (شَفَةٍ) واستدلّ بردّ الهاء في الجمع والتّصغير والنّسب في قولهم: عِضَاهٌ، وعُضَيْهَةٌ، وبعيرٌ عِضَهِيٌّ وعِضَاهيٌّ وإبلٌ عِضَاهِيَّةٌ3؛ وهي الّتي تأكل العِضَة. وذهب جماعةٌ - منهم: ابن جنّي - إلى أنّ المحذوف الواو؛ من لام الكلمة وأصلها: (ع ض و) وهي قبل الحذف (عِضْوَةٌ) وعليه فُسّر قوله - عزّ وجلّ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} 4 أي: فرّقوه، وجعلوه أعضاءً؛ فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه5. والمذهب الأوّل أقربُ لظهور كثيرٍ من تصاريف الكلمة؛ كالجمع والتّصغير والنّسب، وكذلك في المفرد؛ إذ يقال: عِضَاهَةٌ وعِضَهَةٌ؛ وليس   1 ينظر: الإنصاف 1/8، 9. 2 ينظر: سرّ الصّناعة 2/606. 3 ينظر: الصّحاح (عضه) 6/2240، 2241. 4 سورة الحجر: الآية 91. 5 ينظر: سرّ الصّناعة 2/605. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 بعيداً أن تكون الواو في قولهم: (عُضْوَات) مبدلةً من الهاء1. وبسبب هذا التّداخل وضعت (العِضَة) في الأصلين في بعض معاجم القافية2؛ غير أنّ وزن الكلمة لم يتأثّر بتداخل الأصلين؛ وهو (فِعَة) على الاحتمالين: ويتداخل بسبب الحذف في (النّاس) ثلاثة أصولٍ، وهي: (أن س) و (ن وس) و (ن س ي) واللّفظ يحتملها: ذهب سيبويه إلى أنّه من (أن س) واشتقاقه من (الإِنْس) وأصله: (أُنَاسٌ) فحذفت فاؤه تخفيفاً، وجعلت ألف (فُعَال) عوضاً عن الهمزة3؛ فوزن (النّاس) على ها الأصل: (العَال) . ويدلّ على مذهب سيبويه أنّ العرب نطقت بالأصل في قولهم: (أُنَاسٌ) وقد جمع الشّاعر بين الهمزة والألف واللاّم في قوله: إنّ المنَايَا يَطَّلِعْـ ... نَ علَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا4 وذكر ابنُ الشّجريّ أنّ هذا مذهب الجمهور من البصريّين، وأنّ   1 ينظر: التّاج (عضه) 9/299. 2 ينظر: الصّحاح (عضة) 6/2240، و (عضو) 2430، (عضه) 13/516، و (عضو) 15/68، والقاموس (عضه) 1613، و (عضو) 1693، والتّاج (عضه) 9/399، و (عضو) 10/246. 3ينظر: الكتاب 2/196، 3/457، والتّاج (أنس) 4/99. 4 ينظر: مجالس العلماء 57، والخصائص 3/151، وشرح المفصّل لابن يعيش 2/9، والجنى الدّاني 200، والخزانة 2/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 الفرّاء قد وافقهم عليه1. وذهب الكسائيّ لى أنّه من (ن وس) واشتقاقه من (النَّوْسِ) وهي: الحركة، وأنّ المحذوف العين، وأصله (نَوَسٌ) فقلبت الواو ألفاً؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وهو في ذلك بمثابة (الباب) واستدلّ الكسائيّ لمذهبه بقولهم في تصغيره: (نُوَيْسٌ) كـ (بُوَيْبٍ) وأنّه لو كان أصله (فُعَال) لقيل في التّصغير: (أُنَيْسٌ) كقولهم في غُرَابٍ: (غُرَيْبٌ) 2. ولا يرى ابن الشّجريّ في تصغيره على (نُوَيْسٍ) دليلاً على ما ذهب إليه الكسائيّ لأنّ ردّ المحذوف إنّما يلزم في التّصغير إذا لزمت الحاجة إليه؛ كقولهم في تصغير أبٍ وأخٍ: أُبَيٌّ وأُخَيٌّ؛ لأنّه لا بدّ من حرفٍ ثالثٍ، يستقيم عليه بناء التّصغير؛ فأعيد المحذوف؛ فلو لم يُردّ المحذوف في: أبٍ وأخٍ؛ وهو اللاّم - لوقعت ياء التّصغير طرفاً؛ فيلزم تحريكها بحركات الإعراب، ثمّ قلبها ألفاً؛ فيصير إلى (أُباً) و (أُخاً) فيخرج عن قياس باب التّصغير. أمّا (نَاسٌ) فهو مماثلٌ في اللّفظ لـ (بابٍ) وإن كان الأخير على وزن (فَعَل) أما (نَاسٌ) فهو (عَال) على مذهب سيبويه؛ فليس في تصغيره على: نُوَيسٍ - إذا لم يردّ المحذوف - ما يخرجه عن قياس التّصغير، وإن كان الوزن التّصريفيّ لـ (نُوَيْسٍ) (عُوَيْل) و (بُوَيْب) (فُعَيْل) ولكنهما على   1 ينظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/12. 2 ينظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/12، والدّرّ المصون 1/119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 (فُعَيْل) في الوزن التّصغيريّ1. وذكر السّمين الحلبيّ أنّ أصل (النّاس) عند بعضهم (نَسِيَ) ثمّ حدث فيه قلبٌ بتقديم اللاّم إلى موضع العين، وتاخيرٍ إلى موضع اللاّم؛ فصار: (نَيَساً) فقلبت الياء ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها2. ووجه الاشتقاق فيما ذكر السّمين أنّهم سمُّوا به لِنِسيانهم؛ ووزنه على ما ذهب إليه: (فَلَع) . وأدّى الحذف إلى تداخل الأصلين (ل أم) و (ل م م) في: اللُّمَةِ3؛ وهو المثيل في السِّنّ، ولُمَة الرّجل: مثيلُهُ وقِرْنُهُ، ومنه ما روي عن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - أنّ شابّةً زُوِّجت شيخاً فقتلته؛ فقال: "أيّها النّاس؛ ليتزوّج كلٌّ منكم لُمَتَه من النّساء، ولتنكِحِ المرأةَ لُمَتُها من الرّجال"4 أي: تِربه وقِرنه في السِّنّ. وتحتمل الكلمة الأصلين: ذهب الجوهريّ5، والزّمخشريّ6 إلى أنّ الكلمة ممّا حُذِفَ عينه؛   1 ينظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/13. 2 ينظر: الدّرّ المصون 1/119، 120. 3 في اللّسان (12/548) (اللُّمّة) بتضعيف الميم، والصّواب تخفيفها؛ كما في الفائق 3/330، والنّهاية 4/373. 4 ينظر: الفائق 3/330، والنّهاية 4/274. 5 ينظر: الصّحاح (لأم) 5/2026. 6 ينظر: الفائق 3/330. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 وهي الهمزة، وأصله قبل الحذف (اللُّؤْمَة) من الملائمة؛ وهي: الموافقة. ويدلّ على هذا قولهم في معنى (اللُمَة) : (اللّئيمُ) وقولهم: هو لُمَتِي ولَئِيمي. وعلى هذا فإنّ أصل (اللُّمَة) (ل أم) . وذكرها ابن منظورٍ في (ل م م) على الرّغم من أنّه نقل عنهم أنّ المحذوف منها الهمزة عيناً1. ومن ذلك تداخل الأصلين في (الكُرَة) و (الثُّبَة) بسبب الحذف؛ وهما يحتملانهما: ذهب الجمهور إلى أنّ المحذوف منهما اللاّم؛ فأصلهما: (ك ر و) و (ث ب و) 2. وذهب بعض النّحاة إلى أّنهما ممّا حذفت عينه؛ فأصل الكُرة (كُوْرَةٌ) أو (كِيرَةٌ) وأصل الثُّبة: (ثُوْبَةٌ) من: ثَابَ الشَّيء يثُوب؛ إذا اجْتَمَع، ورجع بعضه إلى بعضٍ. ومذهب الجمهور أولى من غيره بالقبول لوجهين: الأوّل: جمعها على: كُرِين وثُبِين؛ فهي ملحقةٌ بجمع المذكّر السّالم كـ (سِنِين) . وقد تقرّر - في العربيّة - أنّ هذا مخصوصٌ بالكلمة الثّلاثيّة؛ الّتي حذفت لامها، وعُوّض عنها هاء التّأنيث؛ كـ (سَنَة) . الثّاني: قولهم: كَرَا يَكْرُو؛ إذا لَعِبَ بها، وثَبَا النّاس؛ أي: اجتمعوا   1 ينظر: اللّسان (لمم) 12/548. 2 ينظر: سرّ الصّناعة 2/601، 650. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 جماعاتٍ؛ فدلّ ذلك على المحذوف1. ز- الإلحاق: وقفنا في الباب الأوّل على الإلحاق في العربيّة، وعلى أهمّ ما يتّصل به؛ من تعريفٍ وبيانٍ لفائدته وكيفيّة تمييزه من غيره، وعلامات ذلك، وعلى طائفةٍ من الأوزان الملحقة بغيرها. ونحاول - هنا - أن نتلمّس أثر الإلحاق في تداخل الأصول في العربيّة، إذ من الممكن أن يعدّ أحد الأسباب المؤدّية إلى التّداخل؛ فثَمَّة أوزانٌ يشيع فيها التّداخل أكثر من غيرها. وممّا يؤدّي إلى تداخل الثّلاثيّ بالرّباعيّ ما جاء على (فِعْلِم) كـ (دِلْقِم) ملحقاً بـ (فِعْلِل) و (فُعْلُم) ملحقاً بـ (فُعْلُل) كـ (سَنْبَلَ) ملحقاً بـ (فَعْلَلَ) و (فَعْلَنٍ) كـ (رَعْشَنٍ) ملحقاً بـ (فَعْلَل) و (فَعْلَسَ) كـ (خَلْبَسَ) ملحقاً بـ (فَعْلَلَ) . وقد تقدّم منه كثيرٌ من صور التّداخل في الباب الثّالث. ويقلّ التّداخل في غير هذه الأوزان؛ ولا سيّما الملحق بحرف علّةٍ أو نونٍ ساكنةٍ متوسّطةٍ بين أربعة أحرفٍ؛ لوضوح ذلك في الزّيادة، وكذا الملحق بتكرار حرفٍ. وممّا تداخلت أصوله بسبب الإلحاق بالتّضعيف: (العُنْبَبُ) وهو:   1 ينظر: شرح كفاية المتحفّظ 65، 66، وإضاءة الرّاموس 1/29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 كثرة الماء؛ كما في قول الرّاجز: فَصَبَّحَتْ وَالشَّمْسُ لَمْ تَقَضَّبِ ... عَيْناً بِغَضْيَانَ ثَجُوجَ العَنبَبِ1 وهو يحتمل الأصلين: ذكر الأزهريّ أنّه من (ع ب ب) ووزنه (فُنْعَل) 2، واشتقاقه من العَبِّ، والنّون زائدةٌ؛ كنون (العُنْصَل) وقد وافقه الصّغانيّ3 وابن منظورٍ4. وذهب سيبويه إلى أنّ النّون أصليّةٌ، والباء الثّانية زائدةٌ للإلحاق بوزن (فُعْلَل) 5. ومذهبه أقوى من جهة الصّنعة؛ لأنّ إلحاق الثّلاثيّ بالرّباعيّ بزيادة حرفه الثّالث مطّردٌ؛ كما قال المازنيّ6. نحو (ضَرْبَبَ) و (جَلْبَبَ) في الأفعال و (مَهْدَدٍ) و (سُؤْدُدٍ) 7 و (عُنْدَدٍ) و (رِمْدِدٍ) في الأسماء. ومذهب الأزهريّ ومن تابعه أقوى من جهة الاشتقاق؛ لأنّ العُنبَب من: العَبّ.   1 ينظر: التّهذيب 1/117، والتّكملة (عبب) 1/199، واللّسان (عبب) 1/573. 2 ينظر: التّهذيب 1/117. 3 ينظر: التّكملة (عبب) 1/574. 4 ينظر: اللّسان (عبب) 1/573. 5 ينظر: الكتاب 4/277. 6 ينظر: المنصف 1/41. 7 السُّؤْدُد بالضّمّ، ويقال - أيضا - السُّؤْدَد بالفتح؛ وهما لغتان والأولى طائيّة؛ كما في اللّسان (سود) 3/228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 وقريبٌ من هذا: تداخل الأصلين (س ق د) و (س ق د د) في (السُّقْدُد) وهي: الفرس المُضَمَّرة؛ فقد وضعه ابن منظورٍ في الرّباعيّ (س ق د د) ولم يذكره في الأصل الثلاثيّ الّذي ذكره قبل الرّباعيّ؛ وهو (س ق د) 1. والحقّ أنّه ثلاثيٌّ، والدّال الثّانية فيه للإلحاق بـ (فُعْلَل) ويدلّ على هذا: قولهم في الفعل منه: أَسْقَدَ فرسه؛ إذا ضَمَّرَه، ولو كان رباعيّاً لقيل: سَقْدَدَ كدَحْرَجَ. ومن ذلك: تداخل الأصلين (درن) و (أدرن) في (الإدْرَوْن) وهو: الأصل، وقيل: الخبيث من الأصول، ومنه قولهم: رَجَعَ الفَرَس إلى (إِدْرَوْنِه) أَيْ: إلى (آرِيِّه) بمعنى: مَعْلَفِهِ؛ وهو يحتمل الأصلين: ذهب بعضهم إلى أنّه رباعيٌّ، وأنّ الهمزة فيه فاؤه؛ نحو: فِرْعَونَ وبِرْذَونَ2، وإلى هذا أشار الصّغانيّ3. وذهب الجمهور - وهو مذهب سيبويه4 - إلى أنّه ثلاثيٌّ من (الدّرَن) والهمزة فيه زائدةٌ للإلحاق بـ (جِرْدَحْلٍ) لأنّ الواو الّتي فيه ليست مدًّا لانفتاح ما قبلها؛ فشابهت الأصول بذلك؛ فألحقت بها. أمّا الهمزة فهي زائدةٌ؛ لأنّها وقعت في موضعٍ تطّرد فيه زيادتها؛ وهو وقوعها أوّلاً، وبعدها ثلاثة أصولٍ؛   1 ينظر: اللّسان (سقدد) 3/218. 2 ينظر: التّهذيب 14/93. 3 ينظر: التّكملة (درن) 6/228. 4 ينظر: الكتاب 4/246، والتّكملة للفارسيّ 232، والمقتصد في شرح التّكملة 2/784. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 ولكنّها شُبِّهت بالأصل؛ فألحقت به لمّا كانت الواو مشابهةً للأصول كما تقدّم؛ فكأنّ بعدها - أي: الهمزة - أربعة أصولٍ؛ كهمزة (إِصْطَبْل) وهذا وجه الإلحاق فيها. وممّا يدلّ على أنّ الكلمة ثلاثيّةٌ؛ واشتقاقها من (الدّرَن) قول سيبويه: إنّ الدّرَن: الدّنَس، وكذلك (الإِدْرَوْنُ) إذ يقال: رجع فلانٌ إلى إِدْرَوْنِه؛ أي: أصله الرَّديء الدَّنس؛ وبهذا فسَّره السّيرافي 1. ومنه قالوا: رجع الفرس إلى إدْرَوْنِه؛ أي آرِيِّه ومعلفه؛ وهو ما يكثر فيه الدّرن.   1 ين ظر: شرح السيرافي (تحقيق د. عبد المنعم فائز) ص611. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 (ح) النَّحْتُ: عرض البحث لمفهوم النحت عند القدامى، وأشار إلى طريقة العرب في نحت كلمة من كلمتين أو أكثر1 كما عرض للمفهوم الخاص عند ابن فارس 2، الذّي توسّع فيه -كما رأينا- بمحاولته إعادة كثير من الكلمات الرّباعيّة أو الخماسيّة إلى أصول ثلاثّية؛ مخالفاً جمهور العلماء؛ كقول القائل: حَرْزَقتُ الرَّجُلَ؛ إذا حبسْتَه؛ فهو - عند ابن فارس - منحوت من ((حَزَقَ)) و ((حَزَزَ)) 3 ونحو: ((الدَّلَهْمَسِ)) وهو: الأسد؛ منحوت - عنده- من كلمتين: ((دَالَسَ)) و ((هَمَسَ)) فالأوّل بمعنى: أتى في الظّلام، و ((هَمَسَ)) كأنّه غمس نفسه فيه وفي كلّ ما يريد 4. والكلمتان خماسيّتان بمقاييس الجمهور. ولو أُخذ بمذهب ابن فارس في هذا ونحوه لانفتح باب واسع في تداخل الأصول من الصّعب إغلاقه. ولقد لقيت فكرة ابن فارس- كما رأينا- رواجاً عند بعض المتأخرين؛ لأنّها وافقت جوانب في منهجهم؛ فوفّرت لهم أساساً تاريخياًّ. لما يذهبون إليه. فربّما جرّأهم ذلك على إعادة أكثر الأصول الخماسّية والرّباعيّة والثلاثيّة- إلى أصول ثنائيّة؛ فأدّى ذلك إلى اتّساع الفجوة بين   1 ينظر: ص (141) من هذا البحث. 2 ينظر: ص (148) من هذا البحث. 3 ينظر: المقاييس 2/143. 4 المقاييس 2/338. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 الفريقين: جمهور القدامى من البصريّين ومن سار على مذهب ابن فارس؛ ولاسيّما بعض المتأخّرين؛ الّذين بالغوا فيه وهم أصحاب ثنائيّة اللّغة؛ ولذا فإنّه من الظّلم للحقيقة أن يعدّ النّحت بهذا المفهوم عند هذا الفريق سبب من أسباب تداخل الأصول؛ لأنّ هذا البحث يسير في الأصول على منهج الجمهور في القديم – ولا سيّما البصرييّن - وهو المنهج الّذي بنيت عليه موادّ معاجم القافية. ويعدّ النّحت - بمفهوم القدامى- سبباً من أسباب التَّداخل؛ ولا سيّما في معاجم القافية، غير أنّ أثره محدود؛ لقلّة المنحوتات عنهم؛ حتى قيل إنّها لم تتجاوز السِّتِّين كلمةً (1) . ويرتبط الحديث عن التّداخل في النّحت بطريقة ترتيب المنحوتات في المعاجم الَّتي تعتمد على الأصول؛ كمعاجم القافية. والسُّؤال الَّذي لابدّ منه - هنا - هو: هل ينظر للكلمة المنحوتة من جهة أحد أصليها أو أصولها؛ الَّتي نحتت منها، أو ينظر لها على أساس ما آلت إليه بعد النّحتِ؛ فتُعامل معاملة ما بنيت عليه؟ وللإجابة عن السّؤال نقول: إنّ لكلٍّ من الاحتمالين ما يسوِّغه؛ فالأساس أن تعاد الكلمة إلى أصلها؛ وتصنّف في المعاجم على وَفْقِها. كما أنّ وضعها في الأصل الجديد - بعد النّحت - له وجهه؛ لأنّ الكلمة نقلت إلى بناء جديد؛ وهو   1 ينظر: الاشتقاق لعبد الله أمين 393. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 المنحوت؛ فتعامل في المعاجم من خلال هذا الأصل الجديد؛ بدليل أنّ تصريف الكلمة يكون عليه. وهذا هو الأقرب عندي. ولقد وجدت عند بعض العلماء القدامى ما يستأنس به لما ذهبتُ إليه؛ ومن هؤلاء: المعرِّيُّ والصّغاني. قال المعرِّيّ في وزن المنحوت: ((فإذا قيل: ما وزن عبْشَمِيٍّ؛ فإنّ النّظر يوجب وجهين: أحدهما: وهو الأقيس: أن تخرجه إلى باب جَعْفَرٍ؛ فتقول: (فَعْلِلي) . . . والآخر: أن تقول (فَعْفَعِيّ) لأنّك أخذت من عبدٍ: العينَ والباءَ ومن شَمْسٍ: الشِّينَ والميمَ)) ومن الواضح أنّ اختيار المعرّيّ هو الأوّل؛ لأنّه جعله الأقيس. ونصَّ الصّغاني على أن وضع الكلمة المركّبة في أصلها الجديد هو الأولى؛ وقد جاء ذلك في تعقيبه على الأزهريّ لوضعه كلمة ((المِشْلَوْزِ)) وهي المِشْمِشَةُ الحلوة المخّ في الثلاثيّ (ش ل ز) (2) على الرّغم من أنّها منحوتة من كلمتين؛ هما: المِشْمِشُ واللَّوز - إذ قال: ((ذكره الأزهريّ في (ش ل ز) وحقّه أن يذكر في أحد المواضع الثّلاثة: إمّا في مضاعف الشِّين؛ لأنّ صدر الكلمة مضاعف.   1 رسالة الملائكة 271. 2 ينظر: التهذيب 11/302. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 وإمّا في معتلّ الزّاي؛ لأنّ عجز الكلمة أجوف. وإمّا في رباعيّ الشّين؛ وهذا أولى؛ لأنّ الكلمة مركّبةٌ؛ فصارت مثل: شَقَحْطَبٍ، وحَيْعَلَ وما أشبههما من المركّبات)) ومضاعف الشِّين في نصّ الصّغانيّ (ش ل ز) ومعتلّ الزّاي: (ل وز) ورباعيّ الشّين: (م ش ل ز) . وقد ذكر ابن منظور ((المِشْلَوْزَ)) في الثّلاثيّ (ش ل ز) 2 تبعاً للأزهريّ؛ وهو غير سديد؛ ولا مدخل له على الوجهين؛ وقد ترتَّب على هذا الأصل أن يكون وزن ((المِشْلَوزِ)) (مِفْعَولا) وهو بعيد؛ لأنّ الميم أصليّة كالشِّين؛ وهي ميم ((مِشْمِشْ)) قبل النّحت. وذكرها الفيروز آباديّ في الرّباعيّ (م ش ل ز) ونقل كلام الصّغانيّ واختاره 3 وكذا في ((التّاج)) وعلى هذا فإنّ ((دَمْعَزَ)) أي: قال: أدام الله عزّك، و ((جعْفَدَ)) أي: قال: جُعِلتُ فداك ونحوهما يوضعان في الرّباعيّ، ويُقَرِّبُه - أيضاً - ما فيه من السّهولة على الباحث؛ بخلاف الوجه الآخر؛ لأنّه يحتاج إلى جهدٍ أطول للبحث عن الكلمة تحت أصولها قبل النّحت، ولا يدري في أيِّ   1التكملة للصّغانيّ (شلز) 3/303، 304. 2 ينظر الّلسان5/362. 3 ينظر: القاموس (مشلز) 676. (مشلز) 4/81، 82. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 أصولها يجدها؛ فليس لذلك ضابط محدّدٌ. ومن طريف النّحت ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنّ امرأته سألته أن يكسوها جلباباً؛ فقال: إنّي أخشى أن تدعي جلباب الله الّذي جلببكِ. قالت: وما هو؟ قال: بيتكِ، قالت: أَجِنَّكَ من أصحاب محمّدٍ - صلى الله عليه وسلم - تقول هذا؟ 1 تريد: أَمِنْ أجل أنّك؛ فحذفت ((مِنْ)) وكذا الهمزة واللاّم من ((أجْلِ)) والهمزة من ((أنّكِ)) . وقد وضعها ابن منظور في (ج ن ن) 2 مراعياً ما آلت إليه الكلمة بعد النّحت.   1 ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/73، 74. 2 ينظر: اللّسان (جنن) 13/98. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 (ط) الضّرورةُ الشِّعريَّةُ: الضرورة في اللّغة: اسم لمصدر الاضطرار؛ تقول: حملتني الضّرورة على كذا. والاضطرار: الاحتياج إلى الشّيء، والضَّرائر: المحاويج 1 وتقع الضّرورة الشّعريّة في الشّعر خاصّةً؛ لإقامة الوزن، أو تسوية القافية 2؛ كالزّيادة والحذف والبدل والتقديم والتّأخير، وتغيير الإعراب عن وجهه، وتأنيث المذكّر وتذكير المؤنّث 3 ويمكن القول: إن الضّرائر الصّرفيّة هي الَّتي يمكن أن تكون سبباً من أسباب التَّداخل بين الأصول؛ بخلاف الضّرائر النّحويّة؛ لما يعتري البنية الصّرفيّة من تغيير قد يؤدّي إلى التباس الأصليّ بالزّائد، أو تحويل البنية - في ظاهرها - إلى بنية أخرى. وقد شاع التَّداخل بين (افْعَألَّ) في الثّلاثيّ و (افْعَلَلَّ) من الرّباعيّ؛ كما تقدَّم في الباب الثّالث؛ نحو ((ادْهَأَمَّ)) في قول كُثَيِّر: وللأرْض أمَّا سُودُها فَتَجَلَّلَتْ ... بَيَاضاً وأمَّا بِيضُهَا فادْهَأَمَّتِ4   1 ينظر: اللّسان (ضرر) 4/483 (2) الضرورة الشعرية 13. (3) ينظر: ضرورة الشعر34، وما يجوز للشاعر في الضرورة87، وضرائر الشّعر17. (4) ينظر: ديوانه323، وسر الصناعة1/74، والممتع 1/322، ويروي ((فاسوأدّت)) كما في الخصائص3/127، 14. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 و ((احْمَأَارَّ)) في قوله - أيضاً: وأنْتَ ابنُ لَيلَى خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهَداً ... إذَا مَا احْمَأَرَّتْ بالعَبِيطِ العَوَامِلُ و ((اشْعَأَلَّ)) في قول الشَّاعر: وبَعْدَ انتِهَاضِ الشَّيبِ في كُلِّ جانِبٍ ... على لِمَّتِي حَتَّى اشْعَأَلَّ بَهِيمُهَا2 و ((ابْيَأَضَّ)) في قول دُكين: رَاكِدَةٌ مِخْلاتُهُ ومَحْلَبُهُ وجُلُّهُ حَتَّى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهُ (3) و ((ارْمَأََدَّ)) في قول الحُطيئة: وضَيَّعْتُ الكَرَامَةَ فَارْمَأَدَّات ... وقُبِّضْتُ الشَّقَا في جَوْفِ سَلْمَى4 والأصل في ((ادْهَأَمَّ)) و ((احْمَأَرَّ)) و ((اشْعَأَلَّ)) و ((ابْيَأَضَ)) و ((ارْمَأَدَّ)) وما شابهها - عدم الهمز؛ ووزنها: (افعَالَّ) ثّم همزت الألف؛ فراراً من التقاء السّاكنين؛ وهما الألف والحرف المدغم بعدها؛ وهو ما يسمّى عند بعض المعاصرين بـ ((المَقْطعِ المديد)) ويُرمز له عندهم بـ ((ص ع ع ص)) ويمثّلون له بنحو ((شَابَّةٍ)) و ((احْمَارَّ)) و {مُدْهَامَّتَانِ} 5   1) ينظر: ديوانه 294، ودقائق التّصريف 195، وعبث الوليد 69، وألف باء 2/123. 2) ينظر: سر الصناعة 1/73، وشح المفصل لابن يعيش 9/130، وضرائر الشعر 223. والممتع 1/321، واللسان (شعل) 11/353. 3) ينظر: الإبدال لأبي الطّييب الّلغوي2/545، وسرّ الصناعة 1/74، والمحتسب 1/320. 4 نظر: ديوانه 126، ويروى - أيضاً: قبضت السقاء. والسّام: الدّلو. 5 ينظر: دروس في علم أصوات العربيّة 191، ودراسة الصّوت العربيّ 256، ودراسات في علم أصوات العربيّة107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 وقد أدرك علماء العربيّة القدامى ذلك؛ فذكر الأزهريّ - وهو يعُدُّ الهمزات في العربيّة - ((الهمزة الَّتي تزاد لئلاّ يجتمع ساكنان؛ نحو: اطْمَأَنَّ، واشْمَأَزَّ وازْبَأَرَّ وما شاكلها)) وتحدَّث عنه ابن جنّي، وذكر أنّهم ربّما همزوا الألف في ((الضَّالِّينَ)) فقالوا: ((الضَّألِّين)) كراهة اجتماع السّاكنين: الألف واللاّم فحرّكت الألف؛ فانقلبت همزةً؛ لأنَّ الألف حرف ضعيف واسع المخرج لا يتحمّل الحركة، وذكر بعض أمثلته في الشّعر؛ نحو ((اشْعَأَلَّ)) و ((ابْيَأَضَّ)) وذكر أنَّ هذا كاد يتّسع عنهم2، أي يكثر. والهمز في مثل هذا الصّيغ واجب في الشّعر؛ لأنّ تفعيلات الشّعر تقبل تلك المقاطع المديدة الّتي يلتقي فيها ساكنان؛ وقد أجيز ذلك - على ضعف - في عروض من بحر المتقارب؛ كما نصَّ المبرّد إذ قال: ((وحَمَارَّةٌ ممَّا لا يجوز أن يحتج عليه ببيت شعر؛ لأنَّ كلَّ ما كان فيه من الحروف التقاءُ ساكنين لا يقع في وزن الشّعر إلاّ في ضربٍ منه يقال له المتقارب؛ وهو قوله: فَذَاك القِصَاصُ وكَانَ التَّقَا ... صُّ فَرْضاً وحَتْماً على المُسْلِمِينَ ولو قال: وكانَ القِصاَصُ فَرْضاً، لكان أجود وأحسن، ولكن قد أجازوا هذا في هذه العروض؛ ولا نظير له في غيرها من الأعاريض)) وعلّق ابن جنّي على بيت ((كُثَيِّر)) المتقدّم؛ الّذي وردت فيه كلمة   1التهذيب 15/6، 682. 2 ينظر: سرّ الصناعة1/74. 3 الكامل1/39. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 ((احْمَأرَّتْ)) بقوله: ((فهذه الهمزات في هذه المواضع إنّما وجبت عن تحريك الألف؛ لسكونها وسكون ما بعدها)) وعلى هذا يمكن أن يقال: إنَّ كلّ ما جاء على صيغة ((افْعَألَّ)) في شعرٍ إنّما هو في الأصل (افْعَالَّ) وقد أجرى الدّكتور رمضان عبد التّوَّاب دراسة قيّمة على ما جاء على هذا البناء في العربيّة من ألفاظ؛ أحصى قدراً صالحاً منها؛ ردّها إلى ضرورة الشّعر، ثمّ خَلَصَ من ذلك إلى القول بأنّ ((كلّ صيغة على وزن (افْعَأَلَّ) قد جاءت في العربيّة عن هذا الطّريق؛ حتّى ولو لم يوجد جوارها صيغة (افْعَالًَّ) في الاستعمال)) .2 وبهذا يمكن القول: إنّ كلّ ما جاء على صيغة (افْعَألَّ) إنّما هو ثلاثيّ؛ وقد تقدَّم في الباب الثّالث أنّ ابن جنّي كان يرى أنّ كثيراً من ذلك إنّما هو رباعيّ بأصالة الهمزة؛ نحو ((ازْرَأَمَّ)) و ((اخْضَأَلَّ)) و ((ازْهَأَوَّ)) و ((اضْفَأَدَّ)) و ((ازْلأَمَّ)) 3 فيكون وزنها - حينئذٍ (افْعَلَلَّ) . ومن الطّبيعيّ أن يؤثّر هذا التَّداخل بين الثّلاثيّ، والرّباعي بسبب ضرورة الشّعر في بعض معاجم القافية؛ فنجدهم يختلفون في وضع الكلمة من هذا البناء؛ فبعضهم يذكرها في الثّلاثيّ، وبعضهم يذكرها في الرّباعيّ وربّما اختلفت طريقة المعجم الواحد؛ فلم تطّرد على أصل واحد؛ كما هو ظاهر في ((لسان العرب)) . ويبيّن الجدول التّالي اختلاف بعض المعاجم في أصل هذا البناء:   1 المنصف1/281. 2 فصول في فقه الّلغة198 3 ينظر: الخصائص2/50، 51. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 وقد اختلفوا فيه: ذهب أكثر أهل اللّغة - قال الأنباري - إلى أنّ معنى ((يَنْبَاعُ)) : يَنْبَعُ، على وزن (يَفْعَلُ) فأشبع حركة الباء؛ فتولّدت الألف 1؛ لأنّهم ربّما وصلوا الفتحة بالألف والضّمّة بالواو، والكسرةَ بالياء؛ وكلّ ذلك جائز في الشّعر؛ كقول الفرزدق: تَنْفِي يدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةِ ... نَفْيَ الدّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ 2 فأشبع الكسرة في ((الدّراهم)) و ((الصّيارف)) (3) ومنه قول ابن هَرْمَةِ: وإنَّنِي حَيْثُ مَا يَسْرِي الهَوَى بَصَرِي ... مِنْ حَيْثُ مَا سَلَكُوا أدْنُو فَأنْظُورُ4 أراد: فأنظر؛ فأشبَع الضَّمَّةَ؛ فتولّد عنها واوٌ5. وعلى هذا الأصل فإنَّ وزن ((يَنْبَاعُ)) (يَفْعَالُ) . وذهب الأصمعيّ 6 والأعرابيّ 7 إلى أنّه (يَنْفَعِلُ) والنّون فيه نون (الانفعال) والألف عين الكلمة؛ وهو من: بَاعَ يَبُوعُ؛ إذا مرّ مرّاً ليِّناً   1 ينظر: شرح القصائد السّبع الطّوال 332، والخصائص 3/822، وما يجوز للشّاعر في الضّرورة 177. 2 ينظر: ديوانه (بتحقيق الصّاوي) 570. 3 ينظر: ما يجوز للشّاعر في الضّرورة 177، والخصائص 3/123. 4 ينظر: ديوانه 239، والخصائص 2/316، 3/124. 5 ينظر: ما يجوز للشّاعر في الضّرورة 176، وضرائر الشّعر 35. 6 ينظر: الخصائص 3/122. 7 ينظر: شرح القصائد المشهورات 24. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 في تَلَوٍّ 1. قال الأصمعيّ: ((يقال: انْبَاعّ الشّجاعُ يَنْبَاعُ انبِيَاعاً؛ إذا انخرط بين الصّفّين ماضياً)) 2 وذكر أنّ منه قول الشّاعر: وقوله: ي يُطْرِقُ حِلْماً وأنَاةً مَعا ... ثُمَّتَ يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجَاعْ 3 نباع انبياعاً: (يَنْفَعِلُ انْفِعَالاً) من (ب وع) وهو قبل الإعلال: ((يَنْبَوِعُ)) فقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. ولا يجوز حمل يَنْبَاعُ - هنا- على غير (يَنْفَعِلُ) لأجل ماضيه ومصدره: انْبَاعَ انْبِيَاعاً؛ لأنّهما لا يكونان إلا (انْفَعَلَ انْفِعَالاً) ومن قال بهذا الأصل أنكر أن يكون ((يَنْبَاعُ)) في بيت عنترة: ((يَنْبَعُ)) من ((النَّبْعِ)) لأنّ ((يَنْبَعُ)) يخرج كما يخرج الماء من الأرض، ولم يرد الشّاعر هذا؛ وإنّما أراد السّيلان، وتلوّي العَرَقِ على رقبة النّاقة؛ كتلوّي الحيّة؛ ومنه تسلّل الشّجاع بين الصّفوف (5) ؛ كما في البيت الأخير. والّذي أراه أن ((يَنْبَاعُ)) في بيت عنترة يحتمل هذا الأصل: (ب وع) ويحتمل الأصل الآخر: (ن ب ع) على مذهب كثير من أهل اللّغة   1 ينظر: شرح القصائد السّبع الطّوال 334. 2 ينظر: الخصائص 3/122. 3 ينظر: الخصائص 3/122. 4 ينظر: المحكم 2/136. 5 ينظر: شرح القصائد السّبع الطّوال 334، وشرح القصائد المشهورات 230. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 فلا مانع أن يوصف خروج العَرَق الغزير بنبع الماء كخروجه من الأرض؛ فالعلاقة بينهما قويّةٌ. قال الجوهريّ: ((نوابع البعير: المواضع الّتي يسيل منها عرقه)) 1. وكان ابن جنّي يميل إلى أنّه من (ن ب ع) ويخرّج حمله على (ب وع) على أنّها لغة تولّدتْ، ومنها: يَنْبَاعُ انْبِيَاعَ الشُّجَاعِ. قال: ((وذلك أنّه لمّا سَمِعَ (ينباع) أشبه في اللفظ: (يَنْفَعِل) فجاءوا منه بماضٍ ومصدرٍ؛ كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضَفَنَ الرَّجُلُ يَضْفِنُ؛ إذا جاء ضيفاً مع الضَّيفِ؛ وذلك أنّه لمّا سمعهم يقولون: ضَيْفَن، وكانت (فَيْعَل) أكثر في الكلام من (فَعْلَن) توهّمه (فَيْعَلا) فاشتقّ الفعل منه؛ بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه؛ فقال: ضَفَنَ يَضْفِنُ؛ فلو سُئلتَ عن مثال ضَفَنَ يَضْفِنُ على هذا القول لقلتَ – إذا مثّلته على لفظه: (فَلَنَ يَفْلِنُ) لأنّ العين قد حذفت)) 2. وقد انعكس الخلاف في هذه الكلمة على معاجم القافية؛ فمنهم من ذكرها في (ن ب ع) كالجوهريّ 3، ومنهم من ذكرها في (ب وع) كالصّغانيّ 4، ومنهم من ذكرها في الأصلين؛ كابن منظور5   1 الصِّحاح (نبع) 3/1287. 2 الخصائص 3/122. 3 ينظر: الصّحاح (نبع) 3/1287. 4 ينظر: التّكملة (بوع) 4/221. 5 ينظر: اللّسان (بوع) 8/23، و (نبع) 8/345. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 والفيروزآباديّ 1 والزبيديّ 2. وأدّت الضّرورة الشّعريّة إلى همز ((زَوْزَاةٍ)) في قول الشّاعر: وَلَّى نَعَامُ بَنِي صَفْوَانَ زَوْزَأَةً ... لَمّا رأى أسَداً في الغَابِ قَدْ وَثَبَا 3 فهمز ((زَوْزَأَة)) شذوذاً؛ فتداخل أربعة أصول: ثلاثة ثلاثيّة ورباعيٌّ. يجوز أن يكون الأصل (ز ز أ) فوزن ((زَوْزَأَةٍ)) حينئذ (فَوْعَلَة) مثل ((كَوْكَبَةٍ)) وهي: الزُّهْرَةُ 4، و ((صَوْمَعَةٍ)) . ووضعها ابن منظور في الثّلاثيّ (ز وز) 5 فوزن ((زَوْزَاةٍ)) على هذا الأصل: (فَعْلاة) و ((زَوْزَأَة)) (فَعْلأة) ووضعها ابن منظور - أيضاً- في الثّلاثيّ (ز وى 6 والوزن - حينئذ (فَعْفَلَة) على تقدير تكرير الفاء، وهَمْزِ الألفِ المنقلبة عن الياء؛ وهي لام الكلمة. ويجوز أن يكون الأصل (زوزو) فيكون أصلها قبل الهمز ((زَوْزَاة)) وهي قبل الإعلال: ((زَوْزَوَة)) ووزنها (فَعْلَلَة) من مضاعف الواو، بمنْزلة   1 ينظر: القاموس (بوع) 911، و (نبع) 5/518. 2 ينظر: التّاج (بوع) 5/283، و (نبع) 5/518. 3 القائل: ابن كثوة؛ كما في الخصائص3/145، وضرائر الشّعر 221. 4 ينظر: اللّسان (كوكب) 1/721. 5 ينظر: اللّسان (زوز) 5/359، 360. 6 اللّسان (زوي) 14/365. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 ((القَوْقَاة)) و ((الضَّوْضَاةِ)) وإلى هذا ذهب ابن جنّي 1 وابن عصفور2؛ وهو الرّاجح؛ حملاً على الأصول الرّباعيّة المكرّرة على مذهب البصريّين، وإنما هَمَزَ ليتحصّل على التّفعيلة الرّابعة المخبونة في بحر البسيط؛ وهو ((فَعِلُنْ)) .   1 ينظر: الخصائص 3/145، والمحتسب 1/310. 2 ينظر: ضرائر الشّعر 221، والمقرّب 517. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 (ي) تصريف الحروف وما أشبهها: المراد بالحروف - هنا - حروف المعاني؛ نحو ((مِنْ)) و ((إلَى)) و ((حَتّى)) و ((عَلَى)) و ((لَنْ)) و ((لولا)) و ((لكن)) وهي كثيرة. والمراد بما أشبه الحروف: الأسماء المتوغّلة في البناء كالضّمائر، وأسماء الاستفهام، والشّرط، وأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة، وأسماء الإشارة. ومن المتعارف عليه أنّه لا حظّ للحروف وما أشبهها في التّصريف؛ لأنّها مجهولة الأصل 1؛ ولعدم قبولها للتغيير 2؛ فلا يكون فيها زيادة؛ لأنّ الزّيادة ضربٌ من التّصريف، ولا يكون ذلك في الحروف 3. قال ابن مالك في عدم تصرّف الحروف وأشباهها: حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصّرْفِ بَرِيْ ... وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِيْ (4) وهذا يعني أنّ ما ينطق به وما أشبهه هو أصله بغير زيادة أو نقصان؛ فأصل ((مَنْ)) و ((مَتَى)) و ((لكن)) و ((هو)) و ((ذا)) و ((هنا)) : (م ن) و (م ت ا) و (ل ن) و (ل اك ن) و (? و) و (ذا) و (? ن ا) . ويؤدّي تصريف الحروف وما أشبهها إلى تداخل الأصول. وربّما وضع الحرف بسبب ذلك في غير مكانه في بعض المعاجم؛ كصنيع 1 ينظر: الممتع 1/35، وشرح المرادي 5/210، والتّصريح 2/354. 2 ينظر: شرح ابن النّاظم 820. 3 ينظر: شرح المفصّل لابن يعيش 9/141، والإيضاح في شرح المفصّل 2/371، والأشباه والنّظائر 1/452. 4 ينظر: الألفيّة 375 (ضمن مجموع مهمّات المتون) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 الجوهريّ في وضعه ((حَتّى)) في (ح ت ت) بزيادة الألف في آخره، ووزنها عنده (فَعْلَى) 1 واشتقاقها عنه من ((الحَتِّ)) وهو: الفراغ من الشّيء؛ مثل: ((شَتّى)) من الشَّتِّ. والحقّ أنّ الجوهريّ مسبوق في هذا الرّأي؛ فقد حكاه الأزهريّ؛ وعزاه إلى جماعة من النّحاة لم يسمّهم؛ ولم يكن راضياً عن مذهبهم؛ فردّ عليهم بقوله: ((وليس هذا القول ممّا يعرّج عليه؛ لأنّها لو كانت (فَعْلى) من الحَتّ؛ كانت الإمالة جائزة؛ ولكنّها حرف أداة؛ وليست باسم ولا فعل)) 2. وقد توبع الجوهريّ في وضعه ((حَتّى)) في (ح ت ت) فذكرها ثمّ - دون اعتراض - ابن برّي3، وابن منظو4، والفيروز آباديّ 5، والزّبيدي 6. على أنّ ابن منظور أعادها في (ح ت ي) 7. وهو موضع قريب؛ ولو وضعت في باب الألف اللّيّنة لكان أقرب، لأنّه ما من دليل على أنّ ألفها منقلبة عن واو أو ياء.   1 ينظر: الصِّحاح (حتت) 1/246. 2 التّهذيب 3/424. 3ينظر ا: التّنبيه والإيضاح (حتت) 1/161. 4 ينظر: اللّسان (حتت) 2/23، 24. 5) ينظر: القاموس (حتت) 192. 6 ينظر التّاج (حتت) 1/536، 537. 7 ينظر: اللّسان 14/164. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 ومن ذلك أنّ ابن منظور ذكر ((لَقَدْ)) في الثّلاثيّ (ل ق د) على الرّغم من أنّ اللاّم فيها ليست من أصل الكلمة فهي اللام الموطّئة للقسم، أو الواقعة في جواب القسم، صريحاً أو مقدراً، أو لام الابتداء، وأصل الكلمة: ((قَدْ)) فلا وجه لوضعها في الثّلاثيّ (ل ق د) وموضعها: (ق د) . وقريب من هذا ((لعلّ)) بمعنى: التّرجّي أو الإشفاق وغير ذلك، ولكنْ في أصلها خلافٌ بين البصريّين والكوفيّين: ذهب الكوفيّون إلى أنّ اللاّم الأولى فيها أصليّة؛ واحتجّوا بأنّ الحروف لا تدخلها الزّيادة، وحروف الحروف كلّها أصول. واستدلّوا على ذلك - أيضاً - بأنّ اللاّم لا تكاد تزاد فيما يجوز فيه الزّيادة إلا شذوذاً نحو: ((زَيْدَلْ)) و ((عَبْدَلْ)) في كلمات معدودة؛ فكيف يحكم بزيادتها فيما لا يجوز فيه الزّيادة بحال؟ 1. وكان المرادي يرى أنّ هذا مذهب أكثر النّحويّين، وأنّ لامها الأولى أصليّ 2. وذهب البصريّون إلى أنّ اللاّم الأولى زائدة، ونقل الزّجاجيّ إجماع النّحويّين على ذل 3. وقد استدلّ أصحاب هذا الرّأي بسقوطها كثيراً في الاستعمال في قولهم ((عَلّ)) بمعنى ((لَعَلّ)) كقول الشّاعر:   (1) ينظر: الإنصاف 1/218، 219، ورصف المباني 322، 435، وجواهر الأدب 402. (2) ينظر: الجنى الداني 579. (3) ينظر: اللاّمات للزّجاجي 135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 يَا أبَتَا عَلَّكَ أو عَسَاكَا1 وقول الآخر: لا تُهِينَ الفقيرَ عَلَكَ أنْ تَرْ ... كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قدْ رَفَعَه (2) وقو الرّاجز: عَلّ صُرُوفَ الدّهْرِ أوْ دَوْلاَتِهَا ... يُدِلْنَنَا اللّمّة مِنْ لَمّاتِهَا (3) واستدلّوا على زيادة اللاّم فيها - أيضاً - بالقياس على أخواتها؛ فإنّهنّ عملن النّصب والرّفعَ لشبه الفعل ((لأنّ: أنّ مثل مدّ، ولَيْتَ مثل لَيْسَ؛ ولكن أصلها: كِنَّ رُكّبت معها لا؛ كما ركّبت لو مع لا فقيل: لكنّ، وكأنّ أصلها: أنّ، أدخلت عليها كاف التّشبيه، فكذلك لعلّ أصلها: عَلّ، وزيدت عليها اللاّم؛ إذ لو قلنا: إنّ اللاّم أصليّة في لعلّ لأدّى ذلك إلى أن تكون لعلّ على وزن من أوزان الأفعال الثّلاثيّة أو الرّباعيّة) وقد اختلفوا في حقيقة هذه اللاّم؛ فقيل: إنّها لام الابتداء، وقيل: إنّها زائدة لمجرّد التّوكيد - كما قال المرادي 5   (1) ينظر: اللاّمات للزّجاجي 135، واللاّمات للهروي 150. (2) ينظر: أمالي القالي 1/107، وأمالي ابن الشّجري 1/385، وشرح المفصل لابن يعيش 9/43، ورصف المباني 322. (3) ينظر: اللاّمات للزّجاجي 135، والخصائص 1/316، والإنصاف 1/220، ورصف المباني 322. (4) الإنصاف 1/224. (5) ينظر: الجنى الداني 579. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715 وقد ذكر الجوهريّ ((لعلّ)) في الأصلين: (ع ل ل) و (ل ع ل) 1 وتابعه ابن منظو2. وسار ابن منظور في نحو ذلك على المنهج السّليم حينما ذكر اسم الإشارة ((هذا)) في (? ذ ا) من أجل الإحالة؛ فذكر أنّ الهاء فيه للتّنبيه3، وأعاده في باب الألف اللّيّنة في ذيل معجم 4. وأورد الجوهريّ الضّمائر التّالية: ((أنا)) و ((أنت)) و ((أنتما)) و ((أنتم)) في (أن ن) 5 مع أنّه ليس فيها سوى نون واحدة؛ فكان حقّها أن تذكر بحسب نطقها؛ لأنّها غير متصرّفة؛ فتذكر ((أنا)) في (أن و) أو في باب الألف اللّيّنة في ذيل المعجم، وتذكر ((أنت)) في (أن ت) وهكذا. أو توضع في أصلها (أن) على مذهب من يرى أنّ الضّمير هو ((أَنْ)) وهذه اللّواحق زوائد يتبيّن بها المراد من هذه الضّمائر6. وشاع في معاجم القافية وضع الحروف الثّنائيّة مثل ((أنْ)) و ((بَلْ)) و ((عَنْ)) و ((قَدْ)) و ((كَمْ)) و ((لَمْ)) و ((لَنْ)) و ((مَدْ)) و ((مُذْ)) و ((مَعْ)) و ((هَلْ)) في أصول ثلاثيّة؛ وهي على التّوالي: (أن ن) و (ب ل ل) و (ع ن ن) و (ق   1 ينظر: الصِّحاح (علل) 5/1774، و (لعل) 5/1815. 2 ينظر: اللّسان (علل) 11/474، و (لعل) 11/607. 3ينظر: اللّسان (هذا) 15/360. 4 اللّسان (ذا) 15/449. 5 ينظر: الصِّحاح 5/2075. 6 ينظر: شرح الأشموني 1/114. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 716 د د) و (ك م م) و (ل م م) و (ل ن ن) و (م ذ ذ) و (م ع ع) و (? ل ل) . وأرى أنّ حقّها أن توضع في مدخل ثنائيّ مستقلّ يناسبها؛ لأنّها لا تُمتُّ للأصول الثّلاثيّة بصلة؛ فمثلاً توضع ((قَدْ)) في (ق د) ويأتي بعدها الأصل الثّلاثيّ (ق د د) وتوضع ((لَمْ)) في (ل م) ويأتي بعدها الأصل الثّلاثيّ (ل م م) مستقلاًّ بنفسه؛ وهكذا في الباقي. (ك) الإدغام: الإدغام في اللّغة: إدخال شيء في شيء، ومنه إدخال اللّجام في أفواه الدّواب 1. وهو في الاصطلاح: إدخال حرف في حرف بعد تسكين الأوّل منهما؛ ولا يكون ذلك إلاّ في مثلين، أو متقاربين بعد قلب أحدهما2؛ نحو ((شَدّ)) و ((سَلَّمَ)) و ((ادَّكَرَ)) و ((الرَّجُلُ)) . ويعدّ الإدغام وسيلة من وسائل تيسير النّطق، والاقتصاد في الجهد العضلي3. وقد تقدّم أنّ بعض المتأخّرين يعدّ المدغم حرفاً واحداً أُطيل صوته؛ وهو- عند علماء العربيّة القدامى - حرفان. وقد رجّح البحث مذهبهم بالأدلّة4.   1 ينظر: اللّسام (دغم) 12/302. 2 ينظر: الممتع 2/631، وشرح الشّافية للرّضي 3/233-235. 3 ينظر: اللهجات في الكتاب لسيبويه 223. 4 ينظر: ص (171) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 717 والأصل في الإدغام أن يكون الحرفان مثلين؛ نحو ((شَدّ)) و ((كَسَّرَ)) ويحمل عليه إدغام المتقاربين بعد قلب أحدهما للإدغام؛ نحو ((ادّكَرَ)) وهو في الأصل ((ادْتَكَرَ)) و ((اتّصَلَ)) وهو - في الأصل ((اوْتَصَلَ)) على زنة (افْتَعَلَ) . ولذلك فإنّه إن وجد حرف مضعّف ينبغي أن يكون من إدغام المثلين، إلاّ أن يقوم دليلٌ على أنّه من إدغام المتقاربين؛ لأنّه لا يجوز إدغام الحرف في مقاربه في كلمة واحدة؛ لئلاّ يلتبس بإدغام المثلين؛ فلا يجوز- مثلاً - الإدغام في ((أنْمُلَةٍ)) فيقال: ((أُمُّلَةٍ)) لأنّ ذلك يؤدّي إلى اللّبس؛ فلا يدري هل هو في الأصل ((أنْمُلَةٍ)) أو ((أمْمُلَة)) فيتداخل الأصلان (ن م ل) و (م م ل) . فإن كان في الكلمة ما يدلّ على إدغام المتقاربين جاز الإدغام؛ نحو ((امّحَى الخطُّ)) وأصله ((انْمَحَى)) لأنّ هذا لا يمكن أن يكون من إدعام المثلين؛ إذ لو كان كذلك لكان على وزن (افَّعَلَ) وهو بناء مفقود في كلام العرب؛ فتبيّن بذلك أنّ الأصل ((انْمَحَى)) لوجود (انْفَعَلَ) 1. ومن الممكن أن يكون الإدغام سبباً لتداخل الأصول؛ ولا سيّما في مثل هذا النّوع؛ أعني: إدغام المتقاربين بعد القلب (الإبدال) لأنّهم ربّما اختلفوا في ذلك؛ فيتداخل الأصلان؛ كما حدث في ((هَمَّرِشٍ)) بسبب الإدغام، واختلافهم في توجيهه، فمن عدّه من باب إدغام المتقاربين كان عنده رباعيّاً من (? م ر ش) ومن عدّه من باب إدغام المتقاربين كان عنده - خماسيّاً من (? ن م ر ش) . وقد تقدّم تفصيل التّداخل فيه.   1 ينظر: الممتع 1/295، 296. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 718 ومن ذلك تداخل (وت د) و (ود د) في ((الوُّدِّ)) وهو: ما رزّ في الحائط أو الأرض من خشبٍ ونحوه1؛ ففيه إبدال المتقاربين؛ لأنّ أصله ((وَتِدٌ)) . قال سيبويه: ((وإنّما أصله: وَتِدٌ؛ وهي الحجازيّة الجيّدة، ولكنّ بني تميم أسكنوا التّاء، كما قالوا في فَخِذٍ: فَخْذٌ فأدغموا)) 2 وذكر أنّه غير مطّرد؛ لأنّه يؤدّي إلى التباس الأصول، فيظنّ أنّه من إدغام المثلين؛ فيكون أصله (ود د) ومن هنا وُضع في بعض المعاجم في الأصلين3. ومثله ((عِدَّانٌ)) جمع: عَتُود من أولاد المَعْز وأصله ((عِتْدَانٌ)) إلاّ أنّ التّاء قلبت دالاً للإدغام4. ومن ذلك تداخل (س د س) و (س ت ت) في قولهم ((سِتٌّ)) في العدد؛ وأصلها ((سِدْسٌ)) لقولهم: التّسْدِيسُ؛ ولذا قالوا في التّصغير: سُدَيْسَةٌ، وفي الجمع: أَسْدَاسٌ. والإدغام في ((سِتٍّ)) مسبوق بمرحلتين من الإبدال: أولاهما: قلب السّين الأخيرة تاءً؛ لتقرّب من الدّال الّتي قبلها؛   1 ينظر: اللّسان (وت د) 3/444. 2 الكتاب 4/482. 3 ينظر: الصِّحاح (وتد) 2/547، و (ود د) 2/549، واللّسان (وتد) 3/444، و (ودد) 2/455. 4 ينظر: الكتاب 4/482. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 719 فصارت ((سِدْتاً)) وقد سوّغ الإبدالَ بينهما تقارب مخرجيهما واتّحادهما في الهمس. وثانيهما: إبدال الدّال تاءً؛ لاتّحادهما في المخرج؛ وهو طرق اللّسان وأصول الثّنايا - كما قال سيبويه1. وبعد ذلك أدغمت التّاء الّتي هي - في الأصل - دالٌ في التّاء الّتي هي - في الأصل - سين؛ فقالوا: ((سِتٌّ) 2. وأدّى ذلك إلى وضع الكلمة في موضعين في بعض المعاجم؛ كما فعل الجوهريّ3، وابن منظور4، والفيروز آباديّ5، والزّبيديّ (6) .   1) ينظر: الكتاب 4/433. 2 سرّ الصّناعة 1/155. 3 ينظر: الصِّحاح (ستت) 1/251، و (سدس) 3/937. 4 ينظر: اللّسان (ستت 2/40، و (سدس) 6/104. 5 ينظر: القاموس (ستت) 196، و (سدس) 709. 6 ينظر: التّاج (ستت) 1/550، و (سدس) 4/166. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 720 (ل) الجَمْعُ: قد يكون الجمع سبب‍اً من أسباب تداخل الأصول؛ لا سيّما جمع التّكسير، لأنّ الخلاف في أحاد الجموع شائع بين العلماء؛ مطّرد في مذاهبهم؛ لأنّ مثال جمع التّكسير تفقد فيه صيغة الواحد؛ فيحتمل الأمرين أو الثّلاثة؛ وليس كذلك مثال جمع السّلامة؛ فمن سمع قولهم: ((زَيْدُونَ)) و ((خَالِدُونَ)) و ((مُسْلِمُونَ)) ونحوها لم يعرض له شكّ في الواحد منها؛ لسلامة بنائه من التّغيير. وربّما ترتّب على خفاء المفرد في بعض جموع التّكسير خفاءَ الأصل؛ فيكون عرضة لتداخل الأصول؛ كما وقع في ((الشَّاءِ)) جمع ((شَاةٍ)) ولا خلاف بينهم في أنّ أصل ((شَاةٍ)) : ((شَاهَةٌ)) وهي قبل الإعلال ((شَوْهَةٌ)) لقولهم في التّصغير: ((شُوَيْهَةٌ)) وفي الجمع - أيضاً: (شِيَاهٌ)) (1) ولكنّهم اختلفوا في جمعه على ((شَاءٍ)) . ذهب سيبويه إلى أنّ ((الشَّاءِ)) ليس من لفظ: شَاةٍ، وأنّه اسم للجمع؛ وأصله (ش وي) أو (ش وو) واستدلّ بقول العرب في التّصغير: شُوَيّ (2) ؛ حملاً على التّصغير؛ وهو يحتمله؛ لأنّ سيبويه أورده فيه، ويجوز - أيضاً - أن يكون ((شَوِيّاً)) بفتح الشّين وكسر الواو؛ وهو اسم جمع للشّاة؛ كما في قول الرّاجز:   1 ينظر: شرح السّيرافي للكتاب 5/637. 2 هكذا ضبط في طبعتَي الكتاب. وينظر: طبعة بولاق 2/116، وطبعة هارون 3/460. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 721 إِذَا الشَّوِيُّ كَثُرَتْ نَوَاتِجُهُ ... َانَ مِنْ تَحْتِ الكُلَى مَنَاتِجُهُ1 وقيل: إنّ ((شَوِيّاً)) جمع الشّاءِ؛ فكأنّه جمع الجمع2. و ((شَاءٌ)) عند سيبويه من باب ((سَوَاسِيَةٍ)) إذ هو جمع سَواءٍ؛ وليس من لفظه3؛ وإن كان فيه بعض حروفه؛ لأنّ تركيب سواءٍ من (س وي) أمّا ((سَوَاسِيَة)) فمن مضاعف الرّباعيّ (س وس و) لقول بعضهم: ((سَوَاسِوَةٌ)) فأخرج الواوَ على أصلها4. وهو عنده من غير لفظه، ومثّل له بامْرَأَةٍ ونِسْوَةٍ، ورَجَلٍ ونَفَرٍ5. والّذي حمله على أن يقول بهذا الأصل أنّ ((شَاءً)) لو كان جمع ((شاةٍ)) من لفظه لكان قياسه في الجمع ((شِيَاهٌ)) لأنّ المحذوف هاء6، ونظيره: مياهٌ. وعلى هذا فإن أصل ((شَاء)) عند سيبويه ((شَوَيٌ)) أو ((شَوَوٌ)) فقلبت عين الفعل منه ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ فصار في التّقدير: شَاياً أو   1 ينظر: اللّسان (شوا) 4/448، ومعنى اليبت: أي تموت الغنم من شدّة الجدب؛ فتشقّ بطونها فتخرج منها أولادها. 2 ينظر: الصِّحاح (شوه) 6/2238. 3 ينظر: الكتاب 3/460 4 ينظر: المنصف 2/145، وفيه: ((وسواسية من مضاعف الواو، وأصله: س وس)) . وهذا تحريف واضح؛ صوابه (س وس و) يدلّ عليه قوله: ((من مضاعف الرّباعي)) وقوله بعد: ((ويدلّ على ذلك، وأنّه ليس من باب كوكب، ولا باب سلس، قول بعضهم في سواسية: سَوَاسِوَة، وإخراج الواو على أصلها)) . 5 ينظر: الكتاب 3/460. 6 ينظر: المقتضب 1/153. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 722 شَاواً؛ فقلبت اللاّم منه همزة شذوذاً؛ لأنّ الألف أصليّة، وفيه - أيضاً - اجتماع إعلالين؛ لأنّه أعلّ اللاّم والعين جميعاً1. وذهب المبرّد إلى أنّ أصله (ش و ?) فـ ((الشَّاء)) عنده جمع ((شاة)) على لفظه بمنْزلة ((الماء)) والهمزة فيه مبدلة من الهاء؛ لأنّ أصل مفرده ((شَاهَةٌ)) فَجُمِعَ بإسقاط تاءَ التّانيث؛ كقولهم في جمع تَمْرَةٍ وشَعِيرَةٍ: تَمْرٌ وشَعِيرٌ؛ فكان تقديره في الجمع: ((شَاه)) وألفه منقلبة عن الواو؛ وهي العين، والهاء هي اللاّم، ثمّ أبدلوا من الهاء همزةً لقرب المخرجين؛ فقالوا ((شَاءٌ)) على حدّ قولهم - في الإبدال - أرَقْتُ وهَرَقْتُ، وإيّاكَ وهِيَّاكَ؛ وهو أشبه بقولهم ((ماءٌ)) إذ كان قبل الإبدال: ((مَاه)) 2. وكان ابن جنّي يميل إلى مذهب المبرّد، ويوجّه عودة اللاّم المحذوفة في المفرد؛ وهي الهاء، ويقول: ((فلمّا أردت جمع: شاةٍ على حدّ قولك: بَقَرَةٌ وبَقَرٌ؛ وجب حذف هاء التّانيث، فلزم أن يبقى الاسم على: شين وألف؛ وهما الفاءُ والعينُ؛ فلم يجز تركه على ذلك كراهة أن يُذْهِبَ التّنوينُ - لسكونه - الألفَ؛ كما يُذْهِبُها من قولك: هذه عَصاً؛ فيبقى الاسم الظّاهر على حرفٍ واحد؛ وهذا محال؛ فوجب أن يضمّ إلى الكلمة ما يؤمن معه حذف الألف؛ فكان ردّ الهاء الأصليّة الّتي هي لام الفعل أولى؛ لأنّها أحقّ من الأجنبيّ الغريب؛ فَرُدَّتْ فصار التّقدير: شاه3 في   1 ينظر: شرح السّيرافي 5/637، 638. 2 ينظر: المقتضب 1/153، 154، وهذا عنده هو القياس. 3 في النّص المطبوع: ((شاة)) بالتّاء؛ ولعله تصحيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 723 وزن: جاهٍ ... إلاّ أنّ العرب أبدلت الهاء همزةً)) 1. وعلى هذا الرّأي - أيضاً - يجتمع إعلالان؛ وهما: الأوّل: قلب العين ألفاً. الثّاني: قلب اللاّم همزةً2. واجتماع الإعلالين قليل؛ وهو في الثّلاتيّ من الاسم والفعل نادر؛ لأنّه لا يحتمل - لخفّته - إعلالاً كثيراً - كما قال الرّضيّ3. ويؤدّي التباس نون الجمع في آخر الكلمة الّتي تأتي على وزن (فِعْلان) بلام الكلمة في مصدر الرّباعيّ على وزن (فِعْلال) لتساوي البناءين في الحروف والحركات فـ ((سِلْعَان)) مثلاً - يحتمل الأصلين؛ فيجوز أن يكون جمعاً من الثّلاثيّ (س ل ع) وهو - حينئذ - جمع ((السَّلْعِ)) : شجر مرٌّ، ووزنه على هذا الأصل (فِعْلان) نحو: غِزْلانٍ وجِيرَانٍ وقِيعَانٍ. ويجوز أن يكون مصدراً من (س ل ع ن) من قولهم: سَلْعَنَ في عَدْوِهِ؛ أي: عدا عدواً شديداً، فوزنه - حينئذ (فِعْلال) على حدّ قولك: سَرْهَفْتُ الصّبيّ سِرْهَافاً؛ أي: أحسنت غذاءه. وقد أشار بعض العلماء إلى هذا التّداخل، ونبّه عليه؛ كأبي العلاء المعرّيّ في قوله: ((فأمّا (فِعْلان) فينبغي أن يتوقف عن الحكم في نونه، أكثر من التّوقف في نون (فُعْلان) وإن كانت تكثر زائدة في هذا الموضع؛   (1) المنصف 2/144، 145. (2) ينظر: المنصف 2/145. (3) ينظر: شرح الشافية للرّضي 3/94. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 724 وقد نصّ الأزهريّ على الأصلين بقوله: ((من جعل العَيْدَان (فَيْعَالاً) جعل النّون أصليّة، والياء زائدةً. ودليله على ذلك قولهم: عَيْدَنَتِ النّخلةُ. ومن جعله (فَعْلان) مثل: سَيْحَان من سَاحَ يَسِيحُ جعل الياء أصليّة والنّون زائدةً. ومثله: هَيْمَان وعَيْلان)) 1. وإلى مثل هذا أشار الجوهري في مادّة (ع ود) من ((الصِّحاح)) 2 وذكره ابن منظور في الأصلين3. وثمّة نوع في الجمع يكثر في التّداخل؛ وهو ما جمع على توهّم أصالة الحرف؛ كقولهم: مَسِيلٌ ومُسْلانٌ، وموضع الحديث فيه ما يلي من أسباب التّداخل؛ وهو: التّوهّم.   1 التّهذيب 3/132. 2 2/515. 3 ينظر: اللّسان (عود) 3/322، 323، و (وعدن) 13/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 726 (م) توهُّمُ أصالةِ الحرفِ: للتّوهّم في اللّغة معانٍ؛ منها: التَّخيّل، والسّهو، والغلط، والظّن1. والتّوهّم - في الاصطلاح اللّغويّ - مأخوذ من معانيه اللّغويّة؛ فهو توهّم أصالة الحرف الزّائد، أو توهّم زيادة الحرف الأصليّ، والأوّل أكثر؛ وهو يكثر في الجمع، واشتقاق الأفعال؛ نحو: مُسْلاَنٍ، جمع مَسِيْلٍ، ومَيَاسِمَ جمع مَيْسَمٍ، واشتقاقهم مِنْ: المِسْكِين والمِدْرَعَةِ: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ. والحديث عن ((التّوهّم)) مفرّقٌ في كتب اللّغة والصّرف، وأكثر وروده فيها عارض؛ وهم يطلقون عليه مسمّيات مختلفة؛ كـ ((الغَلطِ)) 2 و ((المشابهة)) و ((المشاكلة)) و ((كأنّه كذا)) و ((إلحاق هذا بذاك)) وكلّ هذا عند التّنبيه على الشّذوذ أو مخالفة القياس. ومن أقدم ما ورد من الإشارات الصّريحة عن ((التّوهّم)) ما عزاه سيبويه للخليل في جمع ((مُصِيَبةٍ)) قال: ((فأمّا قولهم: مَصَائِب فإنّه غلط منهم، وذلك أنّهم توهّموا أنّ مُصِيبَةً فَعِيلَةٌ، وإنّما هي مُفْعِلَةٌ)) 3. ثمّ نجد كلمة ((التّوهّم)) ترد كثيراً بهذا المعنى عند بعض اللّغويّين فيما   1ينظر: اللّسان (وهم) 12/643، 644. 2 ينظر: الكتاب 4/356، والخصائص 3/279. 3الكتاب 4/356. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 727 بعد؛ كالأزهريّ1، وابن جنّي2، والجوهريّ3، والصّغاني4. وتوهّم أصالة الحرف من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى تداخل الأصول، ومن أخطرها أثراً. وكثيراً ما يترتّب على التّوهّم خلاف بين العلماء؛ لأنّه الوجه الآخر للتّصريف؛ الّذي يعدّ من أهمّ المقاييس الّتي تميّز بها الأصول؛ فإذا حمل ما جاء على هذا المقياس على التّوهّم سقط الاستدلال به في كثير من أمثلة التّداخل؛ الّتي كان للتّوهّم فيها نصيب. فمن ذلك كلمة ((مَسِيلٍ)) وهي اسم مكان على وزن (مَفْعِل) من: سَالَ يَسِيلُ، وأصلها (س ي ل) وقياس جمعها: مَسَايِل؛ فلمّا شاعت الكلمة توهّموا أصالة ميمها؛ فحملوها على راء (رَغِيفٍ) فقالوا في الجمع: أمْسِلَة ومُسْلاَن؛ كقولهم: أَرْغِفَةٌ ورُغْفَان. وكان الأزهريّ يحملها على التّوهّم، ويرى زيادة الميم؛ كما توهّموا أصالة الميم في المكان؛ فقالوا في جمعه: أمْكِنَةٌ، وأصله (مَفْعَل) من: كان5. بيد أنّ ابن جنّي كان يرى خلاف ذلك؛ ويقول: ((وأمّا مَسِيلٌ فذهب بعضهم في قولهم في جمعه: أمْسِلَةٌ - إلى أنّه من باب الغلط؛ وذلك لأنّه أخذه من: سَالَ يِسِيل؛ فهو عندهم على مَفْعَل، كالمَسِيرِ والمَحِيضِ؛   1 ينظر: التّهذيب 12/459. 2 ينظر: الخصائص 3/122. (3 ينظر: الصِّحاح (مأق) 4/1553. 4 ينظر: التّكلمة (مصد) 2/343. 5 ينظر: التّهذيب 12/459. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 728 وهو - عندنا - غير غلط؛ لأنّهم قد قالوا فيه: مُسُلٌ؛ وهذا يشهد بكون الميم فاء)) 1. وقد تقدّم تفصيل التّداخل فيه. ومن ذلك قولهم: ((مَيَاسِمُ)) في جمع: مِيسَمٍ؛ وهي آلة الوسم أو أثر الوسم؛ فأصله (وس م) ولكنّهم قالوا في جمعه: ((مِيَاسِمُ)) على توهم أصالة الياء؛ وهو الكثير في جمعه، وربّما قالوا: ((مَوَاسِمٌ)) قليلاً؛ وهو القياس2. وحمل قولهم: رِيْحٌ وأَرْيَاحٌ - على توهّم أصالة الياء؛ لأنّ أصل رِيْحٍ (روح) فقياس الجمع منه ((أرْوَاحٌ)) . وقد حكى أبو الفرج الأصبهاني ما وقع في شعر عُمارة بن عقيل الخطفيّ، واعتراضَ أبي حاتم السّجستاني عليه؛ فقال: ((أنشد عُمارة قصيدة له؛ فقال فيها: الأرْيَاحُ والأمطارُ؛ فقال له أبو حاتم السّجستاني: هذا لا يجوز، وإنّما هو الأرْوَاحُ؛ فقال: لقد جذبني إليها طبعي، فقال له أبو حاتم: قد اعترضه علمي؛ فقال: أما تسمع قولهم: رِياَحٌ؟ فقال له أبو حاتم: هذا خلاف ذلك، قال: صدقتَ ورجع)) 3. ومثل هذا قول العرب في جمع ((عِيْدٍ)) : أعْيَادٌ؛ فهو - عند بعض العلماء - على توهّم أصالة الياء؛ لأنّ ((عِيْداً)) في الأصل: ((عِوْدٌ)) قال ابن سيده: ((واشتقاقه من: عَادَ يَعُودُ؛ كأنّهم عادوا إليه. وقيل: اشتقاقه من   1 الخصائص 3/279. 2 ينظر: الشّواهد على قاعدة توهّم أصالة الحرف 363. 3 الأغاني 23/433. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 729 العَادَة؛ لأنّهم اعتادوه. والجمع أعْيَاد؛ لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعْوَاد؛ كرِيحٍ وأرْوَاحٍ؛ لأنّه من: عَادَ يَعُودُ)) 1 وقيل: جمعوه بالياء ليفرّقوا بينه وبين ((أعْوَادِ الخشبِ)) . ومن توهّم أصالة الحرف في الأفعال قولهم: ((تَمَسْكَنَ)) و ((تَمَنْطَقَ)) و ((تَمَدْرَعَ)) و ((تَمَخْرَقَ)) فقد حملوه على الرّباعيّ (فَعْلَل) فجعلوا الميم في هذه الأفعال فاء الرّباعيّ؛ بإزاء دال ((تَدَحْرَجَ)) والاشتقاق خير دليل على زيادتها، ووقوع التّوهّم فيها. ومن ذلك توهّم أصالة النّون في ((الضَّيْفَنِ)) وهو الّذي يأتي مع الضّيف من غير دعوة؛ فاشتقّوا منه فعلاً؛ فقالوا: ضَفَنَ الرَّجلُ يَضْفِنُ، إذا جاء مع الضّيف2. وأدّى ذلك إلى اختلافهم؛ فجعل بعضهم النّون زائدة على التّوهّم؛ وهو عند أبي زيد الأنصاريّ (فَيْعَل) بأصالة النّون3. ومنه قولهم: ((تَشَيْطَنَ)) فقد استدلّ به بعض العلماء على أصالة النّون؛ فجعلوه من (ش ط ن) وحمله بعضهم على التّوهّم بأصلالة الياء وزيادة النّون؛ وهو عندهم من (ش ي ط) وقد تقدّم تفصيل التّداخل فيه.   1 المحكم 2/232، وينظر: اللّسان (عود) 3/319. 2 ينظر: المنصف 1/167. 3 ينظر: سرّ الصّناعة 2/445، والمنصف 1/167، وينظر خلافهم في أصل هذه الكلمة: الكتاب 4/320، وديوان الأدب 2/43، ورسالة الملائكة 265، وشرح الملوكي 185، والممتع 1/271، والارتشاف 1/102. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 730 (ن) اختلاف الحركات ثمّة كلمات اختلفت حركاتها؛ لاختلاف الرّواية فيها أو اللّغات. واختلاف الحركة في الكلمة يؤدّي - أحياناً - إلى تغيير الأصل، فـ ((الثَّنْدُوَة)) بفتح الثّاء - من (ث ن د) على بناء (فَعْلُوَة) مثل: تَرْقُوَةٍ وعَرْقُوَةٍ. وإذا ضمّ أولها همزت الواو، فيقال: ((الثُّندُؤَة)) فتكون: (فُعْلُلَة) من الأصل الرّباعيّ: (ث ن د أ) 1. وإنّما حملت - على رواية الضّمّ - على الرّباعيّ؛ لوجود (فُعْلُل) ولم تحمل عليه - أعني: الرّباعيّ في رواية الفتح لفقد (فَعْلُل) . ومن ذلك ((بُرْهُوتٌ)) وهو وادٍ أو بئر بحضرموت. وفيه رواية أخرى؛ وهي ((بَرَهُوت)) وأصله على رواية الفتح (ب ر ?) لأنّ القياس في تائه الزّيادة؛ لكونها مزيدة في أمثاله ممّا عرف اشتقاقه؛ كالتَّرَبُوت والخَرَبُوت 2. وأصله على الضّمّ (ب ر ? ت) 3 لأنّ القياس في تائه - حينئذ - أن تكون أصليّة؛ ووزنه (فُعْلُول) كعُنْقُودٍ وعُصْفُورٍ. ومن طريف التّداخل بسبب اختلاف الحركات ما جاء في حديث حُذيفة أنّه أقيمت الصّلاة؛ فتدافعوها وأبوا إلاّ تقديم حُذيفة؛ فلمّا سلّم   1 ينظر: اللّسان (ثدأ) 1/41. 2 ينظر: الفائق 1/101. 3 ينظر: النّهاية 1/122، واللّسان (برهت) 2/10. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 731 قال: ((لَتُبَتِّلُنَّ لها إماماً، أو لَتُصَلُّنَّ وُحداناً)) (1) وربّما رُوي: ((لَتَبْتِلُنّ)) 2 ورُوي - أيضاً - برواية ثالثة مختلفة؛ وهي: ((لتَبْتَلُنّ)) 3 فاحتملت الكلمة أصلين: أحدهما: (ب ت ل) على الرّوايتين الأوليين: (لَتُبَتِّلُنَّ) و (لَتَبْتِلُنّ) والمعنى: لتُنَصِّبُنّ إماماً، ولَتَقْطَعُنّ الأمر بإمامته. وأصل البتل: القطع يقال: بَتَلَهُ يَبْتِله، ومنه قيل لمريم: البَتُوْلُ؛ لانقطاعها عن النّاس 4؛ فيكون وزنهما (لَتُفَعِّلُنّ) و (لَتَفْعِلُنّ) . والآخر: (ب ل و) من الابتلاء، وهو الامتحان، والمعنى لتختارُنّ أو لتَمْتَحِنُنّ لها إماماً من بَلَوْتُ وابْتَلَيْتُ5. وعلى هذه حمله شَمِرٌ؛ وفسّره بقول: ((أي: لتختارنّ، وأصله: التّجربة والخبرة؛ يقال: اللهم لا تَبْلُنَا إلاّ بالّتي هي أحسن؛ أي لا تمتحنّا)) 6. والوزن على هذا الأصل (لَتَفْتَعُنّ) بحذف لام الكلمة؛ لأنّ الأصل (تَفْتَعِلُون) على تقدير: تَبْتَلِيُون؛ فحذفت لامه - وهو حرف العلّة -   1 ينظر: المجموع المغيث 1/127. 2 ينظر: غريب الحديث للخطّابي 2/330، والفائق 1/73. 3 ينظر: الغريبين 1/220، 221، والمجرّد للغة الحديث 1/165. 4 ينظر: غريب الحديث للخطّابي 2/330. 5 ينظر: غريب الحديث للخطّابي 2/330. 6 الغريبين 1/221. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 732 لإسناده إلى واو الجماعة، وضُمّت للدّلالة على المحذوف؛ وهو الواو؛ فقالوا: لَتَبْتِلُونَ، ثمّ حذفت واو الجماعة؛ لتوكيد الفعل بالنّون. ومن طريف التّداخل - أيضاً - ما حدث في ((المِسْطَار)) وهو ضرب من الشّراب فيه حموضة، ويروى - أيضاً - بالصّاد؛ فيحتمل (س ط ر) أو (ص ط ر) بالإبدال؛ ووزنه (مِفْعَال) وكسر الميم فيه رواية الجوهريّ له 1. وفيه رواية أخرى بضمّ الميم؛ وبها رواه الأزهريّ 2؛ وهي اختيار الصّغانيّ3، وتحتمل رواية الضّمّ ثلاثة أصول، وهي: (ص ور) و (ط ي ر) و (س ور) . أمّا الأول: (ص ور) فهو مذهب الصّغانيّ؛ إذ كان يرى أنّ ((المُسْطَارَ)) على وزن (مُفْتَعَل) من صَار؛ كالمُخْتارِ - اسم مفعول، واستدلّ بأنّ الكسائيّ كان يشدّد الرّاء، ويقول: ((مُسْطَارٌّ)) فهو - حينئذ - من ((اسْطَارَّ يَسْطَارُّ، مثل ادْهَامَّ يَدْهَامُّ)) 4 وعلى هذا فموضع ذكره - كما قال - مادّة (ص ور) من فصل الصّاد. أمّا الثّاني: (ط ي ر) فهو على تقدير أنّ ((المُسْطَارَ)) في الأصل: ((المُسْتَطَار)) على وزن (المُسْتَفْعَل) .   1 ينظر: الصِّحاح (سطر) 2/684. 2 ينظر: التّهذيب 12/329. 3 ينظر: التّكملة (سطر) 3/28. 4 التّكملة (سطر) 3/28. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 733 قال الأزهريّ: ((المُسْطَار: هو الغُبَار المرتفع في السّماء، وقيل كان في الأصل: مُسْتَطَاراً؛ فحذفت التّاء؛ كما قالوا: اسْطَاعَ في موضع: استَطَاع، وقال عديّ بن الرّقاع: مُسْطَارَةٌ ذَهَبَتْ فِي الرَّأسِ سَوْرَتُهَا كَأَنّ شَارِبَهَا مِمّا بِهِ لَمُمُ 1 ويقوّي هذا أنّ الخمر تثب إلى الرّأس، وتنتشر انتشار الغُبار المرتفع؛ فتحجب عقل شاربها كما يحجب الغُبارُ الأشياءَ المحسوسةَ. أمّا الثّالث (س ور) فهو على تقدير أنّ الطّاء في ((المُسْطَارِ)) مبدّلة من التّاء في ((المُسْتَار)) ووزنه (المُفْتَعَل) ثمّ قلبت تاء الافتعال طاءً؛ فقالوا: ((المُسْطَار)) فلعلّه مشتقّ من ((سَوْرَةِ الخمر)) وهو: حدّتها، ووُثوبها في الرّأس2؛ فيكون الأصل قبل الإعلال: ((المُسْتَوَرَ)) . ولا ترد هذه الأصول المحتملة إلاّ على رواية ضمّ الميم. أمّا رواية الكسر الّتي ذكرها الجوهريّ، فلا تحتمل إلا أصلين (س ط ر) على رواية السّين و (ص ور) على رواية الصّاد، وكأنّهما من الإبدال. وممّا تداخلت أصوله بسبب اختلاف الحركة ((مَقْتَوِين)) في قول عمرو بن كلثوم: مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينَا3   1 التّهذيب 12/329، وفي الدّيوان (ص 75) : ((مصطارة)) بالصّاد. 2 ينظر: اللّسان (سور) 4/383. 3 نظر: ديوانه 79، وشرح القصائد السّبع الطّوال 402، وشرح القصائد المشهورات 2/109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 734 وقد روي - أيضاً - بضمّ الميم: ((مُقْتَوِينَا)) 1 فاحتمل أصلين: (ق ت و) و (ق وو) فمن رواه بالفتح فهو من الأصل الأوّل؛ واشتقاقه من ((القَتْوِ)) وهو: الخِدْمَة، وقيل حسنُ خدمة الملوك؛ من قَتَوْتُ أَقْتُو قَتْواً. والمعنى: متى كنّا لأمّك خادمين؟ وفي الواو والنّون فيه آراء مختلفة، لا تخرجه من هذا الأصل؛ فصّلها عبد القادر البغداديّ في ((الخزانة)) 2. ومن رواه بضمّ الميم فهو يحتمل الأصلين معاً. وقد تقدّم الحديث عن الأول (ق ت و) وأمّا الثّاني فهو (ق وو) من ((الاِقْتِوَاءِ)) بمعنى: الاشتراء. وقد ذكروا أنّه لا يكون إلاّ ممّن يشتري من الشّركاء، والّذي يُباع من العبيد والجواري أو الدّوابّ، من اللّذين تقاويا، وأصله من القُوَّةِ؛ لأنّه بلوغ بالسّلعة أقوى ثمنها، ويقال: اقْتَوَى الشّيءَ إذا اختصّه لنفسه3؛ فيكون المعنى على هذا الأصل: متى اقْتَوَتْنَا أمُّك فَاشْتَرَتْنَا4. ومن ذلك قولهم: ((أزَبُّ العَقَبَةِ)) وهو: شيطانها، أو حيّة سُمّيت بهذا الاسم. وقد رويت الكلمة بكسر الهمزة، وسكون الزّاي، فاحتملت بذلك   1 ينظر: التّهذيب 9/370. 2 ينظر: 7/427-432. 3 ينظر: اللّسان (قوا) 15/312. 4 ينظر: التّهذيب 9/370. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 735 أصلين: (أز ب) و (ز ب ب) كما ذكر الزّبيديّ1. واختلفوا في ضبط ((المتيَخَةِ)) وهي: العصا أو جريدة النّخل. فمن رواها بكسر الميم وتضعيف التّاء كان تقديرها عنده (فِعِّيلَة) من (م ت خ) . ومن رواها بكسر الميم وسكون التّاء وفتح الياء، فتقديرها (مِفْعَلَة) من (ت وخ) 2.   1 التاج: (أزب) 1/147. 2 ينظر: النّهاية 4/291، 292، واللّسان (توخ) 2/10. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 736 (س) التّصحيف والتّحريف: يدلّ الأصل (ص ح ف) على انبساط في شيء وسَعَةٍ، ومنه الصَّحِيفُ، وهو: وجه الأرض، والصّحيفة؛ وهي الَّتي يكتب فيها 1. ويدلّ الأصل (ح ر ف) على معانٍ؛ منها: الانحراف عن الشّيء، والعدول عنه 2. ولا يكاد يفرِّق كثير من القدامى بين مفهومي التَّصحيف والتَّحريف في الاصطلاح؛ فيجعلونهما مترادفين3؛ فالتَّصحيف: ((الخطأ في الصَّحيفة بأشباه الحروف)) 4 وأصله كما قال المعرّيّ: ((أن يأخذ الرّجل اللّفظ في قراءته في صحيفة؛ ولم يكن سمعه من الرّجال؛ فيغيّره عن الصّواب)) .5 وثَمَّةَ من فرَّق بين التّصحيف والتَّحريف، ولعلّ أوّل من نصّ عليه ابن حجرٍ حين قال: ((إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخطِّ في السِّياق؛ فإن كان ذلك بالنّسبة إلى النّقط فالمصحَّف، وإن كان بالنّسبة إلى الشّكل فالمحرَّف)) 6. وقد استقرّ الرّأي عند جمهرة العلماء المتأخّرين على هذا المفهوم؛   1 ينظر: المقاييس 3/334. 2 ينظر: المقاييس 2/42، واللّسان (صحف) 9/43. 3 ينظر: تحقيق النّصوص ونشرها 66، وتحقيق التّراث 154. 4 التّاج (صحف) 6/161، وينظر: شرح ما يقع فيه التّصحيف 13. 5 المزهر 2/353، وينظر: البلغة في أصول اللّغة 293. 6 نزهة النّظر في توضيح نخبة الفكر 127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 737 فالتّصحيف - عندهم - خاصّ بالتّغيير في النَّقْطِ في الحروف المتشابهة، كالياء والتّاء والثّاء، والجيم والحاء والخاء، والدّال والذّال، والرّاء والزّاي. وأمّا التّحريف فهو خاصٌّ بتغيير شكل الحروف المتقاربة، كالدّال والرّاء، والدّال واللاّم، والنّون والزّاي (1) . وقد وقع في التّصحيف والتّحريف جماعة من الأجلاّء من أئمّة اللّغة، وأئمّة الحديث، حتّى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومن يعرى من الخطأ والتّصحيف؟ 2 وقد تصدّى فريق من العلماء إلى ما وقع من تصحيف في بعض المعاجم اللّغويّة؛ ومن أهمّها ((العين)) للخليل و ((الجمهرة)) لابن دريد، و ((الصِّحاح)) للجوهريّ. وقد تعقّب الأخيرَ بعض العلماء؛ كابنِ برّيّ، والصّغاني، والفيروز آباديّ. وممّا لا شكّ فيه أنّ التّصحيف والتّحريف يؤدّيان إلى تغيير أصل الكلمة. وقد يؤدّي هذا التّغيير إلى تداخل الأصول؛ ولا سيّما فيما وقع فيه خلاف بين العلماء؛ ممّا يحتمل الوجهين؛ كخلافهم في ((الجَرَجَةِ)) وهي: جَادَّةُ الطَّريق؛ فقال بعضهم: هي ((الخَرَجَةُ)) وقال بعضهم الآخر: ((الجَرَجَةُ)) وقد نقل ابن برّي الخلاف بينهم، وذكر أنّ ثعلباً وابن خالويه وأبا عبيد وغيرهم كانوا يقولون: ((الجَرَحَةُ)) ويجعلون الخاء تصحيفاً. وذكر أنّ الصّمعيّ وابن السِّكَّيت وأبا سهل الهرويّ وغيرهم كانوا يقولون:   1 ينظر: تحقيق النّصوص ونشرها 67، ومدخل إلى تاريخ نشر التّراث العربيّ 286، 287، ومناهج تحقيق التّراث 124. 2 ينظر: المزهر 2/353. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 738 ((الخَرَجَةُ)) ويجعلون الجيم تصحيفاً1. وذكر ابن برّي أنّ أبا الطّيّب اللّغويّ سُئِل عنها؛ فقال: ((حكى لي بعض العلماء عن أبي زيد أنّه قال: هي: الجَرَجَةُ - بجيمين – فلقيت أعرابياً، فسألته عنها؛ فقال: هي: الجَرَجَةُ - بجيمين - وهو - عندي - من: جَرَجَ الخاتَمُ في إصبعي، وعند الأصمعيّ أنّه من: الطّريق الأخْرَجِ؛ أي الواضح)) وكان الوزير ابن المغربي3 يسأل عن هذه الكلمة على سبيل الامتحان، ويقول: ما الصّواب من القولين؟ ولم يفسّره - كما ذكر ابن برّي4. ومنه ما وقع في كلمة (مَخَانَةٍ) في قول لبيبد: يَتَحَدَّثُونَ مَخَانَةً وَمَلاَذَةً ... ويُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإنْ لَمْ يَشْغَبِ5 فالمَخَانَةُ مصدر ميميّ من: الخِيَانة، والميم زائدة، والأصل (خ ون) ووزنه (مَفْعَلَة) وقد رواه أبو موسى الأصبهاني بالجيم على أنّه (مَجَانَة) من: المُجُونِ6.   1 ينظر: التّنبيه والإيضاح (جرج) 1/195، واللّسان (جرج) 2/224. 2 التّبنيه والإيضاح 1/195. 3 هو: الحسين بن علي بن الحسين، أبو القاسم. واشتهر بالوزير ابن المغربي؛ وهو معدود في علماء اللّغة والأدب. وكان وفاته (سنة 418?) . ومن مصادر ترجمته: وفيات الأعيان 1/195- 197، ولسان الميزان 2/301، وشذرات الذّهب 3/210. 4 ينظر: التنبيه والإيضاح (جرج) 1/195. 5 ينظر: ديوانه 153، 154، وفيه روايات أخرى. 6 ينظر: المجموع المغيث 3/186. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 739 والماجِنُ: الّذي لا يبالي بما يقول أو يفعل، وأصله (م ج ن) والميم أصليّة، ووزنه (فَعَالَة) مثل: حَمَاقَةٌ. وقد ذكره ابن الأثير في الموضعي1، وتابعه ابن منظور2. ومن التّحريف أنّ الجوهريّ ذكر (مَاطِرُونَ) وهو: موضع بالشّام - في (ن ط ر) 3 لأنّه رواه بالنّون (نَاطِرُون) وهو مخالف لما عليه الجمهور، ومن ثمّ ردّ عليه الفيروز آباديّ4. ومن ذلك تداخل (ود ن) و (د ي ن) في قول الطِّرِمَّاحِ: عَقَائِلُ رَمْلَةٍ نَازَعْنَ مِنْهَا ... دُفُوفَ أَقَاحِ مَعْهُودٍ وَدِينِ5 وقد ذكر الأزهريّ أنّ اللّيث أنشده: ... ... ... مَعْهُودٍ وَدِينِ على أنّ الواو حرف العطف، وأنّ الكلمة ((دِينٌ)) وهو من الأمطار ما تعاهد موضعاً لا يزال يُرِبّ6 به ويصيبه.   1 ينظر: النّهاية 2/89، 4/307. 2 ينظر: اللّسان (خون) 13/144، و (مجن) 13/402. 3 ينظر: الصِّحاح (نظر) 2/830. 4 ينظر: القاموس (مطر) 613. 5 ينظر: ديوانه 528. 6 هكذا في ((التّهذيب)) بضمّ حرف المضارعة على أنّه من ((أرَبَّ)) ومثله في العين (8/74) وفي اللّسان (13/444) : ((يَرُبُّ)) من ((رَبَّ)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 740 وذكر الأزهريّ أنّ هذا تحريف صوابه: ((وَدِينٌ)) وأنّ الواو فاء الكلمة؛ وليست حرف عطف؛ وهو على وزن (فَعِيل) أراد الشّاعر: دُفُوف رَمْلٍ، أو كُثُب أقَاحٍ أصابها المطر؛ فهو ((وَدِينٌ)) أي: ((مَوْدُونٌ)) مَبْلُولٌ، من وَدَنْتُهُ أَدنُه وَدْناً؛ إذا بللته1. ومنه قولهم: وَدَنتُ الجلد؛ إذا دفنته تحت الثّرى ليلتين؛ فهو مودون. وكلّ شيء بللتَه فقد ودنتَه 2. على أنّ ما في ((العين)) مخالف لما نقله الأزهريّ؛ إذ جاء على الصّواب من غير تحريف؛ ونصّه: ((الوَدِينُ من الأمطار: ما يتعاهد موضوعه لا يزال يُرِبُّ به ويصيبه، قال الطِّرِمَّاح: دُفُوفَ أقَاحِ مَعْهُودٍ وَدِينِ وَوَدَنْتُ فلاناً، أي: بللته. وقول الطِّرِمَّاح: مَعْهُودٍ وَدِينِ إنّما هو: وَدِينٌ مَبْلُولٌ، والواو من نفس الكلمة)) (3) ولعلّ النّص محرّفٌ في نسخة الأزهريّ من ((العين)) . وممّا نتج عن هذا التّحريف إثبات معنىً في (د ي ن) لا حقيقة له في اللّغة؛ فقد أخذ بعض المعجميّين حكاية الأزهريّ نصّ ((العين)) المحرّف في ((التّهذيب)) بالقبول على أنّه حقيقة لغويّة. ومنهم الفيروز آباديّ الّذي ذكر من معاني الدّين: ((المواظبَ من   (1) ينظر: التّهذيب 14/185. (2) ينظر: اللّسان (ودن) 13/445. (3) العين 8/74. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 741 الأمطار أو اللّيّنَ منها)) 1. وقال الزّبيديّ: ((وَالدِّينُ: المواظب من الأمطار، أو اللَّيِّن منها وقال اللّيث: الدِّين من الأمطار ما تعاهد موضعاً لا يزال يصيبه)) 2. وكذا في ((محيط المحيط)) 3 للبستانيّ. وقد أثبتوا هذا المعنى الّذي أثاره الأزهريّ؛ على الرّغم من أنّه نصّ على بطلانه في تعقيبه بقوله: ((ولا يعرف الدّين في باب الأمطار؛ وهذا تصحيف قبيح من اللّيث، أو ممّن زاده في كتابه)) 4. ويؤيّد بطلان هذا المعنى في ((الدّين)) أنّ ما في ((العين)) موافق لما عليه الجمهور من أنّ المعنى المشار إليه موجود في (ود ن) وليس في (د ي ن) وأنّه ((الوَدِينُ)) وليس ((الدّين)) 5.   1 القاموس (دين) 1546. 2 التّاج (دين) 9/208. (دين) 302. 4 التّهذيب 14/185. 5 وقد نصَّ محقّقا ((العين)) على أنّه ((الودين)) كما في الأصول المخطوطة للعين؛ خلافاً لما نقله الأزهريّ - رحمه الله. ولعلّه حُرِّفَ في نُسَخِه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 742 (ع) متابعةُ مدرسةِ التَّقليبات: تقدّم في التّمهيد لهذا البحث أنّ لمدرسة التّقليبات المعجميّة خصائصها الّتي تميّزها عن مدرسة القافية، ولا سيّما في بناء المعجم؛ إذ اتّبعت طريقة خاصّة في التّقسيم والتّنظيم؛ لا يظهر فيها أثر تداخل الأصول؛ وبخاصّة في بعض الأبواب؛ كالثّنائي. بَيد أنّ لمعاجم التّقليبات درواً غير مباشر في موضع تداخل الأصول أيضاً؛ وذاك أنّ بعض معاجم القافية سارت على أثرها في بعض الأصول؛ فثمّة كلمات وضعت في أصول وافقت أبوابها في مدرسة التّقليبات؛ على الرّغم من الاختلاف بين الأصل والباب؛ كأن توضع كلمة ثلاثيّة في أصل رباعيّ في بعض معاجم القافية، لأنّها جاءت في باب الرّباعيّ في بعض معجم التّقليبات، أو توضع كلمة في أصل خماسيّ؛ لأنّها جاءت في باب الخماسيّ في بعض معاجم التّقليبات. وأكثر ما يظهر هذا في ((اللّسان)) لمتابعته ((التّهذيب)) أو ((المحكم)) لأنّهما من مصادره الخمسة الّتي عوّل عليها. ومن ذلك أنّ الأزهريّ ذكر في باب الرّباعيّ: ((العَوْهَجَ)) 1 وهي: النّاقة الفتيّة، أو النّعامة الطّويلة الرّجلين؛ فتابعه بعض المعجميّين، وعلى رأسهم ابن منظور الّذي جعلها في (ع و ? ج) 2 وكذلك فعل   1 ينظر: التّهذيب 3/266. 2 ينظر: اللّسان (عوهج) 2/335. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 743 الفيروزآباديّ1 والزّبيديّ2. والكلمة ثلاثيّة على وزن (فَوْعَل) مثل ((كَوْثَر)) بزيادة الواو؛ وقد أصاب الصّغانيّ حينما وضعها في (ع ? ج) 3. على أنّ ابن منظور أعادها - أيضاً - في الثّلاثيّ على الصّواب4. وجعل ابن منظور ((التّعضُوض)) وهو ضرب من التّمر - في (ت ع ض) 5متابعة للأزهريّ؛ إذ ذكرها في (ت ع ض) من الثّلاثيّ؛ على الرّغم من أنّه نصّ على زيادة التّاء فيها6. ومكانها الصّحيح في (ع ض ض) كما فعل الفيروز آباديّ7، واستدركها عليه الزّبيديّ في (ت ع ض) بقوله: ((وممّا يستدرك عليه: التّعْضُوضُ بالفتح. هنا أورده صاحب اللّسان، وابن الأثير8، وسيأتي للمصنّف في (ع ض ض) على أنّ التّاء زائدة، وسيأتي الكلام عليه هنالك)) 9. وبذلك فإنّ استدراك الزّبيديّ ليس له ما يبرّره؛ لأنّ التّاء   (1) ينظر: القاموس (عوهج) 256. (2) ينظر: التّاج (عوهج) 2/80. (3) ينظر: التّكملة (عهج) 1/473 (4) ينظر: اللّسان (عهج) 2/331. (5) ينظر: اللّسان (تعض) 7/129. (6) ينظر: التّهذيب 1/454. (7) ينظر: القاموس (عضض) 835. (8) ينظر: النّهاية 1/190. (9) ينظر: التّاج (تعض) 5/15 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 744 زائدة؛ كما قال سيبويه1، والأزهريّ2، وابن عصفور3؛ ووزنها عندهم - (تَفْعُول) . وذكر ابن منظور في الخماسيّ قولهم: ما فيه حَبَرْبَرٌ ولا حَبَنْبَرٌ؛ أي: ما أصبتُ منه شيئاً، وجعله من (ح ب ن ب ر) 4 متابعاً في ذلك الأزهريّ الّذي ذكره في باب الخماسيّ5. والكلمتان ثلاثيّتان على وزن (فعلعل) و (فَعَنْعَل) من (ح ب ر) مثل ((صمحمح)) و ((عَقَنْقَل)) من (صمح) و (ع ق ل) . وذكر ابن منظور في الرّباعيّ قولهم: رجلٌ ضَفَنْدَدٌ، وامرأةٌ ضَفَنْدَدَةٌ؛ وهو صفة للرّخاوة أو الحُمقِ. وجعل أصله (ض ف ن د) متابعاً في ذلك الخليل6 والأزهريّ في وضعهما الكلمة في باب الرّباعيّ7. وقد تابعهما - أيضا - الفيروز آباديّ 8، والزّبيديّ9. والكلمة ثلاثيّة من (ض ف د) والنّون فيها زائدة؛ لتوسّطها بين   1 ينظر: الكتاب 4/371. 2 ينظر: التّهذيب 1/454. 3 ينظر: الممتع 1/108، 274. 4ينظر: اللّسان (حبنبر) 4/163. 5 ينظر: التّهذيب 5/337. 6 ينظر: العين 7/78. 7 ينظر: التّهذيب 12/101. 8 ينظر: القاموس (ضفند) 377. 9 التاج (ضفند) 2/405. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 745 أربعة أحرف مع سكونها، أمّا الدّال الثّانية فقد زيدت للإلحاق بـ ((سَفَرْجَلٍ)) ووزنها (فَعَنْلَل) . وقد أصاب الصّغاني حين وضعها في (ض ف د) 1. وربّما صرّح ابن منظور بتأثّره بالأزهريّ، ومتابته إيّاه؛ كقوله بعد أن ذكر ((العَنْدَلِيبَ)) في (ع ن د ل ب) : ((وسنذكره في ترجمة (ع ن د ل) لأنّه رباعيّ عند الأزهريّ)) 2 مع أنّ ذكره في الخماسيّ هو الوجه؛ كما تقدّم. وثمّة نوع من الرّباعيّ؛ وهو المضاعف؛ نحو: ((زَلْزَلَ)) وهو باب واسع كان من أسباب وضعه في الثّلاثيّ في معجم القافية: اقتفاؤها أثر معاجم التّقليبات في قرنه بالثّلاثيّ المضعف، ووضعهما في باب الثّنائي؛ فـ ((زَلْزَلَ)) و ((حَثْحَثَ)) و ((بَلْبَلَ)) في معاجم التّقليبات في: ((زَلّ)) و ((حَثّ)) و ((بَلّ)) من باب الثّنائي؛ وهي أصول ثلاثيّة مضعّفة، وفيها أيضاً - وضعت في معاجم القافية، ومكانها - على مذهب البصريّين - في الرّباعيّ.   1 ينظر: التّكملة (ضفد) 2/273. 2 ينظر: اللّسان (عندلب) 1/631. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 746 الفصل الثاني: أثر التداخل في بناء معاجم القافية (تمهيد) التداخل الذي لا يضر ببناء معاجم القافية ... (تمهيد) التّداخل الّذي لا يضرّ ببناء معاجم القافية: لتداخل الأصول اللّغويّة أثر بالغ في بناء معاجم القافية؛ وليس غريباً أن يكون الأثر غير محمود؛ لأنّ معاجم القافية تقوم - في ترتيبها - على الأصول. ويأخذ هذا الأثر ثلاث صور: الأولى: وضع الكلمة في غير موضعها. الثّانية: وضع الكلمة في موضعين أو أكثر. الثّالثة: تضخيم حجم معاجم القافية. ويجدر بنا - في هذا التّمهيد - التّنبيه على أنّ ثمّة نوعاً من التّداخل لا يضرّ ببناء معجم القافية. ولعلّ السّبب الرّئيس في ذلك أنّ هذا النّوع من التّداخل لا يعدو أن يكون تداخلاً بين الأوزان فحسب؛ فلا يترتّب عليه تداخل في الأصول؛ وهو - بتعبير آخر - أن تحتمل الكلمة غير وزنٍ؛ مع بقائها على أصل واحدٍ؛ لا يتأثّر بتعدّد الأوزان أو تداخلها. ومن ذلك تداخل (فَعَوْعَل) و (فَعَلْعَل) في ((المَرَوْرَاة)) وهي: الأرض، أو المفازة؛ الّتي لا شيء فيها؛ وهي - عند سيبويه - من باب (فَعَلْعَل) بمنْزلة ((صَمَحْمَحٍ)) ولم يحملها على ((عَثَوْثَلٍ)) لأن مثل ((صَمَحْمَحٍ)) أكثر1. وحملها الجوهريّ على (فَعَوْعَلَة) 2 فهي - عنده - من باب ((عَثَوْثَلٍ)) .   (1) ينظر: الكتاب 4/394. (2) ينظر: الصِّحاح (مرا) 6/2492. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 749 ولا يؤثّر هذا التّداخل في أصل الكلمة فهو (م ر و) على الوزنين. والفرق بينهما أنّ الواو الوسطى على مذهب سيبويه هي اللاّم، والرّاء والألف المنقلبة عن الواو هما تكرير للعين واللاّم؛ بينما تكون الواو الوسطى زائدة على مذهب الجوهريّ، والتّكرير في العين وحدها؛ وهي الرّاء، ولا تكرير في لام الكلمة؛ وهي الألف المنقلبة عن الواو. وقريب من هذا ما ذكره ابن جنّي من أنّه لو جاء شيء مثل ((فَزَنْزَنٍ وفَدَنْدَنٍ)) جاز فيه أمران: أحدهما: أن تكون النّون المتوسّطة زائدةً، والحرف الّذي يليها عين مكرّرة ويليه اللاّم، وهي النّون الأخيرة؛ فيكون من باب ((عَقَنْقَلٌ)) و ((سَجَنْجَلٍ)) على وزن (فَعَنْعَلٍ) . الثّاني: أن تكون النّون المتوسّطة لامَ الكلمة، والحرفان بعدها تكراراً للعين واللاّمِ؛ كالحرفين الرّابع والخامس في ((صَمَحْمَحٍ)) و ((دَمَكْمَكٍ)) . والوجهان متساويان عند ابن جنّي ((لأنّ بإزاء كثرة باب صَمَحْمَحٍ ودَمَكْمَكٍ، وزيادته على باب عَقَنْقَلٍ وعَصَنْصَرٍ أنّ النّون ثالثة ساكنة والكلمة [على] خمسة أحرف، فقام أحد السّببين بإزاء الآخر، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن لتغليب أحدهما على الآخر موجب، فإن جاء الاشتقاق بشيء عمل عليه، وترك القياس)) 1. والمهمّ في هذا - هنا - أن نقول: إنّ الأصل في كلّ من الكلمتين لم يتغيّر بتغيّر الوزن؛ فهو (ف ز ن) في الأولى، و (ف د ن) في الثّانية   (1) المنصف 1/137. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 750 ويحتمل قولهم: امرأةٌ مَيَّادَةٌ – إذا تمايلت مهتَزَّةً من ترفٍ أو غرّة – ثلاثة أوجه؛ وهي (فَعَّالة) و (فَيْعَالة) و (فَوْعَالة) واشتقاقه من: مَادَ يَمِيدُ1؛ فالأصل واحدٌ؛ وهو (م ي د) . ومثل ذلك ((جَيَّارٌ)) وهو: حَرٌّ في الحلق والصّدر من الجوع أو الجََهدِ قال المُتَنَخّل اليشكريّ: كَأَنَّما بَينَ لَحَيَيْهِ وَلَبَّتِهِ ... مِنْ جُلْبَةِ الجُوعِ جَيَّارٌ وإرْزِيزُ2 قال ابن سيد: ((الظّاهر في جيّار أن يكون (فَعَّالاً) كالكَلاَّء، والجَبَّان، ويحتمل أن يكون (فَيْعَالاً) كخَيْتَامٍ، وأن يكون (فَوْعَالاً) كتَوْرَابٍ)) 3 وفي الأحوال الثّلاثة يكون الأصل واحداً؛ وهو (ج ي ر) . ويحتمل ((الحانُوتُ)) وزنين (فَاعُولُُ) و (فَلَعُوت) الأوّل من: حَنَوْتُ تشبيهاً بالحَنِيَّة من البناء، وتاؤه بدل من واو؛ حكاه الفارسي في ((البَصْرِيَّاتِ)) 4 ويحتمل الوزن الثّاني - أي: فَلَعُوت - أن يكون من ((حَانَ)) أيضاً5 - مقلوباً من ((حَنَا)) كطاغوت من ((طاغ)) والأصل على الوزنين واحد؛ وهو (ح ن و) .   1 ينظر: المبهج 175. 2 ينظر: شرح أشعار الهذليّين 3/1264، والإرزيز: الرّعدة. 3 المحكم 7/352. 4 2/768، 769. 5 ينظر: المحكم 4/14. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 751 ويحتمل ما في آخره نون مسبوقة بألف زائدة قبلها نون مضعّفة؛ نحو: ((المَنَّانِ)) و ((الضَّنَّانِ)) وزنين، وهما: (فَعَّال) و (فَعْلان) والأصل واحد؛ وهو: (م ن ن) للأوّل، و (ض ن ن) للثّاني. ويتداخل الوزنان (افْتَعَل) و (اسْتَفْعَل) 1 في قولهم: اسْتَخَذَ فلانٌ أرضاً؛ ففيه قولان: أحدهما: أنّ الأصل ((اتَّخَذَ)) ووزنه (افْتَعَل) من قوله تعالى: {لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (2) ثمّ أبدلت التّاء الأولى سيناً؛ وهي فاء الكلمة؛ على حدّ إبدالهم السّين تاء في ((سِدْسٍ)) فقالوا: سِتٌّ، فدلّ ذلك على أنّ السّين والتّاء يتبادلان. وقرّب ذلك أنّهما مهموسان؛ وهو مذهب سيبويه3. والآخر: أنّ الأصل ((اسْتَتْخَذَ)) على وزن (اسْتَفْعَل) من ((تَخِذَ)) أيضاً - فحذفت فاء الكلمة للتّخفيف؛ وهي التّاء الثّانية، على حدّ حذف التّاء في ((تَقِيَ يَتْقَى)) وأصله: ((اتّقَى يَتّقِي)) قال الشّاعر: تَقُوهُ أيُّهَا الفِتْيَانُ إنِّي ... رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودَا4 يريد ((اتَّقُوهُ)) . وإلى هذا مال ابن عصفور؛ ((لأنّه قد ثبت حذف إحدى التّاءين؛ لاجتماع المثلين في: تقي، وباطّراد إذا كانت المحذوفة   1 أي قبل حذف السّين، فتصير: استفعل، على ما يأتي. 2 سورة الكهف: الآية (78) . 3 ينظر: الكتاب 4/483، والممتع 1/223. 4 ينظر: النّوادر لأبي زيد 27، والمنصف 1/290، وسرّ الصّناعة 1/198، والمقاصد النّحويّة 2/371. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 752 زائدة؛ في مثل: تَذَكَّرُ وتَفَكّرُ؛ تريد: تَتَذَكّرُ وتَتَفَكّرُ؛ ولم يثبت إبدال السّين من تاء؛ بل ثبت عكسه، والبدل- في مثل هذا- ليس بقياس؛ فيقال به حيث لم يسمع؛ فلذلك كان الوجه الثّاني أحسن الوجهين ... لأنّ فيه الحملَ على ما سُمع مثله)) 1. على أنّ الأصل على الوزنين واحد؛ وهو (ت خ ذ) . ومن ذلك تداخل (فَوْعَلَة) و (تَفْعَلَة) في ((التَّوْرَاة)) وقد اختلفوا فيها: ذهب البصريّون2 إلى أنّها اسم على وزن (فَوْعَلَة) واشتقاقها من ((وَرِيَ)) الزَّنْد؛ إذا قدح بالنّار، وأصلها ((وَوْرَيَة)) فأبدلت الواو الأولى تاء، على حدّ إبدالها في ((تَوْلَجٍ)) وهو (فَوْعَلٍ) من وَلَجَ يَلِجُ؛ وذلك أنّهم لو لم يبدّلوا الواو تاءً لوجب أن يبدّلوها همزةً لاجتماع الواوين في أوّل الكلمة3؛ فأصبحت في التّقدير: ((تَوْرَيَة)) فأعلّت الياء بقلبها ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وقد حملهم على هذا أنّ (فَوْعَلَة) في الكلام أكثر من (تَفْعَلَة) كالحَوْصَلَة والجَوْهَرَة والدَّوْخَلَةِ. وذهب الكوفيّون، ووافقهم المبرّد، إلى أنّها (تَفْعِلة) كأنّها أخذت من أَوْرَيْتُ الزِّنَادَ ووَرَّيْتُهَا، وتقديرها في الأصل ((تَوْرِيَة)) فقالوا فيها: ((تَوْرَاة)) حملاً على لغة طيِّء؛ لأنّهم يقولون في التّوصِيّة والجارِيَة والنّاصِيَة: تَوْصَاةٌ وجَارَاةٌ ونَاصَاةٌ (4) .   1 الممتع 1/223، 224. 2 ينظر: شرح الشّافية للرّضي 3/82. 3 ينظر: سرّ الصّناعة 1/146. (4) ينظر: اللّسان (ورى) 15/389. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 753 وربّما قالوا: إنّها (تَفْعَلَة) بفتح العين ابتداءً، من وَرَيتُ بك زِنَادي، وقد ردّ الزّجاج على هذا بأنّ (تَفْعَلَة) لا تكاد توجد في كلام العرب، وعلى الأوّل بأنّ القلب من وزنٍ إلى وزنٍ لم يثبت في عموم كلامهم؛ فلم يقولوا في تَوْقِيَةٍ: تَوْقَاةٌ1. و ((التَّوْرَاة)) على الوزنين من أصل واحد؛ وهو (وري) . ومن ذلك اختلافهم في وزن ((سَيِّدٍ)) و ((مَيِّتٍ)) و ((هَيِّن)) وما شابهها؛ ولهم فيها ثلاثة مذاهب2: ذهب البصريّون إلى أنّه (فَيْعِل) على ظاهر اللّفظ والأصل عندهم ((سَيْوِدٌ)) و ((مَيْوِتٌ)) و ((هَيْوِنٌ)) فقلبت الواو ياءً لأجل الياء الساكنة قبلها ثمّ أدغمت3. وذهب الكوفيّون إلى أنّ وزنها في الأصل (فَعِيل) وتقديرها: ((سَوِيدٌ)) و ((مَوِيتٌ)) و ((هَوِينٌ)) وحداهم على ذلك أنّهم وجدوا (فَعِيْلاً) في كلام العرب؛ ولم يجدوا (فَيْعِلا) .   1 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/373، 375، وسرّ الصّناعة 1/146، وشرح الشّافية للرضي 3/81، 82، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 288، 289، والجدول في إعراب القرآن 2/95. 2 ينظر: الكتاب 3/642، 4/365، والأصول 3/262، وإعراب القرآن للنّحاس 1/143، والمنصف 2/15، 16، والإنصاف 2/895-904، والممتع 2/499، والمساعد 4/22. 3 ينظر: اللّسان (سود) 3/228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 754 ولمّا كان هذا هو الأصل - على مذهبهم - قالوا: إنّ العين أعلّت فيه؛ كما أعلّت في ((سَادَ يَسُودُ)) و ((مَاتَ يَمُوتُ)) فقدّمت الياء السّاكنة على الواو؛ فانقلبت الواو ياء؛ وأدغمت؛ على القاعدة المشهورة في باب الإعلال1. وذهب البغداديّون2 إلى أنّ وزنها (فَيْعَل) على قياس الاسم الصّحيح من ذلك، ثمّ كسرت العين؛ على حدّ قولهم في بَصريّ: بِصْريّ. ورُدّ عليهم بأنّه لو كان (فَيْعَلا) لقيل: ((سَيَّدٌ)) 3 و ((مَيَّتٌ)) و ((هَيَّنٌ)) . ومذهب البصريّين أقوى المذاهب الثّلاثة؛ لقربه لظاهر اللّفظ، وبعده عن التكلّف؛ ولأنّه لا يعدل عن الظّاهر إلاّ بدليل. ولا يطعن في مذهبهم انعدام النّظير؛ لأنّ ((المعتلّ يختصّ بأبنية ليست للصّحيح؛ فمنها (فُعَلَةٌ) في جمع فَاعِلٍ؛ نحو: قاضٍ وقُضاةٍ)) 4. وعلى الرّغم من الاختلاف بينهم في الوزن فإنّ الأصل في هذه الكلمات واحد؛ وهو: (س ي د) و (م وت) و (? ون) وليس ثمّة تداخل أصول.   1 ينظر: الإنصاف 2/796. 2 ينظر: المساعد 4/42. 3 ينظر: معجم مفردات الإعلال والإبدال 74. 4 الإنصاف 2/796. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 755 واختلفوا في وزن بعض المصادر؛نحو "كينونة" و"قيدودة" و " صيرورة" فهي (فيلولة) ، والأصل (فَيْعَلُوْلَة) عند البصريين، "كيونو نة" و" قيودودة" و"صيورورة" ثم قلبت الواو ياء؛ لاجتماعهما مع الياء وسكون الأولى، وأدغمت الياء الأولى في الثانية؛ فقالوا: " كَيِّنونة" و "قَيَّدُودَة" و " صيَّرورة " ثم خففت الياء الثانية؛ التي هي عين الفعل، على حد تخفيف الياء في: ميِّت وهَيِّن وطَيِّب في قولهم: مَيْتٌ وهَيْنٌ وطَيْبٌ. ولما كانت " كينونة " وأخواتها على ستة أحرف طالت بذلك فألزموها الحذف؛ خلافا لنحو ميَّت ومَيْت، وهَيِّن وهَيْن، وطيَّب وطَيْب، خيروا فيها؛ لأنها على أربعة أحرف؛ فلم تطل بذلك (1) . وكان الفراء - من الكوفيين- يرى أن " كينونة" وأخواتها على وزن (فَعْلُولَة) وأصلها الياء فيها الواو، وجاءت هذهذ المصادر على أمثلة مصادر بنات الباء في صار صيرورة وسار سيرورة؛ فقيلت " كينونة" وأخواتها بالياء حملا على بنات الياء على حد قولهم: شكوته شِكاية، فقلبوا الواو ياء؛ لأن البناء جاء على مثال مصادر بنات الياء كالرماية والسعاية. وأصل (فَعْلُولَة) عند الفراء (فُعْلُولَة) بضم الفاء وقد فتحت؛ لأنهم كرهوا أن تنقلب الياء واوا. وقد ضعف ابن جني هذا المذهب؛ لأنّه لا ضرورة تدعو إلى فتح   (1) ينظر: أمالي الزجاجي 244، والمنصف 2/10،11 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 756 الفاء لتصح العين، واستدل بقولهم: "عُوْطَطُ" وهي - في الأصل: " عُيْطَطٌ" فقلبت الياء واوا؛ لانضمام ما قبلها مع سكونها؛ ولم يقولول: " عَيْطَطٌ" بفتح العين لتصح الياء (1) . ويتضح من خلال الأمثلة المتقدمة بفاء الأصل على حاله؛ على الرغم من تداخل الأوزان، وأن هذا النوع من التداخل ليس له أثر يذكر في بناء معاجم القافية.   (1) ينظر: المنصف: 2/12 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 757 المبحث الأوّل: وضع الكلمة في غير موضعها أدّى تداخل الأصول إلى وضع كثير من الكلمات في غير مواضعها في معاجم القافية؛ وهي نتيجة طبعيّة للتّداخل؛ لأنّ الأصول هي الأساس في بناء معاجم القافية؛ فإذا تغيّر حرف واحد في الأصل تغيّر موضعه؛ فلا جرم أن يعدّ هذا الأثر من أهمِّ نتائج التّداخل ضرراً على نظام المعاجم في التّرتيب، ومن أعمقها أثراً على القارئ؛ لأنّه قد يؤدّي به إلى الحكم على الكلمة بأنّها مهملة. ويجدر التّنبيه - هنا - على أنّ المراد ممَّا وضع في غير موضعه في هذا المبحث: ما جاء في المعجم الواحد من معاجم القافية في أصل واحدٍ؛ لا وجه له، أو له وجه بعيد؛ لا يوصل إليه إلاّ بالتّكلّف، أو له وجه يخالف ما عليه أكثر علماء اللّغة. وفيما يلي عرض لبعض الأمثلة، ممَّا جاء في غير موضعه في بعض معاجم القافية: أ - (الصِّحاح) للجوهريّ: جاء في مادّة (أن ض) : "وأناضَ النَّخْلُ يُنِيضُ إِنَاضَةً؛ أي: أَيْنَعَ، ومنه قول لبيد: فَاخِرَاتٌ فُرُوعُهَا فِي ذُرَاهَا ... وأَنَاضَ العَيْدَانُ والجَبَّارُ 1" وقد تبعه ابن منظور2 من غير تنبيه3؛ فليست هذه المادّ من (أن   1 الصِّحاح (أنض) 3/1065. 2 ينظر: اللّسان (أنض) 7/116. 3 على أنَه أعاده في (نوض) نقلاً عن ابن سيده في المحكم؛ وهو موضعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 758 ض) في شيء؛ لأنّ حقّها أن توضع في (ن وض) وقد نبّه عليه غير واحد من العلماء؛ ومنهم الصَّغانيّ 1، والزَّبِيديّ، الَّذي قال: "وذكر الجوهريّ - هنا - أناضَ النَّخْلُ يُنِيضُ إِنَاضَةً؛ أي: أَيْنَعَ، وتبعه صاحب (اللّسان) وهو غريب؛ فإنّ أنَاضَ مادّته (ن وض) وقد ذكره صاحب (المجمل) 2 وغيره على الصّواب في (ن وض) ونبّه عليه أبو سهل الهرويّ، والصّغانيّ، وقد أغفله المصنّف3 وهو نُهْزَتُه وفرصته"4. ولم يذكروا وجه تخطئتهم الجوهريّ لوضوحه؛ وهو أنّ الهمزة في (أَنَاض) زائدة؛ ولا يجوز أن تكون أصليّة؛ لأنّ الصّنعة الصرفية للغة تأبى ذلك؛ إذ ليس في أبنية الفعل الماضي (فَعَالَ) وفيه (أَفْعَلَ) وهو كثير، وربّ قائلٍ يقول: إنّ الألف في (أَنَاضَ) إشباع لحركة الفتحة؛ على حدّ قول ابن هَرْمَة: وأنْتَ مِنَ الغَوَائِلِ حِيْنَ تَرْمِي ... وَمِنْ ذَمِّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ 5 وهو يريد: بِمُنْتَزَحٍ؛ فأشبع الفتحة؛ كما تقدَّم بيانه. ويجيء الرّد عليه من وجهين: الأوّل: أنّ مثل هذه الزّيادة تكاد تكون مخصوصة بضرورات الشّعر؛ ولا ضرورة في قوله: أَنَاض النّخل.   1 ينظر: التكملة (أنض) 4/56. 2 2/848. 3 يعني: الفيروزآبادي. 4 التَّاج (أنض) 5/6. 5 ينظر ص (472) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 759 الثّاني: وهو الفيصل في هذه المسألة: أنّ المضارع والمصدر في قوله: "أَنَاضَ النَّخْلُ يُنِيْضُ إِنَاضَةً" يدلاّن على زيادة الهمزة؛ فضمُّ حرف المضارعة دليل على زيادة الهمزة، وأنّ (أنّاضَ) (أَفْعَل) لا غير؛ ويؤكّد ذلك مجيء المصدر لـ (أَفْعَلَ) وهو الإنَاضَة؛ نحو: أَقَامَ إِقَامَةً وأدَارَ إدَارَةً، وأصل المصدر (إنْوَاضٌ) فنقلت حركة العين إلى ما قبلها، ثمّ قلبت ألفاً لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها بعد النّقل؛ فوزن (إنَاضَةٍ) (إفَالَة) أو (إفَعْلَة) الأوّل على تقدير حذف العين، والتّاء عوض عنها، والثّاني على تقدير حذف الألف (إفْعَال) والتّاء عوض عنها - أيضاَ. وأورد الجوهريّ (الغِرْقِئَ) في (غ ر ق أ) ونصّ كلامه: "الغِرْقِئ: قشر البيض الَّذي تحت القَيْض 1. قال الفرّاء: همزته زائدة؛ لأنّه من الغَرَقِ، وكذلك الهمزة في الكِرْفِئَةِ 2 والطِّهْلِئَةِ 3، زائدتان"4. والهمزة في الغِرْقِئ زائدة عند أكثر العلماء 5؛ بل نقل الصّغانيّ عنهم الإجماع على زيادتها6. وعجيب أن يضعها الجوهريّ في باب الهمزة؛ مع نصّه على زيادة همزتها، وعدم التّعرض لها في (غ ر ق) بينما   1 وهو: قشر البيض. ينظر: اللّسان (قيض) 7/225. 2 الكرفئة: السحابة الكثيفة. ينظر: اللّسان (كرفأ) 1/137. 3 الطّهلئة: الماء الكدر في الحوض، أو الطين. ينظر: اللّسان (طهل) 11/409. 4 الصحاح1/ 61، 62. 5 ينظر: أدب الكاتب 610، واللسان (غرق) 10/286، والقاموس (غرق) 1180. 6 ينظر: التكملة (غرقأ) 1/37. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 760 وضع كلمة: (طِهْلِئَة) في الثّلاثيّ: (ط هـ ل) ونصّ على أنّ الهمزة فيها زائدة ووزنها (فِعْلِئَة) وأشار إلى أنّها في زيادة الهمزة والوزن كالكِرْفِئَةِ والغِرْقِئِ1‍‍‍‍‍. وجاء في مادّة (هـ وأ) من (الصِّحاح) ما نصّه: "والمُهْوَأَنُّ - بضمّ الميم: الصّحراء الواسعة؛ قال الرّاجز: فِي مُهْوَأَنٍّ بالدَّبَا مَدْبُوشُ"2 فهذه الكلمة في غير موضعها؛ لأنّ النّون أصليّة؛ وهي لام الكلمة والزّيادة في الواو أو الهمزة؛ فقد ذهب بعض العلماء - وعلى رأسهم ابن جنّي - إلى أنّ الواو زائدة، وأنّ وزن الكلمة (مُفْوَعَلّ) وهو -في الأسماء - نظير (اكْوَأَلَّ) بمعنى: قصُرَ - في الأفعال3. وذهب ابن برّيّ4 إلى مثل هذا، وتابعه ابن منظور5؛ ومكانها عندهما في (هـ أن) ولستُ أرى هذا؛ فالرّاجح - على ضوء ما تقدَّم في بناء (افْعَأَلَّ) زيادة الهمزة؛ فتكون الواو أصليّة، وموضع ذكرها - حينئذٍ - في (هـ ون) ويقوّي هذا أنّ الصّغاني أعاد ذكرها في هذا الأصل6،   1 ينظر: الصِّحاح (طهل) 5/1755. 2 1/84. 3 ينظر: المنصف1/107. 4 ينظر: التّنبيه والإيضاح (هوأ) 1/35. 5 ينظر: اللّسان (هأن) 13/430. 6 ينظر: التكملة (هون) 6/327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 761 وكذا فعل الفيروزآباديّ1. ب- (التّكملة والذَّيل والصِّلة) للصَّغانيّ: وممَّا وضع في غير موضعه في هذا المعجم ما جاء في مادّة (ح وب) ونصّه: "الحَوْأبُ: وادٍ في وهدة من الأرض، واسع … وجَوْفٌ حَوْأَبٌ؛ أي: واسعٌ؛ قال رؤبة: سَرْطاً فَمَا يَمْلأ جَوْفاً حَوْأَبا 2 والحَوْأَبُ - أيضاً: الجمل الضَّخم … "3 فهذا النّص في غير موضعه، وقد تابع فيه الجوهريّ4؛ وحقّ (الحَوْأب) أن يذكر في (ح أب) كما صنع ابن منظور5؛ لأنّ القول بزيادة الواو - في هذه الكلمة - أولى من القول بزيادة الهمزة. وحُقَّ لابن برّي أن يعترض على الجوهريّ في هذا الموضع؛ مستدلاًّ بأنّ الهمزة لا تزاد وسطاً إلاّ في ألفاظ معدودة؛ فوزنها عنده (فَوْعَل) 6 وقياس وزنها عند الجوهريّ والصَّغَانيّ (فَعْأل) وهو بعيد. ومن ذلك أنّ الصَّغانِيّ ذكر في (ح س د ل) : الحَسْدَلَ؛ وهو:   1 ينظر: القاموس (هون) 1601. 2 ينظر: ديوانه170. 3 التكملة 1/110. 4 ينظر: اللّسان (حوب) 1/117. 5 ينظر: اللّسان (حأب) 1/288. 6 ينظر: التنبيه والإيضاح (حوب) 1/70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 762 القُرَادُ، ومنه قولهم: الجار الحَسْدَلِيُّ: الَّذي عينه تراك وقلبه يرعاك؛ وقد نصّ فيه على أنّ اللاّم زائدة1؛ لأنّه من الحسد فكان حقّه أن يذكره في الثّلاثيّ (ح س د) . وذكر الصَّغانِيّ (يَعْراً) وهو حبل - في (ي س ت ع ر) 2 على الرّغم من أنّ الكلمة ثلاثيّة؛ ولا وجه لذكرها في أصل خماسي. ج- (لسان العرب) لابن منظور: في هذا المعجم مواد كثيرة في غير موضعها؛ ومنها مادّة (هـ ن ب ث) وجاء فيها ما نصّه: (والهَنْبَثَةُ: الاختلاط في القول. ويقال: الأمر الشّديد، والنّون زائدة) 3 فلا وجه لذكرها في هذا الأصل؛ مع إقراره بزيادة النّون. وموضعها هو: (هـ ب ث) . وجاء في مادّة (ق ن ور) : "القَنَوَّرُ: بتشديد الواو: الشّديد الضّخم الرأسِ من كُلِّ شيء، وكلُّ فظٍّ غليظ … والقِنَّوْرُ: العبد عن كُرَاعٍ. قال ابن سيده: والقِنَّوْرُ: الدَّعِيُّ وليس بثبت … قال أحمد بن يحيى في باب (فِعَّوْل) : القِنَّوْر: الطّويل والقِنَّوْرُ العبد … والقِنَّارُ والقَنَّارَةُ: الخشبة يعلّق عليها القصّاب اللّحم … وقَنَّوْر: اسم ماء … وفي نوادر الأعراب: رجلٌ مُقَنْوِرٌ ومُقَنِّرٌ … إذا كان ضخماً سَمْجاً، أو معتمّاً عُمَّةً جافيةً"4.   1 ينظر: التكملة (حسدل) 5/317. 2 ينظر: التكملة 3/242. 3 اللّسان 2/199. 4 اللسان 5/120. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 763 وهذه المادّة كلّها ليست من (ق ن ور) وإنّما هي من (ق ن ر) الثّلاثيّ؛ كما في (الصِّحاح) 1 و (القاموس) 2 و (التَّاج) 3 لأنّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الأربعة في غير المضاعف، وقد حكى ابن منظور هذا عن ثعلب، وذكر أنّ (القِنَّوْرَ) من باب (فِعَّوْل) وهو الصّحيح. أمّا (القَنَوَّرُ) و (القَنُّورُ) فوزنهما (فَعَوَّل) و (فَعُّول) كـ (عَطَوَّدٍ) و (سَفُّودٍ) . وليس في (القِنَّارِ) و (القِنَّارَةِ) واوٌ أصلاً، إلاّ أن تكون الألف منقلبة عن واو؛ وهو احتمال بعيد؛ فكان حقّه أن يذكر ذلك كلّه في الثّلاثيّ. ومثل هذا (الكَعْوَرَة) من الرّجال: الضَّخم الأنف؛ فقد ذكره ابن منظور في (ك ع ور) 4 ولا وجه له؛ وصوابه أن يذكر في (ك ع ر) . وجاء في (غ ن ذ ي) من (اللّسان) ما نصُّه: "قال أبو ترابٍ سمعت الضِّبابي يقول: إنّ فلانة لَتُعَنْذِي بالنَّاس، وتُغَنْذِيْ بهم؛ أي: تُغْرِي بهم. ودفع الله عنك غَنْذَاتها؛ أي: إغراءَهَا"5. وهو ليس من (غ ن ذ ي) لأنّ الياء لا تكون أصلاً في بنات الأربعة؛ إذا صحبها ثلاثة أحرف أصول؛ والصّواب أنّ غَنْذَى يُغَنْذِي ثلاثيّ ملحق بالرّباعيّ: (فَعْلَل) وهو يحتمل أصلين:   1 2/799. 2 599. 3 3/507. 4 ينظر: اللّسان 5/144. 5 اللسان 15/140. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 764 أحدهما: أن يكون الأصل (غ ذ ي) والنّون فيه زائدة للإلحاق؛ فيكون وزنه (فَنعَلَ) مثل (سَنْبَلَ) من قولهم: سَنْبَلَ الرّجلُ ثوبه؛ بمعنى: أسبله؛ فإن صحَّ هذا الأصل؛ فموضع الكلمة (غ ذ ي) . والآخر: أن يكون الأصل (غ ن ذ) والألف الرّابعة فيه للإلحاق؛ فيكون وزن (غَنْذَى) (فَعْلَى) مثل (سَلْقَى) في قولهم: سَلْقَاه على ظهره؛ أي: مَدَّه. ويؤيّد هذا الأصل؛ وأنّ الألف في (غَنذَى) للإلحاق - أنّ الصَّغانِيّ قال في (ع ن ذ) : (عَنذَى به: أغرى به) 1 وقال في (غ ن ذ) : (غَنذَى به، مثل عَنذَى به) 2. ومثل ذلك في (القاموس) 3 و (التَّاج) 4. ولعلّ الَّذي حمل ابن منظور على إيراده في (غ ن ذ ي) أنّه وجده في باب الرّباعيّ في (التهذيب) 5 للأزهريّ. وثَمَّةَ نوعان كثر ورودهما في غير موضعهما في (اللّسان) خاصّةً:   1 التكملة 2/384. 2 التكملة 2/385. 3 428. وفيه أنّه: (عَنْدَى) بالدّال المهملة؛ وهو سهو، والصّواب: (عَنْذَى) بالعين المهملة والذّال المعجمة؛ كما في التكملة؛ وهو على الصّواب في طبعة (القاموس) القديمة الَّتي أشرف على تصحيحها الشّيخ نصر الهورينيّ. (ينظر: 1/370 من تلك الطبعة) . 4 2/570، 572. 5 8/243. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 765 الأوّل: ما توسّطت فيه النّون ساكنة بين أربعة أحرف؛ مثل (الغَضَنْفَر) و (العَقَنْقَل) . والثّاني: ما تماثل فاؤه وعينه، وتوسّط بينهما حرف علّة زائدٌ؛ مثل: (كَوْكَبٍ) . فمن الأوّل ما جاء في (ج ح ن ب) ونصّه: (وذكر الأصمعيّ في الخماسيّ: الجَحَنبَرَةَ من النّساء: القصيرة؛ وهو ثلاثيّ الأصل ألحق بالخماسيّ؛ لتكرار بعض حروفه) 1 والكلام عن هذا النّص من وجهين: أحدهما: أنّه ورد في غير موضعه؛ لأنّ النّون فيه زائدة؛ لتوسّطها ساكنةً بين أربعة أحرف؛ وهو موضع زيادتها باطّراد؛ بلا خلاف عند العلماء؛ فكان حقّه أن يذكر في (ج ح ب ر) من باب الرّاء، ولا مكان له في باب الباء. والثّاني: أنّ قول ابن منظور: (وهو ثلاثيّ الأصل ألحق بالخماسيّ؛ لتكرار بعض حروفه) مخالف للحقيقة؛ فليس هو من الثّلاثيّ، ولا تكرار في حروفه كما ذكر ابن منظور؛ وإنّما هو رباعيّ. ومن الواضح أنّه - رحمه الله - قد وقع في سهو؛ بسبب تداخل الأصول، ومتابعته الأزهريّ؛ الَّذي أورد في الخماسي: (الحَبَرْبَرَة) و (الحَوَرْوَرَةَ) وهي: البيضاء، و (الحَوَلْوَلَةَ) وهي: الكَيِّسة، فقال بعد ذلك:   1 اللّسان 1/253. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 766 (قلتُ: وهذه الأحرف الثّلاثة ثلاثيّة الأصل، ملحقة بالخماسيّ لتكرير بعض حروفها) 1 وكلامه مستقيم، وقد ذكر قبلها (الجَحَنبَرَة) 2 وهي غير داخلة في حكمه على الثّلاثة المذكورة، وفي هامش (اللّسان) إشارة إلى شيء من ذلك. وذكر ابن منظور (حَطَنطَى) وهو: الرجل الأحمق في (ح ط ن ط) 3 وموضعه الثّلاثيّ (ح ط ط) لأنّ النّون والألف زائدتان للإلحاق. وذكر (الهَرَنقَصَ) وهو: القصير في (هـ ر ن ق ص) على أصالة النّون؛ لأنّه أورده بعد (هـ ر ن ص) ولا وجه له؛ فالنّون زائدة، وموضعه: (هـ ر ق ص) . وجاء في مادّة (د ل ن ظ) ما نصّه: "الدَّلَنظَى: السّمين من كلِّ شيء. وقال: شَمِرٌ: رجلٌ دَلَنظَى وبَلَنزَى؛ إذا كان ضخماً غليظ المنكبين؛ وأصله من: الدَّلظِ؛ وهو الدَّفع، وادْلَنظَى: إذا سمن وغلظ"4. ولا وجه لذكره هذا النَّصّ في هذا الأصل الرّباعيّ؛ لأنّ النّون زائدة، وكذلك الألف؛ فهو من الثّلاثيّ: (د ل ظ) .   1 التَّهذيب 5/336. 2 الَّذي في طبعة التَّهذيب (5/335) : (الحجنبرة) بتقديم الحاء على الجيم؛ ولعله تصحيف. لأنّ ما في (القاموس) (462) و ((التَّاج)) (2/88) موافق لما في (اللّسان) . 3 ينظر: اللّسان 7/276. 4 اللسان 7/444. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 767 والغريب أنّ ابن منظور نقل في نصّه أنّه من الأصل الثّلاثيّ، ولم يذكره هناك؛ وهو في غاية الوضوح؛ لاتّفاقهم على زيادة النّون في مثله؛ فهو ملحق ببناء (سَفَرْجَل) كما قال الجوهريّ1. وهذا وأشباهه في (اللّسان) كثير2. أمّا الآخر؛ وهو ما ماثل فاؤه عينه، وبينهما حرف علّة زائد؛ فقد جاء كثير منه في غير موضعه في (اللّسان) ومنه أنّه ذكر (الشَّوْشَب) وهي: العقرب - في الرّباعيّ: (ش وش ب) 3 وموضعه الثّلاثيّ: (ش ش ب) لأنّ الواو زائدة؛ ووزنه (فَوْعَل) . وذكر في الرُّباعيّ (ل ول ب) : (اللَّوْلَب) وهو ما يقال للماء الكثير يحمل منه المِفْتَح ما يسعه؛ فيضيق صنبوره عنه من كثرته، فيستدير الماء عند فمه؛ ويصير كأنّه بُلبُلُ آنية 4؛ فإن كانت هذه الكلمة عربيّة فالوجه ذكرها في الثّلاثيّ (ل ل ب) لأنّ الواو زائدة؛ وقد ذكرها الجوهريّ في (ل وب) وهو خلاف مذهب الجمهور؛ كما تقدَّم في الكلام عن   1 ينظر: الصِّحاح (دلظ) 3/1173. 2 ينظر على -سبيل المثال- الموادّ التّالية في (اللّسان) (علنب) 1/629، و (قرنب) 1/671، و (جلند) 3/1299، و (علنكد) 3/302، و (حبنبر) 4/163، و (زبنتر) 4/31، و (عصنصر) 4/582، و (عفنجش) 6/319، و (سلنط) 7/322. 3 ينظر: اللّسان 1/412. 4 ينظر: اللّسان 1/746. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 768 (كَوْكَبٍ) . وذكر ابن منظور (الذَّوْذَخَ) وهو: العَذْيَوْط في (ذ وخ) 1على الرّغمِ من أنّه ذكر مثيله (الذَّوْذَحَ) في (ذ ذ ح) على الصّواب؛ وهذا من غرائب تداخل الأصول، وقد ذكر السّيوطيّ أنّ وزن (الذَّوْذَخِ) (فَوْعَل) 2 وهو موافق لمذهب الجمهور في مثله. وجاء في (ز وز ك) من (اللّسان) قوله: (زَوْزَكَتِ المرأةُ: حرَّكت إليتيها وجنبيها، إذا مشتْ. والزَّوْزَكُ: القصير الحيَّاك في مشيته؛ قال: وَزَوْجُهَا زَوَنْزَكٌ زَوَنَزَى قال ابن جنّيّ: "هو: (فَوَنْعَل) 3 ومن الظّاهر أنّ موضع هذه المادّة (ز ز ك) بزيادة الواو". ولم يستثمر ابن منظور ما نقله عن ابن جنّي، في تنبيهه على زيادة الواو في (زَوَنزَكٍ) وأنّها من (الزَّوْزَكِ) . د- (القاموس المحيط) للفيروزآباديّ: في هذا المعجم - أيضاً - موادّ كثيرة ذكرها المصنف في غير مواضعها؛ كذكره (المِرَازَيْنِ) وهما: الثَّديان - في (ر وز) 4 وقد تابع في   1 ينظر: اللسان 2/441. 2 ينظر: المزهر 2/7. 3 اللّسان (زوزك) 10/438. 4 ينظر: القاموس 659. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 769 بقوله: (مَرَزَ الصَّبيُّ ثدي أمِّه، يَمْرُزُ مَرْزاً؛ إذا اعتصر بأصابعه في رضاعه، وربّما سمّي الثّدي: المِرَازَ لذلك) 2. ومثل ذلك في (اللّسان) 3 فإن صحّ هذا فلا مكان لها في (ر وز) . ومن ذلك أَنّه ذكر (بَلأَصَ) الرّجلُ؛ بمعنى فرَّ - في (ب ل ص) 4 متابعاً الجوهريّ5. والرّاجح أنَّ الكلمة رباعيّة؛ كما تقدَّم؛ لأنّ زيادة الهمزة حشواً قليل؛ ولا دليل على زيادتها هنا. ومما يدلّ على أنّها رباعيّة أنّ ابن فارس6والأزهريّ7 ذهبا إلى أنّ الهمزة فيهما مبدلة من الهاء، والأصل (ب ل هـ ص) . ويدلّ على ذلك - أيضاً - أنّ الفيروزآباديّ نفسه عدل عن الثّلاثيّ إلى الرُّباعيّ في الكلمة نفسها في حال الإبدال؛ فذكر قولهم (بَلأزَ) الرّجلُ بمعنى فرَّ - في الرُّباعيّ (ب ل أز) 8 وذكر (بَلْهَصَ) بمعناها في الرُّباعيّ (ب ل هـ ص)   1 ينظر: التكملة (روز) 3/270. 2 الجمهرة 2/710. 3 ينظر: اللّسان (مرز) 5/408. 4 ينظر: القاموس 791. 5 ينظر: الصِّحاح (بلص) 3/1030. 6 ينظر: المقاييس 1/332. 7 ينظر: التهذيب 6/518. 8 ينظر: القاموس 647. 9 ينظر: القاموس 791. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 770 والإبدال بين الصَّاد والزَّاي شائع؛ على حدِّ قولهم: (صَقْرٌ) و (زَقْرٌ) وكذلك الإبدال بين الهمزة والهاء؛ على حدّ قولهم: (أرَاقَ) و (هَرَاقَ) فكان من حقّ (بَلأصَ) أن تذكر في الرُّباعيّ كأختيها، كما فعل ابن منظور1. ومن ذلك أنَّ الفيروزآباديّ ذكر في (س وف) 2: (الفَلْسَفَة) وهي: الحكمة، والفيلسوف؛ وهو محبُّ الحكمة، وموضعها الرُّباعيّ (ف ل س ف) كما فعل ابن منظور3 وقد نبّه عليه أحمد فارس الشِّدياق4. ووجَّهه أنّ الفاء ليست من حروف الزّيادة حتَّى يقال: إنّها زائدة؛ بالإضافة إلى أنّ الكلمة معرّبة، ولا زيادة في المعرّب. هـ- (تاج العروس) للزَّبِيديّ: وما وقع في (القاموس) وقع في (التّاج) فما قيل هناك من الممكن أن يقال هنا، ولا أرى فيه كبير غضاضة على الزَّبِيديّ؛ لأنّ معجمه - في الأصل - شرح للقاموس؛ وهو ملتزم بترتيبه؛ غير أنّ الزَّبِيديّ ينفرد بما أورده في الشّرح، أوما استدركه على صاحب (القاموس) وهو مسؤول عمّا وقع فيه من تداخل.   1 ينظر: اللّسان (بلأص) 7/8. 2 ينظر: القاموس 2/106. 3 ينظر: اللّسان 9م273. 4 ينظر: الجاسوس290. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 771 وممّا وقع في غير موقعه ممَّا استدركه، قوله في مادّة (ط ر ب) : "وأطَرْبون: البِطْرِيق، كذا في شرح أمالي القالي، وحكي عن ابن قتيبة أنّه رجل روميّ … وقال ابن جنّيّ في حاشيته: هي خماسيّة كعَضْرَفُوط؛ فعلى هذا موضعه النّون والهمزة، والصّواب أنّ وزنه (أفْعَلُول) من الطَّرَبِ؛ وهذا موضع ذكره"1. وفي الحقّ أن الصَّواب خلاف ما اختاره الزَّبِيديّ - رحمه الله - وكان ابن جنّي على حقٍّ حين عدَّ (الأطْرَبُون) كلمةً خماسيّة، كعَضْرَفُوط؛ بأصالة الهمزة والنّون؛ لأنّها دخيلة في كلام العرب، واشتقاقها من الطَّرَبِ غير مقبول. ومن هنا قال الكَرْمَلِيُّ ردّاً على الزَّبِيديّ: "أمّا أنّه من: الطَّّربِ فهو الخطأ بعينه؛ لأنّ الكلمة ليست عربيّة؛ بل هي روميّة (لاتينيّة) : tribunus وهو حاكم عند الرُّومان. فهل يعقل أنّ الرّومان يسمّون رئيساً من رؤسائهم باسم عربيّ؟ هذا لا يعقل؛ فموضع ذكره - إذن - في (أط ر ب ون) لأنّ جميع أحرف الكلمة الدَّخيلة أصول؛ كما اتّفق عليه جمهرة اللّغويّين"2. واستدرك الزّبيديّ في (ب ي ب) كلمات منها: بَوَّب الرَّجلُ تبويباً؛ إذا حمل على العدوِّ، والبُوَيْبَةُ: موضع بِسِجِلْمَاسة، وبُوبَة: اسم   1 التاج 1/354. 2 معجم المساعد 1/248. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 772 امرأة1. وموضع هذه الكلمات (ب وب) كما فعل ابن منظور2؛ وهو الظّاهر فلا مبرّر لحملها على الياء مع ظهور الواو؛ ألا ترى أنّهم يحملون الأجوف المجهول العين على الواو لكثرتها؛ فكيف إذا ظهرت هذه الواو؟ فإنّ حملها على الياء لا مسوّغ له. واستدرك الزَّبيديّ أصلاً أهمله صاحب القاموس؛ وهو (ت ر ن ق) 3 وذكر فيه (التُّرْنُوقُ) 4 وهو: الطِّين الَّذي يرسب في مسايل المياه، أو هو الماء الباقي في المسيل، وأشار إلى أنّ المصنّف ذكره في (ر ن ق) وأراه الصَّواب؛ لأنّ التّاء زائدة؛ كتاءِ (تُعْضُوضٍ) وقد ذكر الأزهريّ أنّ التّاء فيهما زائدة 5؛ وعلى ذلك الصَّغانِيّ؛ إذ ذكره في (ر ن ق) 6 وأعاد ذكرها ابن منظور في هذا الأصل 7؛ فهم بذلك متّفقون مع صاحب القاموس؛ فلا وجه لاستدراكها عليه.   1 ينظر: التاج 1/155. 2 ينظر: اللّسان 1/224. 3 ينظر: التّاج6/303، لم يكتب بهامش المطبوعة اصلاً بحذائه سهواً أو ظنّاً أنّه تابع لما قبله؛ وليس كذلك؛ إذ جاء في هذا الموضع استدراكان؛ أوّلهما على مادّة (ت ر ق) وثانيهما استدراك مادة جديدة وهي (ت ر ن ق) . 4 وحكى فيه ابن منظور ضمّ التّاء وفتحها، وذكر أنّهما لغتان. ينظر: اللّسان (ترنق) 10/33. 5 ينظر: التَّهذيب 1م454. 6 ينظر: التكملة 5/65. 7 ينظر: اللّسان 10/127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 773 وثَمَّةَ نوع تساوت فيهما أكثر معاجم القافية؛ فكثر مجيئها في غير موضعها؛ وهما: الرُّباعيّ المضاعف على وزن (فَعْلَل) . ومعتلّ اللاّم. أمّا الأوّل - وهو ما جاء على وزن (فَعْلَل) من المضاعف؛ نحو (زَلْزَلَ) و (وَسْوَسَ) و (دَمْدَمَ) فقد تقدَّم الخلاف فيه؛ وهو - عند بعضهم - ثلاثيّ، ورباعيّ عند جمهور البصريّين؛ وهو الرّاجح كما تقدَّم. وكان لهذا الخلاف أثر لا يحمد على معاجم القافية؛ إذ أخذوا برأي هؤلاء تارةً، وبرأي هؤلاء تارةً أخرى؛ فجاء بعضه في الثّلاثيّ وبعضه في الرُّباعيّ. وممّا يلفت الانتباه - حقّاً - أنّهم اتّفقوا - تقريباً - على وضع كلّ ما جاء من ذلك في باب الهمزة في أصل رباعيّ؛ وهو موضعه الصّحيح؛ ولم يذكروا شيئاً منه في أصل ثلاثيّ؛ فمن ذلك الأصول الرباعيّة التّالية: (ب أب أ) و (ت أت أ) و (ث أث أ) و (ج أج أ) و (ح أح أ) و (د أد أ) و (ذ أذ أ) و (ر أرأ) و (ز أز أ) و (س أس أ) و (ش أش أ) و (ص أص أ) و (ض أض أ) و (ط أط أ) و (ظ أظ أ) و (ف أف أ) و (ك أك أ) و (ل أل أ) و (م أم أ) و (ن أن أ) و (هـ أهـ أ) و (ي أي أ) 1. بَيْدَ أنّهم كانوا يميلون في بقية الأبواب إلى وضع ما جاء من الرّباعي المضاعف في أصول ثلاثيّة؛ خلافاً لصنيعهم في باب الهمزة. ويتبين مذهبهم في وضع الرُّباعيّ المضاعف في أصول ثلاثية من   1 ينظر: باب الهمزة في كلٍّ من: الصِّحاح، والتكملة، والذَّيل والصّلة، واللّسان، والقاموس، والتّاج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 774 خلال النّماذج الثّلاثة التّالية المختارة من المعاجم الثّلاثة: (الصِّحاح) و (اللّسان) و (القاموس) : أوّلاً: بعض ما جاء منه في (الصِّحاح) من باب اللاّم: (ب ل ل) :البُلْبُلُ: طائرٌ مغَرِّدٌ، والبَلْبَلَةُ والبَلْبَالُ: الهمُّ ووسواس الصّدر. (ت ل ل) التَّلْتَلَةُ: مِشْرَبةٌ تتّخذ من قِيقاءة الطَّلع. (ج ل ل) : تَجَلْجَلَتْ قواعد البيت: تَضَعْضَعتْ. (ح ل ل) : تَحَلْحَلَ عن مكانه؛ أي: زَالَ. (خ ل ل) : الخَلْخَال: واحد خلاخيل النّساء. (د ل ل) : الدَّلْدَالُ: الاضطراب. (ذ ل ل) : ذَلاَذل القميص: ما يلي الأرض من أسافله. واحده ذُلْذُلٌ. (ز ل ل) : الزَّلْزَال: تحرُّك الأرض، والزَّلازِلُ: الشَّدائد. (س ل ل) : سِلْسِلَة البرقِ: ما استطال منه في عرض السّحاب. ثانياً: بعض ما جاء منه في (اللّسان) في باب الباء: (ت ب ب) : تَبْتَبَ: إذا شاخَ. (ث ب ب) : ثَبْثَبَ، إذا جلس متمكِّناً. (ج ب ب) : الجُبْجُبَةُ: وعاء يتّخذ من أدمٍ تسقى فيه الإبل. (خ ب ب) : الخَبْخَبَةُ: الاضطراب. (د ب ب) : الدُّبْدُبُ: مشي العُجْرُوفِ من النّملِ. (ذ ب ب) :الذَّبْذَبُ: اللّسان. (ر ب ب) : رَبَبَ الرَجلُ؛ إذا ربّى يتيماً. (ز ب ب) : زَبَبَ؛ إذا غضب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 775 (ش ب ب) شَبْشَبَ الرّجلُ؛ إذا تمتم. ثالثاً: بعض ما جاء من ذلك في (القاموس) من باب الرّاء: (ب رر) : البَرْبَرَةُ: صوت المعزى، وكثرة الكلام. (ت رر) : التَّرْتَرَةُ: التّحريك وإكثار الكلام. (ث رر) : الثَّرْثَرَةُ: كثرة الكلام. (ج رر) : الجَرْجَرُ والجِرْجِيرُ: بقلة تؤكل. (خ رر) : الخِرْخَارُ: الماء الجاري. (د رر) : الدُّرْدُرُ: مَغَارزُ أسنان الصّبيّ. (ز رر) : زَرْزَرَ: صَوَّتَ. (س رر) : سَرْسَرَ الشَّفرةَ: حَدَّها. (ش رر) : المُشَرْشِرُ: الأسد. وعلى هذا يقاس الكثير ممَّا في باقي الأبواب - خلا الهمزة - في معاجم القافية. وقد جاء شيء من الرُّباعيّ المضاعف من غير باب الهمزة في أصول رباعيّة، في موضعه؛ بيد أنّ ذلك أقلّ ممَّا جاء في غير موضعه في أصول ثلاثيّة، ويظهر ذلك بوضوح في بعض المعاجم كـ (الصِّحاح) و (اللّسان) . وممّا جاء في (الصِّحاح) من الرُّباعيّ في موضعه: (وس وس) : الوَسْوَسَة: حديث النّفس. (وش وش) : رجل وَشْوَاشٌ؛ أي؛ ضعيف. (ج ع ج ع) : الجَعْجَعَةُ: صوت الرّحى. وممّا جاء منه في (اللّسان) : (ح ب ح ب) الحَبْحَبَةُ والحَبْحَبُ: جري الماء قليلاً قليلاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 776 (س ب س ب) السَّبَاسِبُ والسَّبْسَبُ: شجر يتّخذ منه السّهام. (ظ ب ظ ب) : الظَّبْظَابُ: كلام المُوعدِ بشرٍّ. أمّا النوع الآخر؛ وهو معتلّ اللاّم؛ فقد تقدَّم أنّ التَّداخل فيه بين الواويّ واليائيّ كثير؛ وذلك يعود إلى طبيعة الحرفين، وكثرة التعاقب بينهما، ولاتّحاد الأصلين في الحروف خلا اللاّم، وهو ممَّا يؤدّي إلى صعوبة تمييز الأصلين أحدهما من الآخر؛ وذلك نحو: عَبَا يَعْبُو بمعنى أضاءَ وجهه؛ وهو من (ع ب و) أمّا (العَبَايَةُ) وهي نوع من الأكسية؛ فهي من (ع ب ي) 1. وخَزَا نفسه خَزْواً: ماكَها وكفّها عن هواها؛ هو من (خ ز و) أمّا: خَزِيَ الرّجلُ خِزْياً وخَزًى؛ أي: وقع في بليّة وشرٍّ؛ فذّلَّ وهانَ؛ فهو من (خ ز ي) 2. والعِزَةُ: العصبة من النّاس، وجمعها: عِزُون؛ وهي من (ع ز ي) أمّا: العَزَاءُ بمعنى: الصَّبر على المُصاب فهو من (ع ز و) 3. والكَرَى: النُّعاسُ، وهو من (ك ر ي) أمّا الكَرَا بمعنى: الفَحَجِ في السّاقين؛ فهو من (ك ر و) 4. ومثل ذلك كثير جدّاً.   1 ينظر: القاموس (ع ب و) 1688، و (عبي) 1688. 2 ينظر: المحكم 5/151، 172. 3 ينظر: القاموس (عزو) 1690، و (عزو) 1690. 4 ينظر: القاموس (ك ر ي) و (ك ر و) 1712. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 777 ويشتدّ التَّداخل في الألف المنقلبة مجهولة الأصل، وكذلك في الهمزة المتطرّفة بعد ألفٍ زائدة؛ نحو: قَضَاء وعَزَاء؛ فلا يعرف أصلها إلاّ بتصاريف الكلمة؛ فإذا جهلت تعذّر القطع بالأصل؛ فلم يبق إلاّ التّرجيح، والحمل على أوسع البابين؛ وهو غلبة الياء في المعتلّ اللاّم. وقد ذكرت - فيما تقدَّم - أنّ الجوهريّ اختطَّ لنفسه خطّة مريحة، كفته مؤونة البحث عن أصل المعتلّ؛ هل هو واو أو ياءٌ، وذاك أنّه دمج بين بابي الواو والياء؛ فجعلهما باباً واحداً؛ فوضع الأصلين المتّحدين في الفاء والعين في جَذرٍ واحدٍ، فكان يختار الواو تارةً والياء تارةً أخرى؛ فجعل الأصلين (خ ز و) و (خ ز ي) في (خ ز و) 1 وجعل (ك ر و) و (ك ر ي) في (ك ر ي) 2 وهكذا في كلِّ الباب. وقد غلب على منهجه في ذلك وضع الأصلين في أكثرهما مادّة وتصريفاً، ووعد في مطلع الباب بتمييز الأصلين في الجذر الواحد بقوله: "ونحن نشير في الواو والياء إلى أصولهما - إن شاء الله تعالى -"3 غير أنّه لم يفِ بوعده؛ فجاءت أكثر الموادِّ غُفْلاً من تلك الإشارة. ولم يسلم الجوهريّ من نقدٍ لما صَنَعَ. قال ابن منظور: "ولقد سمعت بعض من يتنقّص الجوهريّ - رحمه   1 ينظر: الصحاح 6/2326. 2 ينظر: الصحاح 6/2472. 3 الصحاح 6/2259. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 778 الله - يقول: إنّه لم يجعل ذلك باباً واحداً إلاَّ لجهله بانقلاب الألف عن الواو أو عن الياء، ولقلّة علمه بالتَّصريف، ولستُ أرى الأمر كذلك"1. ومهما يكن من أمرٍ فإنّ الجوهريّ سَنَّ سُنَّةً اتّبعها من جاء بعده من مصنّفي معاجم التّقليبات؛ لأنّ التّمييز بين الواويّ واليائيّ في المعتلّ قد يسم المصنّفين بالعيّ والإعياء كما قال الفيروزآباديّ2. ولعلّهم نحو ذلك النّحو؛ لأنّهم وجدوه (أجمعَ للخاطر، واوضحَ للنّاظرِ) كما قال ابن منظور3. على أنّ ذلك لا يكفي مبرّراً لوضع الأصلين في أصل واحد، والرّاجح خلاف ما اتّبعوه، وهو أن يوضع كلٌّ منهما في بابه الخّاصّ؛ للأسباب التّالية: الأوّل: أنّ التّفريق بينهما بوضع كلٍّ منهما في بابه يؤدّي إلى اطّراد المنهج في جميع الأبواب، فيسود النّظام فيها، ويدِقُّ العمل. الثّاني: أنّ دافع دمج البابين كان متعيّناً - أيضاَ - في باب آخر؛ ولكنّهم لم يلجأوا إلى الدّمج فيه، وأعني بهذا باب الهمزة، ألا ترى إلى شدّة التَّداخل بين ما جاء فيه وما جاء في باب المعتلّ (الواويّ واليائيّ) لأنّ العرب كثيراً ما تسهِّل المهموز أو تهمز المعتلّ؛ فيتداخلان؟ وهذا ما   1 اللّسان 14/3. 2 ينظر: القاموس32. 3 ينظر: اللّسان 14/3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 779 يفسّر تكرار كثير ممَّا جاء في باب الهمزة مع ما جاء في باب المعتلّ، في (اللّسان) مثلاً، والعكس - أيضاً - صحيح1؛ حتّى إنّ بعض العلماء كان يميل إلى أنّ الهمزة أقرب إلى حروف العلّة منها إلى الحروف الصّحيحة؛ ومن أقدم هؤلاء الخليل بن أحمد؛ الَّذي لا يكاد يذكر حروف العلّة دون أن يذكر الهمزة معها، وكان يسمّي الواو والياء والألف اللّيّنة والهمزة - أحرف الجوف أو الهواء2؛ فلا نعجب أن يَضُمّ الهمزة إلى أحرف العلّة، ويجعلها باباً واحداً في آخر معجمه3. وكذا فعل الأزهري4. وثَمَّةَ نوع كان عليهم أن يدمجوه أسوة بصنيعهم في باب الواو والياء؛ وهو ما جاء أجوف من الموادّ، في جميع الأبواب تقريباً، ومثال ذلك من باب الباء وحدها في معاجم القافية: (ث وب) و (ث ي ب) ، (ج وب) و (ج ي ب) ، و (خ وب) و (خ ي ب) ، و (ذ وب) و (ذ ي   1 ينظر على سبيل المثال ما جاء ف الموادّ التّالية من باب الهمزة في (اللّسان) وما يقابلها من باب المعتلّ: (أبأ) و (أبى) ، و (أتأ) و (أتى) ، و (أثأ) و (أثو) ، و (أشأ) و (أشى) ، و (ألأ) و (ألو) ، و (بدأ) و (بدو) ، و (بذأ) و (بذو) ، و (بطأ) و (بطو) ، و (بكأ) و (بكو) ، و (بهأ) و (بهو) ، و (بوأ) و (بوا) ، و (تطأ) و (تطو) ، و (ثدأ) و (ثدي) ، و (ثفأ) و (ثفو) ، و (جبأ) و (جبي) ، و (جزأ) و (جزي) ، و (جسأ) و (جسو) ، و (جشأ) و (جشو) ، و (جفأ) و (جفو) ، و (جمأ) و (جمي) ، و (جوأ) و (جوا) ، و (حبأ) و (حبو) ، و (حتأ) و (حتو) . 2 ينظر: العين1/57. 3 ينظر: العين 8/437-445. 4 ينظر: التهذيب15/536 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 780 ب) ، و (ر وب) و (ر ي ب) ، و (ز وب) و (ز ي ب) ، و (س وب) و (س وب) ، و (ش وب) و (ش ي ب) ، و (ص وب) و (ص ي ب) ، و (ض وب) و (ض ي ب) ، و (ط وب) و (ط ي ب) ، و (ل وب) و (ل ي ب) ، و (ن وب) و (ن ي ب) ، و (هـ وب) و (هـ ي ب) . ومثل هذا في باقي الأبواب؛ فوضعوا كلاًّ من الأصلين الواويّ واليائيّ ممَّا تقدَّم في موضع مستقلّ؛ وفقاً للمنهج الصّحيح؛ على الرّغمِ من وجود المسوّغ الَّذي دعاهم إلى دمج البابين في الواويّ واليائيّ؛ وهو شدّة التَّداخل بينهما، وكثرة الانقلاب بين الحرفين؛ بَيد أنّ ذلك لم يحملهم على الدّمج؛ فما كان أحراهم أن يفصلوا - أيضاً - بين البابين الواويّ واليائي، ليسلم لهم المنهج. الثّالث: أنّ الأضرار المترتّبة على دمج البابين أكثر من المنافع، ومن أهمِّ تلك الأضرار: التّكثير من تداخل الأصلين؛ ألا ترى أنّ احتمال وقوع القارئ غيرِ المختصِّ أو المبتدئ في الخطأ في الحكم على أصل المادّة كبير؟ لأنّ حكمه عليها يكون من خلال جَذرها (أصلها) فإن كان الجَذر واويّاً حكم بأنّ المادّة فيها واويّةٌ، وإن كان الجَذر يائيًّا فالمادّة - عنده - يائيّة؛ مع أنّ الحقيقة خلاف ذلك في أكثر ما يعرض إليه منه، فكثير من الجذور تشتمل المادّة فيها على الواويّ وعلى اليائيّ معاً. ومن هذه الأضرار: أنّ الدَّمج قد يؤدّي إلى الإخلال بقاعدة بابين مهمَّين من أبواب المضارع في معتلّ اللاّم، وهما: فَعَلَ يَفْعُلُ. وفَعَلَ يَفْعِلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 781 لأنّ من مواضع اطِّراد الأوّل، ومجيئه على القياس، أن يكون الفعل واويًّا؛ نحو: دَعَا يَدْعُو، وسَمَا يَسْمُو. وأمّا الثّاني؛ وهو: يَفْعِلُ فإنّه يطّرد في هذا البناء؛ إذا كان الفعل يائيًّا؛ نحو: بَنَى يَبْنِي، ورَثَى يَرْثِي؛ بشرط ألاَّ تكون عينه حرفاً حلقيًّا؛ فإنّه - حينئذٍ - يجيء مفتوحاً؛ نحو: سَعَى يَسْعَى، ورَعَى يَرْعَى1. ومن أهمِّ ما ترتّب على دمجهم البابين: وضع كثير من الكلمات في غير مواضعها؛ فإن كان الجَذر واويًّا فإنّ ما فيه من اليائيِّ معدودٌ في غير موضعه. وإن كان يائيًّا فإنّ ما فيه من الواويّ معدود في غير موضعه - أيضاً - وهناك في الحالتين موادّ في غير مواضعها؛ إلاّ في جذور معدودة لم يُخلط فيها الأصلان لإهمال أحدهما في الاستعمال. وفيما يلي بيان ذلك من خلال بعض الأمثلة ممَّا جاء في باب المعتلّ في ثلاثة معاجم؛ وهي: (الصِّحاح) و (التّكملة) و (اللّسان) . أ - ممَّا جاء منه في غير موضعه في (الصِّحاح) . (أد و) : أَدَى اللَّبَنُ أدِيًّا؛ أي: خَثُرَ لِيَرُوبَ، وموضعه (أدي) . (أل و) : الأَلْيَة: العجيزة، ومنه: ألية الشَّاة، والألية: اللّحمة الَّتي في أصل الإبهام. وموضع هذا كلّه: (أل ي) . (ث ر و) : الثَّرَى: التُّراب النَّدِيّ، وأرض ثَرْيَاءُ: ذات ندًى.   1 ينظر: بغية الآمال 88-90، والمغني في تصريف الأفعال142-148، وتصريف الأفعال151، 153، ومناهل الرّجال25-28. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 782 وموضعه (ث ر ي) . (ج أي) : كتيبة جَأوَاء: الَّتي يعلوها السّواد لكثرة الدُّروع، والجِئَاوَةُ، مثل الجِعَاوَة: وعاء القدر، أو شيء توضع عليه من جلد أو خَصَفَة. وموضعه (ج أو) . (ج د ي) : الجَدَاذ -بالقصر: الجَدْوَى؛ وهما العطيَّة. وموضعه (ج د و) . (ج ذ ي) الجَذْوَةُ والجِذْوَةُ والجُذْوَةُ: الجمرة الملتهبة، والمُجْذَوذِي: الَّذي يلازم الرّحل والمنزل لا يفارقه. وموضعه (ج ذ و) . (ج ر ي) : الجِرْوُ والجَرْوُ: ولد الكلب والسَّبُع، والجمع: أجْرٍ، وأصله: أجْرُوٌ على (أَفْعُل) وجِرَاء. وموضعه (ج ر و) . (ح ذ و) : حَذَيتُ يده بالسِّكّين؛ أي: قطعتُها، وحَذِيَتِ الشَّاةُ تَحْذَى حَذًى؛ أي: انقطع سلاها في بطنها. وموضعه (ح ذ ي) . ب - وممّا جاء منه في غير موضعه في (التَّكملة) : (خ ت و) : الخَاتِيَةُ: العُقَابُ. وموضعه (خ ت ي) . (د ب و) : جاء فلانٌ يَدْبِي دَبًى؛ إذا جاء بمالٍ كالدَّبَى. وموضعه (د ب ي) . (د ج و) : الدُّجْيَةُ: عقبة يدَجَّى بها القوس؛ لئلاّ ينقطع. وموضعه (د ج ي) . (ذ ح و) : الذَّحْيُ: أن يطرق الصُّوف بالمطرقة. وموضعه (ذ ح ي) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 783 (ر ث و) : رَثَّيْتُ الميِّتَ تَرْثِيَةً، لغة في: رَثيْتُه مَرْثِيَةً. وموضعه (ر ث ي) . (س ر ي) : السَّرَوَانُ: محلّتان من محاضر سلمى؛ أحد جبلَي طَيّء. وسَرَوَان: من أعمال سجستان، والسَّرْوُ: بلد قرب دمياط. وموضعه (س ر و) . (ش ر ي) : الشَّرْوُ: العسل الأبيض. وموضعه (ش ر و) . (ش ط و) : شَطَينَا الجَزُور: سَلَخناها، وفرَّقنا لحمها. وموضعه (ش ط ي) . ج - وممّا جاء منه في (اللّسان) في غير موضعه: (ص ل و) : صَلِيَ بالنَّارِ، وصَلِيَهَا صَلْياً وصُلِياً وصِلِياً وصَلًى وصِلاءً، واصْطَلَى بها وتَصَلاَّها قاسى حَرّها، وكذلك الأمر الشّديد. وموضعه (ص ل ي) . (ص م و) : الصَّمْيَانُ من الرِّجال: الشَّديد، والشّجاع الصّادق الحَمْلَة، والجمع: صِمْيَان، وصَمَى الصَّيدُ يَصْمِي، إذا مات مكانه وأنت تراه. وموضعه (ص م ي) . (ع ر و) : العُرْيُ: خلاف اللّبس، ومنه قولهم: عَرِيَ من ثوبه يَعْرَى عُرْياً وعُرْيَةً فهو عَارٍ، ورجلٌ عُرْيانُ، ومنه - أيضاً - قولهم: عَرِيَ البدنُ من اللَّحمِ، أي: قلَّ ما عليه، والعريان من النَّباتِ؛ الَّذي عُرِيَ عُرْياً؛ إذا استبان لك. وموضعه (ع ر ي) . (ع ظ ي) : عَظَاهُ يَعْظُوه عَظْواً: اغتاله فسقاه ما يقتله، وكذلك إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 784 تناوله بلسانه، وفعل به ما عَظَاه؛ أي: ما ساءه. والعَظَا: أن تأكل الإبل العُنْظُوَانَ، وهو شجر؛ فلا تستطيع أن تَجْتَرَّه، ولا تبعره؛ فَتَحْبَطَ بطونها. وموضعه (ع ظ و) . (ع ق و) : العِقْيُ: ما يخرج من بطن الصّبي حين يولد، وبنو العِقْيِ: قبيلة؛ وهم العُقَاةُ، والعِقْيَانُ: الذَّهب الخالص. وموضعه (ع ق ي) . (ع م ي) : عَمَا يَعْمُو؛ إذا خضع وذّلَّ. والعَمَا: الطّول، ويقال: ما أحسنَ عَمَا هذا الرّجل، أي: طوله. وموضعه (ع م و) . (ف ر و) : فَرَى الشَّيء يَفْرِيه فَرْياً، وفَرَّاه؛ كلاهما: شقَّه وأفسده، وأفراه: أصلحه، وقيل: أمر بإصلاحه؛ كأنّه رفع عنه ما لحقه من آفة الفَرْيِ وخلله. وفَرَيْتُ الأرضَ؛ إذا سرتها وقطعتُها. وموضعه (ف ر ي) . ولا يردُ كلُّ هذا النّقد على الفيروزآباديّ؛ إذ خطا - رحمه الله - خطوةً موفّقةً في اتّجاه إصلاح هذا الباب؛ بمحاولته فكّ الأصلين، والتّفريق بينهما بوضع كلٍّ منهما في جذر مستقلّ، وقد عدَّ هو نفسه ذلك من محاسن معجمه؛ فقد قال: "ومن أحسن ما اختصَّ به هذا الكتاب: تخليص الواو من الياء؛ وذلك قِسمٌ يسم المصنّفين بالعيّ والإعياء"1. ويبدو أنّ الفيروزآباديّ قد أفاد كثيراً ممَّا في المحكم لابن سيده؛ الَّذي أخذ على عاتقه عبء التّفريق بين الأصلين؛ غير أنّ المجد لم يبلغ غايته في   1 القاموس 34. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 785 الإصلاح؛ إذ لم يجعل كلاًّ منهما في باب مستقلٍّ؛ بل جعلهما في باب واحد؛ على منهج الجوهريّ، وخالفه في التّفريق بين الأصلين الواويّ واليائيّ؛ فجعل كلاًّ منهما في جذرٍ خاصٍّ، واكتفى بوضع رمزٍ يستدلُّ به على الأصل؛ فكتب أمام الجذر الواويّ رمز: (و) وأمام الجذر اليائيّ رمز: (ي) فنتج عن ذلك توالي جذرين متشابهين؛ أحدهما واويّ، والآخر يائيّ؛ نحو: (أد و) و (أد ي) ، و (أل و) و (أل ي) ، و (ب د و) و (ب د ي) ، و (ب ر و) و (ب ر ي) ولو أنّه جعل كلاًّ منهما في باب مستقل؛ أسوة بغيره من الأبواب - لكان أحسن، وأدقّ، ولبلغ به الغاية في الصّناعة المعجميّة. ولعلّ من طريف ما نتج من دمجهم البابين في باب واحد: تقديم وتأخير بين الواو والهاء في التّرتيب الهجائيّ؛ فنحن -اليوم - نكاد نجمع على تقديم الهاء على الواو؛ مع أنّ الواو أسبق من الهاء في التّرتيب المشرقيِّ؛ الَّذي وضعه نصر بن عاصم، وسار عليه أكثر العلماء المتقدِّمين1. وتفسير ذلك أنّ الجوهريّ لمّا أراد دمج بابي الواو والياء اضطرّ إلى تأخير الواو وتقديم الهاء في الأبواب؛ ليتسنّى له ما أراد؛ غير أنّه أبقى على التّرتيب الأصليّ في الفصول؛ إذ أبقى على الواو في موضعها قبل الهاء؛   1 ينظر: ترتيب الحروف في: الجيم3م290، 316، والمجرّد في غريب كلام العرب ولغاتها1/31، والجمهرة1/172، والمجموع المغيث1/811، 823. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 786 فأدّى ذلك إلى اختلاف التّرتيب في الحرفين بين الفصول والأبواب؛ كما هو ظاهر في (الصِّحاح) و (التكملة والذّيل والصِّلة) و (مختار الصِّحاح) و (القاموس المحيط) و (تاج العروس) على أنّ ابن منظور أخّر الواو في الفصول -أيضاً - أسوة بتأخيرها في الأبواب. وبالجملة فإنّ لوضع الكلمة في غير موضعها أضراراً على قدر كبير من الأهمية؛ أذكرها في النّقاط التّالية: 1- اختلاف التّرتيب في النّظام المعجميّ؛ القائم على أصل الكلمة. 2- الحيلولة بين القارئ ومراده؛ ما لم يكن على قدر من فقه العربيّة، وعلى علمٍ بأصولها وزوائدها، وملمًّا بتداخل الأصول فيها. 3- حكم القارئ على الكلمة بالإهمال في المعجم الَّذي بين يديه؛ على الرّغمِ من وجودها فيه. ولا عجب أن يمتدّ ذلك إلى العلماء في مؤلّفاتهم؛ فيقعون بسببه في أحكامٍ واستدراكاتٍ غير صائبة. وقد وقع شيء من ذلك للفيروزآباديّ؛ إذ حمّر بعض الموادّ، وأشار إلى إهمال الجوهريّ إيّاها؛ مع أنّها مذكورة في (الصِّحاح) ولكن في غير موضعها؛ كتحميره (ت ر ج م) الَّذي ذكر فيه (التُّرْجُمَان) وهو: المفسّر للّسان1؛ مع أنّ الجوهريّ ذكره في مادّة (ر ج م) 2 وقد نبّه الزَّبِيديّ على هذا؛   1 ينظر: القاموس 1399. 2 ينظر: الصحاح 5/1928. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 787 وقال: "أهمله الجوهريّ هنا، وأورده في تركيب (ر ج م) … فكتابة المصنّف إيَّاها بالأحمر فيه نظر"1. وحمّر الفيروزآباديّ مادّة (د ر د م) وذكر فيها: (الدِّرْدَم) وهي: النّاقة المسنّة 2. وقد ذكرها الجوهريّ في مادّة (د ر م) 3. ونبّه عليه الشّارح -أيضاً - فقال: (كتبه بالأحمر على أنّه مستدرَكٌ على الجوهريّ؛ وليس كذلك؛ بل ذكره في: د ر م) 4. وحمّر صاحب (القاموس) مادّة (ز ل ق م) وذكر فيها: الزُّلْقُومُ وفسّره بأنّه الحُلقوم، وقد ذكرها الجوهريّ في مادّة (ز ق م) على أنّ اللاّم زائدة 5؛ فلا يعدّ من المستدرك عليه. وحمّر مادّة (ق ح و) وذكر فيها قولهم: قَاحَ الجُرحُ يَقُوحُ، والقَاحَةُ: السَّاحة6. وقد ذكرها الجوهريّ في مادّة (ق ي ح) 7. ومثل هذا كثير في (القاموس) قدّره بدر الدِّين القرافيّ بأربعين موضعاً8.   1 التَّاج (ترجم) 8/211. 2 ينظر: القاموس 1429. 3 ينظر: الصحاح 5/1918. 4 ينظر: التَّاج (دردم) 8/289. 5 ينظر: الصحاح 5/1943. 6 ينظر: القاموس 303. 7 ينظر: الصحاح 1/398. 8 ينظر: البلغة في أصول اللّغة 461. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 788 واستدرك الزَّبيديّ على صاحب (القاموس) ألفاظاً لم يهملها وإنّما ذكرها في مواضع أخرى، ألا ترى إلى قول الزّبيديّ في مادّة (ت ذ ر ب) : "وممّا يستدرك عليه: تَذْرَبُ موضع، قال ابن سيده: والعلّة في أنّ تاءه أصلية ما تقدَّم في تَخْرَب … وقد أغفله المؤلف"1. ولم يغفله الفيروزآباديّ، وإنّما ذكره في (ذ ر ب) 2. ومثل ذلك كثير في (التَّاج) لمن أراد حصره. ويظهر أثر وضع الكلمة في غير موضعها - بوضوح - في كتاب (الحسن والإحسان في ما خلا عنه اللّسان) لعبد الله بن عمر الباروديّ، وهو من المعاصرين؛ فقد حدّد هدفه من تأليفه كتابه؛ وبيّن أنّه: جمع ما فات صاحب اللّسان من اللّغة، أو ما أهمله من مواد. غير أنّ التّأمل الدّقيق للكتاب يظهر أنّ المؤلّف استدرك على صاحب اللّسان عدداً غير قليل من الموادّ بشروحها؛ على الرّغم من ورودها في (اللّسان) ولكنّها جاءت في مواضع لم يقف عليها المؤلّف بسبب التداخل؛ فلا وجه لاستدراكها وعدِّها ممّا فات (اللّسان) . وسيأتي الكلام عن هذا الكتاب مفصّلاً في الباب الخامس، واكتفي - هنا - بذكر مثالين منه: الأوّل: استدراكه في (س د أ) كلمة (السَّنْدَأوة) وهو: الرّجل   1 ينظر: التَّاج (تذرب) 1/61. 2 ينظر: القاموس 109. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 789 الضّعيف أو الشّديد المُقدِم1. وهو مذكور في اللّسان في مادّة (س ن د) 2. الثّاني: استدراكه في (س ل ط أ) كلمة (اسْلَنْطَأتُ) بمعنى: ارتفعتُ إلى الشَّيء أنظر إليه3. وهي مذكورة في (اللّسان) في (س ل ن ط) 4 وهو ليس موضعه. 4- أنّ الدّراسات الإحصائيّة للجذور في بعض معاجم القافية كـ (الصِّحاح) و (اللّسان) و (التَّاج) الَّتي اعتمدت على ما جاء في هذه المعاجم من غير تهذيب للأصول المتداخلة - لا تعدّ كاملة؛ ولا يمكن أن تعطي نتائج دقيقة لكثرة ما جاء في تلك المعاجم في غير موضعه، أو جاء في موضعين أو أكثر -كما سيأتي - فإنّ وضع الكلمة الثّلاثيّة في أصل ثلاثيّ آخر غير أصلها، أو في أصل رباعيّ أو خماسيّ، وكذا وضع الرّباعيّة في ثلاثيّ أو خماسيّ، أو وضع الخماسيّة في رباعيّ أو ثلاثيّ - يترك أثراً بالغاً على نتائج الإحصاء. وقد نبّه على مثل هذا بعض الباحثين؛ كالدّكتور مصطفى سالم؛ الَّذي قال في دراسة له عن الخماسيّ: "وقد ثبت لديّ من خلال معارضة   1 ينظر: الحُسن والإحسان 18. 2 ينظر: اللّسان 3/223. 3 ينظر: الحُسن والإحسان 18. 4 ينظر: اللّسان 7/322. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 790 مادّة الخماسيّ على معجمات اللّغة؛ قديمها وحديثها؛ وعلى اختلاف مناهجها أنّ إحصاء الجذور الخماسيّة في الصِّحاح واللّسان والتَّاج؛ الَّتي قام بها الدّكتور حلمي موسى؛ بواسطة الحاسب الآلي - غير دقيق؛ وإن أفادت في جوانب أخرى"1. وضرب لذلك مثلاً بكلمة (اليَسْتَعُور) الَّتي جعلها ضمن الأصول الرّباعيّة؛ لأنّ محقّق الصِّحاح وضع جذرها بين معقوفين هكذا: [يسعر] ظنّاً منه أنّها رباعيّة؛ فترتّب على ذلك إحصاؤها في جذور الرّباعيّ، وخلوّ الخماسيّ منها2. وبذلك حكم الإحصاء بأنّ الياء لا تدخل أصلاً في جذور الخماسيّ؛ وهذا غير صحيح3، وبأنّها - أي: الياء - تكون أصلاً في الرّباعيّ غير المضاعف؛ وهذا باطل. وقريب من ذلك أنّ ابن منظور أورد كلمتي (الشَّوْشَبِ) و (اللَّّوْلَبِ) في الرُّباعيّ (ش وش ب) و (ل ول ب) على الرّغمِ من أنّهما ثلاثيّان؛ وأصلهما: (ش ش ب) و (ل ل ب) فدخلتا بذلك في إحصاء الرُّباعيّ، ونتج عنه الحكم بأنّ الواو تقع أصلاً في الرُّباعيّ؛ وهو ما يخالف ما قرّره علماء العربيّة. وقريب من ذلك إدخال (الذَّيْذَح) في إحصاء الرُّباعيّ في (اللّسان) لأنّ ابن منظور وضعها في (ذ ي ذح) وصوابه (ذ ذ ح) وبذلك حكم   1 الخماسيّات اللّغوية: و2 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم الصحاح 91. 3 ينظر: الخماسيات اللغوية: ز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 791 الإحصاء بأنّ الياء تقع أصلاً في الرُّباعيّ. وأُدخل (الجَلَنْدَد) وهو: الرّجل الفاجر، و (القَرَنْبَى) وهي: دويِّبَة كالخُنْفُساء، و (الحَطَنْطَى) ونحوه - في إحصاء الرُّباعيّ؛ لأنّ ابن منظور ذكرها في (ج ل ن د) و (ق ر ن ب) و (ح ط ن ط) وهي ثلاثيّة من (ج ل د) و (ق ر ب) و (ح ط ط) فزاد بذلك عدد الجذور الرباعيّة، ونقصت الجذور الثّلاثيّة، ودخلت هذه الأصول في إحصاء النّون ثالثةً في الرُّباعيّ. ومثل ذلك كثير وهو يحتّم الأخذ بالجذر في الأصول المتداخلة للوصول إلى نتائج دقيقة في الإحصاء. ومن هنا يمكن القول: إنّ النّتائج الدّقيقة من إحصاء الجذور تتطلّب تهذيب الأصول المتداخلة أوّلاً. ولعلّ من تمام الفائدة -في نهاية هذا المبحث - أن أورد -في الجدول التّالي - بعض ما وقفت عليه ممَّا وضع في غير موضعه في بعض معاجم القافية؛ ليفيد منه القارئ؛ فإنّ فيه ما يعين ويرشد إلى مظانِّ بعض الكلمات. وقد رتّبتُ ما فيه على حروف المعجم على التّرتيب الهجائيّ المعتاد؛ وفقاً للأصل الصحيح: أصلها الصحيح الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الَّذي وردت فيه ... أصلها الصحيح المِيتَاء ... من الطرق: المسلوك؛ وهو (مِفْعال) من الإتيان ... اللّسان ... م ي ت ... أت ي الأرْجُوَان ... الأحمر، وثياب حُمْرٌ ... القاموس ... ر ج و ... أرج ون الإسْتَبْرَق ... الدِّيباج الغليظ ... القاموس ... ب ر ق ... إ س ت ب ر ق اليامُور ... الذَّكر من الإبل؛ وهو الوَعْل ... القاموس ... ي م ر ... أم ر الإهْلِيلَجُ ... ضرب من الأدوية ... الصّحاح ... هـ ل ج ... أهـ ل ج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 792 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الذي وردت فيه ... أصلها الصحيح ... ... اللّسان ... ... البينيثُ ... ضرب من سمك البحر ... اللّسان ... ب ي ن ي ث ... ب ن ث التَّلامِيذُ ... الَّذي ينفخ فيها الصَّاغة ... الصِّحاح واللسان ... ت ل م ... ت ل م ذ اتْمَهَلَّ ... اعتدل وانتصب، أو سَكَنَ ... اللّسان والقاموس والتاج ... م هـ ل ... ت م هـ ل الثَّيِّبُ ... من ليس ببكرٍ من الرّجال أو النّساء ... اللّسان ... ث ي ب ... ث وب الجَحَنْبَرَةُ ... القصيرة من النساء ... اللّسان ... ج ل ن ب ... ج ح ب ر جَلَنْدَدٌ ... وصف للرّجل الفاجر ... اللّسان ... ج ل ن د ... ج ل د مَجَنَّةٌ ... موضع بأسفل مكّة كان يقام به سوق لهم، والميم زائدة ... اللّسان ... م ج ن ... ج ن ن الحوْأَب ... ماء على طريق البصرة ... الصحاح ... ح وب ... ح أب حبنبر ... أن يخبَرَ الرّجل بشيء؛ فيقول: ما فيه حَبَنبَر؛ أي: ما فيه شيء ... اللّسان ... ح ب ن ب ر ... ح ب ر الحسدل ... لقُراد، واللاّم زائدة، ومنه قولهم: الجار الحَسْدَلِيّ، وهو الَّذي عينك تراك وقلبه يرعاك ... التكملة ... ح س د ل ... ح س د الحطنطى ... الرجل الأحمق ... اللّسان ... ح س ن ط ... ح ط ط حمطيط ... دويبة صغيرة ... اللّسان ... ح م ط ط ... ح م ط الدودم ... شيء كالدم يخرج من السمر ... الصحاح ... د ر م ... د د م الدلنظى ... السمين من كل شيء ... اللّسان ... د ل ن ظ ... د ل ظ الذيذجان ... الإبل تحمل حمولة التجار ... اللّسان ... ذ ي ذ ج ... ذ ذ ج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 793 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الذي وردت فيه ... أصلها الصحيح الذوذخ ... العذيوط؛ وهو الذي يفضى قبل الجماع ... اللّسان ... ذ وخ ... ذ ذ خ المرآة ... مصدر الشيء المرئي (مصدر ميمي) ... اللّسان ... م ر أ ... رأي الزبنتر ... من الرجال، القصير المكر الداهية ... اللّسان ... ز ب ن ت ر ... ز ب ت ر انزق ... في الجحر: دخله وكمن فيه وانزرق الرمح: نفذ ... القاموس ... ز ر ن ق ... ز ر ق أزرأ ... فلان إلى كذا: صار إليه ... اللّسان ... ز ر أ ... ز ر ي الزوزك ... القصير الحياك في مشيته ... اللّسان ... ز وز ك ... ز ز ك زوزن ... اسم بلدة بين هراة ونيسابور ... القاموس والتاج ... ز وز ... ز وز ن الزر ... الغضبان ... اللّسان ... ز وز ... ز ر ر زويت ... به: احتقرته ... القاموس والتاج ... ز وز ... ز وز والزوزاة ... انتصاب الطهر، والإسراع ومقاربع الخطو ... اللّسان ... ز وي ... ز وز واست الدهر ... القدم ... الصحاح واللّسان ... أس ت ... س ت هـ وكاء السّه ... بمعنى: وكاء الإست ... اللّسان ... س هـ هـ ... س ت هـ ستهم ... الأسته، وهو الضخم الإست ... اللّسان ... س ت هـ م ... س ت هـ المساحي ... جمع مسحاة؛ وهي: المجرفة من الحديد، والميم فيها زائدة ... اللّسان ... م س ح ... س ح والسمادير ... ضعف البصر، والميم زائدة ... اللّسان ... س م د ر ... س د ر السندرة ... السرعة ... اللّسان ... س ن د ر ... س د ر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 794 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الذي وردت فيه ... أصلها الصحيح اسطلنطأتُ ... ارتفعت إلى الشيء أنظر إليه ... اللّسان ... س ل ن ط ... س ل ط أ السُقْدد ... الفرس المضمَّر ... اللّسان ... ... س ق د الشَّوْشَب ... العقرب ... التكملة اللسان ... ش ب ب ش وش ب ... ش ش د الشاصلي ... ضرب من النبات ... الصحاح ... ش ص و ... ش ص ل اصمَّد ... أصعد في الأرض، والميم زائدة ... اللسان ... ص م ع د ... ص ع د انصاخ ... الثوب. إذا انشق من قبل نفسه ... اللّسان ... ص ي خ ... ص وخ الضوادي ... ما يتعلل به من الكلام ... القاموس ... ض ود ... ض د ي طرمح ... البناء وغيره: علاه ورفعه. ... اللّسان ... ط ر م ح ... ط ر ح طوطر ... به: رماه مرمى بعيدا ... القاموس والتاج ... ط ور ... ط ط ر الضيفن ... الذي يأتي مع الضيف ... اللّسان ... ض ف ن ... ض ي ف العثكول ... وهو العذق الذي تكون فيه الشماريخ ... الصحاج اللّسان ... ث ك ل ... ع ث ك ل عصنصر ... اسم موضع ... اللّسان ... ع ص ن ص ر ... ع ص ر التعضوض ... المرأة الضيقة، وضرب من التمر ... اللّسان ... ت ع ض ... ع ض ص العفنجش ... الجافي ... اللّسان ... ع ف ن ج ش ... ع ف ج ش عقنباة ... عقاب عقنباة: حديدة المخالب، سريعة الخطف ... اللّسان ... ع ف ن ب ... ع ق ب اعلنبأ ... نهض بالجمل، أو تهيأ للشر ... اللّسان ... ع ل ن ب ... ع ل ب أ علنكد ... الصلب الشديد من الرجال ... اللّسان ... ع ل ن ك د ... ع ل ك د العمية ... الكبر ... القاموس ... ع م ي ... ع م م العوهج ... الطويلة من الحيات ... اللّسان ... ع وهت ج ... ع هـ ج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 795 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الذي وردت فيه ... أصلها الصحيح اغرَندَى ... عليه: علاه بالضّرب والشّتم ... اللّسان ... غ ر ن د ... غ ر د تُغَنذى ... فلانة بالنّاس: تُغري بهم ... اللّسان ... غ ن ذ ى ... غ ن ذ الفُقْدُد ... نوع من النَّبيذ ... اللّسان ... ف ق د د ... ف ق ذ الفَيْلَسُوف ... لحكيم. والمصدر الفَلْسَفة ... القاموس والتاج ... س وف ... ف ل س ف الفَوْلَفُ ... كلّ شيء يغطِّي شيئاً آخر؛ فهو فَوْلَف ... اللّسان ... ف ول ف ... ف ل ف القَرَنبَى ... دويبة شبه الخُنفُسَاء ... اللّسان ... ق ر ن ب ... ق ر ط لقُرْطَاط ... لذي الحافر كالحِلس الَّذي يلقى تحت الرّحل للبعير ... اللّسان ... قر ر ط ط ... ق ن ر القِنَّور ... الشّديد الضّخم الرّأس من كلِّ شيء القِنَّور ... اللّسان ... ق ن ور ... ق ود القِيَاد ... الَّذي تقاد به الدَّابّة (من قَادَ يَقُود) ... القاموس والتاج ... ق ي د ... ك ع ر الكَعْوَرَة ... الضَّخم الأنف من الرّجال ... اللّسان ... ك ع ور ... ك ع ر الكْلأَزَّ ... تقَبَّضَ وتَجَمَّع من هَمٍّ ... الصحاح ... ك ز ز ... ك ل ز اللُّمَّة ... وكذلك اللُّمَّة: المثل في السِّنّ، والتِّرب. والتّاء فيه عوض من الهمزة المحذوفة من وسطه ... اللّسان ... ل م م ... ل أم اللَّوْلَبُ ... استدارة الماء عند فم الصُّنبور ... اللّسان ... ل ول ب ... ل ل ب أَنَاضَ ... النَّخلُ يُنِيض إنَاضةً: أيْنَعَ ... الصحاح ... أن ض ... ن وض النَّيِّف ... من واحد إلى ثلاثة، والياء منقلبة عن واو ... الصحاح ... ن ي ف ... ن وف المُهْوَأنّ ... الصحراء والواسعة ... الصحاح ... هـ وأ ... هـ أن الهَنْبَثَة ... لاختلاط في القول، أو الأمر ... اللّسان ... هـ ن ب ث ... هـ ب ث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 796 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الأصل الذي وردت فيه ... أصلها الصحيح ... الشديد. والنون زائدة ... ... ... الهرنقص ... القصير من الرجال ... اللسان ... هـ ر ن ق ص ... هـ ر ق ص الهرولة ... بين المشي والجري ... اللسان ... هـ ل ت ... هـ ر ل وكلة تكلة ... الرجل العاجز الذي يكل أمره إلى غيره ... اللسان ... ك ل ت ... وك ل يعر ... اسم جبل في طريق الطائف ... التكملة ... ي س ت ع ... ي ع ر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 797 المبحثُ الثَّاني: وضع الكلمةِ في موضعين أو أكثر ثَمَّةَ كلمات جاءت في موضعين أو أكثر في معاجم القافية؛ وهي من النّتائج الطّبعيّة لتداخل الأصول، وتمثّل الأثر الثّاني للتّداخل؛ إذ يأتي بعد الأثر المتقدّم ذكره؛ وهو وضع الكلمة في غير موضعها؛ من حيث ضرَرُهُ في بناء معاجم القافية. وفيما يلي بيان هذا الأثر من خلال ما جاء في بعض معاجم القافية، وبيان وجهه، والراّجح من الأصلين أو الأصول، ثمَّ محاولة الوقوف على أثره السَّلبيّ، والحلّ الَّذي يقترحه البحث. أوَّلاً- ما جاء في موضعين: هذا النّوع هو الكثير في معاجم القافية قياساً على ما جاء في أكثر من موضعين فيها، وفيما يلي بيانه: أ- (الصِّحاح) للجوهريّ: تكرَّر في (الصِّحاح) كثير من الكلمات؛ فجاءت في موضعين فيه؛ ومن ذلك أنّ الجوهريّ ذكر في (د ر ح) قولهم: رجل دِرْحَايَةٌ؛ أي: قصير سمين ضخم البطن، ومنه قول الرَّاجز: عَكَوَّكٌ إذّا مَشَى دِرْحَايَةٌ ... يَحْسَبُنِي لا أَعْرِفُ الحُدَايَة1 ونصَّ على أنّه على وزن (فِعْلايَة) ملحق بـ (جِعْظَارَةٌ) 2 وهو:   1 ينظر: الصِّحاح 1/361. 2 ينظر: الصِّحاح 1/361. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 798 القصير السّمين - أيضاً - ثمّ أعاده في أصل آخر؛ وهو (د ر ح ي) 1 ونصَّ فيه - أيضاً - على أنّه (فِعْلايَة) وهو الصحيح في وزنه على مذهب الجمهور2. وقد ذكر الجرجانيّ أنّ الياء زائدة، وهي للإلحاق بـ (سِرْدَاح) 3. ويدلّ على زيادتها أنّ الياء لا تكون أصلاً؛ إذا صحبها ثلاثة أصول؛ كما تقرّر في علم التّصريف؛ فليس لإعادتها في باب الياء وجه؛ مع النَّصِّ على زيادة الياء، وذكرِ الكلمةِ في موضعها الصَّحيح؛ لأنّ في ذلك إخلالاً بالمنهج المعجميّ؛ الَّذي قامت عليه معاجم القافية؛ كما يبَيَّنُ لاحقاً في هذا المبحث، فينبغي في (دِرْحَايَة) أن تكون في فصل الدّال من باب الحاء؛ كما نبّه عليه ابن بَرِّي 4. وذكر الجوهريّ (الدِّرْدِمَ) وهي: النّاقة المسنّة في (د ر د)   1 ينظر: الصِّحاح 6/2366. 2 ينظر: التّكملة للفارسيّ 112، وشرح الشّافية للرّضي 3/177. 3 ينظر: المقتصد في شرح التّكملة 2/383. 4 ينظر: اللّسان (درحي) 14/256. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 799 وأشار إلى زيادة الميم فيها؛ لقولهم: الدَّرْدَاء؛ كقولهم للدَّلْقَاء: دِلْقَمٌ، وللدَّقْعَاء: دِقْعِم على وزن (فِعْلِم) 1. ثمّ أعاد الكلمة في (د ر م) 2 ولا وجه لذكرها في هذا الأصل؛ لأنّ وضعها فيه يؤدّي إلى الحكم على الدّال الثّانية بالزّيادة؛ وهي ليست من حروف الزّيادة، ولو ذكرها في الرّباعيّ (د ر د م) لكان له بعض ما يبرّره، وحقّها أن توضع في (دد) . وأورد في مادّة (أح د) : الأحَدَ بمعنى: الواحد؛ وهو أوّل العدد، ومنه قولهم: اسْتَأْحَدَ الرُّجلُ؛ أي: انفرد، وجاءُوا آحَادَ آحَادَ3.ثمَّ أعاده في (وح د) 4 وهو موضعه؛ لأنّ العلماء نصّوا على أنّ الهمزة في أحدٍ مبدلة من الواو؛ وأصله (وَحَدٌ) لأنّه من الوَحْدِ5. وذكر في مادّة (أش ف) : (الإشْفَى) وهو: السِّرَادُ؛ الَّذي يُخرز به الإسكاف، وأشار إلى أنّه على وزن (فِعْلًى) والجمع منه: الأشَافي6. ثمّ أعاده في مادّة أخرى؛ وهي (ش ف ي) 7 وكان حقّها أن يكتفى بذكرها في (أش ف) لأنّها عنده (فِعْلًى) . على أنّ سيبويه كان يرى خلاف ما ذهب إليه الجوهريّ؛ فهي عنده (إفْعَل) بزيادة الهمزة في أوّل الكلمة8. وهو مذهب ابن بّرِّي - أيضاً - فقد تعقّب الجوهريّ وانتقده لوضعه إيّاها في (أش ف) ونصَّ على أنّ موضعها (ش ف ي) من باب المعتلّ9. وجاء في مادّة (ب وق) من (الصِّحاح) ما نصُّه: "وانْبَاقَتْ عليهم   1 ينظر: الصِّحاح 2/470. 2 ينظر: الصِّحاح 5/1918. 3 الصِّحاح 2/440. 4 الصِّحاح 2/547. 5 ينظر: اللّسان (وحد) 3/448. 6 ينظر: الصِّحاح 4/133. 7 ينظر: الصحاح 6/2394. 8 ينظر: اللّسان 4/245. 9 ينظر: اللّسان (أشف) 9/6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 800 بَائِقَةُ شَرٍّ؛ مثل انْبَاجَتْ؛ أي: انفَتَقَتْ. وانباقَ عليهم الدّهرُ؛ أي: هجمَ عليهم بالدّاهية؛ كما يخرج الصَّوت من البوق"1 ثمّ ذكر في (ن ب ق) معنىً قريباً من هذا؛ وهو قوله: "قال الأصمعيّ: يقال: انباقَ علينا بالكلام؛ أي: انبَعَثَ؛ مثل انباعَ"2. والحقُّ انّه لا وجه لإعادة (انباقَ) في (ن ب ق) لأنّ وزنه (انْفَعَل) وليس (افْعَال) وقد نبَّه عليه الصَّغانِيّ في هذا الأصل؛ فقال: "قوله: انباق، ليس له مدخل في هذا التّركيب، فإنّه أجوف؛ وهذا موضع ذكر ما صحّ فاؤه وعينه ولامه، وموضع ذكر انباقَ: ب وق، وقد ذكره في موضعه"3. ب- (التَّكملة والذَّيل والصِّلة) للصَّغانيّ: ذكر الصَّغانِيّ (العِنْدَأْوَة) : الالتواء والعسر - في (ع د أ) 4 ثمّ أعاد ذكرها في (ع ن د) . والأوّل هو موضعها؛ لأنّها على زنة (فِنْعَلوَة) 5 بزيادة التّاء والواو، كما تقدَّم تفصيله.   1 الصِّحاح 4/1452. 2 الصِّحاح 4/1558. 3 التّكملة (نبق) 5/157. 4 التّكملة 1/36. 5 التّكملة 2/36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 801 وأورد في مادّة (ر ب ب) : (الرُّبَانِيَّة) وهي: ماء باليمامة1. ثمّ أعاد ذكرها في (ر ب ن) غير أنّه غيَّر قليلاً في الشّرح؛ إذ قال فيه: "والرُّبَانِيَّة: من مياه بني كليب بن يربوع"2 وكان يكفيه ذكرها في موضع واحد (ر ب ب) أو (ر ب ن) لأنّها تحتملها. وذكر في (ت ي خ) قولهم: مَتَخَه بالمِتِّيخَة؛ أي: ضربه بها، والمِتِّيخةُ: العصا3. ثمّ أعادها في (م ت خ) 4. والكلمة تحتمل الوجهين. فمن جعلها من (م ت خ) كانت عنده (فِعِّيْلَة) وإلى هذا ذهب ابن الأثير5. ومن جعلها من (ت ي خ) كانت الميم عنده زائدة؛ وهو الأقرب - فيما أرى - لأنّها رويت بتخفيف التّاء، فقالوا: (مِتْيَخَة) على وزن (مِفْعَلَة) وهي اسم آلةٍ للضَّرب. وغير بعيد أن تكون التّاء مبدلة من الطّاء أو الدّال من قولهم: طَيَّخَه العذاب، ودَيَّخه، إذا ذلَّله وآلَمَه، وإلى هذا ذهب الزَّمخشريّ في ردّه على   1 ينظر: التكلمة 1/135. 2 ينظر: التّكملة 6/237. 3 التّكملة 2/136. 4 التّكملة 2/175. 5 ينظر: النهاية 4/292. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 802 من جعلها واويَّةً؛ فقد قال: "وقالوا في المِتْيَخَةِ: إنّها من: تَاخَ يَتُوخُ، وليس بصحيح؛ لأنّها لو كانت منه لصحَّت الواو؛ كقولك: مِسْوَرَةٌ ومِرْوَحَةٌ ومِحْوَقَةٌ، ولكنّها من: طيَّخه العذاب؛ إذا ألحّ عليه، ودَيَّخه إذا ذلَّله؛ لأنّ التّاء أخت الطّاء والدّال؛ كما اشتقَّ سيبويه قولهم: جَمَلٌ تَرْبُوتٌ من التَّدْرِيب؛ وليس لهذا الشأن إلاَّ الحُذَّاق من أصحابنا الغاصة على دقائق علم العربيّة ولطائفه؛ الَّتي يجفو عنها وعن إدراكها أكثر النّاس"1. وليس في قولهم: مَتَخه بالمِتْيَخَة ما يمنع هذا التّوجيه لجواز حمله على قاعدة توهّم أصالة الحرف الزّائد، وهو الميم في أوّل الكلمة. ويقرِّب هذا التّوجيه، وأنّ الميم زائدة فيه - قولهم: تاخَه بالمِتيخة2. وإن قيل: إنّ وزن (مِتّيخة) على تقدير زيادة الميم يكون (مِفَّعْلة) وهذا بناء مهمل في أبنية الأسماء، أقول: إنّ تضعيف التّاء جاء بعد توهّمهم أصالة الميم؛ فتقديرها عندهم (فَعِّيلة) كما توهّموا أصالة الميم في (مِسْكين) فقالوا في الفعل: تَمَسْكنَ، ولا يوجد في بناء الأفعال (تَمَفْعَل) وتقديره عندهم (تَفَعْلَل) مثل: تَدَحْرج؛ ووزنه الحقيقيّ (تَمَفْعَل) . وذكر الصَّغانِيّ في مادّة (درر) 3: (دُرَّانة) وهو اسم امرأة، ثمّ   1 الفائق 3/342. 2 ينظر: التكملة 2/136. 3 ينظر: التّكملة 2/511. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 803 أعاده في (د ر ن) 1 وتقدم أنّ الأزهريّ كان يرى أنّها تحتمل الأصلين؛ فذكره الصَّغانِيّ في الأصلين. وأورد (اذْلَوْلَى) بمعنى: أسرعَ، أو انكسرَ قلبُه في (ذ ل ل) 2 ثمّ أعاده في (ذ ل و) 3 من باب المعتلّ. وحمله على الأصل المعتلّ أولى؛ لأنّ وزنه - حينئذٍ - (افْعَوْعَل) وهو بناء مستعمل في العربيّة؛ مثل: (اغْدَوْدَنَ) و (اعْشَوْشَب) . في حين يكون وزنه (افْعَوْلَى) عند حمله على الأصل الأوّل (ذ ل ل) وهو وزن مهملٌ، فيما وصل علمي إليه. ج- (لسان العرب) لابن منظور: ما جاء في موضعين في هذا المعجم كثيرٌ جدّاً؛ فمنه أنّ ابن منظور ذكر في مادّة (هـ ي ت) قول القائل: هَاتِ يا رجل؛ بمعنى: أعطني، وللاثنين: هاتِيَا، وللجمع: هَاتُوا، وللمرأة: هَاتِي، ومنه قولهم: هاتِ لا هَاتَيْتَ، وهَاتِ إن كانت بكَ مُهَاتَاةٌ، وما أُهَاتيك، كما تقول: ما أعاطيك، ولا يقال منه: هَاتَيتُ، ولا ينهى به4. وقد أعاد ذكره في (هـ ت و) 5 وهو الوجه؛ لأنّ وزن (هَاتِ) :   1 التكلمة 6/228. 2 ينظر: التّكملة 5/360. 3 ينظر: التّكملة 6/419. 4 ينظر: اللّسان 2/107. 5 ينظر: اللّسان 14/352. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 804 (فَاعِ) والألف الوسطى فيه زائدة؛ وهو في الأصل: (هَاتَى يُهَاتِي) على وزن (فَاعَل) ومثله في المعتلّ: عَاطَى يُعَاطِي؛ وقد حذفت اللاّم في (هَاتِ) للجزم؛ ولا وجه لذكره في (هـ ي ت) البتّة. وثَمَّةَ خلاف في هائه؛ فقد نقل الخليل أنّ الهاء أصليّة عند بعضهم؛ وهي مبدلة عند بعضهم الآخر1، فإن صحَّ الرأي الثّاني فإنّها مبدلة من (آتَى) من (الإتيان) وهو: المجيء؛ فيكون الأصل: (أت ي) . وجاء في مادّة (م س ح) من (اللّسان) : "وفي حديث خيبر: فخرجوا بمساحيهم ومكاتلهم؛ المساحي جمع مِسْحَاة؛ وهي المِجْرَفة من الحديد. والميم زائدة؛ لأنّه من السّحو: الكشفِ والإزالةِ"2. وقد أعاد ابن منظور هذا النّصَّ في (س ح و) 3 من باب المعتلّ؛ وهو الصّحيح؛ لأنّ الميم زائدة؛ كما جاء في نصِّه؛ وهي ميم مَفَاعل في الجمع مثل: مَرَاعٍ ومَقَابِرَ. وجاء في مادّة (غ ي س) : (الغَيْسَانُ: حِدَّة الشَّباب؛ وهو: فَعْلان) 4 ثمّ أعاد ذكره في (غ س ن) 5 والذي حمله على ذلك أنّه   1 ينظر: العين 4/80. 2 اللّسان 2/598. 3 ينظر: اللّسان 15/372. 4 اللّسان 6/158. 5 اللّسان 13/313. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 805 يحتمل أن يكون (فَيْعَالاً) أو (فَعْلاناً) . وقال في (أف ك ل) : "الأفْكَلُ -بالفتح: الرّعدة من بردٍ أو خوف … ولا يبنى منه فعل؛ وهمزته زائدة، ووزنه (أفْعَل) ولهذا إذا سمِّيت به لم تصرفه؛ للتّعريف ووزن الفعل. وفي حديث عائشة: فأخذني أفْكَلٌ فارتعدتُ من شدّة الغيرة"1 ثمّ أعاده في (ف ك ك) 2 وهو موضعه، ولا وجه لذكره في الموضع الأوّل؛ لأنّ الهمزة زائدة، وقد نصَّ هو على زيادتها، ولكن يبدو أنّه تابع فيه ابن الأثير في (النهاية) 3. وممّا جاء في (اللّسان) في الموضعين قولهم: جاء بالهَيْلِ والهَيْلَمَانِ؛ أي: جاء بالمال الكثير؛ فقد ذكره في (هـ ي ل) 4 ثمّ أعاده في (هـ ل م) 5 والثّاني هو موضعه. وقد نصَّ في الموضع الأوّل على أنّ وزن الهَيْلَمَان (فَيْعَلان) واستدلّ على زيادة الياء بسقوطها في قولهم: هَلْمَان. ونظير (الهَيْلَمَان) (الهَيْنَمَان) وهو الكلم الخفيّ؛ وهو (فَيْعَلان) كما قال ابن عصفور6، ولكنّ ابن منظور لم يذكره إلاّ في موضع واحد؛   1 اللّسان 11/19. 2 اللّسان 11/529. 3 1/65، 3/446. 4 ينظر: اللّسان 11/714. 5 ينظر: اللّسان 12/617. 6 ينظر: الممتع 1/140. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 806 وهو (هـ ن م) 1 على الصَّواب في الأصل والمنهج -أيضاً. ومنه (المئِنَّة) في قولهم: إنّه لمَئِنَّةٌ أن يفعل ذلك؛ أي: خليق. وقد ذكرها في موضعين (أن ن) 2 و (م أن) 3 على الرّغمِ من أنّه ذكر أنّ الميم زائدة؛ "ولعلّ حقيقتها أنّها مَفْعِلة من معنى إنّ التّأكيديّة غير مشتقّة من لفظها؛ لأنّ الحروف لا يشتقُّ منها؛ وإنّما ضُمِّنت حروف تركيبها لإيضاح الدِّلالة على أنَ معناها فيها؛ كقولهم: سألتُكَ حاجةً فلا ليتَ فيها؛ إذا قال: لا، لا. وأنعَمَ لي فلانٌ، إذا قال: نعم؛ والمعنى: مكان قول القائل: إنّه كذا. ولو قيل: اشتقّت من لفظها بعد ما جعلت اسماً؛ كما أعربت ليتَ ولَوْ، ونُوِّنتا في قوله: إنَّ لَوّاً وإنَّ لَيْتاً عَنَاءُ كان قولاً"4 وعلى هذا فإنّ موضع الكلمة (أن ن) . ومن أغرب ما قيل في (المَئِنَّة) أنَّ الهمزة بدل من ظاء (المَظِنَّة) 5 ووجه الغرابة أنّه لا تبادل بين الظّاء والهمزة؛ لتباعدهما في المخارج. وذكر ابن منظور في مادّة (هـ ن ن) قولهم في النّداء: يا هَنَاهُ؛ بمعنى: يا رجل، أو يا رجلَ سوء 6. على حدِّ قولهم في سبِّ المرأة: يا لَكَاعِ ويا خَبَاثِ. ومنه قول امرئ القيس:   1 ينظر: اللّسان 12/624. 2 ينظر: اللّسان 13/29. 3 اللّسان 13/397. 4 الفائق 1/63، 64. 5 ينظر: النهاية 4/290. 6 ينظر: اللّسان 13/438. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 807 وقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا: يَا هَنَا ... هُ، وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرّاً بِشَر1 وقد أعادها ابن منظور في (هـ ن و) 2 وهو موضعها، ولا وجه لذكرها في الأصل الأوّل البتّة؛ على الرّغمِ من اختلافهم في أصلها 3؛ لأنّ أحداً منهم لم يذكر - فيما تحت يدي من المصادر- أنّها من مضعّف النّون؛ على الرّغمِ من أنّ لهم فيها خمسة آراء؛ وهي على النّحو التّالي: الأوّل: أنّ أصلها (هَنَاوٌ) على زنة (فَعَال) من: هَنُوكَ وهَنَوَاتٍ؛ فأبدلت الواو هاءً؛ وهو اختيار ابن جِنّي 4. الثّاني: أنّ أصلها (هَنَاوٌ) أيضاً؛ فأبدلت الواو همزة، ثمّ أبدلت الهمزة هاءً؛ على حدِّ قولهم في (إيَّاكَ) : (هِيَّاكَ) وهو اختيار ابن الشَّجريّ 5. الثّالث: أنّ أصلها (هَنَاوٌ) أيضاً؛ فأبدلت الواو ألفاً؛ فصارت (هَنَاا) فالتقى ساكنان؛ فقلبت اللف الثّانية هاءً؛ فقالوا: (هَنَاه) على حدِّ قولهم في   1 ينظر: ديوانه160. 2 ينظر: اللّسان 15/367، 369. 3 ينظر: البغداديات504، 505، والحلبيات347، والعضديّات30، 31، والمنصف3/139، وسر الصناعة1/66، 561، والفصول لابن الدّهّان144، والوجيز54، وأمالي ابن الشّجري2/102، 103، وشرح الملوكي لابن يعيش309، وشرح المفصل له10/43، والإيضاح في شرح المفصّل2/411، وشرح التسهيل3/408، وشرح الشَّافية للرضي3/225، وبغية الطالب في الرّد على تصريف ابن الحاجب240،241، والمساعد2/524، وشرح الجاربردي323. 4 ينظر: سرّ الصناعة 2/561. 5 ينظر: الأمالي لابن الشّجري 2/101. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 808 (عَطَاوٍ) : عَطَاءٌ؛ وكان ابن جنّي يستحسن هذا 1. والأصل على هذه الآراء الثّلاثة (هـ ن و) . الرّابع: أنّ الهاء أصليّة؛ وليس فيها إبدال؛ وهي (فَعَال) مثل (لَكَاع) فيكون الأصل (هـ ن هـ) وهو قول مرجوحٌ لأنّ اجتماع الحروف المتقاربة في كلمة - ولا سيّما الحلقيّة منها - قليل؛ نحو (الفَهَه) مصدر: فَهَّ يَفِهُّ؛ بمعنى: عَيِيَ، و (المََهَهِ) وهو: الحُسنُ، وقيل: الشِّيء القليل؛ وليس هذا ونحوه في كثرة: (حديدٍ) و (جديدٍ) و (صَدِيدٍ) و (شَدِيدٍ) و (البَلَل) و (الجَلَلِ) و (الخَلَل) و (الطَّلَل) ونحوه؛ ولهذا فإنّ الهاء الأخيرة في (هَنَاه) بدل من الواو؛ لأنّ الهاء إذا قلّت في باب: (شَدَدْتُ) و (قَصَصْتُ) و (شَدِيدٍ) و (الطَّلَلِ) فهي في باب (سَلَسٍ) أجدر بالقلّة، وزد على ذلك أنّهم قالوا في هناه: هَنُوكَ وهَنَواتٌ؛ فدلّ على أنّ الهاء مبدلة؛ وليست أصليّة2. الخامس: مذهب أبي زيد وهو أنّ الهاء زائدة، وقد لحقت في الوقف لخفاء الألف ما لحقت في النّدبة؛ على حدّ قولهم: (وا زَيْدَاهُ) ثمّ حرّكت تشبيهاً بالهاء الأصليّة. وعزي هذا القول - أيضاً - إلى الأخفش3 وابن كيسان؛ وهو   1 ينظر: سرّ الصناعة 2/561. 2 ينظر: سرّ الصناعة 1/65، 66. 3 ينظر: شرح المفصل لاين يعيش 10/44. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 809 اختيار ابن عصفور1. والألف الَّتي قبل الهاء - عندهم - هي لام الكلمة؛ وهي مبدلة من واو، وكأنّ أصلها قبل القلب (هَنَوَه) على زنة (فَعَلَة) . وهو قول ضعيف كما قال ابن الشَّجريّ2 وابن الحاجب3؛ لأنّ الألف في (يا هَنَاه) زائدة؛ وهي تقابل الألف في (يا لَكَاعِ) و (يا خَبَاثِ) 4. وثمرة هذا الخلاف أنّ الأصل الأوّل لـ (يا هَنَاه) (هـ ن و) وهو ما عليه أكثر العلماء، والرّاجح من أقوالهم، والثّاني (هـ ن هـ) وهو أصل مرجوح؛ فاتّضح بذلك أنّ أحد الأصلين اللذين ذكرهما ابن منظور؛ وهو (هـ ن ن) لا وجه له. ولو ذكرها في (هـ ن هـ) لتُسُومح فيه؛ لأنّ الكلمة تحتمله؛ وإن كان أصلاً مرجوحاً. د- (القاموس المحيط) للفيروزآباديّ: ما جاء في موضعين في هذا المعجم كثير أيضاً، ولكنّه لا يصل إلى حدّ ما في (اللّسان) . ومن هذا أنّ الفيروزآباديّ ذكر في مادّة (ب س ت) (البُسْتَان) وهو: الحديقة5 ثمّ أعاده في (ب س ت ن) 6 وهو موضعه؛ لأنّه معرّبٌ عن ا لفارسيّة؛ كما قال الجَواليقيّ7، وأصله (بُوسْتَان) بالفَهْلَويّة؛ وهو   1 ينظر: الممتع 1/402. 2 ينظر: شرح المفصل10/44. 3 ينظر: الإيضاح في شرح المفصل 2/410. 4 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 10/43. 5 ينظر: القاموس 189. 6 ينظر: القاموس 523. 7 ينظر: المعرّب 165. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 810 مركّب من من (بُو) أي: الرّائحة، و (ستان) لاحقة تفيد معنى الزّمان والمكان1. ومنه أنّه ذكر (الشَّوْشَب) : العقرب، والقمل في (ش ب ب) 2 ثمّ أعاده في (ش ش ب) 3 وهو موضعه؛ لأنّه (فَوْعَل) مثل (كَوْكَب) ولا مكان له في الأصل الأوّل؛ فليس فيه سوى باءٍ واحدةٍ. وذكر في مادّة (ص ت ت) 4 (الصِّنتيت) بمعنى: الكتيبة؛ وهي في معنى: الصِّنديد، ثمّ أعادها في (ص ن ت) 5 فتكون النّون على الأصل الثّاني، والتّاء الثّانية زائدة؛ والوزن (فِعْلِيت) مثل (حِلْتِيتٌ) . بَيد أنّ (المجد) لم يفعل الشيء نفسه في (الصِّنديد) وهو مثل (الصِّنتيت) فقد ذكره في (ص ن د) 6 فحسب؛ على النّهج الصّحيح في وضع الكلمة في أصل واحد. وذكر في مادّة (ك ن ت) 7 (الكُنْتِيَّ) وهو: الشيخ المُسنّ، ثمّ أعاده في (ك ون) و (الكُنْتِيُّ) منسوب إلى قول الشيخ الكبير: كنت في شبابي   1 ينظر: المعجم الذّهبي 124، والمعرّب166 (هامش رقم77) . 2 ينظر: القاموس 127. 3 ينظر: القاموس 129. 4 القاموس 198. 5 القاموس 199. 6 القاموس 376. 7 القاموس 204. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 811 كذا وكذا. قال الجوهريّ: "يقال للرّجل إذا شاخَ: كُنْتِيٌّ؛ كأنّه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا وكذا. قال: فأصْبَحْتُ كُنْتيًّا وأصْبَحْتُ عاَجِناً ... وشَرُّ خِصَالِ المَرْءِ كُنْتٌ وعَاجِنُ"1 وقال الرّضي: "قال الجَرميُّ: يقال: رجل كُنْتِيٌّ، لكون الضّمير المرفوع كجزء الفعل؛ فكأنّهما كلمة واحدة؛ وربّما قالوا: كُنْتُنِيٌّ بنون الوقاية؛ ليسلم لفظ كنتُ - بضمِّ تائه - قال: وما أنّا كُنْتِيٌّ ومَا أنَا عَاجِنٌ ... وشَرُّ الرِّجَالِ الكُنْتُنِيُّ وعَاجِنُ"2 وفي (التَّاج) : "الكُنتُنيُّون هم الشيوخ الذين يقولون: كنّا كذا وكان كذا وكنتُ كذا. ونقل ثعلب عن ابن الأعرابي قيل لصبيّة من العرب: ما بلغ الكبر من أبيكِ؟ قالت: عجن وخبز وثنَّى وثلَّث والصقَ وأورثَ وكانَ وكنتُ"3. وهذا يعني أنّ موضعها الصّحيح (ك ون) لأنّ التّاء ضمير الرّفع؛ وليست من أصل الكلمة. ولعلّ الفيروزآباديّ ذكرها في (ك ن ت) مراعاةً للَّفظ. وذكر في (ر ق س) مَرْقَساً؛ وهو لقب شاعر طائيٍّ؛ يسمّى: عبد   1 الصِّحاح (كون) 6/2191. والعاجن: الَّذي يعتمد على يديه اعتماداً تاماً عند النّهوض؛ كأنّه يعجن. 2 شرح الشّافية 2/77. (كون) 9/325. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 812 الرحمن بن مَرقس؛ أحد بني عون بن عتود 1. ثمّ أعاده في (م ر ق س) 2 وأشار فيه إلى أنّ وزنه (فَعْلَل) لا (مَفْعَل) لعَوَزِ (ر ق س) وهذا ينافي منهجه - رحمه الله - فكأنّه نسي أنّه ذكرها في هذا الأصل؛ الَّذي حكم عليه بالإهمال؛ وهو الأقرب إلى أصل (مَرْقَس) لأنّ مذهب الجمهور أنّ الميم إذا وقعت أوّلاً وبعدها ثلاثة أحرف مقطوعٍ بأصالتها فهي زائدة؛ وإن لم يعرف اشتقاق ما وقعت فيه؛ كـ (مَنْبِجٍ) و (مَأْسَلٍ) كما قال أبو حَيَّان3. وأورد في مادّة (أن ق) قولهم: آنَقَنِي إينَاقاً ونِيقاً؛ بمعنى أعجبني4. ثم أعاده في (ن ي ق) 5 ولا وجه له في هذا الأصل؛ لأنّ الهمزة فاء الكلمة، والياء زائدة؛ ويشهد بذلك: المعنى والصّناعة: أمّا الأوّل: فإنّ الأنق: حُسن المنظر؛ وإعجابه إيّاك. قال ابن فارس: الهمزة والنّون والقاف تدلّ على أصل واحد؛ وهو المُعجب والإعجاب 6. وليس في الأصل الآخر (ن ي ق) ما يدلّ على هذا المعنى.   1 ينظر: القاموس 707، 708. 2 ينظر: القاموس 841. 3 ينظر: الارتشاف1/96. 4 ينظر: القاموس 1117. 5 ينظر: القاموس 1197. 6 ينظر: المقاييس 1/148. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 813 أمّا الثّاني: وهو الصّناعة، فإنّ تركيب (آنَقَنِي) يحتمل وزنين: (أَفْعَلَنِي) و (فَاعَلَنِي) وكلاهما من (أن ق) والذي يقطع بالأوّل قولهم في المضارع منه: (يُؤْنِقُنِي) كما رواه ابن منظور 1، ولو كان (فَاعَلَني) لقالوا في المضارع: (يُؤَانِقُنِي) مثل: آكَلَنِي يُؤَاكِلُني. ويزاد على ذلك انّه ليس في (آنَقَنِي) معنى المشاركة؛ ليحمل على (فَاعَل) مثل: آكَلَ. وإنّما الهمزة الأولى فيه للتّعدية، والثاَّنية هي فاء الفعل؛ وتقديره قبل تسهيل الهمزة الثّانية: (أَأْنَقَنِي) . و (تاج العروس) للزَّبِيديّ: ما قيل في القاموس يمكن أن يقال في شرحه (التّاج) غير أنّ الزَّبيديّ كان ينبّه كثيراً على ما في (القاموس) فيسلم من تبعات ما فيه؛ كتنبيهه على وضع الفيروزآباديّ (فَرْتَنَى) وهي: المرأة الفاجرة - في موضعين: (ف ر ت) 2 و (ف ر ت ن) 3 فنبّه في (ف رت) أنّ المصنّف ذكره - هنا - بناءً على زيادة النّون؛ وهو مذهب بعضهم؛ خلافاً لسيبويه4 الَّذي كان يراه رباعياً5، ونبّه عليه الشّارح في (ف ر ت ن) 6.   1 ينظر: اللّسان (أنق) 10/10. 2 ينظر: القاموس 201. 3 ينظر: القاموس 1576. 4 ينظر: الكتاب 4/296. 5 ينظر: التَّاج 1/568. 6 ينظر: التّاج 9/300. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 814 ومنه أنّ الفيروزآباديّ ذكر قولهم: اسْتَأتَتِ النّاقةُ: أرادت الفحلَ؛ فأورده في (أت ي) 1 على الصّواب، ثمّ أعاده في (س ت و) 2 وهو متابع في ذلك للجوهريّ 3؛ فنبّه عليه الزّبيدي في المعتلّ بقوله: "هكذا نقله الجوهريّ - هنا - ولا يخفى أنّ محلّه: أَتَى يأتِي، وقد سبق له هناك، وفسّرناه، وفسّر الزّمخشري بقوله: اغْتَلَمَتْ، وطَلَبَتْ أن تُؤْتَى؛ فهذه غفلة عظيمة من المصنّف تبع فيها الجوهريّ؛ فتأمّل"4. وممّا جاء في (التَّاج) في موضعين من غير تنبيه: (الحَوْمَانُ) وواحده؛ الحَوْمَانَةُ؛ وهو نوع من النّبات؛ قيل: هو العَرْفَجُ؛ وقيل: شقائق بين الجبال طيِّب الرّائحة؛ فقد ذكره الزَّبيدي في (ح وم) 5 وأعاده في (ح م ن) 6 من غير تنبيه. وذكر قولهم: اقْتَنَّ الوَعْلُ؛ بمعنى: انتصَبَ، وأورده في (ق ت ن) 7 ثمّ أعاده في (ق ن ن) 8 تبعاً للمصنّف9، ولم ينبّه أو يعلّق عليه بشيء.   1 ينظر: القاموس 1624. 2 ينظر: القاموس 1668. 3 ينظر: الصِّحاح (ستو) 6/2372. 4 التاج10/170. 5 ينظر: التاج 8/265. 6 التاج 9/183، 184. 7 التاج 9/305. 8 التاج 9/315. 9 ينظر: القاموس (قتن) 1578، و (قنن) 1582. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 815 ثانياً- ما جاء في أكثر من موضعين: تقدّم أنّ ما جاء في موضعين في معاجم القافية كثيرٌ؛ بيد أنّ هذا النّوع؛ وهو ما جاء في أكثر من موضعين على خلاف ذلك في الكثرة؛ فهو قليلٌ؛ لقلّة تداخل الأصول الثّلاثة، وندرته في الأربعة، وما زاد عليها. ونعرض - هنا - لبعض ما جاء من هذا النّوع؛ وفقاً لما اشتُرِط فيما تقدّم؛ وهو أن يكون مجيئه في المعجم الواحد، ويكفي لبيان ذلك الوقوف على شيء مما جاء منه في بعض معاجم القافية؛ ك- (اللّسان) و (القاموس) و (التّاج) وهو على النّحو التّالي: أ- ما جاء في ثلاثة مواضع: منه (الدَّيْدَبُون) وهو: اللهو أو الباطل؛ فقد جاء في ثلاثة مواضع من (اللّسان) وهي: (د ب ب) 1 و (د ب ن) 2 و (د د ن) 3 والّذي يلفت النّظر أنّ ابن منظورٍ - رحمه الله - قد جانبه الأصل الصّحيح في المواضع الثّلاثة. أمّا الأوّل: وهو (د ب ب) فلا وجه لذكر (الدّيْدَبُونِ) فيه البتّة؛ لأنّ الكلمة ليس فيها سوى باءٍ واحدةٍ، وليس لأحدٍ أن يقول إنّ الدّال الثّانية في (الدَّيْدَبُون) مبدلةٌ من باءٍ؛ لأنّه - حينئذٍ - يحتاج إلى إقامة الدّليل؛ وليس بين الباء والدّال تبادلٌ صوتيٌّ.   1 ينظر: اللّسان 1/373. 2 ينظر: اللّسان 13/146، 147. 3 اللّسان 13/152. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 816 و (ذري) 1. والحقّ أنّ الكلمة تحتملها، وقد ذكر ذلك جماعةٌ من علماء العربيّة المتقدّمين2. فإن كان أصلها (ذ ر أ) فاشتقاقها من: ذرأ الله الخلقّ، وتوجيهها عند أبي بكرٍ الأنباريّ أنّها في الأصل (ذُرُّوءةٌ) على وزن (فُعُّوْلَةٌ) وقد "تُرك همزها وأبدل من الهمزة ياءٌ، فصارت: ذُرُّوية، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن، أبدل من الواو ياء، وأدغمت في الياء الّتي بعدها، وكسرت الرّاء؛ لتصحّ الياء"3. وتوجيهها عند ابن جنّي أنّها في الأصل "فُعِّيلَةٌ كمُرِّيق، وأصلها ذُرّيئة؛ فألزمت التّخفيف أو البدل، كنبيّ في أكثر اللّغة، وكالخابية وكالبريّة فيمن أخذها من: بَرَأَ الله الخلقَ، وغير ذلك ممّا ألزم التّخفيف"4. وإن كان الأصل (ذ ر ر) فاشتقاقها من الذّرّ؛ لما ورد في الخبر أنّ الخلق كان في القديم كالذّرّ، ويجوز في وزنها - على هذا الأصل - أربعة أوجهٍ: أوّلها: أن تكون (فُعْلِيَّةٌ) منسوبةً إلى الذّرّ؛ وقد ضمّ فاؤها لما قد   1 ينظر: اللّسان 14/286، والتّاج 10/136. 2 ينظر: الزّاهر في معاني كلمات الناس 1/115، ومعاني القرآن وإعرابه 1/399، والمحتسب 1/156،160، والخصائص 3/86، والصّحاح (ذرأ) 1/51، والتّنبيه والإيضاح (ذرأ) 1/16، والبحر المحيط 1/37. 3 الزاهر 2/115. 4 المحتسب 1/156. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 818 يعرض من التّغيير في النّسب؛ كقولهم في النّسب إلى جذيمةَ: جُذَيْمِيٌّ، وإلى الدّهر: دُهْرِيٌّ. ثانيها: أن تكون (فُعِّيلَةٌ) والأصل: ذُرّيِرَةٌ؛ فقلبت الرّاء الأخيرة ياءً؛ لتوالي الأمثال. ثالثها: أن تكون (فُعُّولَة) كجُبُّورَةٍ؛ وهي: الجبروت، وسُبُّوْحٍ، والأصل: ذُرُّورَةٌ؛ فقلبت الرّاء الأخيرة ياءً؛ لتوالي الأمثال؛ فصار: ذُرُّويَةً؛ فأعلّت الإعلال المتقدّم في قول الأنباريّ. رابعها: أن تكون (فُعْلُولَةٌ) والأصل: ذُرُّورَةٌ، كقُرْدُودَةٍ؛ وهو ما ارتفع من الأرض؛ فقلبت الرّاء الأخيرة ياءً؛ لتوالي الأمثال، وأعلّت الإعلال المتقدّم1. وإن كان أصلها المعتلّ اللاّم فهي تحتمل (ذ ر و) و (ذ ر ي) فالأوّل على أنّها مشتقّةٌ من (ذَرَوْتُ) كما في قوله عزّ وجلّ: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} 2 ووزنها (فُعُّولَة) وأصلها (ذُرُّووَة) فاجتمع واوان؛ الأولى زائدةٌ للمدّ، والثّانية لام الكلمة؛ فقلبت لام الكلمة ياءً تخفيفاً؛ فصار اللّفظ (ذُرُّوْيَةً) فاجتمع واوٌ وياءٌ؛ أولاهما ساكنةٌ؛ فقلبت الواو ياءً، وأدغمت في الياء الثّانية، ثمّ كسر ما قبل الياء للمناسبة. ويجوز أن يكون وزنها (فُعِّيلَةٌ) على أن يكون أصلها (ذُرِّيوَة) فقلبت الواو ياءً؛ لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما، وأدغمت الأولى في   1 ينظر: المحتسب 1/156-158، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 118. 2 سورة الكهف: الآية 45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 819 الثّانية1. والثّاني على أنّها مشتقّةٌ من (ذَرَّيْتُ) ووزنها (فُعُّولَة) وأصلها (ذُرُّويَةٌ) فأعلّت، أو (فُعِّيلَة) والأصل (ذُرِّييَةٌ) فأدغمت الياء الأولى في الثّانية. وكان من نتائج هذا التّداخل في (الذُّرّيَّة) أن وضعها كلٌّ من ابن منظورٍ والزّبيديّ في ثلاثة أصولٍ؛ كما أشرت. وجاء (المُرْفِئَنُّ) وهو الّذي نفر ثمّ سكن - في ثلاثة مواضع في اللّسان؛ وهي (ر ف أ) 2 و (ر ف ن) 3. والمُرْفَئِنُّ اسم فاعلٍ من قولهم: ارْفَأنَّ؛ أي: سكن ما كان به؛ وبهذا ترى أنّه لا مدخل له في الأصل الثّالث البتّة؛ لأنّ الميم زائدةٌ؛ ولا وجه لجعلها أصليّةً. أمّا الأصلان الأوّل والثّاني فإنّ اللّفظ يحتملهما على خلافٍ بين بعض العلماء؛ فهو - عند الهَرَويّ4 - من (ر ف أ) على أنّ النّون زائدةٌ؛ فوزن (ارْفَأَنَّ) و (مُرْفَئِنٍّ) : (افْعَلَنَّ) و (مُفْعَلِنّ) وهو غريبٌ كما ترى. والوجه ما ذهب إليه الجوهريّ؛ وهو أنّه من (ر ف ن) 5 فيكون الوزن (افْعَأَلَّ) و (مُفْعَئِلّ) وهو على القياس؛ كما تقدّم.   1 ينظر: الزّاهر 1/115، والمحتسب 1/158، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 117. 2 ينظر: اللّسان 1/88. 3 ينظر:. 13/184. 4 ينظر: الغربيّين ج2/21أ. 5 ينظر: الصّحاح 5/2126. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 820 وأصله على قياس مذهب ابن جنّي أن يكون (ر ف أن) . وجاء (التُّرْتُب) وهو: الأمر الثّابت، والتّراب، والعبد السّوء - في ثلاثة مواضع في (اللّسان) وهي (ت ر ب) 1 و (ت ر ت ب) 2 و (ر ت ب) 3 وأوزانه - على هذه الأصول الثّلاثة على التّوالي (فُعْتُل) و (فُعْلُل) و (تُفْعُل) ونقل صاحب (اللّسان) أنّه سمع في (التُّرتُب) الفتح - أيضاً - فقالوا: التُّرتُب، ثمّ استدلّ بالفتح على زيادة التّاء الأولى؛ لأنّه ليس - في الأصول - مثل: جُعْفُرٍ؛ وهو غير قويٍّ؛ لأنّ الفتح - على قياس مذهب البصريّين - فرعٌ للضّمّ؛ إذ لم يسمع في مثله الفتح إلاّ معه الضّمّ؛ نحو جُؤْذُر وجُؤْذَر، وجُخْدُب وجُخْدَب وطُحلُب وطُحْلَب. وأجيب - أيضاً - بأنّ الفتح فرع (فُعَالِل) ثمّ عدل عنه بحذف الألف، وفتح ما قبل الآخر؛ فجُخْدَب في الأصل: جُخَادِب4. على أنّ الكوفيّين والأخفش5 أجازوا بناء (فُعْلَل) وعدّوه بناءً سادساً في الرّباعيّ؛ ولهذا قال ابن مالكٍ - في كلامه عن هذا البناء؛ كطُحْلَبٍ - إنّه: "صحيحٌ من جهة النّقل بروايةالأخفش وأهل الكوفة، لكنّه لم يثبت في شيءٍ ممّا نقلوه فتحٌ إلاّ الضّمّ فيه مسموعٌ"6.   1 ينظر: اللّسان 1/230. 2 ينظر: اللّسان 1/230. 3اللّسان 1/410. 4 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 1/48. 5 ينظر: الخصائص 1/67، والأمالي الشّجريّة 2/99. 6 شرح الكافية الشّافية 4/2023. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 821 وبهذا يثبت أنّ الاستدلال بالفتح على زيادة التّاء الأولى لا وجه له على المذهبين؛ لأنّه عند الكوفيّين بناءٌ سادسٌ، وعند البصريّين معدولٌ به عن الضّمّ، وقد سمع فيه ذلك كما جاء في (اللّسان) . ومن خلال ما تقدّم يترجّح أنّ أصل (التُّرْتُب) هو (ت ر ت ب) لأنّ وزنه (فُعْلُل) . ب- ما جاء في أربعة مواضع: هذا النّوع أقلّ من النّوع السّابق للعلّة نفسها؛ وهي ندرة تداخل الأصول الأربعة في كلمةٍ واحدةٍ؛ ومنه (الأُرْبُون) و (الأُرْبَان) و (العُرْبُون) و (العَرَبُون) و (العُرْبَان) وكلّه ما عقد به البيع من الثّمن؛ فقد جاء في اللّسان في أربعة مواضع؛ وهي: (أر ب) 1 (ر ب ن) 2 و (ع ر ب) 3 و (ع ر ب ن) 4. و (العُرْبُون) كلمةٌ معرّبةٌ؛ كما قال الجواليقيّ5 والخفاجيّ6، والعين فيها مبدلةٌ عن الهمزة في (أُرْبُونٍ) وأصلها في اليونانيّة (أَرَّبُون) فخفّفت الرّاء بعد التّعريب؛ فقالوا: أَرَبُون، ثمّ سكّنت وضمّت   1 ينظر: اللّسان 1/212. 2 ينظر: اللسان 13/175. 3 اللسان 1/592. 4 اللسان 13/284. 5 ينظر: المعرّب 456. 6 ينظر: شفاء الغليل 134. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 822 الهمزة؛ إتباعاً لضمّ الباء؛ فقالوا: (أرْبُونٌ) 1. وذهب بعضهم إلى أنّ (العَرَبون) بالفتح - هي اللّغة العالية، وأنّ (العُرْبُون) لغةٌ فيه2. وذكر ابن الأثير أنّه ربّما سمّي بذلك؛ لأنّ فيه إعراباً لعقد البيع3؛ فيكون - حينئذٍ - عربياًّ لا معرّباً، وإن صحّ هذا فموضعه (ع ر ب) وإن صحّ أنّه معرّبٌ - وهو الأقرب لشبه الإجماع عليه - فمكانه (أر ب ن) أو (أر ب ون) . وممّا جاء في أربعة مواضع (السَّنة) واحدةٌ؛ السّنين؛ ومنه قولهم: (أَسْنَتُو) أي: أصابتهم السّنة؛ وهي: الجَدْب، وقولهم: أرضٌ سَنِتَةٌ ومُسْنِتَةٌ؛ أي: لم تنبت، وعامٌ سنيتٌ ومُسْنِتٌ، فقد ذكره الفيروزاباديّ في أربعة مواضع؛ وهي: (س ن ت) 4 و (س ن هـ-) 5 و (س ن ي) 6 و (س ن و) 7. ولا شكّ في أنّ لتداخل الأصول في هذه الكلمة وما اشتقّ منها النّصيب الأوفر في وضعها في أربعة مواضع في (القاموس) إذ اختلفوا في   1 ينظر: المعرّب 456، 457، (هامش رقم 456) . 2 ينظر: المصباح المنير 401. 3 ينظر: 3/202. 4 ينظر: القاموس 1601. 5 القاموس1673. 6 القاموس 1673. 7 القاموس 1673. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 823 أصلها على النّحو التّالي: ذهب سيبويه إلى أنّ التّاء في قولهم (أَسْنَتُوا) بدلٌ من الياء؛ وهي لام الكلمة1. ووقع في بعض نسخ (الكتاب) أنّها بدلٌ من الواو؛ كما حكاه السِّيرافيّ2. وليس في هذا تعارضٌ؛ فالواو على الأصل؛ لأنّ الكلمة من (س ن و) والياء على الفرع؛ لأنّ الواو إذا وقعت رابعةً قلبت ياءً؛ فإذا قالوا: أسنى الرّجل انقلبت الواو ياءً؛ فيقولون: أَسْنَيْتُ. أمّا قولهم: فاللاّم محذوفةٌ؛ وهي الياء المنقلبة، فهو قبل الإسناد: أَسْنَيُوا، والأصل قبل القلب أَسْنَوُوا3؛ فجاز أن يقال: إنّ التّاء منقلبةٌ عن الياء4. والذّي يدلّ على أنّ الأصل الواو؛ وليست الياء أو التّاء قولهم: سَنَوَاتٌ. ولكن، ما الّذي جعلهم يقلبون الواو تاءً في قولهم: أَسْنَتُوا؟ وفي جواب هذا السّؤال وتوجيهه قولان: أحدهما: ما نقل عن الفرّاء؛ وهو أنّهم توهّموا أنّ الهاء أصليّةٌ في (السَّنة) إذ وجدوها ثالثةً؛ فقلبوها تاءً5. وإلى هذا ذهب المعرّيّ؛ فقال: "والأشبه بالقياس أنّ العرب لمّا قالوا: هذه سَنَةٌ؛ فجعلوا الهاء في الوصل تاءً، ورأوا الكلمة ثلاثيّةً: ظنّوا أنّ التّاء من الأصل، فوزن أَسْنَتُوا على:   1 ينظر: الكتاب 4/239، 234. 2 ينظر: شرح السّيرافيّ (بتحقيق د/ عبد المنعم فائز) 574. 3 ينظر: شروح سقط الزّند 1/34. 4 ينظر: شرح السّيرافيّ (بتحقيق د/عبد المنعم فائز) 574. 5 ينظر: اللّسان (سنت) 2/47. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 824 وصلاًفي القوافي؛ أُسْوَةً بحروف المدّ1؛ كقول ذي الرّمّة: وَقَفْتُ عَلَى رَبْع لِمَيَّةَ نَاقَتِي ... فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وأُخَاطِبُهْ2 وقد وقع الإبدال بين الهاء والواو والياء، في نحو: الجَلَهِ والجَلاَ؛ وهما بمعنى: انحسار الشّعر عن مقدّم الرّأس، ومنه قيل: رجلٌ أجله الجبهة وأجلاها، وكذلك قولهم: أَجْهَزَ على الجريح، وأجاز عليه3. وأبدلت منها الياء في قولهم: دُهْدِيَةٌ ودُهْدُوهَةٌ؛ وهي ما دُحْرِجَ، يقال: دُهْدُوهَة الجعل، ودُهْدِيَتُه4. وعلى هذا فإنّ الرّاجح - عندي - من الأصول الأربعة؛ الّتي ذكرت فيها (السَّنَة) و (أَسْنَتُوا) في (القاموس) : (س ن هـ- ويأتي بعده (س ن و) أمّا (س ن ت) و (س ن ي) فبعيدان عن أصل الكلمة. ويبرز - بعد هذا - سؤالان: الأوّل: ما الّذي يترتّب على وضع الكلمة في موضعين أو أكثر - من ضررٍ على المعجم والقارئ؟ الثّاني: ما الّذي يقترحه البحث لحلّ هذه القضيّة؟ وللإجابة عن السّؤال الأوّل أقول: ربّما قيل: إنّه ليس هناك ضررٌ يذكر لوضع الكلمة في موضعين أو أكثر؛ بل ربّما قيل: إنّ ثمّة جانباً   1 ينظر: الكافي 151. 2 ينظر: ديوانه: 2/821، والباء هي الرّويّ، والهاء بعدها وصل. ينظر: الكافي 152. 3 ينظر: الإبدال لأبي الطيّب 2/462، 463. 4 ينظر: رسالة الملائكة 170. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 826 حسناً في ذلك؛ وهو أنّ فيه ما يساعد القارئ للوصول إلى مبتغاه بأكثر من طريقٍ (جذر) وقد صرّح بعض العلماء بنحو ذلك؛ فذكر أنّ المعجميين يذكرون اللّفظة في غير موضعها؛ مراعاةً للّفظ، وتقريباً على الطّالب، ثمّ يذكرونها - أيضاً - في موضعها1. بيد أنّ التّدقيق في المسألة، وتأمّلها من جميع جوانبها؛ من شأنه أن يخرجنا من ذلك بإجابةٍ مغايرةٍ؛ فثمّة ضررٌ لا يستهان به؛ ومن الممكن حصره في أربع نقاطٍ رئيسةٍ: الأولى- الإخلال بالنّظام المعجميّ الدّقيق؛ القائم على وضع الكلمة في أصلها فحسب. الثّانية- تضخيم حجم معاجم القافية، وسيأتي الكلام مفصّلاً عن هذه المسألة في المبحث التّالي - إن شاء الله. الثّالثة- الحكم على الكلمة بأنّها من أصلٍ ليست منه، وتضليل القارئ به. وقد يترتّب عليه أمورٌ تصريفيّةٌ في غاية الأهمّية؛ كحركة عين المضارع في الأجوف والنّاقص؛ الّتي قد تتوقّف معرفتها على أصل الفعل؛ فإن كان واوياًّ فله حكمٌ، وإن كان يائيّاً فله حكمٌ آخر؛ كما تقدّمت الإشارة إليه. ومن أمثلته - هنا - (القَيِّد) وهو: السّهل الانقياد؛ فقد ذكره الفيروزاباديّ في الموضعين (ق ود) 2 و (ق ي د) 3 فيكون قياس   1 ينظر: الوشاح 5أ. 2 ينظر: القاموس 400. 3 ينظر: القاموس 400. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 827 المضارع منه على الأصل الأوّل: قَادَه يَقُودُه، من باب (فَعَلَ يَفْعُلُ) مثل: قال يقول، وعلى الثّاني: قَادَه يَقِيدُه؛ من باب (فَعَلَ يَفْعِل) مثل: بَاعَ يَبِيع. والصحيح هو الأوّل؛ لأنّه واويٌّ وليس له مدخلٌ في الأصل الثّاني؛ وهو اليائيّ، والدّليل ظاهرٌ فيما قاله الفيروزابادي؛ وهو قوله: "مَا سَاهَلَكَ إذا قُدْتُه"1 فضمّ القاف يشير إلى أصل عين الفعل؛ وهو الواو؛ ألا ترى أنّهم يقولون من قال يقول: قلت بالضّمّ، ومن صاد يصيد: صِدْتُ بالكسر؟ ثمّ إنّ (قاد) ليس من باب (كَرُمَ) لتكون الضّمّة في قوله (قُدْتُه) لبيان حركة العين. ومثل ذلك يقال في كلّ ما جاء من الأجوف في الموضعين الواويّ واليائيّ؛ وهو كثيرٌ. وليس النّاقص ببعيدٍ عن هذا؛ فحاله كحاله، وقياس مضارع الواويّ منه في مفتوح العين في الماضي (يَفْعَل) مثل: دعا يدعو، وقياس مضارع اليائيّ (يفعِل) مثل: رمى يرمي. وأكثر ما يظهر أثر هذا في (القاموس) و (التّاج) ممّا جاء في الموضعين؛ لفصلهما بين الأصلين في باب المعتلّ. ومن ذلك - أيضاً - حركة عين المضارع في المهموز اللاّم؛ نحو ذَرَأَ وصَبَأَ، فالمضارع منه يكون على وزن (يَفعَل) بفتح العين، فإن أعيد في المعتلّ فالمضارع يكون على وزن (يَفْعُل) في الواويّ، و (يَفْعِل) في اليائيّ. وما جاء في المهموز ثمّ أعيد في المعتلّ كثيرٌ في معاجم القافية، ومنه: برأ الله الخلق؛ أي: خلقهم، ذكر في (ب ر أ) 2 وأعيد في (ب ر ي) 3،   1 القاموس 400. 2 ينظر: اللّسان 1/31. 3 ينظر: اللّسان 14/71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 828 وكذلك: جَسَأَ الشّيء، بمعنى: صَلُبَ وخَشُنَ؛ ذكر في (ج س أ) 1 و (ج س و) 2 ومنه: رَتَأَ العُقدة؛ بمعنى: شدّها، ذكر في (ر ت أ) 3 و (ر ت و) 4. ومن المسائل التّصريفيّة؛ الّتي تتأثّر بوضع الكلمة في موضعين أو أكثر: التّصغير والجمع؛ ولا سيّما في الخماسيّ؛ لأنّ قياس التّصغير فيه أن يحذف خامسه5؛ فيقال في سَفَرْجَلٍ وجِرْدَحْلٍ: سُفَيْرِجٌ وجُرَيْدِحٌ، فإذا كان في كلمةٍ على خمسة أحرفٍ حرفٌ زائدٌ حذف أين وقع؛ فيقال في تصغير مُدَحْرِجٍ: دُحَيْرِجٌ6. والخماسيّ في الجمع لا يكسّر بتمامه كما قال سيبويه7؛ وهو مستكرهٌ، وقياسه أن يحذف خامسه؛ كتصغيره8، فإن كان الاسم على خمسة أحرفٍ بزيادة حرفٍ فيه؛ فإنّ الزّائد أولى بالحذف. وقد تقدّم خلافهم في أصل (هَمَّرِشٍ) هل هو رباعيٌّ من (هـ- م ر ش) أو خماسيٌّ من (هـ- ن م ر ش) فينبغي على هذا الخلاف فيه أن   1 اللّسان 1/48. 2 اللّسان 14/147. 3 ينظر: القاموس 51. 4 ينظر: القاموس 166. 5 ينظر: الكتاب 3/417، 448، وشرح الشّافية للرّضيّ 1/202. 6 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 1/205. 7 الكتاب 4/230. 8 ينظر: شرح الشّافية للرّضيّ 2/192. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 829 يختلف التّصغير والتّكسير؛ فيقال: (هُمَيْرِشٌ) و (هَمَارِش) على رأي من عدّه رباعيّاً، ويقال: (هُنَيْمِرٌ) و (هَنَامِرُ) على رأي من عدّه خماسيّاً1. الرّابعة- اختلاف شرحي الكلمة أو شروحهما في المضمون؛ من حيث التّرجمة أو طول الشّرح أو الضّبط أو الشّواهد، ونحو ذلك ممّا قد يؤدّي إلى تفويت فوائد كبيرةٍ على القارئ، وربّما أوقعه في أحكام خاطئةٍ. وممّا اختلف فيه الشّرحان في المضمون والأحكام ما وقع للجوهريّ؛ إذ ذَكر (العَلْجَنَ) في موضعين: (ع ل ج) و (ع ل ج ن) فقال في الأوّل: "العَلْجَن بزيادة النّون: النّاقة الكناز اللّحم"2 وقال في الثاني: "العَلْجَن: النّاقة الشّديدة، والمرأة الحمقاء، واللاّم زائدةٌ"3. وممّا اختلف فيه الشرحان والأحكام والطّول ما ذكره الجوهريّ في كلامه عن (التّناوح) إذ ذكره في موضعين: (ن وح) و (ن ح و) : قال في الأوّل: "التّناوح: التّقابل؛ يقال: الجَبَلان يتناوحان. ومنه سمّيت النّوائح؛ لأنّ بعضهنّ يقابل بعضاً، وكذلك الرّياح إذا تقابلت في المهبّ؛ لأنّ بعضها يناوح بعضاً ويناسج، وكلّ ريحٍ استطالت أثراً؛ فهبّت عليه ريحٌ طولاً؛ فهي نَيِّحَتُه، فإن اعترضتْه فهي: نسِيجته"4. واكتفى في الموضع الآخر بقوله: "ويقال: الجَبَلاَن يتناوحان، إذا   1 ينظر: الخصائص 2/60، والممتع 1/296. 2 الصّحاح 1/230. 3 الصّحاح 6/21622. 4 الصّحاح 1/413، 414. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 830 كانا متقابلين"1. ومن ذلك أنّ ابن منظورٍ ذكر (المَكَان) في موضعين (ك ون) و (م ك ن) فاختلف الشّرحان؛ إذ ذكر في الأوّل أنّ المكان الموضع، وجمعه: أمكنةٌ وأماكن؛ على توهّم أصالة الميم في المكان، وأشار إلى أنّه قيل: إنّ الميم في المكان أصلٌ، كأنّه من التّمكّن دون الكون، لقولهم في جمعه: أمكنة، وذكر أنّ سيبويه حكى هذا الجمع، فهذا زائدٌ في الدّلالة على أنّ وزن الكلمة (فَعَال) دون (مَفْعَل) . ثمّ ذكر - نقلاً عن اللّيث - أنّ اشتقاق المكان من: كان يكون، ولكنّه لمّا كثر في الكلام صارت الميم كأنّها أصليّةٌ. ثمّ انتقل إلى الإشارة إلى أنّ الكلام مذكّرٌ. وانتقل - بعد ذلك - إلى النّقل عن الجوهريّ؛ فذكر أنّ المكانة: المنزلة، وفلانٌ مكينٌ عند فلانٍ؛ أي: بيّن المكانة، والمكانة الموضع. ونقل استدلاله بقوله - عزّ وجلّ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} 2 ونقل عن الجوهريّ تعليلهم السّابق في توهّم أصالة الميم في (المكان) . ثمّ نقل اعتراض ابن برّيّ على الجوهريّ بأنّ: مكيناً ومكاناً ومكانةً وأمكنةً: (فَعِيْل) و (فَعَال) و (فَعَالة) و (أَفْعِلَة) فليس شيءٌ منها من: الكون؛ فلا وجه لذكرها في هذا الموضع: (ك ون) ولأنّ: تَمَسْكَن (تَمَفْعَلَ) كتَمَدْرَعَ؛ مشتقّاًمن المِدْرَعَة، فعلى قياسه - عند ابن برّيّ فيما نقل ابن منظورٍ - يقال: في تَمَكَّنَ: تَمَكْوَنَ - لأنّه (تَمَفْعَلَ) على اشتقاقه - لا تَمَكَّنَ؛ لأنّ الأخير وزنه (تَفَعَّلَ) وذكر - نقلاً عن ابن برّيّ - أنّ هذا   1 الصّحاح 6/2505. 2 سورة يس: الآية 67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 831 سهوٌ من الجوهريّ، وأنّ موضعه فصل الميم من باب النّون1. بيد أنّ ابن منظورٍ لم يذكر في الموضع الآخر (م ك ن) ممّا ذكره في (ك ون) إلاّ القليل، ولكنّه ذكر - في هذا الأصل - أشياء لم يذكرها هناك أصلاً؛ كالمكانة بمعنى: التُّؤَدَة. وقولهم: فلانٌ يعمل على مكينته؛ أي: على تُؤَدَتِه، والمكانة: المنزلة عند الملك. وأنّ قولهم: ما أمكنه عند الأمير: شاذٌّ، ونقل عن ابن برّيّ أنّه جاء: مَكُنَ يمكُن، ونقل عن ابن سِيدَه كلاماً طويلاً عن المتمكّن من الأسماء، ونقل عن الأزهريّ أنّ مكاناً في أصل تقدير الفعل (مَفْعَل) لأنّه موضعٌ لكينونة الشّيء فيه، فلما كثُر استعماله أجري مجرى (فَعَال) فقالوا: مَكْناً له؛ وقد تمكّن. ونقل عن ابن سِيدَه نقله عن ثعلبٍ أنّه يبطل أن يكون مكانٌ (فَعَالاً) لأنّ العرب تقول: كن مكانك، وقم مقامك2، واقعد مقعدك؛ فدلّ هذا على أنّه مصدرٌ من: كان، أو موضعٌ منه. وزاد دليلاً آخر في توهّم أصالة الميم عند الجمع؛ على حدّ قولهم: منارةٌ ومنائر؛ فشبّهوها ب- (فَعَالة) وهي (مَفْعَلَة) من النّور، وقياسها: مناور. وذكر غير ذلك فيه3 ممّا لم يذكره في الموضع الأوّل: (ك ون)   1 ينظر: اللّسان (كون) 13/365. 2 في اللّسان 13/414 ((قم مكانك)) وهو سهو، وتصويبه من المحكم 7/56. 3 ينظر: اللّسان (مكن) 13/413، 414. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 832 كما أنّه ذكر في (ك ون) أشياء لم يذكرها - هنا - في (مكن) ولهذا فإنّه لا غنى للقارئ عن مطالعة الموضعين؛ إن أراد الإحاطة بما قيل في هذه الكلمة في معجم لسان العرب، وإلاّ فاته الكثير. وذكر الفيروزاباديّ في (ق ب ر) : القُبَّرَ: كسُكَّرٍ وصُرَدٍ؛ أي: يضعَّف ولا يضعَّفُ، الواحدة: بهاءٍ، ويقال: القُنْبَرَاء، والجمع: قنابر، قال: "ولا تقل: قُنْبُرَةٌ كقُنْفُذَةٌ، أو لُغَيَّةٌ"1. واكتفى في (ق ن ب ر) بأن قال: "ودجاجةٌ قُنْبُرَانيّةٌ - بالضّمّ: على رأسها قُنْبُرَةٌ، وهي فضل ريشٍ قائمٍ) 2. واختلاف الشّرحين ظاهرٌ. وذكر في (ق ب ع) : (القُبَّعَة) ونظّرها ب- (القُبَّرَة) وفسّرها بأنّها خرقةٌ كالبُرْنُس، ومنع أن يقال: قُنْبُعَةٌ بالنّون3. وأعاد الكلمة في مادّة (ق ن ب ع) فقال: (والقُنْبُعَة للأنثى وخرقةٌ تخاط شبيهةٌ بالبُرْنُس، ويلبسها الصّبيان) 4 فأجاز ما منعه هناك، وقد نبّه الزّبيديّ5 عليه. وممّا اختلف فيه الشّرح والشّواهد ما ذكره ابن منظورٍ في كلامه عن (اثْمَعَدَّ) في مادّة (ث م د) والمثمعدّ في (ث م ع د) فقد حكى في الأصل الأوّل عن بعضهم: اثْمَعَدَّ الشّيء؛ لانَ وامتدّ، وأشار إلى أنّ الميم فيه   1 القاموس 590. 2 القاموس 599. 3 القاموس 967. 4 القاموس 977. 5 ينظر: التّاج (قبع) 5/458. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 833 تحتمل الأصالة؛ فيكون رباعياًّ، أو الزّيادة؛ كميم (قُمَارِصٍ) فيكون ثلاثيّاً. ونقل عن ابن سِيدَه أنّه لا ينبغي أن يهجم على هذا من غير سماعٍ1. أمّا الأصل الثّاني (ث م ع د) فقد ذكر فيه ما نصّه: "المُثْمَعِدّ: الممتلئ المخصب، وأنشد: يَا رَبُّ مَنْ أَنْشَدَني الصِّعَادَا ... فهَ-بْ لَهْ غَزَائِرَ انْ أَرَادَا فِيْهِنَّ خُوْدٌ تَشْعَفُ الفُؤَادَا ... قَدِ اثْمَعَدَّ خَلْقُهَا اثْمِعْدَادَا والصِّعِاد: اسم ناقةٍ. ابن شُمَيلٍ: هو المثمعدّ والمثمئدّ: الغلام الرَّيّان النّاهد السّمين"2. ويبين بذلك اختلاف الشّرحين، فمعنى (اثْمَعَدَّ) في الأصل الأوّل يختلف في الأصل الثّاني، كما أنّ الأوّل خلا من الشّاهد؛ الّذي ذكره في الثّاني، وفي الأوّل شكٌّ في أصالة الميم؛ وليس في الأصل الثّاني شيءٌ من ذلك. وربّما امتدّ الاختلاف إلى ضبط الكلمة؛ فتروَى في موضعٍ بضبطٍ، وتعاد في موضعٍ آخر فيختلف ضبطها؛ كما وقع في (اللّسان) في كلمة (المِعْكَاء) وهي: الإبل المجتمعة؛ فقد جاءت في موضعين: (م ع ك) و (ع ك و) فرويت في الأوّل بفتح الميم، وشاهدها بيت النّابغة:   1 ينظر: اللّسان 3/104. 2 اللّسان 3/105،106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 834 الوَاهِبُ المائَةَ المَعْكَاءَ زَيَّنَهَا ... سَعْدَانُ تَوْضِحَ في أَوْبَارِها اللِّبَدِ1 وهي بالفتح - أيضاً2. ثمّ أعيدت في الأصل الثّاني؛ فرويت فيه بكسر الميم؛ على وزن (مِفْعَال) وشاهدها - أيضاً - بيت النّابغة، وبيتٌ آخر لأوسٍ؛ وهي فيهما بالكسر - أيضاً3. وبالجملة فإنّه ندر أن يتطابق الشّرحان في الموضعين أو المواضع ممّا جاء في موضعين أو أكثر في معاجم القافية؛ فثَمَّةَ فرقٌ في الشّرح أو الأحكام أو النّقول أو الشّواهد، ونحوه. ولا شكّ أنّ في ذلك ضرراً على القارئ؛ لما يفوته في أحد الشّرحين أو الشّروح من النّصوص أو الآراء أو النّقول أو الشّواهد؛ وهو ما يؤدّي كثيراً إلى إيقاع القارئ في أحكامٍ خاطئةٍ، أو معلوماتٍ غير وافيةٍ، أو متعارضةٍ. ومن هنا كان على مطالعي معاجم القافية ألاّ يقتصروا في طِلبتهم على ما يطالعونه في أصلٍ واحدٍ، بل عليهم أن يطالعوا كلّ ما تحتمله الكلمة من أصولٍ؛ بحثاً عن فائدةٍ جديدةٍ متوقّعةٍ في كلّ أصلٍ. أمّا السّؤال الثّاني عمّا يقترحه البحث لحلّ هذه القضيّة؟ فيرى البحث في الإجابة عنه أنّه ينبغي لمن يحاول أن يقدّم حلاًّ أن ينظر إلى القضيّة بشيءٍ من الشّمول والإحاطة؛ فيعالجها من جانبين: أحدهما: النّظر فيما تمّ تأليفه من معاجم القافية.   1 ينظر: ص (479) من هذا البحث. 2 ينظر: اللسان 10/490. 3 اللسان 15/82. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 835 والآخر: تصوّر ما يؤلّف من معاجم جديدة في قادم الأيّام. أمّا الأوّل؛ وهو ما ألِّف، فالحلّ فيه غير مباشرٍ؛ لأنّه ليس لأحدٍ أن يبدّل في تلك المعاجم أو يقدّم أو يؤخّر؛ فهذا حقٌّ لا يملكه إلاّ مؤلّفوها - رحمهم الله- فهو في حرز الأمانة العلميّة والتاريخيّة، وما يمكن أن يقدّمه البحث - هنا - لا يكاد يعدو جانب التّنبيه؛ وهو أقصى ما يسعه؛ فيكفيه أن ينبّه القارئ على تداخل الأصول وحقيقته، وأن ينبّه على ضرره؛ ليأخذه في حسبانه وهو يطالع المعجم؛ فلا يكتفي للوصول إلى الكلمة بأصلٍ واحدٍ؛ ممّا يحتمل أكثر من أصلٍ. والبحث يرشده - أيضاً - إلى مظانّ الكلمات المتداخلة أصولها؛ بما يقدّمه من قوائم لماجاء في غير موضعه، أو لما جاء في موضعين أو أكثر. أمّا الجانب الثّاني؛ وهو جانبٌ مهمٌّ - في تقديري - لأنّ حركة التّأليف المعجميّ مستمرّةٌ، والعربيّة لا تزال في حاجةٍ إلى بعض المعاجم؛ وعلى رأسها المعجم اللّغويّ التّاريخيّ للعربيّة "وهو المعجم الّذي ينادي اللّغويّون - اليوم - بضرورة وضعه؛ لحاجة أبناء العربيّة وغيرهم إلى قاموسٍ يحوي كلّ كلمةٍ تدُوِّلت في اللّغة المعتمدة؛ عبر أطوارها التّاريخيّة المختلفة"1. ولقد كان وضع هذا النّوع من المعاجم هدفاً من أهداف اللّغة العربيّة بالقاهرة؛ كما جاء في مرسوم إنشائه ولائحته الأولى، ولائحته الدّاخليّة؛ الّتي وضعها في الدّورة السّابعة2.   1 في أصول الكلمات 23. 2 ينظر: المعجم العربيّ 733. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 836 ومن هذه المعاجم: المعجم الكبير؛ الّذي خطّط له مجمع اللّغة العربيّة، وشرع في تأليفه، وأخرج منه باب الهمزة، ومنها: المعجم الاشتقاقيّ أو التّأصيليّ1، وغيره. والحلّ الّذي يقترحه البحث لهذا الجانب؛ أي: المعاجم الّتي لم تُؤَلَّف بعد؛ وتتّخذ من الأصول أساساً لبنائها - هو: أن توضع الكلمة في موضعٍ واحدٍ فحسب، وهو أصلها، ويتلخّص هذا فيما يلي: 1- تجريد الكلمة من كلّ زيادةٍ فيها. 2- ردّ المحذوف لعلّةٍ صرفيّةٍ أو لغيرها إلى أصله. 3- ردّ المقلوب إلى أصله قبل القلب. 4- ردّ المبدل إلى أصله قبل الإبدال، وكذلك المسهّل أو المهموز. 5- فكّ المدغم. ثمّ تذكر الكلمة فيما يتوارد عليها من أصولٍ؛ ليحال على أصلها الصّحيح فحسب، وليس لأنّ تشرح فيها؛ وبهذا تُسَدّ الأبواب أمام الأضرار المترتِّبة على وضع الكلمة في موضعين أو أكثر. ولا أدّعي لنفسي الجديد في هذا؛ فهو مستنبطٌ من منهج القدامى أنفسهم في معاجمهم، ولكنّهم - رحمهم الله - لم يطبّقوه إلاّ في القليل النّادر؛ كقول الجوهريّ في مادّة (ت هـ- م) : "التُّهمة أصلها الواو؛ فتذكر هناك"2 أي: في (وهـ- م) .   1 ينظر: دراسات لغويّة 41. 2 الصّحاح 5/1879. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 837 وقول الصّغانيّ في (س ن د) : "والسِّندَأْوُ: مذكورٌ في الهمز"1 أي: في (س د أ) . وقول الزّنجانيّ في (ت خ م) : "والتُّخَمَة، أصلها الواو؛ فتذكر هناك"2. وقول ابن منظورٍ في (م ج ن) : "المِيْجَنَة: المِدَقَّة، تذكر في (وج ن) إن شاء الله - عزّ وجلّ"3. وقول الفيروزاباديّ في (ر ط ي) : "والأَرْطَى: في (أر ط) "4. وقول الزّبيديّ في (ع ل ج ن) : "والعَلْجَن - كجَعْفَرٍ - تقدّم في الجيم؛ لأنّ النّون زائدةٌ"5. هذا هو المنهج الصّحيح فيما تداخلت أصوله، لو أنّهم طبّقوه، وساروا عليه لما كان لتداخل الأصول أثرٌ ضارٌّ في بناء المعاجم، أو لأسهموا في الحدّ منه - على الأقلّ - ومنع إشاعته. وهذا المنهج صالحٌ للمعاجم الّتي تقوم في بنائها على الأصول؛ فيتساوى فيه معاجم القافية، والمعاجم الأبجديّة العاديّة؛ الّتي بدأ اهتمام المعجميين المعاصرين يوجّه إليها؛ لما فيها من اليسر والسّهولة. وبقي أن أقول: إنّ ما اشتدّ التّداخل فيه، وخفي أصله، وتساوت   1 التّكملة 2/256. 2 تهذيب الصّحاح 3/715. 3 اللّسان 13/401. 4 القاموس 1662. 5 التّاج 9/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 838 فيه الأدلّة وآراء العلماء، هو محمولٌ على ما تقدّم؛ فيوضع في أحد الأصلين أو الأصول؛ وفقاً لاختيار صاحب المعجم وترجيحه، ويحال عليه في الأصل أو الأصول الأخرى. ولعلّ من تمام الفائدة أن أورد في الجدول التّالي بعض ما وقفت عليه في معاجم القافية؛ ممّا جاء في موضعين. ثمّ أقفوه بجدولٍ آخر لما جاء في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 839 أكثر من موضعين: الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الأباءة ... أجمة القصب ... الصحاح، اللسان ... أب أ ... أب ي الوَب ... التهيوء للحملة في الحرب ... اللسان ... أب ب ... وب ب مأْبد ... اسم موضع ... اللسان ... أب د ... م ب د استاتَتْ ... الناقة: أرادت الفحل ... القاموس، التاج ... أت د ... س ت وأَثاْتُهُ ... بسهم: وميته به ... القاموس، التاج ... أث أ ... ث وأ الأثفية ... واحدة: الأثافي ... اللسان ... أث ف ... ث وأ يأجج ... اسم موضع ... اللسان ... أج ج ... ي أج ج المأجج ... مستنقع الماء ... اللسان ... أج ل ... م ج ل أحد ... بمعنى: واحد ... اللسان ... أح د ... وح د استَخَذَ ... اتَّخذ ... اللسان ... أخ ذ ... ت خ د مأرب ... بلاد الأزد في اليمن ... اللسان القاموس، التاج ... أر ب ... م ر ب الإربيان ... نوع من السمك ... القاموس ... أر ب ... ر ب ب الأربية ... أصل الفخذ ... اللسان ... أر ب ... ر ب والأوارجة ... الناقل من كتب أصحاب الدواوين ... التكملة، التاج ... أر ج ... ور ج الأرز ... حب يطبخ، ويؤكل ... اللسان ... أر ز ... ر ز ز الأرطى ... شجر ينبت بالرمل ... الصحاح، اللسان، التاج ... أر ط ... ر ط ي أريق ... الداهية ... الصحاح، اللسان ... أر ق ... ور ق الإرة ... النار أو القديد ... اللسان ... أر هـ ... أر ى الإرة ... النار ... القاموس، التاج ... أر ي ... وأ ر است الدهر ... القدم ... الصحاح ... أس ت ... س ت هـ الأشاء ... صغار النخل ... اللسان ... أش أ ... أش ي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 840 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني تشحة ... الغضب ... اللسان ... أش ح ... ت ش ح الإشفى ... المثقب الذي يخرز به ... الصحاح اللسان ... أش ف ... ش ف ي أشموم ... قرية في مصر ... القاموس، التاج ... أش م ... ش م م آشى ... أبرأ ... القاموس، التاج ... أش و ... وش ي المأصر ... محبس، أو حل يمد على الطريق ... اللسان ... أص ر ... م ص ر اليافوخ ... ملتقى عظم مقدم الرأس ... اللسان ... أف خ ... ي ف خ الأفرة ... أول الحر ... القاموس، التاج ... أف ر ... ف ر ر التئفة ... الحين ... اللسان ... أف ف ... ت أف الأقنة ... بيت من حجر ... القاموس، التاج ... أق ن ... وق ن الأوكج ... التراب ... اللسان ... أك ح ... وك ح الأَلاء ... شجر ورقه دباغ ... اللسان ... أل أ ... أل والتاْلب ... شجر تصنع منه القِسِيّ ... القاموس ... أل ب ... ت أل ب ما ألتناهم ... ما نقصناهم ... اللسان ... أل ت ... ل ي ت الأولق ... الجنون ... اللسان ... أل ق ... ول ق الأيلمة ... الحركة والصوت ... القاموس، التاج ... أل م ... ي ل م مأْقي ... مأقي العين: مؤخرها ... القاموس، التاج ... أم ق ... م أق أنبجان ... اسم موضع ... اللسان ... أن ب ج ... ن ب ج الإنسان ... واحد من الناس، واسم جنس منه ... الصحاح اللسان القاموس، التاج ... أن س ... ن وس آنقني ... أعجبني ... القاموس، التاج ... أن ق ... ن ي ق مئنة ... علامة ... اللسان ... أن ن ... م أن الأناة ... الناني ... اللسان ... أن ي ... ون ي المآود ... الدواهي ... اللسان ... أود ... أي د الجزء: 2 ¦ الصفحة: 841 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الإوز ... طير الماء ... اللسان ... أوز ... وز ز الأيد ... القوة ... اللسان ... أي د ... ي د ي تلان ... الآن ... اللسان ... أي ن ... ت ل ن البادلة ... لحمة بين الإبط والثندوة ... القاموس، التاج ... ب أد ل ... ب د ل بتأ ... بالمكان: أقام ... القاموس، التاج ... ب ت أ ... ب ت وبادئ الرأي ... أول الرأي ... اللسان ... ب د أ ... ب د واليذيء ... سيء الخلق ... القاموس، التاج ... ب ذ أ ... ب ذ ي بارأ ... صالح بعد فراق ... القاموس، التاج ... ب ر أ ... ب ر ي يبرين ... اسم موضع ... اللسان ... ب ر ن ... ي ب ر البرهان ... الحجة بعد الفاصلة ... اللسان ... ب ر هـ ... ب ر هـ ن البستان ... المزرعة ... القاموس، التاج ... ب س ت ... ب س ت ن الباطئة ... الناجود، يجعل فيه الشراب ... اللسان ... ب ط أ ... ب ط والبلان ... الحمام ... التكملة ... ب ل ل ... ب ل ن البلهنية ... السعة من العيش ... اللسان ... ب ل هـ ... ب ل هـ ن انباق ... هجم ... الصحاح، اللسان ... ب وق ... ن ب ق التوأبانيان ... قادمتا الضرع ... اللسان ... ت أب ... وأ ب التارة ... الحين ... اللسان ... ت أر ... ت ور التوأم ... المولود مع غيره في بطن ... اللسان، القاموس ... ت أم ... وأ م التابوت ... الصندوق ... اللسان، القاموس ... ت ب ت ... ت وب تجوب ... اسم قبيلة ... القاموس، التاج ... ت ح ب ... ج وب تحوط ... اسم القحط ... اللسان ... ت ح ط ... ح وط الترقوة ... عظمة مشرفة بين التغر والنحر ... القاموس، التاج ... ت ر ق ... ر ق وما تريد ... محلة بسمرقند ... القاموس، التاج ... ت ر ي د ... ر ود التعضوض ... ضرب من التمر ... ... ت ع ض ... ع ض ض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 842 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني ابلأب ... استقام ... اللسان ... ت ل أب ... ت ل ب التلاميذ ... جمع: تلميذ ... اللسان ... ت ل م ... ت ل م ذ التميمة ... قلادة يوضع فيها سيور وعوذ ... القاموس، التاج ... ت م م ... ت ي م التيهور ... ما انهار من رمل ... اللسان ... ت هـ ر ... هـ ور التيخة ... جريدة رطبة يضرب بها ... التكملة ... ت ي خ ... م ت خ الثبة ... الجماعة ... الصحاح ... ث ب و ... ث وب الثندوة ... ثدي الرجل ... اللسان ... ث د أ ... ث ن د الثرطئة ... الرجل الأحمق الضعيف ... اللسان ... ث ر ط ... ث ر ط أ اثمعد ... لان ... اللسان ... ث م د ... ث م ع د الجؤنة ... سليلة مستديرة يجعل فيها الطيب ... اللسان ... ج أن ... ج ون جنيذ ... علم لرجل ... القاموس، التاج ... ج ب ذ ... ج ن ب ذ الجادي ... الزعفران ... القاموس، التاج ... ج د ي ... ج ود الجذعمة ... الصغير ... اللسان، التاج ... ج ذ ع ... ج ذ ع م جسأ ... الصلب وخشن ... اللسان ... ج س أ ... ج س والجشء ... القوس الخفيف ... اللسان ... ج ش أ ... ج ش والجنعدل ... الصلب الشديد ... اللسان ... ج ع د ل ... ج ن ع د ل الجعة ... ضرب من الأشربة ... اللسان ... ج ع هـ ... ج ع وجفأ ... النبت: اقتلعه ... اللسان ... ج ف أ ... ج ف واجلنطأ ... اضطجع ... اللسان ... ج ل ظ ... ج ل ظ أ الجلهنة ... فم الوادي ... اللسان ... ج ل هـ ... ج ل هـ م تجمأ ... تجمّع ... اللسان ... ج م أ ... ج م ي جنيء عليه ... أكبّ ... اللسان ... ج ن أ ... ج ن ي المنجنيق ... آلة يقذف بها الحجارة ونحوها ... اللسان ... ج ن ق ... م ج ن ق المجن ... الترس أو الوشاح ... اللسان ... ج ن ن ... م ج ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 843 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الجؤوة ... قطعة من الأرض غليظة ... اللسان ... ج وأ ... ح و والجيب ... جيب القميص ... القاموس، التاج ... ج وب ... ج ي ب الجيئة ... مستنقع الماء ... اللسان ... ج ي أ ... ج ي والمحبنطي ... المتفخ المتغضب ... اللسان، القاموس ... ح ب ط ... ح ب ط أ حتأ ... الكساء: كف هدبه ... اللسان ... ح ت أ ... ح ت والحنتاو ... القصير الصغير ... اللسان ... ح ت أ ... ح ن ت حجئت ... بالشيء: أولعت به ... اللسان ... ح ج أ ... ح ج والمحجة ... الطريق ... اللسان ... ح ج ج ... م ح ج الحندرة ... الحدقة ... التاج ... ح د ر ... ح ن د ر الحر ... حياء المرأة ... اللسان ... ح ر ر ... ح ر ح حران ... اسم بلد ... اللسان ... ح ر ر ... ح ر ن حزأ ... رفع ... اللسان ... ح ز أ ... ح ز واليزبون ... العجوز ... اللسان ... ح ز ب ... ح ز ب ن الحنزاب ... الديك ... القاموس، التاج ... ح س س ... ح ن ز ن حسان ... اسم رجل ... اللسان ... ح ش أ ... ح س ن حشأته ... بسهم: أصيب جوفه أو حشاة ... اللسان ... ح ش ش ... ح ش وحشان ... أطلم من آطام المدينة ... اللسان ... ح ص أ ... ح ش ن الحنصأوة ... الضعيف من الرجال ... اللسان ... ح ض أ ... ح ن ص حضأ النار ... حرك جمرها لتلتهب ... اللسان ... ح ف أل ... ح ض وحفائل ... اسم موضع ... اللسان ... ح ف أل ... ح ف ل حفيسأ ... القصير اللئيم ... القاموس، التاج ... ح ف س ... ح ف س أ الحفان ... فراخ النعام ... اللسان ... ح ف ف ... ح ف ن الحكأة ... دويبة: وقيل: هي العظاية الضخمة ... اللسان ... ح ك أ ... ح ك ى الحمء ... كل من كان من قبل الزوج ... اللسان ... ح م أ ... ح م و الجزء: 2 ¦ الصفحة: 844 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الحومانة ... المكان الغليظ المنقاد ... القاموس، التاج ... ح م ن ... ح وم المحاش ... قوم لفيف أشابة ... اللسان ... ح وش ... م ح ش الحلية ... الحذق وجودة النظر ... القاموس ... ح ول ... ح ي ل حية ... ضرب من الزواحف منها الأفعى والثعبان ... اللسان ... ح وي ... ح ي ي المحيض ... اسم أو مصدر الحيض ... اللسان ... ح ي ض ... م ح ض الحيوان ... الحياة ... اللسان ... ح ي و ... ح ي ي يحيى ... اسم نبيّ ... اللسان ... ح ي ي ... ي ح ي الخابية ... الحبّ ... اللسان ... خ ب أ ... خ ب وخنبش ... اسم رجل ... اللسان ... خ ب ش ... خ ج واختتأ ... ذلّ ... اللسان ... خ ت أ ... خ ن ذ الخجوجي ... الطويل الرجلين من الرجال ... اللسان، القاموس ... خ ج ج ... خ ج والخنذيان ... الكثير الشر ... اللسان ... خ ذ و ... خ ن ذ النخاريب ... خورق كبيوت الزنانير ... اللسان، القاموس ... خ ر ب ... ن خ ر ب الخراتان ... نجمان من كواكب الأسد ... اللسان ... خ ر ت ... خ ر والخنزير ... حيوان دحون قبيح المنظر ... اللسان ... خ ز ر ... خ ن ز ر الخنسر ... اللئيم والداهية ... القاموس، التاج ... خ س ر ... خ ن س ر مخش ... ماض جريء ... اللسان ... خ ش ش ... م خ ش الخنضرف ... العجوز الضخمة الفانية ... القاموس، التاج ... خ ض ر ف ... خ ن ض ر ف الخيفان ... الجراد ... اللسان ... خ ف ن ... خ ي ف الخمان ... من الناس: خشارتهم ... اللسان ... خ م م ... خ م ن المخن ... الطويل ... اللسان ... خ ن ن ... م خ ن الدباء ... القرع ... اللسان ... د ب ب ... ج ب واندحّ ... اندحاحا: اتسع من البطنة ... الصحاح ... د ح ح ... ن د ح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 845 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني دريء ... كوكوب دريء: منفع، مضيء ... اللسان ... د ر أ ... د ر ر الدرحاية ... الرجل الضخم القصير ... الصحاح، اللسان ... د ر ح ... د ر ح ي الدردم ... الناقة المسنة ... الصحاح، اللسان ... د ر د ... د ر دم درانة ... من أسماء المساء ... التكملة ... د ر ر ... د ر ن المدرية ... رماح تركب فيها القرون المحددة ... اللسان ... د ر ي ... م د ر دساها ... جعلها خسيسة بالعمل الخبيث ... اللسان ... د س س ... د س ي الإدفاء ... القتل ... اللسان ... د ف أ ... د ك ن الدكان ... الحانوت ... اللسان، القاموس ... د ك ك ... د ل م ص الدلامص ... البراق ... اللسان ... د ل ص ... د ن والدنيء ... الخبيث البطن والخسيس ... اللسان ... د ن أ ... د هـ د ى الدهداء ... "ما أدري أي الدهداء هو" أي: الخلق ... اللسان ... د هـ د أ ... د هـ د ن دهدرين ... اسم الباطل ... اللسان ... د هـ د ر ... د هـ د ن دهديت ... دحرجت ... اللسان ... د هـ د هـ ... د هـ د ى دهقان ... التاجر ... اللسان ... ج هـ ق ... د هـ ق ن اندال ... سال ... الصحاح، اللسان ... د ول ... ن د ل المدينة ... أكبر من القرية ... اللسان ... د ون ... م د ن الديحان ... الجراد ... اللسان ... د ي ح ... د ح ن الدين ... من الأمطار: ما تعاهد موضعا لا يزال يرب به ... اللسان ... د ي ن ... ود ن مذحج ... أبو قبيلة، واسم أكمة ... اللسان ... ذ ح ج ... م ذ ح ج اذلولى ... أسرع ... التكملة، القاموس ... ذ ل ل ... ذ ل ي الذاذ ... موضع بالقرب من المدينة ... اللسان، التاج ... ذ ود ... م ذ د المرأة ... مصدر الشيء المرئي ... اللسان ... ر أي ... م ر ي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 846 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الربان ... معظم الشيء وجماعته ... اللسان، القاموس ... ر ب ب ... ر ب ن الربانية ... ماء باليمامة لبعض العرب ... التكلمة ... ب ب ب ... ر ب ن رتأ ... شذ ... اللسان ... ر ت أ ... ر ت والرثيئة ... الحق ... اللسان ... ر ث أ ... ر ث والرثاء ... مدح الرجل والتباكي عليه بعد موته ... اللسان ... ر ث أ ... ر ث وأرجأ ... أخر ... اللسان ... ر ج أ ... ر ج والنرجس ... نوع من الرياحين ... اللسان ... ر ج س ... ن ر ج س المرداة ... الحجر الثقيل ... اللسان ... ر د أ ... ر د ى رذان ... اسم موضع ... اللسان ... ر ذ ن ... ر وذ وزأ ... بر ... اللسان ... ر ز أ ... ر ز ا الرشأ ... نوع من العشب مثل القرنوة ... اللسان ... ر ش أ ... ر ش ا رعشن ... الجبان المرتعش ... القاموس ... ر ع ش ... ر ع ش ن الرفاء ... الالتئام والاتفاق ... الصحاح، اللسان، القاموس ... ر ف أ ... ر ف ورفهنية ... سعة العيش ... الصحاح ... ر ف ن ... ر ف هـ رقأ ... صعد ... اللسان ... ر ق أ ... ر ق ورمأ ... الخبر: ظنه وقدره ... اللسان ... ر م أ ... ر م ى الرمان ... فاكهة معروفة ... اللسان ... ر م م ... ر م ن الرنء ... والرناء: الصوت والطرب ... اللسان ... ر ن أ ... ر ن واليرنأ ... واليرناء: الحِناء ... اللسان ... ر ن أ ... ي ر ن وأرونان ... يوم أرونان: شديد في كل شيء ... اللسان ... رن ن ... ر ون المرهم ... طلاء يطلى به الجرح ... اللسان، القاموس ... ر هـ م ... م ر هـ م الروية ... التفكير في الأمر وعدم العجلة ... اللسان ... ر وأ ... ر وى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 847 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الأريجي ... الرجل الواسع الخلق النشيط إلى المعروف ... اللسان ... ر وح ... ر ي ح أهرقت ... الماء: صببته ... اللسان ... ر ي ق ... هـ ر ق زبان ... اسم رجل ... اللسان ... ز ب ب ... ز ب ن الزيتون ... شجر يؤكل ثمره ... اللسان ... ز ر ح ... ز ي ت الزرجون ... الخمر ... اللسان ... ز ر ج ... ز ر ج ن زونزى ... المتحذلق المتكايس ... الصحاح، اللسان ... ز ي ز ... ز وى سائر ... سائر الناس: جميعهم أو باقيهم ... اللسان ... س ب أ ... س ي ر سبأ ... اسم قبيلة باليمن، وموضع بها أيضا ... اللسان ... س ب ب ... س ب ي السنبة ... الدهر ... اللسان ... س ت ت ... س ن ب الستة ... عدد بعد الخمسة ... اللسان ... س ت هـ ... س د س السه ... حلقة الدبر ... اللسان ... س ت هـ ... س هـ هـ سجستان ... اسم موضع أو بلد ... القاموس، التاج ... س ج س ... س ج س ت المسحاة ... المجرفة ... اللسان ... س ح و ... م س ح السروة ... السهم ... اللسان ... س ر أ ... س ر والسرندى ... الجريء ... اللسان ... س ر د ... س ر ن د السرية ... الجارية المتخذ لملك والجماعة ... اللسان ... س ر ر ... س ر ى اليستعور ... الشر أو نبات ... الصحاح، اللسان ... س ع ر ... ي س ت ع السقلاطون ... نوع من الثياب ... اللسان ... س ق ك ط ... س ق ل ط ن استكان ... خضع ... اللسان ... س ك ن ... ك ي ن السلاء ... السمن ... اللسان ... س ل أ ... س ل والسمان ... بائع السمن ... اللسان ... س م م ... س م ن السنبس ... السرعة ... اللسان ... س ن ب س ... ن ب س السيد ... الذئب ... اللسان ... س ود ... س ي د الجزء: 2 ¦ الصفحة: 848 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني المسيح ... عيسى عليه السلام ... القاموس ... س ي ح ... م س ح المسيل ... المجرى الذي يسيل فيه الماء ... اللسان، القاموس ... س ي ل ... م س ل الشوشب ... العقرب ... القاموس، التاج ... ش ب ب ... ش وش ب الشجموجى ... الطويل ... القاموس، التاج ... ش ج ج ... ش ج والشمحوط ... المفرط طولا ... اللسان ... ش ح ط ... ش م ح ط الشيحان ... الطويل ... اللسان ... ش ح ن ... ش ي ح الشيطان ... معروف ... اللسان ... ش ط ن ... ش ي ط شعلع ... طويل ... اللسان ... ش ع ل ... ش ع ل ع مشنوة ... مبغض ... اللسان ... ش ن أ ... ش ن وشنطيان ... المرأة السَّيِّة الخلق ... اللسان ... ش ن ظ ... ش ن ظ ى المشارة ... الكردة وهي: الدبرة في المزرعة ... القاموس، التاج ... ش ور ... م ش ر التشويش ... التخليط ... التكملة ... ش وش ... ش ي ش شيء ... يا شيء مالي: بمعنى التلهف والأسى ... اللسان ... ش ي أ ... ش ي والصنتوت ... الفرد الواحد ... القاموس، التاج ... ص ت ت ... ص ن ت صداء ... عين عذبة الماء أو بئر ... اللسان ... ص د أ ... ص د د التصدية ... التصفيق والصوت ... اللسان ... ص د د ... ص د ي الصيدان ... برام الحجارة ... اللسان ... ص د ن ... ص ي د الصيدانة ... أرض فليطة صلبة ... اللسان ... ص د ن ... ص ي د المصراة ... المحفلة ... التاج ... ص ر ر ... ص ر ي الصليان ... نبات تأكله الإبل ... اللسان، القاموس ... ص ل ل ... ص ل ي الضيطان ... كثير اللحم ... اللسان ... ض ط ن ... ض ي ط الضنفندد ... كثير اللحم ... اللسان ... ض ف د ... ض ف ن د الضنء ... الولد والنسل والأصل ... اللسان ... ض ن أ ... ض ن والمضاهأة ... المشاكلة ... اللسان ... ض هـ أ ... ض هـ و الجزء: 2 ¦ الصفحة: 849 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الضهياء ... المرأة ... القاموس، التاج ... ض هـ ي ... ض هـ ي أ طثأ ... لعب بالقلة ... اللسان ... ط ث أ ... ط ث والطريان ... الطبق الذي يؤكل عليه الطعام ... اللسان ... ط ر ر ... ط ر ي طسيء ... الرجل: اتهخم عن الدسم ... اللسان ... ط س أ ... ط س ي الطست ... من آنية الصفر ... اللسان ... ط س ت ... ط س س الطيسل ... السراب ... اللسان ... ط س ل ... ط ي س طشأة ... صفة للرجل الضعيف ... اللسان ... ط ش أ ... ط ش وطنئ ... البعير: لزق طحاله في جنيه ... اللسان ... ط ن أ ... ط ن وطيِّء ... اسم قبيلة عربية ... اللسان ... ط وأ ... ط وي مطار ... واد بين السراة والطائف ... اللسان ... ط ي ر ... م ط ر الظأب ... الزجل ... اللسان ... ظ أب ... ظ وب المظمي ... الذي تسقيه السماء ... اللسان ... ظ م أ ... ظ م والعنبب ... كثرة الماء ... اللسان ... ع ب ب ... ع ن ب العنبس ... الأسد ... اللسان ... ع ب س ... ع ن ب س العنبلة ... البظر ... القاموس، التاج ... ع ب ل ... ع ن ب ل اعتدت ... هيّأت ... اللسان ... ع ت د ... ع د د العنجرة ... مد الشفة ... القاموس، التاج ... ع ج ر ... ح ن ج ر العندأوة ... العسر الالتواء في الرجل ... التكملة ... ع د أ ... ع ن د عدان ... عدَّان الشباب: أوله وأفضله ... اللسان ... ع د د ... ع د ن معد ... اسم قبيلة عربية ... اللسان ... ع د د ... م ع د العيدانة ... النخلة الطويلة ... اللسان ... ع د ن ... ع ود العُنصُلُ ... البصل البري أو بصل الفأر ... القاموس، التاج ... ع ص ل ... ع ن ص ل العُننصوَة ... الخصلة من الشعر ... اللسان ... ع ص و ... ع ن ص العِنصِية ... القليل المتفرق من النبات وغيره ... القاموس، التاج ... ع ص و ... ع ن ص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 850 الكامة ... معناها ... ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني العطود ... السير السريع ... ... اللسان ... ع ط د ... ع ط ود العنظوان ... الشرير البذيء الفحاش ... ... اللسان ... ع ظ و ... ع ن ظ العنقود ... من العنب أو التمر: المتدلي ... ... اللسان ... ع ق د ... ع ن ق د العنكث ... ضرب من النبت ... ... اللسان ... ع ك ث ... ع ن ك ث عكلد ... خاثر ... ... اللسان ... ع ك د ... ع ك ل د المعكاء ... الإبل الغلاظ السمان ... ... اللسان ... ع ك و ... م ع ك العلجن ... الناقة الكناز اللحم ... ... اللسان ... ع ل ج ... ع ل ج ن العلندد ... الفرس الشديد ... ... اللسان ... ع ل د ... ع ل ن د لعل ... حرف ترج ... ... اللسان ... ع ل ل ... ل ع ل لعاً لك ... يقال للعاثر ليرجع وينتعش ... ... اللسان ... ع ل ل ... ع ل والعندليب ... الطائر المغرد ... ... القاموس، التاج ... ع ن د ل ... ع ن د ل ب العنوان ... الاسم للكتاب ... ... اللسان، القاموس، التاج ... ع ن ن ... ع ن وعاهد ... اسم رجل ... ... اللسان ... ع هـ د ... ع ي هـ المعار ... المنتوف الذنب ... ... اللسان ... ع ور ... م ع ر معان ... اسم موضع بالأردن ... ... اللسان ... ع ون ... م ع ن معيط ... اسم موضع ... ... اللسان ... ع وط ... م ع ط ماء معين ... جار ... ... اللسان ... ع ي ن ... م ع ن الغنثرة ... شرب الماء بلا عطش ... ... القاموس، التاج ... غ ث ر ذ ... غ ن ث ر الغرفئ ... قشر البيض ... ... اللسان ... غ ر ق ... غ ر ق أ غسان ... قبيلة عربية ... ... اللسان ... غ س س ... غ س ن الغيسان ... جدة الشباب ... ... اللسان، القاموس، التاج ... غ س ن ... غ ي س الفئة ... الجماعة ... ... القاموس، التاج ... ف أو ... ف ي أ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 851 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني فجئت ... الناقة: عظم بطنها ... اللسان ... ف ج أ ... ق ج والفنجلة ... مشية فيها استرخاء ... اللسان ... ف ج ل ... ف ن ج ل فيحان ... اسم موضع ... اللسان ... ف ح ن ... ف ي ح فرتنى ... المرأة الفاجرة ... اللسان، التاج ... ف ر ت ... ف ر ت ن الفرناس ... من أسماء الأسد ... اللسان ... ف ر س ... ف ر ن س الفيشلة ... الحشفة للعضو المذكر ... التاج ... ف ش ل ... ف ي ش فطأ ... ضرب بالعصا ... اللسان ... ف ط أ ... ف ط والنفاطير ... الكلأ المتفرق أول النبات ... القاموس ... ف ط ر ... ن ف ط ر اللفنطيسة ... خمط الخنزير ... اللسان ... ف ط ر ... ف ل س ط فلسطين ... بلد معروف ... اللسان ... ف ل س ط ... ف ل س ط ن فينان ... طويل الشعر ... اللسان ... ف ن ن ... ف ي ن أفادة ... اقتناه أو أعطاه، ضد ... القاموس، التاج ... ق ب ب ... ق ب ن قبّان ... حمار قبان: دويبة صغيرة ... اللسان ... ق ب ب ... ق ب ن اقتن ... انتصب ... القاموس، التاج ... ق ن ت ... ق ن ن اقتوته ... استخدمته ... اللسان ... ق ت و ... ق و والقندأوة ... السيء الخلق ... اللسان ... ق د أ ... ق ن د القندويل ... العطيم الرأس ... القاموس، التاج ... ق د ل ... ق ن د ل القرية ... الحوصلة ... اللسان ... ق ر ر ... ق ر ى القسطان ... الغبار ... اللسان ... ق س ط ... ق س ط ن قضاء ... وصف للدرع الخشنة الملس ... اللسان ... ق ض ض ... ق ض ي انقض ... الجدار: تصدع ... اللسان ... ق ض ض ... ق ي ض قنطريس ... الشديد الضخمة من النوق ... القاموس، التاج ... ق ط ر س ... ق ن ط ر س قطوطى ... الطويل الرجلين ... القاموس، التاج ... ق ط ط ... ق ط وقانئ ... شديد الحمرة ... الصحاح ... ق ن أ ... ق ن و الجزء: 2 ¦ الصفحة: 852 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني القندد ... حال الرجل ... اللسان ... ق ن د ... ق ن د د أقير ... أشد مرارة ... اللسان ... ق ور ... ق ي ر اكوأل ... قصر ... اللسان ... ك أل ... ك ول الكنبث ... الصلب ... القاموس، التاج ... ك ب ث ... ك ن ب ث كنادر ... قصير غليظ شديد ... اللسان ... ك د ر ... ك ن د ر الأكساء ... النواحي ... اللسان ... ك س أ ... ك س وكلتا ... اسم مفرد معنى التثنية ... اللسان ... ك ل ت ... ك ل والكيمياء ... الإكسير ... القاموس، التاج ... ك م ي ... ك وم الكنتي ... الشديد الكبير ... القاموس، التاج ... ك ن ت ... ك ون الكانون ... الموقد ... اللسان ... ك ن ن ... ك ون المكان ... الموضع ... اللسان ... ك ون ... م ك ن كيت وكيت ... بمعنى: كذا وكذا ... اللسان ... ك ي ت ... ك ي والمكورى ... القصير العريض اللئيم ... اللسان ... ك ي ر ... م ك ر اللولب ... ساتدارة الماء عند فم الصنيور ... القاموس، التاج ... ل ب ب ... ل ول ب اللثأ ... ما يسيل من بعض الشجر ... اللسان ... ل ث أ ... ل ث ي واد لاخ ... عميق ... اللسان ... ل خ خ ... ل وخ اللدة ... الترب ... القاموس، التاج ... ل د ي ... ول د اللذ ... الذي ... الصحاح، اللسان ... ل ذ ذ ... ل ذو الملطاط ... أعلى حرف الجبل ونحوه ... اللسان ... ل ط ط ... م ل ط الملطاء ... السمحاق من الشجاج ... اللسان ... ل ط و ... م ل ط اللفاء ... التراب، والشيء القليل ... القاموس، التاج ... ل ف أ ... ل ف ي الملقة ... الصفاة الملساء ... اللسان ... ل ق و ... م ل ق اللات ... اسم صنم ... اللسان ... ل وهـ ... ل وي مؤتة ... اسم أرض وعزوة ... اللسان ... م أت ... م وت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 853 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني المأس ... الذي لا يلتفت إلى موعظة أحد ... اللسان ... م أس ... م وس ميداء ... سنن الطريق ... اللسان ... م د ي ... م ي د مران ... موضع بالحجاز ... اللسان ... م ر ر ... م ر ن المران ... الرماح الصلبة ... اللسان ... م ر ر ... م ر ن المري ... والمري: الذي يؤتدم به ... اللسان ... م ر ر ... م ر ومارية ... المرأة البيضاو البراقة ... القاموس، التاج ... م ر ي ... م ور ميسون ... اسم امرأة ... اللسان ... م س ن ... م ي س الماطرون ... اسم موضع ... اللسان ... م ط ر ... م ط ر ن يتمطى ... يتبختر ... اللسان ... م ط ط ... م ط ي المكء ... والمكو: جحر الثعلب والأرنب ... اللسان ... م ك أ ... م ك وميكائيل ... من الملائكة ... القاموس، التاج ... م ك أل ... م ك ي مندد ... موضع ... اللسان ... م ن د د ... ن د د مهين ... ضعيف حقير ... اللسان ... م هـ ن ... هـ ون الموسى ... آلة الحلاقة ... اللسان ... م وس ... وس ي الموماة ... المفازة الواسعة ... اللسان ... م وم ... م وم ي الماوية ... المرآة ... اللسان ... م وهـ ... م و وبئر ماهة ... وميهة: كثير الماء ... اللسان ... م وهـ ... م و والمينا ... جوهر الزجاج، ومرسى السفن ... القاموس، التاج ... م ي ن ... ون ي النبي ... الذي أنبأ عن الله ... الصحاح، اللسان ... ن ب أ ... ن ب والمنسأة ... العصا ... اللسان ... ن س أ ... ن س والنواتي ... الملاحون في البحر الواحد نوبي ... اللسان ... ن وت ... ن ت ي التناوح ... التقابل ... اللسان ... ن وح ... ن ح وهات ... أعطني ... اللسان، القاموس، التاج ... هـ ت و ... هـ ي ت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 854 الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني الهدأة ... موضع بين مكة والمدينة ... اللسان ... هـ د أ ... هـ د هـ الهملع ... الرجل السريع ... اللسان ... هـ ل ع ... هـ م ل ع الهيلمان ... الكثير ... اللسان ... هـ ل م ... هـ ي ل الهميان ... المنطقة ... اللسان ... هـ م ن ... هـ م ي ياهناه ... بارجل ... اللسان ... هـ ن ن ... هـ ن وهالة القمر ... دارة القمر ... اللسان ... هـ ول ... هـ ي ل هيان ... ماهيان هذا الأمر: ما شأنه ... اللسان ... هـ ون ... هـ ي وهئت لك ... قالت: هئت لك: تهيأت ... اللسان ... هـ ي أ ... هـ ي ت اليهير ... اللجاجة والتمادى في الأمرِض ... اللسان ... هـ ي ر ... ي هـ ر هيان ... من لا يعرف ... اللسان ... هـ ي ن ... هـ ي ي الأول ... ضد الآخر ... االقاموس، التاج ... وأ ل ... وو ل الوجية ... جراد يدق ثم يلت بسمن ... اللسان ... وج أ ... وج ي الوراء ... الآخر ... القاموس، التاج ... ور أ ... ور ى ويلمة ... رجل ويلمة: داهية قاهر لقرنه ... اللسان ... ول م ... وي وأومأ ... أشار برأسه أو بيده ... الصحاح، اللسان ... وم أ ... وم ي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 855 ب- ومما جاء في ثلاثة مواضع: الكلمة ... معناها ... المعجم ... الموضع الأول ... الموضع الثاني ... الموضع الثالث الملائكة ... جمع ملك؛ وهو معروف ... اللسان، والتاج ... أل ك ... ل أك ... م ل ك الإمدان ... الماء على الأرض؛ وهو موضع أيضا ... القاموس، التاج ... أم د ... م د د ... م م د المؤونة ... القوت ... اللسان ... أون ... م أن ... م ون النبيثة ... تراب يخرج من بئر أو نهر ... اللسان ... ب وث ... ب ي ث ... ن ب ث الترتب ... الأمر الثابت والتراب ... اللسان ... ت ر ب ... ت ر ت ب ... ر ت ب الترية ... اسم ما تراه الحائض عند الاغتسال ... اللسان ... ت ر ى ... ر أى ... ور ى التولج ... كناس الظبي ... اللسان ... ت ل ج ... د ل ج ... ول ج المحارة ... الصدفة ... اللسان ... ح ور ... ح ي ر ... م ح ر الديدبون ... اللهو أو الباطل ... اللسان ... د ب ب ... د ب ن ... د د ن الذرية ... نسل الثقلين ... اللسان ... ذ ر أ ... ذ ر ر ... ذ ر ي المرفئن ... أي نفر ثم سكن ... اللسان ... ر ف أ ... ر ف ن ... م ر ف ن السنة ... العام ... اللسان ... س ن ت ... س ن هـ ... س ن والصاءة ... ما يخرج من الشاة بعد ولادتها ... اللسان ... ص وأ ... ص وي ... ص ي أ الطاردي ... الثابت ... اللسان ... ط د ي ... ط ود ... وط د انقاض ... الجدار أو البنات: تصدع ... القاموس، التاج ... ق ض ض ... ق وض ... ق ي ض اللات ... اسم صنم ... القاموس ... ل ت ت ... ل وهـ ... ل وي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 856 المبحث الثّالث: تضخيم حجم معاجم القافية سجّل الباحثون المعاصرون في زماننا على المعجم العربيّ بعامّةٍ عدداً من الملحوظات، وعدّوها من مشكلات المعجم العربيّ؛ الّتي يمكن معالجتها بإعادة التّرتيب أو تهذيبه، أو بالحذف الكلّيّ أو الجزئيّ، أو بالإضافة، أو بالتّحقيق، أو بالاستدراك، أو بالتّصحيح1. ومن أهمّ تلك المشكلات: صعوبة التّرتيب والتّبويب في بعض المعاجم. اتّساع المعاجم. الحشو والاستطراد. إهمال التّرتيب الدّاخليّ للمادّة الواحدة. التّكرار في الصّيغ أو المشتقّات داخل المادّة الواحدة. التّصحيف والتّحريف. قصور التّعريف2. على أنّه ليس من أهداف هذا البحث سبر غور هذه المشكلات   1 ينظر: المعجم العربيّ: بحوث في المادّة والمنهج والتّطبيق 263. 2 ينظر: الجاسوس 5-36، والمعجم العربيّ 749-759، والبحث اللّغويّ عند العرب 295-300، والمعاجم العربيّة المجنّسة 222-224، والمعجم العربيّ: بحوث في المادة والمنهج والتّطبيق 266-271. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 857 جميعاً، والخوض فيها بالتّفصيل والتّحليل، والكشف عن أسبابها ووضع الحلول لها، ولكنّه يكتفي منها لما له صلةٌ وثيقةٌ باتّساع معاجم القافية؛ ممّا يسمّيه بعضهم: تضخّماً1، أو حشواً2، أو لغواً3. إنّ اتّساع معاجم القافية حقيقةٌ غير منكرةٍ؛ أثبت بعض الباحثين المعاصرين جوانب منها. وأشير - هنا - إلى بعض ما ذكروه، وأضيف ما عساه فاتهم ممّا يعدّ أثراً لتداخل الأصول، وانعكاساً غير مباشرٍ له؛ فصفوة القول في ذلك أنّ اتّساع معاجم القافية مردودٌ إلى أمرين: أحدهما: الحشو. والآخر: التّكرار. أمّا الأوّل - وهو الحشو - فقد عدّوه من مآخذ المعاجم العربيّة القديمة وعيوبها الّتي يحسن التّخلّص منها في المعاجم الجديدة؛ فأصحاب المعاجم أرادوا - لحرصهم الشّديد - أن يجمعوا اللّغة بواضحها وغريبها ونادرها ولغاتها، وأن يجمعوا معها معارف العرب، أو النّواحي المختلفة من الثّقافة العربية؛ فربّما دفعهم ذلك إلى حشو معاجمهم "بالإعلام العربيّة، والأعجميّة، وأسماء الأماكن، والقصص والخرافات، والمفردات   1 ينظر: المعاجم العربيّة المجنّسة 224. 2 ينظر: المعجم العربيّ 750. 3 ينظر: المعجم العربيّ: بحوث في المادّة والمنهج والتّطبيق 269. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 858 الطبّيّة، والاصطلاحات الغريبة، حتّى مصطلحات ضرب الرّمل، والأمور الأجنبيّة، من الإسرائيليّات، والرّوميّات، والهنديّات"1 ممّا كاد يخرجها عن طبيعتها، ويبعدها عن حقل اختصاصها؛ فاقتربت معاجمهم ممّا نسمّيه اليوم: الموسوعات ودوائر المعارف2؛ بل إنّ بعض المعاصرين كان يراها موسوعاتٍ حقّاً3. ولعلّ نظرة الإنصاف تعفي معجميِّينا القدامى من كثيرٍ من هذا اللوم؛ فلا بأس فيما صنعوه بذكرهم بعض المعارف العربيّة؛ الّتي نعدّها - اليوم - خارج اهتمامات المعجم؛ بحسب الحدود الّتي أصبحنا نرى أن يقيّد بها المعجم اللّغويّ؛ وهي معايير حديثةٌ لم تكن معروفةً من قبل، أو لم يكن القدامى يرونها؛ فمن الظّلم - إذن - أن نحاسبهم على ضوء مناهج تختلف عن مناهجهم؛ إذ كانوا لا يفرّقون بين المعاجم والموسوعات؛ وهو ما يناسب زمانهم. والمهمّ - هنا - أن أقول: إنّه ليس للتّداخل أثرٌ ظاهرٌ في هذا النّوع؛ وهو الحشو. أمّا الثّاني؛ وهو التّكرار؛ فهو على نوعين: أحدهما: تكرار الكلمة داخل المادّة الواحدة.   1 المعجم العربيّ 750. 2 ينظر: البحث اللّغويّ عند العرب 300. 3ينظر: مناهج التّأليف عند العلماء العرب 731، 737. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 859 والآخر: تكرار الكلمة في أكثر من مادّة (أصل) . فالأوّل تكرار المشتقّات أو الصّيغ داخل المادّة الواحدة؛ لعدم اتّخاذهم منهجاً معيّناً في التّرتيب الدّاخليّ للمادّة. وقد نبّه عليه الشِّدْياق، في تعقّبه الفيروزاباديّ؛ وهو أنّه كثيراً ما يذكر لفظاً من مادّةٍ واحدةٍ، ثمّ يعيده؛ لعدم ترتيبه المشتقّات؛ كقوله في أوّل مادّة (ج ل ل) : "الجلل - محرّكةٌ: العظيم والصّغير؛ ضدٌّ" ثم قال بعد سطور عديدة: "والجلل - محركة: الأمر العظيم، والهين الحقير، ضدّ"1 وهما شيءٌ واحدٌ، كما ترى؛ وإن أوهمت عبارته الأولى والثّانية تقييداً2. ولا يكاد يخلو معجمٌ من معاجم القافية من مثل هذا؛ ولا سيّما (لسان العرب) لابن منظورٍ الّذي ظهرت فيه هذه الظّاهرة في أجلى صورها، ولا غرابة في ذلك؛ فهو ينقل موادّ كاملةً من معاجم مختلفةٍ. أمّا الآخر؛ وهو تكرار الكلمة بما يشتمل عليه من معانٍ في أكثر من موضعٍ قد تصل إلى ثلاثةٍ أو أربعةٍ - كما تقدّم في المبحث السّابق - فهو من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى اتّساع معاجم القافية؛ وهو نتيجةٌ طبعيّةٌ لوضع الكلمة في غير موضعٍ. ولعلّي لا أبالغ إن قلت: إنّ هذا النّوع يفوق ما تقدّم في أثره في اتّساع المعاجم. ويكفي أن نعود بالذّاكرة إلى ما ورد في موضعين أو أكثر ممّا   1 ينظر: القاموس (جلل) 1264. 2 ينظر: سرّ اللّيال 17، والجوانب اللّغويّة عند أحمد فارس الشّدياق 154. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 860 رصد البحث بعضه وأورده في قائمةٍ في ذيل المبحث السّابق - لندرك الحجم الحقيقيّ للاتّساع الّذي أصاب معاجم القافية؛ فكثيرٌ من تلك الكلمات أعيدت بشرحها، وبكلّ ما تحويه من معانٍ، ولغاتٍ، وشواهد، وحكاياتٍ، وأقوالٍ، وآراءٍ، وردودٍ، ممّا يطول في كثيرٍ من الأحيان. وأكتفي من هذا بثلاثة أمثلةٍ: أ- ذكر ابن منظورٍ في مادّة (ع ن ن) نقلاً عن الأزهريّ أنّ العنوان: الأثر، ومنه قولهم: عَنّنْتُ الكتاب، وعنَّيْته إذا عنونْتُه، أبدلوا من إحدى النّونات ياءً، وأشار إلى تعليل تسميته، وأنّه سمِّي عنواناً؛ لأنّه يعنّ الكتاب من ناحيته، وأصله عُنَّانٌ، فلمّا كثرت النّونات قلبت إحداها واواً. ونقل عنهم قولهم للرّجل؛ الّذي يعرّض ولا يصرّح: قد جعل كذا وكذا عنواناً لحاجته؛ وأنشد: وَتَعْرِفُ فِي عُنْوَانِهَا بَعْضَ لَحْنِهَا ... وَفيِ جَوْفِها صَمْعَاءُ تَحْكِي الدَّوَاهِيَا ثم انتقل إلى النّقل عن ابن برّيّ. وأعاد معنى العنوان؛ وهو الأثر؛ واستدلّ بقول الشّاعر: وَحَاجَةٍ دُوْنَ أُخْرَى قَدْ سَنَحْتُ بِهَا ... جَعَلْتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتَ عُنْوَاناً قال: وكلما استدللت بشيءٍ تظهره على غيره فهو عنوانٌ له؛ كما قال حسانٌ بن ثابتٍ يرثي عثمان - رضي الله عنهما -. ضَحّوا بأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيْحاً وَقُرْآناً ثمّ عاد إلى النّقل عن اللّيث بواسطة الأزهريّ، وذكر أنّ: العُلوان لغةٌ في: العنوان، وهي غير جيّدةٍ، وذكر أنّ ضمّ العين في: العنوان هي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 861 اللّغة الفصيحة1. وقد أعاد ابن منظورٍ كلامه في (العنوان) في مادّة (ع ن و) 2 في باب المعتلّ، ولكنّه اختصر قليلاً في الشّرح، وكان يكفيه ما جاء في الأصل الأوّل، وهو مكانه. ب- ذكر ابن منظورٍ - أيضاً - في مادّة (ع ل ل) (لعلَّ) و (لعلِّ) بالكسر؛ ومعناهما: التّوقّع لمرجوٍّ أو مخوفٍ، واستدلّ بقول العجّاج: يَا أَبَتَا عَلَّكَ أو عَسَاكَ وذكر أنّهما بمعنى: عَلَّ، ونقل عن بعض النّحويّين أنّ اللاّم في لعلَّ زائدةٌ مؤكِّدةٌ، وأنّ الأصل: عَلَّ، وأمَّا سيبويه فجعلها حرفاً واحداً غير مزيدٍ، وحكى عن أبي زيدٍ أنّ لغة عقيلٍ: لعلِّ زيدٍ منطلقٌ - بكسراللاّم - من لعلَّ، وجرِّ الاسم بعدها، واستدلّ بقول كعبٍ بن سويدٍ الغنويّ: فَقُلْتُ: ادْعُ أُخْرَى وارْفَعِ الصَّوتَ ثَانِياً ... لَعَلِّ أَبي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيْبُ وحكى عن الأخفش أنّ أبا عبيدة سمع لام: لعلَّ مفتوحةً في لغة من يجرّ بها؛ في قول الشّاعر: لعلَّ الله يُمْكِنُنِي عَلَيْها ... جِهَاراً من زُهَيْرٍ أو أُسَيْدِ وهكذا استمرَّ في حديثه عنها مورداً حكاياتٍ وآراء لبعض العلماء   1 ينظر: اللّسان 13/294، 295. 2 ينظر: اللسان 15/106. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 862 كسيبويه، وأبي عبيدة وابن برّيّ1. ثمّ أعاد ابن منظورٍ كثيراً ممّا قاله هنا في أصلٍ آخر؛ وهو (ل ع ل) على الرّغم من أنّه نصَّ فيه - أيضاً - على زيادة اللاّم الأولى2. وكان حسبه ما جاء في الأصل الأوّل؛ وإن كان ثمة جديد فمكانه هناك - أيضاً -. هـ- - ذكر الزبيديّ في مادّة (م وس) الموسى: آلة الحلاقة، ونقل كلاماً طويلاً فيها يتّصل بمعناها واللّغات فيها؛ كالصّرف وعدم الصّرف، والتّذكير والتّأنيث، وتصغيرها، والخلاف في وزنها، وأصالة ميمها، فذكر أنّ الميم أصليّةٌ؛ وهي - عند بعضهم - زائدةٌ، وأنّ وزنها على الرّأي الأوّل (فُعْلَى) وعلى الثّاني (مُفْعَل) . وقد تخلّل ذلك عددٌ من النّقول والحكايات عن العلماء؛ كاللّيث، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائيّ، واليزيديّ، وابن السّكّيت، وابن السّرّاج، والجوهريّ3. ثمّ أعاد أكثر ما ذكره في موضعٍ آخر؛ وهو (وس ي) 4. ومثل هذا كثيرٌ، والفرق بين الموضعين في طول المادّة أو قصرها.   1 ينظر: اللّسان 11/473، 474. 2 ينظر: اللسان 11/607. 3 ينظر: التّاج 4/251. 4 ينظر: التاج 10/390، 391. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 863 وثمّةٌ بابٌ - وهو المهموز - أعيد كثيرٌ ممّا جاء فيه في بابٍ آخر؛ وهو المعتلّ؛ كما هو ظاهرٌ في جميع معاجم القافية ممّا وقفت عليه منها. وممّا جاء مكرّراً في البابين - المهموز والمعتلّ - من فصل الرّاء وحده من (لسان العرب) : رَبَأَتِ الأرْضُ ورَبَتْ: ارتفعت. رَتَأَ العُقْدَةَ ورَتَاها: شَدَّها. رَثَأَتِ المرأةُ زوجَها، ورَثَتْه: مدحته بشعرٍ بعد موته. الرَّثِيئة والرَّثيّة: الحمق. أرجأت الأمر وأرجيتُه: أخّرته. رَدَأَه بحجرٍ ورَدَاه: رماه به. المِرْدَأَة والمِرْدَاة: الحجر الّذي لا يكاد الرّجل الضّابط يرفعه بيديه. رَزَأَ فلانٌ فلاناً ورَزَاه: بَرَّه. الرَّشْأَة والرَّشَاة: عُشْبَةٌ تشبه القَرْنُوَة. الرّفاء: الالتئام والاتّفاق، ومنه قولهم: رَفَّأَه ترفيةً، ورَفَاه؛ إذا قال له: بالرَّفَاء والبنين. رَقَأَ في الدّرجة، ورَقِيَ فيها: صَعِدَ. رَمَأَ الخبر، ورماه: ظنَّه وقدّره. الرَّنْء والرَّنَاء والرُّنَاء: الصّوت. تَرَهْيَأَتِ السّحَابَةُ: تحرّكت واضطربت وتهيّأت للمطر، ومنه ما جاء في حديث ابن مسعودٍ - رضي الله عنه: أنّ رجلاً كان في أرضٍ له؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 864 إذ مرَّت به عنانةٌ تَرَهْيَأُ؛ فسمع فيها قائلاً يقول: ائْتِي أرض فلانٍ فاسْقِيها1. ونحو هذا في سائر الفصول السّبعة من باب الهمزة؛ إذ ندر أن تأتي مادّةٌ في باب الهمزة من معاجم القافية ليس فيها شيءٌ مكرّرٌ في نظيرها من باب المعتلّ. ولا شكّ أنّ في هذا وأمثاله ممّا تقدّم من غير المهموز - إسهاماً في اتّساع معاجم القافية وتضخّمها؛ وهو من نتائج وضع الكلمة في موضعين أو أكثر بسبب تداخل الأصول. والّذي يراه البحث - لتلافي ما أصاب معاجم القافية من اتّساعٍ؛ لوضع الكلمة في موضعين أو أكثر - أن يكتفى بوضعها في أصلها، أو في أرجح الأصلين، ولا بأس في أن يحال عليها في الأصل المرجوح؛ على نحو ما تقدّم بيانه في المبحث السّابق.   1ينظر: غريب الحديث للحربيّ 1/679، والنّهاية 2/286، 3/313. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 865 الباب الخامس: أثر التداخل في النقد المعجمي الفصل الأول: النقد المعجمي عن القدامى (تمهيد) الفصل الأول ... الفصل الأوّل: النّقد المعجميّ عند القدامى تمهيدٌ: أسهم تداخل الأصول في نشاط النّقد المعجميّ إسهاماً بيِّناً، على امتداد ألف عامٍ أو يزيد؛ وتركّز ذلك في معاجم القافية بوجهٍ خاصّ، وانحصر جلّ نقد الأصول فيها؛ لشهرة هذه المدرسة؛ ولظهور أثر التّداخل فيها، أكثر من غيرها من المدارس. وآية ذلك أنّ بعض معاجم القافية أثرت حركة التّأليف المعجميّ، بما دار فيها من نشاطٍ تأليفيٍّ؛ كالشّرح، والتذييل، والتّعليق، والاختصار، والنّقد، والدّفاع. ويأتي (الصّحاح) للجوهريّ في طليعة هذه المعاجم، وهو يعدّ حجر الزّاوية في مدرسة القافية؛ ففيه ظهرت معالم هذه المدرسة في أبهى صورها، وعلى يدي مؤلّفه اكتملت معالمها، وأخذت وضعها النّهائيّ؛ الّذي سار عليه من أتى بعده؛ ليسر منهجه وسهولته. ولعلّ ممّا ساعد على اشتهار هذا المعجم التزام مؤلّفه ما صحّ له من اللّغة؛ حتّى وصفه بعض العلماء بأنّه بمنزلة (صحيح البخاريّ) بالنّسبة إلى باقي الصّحاح، دون غيره من كتب اللّغة الصّحاح1 مع توسّطه بين الإطالة المملّة والاختصار المخلّ، فوجد فيه المرتاد بغيته؛ وخفَّ حمله على طلبة العلم، فتداولوه. فلا عجب أن يكون شغل العلماء وطلبة العلم في الأمصار؛ إذا قدم عالمٌ إلى بلدٍ سأله أهله عن (الصّحاح) كما صنع المصريّون مع ابن القطّاع، في أواخر القرن الخامس؛ بعد أن رأى صدق   1 ينظر: إضاءة الرّاموس 1/15، 16. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 871 رغبتهم فيه، وكثرة اشتغالهم به؛ فركب عليه طريقاً، ورواه لهم1، وعلّق عليه تقييداتٍ. ولا يعني هذا أنّ (الصّحاح) مبرأٌ من المآخذ؛ شأنه في ذلك شأن أيّ عملٍ بشريٍّ؛ فقد أخذ عليه جملةٌ من الأمور ذكرها2، من بينها ملحوظاتٌ صرفيّةٌ متنوّعةٌ؛ كثيرٌ منها في الأصول المتداخلة؛ مع أنّ الجوهريّ كان يوصف بأنّه "خطيب المنبر الصّرفيّ، وإمام المحراب اللّغويّ"3. ونسطيع: أن نقول - في الجملة - إنّ هذا المعجم لقي عنايةً فائقةً من العلماء، وأخذت هذه العناية أشكالاً خمسةً؛ هي: 1- النّقد. 2- التّذييل والاستدراك. 3- التّعليق والتّحشية. 4- الاختصار. 5- الجمع بينه وبين غيره من المعجمات. 6- التّرجمة. ويعنينا - في هذا المقام - النّوع الأوّل وهو النّقد، وكتب النّقد تدور على عناصر؛ من أهمّها التّصريف؛ ولا سيّما تداخل الأصول، وما   1ينظر: مقدمة الصّحاح 155. 2ينظر: المزهر 2/390، والمعجم العربيّ 500-502، والمعاجم اللّغوية 108-113. 3 ينظر: مقدّمة الصّحاح 116. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 872 يترتّب عليه؛ كوضع الكلمة في غير موضعها، أو وضعها في موضعين، أو أكثر. وأعرض فيما يلي لأهمّ كتب النّقد المعجميّ الّتي كان (الصّحاح) محورها: 1- حواشي الصّحاح: لأبي الحسن عليٍّ بن حمزة (ت 430?) وأفاد منها الصّفديّ؛ فيما انتقده على الجوهريّ1. 2- تعليقات على الصّحاح: لأبي سهلٍ محمّد بن عليّ الهرويّ - (ت 433?) لعلّه كتبها على نسخته من (الصّحاح) الّتي كتبها بخطّه2 وقد تضمّنت هذه التّعليقات بعض الإشارات النّقديّة في التّداخل؛ وأفاد منها الصّفديّ3 وكانت من مصادر الزّبيديّ4. 3- حواشي الصّحاح: لعلّي بن جعفر السّعديّ؛ المعروف بابن القطّاع (ت 515?) ونقد فيها الجوهريّ، ولم يتمّها. 4- قيد الأوابد من الفوائد:   1 ينظر: نفوذ السّهم 3أ. 2 ينظر: بغية الوعاة 1/190. 3 ينظر: نفوذ السّهم 3 أ. 4 نظر: الزّبيديّ في كتابه تاج العروس 279. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 873 لأبي الفضل أحمد بن محمّد الميدانيّ (ت 518?) وذكر العطّار أنّه نقد فيه الجوهريّ1 وذكر بروكلمان أنّ فيه عرضاً لموادّ الصّحاح، مع مقابلتها بتفسيراتٍ مختلفةٍ من (تهذيب اللّغة) للأزهريّ2. 5- التّنبيه والإيضاح: لأبي محمّد عبد الله بن برّيّ المصريّ (ت 582?) وهو من أهمّ الكتب؛ الّتي ألّفت عن (الصّحاح) وتضمّنت نقداً بارزاً له. وسيأتي الكلام عن هذا الكتاب؛ إن شاء الله. 6- الإصلاح لما وقع من الخلل في الصّحاح: لجمال الدّين عليّ بن يوسف القفطيّ (ت 646?) 3 وهو نقدٌ للصّحاح، وإصلاحٌ لما فيه من خللٍ. ولا نعلم - على وجه الدّقّة - طبيعة نقداته4؛ وإن كنّا لا نستبعد أن تشتمل على مآخذ في التّصريف، وما   1 ينظر: مقدمة الصّحاح 183. 2 ينظر: تاريخ الأدب العربيّ 2/262. 3 ينظر: معجم الأدباء 15/187، وشذرات الذهب 5/236. 4 ذكر أحمد عبد الغفور عطّار أنّ الكتاب حقّق على يد محمّد أبي الفضل إبراهيم (ينظر: مقدّمة الصّحاح 183) ولم أهتد إليه بعد طول البحث. وسؤال أهل العلم والتّخصص، والرّاجح أنّه ممّا فقد من مؤلفات القفطيّ، فقد راجعت كتاب ((إنباه الرواة)) للقفطيّ؛ وهو من آخر ما حققه الشّيخ أبو الفضل، وجاء بعد ظهور مقدّمة الصّحاح بنحو ثمانية وعشرين سنة. وقد كتب له المحقّق مقدمة ضافية أتى فيها على حياة القفطيّ، وأحصى مؤلفاته، وفصّل الحديث عنها، وذكر منها هذا الكتاب؛ وسماه (إصلاح خلل الصّحاح (وعلّق عليه بقوله: "ذكره ياقوت والسّيوطيّ في بغية الوعاة، وابن العماد، وصاحب كشف الظّنون " (ينظر: إنباه الرواة، مقدّمة المقّق 1/22) فلم يشر - من قريب أو بعيد - إلى أنّه حقّق الكتاب، أو رآه مخطوطاً، أو سمع عن وجوده؛ بل إنّه كان يشكو من ضياع أكثر مؤلفات القفطيّ، وكان حريصاً على ذكر ما حقّق منها، والنّصّ على أسماء محقّقيها، وأماكن طبعها؛ وكان يذكر النّسخ الخطّيّة لما عرفه منها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 874 يتّصل بالأصول؛ لأنّها من أهمّ ما أخذ على صاحب (الصّحاح) . 7- نقودٌ على الصّحاح: لأبي العبّاس أحمد بن محمّدٍ الأزديّ الأندلسيّ؛ المعروف ببن الحاجّ الإشبيليّ (ت 651?) 1. 8- نور الصّباح في أغلاط الصّحاح: لأبي الفضل محمّد بن عمر بن خالدٍ القرشيّ؛ من علماء القرن السّابع الهجريّ. وفي كتابه هذا نقدٌ للصّحاح، وبيان بعض ما وهم فيه الجوهريّ من تصحيفاتٍ، وفيه تنبيهاتٌ صرفيّةٌ مختلفةٌ2. 9- نفوذ السّهم فيما وقع للجوهريّ من الوهم: لخليل بن أيبك الصّفديّ (ت 764?) وسيأتي الكلام عنه مفصّلاً؛ - إن شاء الله -. 7- غوامض الصّحاح: للصّفديّ - أيضاً - وفيه نقدٌ للصّحاح؛ إذ استخرج منه ما في   1 ينظر: بغية الوعاة 1/359، وابن الحاجّ النّحويّ 26. 2 ينظر: مقدّمة الصّحاح 184. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 875 أصوله من غموضٍ أو صعوبةٍ في ردّ بعض الكلمات إلى أصولها؛ وبخاصّةٍ لدى من لم يتمرّس بالتّصريف وشعابه. وقد أعاد ترتيب مادّته على نظامٍ آخر؛ ناظراً إلى الكلمة من أوّلها إلى آخرها؛ دون تجريدٍ ما فيها من زوائد. وكان ينصّ في كلّ مادّةٍ على موضعها، أو المواضع الّتي وردت فيها (الصّحاح) وقد نشر الكتاب - مؤخّراً - بتحقيق عبد الإله نبهان. وثَمَّة معاجم لم يكن الغرض الأوّل من تأليفها النّقد؛ ومع ذلك حوت قدراً صالحاً من النّقدات على الصّحاح؛ بسبب تداخل الأصول فيه؛ ومن أبرز هذه المعاجم: 1- التّكملة والذّيل والصّلة: للحسن بن محمّد بن الحسن الصّغانيّ (ت 650?) وسيأتي الحديث عنه - إن شاء الله. 2- القاموس المحيط: لمجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروزاباديّ (ت 817?) وسيأتي الحديث عنه - أيضاً. ولم يكن (الصّحاح) وحده الّذي استأثر بالنّشاط المعجميّ النّقديّ، فثّمّة معجمٌ آخر اجتذب إليه اهتمام المعجّمين؛ وهو (القاموس المحيط) للفيروزاباديّ؛ فعلى الرّغم من أنّ العلماء وطلبة العلم تلقّوا هذا المعجم بالقبول والاستحسان؛ لم يسلم من النّقد؛ فصرف بعض العلماء جانباً من جهودهم لنقده. ويندرج تحت هذا الجانب كتبٌ ألّفت للرّدّ على المجد، والانتصار للجوهريّ فيما أخذه عليه صاحب (القاموس) ومن أهمّ الكتب الّتي انبرت للنّقد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 876 1- كسر النّاموس في نقد القاموس: لعبد الله بن شرف الدّين الحسينيّ اليمنيّ (ت 973?) وذكره الشّوكانيّ، ونصّ على أنّه اعترض فيه على (القاموس) 1 ولا نعرف - على وجه الدّقّة - حقيقة هذه الاعتراضات. 2- القَوْلُ المَأْنُوسُ بِفَتْحِ مُغْلَقِ القَامُوسِ: لِبَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ القُرَافِيّ (1008?) وفِيهِ تَنْبِيهَاتٌ وانتِقَادَاتٌ للأُصُولِ المُتَدَاخِلَةِ، جَمَعَهَا مِنْ حَاشِيَتَيْ عَبْدِ البَاسِطِ سِبْطِ شِيْخِ الإِسْلاَمِ سِرَاجِ الدِّينِ البُلْقِينِيِّ، وسَعْدِي الرُّومِيِّ؛ مُفْتِي الدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّةِ؛ فِي القَرْنِ العَاشِرِ2. 3- بَهْجَةُ النُّفُوسِ فِي المحُاَكِمَةِ بَيْنَ الصِّحَاحِ والقَامُوسِ: للقُرَافِيِّ - أَيْضاً - وفِيهِ مُوَازَنَةٌ بَيْنَ المُعْجَمَينِ؛ مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى مَا انتَقَدَهُ المَجْدُ عَلَى صَاحِبِ (الصِّحَاحِ) 3. 4- النَّامُوسُ: لمُلاَّ عَلِيِّ بْنِ سُلْطَانَ القَارِئ الهَرَوِيِّ؛ نَزِيلِ مَكَّةَ (ت 1014?) وفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى (القَامُوسِ) و (الصِّحَاحِ) ونَقْدٌ لَهُمَا؛ وقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ مِنْهُمْ: ابْنُ الطَّيِّبِ الفَاسِيُّ، والشِّهَابُ الخَفَاجِيُّ4.   1 ينظر: البدر الطّالع 1/383. 2 ينظر: القول المأنوس 3أ. 3 ينظر: كشف الظنون 2/1310، والمعجم العربيّ 606. 4 ينظر: التَّاج 1/3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 877 5- الدُّرُ اللَّقِيْطُ فِي أَغْلاَطِ القَامُوسِ المحُِيْطِ لِدَاوُد زَادَه (ت 1031?) وسَيَأْتِي الكَلاَمُ عَنْهُ مُفَصَّلاً - إِنْ شَاءَ اللهُ -. 6- العَنْقَاءُ المُغْرِبُ الوَاقِعُ فِي القَامُوسِ: لأَبِي الفَتْحِ عبد بن عبد الرحمن الدنوشريِّ (ت 1025?) وردَّ فِيهِ عَلَى صَاحبِ (القَامُوسِ) فِيمَا خَطَّأَ فِيهِ الجَوهَرِيِّ1. 7- القَوْلُ المَأْنُوسُ فِي الاسْتِدْرَاكِ عَلَى القَامُوسِ: لِزَيْنِ الدِّينِ مُحَمَّد عَبْد الله الرَؤُوفِ المُنَاوِيِّ (1031?) وتَضَمَّنَ بَعْضَ الانْتِقَادَاتِ للأُصُولِ، وَرَدَّ عَلَى المَجْدِ فِي بَعْضِ مَا أَخَذَهُ عَلَى الجَوْهَرِيِّ، وَوَصَلَ فِيْهِ إِلَى حَرْفِ الدَّالِ، وَقِيْلَ: السِّيْن، وَلِمْ يُكْمِلْهُ2 وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الشّديَاقُ كَثِيراً فِي (الجَاسُوسِ) . 8- مَرَجُ البَحْرَيْنِ: للقَاضِي أُوَيْسِ بْنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوفِ بـ (وَيْسِي) (ت 1037?) أَجَابَ فِيْهِ عَنْ اعْتِرَاضَاتِ الفَيْرُوزَابَادِيّ عَلَى صَاحِبِ (الصِّحَاحِ) ولَمْ يَتِمَّهُ3. 9- رِجْلُ الطَّاوْوسِ فِي شَرْحِ القَامُوسِ: لِمُحَمّدِ بْنِ السَّيِّد عَبْدِ [رَبِّ] الرَّسُول الحُسَينِيِّ البَرَزَنْجِيِّ (ت:   1 ينظر: مقدّمة الصّحاح 190، ومعجم المعاجم 238، 239. 2 ينظر: مقدّمة الصّحاح 190. 3 ينظر: كشف الظّنون 2/1308، والبلغة في أصول اللغة 445. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 878 1103?) وفِيهِ دِفَاعٌ عَنِ الجَوْهَرِيِّ1. 10- النَّامُوسُ عَلَى القَامُوسِ: لِمُحَمَّدٍ الأَمِينِ بْنِ فَضْلِ اللهِ المُحِبِّيِّ (1111?) وَهُوَ حَاشِيَةٌ عَلَى القَامُوسِ، وَذَكَرَهُ المُرَادِيُّ، وأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْتَمِلْ2 وَذَكَرَهُ إِسْمَاعِيل بَاشَا3 ونَصَّ العَطَارُ عَلَى أَنًّ فِيهِ رَدّاً عَلَى مَآخِذِهِ عَلَى الجَوْهَرِيِّ4. 11- الطَرَازُ الأَوَّلُ فِيمَا عَلَيهِ مِن لُغَةِ العَرَبِ المُعَوَّلُ: ويُسَمَّى - طِرَازَ اللُّغَةِ - للسِّيِّد عَلِي خَان، المَعْرُوف بِابْنِ مَعْصُومٍ الحُسَينِيّ المَدَنِيِّ (ت: 1117?) وَذَكَرَ العَطَّارُ "أَنَّهُ نَقَدَ فِيهِ القَامُوسَ، وآخَذَ الفَيْرُوزَابَادِيَّ عَلَى إِهْمَالِ ضَبْطِ مَا يَجِبُ ضَبْطُهُ؛ وتَرْكِهِ الدِّقَّةَ فِي تَرْتِيبِ بَعْضِ المَوَادِّ؛ ووَضْعِهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا؛ وخَطَئِهِ فِي تَفْسِيرِ الكَلِمَاتِ؛ وتَصْحِيفِهِ؛ وسُوءِ قَولِه وتَعْبِيرِهِ"5 وقَدْ نَقَلَ الشِّدْيَاقُ قَطْعَةً مِنَ الكِتَابِ أَهْدَاهَا إِلِيهِ العُلَمَاء فِي طَهْرَان؛ وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَبْوَابِ الرَّاءِ والزَّايِ والسِّينِ؛ وَهِيَ مَنْشُورَة فِي   1 ينظر: التّاج 1/3، وإيضاح المكنون 1/549، ومعجم المعاجم 235. 2 ينظر: سلك الدّرر 4/86. 3 ينظر إيضاح المكنون 1/432، وهدية العارفين 2/307. 4 ينظر: مقدّمة الصّحاح 190. 5 مقدّمة الصّحاح 1/191. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 879 كِتَابِهِ (الجَاسُوسِ) 1. وظَهَرَ - مِنْ خِلاَلِ هَذِهِ القِطْعَةِ - اهْتِمَامُ ابْنِ مَعْصُومٍ بالأُصُولِ، ونَقْدُ تَدَاخُلِها؛ كَأَخْذِهِ عَلَى الفيْرُوزَابَادِيِّ ذَكَرَهُ الإسْكندَرُ والإِسْكَنْدرِيَّةُ فِي (س ك د ر) قال: "ذِكْرُ الفَيْرُوزَابَادِيِّ الإسْكَندَرِيَّ والإسْكَندَرِيَّةَ فِي فَصْلِ السِّينِ غَلَطٌ قَبِيحٌ؛ إِذْ لاَ يَجْهَلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَامٍ بِعِلْمِ الصَّرْفِ أَنَّ الهِمْزَةَ إِذا وَقَعَتْ أَوَّلاً وبَعْدَهَا أَرْبَعَةُ أُصُولٍ فَهِيَ أَصْلٌ إِجْمَاعاً"2. وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي مَادَّةِ (أف ر) : "والأُفُرَّةُ - بِضَمَّتَينِ وفَتْحِ الرَّاءِ المُشَدَّدَةِ - لأَوَّلِ الحَرِّ وشِدَّتِهِ؛ وسَائِرُ مَعَانِيهَا فِي (ف ر ر) لأَنَّ الهَمْزَةَ فِيهَا زائدة، لاَ فَاء الكَلْمَةِ؛ فَهِيَ (أُفُعْلَة) … بِدَلِيلِ قَولِهِمْ: فُرَّة؛ بِإِسْقَاطِ الهَمْزَةِ لُغَة فِيهَا؛ وغَلِطَ الفَيْرُوزَابَادِيُّ؛ فَذَكَرَهَا - هَهُنَا - عَلَى أَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرهَا هُنَاكَ؛ تَبَعاً للجَوْهَرِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ"3 12- إضَاءَةُ الرَّامُوسِ وإِفَاضَةُ النَّامُوسِ عَلَى إِضَاءَةِ القَامُوسِ: لأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ الفَاسِيِّ الشَّرْقِيِّ (ت: 1170 أو 1173?) . وَهُوَ حَاشِيَةٌ مُطَوَّلَةٌ عَلَى القَامُوسِ، أَقَامَهَا عَلَى تَصْحَيحِ أَخْطَائِهِ، واسْتَدْرَاكِ فَائِتِهِ، والانتصَار للجَوْهَرِيِّ. قال في تَصْدِيرِهِ: "فاسْتَخْرْتُ اللهَ، وجَدَّدْتُ النَظَرَ فِيمَا فِيهِ بَحَثَ   1 ينظر: 498-653. 2 الجاسوس 499. 3 الجاسوس 499. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 880 المَجْدُ ونَظَر، ووَقَفْتُ أَثْنَاءَ مُطَالَعَتِهِ عَلَى أَغْلاَطٍ لَهُ وَاضِحَة، وأَوْهَامٍ ارْتَكَبَهَا؛ مُخَالِفاً للجَمَّاء الغَفِيرِ فَاضِحَة … فَجَمَعْتُ ذَلِكَ أَبْدَعَ جَمْعٍ، وأَوْدَعْتُهُ مِنَ التَّحْقِيقَاتِ مَا تَقَرُّ بِتَقْرِيرِهِ العَينُ، ويُصْغِي إِلَى صَوْغِهِ السَّمْعُ"1 13- الوِشَاحُ وتَثْقِيفُ الرِّمَاحِ فِي رَدِّ تَوْهِيمِ المَجْدِ الصِّحَاح: لأَبِي زَيدِ التَادِلِيّ (ت: 1200?) ويُعَدُ كِتَابُهُ هذا انتصَاراً للجَوْهَرِيِّ فِيمَا أَخَذَهُ عَلَيهِ صَاحِبُ (القَامُوسِ) وسَيَأْتِي الكَلاَمُ عَنْ هَذَا الكِتَابِ - إِنْ شَاءَ اللهُ -. 14- تَاجُ العَرُوسِ مِنْ جَوَاهَرِ القَامُوسِ: للسَّيِّدِ المُرْتَضَى أَبِي الفَيضِ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَزَاقِ الزَبَيدِيِّ (ت: 1205?) ويُعَدُّ مِنْ أَوْسَع مُعَاجِم العَرَبِيَّةِ؛ وقَدْ جَمَعَ فِيهِ مَادَّتَهُ مِنْ مَصَادِرَ كَثِيرَةٍ، ذَكَرَهَا فِي مُقَدِّمَتِهِ؛ ومِنْ أَبْرَزِهَا الكُتُبُ المُؤَلَّفَةُ فِي نَقْدِ القَامُوسِ، وعَلَى رَأْسِهَا (إِضَاءَةُ الرَّامُوسِ) لِشَيْخِهِ ابْنِ الطَّيِّبِ الفَاسِيِّ. 15- فَلَكُ القَامُوسِ: لِعَبْدِ القَادِرِ بْنِ عَبْدِ القَادِرِ الحسَنِيِّ الكوْكَبَانِيِّ اليَمَنِيِّ (ت: 1207هـ) وَهُوَ مِن تَلاَمِيذِ ابْنِ الطَّيِّبِ الفَاسِيِّ، وتَتَبَّعَ فِيهِ نَقَدَاتِ الفَيْرُوزَابَادِيِّ، ورَدَّ عَلَيهَا، وأَبَانَ وَهْمَهُ فِيمَا حَسِبَهُ وَهْماً مِنَ الجَوْهَرِيِّ.2   1 إضاة الرّاموس 15، 16. 2 ينظر: البلغة في أصول اللغة 439، ومقدّمة الصّحاح 193. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 881 وأَكْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الطَائِفَةِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ مَا أُلِّفَ فِي النَقْدِ المُعْجَمِيِّ. وقَدِ اخْتَرْتُ للدِّرَاسَةِ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مَا وَجَدْتُ فِيهِ اهْتِمَاماً وَاضِحاً بالأُصُولِ، ونَقْدِ تَدَاخُلِهَا، ورَتَّبْتُهُ تَرْتِيباً زَمَنِيّاً؛ وَهُوَ سِتَّةٌ: 1- التَنْبِيهُ والإيِضَاحُ، لابْنِ برِّي. 2- التَكْمِلَة ُ، للصُّغَانِيِّ. 3- نُفُوذُ السَّهْمِ، للصَّفَدِيِّ. 4- القَامُوسُ، للفَيْرُوزَابَادِيّ. 5- الدُّرُّ اللَّقِيطُ، لِدَاوُد زَادَه. 6- الوِشَاحُ، للتَّادِلِيِّ. وأُفْرِدُ - فِيمَا يَلِي - كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَبْحَثٍ مُسْتَقِلٍّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 882 المبحث الأول: ابن برّي في (التنبيه والإيضاح) ... المَبْحَثُ الأَوَّلُ: ابْنُ برِّي فِي (التَنْبِيهِ ولإِيضَاح) : يُعَدُّ ابْنُ برِّي - وَهُوَ مِن عُلَمَاء القَرْنِ السَادِسِ - مِنْ رُوَادِ النَشَاطِ المُعْجَمِيُ النَّقْدِيِّ؛ إِذْ أَوْلاَهُ عِنَايَةً خَاصَةً، وأَلَّفَ فِيهِ كِتَابَهُ المَعْرُوفَ (التَّنْبِيهَ والإِيضَاحَ عَمَّا وَقَعَ فِي الصِّحَاحَ) وَهُوَ المَشْهُورُ عِنْدَ العُلَمَاءِ - قَدِيماً وَحَديثاً بـ (حَواشِي ابْنِ برِّي) عَلَى الصِّحَاحِ، وسُمِّيَ بـ (أَمَالِي ابْنِ برِّي) كَمَا وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي مُقَدِّمَةِ (اللِّسَانِ) .1 وَيُعَدُّ (التَنْبِيهُ والإيضَاحُ) مِنَ المُعَاجِمِ القَيِّمَة؛ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْدٍ، وَمَلْحُوظَاتٍ، واسْتِدْرَاكَاتٍ، ورُدُودٍ، وتَصْوِيبَاتٍ؛ يَرْفَعُ تَدَارُكُهَا مِن قَدْرٍ (الصِّحَاحِ) ويُضَاعِفُ الإِفَادَةَ مِنْهُ. وَقَدْ عَرَفَ العُلَمَاءُ وطَلَبَةُ العِلْمِ - مُنْذُ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ - قَدْرَهُ؛ فَتَدَاوَلُوه، وجَعَلَهُ ابْنُ مَنْظُورٍ أَحَدَ مَصَادِرِهِ الخَمْسَةِ الَّتِي بَنَى عَلَيهَا مُعْجَمَهُ (لِسَانَ العَرَبِ) . وتَرْجِعُ أَهْمِيَةُ الكِتَابِ لِكَوْنِهِ - أَيْضاً - "مِنْ كُتُبِ اللَّغَةِ القَلاَئِلِ الَّتِي تَوَفَّرَ لمُؤَلِّفِيهَا عُمْقُ النَّظْرَةِ، ودِقَّةُ الرُّؤْيَةِ، وكَثْرَةُ المحْفُوظِ، وسَعَةُ الاطِّلاَعِ، إِلَى جَانِبِ العِنَايَةِ الفَائِقَةِ بالنَّحْو والصَّرْفِ"2. وكَانَ ابْنُ برِّي قَدْ عَلَّقَ هَذِهِ الحَوَاشِي عَلَى طُرَرِ نُسْخَتِهِ مِن مُعْجَمِ (الصِّحَاحِ) للجَوْهَرِيِّ، ثُمَّ أُتِيحَ لَهَا مَن جَرَّدَهَا مَن أَصْلِهَا، وأَفْرَدَهَا؛   1 ينظر: اللّسان 1/7. 2البحث اللغوي عند العرب 242، وفيات الأعيان 3/108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 883 فَجَاءت فِي سِتَّةِ مُجَلَّدَاتٍ؛ كَمَا قَالَ القِفْطِيُّ 1 وقَدْ رُوعِيَ فِيهَا تَرْتِيبُ أَصْلِهَا. ووَصَلَ إِلَينَا مِن هَذَا الكِتَابِ بَعْضُ النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ، تَنْتَهِي جَمِيعُهَا عِنْدَ مَادَةِ (وق ش) مِنْ بَابِ الشِّينِ. وعَلَى هَذِهِ النَّسَخِ حَقَّقَ الأُسْتَاذُ مُصْطَفَى حِجَازِيّ الكِتَابَ، ونَشَرَهُ مَجْمَعُ اللَّغَةِ العَرَبِيَّةِ بِالقَاهِرَةِ سَنَة 1980م. وقَدْ أَثَارَ ظُهُورُ الكِتَابِ سُؤَالاً؛ وهُوَ: هَلْ أَكْمَلَ ابْنُ برِّي كِتَابَهُ؛ أَوِ انْتَهَى فِيهِ إِلَى مَادَةِ (وق ش) كَمَا جَاءَ فِي النُسَخِ؟ فَثَمَّةَ قَولٌ لَلصَّفْدِيِّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ برِّي لَمْ يُكَمِّلْ حَوَاشِيهِ، وأَنَّهَا أُكْمِلَت بَعْدَهُ بِسَنَتَينِ. وقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ السَيُوطِيُّ فِي قَولِهِ: "قَالَ الصَّفْدِيُّ: لَمْ يُكْمِلْهَا، بَلْ وَصَلَ إِلَى (وق ش) وَهُوَ رُبْعُ الكِتَابِ؛ فَأَكْمَلَهَا الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ البُّسْطِيُّ"2. ثُمَّ دَخَلَ طَرَفٌ ثَالِثٌ فِي تَأْلِيفِ الكِتَابِ؛ وَهُوَ ابْنُ القَطَّاعِ؛ شَيْخُ ابْنِ برِّي؛ فَقَدْ ذَكَرَ الحَاجُّ خَلِيفَةُ أَنَّ ابْنَ القَطَّاعِ ابْتَدَأَ هَذِهِ الحَواشِي فَبَنَى ابْنُ برِّي عَلَى مَا كَتَبَ شَيْخُهُ؛ فَوَصَلَ إِلَى مَادَّةِ (وق ش) فَأَكْمَلَهَا بَعْدَهُ البُسْطِيُّ 3. وانْتَهَى الأُسْتَاذُ حِجَازِيُّ - بَعْدَ طُولِ بَحْثٍ - إِلَى أَنَّ هَذِهُ   1 ينظر: إنباه الرواة2/111. 2 بغية الوعاة 2/34. 3 ينظر: كشف الظّنون 2/107. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 884 الحَوَاشِي هِيَ لابْنِ برِّي وَحْدَهُ، وأَنَّهُ أَتَمَّهَا، وبَلَغَ بِهَا آخِرَ الصِّحَاحِ. ومِن أَهَمِّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وُجُودُ نُقُولٍ عَنِ ابْنِ برِّي بَعْدَ مَادَّةِ (وق ش) فِي (لِسَانِ العَرَبِ) وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ إَلَى نِهَايَةِ اللِّسَان، ومَعْزُوَّةٌ لابْنِ برِّي. ودَرَسَهَا المُحَقِّقُ؛ فَوَجَدَهَا مُطَابِقَةً لِمَا قَبْلَ مَادَّةِ (وق ش) فِي أُسْلُوبِهَا، ومَا تُثِيرِهُ مِن مَوْضُوعَاتٍ. ولَمَّا كَانَ ابْنُ مَنْظُورٍ قَرِيبَ عَهْدٍ بِابْنِ برِّي، وعَاشَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ مِصْرُ؛ فَقَد رَجَّح المُحَقِّقُ أَن يَكُونَ ابْنُ مَنظُورٍ تَوَفَّرَ عَلَى نُسْخَةٍ مِنَ الصِّحَاح عَلَيهَا حَواشِي ابْنِ برِّي، ورُبَّمَا تَوَفَّرَ عَلَى نُسْخَةِ ابْنِ برِّي نَفْسِهَا 1. ويُقَوِّي هَذَا الاحْتِمَالَ قَولُ القِفْطِيّ - فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ برِّي - إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ "بِيعَتْ كُتُبُهُ، وحَضَرَهَا الجَمُّ الغَفِيرُ مِنَ الأَجِلاَّءِ بِمِصْرَ"2 فَغَير بَعِيدٍ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ النُسْخَةُ وَصَلَتْ - فِيمَا بَعْدُ - إِلَى ابْنِ مَنْظُورٍ. وقَولُ القَفْطِيِّ عَنْ حَوَاشِي ابْنِ بَرِيّ إِنَّهَا نُقِلَت عَن أَصْلِهَا، وأُفْرِدَت فِي سِتَّةِ مُجَلَدَاتٍ يَجْعَلُهَا - بِهَذَا الكَمِّ - مُمَاثِلَةً لِكِتَابِ (التَّكْمِلَةِ) للصّغانيِّ، فَهُوَ فَي سِتَّة مُجَلَّدَاتٍ - أَيضاً - ومفْهُومُ المُجَلَد سَواءٌ؛ لأَنَّ العَصْرَ واحدٌ. تحْلِيلُ النَّقْدِ المُعْجَمِيِّ عِنْدَ ابْنِ برِّي: الْتَزَمَ ابْنُ برِّي طَرِيقَةً جَاءَت مُطَّرِدَةً فِي عُرْضِ كِتَابِه، فِي أَغْلَبِ   1 ينظر: التّنبيه والإيضاح 1/9-14 (مقدّمة المحقّق) . 2 انباه الرّواة 2/111. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 885 المَوَادِّ؛ وهِيَ أَن يَخْتَارَ جُزْءاً مِن كَلاَمِ الجَوْهَرِيِّ؛ فَيَتَنَاوَلُهُ بالنَقْدِ، أَوِ التَعْلِيقِ، أَوِ الاسْتِدْرَاكِ، أَوِ الشَّرْحِ. ومِنَ المُمْكِنِ إِيجَازُ العَنَاصِرِ النَّقْدِيَّةِ فِي كِتَابِهِ فِيمَا يَلي: نَقْدُ تَدَاخُلِ الأُصُولِ. نَقْدُ الأَحْكَامِ الصَّرْفِيَّةِ أَوِ النَّحْوِيَّةِ. نَقْدُ الأُسْلُوبِ. التَّنْبِيهُ عَلَى التَّصْحِيفِ أّوِ التَّحْريفِ. التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ المَوَادِّ أَوِ الكَلِمَاتِ. ضَبْطُ بَعْضِ الكَلِمَاتِ، أَو تَصْحِيحُ ضَبْطِهَا. ويَعْنِينَا - هُنَا - العُنْصُرُ الأَوَّلُ، وهُوَ تَدَاخُلُ الأُصُولِ، فَقَدْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ بَارِزٌ فِي كِتَابِ ابْنِ برِّي إِذِ اجْتَذَبَتِ الأُصُولُ قَدْراً صَالِحاً مِنِ اهْتِمَامِهِ النَّقْدِيِّ، نُطَالِعُهُ بَيْنَ الفَيْنَةِ والفَيْنَةِ فِي الكِتَابِ، وقَدْ حَاوَلْتُ جَمْعَ تِلْكَ المَوَاضِعِ مِنَ الجُزْءينِ المَطْبُوعَيْنِ مِنَ الكِتَابِ، واسْتَكْمَلْتُهَا مِمَّا جَاءَ مَعْزُوا ً لابْنِ برِّي بَعْدَ مَادَّةِ (وق ش) فِي (اللِّسَانِ) فَبَلَغَتِ المَوَاضِعُ النَقْدِيَّةُ نَحْوَ سَبْعِين مَوْضِعاً1.   1 ينظر: التنبيه والإيضاح (أبأ) 1/3، (بثأ) 1/6، (جأجأ) 1/8، (حبطأ) 1/11، (ختأ) 1/13، (ظمأ) 1/23، (فيأ) 1/25، (ورأ) 1/34، (ترب) 1/45، (تلب) 1/45، (حوت) 1/70، (أست) 1/155، (دجج) 1/204، (دحح) 1/233، (قلح) 1/264، (يوح) 1/280، (أسد) 2/6، (ددد) 2/12، (عدد) 2/38، (ميد) 2/56، (لذذ) 2/72، (صرر) 2/147، (قسر) 2/188، (زيز) 2/243. واللسان (صيص) 7/52، (قضض) 7/223، (أرط) 7/255، (فلسط) 7/373، (نبع) 8/347، (أشف) 9/6، (نوف) 9/343، (أرق) 10/5، (حدق) 10/40، (روق) 10/135، (ريق) 10/136، (نيق) 10/351، (زنك) 10/437، (عكك) 10/469، (ملك) 10/496، (جعل) 11/156، (ندل) 11/655، (وأل) 11/717، (يلم) 12/647، (أفن) 13/20، (برن) 13/50، (برزن) 13/51، (بلهن) 13/58، (دبن) 13/147، (رفن) 13/184، (زون) 13/201، (سطن) 13/208، (شرن) 13/235، (صفن) 13/249، (هأن) 13/340، (كون) 13/365، (لهن) 13/393، (مأن) 13/398، (هأن) 13/430، (لوء) 13/539، (أشأ) 14/37، (بذو) 14/69، (جبي) 14/129، (خما) 14/243، (درحى) 14/256، (طآ) 15/3، (هنا) 15/367. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 886 َيْدَ أَنَّ ابْنِ برِّي لَم يَسْتَوْعِبْ فِي كِتَابِهِ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوَجّهَ إلَى (الصِّحَاحِ) مِنْ نَقْدٍ فِي الأُصُولِ؛ فَقَد وَجَّهَ الصَّغَانِيُّ فِي (التَكْمِلَةِ) والفَيْرُوزَابَادِيُّ في (القَامُوسِ) - وغَيْرُهُمَا - مَلْحُوظَاتٍ عَلَى (الصِّحَاحِ) فِي الأُصُولِ لَم يَتَعَرَضْ لَهَا ابْنُ برِّي، وهُوَ أمْرٌ طَبَعِيٌّ فِي كِتَابٍ يُعَدُّ مِن بَوَاكِيرِ النَّقْدِ المُعْجَمِيِّ. ويُمْكِنُ الكَلاَمُ عَلَى نَقَدَاتِ ابْنِ برِّي مِن خِلاَلِ نِقَاطٍ ثَلاثَةٍ؛ كَمَا يَلِي: أ- التَوْزِيعُ الإِحْصَائِيُّ للنُّقَدَاتِ: اسْتَأُثَرَ التَدَاخُلُ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ باهْتِمِامِ ابْنِ برِّي؛ وقَد انحَصَرَ فِي التَّدَاخُلِ بَيْنَ الثُلاَثُيِّ والثُلاَثُيِّ؛ فَجَاءَ فِي ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ مَوْضَعاً؛ وَهُوَ يَعْدلُ مَا نِسْبَتُهُ82.85% مِن جُمْلَةِ المَوَاضِعِ النَّقْدِيَّةِ عِنْدَهُ. ولَم يتَعَرَضِ ابْنُ برِّي فِي كِتَابِهِ للتَّدَاخُلِ بَيْنَ الرُّبَاعِيِّ والرُّبَاعِيِّ، أو الخُمَاسِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 887 ييعدل ما نسبته 82,85 % من جملة المواضع النقدية عنده. ولم يتعرض ابن بري في كتابه للتداخل بين الرباعي أو الخُمَاسِيِّ، وتَفْسِيرُ ذَلِكَ هُوَ فِي قِلَّةِ الأَصْلَينِ، وَفِي قِلَّةِ التَّدَاخُلِ فِيهِمَا، وَلا سِيَّمَا الخُمَاسِيِّ والخُمَاسِيِّ، وعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي البَابِ الثَانِي1. أمَّا التَّدَاخُلُ بَيْنَ بِنَاءينِ فَلَم يَسْتَأْثرْ باهتَمَامِ ابْنِ برِّي، وانحَصَرَ مَا جَاءَ مِنْهُ فِي التَّدَاخُلِ بَيْنَ الثُلاَثِيِّ والرُّبَاعِيِّ، وجَاءَ فِي اثْنَي عَشَرَ مَوْضِعاً؛ مَا يَعْدلُ 17.14% مِمَّا فِي الكِتَابِ مِن تَدَاخُلٍ، وَهِيَ نِسْبَةٌ قَلِيلَةٌ. وهَذَا يَعْنِي أَنَّ ابْنَ برِّي قَد أَهْمَلَ التَّدَاخُلَ بَيْنَ الثُلاَثِيِّ والخُمَاسِيِّ، وكَذَلِكَ تَدَاخُل الرُّبَاعِيِّ والخُمَاسِيِّ. وقَدْ تَنَوَّعَتْ مَلْحُوظَاتُهُ فِي تَدَاخُلِ الثُلاَثيِّ والثُلاَثِيِّ؛ فَشَمِلَتْ تَدَاخُلَ الصَّحِيحِ والمُعْتَلِّ، والمَهْمُوزِ والمُعْتَلِّ، والصَّحِيحِ والصَّحِيحِ، والمُعْتَلِّ والمُعْتَلِّ؛ ولَعَلَّ وَرَاءَ ذَلَكَ كَثْرَةَ التَّدَاخُلِ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ الأَرْبَعَةِ. ب- مَنْهَجُ ابْنِ برِّي فِي النَّقْد: الْتَزَمَ ابْنُ برِّي بِمَنْهَجِ القَافِيَةِ فِي التَّرتِيبِ، وقَد غَلَبَ - عَلَى طريقَتِهِ - نِظَامُ التَّحْشِيَةِ؛ الَّذِي شَاعَ فِيمَا بَعْدُ؛ وَهُوَ أَن يَنْتَقِي نَصّاً مُعَيَّناً مِن كَلاَمِ الجَوْهَرِيِّ فِي مَادَّةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَيُعَلِّق عَلَيهِ. بِمَا يَجُودُ بِهِ عِلْمُهُ؛ وهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ مُضْطَرٌّ إِلَى تَرْكِ كَثِيرٍ مِنَ المَوَادِّ الَّتِي لَم يَدْخُلْهَا النَّقْدُ. وكَانَ يُرَوِاحُ - فِي طَرِيقَتِهِ فِي الاسْتِدْلال - بَيْنَ إصْدَارِ الأَحْكَامِ المُطْلَقَةِ غَيْرِ المُعَلَّلَةِ، والأَحْكَامِ المُعَلَّلَةِ؛ الَّتِي كَانَ يَسْتَدِلُّ فِيهَا بالأَدِلَّة   1 ينظر: ص (543) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 888 الصَّرْفِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ، ويَسْتَأْنِسُ بِأَقْوَالِ العُلَمَاءِ، ويَسْتَعِينُ بِالشَّوَاهِدِ. فَمِن أَحْكَامِهِ المُطْلَقَةِ قَوْلُهُ مُنتَقِداً الجَوْهَرِيَّ: "وأَهْمَلَ - أَيْضاً مِنْ هَذَا البَابِ - بَثَأَ. وَبَثَاءُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ، وأَنْشَدَ المُفَضَّلُ: بِنَفْسِي مَاءُ عَبْشَمْسِ بنُ سَعُدٍ غَدَاةُ بَثَاءَ إِذْ عَرَفُوا اليَقِيْنَا وقَدْ ذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ البَاءِ مِنَ المُعْتَلِّ؛ وهَذَا مَوْضِعُهُ" 1. وقَوْلُهُ مُعْتَرِضاً عَلَى وَزْنِ (عَكَوَّكٍ) عِنْدَ الجَوْهَرِيِّ 2: عَكَوَّكٌ: فَعَوَّلٌ، ولَيْسَ (فَعَلَّعَ) كَمَا ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ 3. أَمَا الطَرِيقَةُ الثَانِيَةُ فَإِنَّهَا كَادَتْ تَكُونُ لَهَا الغَلَبَةُ فِي كِتَابَةِ؛ إِذْ نَجِدُهُ يُصْدِرُ الأَحْكَامَ النَّقْدِيَّةُ مُعَلَّلَةً؛ لإِقْنَاعِ قَارِئِهِ، وكَانَ يَخْتَارُ لِكُلِّ مَوْضَعٍ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الأَدِلَّةِ والتَّعْلِيلاَتِ الصَّرْفِيةِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ - فِي أَكْثَرِ نَقْدَاتِهِ - إِلَى الاخْتِصَارِ؛ كَقَوْلِهِ مُسْتَدِلاً بِخَصَائِصِ بَعْضِ الحُرُوفِ فِي الزِّيَادَةِ "دِرْحَايَةٌ يَنْبَغِي أَن يَكُونَ فِي الحَاءِ وفَصْلِ الدَّالِ واليَاءُ آخِرَهُ زَائِدَهٌ؛ لأَنَّ اليَاءَ لا تَكُونُ أَصْلاً فِي بَنَاتِ الأَرْبَعَة"4. وَقَوْلُهُ مُنْتَقِداً الجَوْهَرِيَّ لِجَعْلِهِ (الحَوْأَبَ) فِي (ح وب) 5:   1 التنبيه والإيضاح (بثأ) 1/6. وفيه (ما عَبُشَّمس) وهو تحريف. وينظر: اللّسان (بثأ) 1/26. 2 ينظر: الصِّحاح (عكك) 4/1601. 3 اللّسان (علك) 10/469. 4 اللّسان (درحى) 14/256. 5 ينظر: الصّحاح 1/117. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 889 "كَان حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ الحَوْأَبَ فِي فَصْلِ (ح أب) لأَنَّ الوَاوَ فِيهِ زَائِدَةٌ؛ وَلأَنَّ الهَمْزَةَ لا تُزَادُ وَسَطاً؛ إِلاَّ فِي أَلْفَاظٍ مَعْدُودَةٍ؛ فَوَزْنُهُ - إِذَن (فَوْعَل) لا (فَعْأَل) كَمَا ظَنَّهُ الجَوْهَرِيُّ"1. وَكَانَ ابْنُ برِّي - يَسْتَعِينُ - فِي تَعْلِيلاَتِهِ - بِالإِعْرَابِ بالحُرُوفِ، وبِعَدَمِ النَّظِيرِ، كَقَوْلِهِ مُنْتَقِداً الجَوْهَرِيِّ لِذِكْرِهِ (يَبْرِين) فِي (ب ر ن) 2: حَقُّ يَبْرِينَ أَن يَذْكُرَ فِي فَصْلِ (ب ر ي) مِن بِابِ المُعْتَلِّ؛ لأَنَّ يَبْرِينَ مِثْلُ يَرْمِينَ … والدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُم: يَبْرُونَ؛ فِي الرَّفْعِ، ويَبْرِينَ فِي النَّصْبِ والجَرِّ؛ وهَذَا قَاطِعٌ بِزَيَادَةِ النُّونِ … ولا يَجُوزُ أَن يَكُونَ يَبْرِينَ فَعْلِينَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لَهُ نَظِيرٌ؛ وإِنَّمَا فِي الكَلاَمِ فِعْلِين؛ مِثْلُ غِسْلِين) 3. وقَدْ يَسْتَعِينُ بِالجَمْعِ والتَّصْغِيرِ؛ كَقَولِهِ مُنْتَقِداً الجَوهَرِيِّ4 لِجَعْلِهِ (الأسْطُوَانَة) عَلَى زِنَةِ (أُفْعُوَالَةِ) مِثْل: أُقْحُوَانَةٍ: "وَزْنُهَا (أُفْعُلانة) ولَيْسَتْ (أُفْعُوَالَة) كَمَا ذكر؛ يَدُلُّكَ عَلَى زِيَادَةِ النُّونِ قَولُهُم فِي الجَمْعِ: أَقَاحِي وأَقَاحٍ، وقَوْلهُهُم فِي التَّصْغِيرِ أُقَيْحِيَة … وأَمَّا أُسْطُوَانَةٌ فَالصَّحِيحُ فِي وَزْنِهَا: (فُعْلُوَانَة) لِقَوْلِهِمْ فِي التَّكْسِيرِ: أَسَاطِين، كَسَرَاحِين، وفِي التَّصْغِيرِ   1 التنبيه والإيضاح (حوب) 1/70. 2 الصِّحاح 5/2078. 3 اللّسان (برن) 13/50. 4 ينظر: الصِّحاح (سطن) 5/2135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 890 أُسَيطِينَةٌ كَسُرَيحِين"1. وقَدْ يَسْتَعِينُ بِالحَمْلِ عَلَى التَّوَهُّمِ؛ كَقَوْلِهِ فِي: أُسْطُوَانَةٍ - أَيْضاً - "وَلاَ يَجُوزُ أَن يَكَوَ وَزْنُهَا أُقْعُوَالَة؛ لِقِلَّةِ هَذَا الوَزْنِ، وَعَدَمِ نَظِيرِهِ، فَأَمَّا مُسَطّنَنةٌ ومُسَطّنٌ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَشَيْطَنَ، فَهُوَ مُتَشَيْطِنٌ، فِيمَن زَعَمَ أَنَّهُ مِن شَاطَ يُشِيطُ؛ لأَنَّ العَرَبَ قَدْ تُشْتَقُّ مِنَ الكَلِمَةِ وتُبْقِي زَوَائِدَهَا، كَقَولِهِم: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ"2 ورُبَّمَا خَرَجَ ابْنُ برِّي - فِي بَعْضِ تَوْجِيهَاتِهِ إِلِى مَذْهَبِ ابْنِ فَارِسٍ فِي النَّحْتِ، ويَظْهَرُ ذَلِكَ بِوُضُوحٍ فِي انتِقَادِهِ الجَوهَرِيَّ لِجَعْلِهِ (القِلْحَمَّ) وَهُوَ المُسِنُّ - فِي الثُّلاَثِيِّ (ق ل ح) عَلَى أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِجِرْدَحْلٍ بِزِيَادَةِ المِيمِ فِي آخِرِهِ، قَالَ: "صَوَابُ قِلْحَمٍّ أن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ (ق ل ح) لأَنَّ فِي آخِرِهِ مِيمَينِ؛ إِحْدَاهُمَا أَصْلِيَّةٌ، والأُخْرَى زَائِدَةٌ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ للمُسِنِّ: قَحْمٌ؛ فَالمِيمُ الأَخِيرَةُ فِي: قِلْحَمٍّ زَائِدَةٌ لِلإلْحَاقِ، كَمَا كَانَتِ البَاءُ الثَّانِيَةُ فِي: جَلْبَبَ زَائِدَةً للإِلْحَاقِ بِدَحْرَجَ. وإِنِّمَا أُتِيَ باللاَّمِ فِي قِلْحَمٍّ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ قَحْلٌ قَحْمٌ؛ فَرُكِّبَ اللَّفْظُ مِنْهَمَا"3 وقَدْ صَرَّحَ ابْنُ برِّي بِمَصَادِرِهِ فِي النَّقْدِ المُعْجَمِيِّ، الَّتِي تُعَدُّ نَوَاةَ ذَلِكَ النَّقْدِ، إذْ كَانَ يَسْتَأْنِسُ بأَقْوَالِ العُلَمَاءِ وآرَائِهِم؛ ومِن أَبْرَزِهِم   1 ينظر: الصّحاح (سطن) 13/208. 2 ينظر: الصحاح (سطن) 13/208. 3 التنبيه والإيضاح (قلح) 1/264. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 891 سِيْبَوَيْهِ1 والمُبَرِّدُ2 والزَّجَّاجُ3 وأبُو الطِّيِّبِ اللُّغَوِيُّ4 وأبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ5 وأَبُو بَكْرٍ الزُّبَيْدِيِّ 6. وكَانَ ابْنُ برِّي يَسْتَعِينُ فِي نَقْدِهِ الأُصُولِ عِنْدَ الحَاجَةِ بالشَوَاهِدِ المُخْتَلِفَةِ؛ بَيْدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَلِيلاً، وجُلُّهُ مِنَ الشِّعْرِ.7 وتَخَطَّى ابْنُ برِّي فِي شَوَاهِدِهِ عُصُورَ الاحْتِجَاجِ، واسْتَدَلَّ بِشِعْرِ المُوَلِّدِينَ؛ كَأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي، والمَعَرِّي؛ فَقَدْ رَدَّ عَلَى الجَوْهَرِيِّ؛ لِقَوْلِهِ فِي (ظ م أ) إِنَّهُم يَقُولُونَ للفَرَسِ: إِنَّ فُصُوصَهُ لَظِمَاء؛ أيْ لِيْسَت بِرَهْلَةٍ كَثِيرَةِ اللّحَمِ 8 فَقَالَ ابْنُ بَرِّي مُسْتَدِلاًّ بِشِعْرٍ لأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي: "ظِمَاءٌ - هَا هُنَا - مِن بَابِ المُعْتَلِّ اللاَّمِ، ولَيْسَ مِنَ المَهْمُوزِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِم: سَاقٌ ظَمْيَاءُ؛ أَيْ قَلِيلَةُ اللَّحْمِ، وعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي: فِي سَرْجِ ظَامِيَةِ الفُصُوصِ طِمِرَّةٍ ... يَأبَى تَفَرُّدُهَا لَهَا التَّمْثِيْلا 9   1 ينظر: التنبيه والإيضاح (درأ) 1/34. 2 ينظر: اللّسان (برن) 13/50. 3 ينظر: اللسان (أفن) 13/203. 4 ينظر: التنبيه والإيضاح (طمأ) 1/23. 5 ينظر: التنبيه والإيضاح (يوح) 1/280. 6 ينظر: التنبيه والإيضاح (زنك) 10/437. 7 ينظر: التنبيه والإيضاح (بثأ) 1/6، واللسان (زون) 13/201، و (شرف) 13/235، و (لهن) 13/393، و (درحى) 14/256، و (طآ) 15/3. 8 الصِّحاح 1/61. 9 ينظر: ديوان المتنبي 3/241، وفيه ((ظامئة)) بالهمز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 892 وكَانَ أَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ: إِنَّمَا قُلْتُ: ظَامِيَةٌ - بِاليَاء - مِن غَيْرِ هَمْزٍ؛ لأَنِّي أَرَدْتُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَهْلَةٍ كَثِيرةِ اللَّحْمِ".1 أَمَا أسْلُوبُ ابْنِ بَرِّي فِي الاعْتِرَاضِ عَلَى الجَوْهَرِيِّ فَكَانَ يَمِيلُ فِيهِ إِلَى العِبَارَاتِ الرَّقِيقَةِ الدَّقِيقَة؛ كَقَولِهِ: هَذَا سَهْوٌ،2 أو: لَيْسَ مِن هَذَا البَابِ،3 أو: يَنبَغِي أَن تُذْكَرَ فِي كَذَا،4 أَوْ حَقَّهُ أَن يُذْكَرَ فِي بَابِ كَذَا5. وقَدْ كَانَ الزُّبَيدِيُّ يَمْتَدِحُ أُسْلُوبَ ابْنِ بَرِّي فِي نَقْدِهِ فِي مُقَابِلِ أُسْلُوبِ الفَيرُوزَابَادِيِّ. ج- نَقَدَاتُهُ فِي المِيزَانِ: غَلَبَ الإنصَافُ عَلَى ابْنِ بَرِّي فِي انتقَادِهِ الجَوهَرِيَّ فِي التَدَاخُلِ؛ وتَمَثَّلَ ذَلَكَ فِي دِقَّتِهِ فِي اخْتِيَارِ مَوَاضَعِ النَّقْدِ، وحِرْصِهِ عَلَى تَجَنُّبِ تَخْطِئَته بِغَيرِ دَلِيلٍ قَوِيٍّ؛ وقَدْ كَانَ هَذَا دَأْبَهُ فِي جُلِّ اعْتِراضَاتِهِ. وأَسُوقُ فِيمَا يَلِي مِثَالَينِ لِذَلِكَ: 1- ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ فِي مَادَة (أس ت) قَوْلَهُمْ: مَا زَالَ عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ مَجْنُوناً؛ أَيْ: لَمْ يَزِلْ يُعْرَفُ بالجُنُونِ؛ وعَلَيهِ قُوْلُ الشَاعِرِ:   1 التنبيه والإيضاح (ظمأ) 1/23. 2 ينظر: التنبيه والإيضاح (فيأ) 1/25، واللسان (كون) 13/365. 3 ينظر: اللّسان (طآ) 15/3. 4 ينظر: اللسان (درحى) 14/256. 5 اللسان (جبى) 14/129. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 893 مَا زَالَ مُذْ كَانَ عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ ... ذَا حُمُقٍ يَنْمِي وعَقْلٍ يَحْرِي 1 فَقَالَ ابْنُ برِّي فِي نَقْدِهِ: "قَدْ وَهِمَ فِي هَذَا الفَصْلِ - بِأَن جَعَلَ اسْتاً فِي فَصْلِ (أس ت) وإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي (س ت ?) وقَدْ ذَكَرَهُ - أيْضاً - فِي ذَلِكَ المَوْضِعِ؛ وَهُوَ الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ هَمْزَةَ اسْتٍ مَوْصُولَةٌ بِإِجْمَاعٍ؛ وإذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَهِيَ زَائِدَةٌ".2 ومَا ذَكَرهُ ابْنُ برِّي هُوَ الصَحِيحِ فِي أَصْلِ هِذِهِ الكَلْمَةِ. 2- ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ فِي النُّونِ (لَهِنَّكَ) وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِندَ التَّوْكِيدِ3 فَقَالَ ابْنُ برِّي فِي نقْدِهِ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ لَهِنَّكَ فِي فَصْلِ (ل ? ن) ولَيْسَ مِنْهُ؛ لأَنَّ اللاَّمَ ليْسَتْ بأَصْلِ؛ وإِنَّمَا هِيَ لاَمُ الابْتِدَاءِ؛ والهَاءُ بَدَلٌ مِن هَمْزَةِ إِنَّ، وإِنَّمَا ذَكَرَهُ - هُنَا - لمَجِيئِهِ عَلَى مِثَالِهِ فِي اللَّفْظِ".4 ومِن آيَاتِ الإِنْصَافِ عِندَ ابْنِ برِّي أَنَّهُ يَنْتَقِدُ الجَوْهَرِيَّ، ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَيهِ إِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِ؛ فَيَبْحَثُ لَهُ عَن مَخْرَجٍ يُحْمَلُ كَلاَمُهُ عَلَيهِ، ويَدْفَعُ عَنْهُ الوَهْمَ؛ فَلاَ يَتَرَدَّدُ فِي ذِكْرِهِ؛ مَعَ أَنَّهُ يَنقُضُ مَا بَدَأَ بِهِ مِن نَقْدٍ؛ كَاعْتِرَاضِهِ عَلَى الجَوْهَرِيِّ لِجَعْلِهِ قَوْلَهُم: امْرَأْةٌ جَبْأَى؛ أَيْ: قَائِمَةُ الثَّدْيينِ   1 ينظر: الصِّحاح 1/341، ويقال: الحُمْق والحُمْق؛ وهو قلّة العقل، وينظر اللّسان (حمق) 10/67. 2 التنبيه والإيضاح (أست) 1/155. 3 ينظر: الصِّحَاحِ (لهن) 6/2197. 4 اللّسان (لن) 13/393. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 894 - فِي مَادَّةِ (ج ب ي) 1 فَانْتَقَدَهُ ابْنُ برِّي بِأَنَّ (جَبْأَى) بِهَذَا المَعْنَى لَيْسَت مِن (الجَبَا) المُعْتَلِّ اللاَّمِ؛ وإِنَّمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِن قَوْلِهِم جَبَأَ عَلَينَا فُلاَنٌ؛ أَيْ: طَلَعَ؛ فَحَقُّهُ أَن يَذْكَرَ فِي مَادَّةِ (ج ب أ) مِن بَابِ الهَمْزَةِ. ولَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ ثَمَّةَ وَجْهاً فِي العَرَبِيَّةِ لِصَنيعِ الجَوْهَرِيِّ؛ لَم يَتَرَدَّدْ فِي حَمْلِهِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ: "وكَأَنَّ الجَوْهَرِيَّ يَرَى الجَبَا التُّرَابَ؛ أَصْلُهُ الهَمْزُ؛ فَتَرَكَتِ العَرَبُ هَمْزَهُ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَ جَبْأى مَعَ: الجَبَا؛ فَيَكُونُ الجَبَا مَا حَوْلَ البِئْرِ مِن التُّرَابِ؛ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِم: الجَبْأَةُ مَا حَوْلَ السُّرَّةِ مِن كُلِّ دَابَّةٍ"2 ومِثْلُ هَذَا اعْتِرَاضُهُ عَلَى الجَوْهَرِيِّ لإِيْرَادِهِ فِي مَادَّةِ (ط أو) قَوْلَهُم: "مَا بِالدَّارِ طُوْئِيٌ؛ مِثَالُ طُوعِيٍّ؛ أَيْ: أَحَدٌ"3 بِأَنَّه لَيْسَ مِن هَذِهِ المَادَّةِ؛ بَلْ مِن مَادَّةِ (ط وأ) من بَابِ الهَمْزَة. ولَكِنَّهُ لَم يَلْبَثْ أن أوْجَدَ للجَوْهَرِيِّ سَبِيلاً يَجَعْلُ صَنِيعَهُ مَقْبُولاً؛ حَمْلاً عَلَى القَلْبِ؛ بِأَن يَكُونَ (طُؤْوِيّاً) بِتَقْدِيمِ الهمْزَة عَلَى الواو؛ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ؛ خِلاَفاً للكِلاَبِيِّينَ؛ الذِين يَقُولُون: طُوْئِيٌّ.4 وقَدْ أدَّى وَلَعُ ابْنِ برِّي بِنَقْدِ الأُصُولِ إِلَى شَيءٍ مِنَ التَّحَامُلِ عَلَى الجَوْهَرِيِّ - أَيْضاً - وتَخْطِئَتِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ وَجْهٌ قَوِيٌ؛ كانتِقَادِهِ وَضْعَهُ   1 ينظر: الصِّحَاحِ 6/2297. 2 اللّسان (جبى) 14/129. 3 الصِّحاح 6/2411. 4 ينظر: اللّسان (طآ) 15/3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 895 كَلِمَةَ (الخامِي) بِمَعْنَى الخَامِسِ فِي مَادَّةِ (خ م س) 1 فَقَالَ ابْنُ برِّي: "هَذَا يَنْبَغِي أن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ خ م و"2 والحَقًُّ أَنَّ مَذْهَبَ الجَوْهَرِيِّ فِي هَذِهِ الكَلِمَةِ هُوَ الأَقْوَى؛ لأَنَّ اليَاءَ مُبْدَلَةٌ مِنَ السِّينِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: "جَاءَ فُلاَنٌ خَامِساً وخَامِياً، وجَاءَ فُلاَنٌ سَادِساً وسَادِياً وسَاتاً … فَمَن قَالَ: سَادِسٌ بَنَاهُ عَلَى السُّدْسِ، ومَن قَالَ: سَاتّاً بَنَاهُ عَلَى سِتَّةٍ وستٍّ، والأََصْلُ سِدْسَةٌ؛ فَأَدْغِمَتِ الدَّالُ فِي السِّينِ؛ فَصَارَتْ تَاءً مُشَدَّدَةً. وَمَنْ قَالَ سَادِياً وخَامِياً أَبْدَلَ مِنَ السِّينِ ياءً"3 وعَلَى هَذَا فَإِنَّ مَوْضِعَ (الخَامِي) مَادَّةُ (خ م س) كَمَا فَعَلَ الجَوْهَرِيُّ. ومِمَا كَانَ للجَوْهَرِيِّ فِيهِ وَجْهٌ قَوِيٌّ إيْرَادُهُ (الفِئَةَ) فِي مَادَّةِ (ف ي أ) . قَالَ: "الفِئَةُ مِثَالُ الفِعَة: الطَائَفَةُ؛ والهَاءُ عِوَصٌ مِنَ اليَاءِ؛ التِّي نُقِصَت مِن وَسَطِهِ؛ أَصْلُهُ: فَيْءٌ، مِثَالُ فِيْعٍ؛ لأَنَّهُ مِن فَاءَ"4 فاعْتَرَضَ عَلَيهِ ابْنُ برِّي قَائلاً: "هَذَا سَهْوٌ؛ وأَصْلُهُ: فِئْوٌ؛ مِثْلُ: فِعْوٍ؛ فَالهَمْزَةُ هِيَ عَيْنٌ، لاَ لاَم، والمَحْذُوفُ هُوَ لاَمُهَا، وَهُوَ الوَاوُ؛ وَهِيَ مِن فَأَوْتُ؛ أَيْ: فَرّقْتُ؛ لأَنَّ الفِئَةَ   1 ينظر: الصِّحاح 3/924. 2 اللّسان (خما) 14/244. 3 إصلاح المنطق 301. 4 الصِّحاح 1/63. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 896 كالفِرْقَةِ؛ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لاَ مَا ذَكَرَهُ".1 والحَقُّ أَنَّ بَيْنَ عُلَمَاءِ العَرَبِيَّةِ فِي أَصْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ خِلاَفاً؛ فِفي أَصْلِهاَ مَذْهَبَانِ: أَحْدُهُمَا: مُوَافِقٌ لمَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ برِّي؛ أيْ: أَنَّ المَحْذُوفَ مِنهَا اللاَّمُ لاَ العَيْنُ؛ فَيَكُونُ أَصْلُهَا (ف أو) ووَزْنُهَا (فِعَة) وعَلَيهِ الخَلِيلُ؛ فَهِيَ عِندَهُ مِن: فَأَوْتُ رَأْسَهُ بالسَّيْفِ فَأْواً، وفَأَيْتُهُ فَأْياً؛ وَهُوَ ضَرْبُك قِحْفَهُ؛2حَتَّى يَنفَرِجَ عَنِ الدِّمَاغِ.3 ويَرَى الأَزْهَرِيُّ أَنَّهَا فِي الأَصْلِ: فِئْوَةٌ، عَلَى (فِعْلَة) فَنُقِضَ مِنهَا بِالحَذْفِ.4 وعَلِيهِ جَمَاعَةٌ؛ مِنْهَم: الزَّجَاجُ،5 وأَبُو عَلِيِّ الفَارِسِيُّ،6 وابْنُ جِنِّي.7 والآخَرُ: مُوَافِقٌ لمَا ذَهَبَ إِلَيهِ الجَوْهَرِيُّ؛ وَهُوَ أَنَّ المَحْذُوفَ فِي (الفِئَةَ) العَيْنُ، ووَزْنُهَا - حِينَئِذٍ - (فِلَة) وشْتِقَاقُهَا مِن: الفَيْءِ، وَهُوَ: الرُّجُوعُ؛ ولِذَا قَالَ العُكْبَرِيُّ: "وَأَصْلُ فِئَةِ: فَيْئَةٌ؛ لأنَّهُ مِن فَاءَ يَفِيْءُ إِذَا   1 التنبيه والإيضاح 1/25. 2 القِحْفُ: العظم الَّذي فوق الدماغ. وينظر: اللّسان (قحف) 9/275. 3 ينظر: العين 8/407. 4 ينظر: التَّهذيب 15/580. 5 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/332. 6 ينظر: التكملة 163. 7 ينظر: الخصائص 2/296. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 897 رَجَعَ؛ فَالمَحْذُوفُ عَيْنُهَا".1 وذَكَرَهَا الرَّاغِبُ فِي مَادَّةِ (ف ي أ) وذَكَرَ أَنَّ الفِئَةَ: الجَمَاعَةُ المُتَظَاهِرَةُ؛ الَّتي يَرْجعُ بعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي التَّعَاضُدِ.2 ولَمْ يَبْتَعِدْ ابْنُ عَطِيَّةَ عَن هَذَا الرَّأْيِ؛ فالفِئََةُ عِنْدَهُ: الجَمَاعَةُ؛ الَّتي يُرْجَعُ إلَيهَا فِي الشَّدَائِدِ، مِن قَولِهِم: فَاءَ يَفِيْءُ؛ إِذَا رَجَعَ30 ومِمَن أَخَذَ بِهَذَا الرَّأْيِ: المُنْتَجَبُ الهَمْدَانِيُّ، 4 والفَيُّومِيُّ،5 والفَيْرُوزَابَادِيُّ،6 وابْنُ الطَّيِّبِ الفَاسِيُّ،7 وقَد حَكَى السَّمينُ الحَلَبِيُّ القَولَينِ، وذَكَرَ أَنَّ وَزْنَهَا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ (فِعَة) كَمِئَةٍ؛ إلاّ أنَّ لاَمَ مِئَةٍ يَاءٌ، ولاَمَ فِِئَةٍ وَاوٌ، وذَكَرَ أنَّ مَعْنَاهَا يَصِحُّ عَلَى الاشْتِقَاقَينِ؛ فَإِنَّ الجَمَاعَةَ مِنَ النَّاسِ يَرْجعُ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ؛ وَهُم - أَيْضاً - قِطْعَةٌ مِنَ النَّاسِ؛ كَقِطَعِ الرَّأْسِ المُكَسَّرَةِ. ومِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ نَسْتَطِيعُ القَوْلَ بِأَنَّ الجَوْهَرِيَّ لَم يُخْطِئْ، وإِنَّمَا أَخَذَ بِأَحَدِ الرَّأْيَيْنِ المُتَسَاوِيَينِ؛ بَيْنَمَا أَخَذَ ابْنُ برِّي بالآخَر، وبَنَى عَلَيهِ نَقْدَهُ.   1 التبيان 1/200. 2 ينظر: المفردات 650. 3 ينظر: المحرر الوجيز2/265. 4 ينظر: الفوائد في إعراب القرآن المجيد 1/491. 5 ينطر: المصباح 486. 6 ينظر: القاموس (فيأ) 61. 7 ينظر: التَّاج (فيأ) 1/99. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 898 المَبْحَثُ الثَّانِي: الصَّغَانِيُّ فِي (التَّكْمِلِةِ والذَّيْلِ والصِّلَةِ) لَهَذَا الكِتَابِ صِلَةٌ وَثِيقَةٌ بالصِّحَاح؛ إِذْ عُنِيَ مُؤلِّفُهُ فِيهِ باسْتِدْرَاكِ مَا أَغْفَلَه الجَوْهَرِيُّ فِي (الصِّحَاحِ) مِمَا هُوَ صَحِيحِ عَلَى شَرْطِهِ، وتَكْمِلَةِ مَا فَاتَ فِي الشَّرْحِ مِنَ المَعَانِي والشَّوَاهِدِ، وإِصْلاَحِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِن تَدَاخُلِ الأُصُولِ، أَوْ التَّنْبِيهِ عَلَيهِ، مَعَ عِنَايَةٍ خَاصَةٍ بِتَصْحِيحِ مَا أَوْرَدَهُ الجَوْهَرِيُّ مِن شَوَاهِدَ وَهِمَ فِي رِوَايَتِهَا أَو نِسْبَتِهَا، وقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِحِذْقٍ، وَجَمَعَ مِنَ المَادَّةِ اللُّغَوِيَةِ مَا أَرْبَى عَلَى (الصِّحَاحِ) إِذْ قُدِّرَ مَا اسْتَدْرَكَهُ عَلَى الجَوْهَرِيِّ بِنَحْوِ سِتِّينَ أَلْفَ مَادَّةٍ مِنَ النَّوَادِرِ والفَصِيحِ وصَحِيحِ اللُّغَةِ1 اسْتَفَادَهَا مِن نَحْوِ أَلْفِ مَصْدَرٍ؛ فِي غَرِيبَي القُرْآنِ والحَدِيثِ، وفِي اللُّغَةِ والنَّحْوِ والصَّرْفِ، وآدَابِ العَرَبِ، وأشْعاَرِهَا، وأَخْبَارِهَا، وآيَّامِهَا2 فَلاَ جَرَمَ أَن يَتَبَوَّأَ مَنْزِلَةً مَرْمُوقَةً بَيْنَ سَائِرِ المَعَاجِمِ؛ فَتَضَيَّفَهُ المُتَأَخِّرُونَ مَنَ المُعْجَمِيِّينَ فِي مْؤَلَّفَاتِهِم، وعَدُّوهُ فِي مَصَادِرِهِم المُقَدَّمَةِ. تَحْلِيلِ النَّقْدِ المُعْجَمِيِّ عِنْدَ الصَّغَانِيِّ: يَقُومُ كِتَابُ (التَّكْمِلَةِ) للصَّغَانِيِّ عَلَى جَانِبَينِ رَئِيسَينِ؛ هُمَا: التَّكْمِلَةُ والنَّقْدُ؛ والّذي يُعْنِينَا مِنْهُمَا - هُنَا - الجَانِبُ الثَّانِي، وقَدْ كَشَفَ المُؤَلِّفُ - فِي كِتَابِهِ - عَنْ نَظَرٍ نَقْدِيٍّ ثَاقِب جَعَلَهُ فِي مَصَافِّ رُوَادِ   1 ينظر: مقدمة الصِّحاح 168، وكتاب الشوارد 20. 2 ينظر: التكملة 1/8. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 899 النَّشَاطِ المُعْجَمِيِّ النَّقْدِيِّ. ويُمْكِنُ إيْجَازُ العَنَاصر النَّقْدِيَّةِ، فِي كِتَابِ الصَّغَانِيِّ، فِيمَا يَلِي: 1- نَقْدُ تَدَاخُلِ الأُصُولِ. 2- نَقْدُ الشَّوَاهِدِ ومَا يَتَّصِلُ بِهَا. 3- التَّنْبِيهُ عَلَى التَّصْحِيفِ والتَّحْرِيفِ. 4- نَقْدُ التَّفْسِيرَاتِ اللُّغَوِيَّةِ الخَاطِئَةِ.   وفِيمَا يَتَّصلُ بالعُنْصُرِ الأوّلِ اجْتَذَبَ التَّدَاخُلُ قَدْراً صَالِحاً مِنَ اهْتِمَامِ الصَّغَانِيِّ؛ فَجَاءَت مَلْحُوظَاتُهُ فِي هَذَا الجَانِبِ كَثِيرَةً، نَثَرَهَا فِي عِشْرِينَ ومِائَةِ مَوضِعٍ؛1 وهَذَا ضِعْفُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ برِّي تَقْرِيباً. 1 وهي على النحو التالي في كتاب التكلمة: (ثأثأ) 1/9، (حفسأ) 1/16، (زأزأ) 1/25، (فرقأ) 1/37، (قدأ) 1/42، (لجأ) 1/48، (تأب) 1/72، (خيب) 1/121، (ددب) 1/123، (عرب) 1/207، (ككب) 1/261، (أست) 1/297، (برت) 1/300، (خرت) 1/311، (كبرت) 1/332، (كنت) 1/336، (متت) 1/339، (غيث) 1/377، (زرج) 1/442، (مرتج) 1/492، (نفرج) 1/501، (طرمح) 2/70، (فيح) 2/80، (ندح) 2/116، (وجح) 2/122، (تنخ) 2/135، (نوخ) 2/184، (أبد) 2/188، 189، (أحد) 2/190، (أسد) 2/191، (فمهد) 2/325، (مصد) 2/343، (مقد) 2/344، (ميد) 2/347، (خنذ) 2/377، (سطر) 3/28، (شفر) 3/52، (شفتر) 3/52، (صمعر) 3/75، (قطمر) 3/172، (فنبر) 3/177، (قنسر) 3/178، (كنهر) 3/192، (كور) 3/193، (مدر) 3/195، (هير) 3/228، (حلز) 3/260،= = (زوز) 3/270، (عقر) 3/284، (قزز) 3/293، (كلز) 3/298، (لوز) 3/302، (مشلز) 3/303، (هرز) 3/312، (بلس) 3/327، (تنس) 3/329، (طنفس) 3/380، (عبدس) 3/383، (قوس) 3/415، (تعس) 3/421، (هرجس) 3/447، (ترش) 3/457، (شوش) 3/485، (نأش) 3/514، (نشش) 3/818، (أنض) 4/56، (ثرمط) 4/114، (شمحط) 4/144، (هرط) 4/189، (عنظ) 4/200، (تربع) 4/223، (دلثع) 4/251، (صتع) 4/295، (قفع) 4/336، (مدع) 4/357، (همقع) 4/391، 392، (همع) 4/391، (أخف) 4/434، (رقف) 4/481، (سوف) 4/497، (طلخف) 4/522، (عجف) 4/526، (قفف) 4/551، (كرف) 4/555، (كرنف) 4/556، (دهق) 5/56، (زندق) 5/70، (زوق) 5/78، (غرق) 5/127، (غرنق) 5/127، (فوق) 5/143، (نوف) 5/157، (هبنق) 5/170، (سبك) 5/207، (وأوّل فصل الباء من باب اللام) 5/265، (حتل) 5/309، (حنتل) 5/309، (عندل) 5/439، (قدفل) 5/481، (كول) 5/508، (مول) 5/520، (ندل) 5/527، (هذمل) 5/553، (همرجل) 5/562، (رأم) 6/30، (رمم) 6/38، (رهم) 6/40، 41، (مرهم) 6/150، (وأم) 6/160، (ترن) 6/200، (جدن) 6/206، (جين) 6/213، (ددن) 6/228، (درن) 6/228، (ربن) 6/237، (شرن) 6/257، (ضدن) 6/265، (علجن) 6/277، (مدن) 6/313، (أبه) 6/332، (شصا) 6/446، (شكى) 6/449، (قنا) 6/497. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 900 ويُمْكِنُ الكَلاَمُ عَمَّا فِي (التَّكْمِلَةِ) مِن خِلاَلِ النِّقَاطِ التَّالِيَةِ: أ- التَّوْزِيعُ الإحْصَائِيُّ للَّنَقَدَاتِ: اسْتَأُثَرَ التّدَاخُلُ بَيْنَ بِنَاءينِ مُخْتَلِفَينِ بِاهْتِمَامِ الصَّغَانِيِّ؛ فَوَجَّهَ جانباً مُهِمّاً مِن جُهْدِهِ لِنَقْدِهِ؛ فَجَاءت مَلْحُوظَاتِهِ فِيهِ فِي ثَلاَثَةٍ وسِتِّينَ مَوْضِعاً؛ اثْنَانِ وسِتُّونَ مَوْضِعاً فِيهَا لِتَدَاخُلِ الثُّلاثِيِّ والرُّبَاعِيِّ، ووَاحِدٍ للتَّدَاخُلِ بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 901 اثنان وستون موضعا فيها لتداحل الثلاثي والرباعي، وواحد للتداخل بين الرُّبَاعِيِّ والخُمَاسِيِّ؛ فِي حِيْنِ لَم تَتَجَاوَزْ مَلْحُوظَاتُهُ؛ فِي التَّدَاخُلِ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ؛ سَبْعَةً وخَمْسِينَ مَوْضِعاً؛ خَمْسَةٌ وخَمْسُونَ مِنْهَا لِتَدَاخُل الثُّلاثِيِّ بالثُّلاثِيِّ، واثْنَان لِتَدَاخُلِ الرُّبَاعِيِّ بالرُّبَاعِيِّ. ونِسَبُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: تَدَاخُلُ الثُّلاثِيِّ والرُّبَاعِيِّ ... 51.666% ... 52.5 % تَدَاخُلُ الرُّبَاعِيِّ والخُمَاسِيِّ ... 00.0083% تَدَاخُلُ الثُّلاَثِيِّ والثُّلاثِيِّ ... 45.833% ... 47.5% تَدَاخُلُ الرُّبَاعِيِّ والرُّبَاعِيِّ ... 1.666% ونَخْرِجُ مِن هَذَا الإحْصَاءِ بِمَلْحُوظَتَينِ: الأولَى: أَنَّ هَذِهِ النِّسَبَ غَيْرُ مأْلُوفَةٍ فِي التَّدَاخُلِ بِعُمُومِهِ؛ خِلافاً لِمَا تَقَدَّمَ فِي البَابَين الثَّانِي والثَّالثِ؛ إذ رَأَيْنَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ - ولا سِيَّمَا الثُّلاثِيُّ - يَفُوقُ كَثِيراً التَّدَاخُلَ بِيْنَ بِنَاءَينِ مُخْتَلِفَينِ. الثَّانِيةُ: عِنَايَةُ الصَّغَانِيِّ بِتَدَاخُلِ الثُّلاثِيِّ بالرُّبَاعِيِّ؛ خِلافاً لابْنِ برِّي؛ الَّذي وَجَّهَ جُهْدَه لِنَقْدِ التَّدَاخُلِ فِي البِنَاءِ الوَاحِدِ؛ ولاَ سِيَمَا فِي الثُّلاثِيِّ؛ وتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الجَوْهِرِيِّ اعْتَادَ وَضْعَ الرُّبَاعِيِّ فِي أَصْلٍ ثُلاَثِيٍّ؛ مَتَى سَنَحَتْ فُرْصَةٌ لِذَلِكَ وهذا مَا يُفَسِّرُ قِلَّةَ الأُصُولِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي مُعْجَمِهِ (الصِّحَاحِ) ويَبْدُو أَنَّ ابْنَ برِّي أَقَرَّهُ عَلَى شَيءٍ مِن ذَلِكَ؛ فِي حِينَ أَنَّ الصَّغَانِيَّ كَانَ أَكْثَرَ دِقَّةً فِي الأُصُولِ الرُّبَاعِيَّةِ. ب- مَنْهَجُ الصَّغَانِيِّ فِي النَقْدِ المُعْجَمِيِّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 902 سَارَ الصَّغَانِيُّ فِي تَرْتِيبِ مُعْجَمِهِ عَلَى القَافِيَةِ؛ لِصِلَتِهِ الوَثِيقَةِ بالصِّحَاحِ، وَقَدْ نَثَرَ مَلْحُوظَاتِهِ فِي ثَنَايَا مَوَادِّهِ؛ غَيْرَ سَالِكٍ مَنْهَجاً مُحُدَّداً فِي عَرْضِهَا؛ فَقَدْ يُذْكٌرُ نَقْدَهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِهِ فِي المَادَّةِ، أَو فِي وَسَطِهِ، أو فِي نِهَايَتِهِ؛ تَارِكاً ذَلِكَ لِعُرْوضِ الكَلِمَةِ مَوضِعِ النَّقْدِ. ولَعَلَّهُ يُورِدُ الكَلِمَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِن الصِّحَاحِ، ثُمَّ يُنَبِّهُ عَلَى مَا فِيهَا مِن تَدَاخُلٍ، وقَد يَنْقُلُهَا إلَى مَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ، ويُنَبِّهُ عَلَيهَا هُنَاكَ. فَمِمَّا أَوْرَدَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الصِّحَاحِ (الدَّهْمَقَةُ) وَهِيَ: لِينُ الطَّعَامِ وطِيبُهُ، وذَكَرَ أَنَّ الجَوْهَرِيَّ جَعَلَهَا فِي هَذَا الأَصْلِ، يَعْنِي (دهق) 1 وَحَكَمَ بِزِيَادَةِ المِيمِ؛ فَيَكُونُ وَزْنُهَا عِندَهُ (فَعْمَلَة) وَهِيَ (فَعْلَلَة) لا غير.2 ومِمَّا نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعِه الصَّحِيحِ، ونَبَّهَ عَلَيهِ فِيهِ (الهَمَرْجَلُ) وهُوَ: الجَوَادُ السَّرِيعُ. قَالَ فِي مَادَّةِ (هـ م ر ج ل) : (وذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ بَعْدَ تَرْكِيبِ (همرجل) 3 وَهَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ) .4 وقَدْ أَظْهَرَ الصَّغَانِيُّ حِرْصاً وَاضِحاً عَلَى التَنْبِيهِ عَلَى تَدَاخُلِ الأُصُولِ فِي (الصِّحَاح) فَكَانَ لاَ يَكْتَفِي فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاضِعِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى التَّدَاخُلِ فِي أَحَدِ الأَصْلَينِ؛ بَل يَذْكُرُهُ فِيهِمَا جَمِيعاً؛ كَتَنْبيهِهِ عَلَى التَّدَاخُلِ   1 ينظر: الصِّحاح 4/1478. 2 ينظر: التكملة (دهق) 5/56. 3 ينظر: الصِّحاح (هرجل) 5/1849، وقد كتبه المحقق تحت أصل خماسيّ؛ وهو (همرجل) وهو سهو منه؛ بدلالة ما بعده. 4 التكملة (همرجل) 5/562. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 903 فِي (تَنُوخَ) فِي الأَصْلَين (ت ن خ) و (ن وخ) 1 ومِثْلُهُ مَا فِي (ر هـ م) و (م هـ م) .2 وقَدْ كان الصَّغَانِيُّ يَمِيلُ - فِي أَكْثَرِ تَنْبِيهَاتِهِ - إلَى الاخْتِصَارِ؛ كَقَوْلِهِ مُنْتَقِداً الجَوْهَرِيَّ: "مَوضِعُ ذِكْرِ: تَنُوخَ فَصْلِ التَّاءِ؛ لأَصَالَةِ التَّاءِ"30 وَكَانَ مَنْهَجُهُ - فِي الاسْتِدْرَاكِ - المُرَاوَحَةُ بَيْنَ إِصْدَارِ الأَحْكَامِ المُطْلَقَةِ غَيرِ المُعَلَّلَةِ والأَحْكَامِ المُعَلَّلَةِ؛ فَمِنَ الأوَّلِ قَوْلُهُ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ: الحَفَيْسَأَ مَعَ ذِكْرِ: الحَيْفَس 4ِ فِي بَابِ السِّينِ"5 والصَّغَانِيُّ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ (الحَفَيْسَأِ) (ح ف س أ) ولَيْسَ (ح ف س) ولَم يَذْكُرْ وَجْهَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَنًَّ الهَمْزَةَ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ؛ ولاَ دَلِيلَ عَلَى زِيَادَتِهَا؛ فَوَزْنُهُ (فَعَيْلَلَ) مِثْلُ: سَمَيْدًعٍ. أَمَّا مَا أَوْرَدَهُ مُحْتَجّاً لَهُ بِدَلِيلٍ فَكَثِيرٌ؛ وكَانَ إَلَى الاخْتِصَارِ يَحْمِلُهُ عَلَى الاكْتِفَاءِ بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ لِنَقْدِ التَّدَاخُلِ فِي الكَلِمَةِ؛ ومِن أَدِلَّتِهِ المُخْتَلِفَةِ: اعْتِمَادُهُ عَلَى خَصَائِصِ بَعْضِ الحُرُوفِ فِي الأَصَالَةِ والزِّيَادَة؛ كَقَوْلِهِ مُنْتَقِداً   1 ينظر: التكملة 2/135، 2/184. 2 ينظر: التكلمة 6/40، 150. 3 التكملة (نوخ) 2/184. 4 الحفيسأ والحيفس:القصير السّمين من الرجال، وينظر: اللّسان (حفس) 6/45. 5 التكملة (حفسأ) 1/16. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 904 الجَوْهَرِيَّ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيّ الكُِرْنَافَ فِي (ك ر ف) 1 ولَم يُفْرِدْ لَهُ تَرْجَمَةً. والنُّونُ لاَ يُحْكَمُ بِزَيَادَتِهَا إلاَّ بِثَبَتٍ"2 ومِنْهُ الاشْتَقَاقُ؛ كَقَوْلِهِ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ القِنَّسْرِيَّ (ق س ر) 3 ظَنّاً مِنْهُ أَنَّ النُّونَ زَائِدَةٌ واشْتِقَاقُ تَقَنسَرَ مِنْهُ يَدْفَعُ ذِكْره هَذَا المَوْضِعُ"4 يَعْنِي (ق ن س ر) . وقَوْلُهُ: "ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ الكِبْرِيتَ فِي فَصْلِ الكَافِ؛ مِنَ الرَّاءِ،5 عَلَى أَنَّهُ (فِعْلِيت) وإِنَّمَا هُوَ (فِعْلِيل) وهَذَا مَوْضِعُ ذَكْرِهِ … والتَّاءُ أَصْلِيَّةٌ؛ لِقَوْلِهِم: كَبْرَتَ بَعِيْرَهُ".6 ومِن مَنْهَجِ الصَّغَانِيِّ فِي نَقْدِهِ التَّدَاخُلَ أَنَّهُ لاَ يَقْطَعُ بِأَحْكَامِهِ؛ مَا لَم يَكُن عَلَى ثِقَةٍ مِن صِحَّةِ مَا يَقُولُ؛ فَكَثِيراً مَا نَرَاهُ يُبْدِي شَكَّهُ أَو تَرَدُّدَهُ؛ كَقَوْلِهِ فِي (درن) : "والإِدْرَونُ: ذُو وَجْهَينِ؛ يَحْتَمِلُ؛ أن يَكُونَ ثُلاَثِيّاً، ووَزْنُهُ (إِفْعَوْل) ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ رُبَاعِيّاً مِثل فِرْعَون وبِرذَون".7 وقَوْلُهُ فِي (ح ت ل) : "وأَبُو حَنتَلٍ: بِشْرَ بْن أحْمَدَ اللَّخْمِي، مِمَّن حَدَّثَ، فإن كَانَت النُّونُ زَائِدَةً زِيَادَتَهَا فِي حُنتَالٍ، فَهَاهُنَا مَوْضِعُ   1 ينظر: الصِّحاح 4/1420. 2 التكملة (كرنف) 4/556. 3 ينظر: الصِّحاح 2/791. 4 التكملة (قنسر) 3/178. 5 ينظر: الصِّحاح (كبر) 2/802. 6 التكملة (كبرت) 1/332. 7 التكملة 6/228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 905 ِكْرِهِ، وإلاَّ فَفِي الحَاءِ مَعَ النُّونٍِ".1 وقَوْله فِي (ض د ن) : "وضَدْوَان وضَدْيَان - بالفَتْح: جَبَلانِ. هَذَا إَذَا كَانَت النُّونُ أَصْلِيَّةً، وإِلاَّ فَمَوضِعُ ذِكْرِهِمَا الحُرُوفُ اللَّيِّنَة"2 يَعْنِي (ض د و) . ولَم يَكن مِن مَنهَجِ الصَّغَانِيِّ أن يَقْصُرَ جُهْدَهُ النَّقْدِيَّ عَلَى نَقْدِ (الصِّحَاحِ) فَإِنَّ ثَمَّةَ نَقْداً لِلأُصُولِ فِي كِتَابِهِ وُجِّهَ لِغَيرِ الجَوْهَرِيِّ؛ كَابْنِ دُرَيدٍ، والأَزْهَرِيِّ، وابْنِ عَبَّادٍ، وابْنِ فَارِسٍ،3 وقَد أَوْرَدَ الصَّغَانِيُّ هَذَا النَّقْدَ فِيمَا أَكْمَلهُ، ولَم يَكُن فِي (الصِّحَاح) كَقَولِهِ - فِي أََثْنَاءِ حَدِيثِهِ عَن قَوْلِهِم: "هَرْمَطَ فُلاَنٌ عِرْضَ فُلاَنٍ؛ أَيْ وَقَعَ فِيهِ: ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيدٍ 4 والأَزْهَرِيُّ 5 فِي الرُّبَاعِيِّ، والمِيمُ - عِنْدِي - زَائِدَةٌ؛ وحَقُّهُ أن يُذْكَرَ فِي الثُّلاَثِيِّ".6 وقَوْله مُنْتَقِداً الصَّاحِبَ بْنَ عَبَّادٍ: "التَّرْشَاءَ: الحَبْلُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّادٍ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، وحَقُّهُ أن يَذْكُرَهُ فِي (ر ش و) ووَزْنُهُ:   1 التكملة 5/309. 2 التكملة 6/265. 3 التكملة (مرتج) 1/492، و (مشلز) 3/303، و (ترش) 3/457، و (نشش) 3/518، و (رقف) 4/481، و (عجف) 4/526، و (فوق) 5/143. 4 ينظر: الجمهرة 2/1153. 5 ينظر: التَّهذيب 6/526. 6 التكملة (هرط) 4/189. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 906 ذتَفْعَالٌ".1 وانتَقَدَ الغُورِيُّ 2 فِي كَلِمَةِ (المَرْتَجِ) وَهُوَ المَيِّتُ؛ لِذِكْرِهِ إِيَّاهُ فِي بَابِ (مَفْعَل) فَذَكَرَ الصَّغَانِيُّ أَنَّهُ لَيسَ لَهُ وَجْهٌ في ذَلِكَ المَوْضِعِ؛ لأنَّهُ مُعَرَّبٌ؛ فَمِيمُهُ أَصْلِيَّةٌ.3 ومَا ذَكَرَهُ الجَوَالِيقِيُّ4 والفَيرُوزَبَادِيُّ5 والزُّبَيدِيُّ6 بِشَأْنِ هَذِهِ الكَلِمَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِليْهِ الصَّغَانِيُّ. ومِن مِنْهَجِ الصَّغَانِيِّ فِي نَقْدِهِ التَّدَاخُلَ: الاسْتِئْنَاسُ بِآرَاءِ بَعْضِ العُلَمَاءِ المُتَقَدِّمِينَ؛ كالخَلِيلِ، وابْنِ دُريدٍ، والأَزْهَرِيِّ، وابْنِ جِنِّي، والزَّمَخْشَرِيِّ.7 والذِي يَلْفِتُ الانْتِبَاهَ فِي مَصَادِرِهِ: إغْفَالُهُ ابْنَ بَرِّي مِنْهَا إِغْفَالاً تَامّاً؛ فلم يَذْكُرْهُ فِي مَصَادِرِهِ الَّتي نَصَّ عَلَيهَا فِي خَاتِمَةِ كِتَابِهِ، ولم يَذْكُرْهُ قَطٌّ فِي ثَنَايَاه؛ وهَذَا مَا يَحْمِلُ عَلَى الظَّنِّ بأَنَّ الصَّغَانِيَّ لم يَطَّلِعْ   1 التكملة (ترش) 3/457. 2 هو أبو سعيد، محمّد بن جعفر بن محمّد الغوري، أحد أئمة الللغة المشهورين، له كتاب الجامع في اللغة في عدة مجلّدات، رتّبه على الأبنية، وكان المطرزي ينقل عنه كثيراً في (المغرب) ولم أصل إلى سنة وفاته. ومن مصادر ترجمته: معجم الأدباء 18/104، وإنباه الرواه2/389، وبغية الوعاء1/70. 3 ينظر: التكملة (مرتج) 1/492. 4 ينظر: المعرَب 585، 586. 5 ينظر: القاموس (مرتج) 263. 6 ينظر: التَّاج (مرتج) 2/100. 7 ينظر: التكملة (خيب) 1/621، و (قمهد) 2/325، و (قفف) 4/551. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 907 عَلَى كِتَابِ ابْنِ بَرِّي. ج- نَقَدَاتُهُ فِي الميزَانِ: غَلَبَ عَلَى الصَّغَانِيِّ فِي انْتِقَادِهِ الجَوْهَرِيَّ فِي التَّدَاخُلِ الإنصَافُ المُتَمَثِّلُ فِي دِقَّتِهِ فِي اخْتِيَارِ مَوَاضِعِ النَّقْدِ، وَكَانَ دَأْبُهُ - فِي جُلِّ اعْتِرَاضَاتِهِ - تَجَنُّبُ تَخْطِئَهِ الجَوْهَرِيِّ بِغَيرِ دَلِيلٍ؛ فَمِن هَذَا انتِقَادُهُ صَاحِبَ (الصِّحَاحِ) لوَضْعِهِ قَوْلَهُمْ: انبَاقَ عَلَينَا بالكَلاَمِ؛ أَيْ: انبَعَثَ - فِي (ن ب ق) 1 قال الصَّغَانِيُّ: "قَوْلُهُ: انبَاقَ، ليْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ؛ فَإِنَّهُ أَجْوَفُ وهَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِ مَا صَحَّ فَاؤُهُ وعَينُهُ ولاَمُهُ. ومَوْضِعُ ذِكْرِ انبَاقَ: ب وق"2 ولا شكَّ فِي أَنَّ الصَّغَانِيَّ مُصِيبٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيهِ لأَنَّ وَزْنَ انبَاقَ (انفَعَلَ) مِثْل انثَالَ وانهَالَ؛ ولَيسَ (افْعَالَ) كَمَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُ الجَوْهَرِيِّ. ومِن ذَلِكَ أنَّ الجَوْهَرِيَّ ذَكَرَ (اكْلأزَّ) فِي مَادَّةِ (ك زز) وذَكَرَ أَنَّ اللاَّمَ والهَمْزَةَ زَائِدَتَانِ،3 فَقالَ الصَّغَانِيُّ مُنْتَقِداً: (لو كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ وَزْنُهُ (افْلأَعْلَ) وذَاكَ بِمَكَانٍ مِن الإِحَالَة، والصَّحِيحُ أَنَّ وَزْنَهُ (افْعَلَل) مِثْل اطْمَأَنَّ) 40 وقَدْ أَصَابَ الصَّغَانِيُّ فِي نَقْدِهِ؛ غَيْرَ أَنِّي أَوَدُّ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعَارُضِ   1 ينظر: الصِّحاح 4/1558. 2 التكملة (نبق) 5/157. 3 ينظر: الصِّحاح (كزز) 3/893. 4 التكملة (كلز) 3/298 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 908 الوَاقِعِ بَيْنَ الوَزْنِ؛ الَّذي نَصَّ عَلَيهِ وَهُوَ (افْعَلَلَّ) والجَذْزِ الَّذي ذَكَرَ الكَلِمَةَ فِيهِ وَهُوَ (ك ل ز) فَالوَزْنُ يَقْتَضِي أن يَكُونَ الجَذْرُ (ك ل أز) والجَذْرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الوَزْنُ (افْعَأَلَّ) وَهُوَ الأوْلَى. وقَدْ اعْتَادَ الصَّغَانِيُّ عَلَى التَّصْرِيحِ بِمَا يُؤْيِّدُ الجَوْهَرِيَّ فِي مَذْهَبِهِ؛ فَكَثِيراً مَا نَجِدُهُ يَنْتَقِدُهُ، ثُمَّ يُعَقِّبُ بِمَا يُؤْيِّدُ صَاحِبَهُ: كَقَولِهِ: "والزَّرَجُونُ ذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ فِي النُّونِ، ومَوْضِعُهُ هَذَا؛ لأَنَّ وَزْنَهُ (فَعَلُون) والجِيمُ لاَمُ الكَلِمَةِ، ولَو كَانَ وَزْنُهُ (فَعَلولاً) لَكَانَ الجَوْهَرِيُّ مُصِيبَاً فِي إِيْرَادِهِ إِيَّاهُ هناك. عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جِنِّي1: النُّونُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ سِينِ قَرَبُوسٍ".2 وعَلَى الرَّغْمِ مِن ذَلِكَ فَإِنَّ الصَّغَانِيَّ خَطَّأَ الجَوْهَرِيَّ، وانْتَقَدَهُ؛ مَعَ أَنَّ الصَّوَابَ كَانَ إِلَى جَانِبِ الجَوْهَرِيِّ؛ كَقَوْلِهِ فِي مَادَّةِ (ك ك ب) : "وحَقُّ لَفْظَةِ كَوْكَبٍ أن تُذْكَرَ فِي تَرْكِيبِ (وك ب) عِنْدَ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ؛ فَإِنَّهَا صُدِّرَتْ بِكَافٍ زَائِدَةٍ عِنْدَهُم، إِلاَّ أَنَّ الجَوْهَرِيَّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَوْرَدَهَا هُنَا؛ فَتَبِعْتُهُ غَيْرَ رَاضٍ بِهِ".3 والحَقُّ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَا ذَهَبَ إِليهِ الجَوْهَرِيُّ، ومَا ذَهَبَ إِلَيهِ الصَّغَانِيُّ فِي نَقْدِهِ وَجُهٌ ضَعِيفٌ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ التَّدَاخُلِ فِي هَذِهِ الكَلِمَةِ، ورَأَيْنَا أنَّ مَذْهَبَ الجُمْهُورِ أنَّ أَصْلَهَا (ك ك ب) ووَزْنَهَا   1 ينظر: الخصائص 1/359. 2 التكملة (زرج) 1/442. 3 التكملة 1/261. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 909 (فَوعَل) مِن بَابِ مَا جَاءَ عَينُهُ مِن جِنسِ فَائِهِ. ولاَ أُظُنُّ الصَّغَانِيَّ فَعَلَ ذلك تَحَامُلاً عَلَى الجَوْهَرِيِّ؛ ولاَ أَدَلُّ على ذَلِكَ مِن تَوْجِيهِهِ أُصُولَ الجَوْهَرِيِّ، وحَمْلِهَا عَلَى وَجْهٍ مِن الصَّوَابِ؛ وإَنَّمَا انتَصَرَ - هُنَا - لِرَأْيٍ كَانَ يَرَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 910 المبحث الثّالث: الصَّفَديُّ في (نفوذ السَّهمِ) حظي معجم (الصِّحاح) بعناية الصَّفديّ - أيضاً - فأقام عليه أربعة مصنّفات؛ وهي: 1- حُلِيُّ النّواهد على ما في الصِّحاح من الشّواهد. 2- غوامض الصِّحاح. 3- نَجْد الفلاح في مختصر الصِّحاح. 4- نُفُوذُ السَّهم فيما وقع للجوهريّ من الوهم. ويعدُّ (نفوذ السّهم) من الكتب الَّتي تخصَّصت في النّقد المعجميّ. وقد صنّفه الصَّفَدِيّ قبل وفاته بسبع سنوات؛ إذ فرغ من تسويده في "يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر رمضان المعظّم سنة سبع وخمسين وسبعمائة بدمشق"1 مستفيداً من كتبه الثّلاثة؛ الَّتي ألّفها على معجم الصِّحاح؛ وهذا ممَّا يزيد في أهميّة الكتاب. ويحدّثنا الصَّفَدِيّ عن دواعي تأليفه (نفوذ السّهم) فيقول: "وبعد؛ فإنّ صحاح الجوهريّ كتاب اشتهر بالسّعادة، وظهر بالإفادة، وبهر بالإجادة … ولمّا جمعتُ غوامضه، ورتّبتها، وألّفتُ دُررها … تِقْتُ في أثناء ذلك الكلام على ما فيه من أشعارٍ وشواهد … ووضعت في ذلك كتابي المسمّى حُليّ النّواهد … وكنتُ في أثناء مروري بتصفُّح أوراقه … أعثر   1 ينظر: نفوذ السّهم109أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 911 على الغلطة بعد الغلطة، وأقع بالسّقطة بعد السّقطة؛ فكم مررت فيه بتصحيف بعد تصحيف، ووهمٍ لا يليق كدره بصفاء ذلك التّصنيف؛ فوعدت نفسي عند الفراغ من حُلِيّ النواهد أن أجمع تلك الأوهام، وأدّونها في مصنّف"1. ولم يصل إلينا كتاب (نفوذ السهم) كاملاً، ووصل إلينا ممَّا بقي منه نسختان خطّيتان متّفقتان في أنّهما تنتهيان بنهاية مادّة (هـ م ق) 2 وهما منقولتان من مسوّدة المؤلّف، وتمثّلان الجزء الأوّل من الكتاب. تحليل النّقد المعجميّ عن الصَّفَدِيّ: يتبيّن من خلال الجزء الأوّل من كتاب (نُفوذ السَّهم) عناية الصَّفَدِيّ بعدد من العناصر النّقديّة؛ ومن أهمّها: 1- نقد تداخل الأصول. 2- التّنبيه على التّصحيف والتّحريف. 3- نقد الأسلوب والتّفسير اللغوي الخاطئ. وقد أولى الصَّفَدِيّ العنصر الأوّل –وهو نقد التّداخل - اهتماماً   1 نُفوذُ السَّهم 2أ، ب. 2 وهما على النّحو التّالي: نسخة بايزيد العموميّة بتركيا، ورقمها 6834 وأوراقها95 ورقة، ونسخة مكتبة شهيد علي بتركيا، ورقمها2701 وأوراقها109 ورقة. وهاتان النّسختان مصورتان بمركز البحث العلمي بجامعة أمّ القرى، ورقمها على التّوالي 323 لغة و331لغة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 912 خاصّاً؛ فبلغت مواضعه النّقدية في هذا الجزء منه سبعة وأربعين موضعاً1. ويمكن الكلام عما في (نُفوذ السَّهم) من خلال النّقاط التّالية: أ- التّوزيع الإحصائيّ للنّقدات: استأثر التَّداخل بين الثّلاثيّ والثلاثي باهتمام الصَّفَدِيّ؛ فوجّه جانباً من جهده النّقدي له، إذ بلغت ملحوظاته فيه ثمانية وثلاثين موضعاً؛ في حين لم تتجاوز ملحوظاته في تداخل البناءين تسعة مواضع، لتداخل الثّلاثيّ والرّباعي، ولم أجد فيه نقداً لتداخل الثّلاثيّ والخماسي أو الرُّباعيّ والخماسيّ. ويكوّن ما تقدَّم النِّسب التّالية: تداخل الثّلاثيّ والثّلاثي 85, 80% تداخل الثّلاثيّ والرّباعي 15, 19% ويظهر من خلال هاتين النّسبتين التّشابه الكبير بين (نُفوذ السَّهم) و (التّنبيه والإيضاح) . ب- منهج الصَّفَدِيّ في النّقد المعجمي: درج الصَّفَدِيّ على إيراد عبارة الجوهريّ بنصِّها، أو جمع عبارات متفرّقةٍ؛ ليردّ عليها؛ وهو –في هذا - يوافق طريقة ابن برّي؛ حتّى قيل عنه   1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 3ب، 4أ، 5أ، 6أ، 9أ، 9ب، 10ب، 12أ، 12ب، 13أ، 13ب، 14أ، 16أ، 16ب،35أ، 37أ، 38أ، 42ب، 39ب، 44أ، 44ب، 47أ، 48أ، 53ب، 58أ، 63أ، 63ب، 70أ، 73ب، 77ب، 79أ، 79ب، 86ب، 87أ، 90أ، 91ب، 98أ، 99أ، 102أ، 103أ، 105أ، 106أ، 108ب، 109أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 913 وعن كتابه إنّه قد: "قلّد فيه ابن برّي؛ فلا يكاد يذكر مسألة من عنده إلاَّ بعض أدبيّات، والاستدلال ببعض أبيات"1. وقال عنه العطّار إنّه: "لم يأت في كتابه بشيء جديد مذكور؛ بل تضيّف ابن برّي، وأخذ نقوده بعد تجريدها من الشّرح، وتكملة الشّواهد، وأحلّ محلّ ما حذفه بعض أدبيّات"2. والحقّ أنّ ما قيل عن اعتماد الصَّفَدِيّ على ابن برّي بهذه الصّورة لا يخلو من مبالغة، مع أنّ وجه الشَّبه بينهما كبير. ومن هنا فإنّ ما قيل في منهج ابن برّي ثَمَّ يصلح لأن يقال هنا، ويكفي أن نذكر أوجه الخلاف بينهما، ومن أهمّها: 1- استغنى الصَّفَدِيّ عن كثير ممَّا يتّصل بالشّواهد؛ كتكميلها أو تصحيح روايتها، أو نسبتها، وما شاكل ذلك؛ لأنّه أفرد للشّواهد كتاباً خاصّاً. 2- مال الصَّفَدِيّ إلى التّوسّط في الشّرح؛ فقد ذكر في مقدّمته أنّه أراد أن يؤلّف كتاباً متوسّط المادّة؛ لأنّه وجد من ألّفوا في نقد الجوهريّ لم يسلموا من الإفراط أو التّفريط، فمنهم من أتى بالشّيء القليل الَّذي لا يغني؛ كأبي سهل الهروي، وعلي بن حمزة الدّمشقي في حواشيهما، ومنهم من أطال كابن برّي في حواشيه 3.   1 البلغة في أصول اللغة405. 2 مقدمة الصحاح184. 3 ينظر: نُفوذُ السَّهم 3أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 914 ويتّضح هذا من الموازنة بين الكتابين؛ فقد ذكروا أنّ ابن برّي ألفّ (التّنبيه) في ستة مجلّدات، وقُدِّر حجمه بحجم (التّكملة) للصّغاني، في حين وصل إلينا من نُفوذ السَّهم مجلّد واحد؛ يمثّل جلّ الكتاب؛ لأنّه ينتهي بنهاية باب القاف؛ فإن كان الصَّفَدِيّ قد أكمل كتابه فإنّه يكون في مجلّدين تقديراً. 3 - ثَمَّةَ فوارق بين الكتابين في نقد التَّداخل؛ فقد انفرد الصَّفَدِيّ عن ابن برّي بمواضع ليست في كتابه؛ منها انتقاد الصَّفَدِيّ الجوهريَّ في كلمة (مَذْحِج) وهو أبو قبيلة من اليمن؛ إذ جاء في (الصِّحاح) في مادّة (م ذ ح ج) على أنّ الميم أصليّة، وذكر الجوهريّ أنّ سيبويه كان يقول: إنّ الميم في هذه الكلمة ليست زائدة1. فقال الصَّفَدِيّ: "هذا غلط منه؛ لم يفهم عن سيبويه ما قاله. ووهم فيه وحاشى سيبويه - رحمه الله - أن يجعل (فَعْلِلاً) في الكلام بفتح الفاء وكسر اللاّم مثال: مسجِدٍ؛ فإنّه في الكلام (فَعْلَل) بفتح الفاء واللاّم مثل: جَعْفَر … وإنّما الميم - هنا - زائدة غير أصليّة؛ ولم يقل سيبويه بأصالة الميم إلاّ في: مأجَجٍ، جعل ميمها أصلاً؛ كمَهْدَدٍ؛ ولولا ذلك لكان مأجّاً ومَهَدّاً، كمَفَرٍّ، وزيادة الميم في مَذْحج كمَنْبِجٍ، يحكم عليها بالكسرة وعدم النّظير؛ فحينئذٍ كان من حقّ الجوهريّ أن يذكر مَذْحِجاً في فصل (ذ حج) لا في (م ذ ح ج) "2.   1 ينظر: الصِّحاح (مذحج) 1/340. 2 نُفوذُ السَّهم 38أ، ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 915 ومن ذلك انتقاده الجوهريّ في قولهم (تَمَعْدَدُوا) أي: تشبَّهوا بعيش مَعَدّ1، وفي قول القائل: أجد لهذا حَرْوَةً في فمي؛ أي: حرارةً2، وفي قولهم في المثل: لا تعظيني وتَعَظْعَظِي؛ أي: لا توصيني وأوصي نفسكِ3، وغير ذلك ممَّا لم يتعرّض له ابن برّي بالنّقد. وثَمَّةَ مواضع سكت عنها الصَّفَدِيّ؛ على الرّغمِ من تعرض ابن برّي لها بالنّقد؛ كنقده أصل (القَضَّاء) من الإبل4،وأصل (فِلَسْطِين) 5. ومما يلفت النّظر أنّ مواضع الاتفاق بينهما لم تخل كذلك من بعض اختلاف. وللصَّفَدِيّ في هذا النّوع أربعة طرق: أوّلها: أن يتصرّف فيما ينقله عن ابن برّي، ويضيف إليها أشياء من عنده؛ وخير مثال لذلك ما جاء في كلامه عن (التّابُوت) 6 وكذلك ما ذكره من نقد في كلمة (الحَوْأب) 7. وثانيها: أن ينقل عن ابن برّي ناسباً الفضل لأهله؛ دون أن   1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 53ب، والصحاح (عدد) 2/506. 2 ينظر: نُفوذُ السَّهم 63أ، ب، والصحاح (حرر) 2/628. 3 ينظر: نُفوذُ السَّهم 91ب، والصحاح (عظظ) 3/1174. 4 ينظر: اللّسان (قضض) 7/223. 5 ينظر: اللّسان (فلسط) 7/373. 6 ينظر: نُفوذُ السَّهم 14أ، ويوازن بما في التنبيه والإيضاح (توب) 1/45. 7 ينظر: نُفوذُ السَّهم16أ، ويوازن بما في التنبيه والإيضاح (حوب) 1/70. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 916 يتصرّف في نصوصه1. ثالثها: أن يتّخذ موقفاً معيّناً من نقد ابن برّي؛ وخير مثال لهذا ما جاء في اعتراضه على كلمة (اتْلأبّ) بمعنى: استقرّ؛ الَّتي ذكرها الجوهريّ في (ت ل ب) 2 إذ أورد اعتراض ابن برّي؛ الَّذي كان يرى أنّ (حقَّ اتْلأبّ أن يذكر في (ت ل أب) لأنّه رباعيّ، والهمزة الأولى وصل، والثّانية أصل، ووزنه (افْعَلَلَّ) مثل اطْمَأَنَّ) 3. فرأى الصَّفَدِيّ أنّ اعتراض ابن برّي - هنا - ينقصه الاطّراد في أمثال هذه الكلمة. قال: إذا كانت هذه القاعدة مطّردة فليورد على الجوهريّ نقض هذه المادّة في الكتاب من أوّله إلى آخره في غير موضع؛ فإنّه أورد اطْمَأنَّ في (ط م ن) وازْبَأَرَّ في (ز ب ر) واكْبَأَنَّ في (ك ب ن) واقْسَأَنَّ في (ق س ن) واسْمَأَلَّ في (س م ل) واجْزَأَلَّ) في (ج ز ل) 4. ويدلّ هذا الرّأي من الصَّفَدِيّ على عنايةٍ بالغة بالأصول ودراية واسعة بالتّداخل. رابعها: أن ينتحل آراء ابن برّي، وينسبها إلى نفسه، مصدّرة   1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 28ب، 79ب، 99أ، 102ب، 103أ. 2 ينظر: الصحاح1/91. 3 نُفوذُ السَّهم 13ب، وينظر: التنبيه والإيضاح (تلب) 1/45. 4 نُفوذُ السَّهم 13ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 917 بعبارة (قلتُ) 1. ج- نقداته في الميزان: كان الصَّفَدِيّ دقيقاً في اختياره مواضع النّقد، منصفاً في اعتراضاته على الجوهريّ، ويظهر ذلك في أكثر اعتراضاته الَّتي كان الصّواب فيها حليفه2 وهو يذكرنا في هذا الشَّأن بابن برّي، ولا غرابة في ذلك، فهو من أهمّ مصادره، ومع ذلك فإن الصَّفَدِيّ قد يخطِّئ الجوهريَّ؛ اعتماداً على أحد رأيين متعارضين في المسألة؛ لكلٍّ منهما وجه في الصّناعة. وخير مثال لهذا انتقاده صاحب (الصِّحاح) في كلمة (الفِئَةِ) بمعنى: الطّائفة؛ الَّتي وضعها الجوهريّ في (ف ي أ) من باب الهمزة؛ فقد ألزمه الصَّفَدِيّ بأن يضعها في (ف أو) من باب المعتلّ؛ على رأي من يقول: إنّ المحذوف منها اللاّم، ولا يلزم ذلك الجوهريّ؛ لأنّ في المحذوف من (الفِئَة) خلافاً معروفاً بين العلماء، ولهم فيها رأيان، فمنهم من يجعل المحذوف منها: العين، ويشتقّها من: فَاءَ يَفِئ بمعنى رَجَعَ، ومنهم من يجعل المحذوف منها اللاّم؛ وهو الواو، ويشتقّها من: فَأَوْتُ رأسَهُ. وقد تقدَّم تفصيل هذه المسألة. ويبدو أنّ الصَّفَدِيّ قد عوّل فيها على ما قاله ابن برّي، وأخذ برأيه من غير مراجعة.   1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 9أ، 12ب، 13ب، 42ب، 48أ، 73ب، ويقابل ذلك بما في التّنبيه والإيضاح على التّوالي: (ظمأ) 1/23، (هوأ) 1/35، (ترب) 1/45، و (قلح) 1/264، و (ددم) 2/21، و (قسر) 2/188. 2 ينظر: نُفوذُ السَّهم 10ب، 12ب، 13أ، ب، 14أ، 16أ، 28ب، 38أ، 39ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 918 وقد يخطّئ الصَّفَدِيُّ صاحبَ (الصِّحاح) بغير حقٍّ؛ كانتقاده إيراده في مادّة (ف ر أ) قولهم في المثل: (كُلُّ الصَّيدِ في جوف الفَرَإِ1) والفَرَأ: حمار الوحش. قال: "المشهور عندهم في هذا: الفَرَا، مقصور غير مهموز؛ وهو مثلٌ، وحقُّ الأمثال أن لا تغيّر عمّا سمعتْ؛ وشيء آخر: أنّ الأمثال موضوعة على الوقف، ولمّا سكّنت الهمزة أبدلت ألفاً لانفتاح ما قبلها؛ وكان ينبغي أن يورده في باب المعتلّ، وينبّه هناك على أنّ أصله الهمز"2. والصّواب في أصل هذه الكلمة وموضعها ما صنعه الجوهريّ؛ لأنّ الفَرَأ مهموز؛ كما ذكر الصَّفَدِيّ نفسه؛ ولم يقل أحد إنّه معتلّ، أمّا مجيئه مسهّلاً في المثل فلا يحوّل أصله وموضعه إلى المعتلّ؛ لأنّ قاعدتهم العامّة في صناعة المعاجم أن توضع الكلمة في أصلها، وقد تساهلوا في وضعها في الموضعين: الأصلِ والفرعِ؛ أمّا أن توضع في الفرع دون الأصل فخلاف مذهبهم، وزدْ على ذلك أنّ البكريّ روى المثل مهموزاً 3 فبطل ما احتجّ به الصَّفَدِيّ، ولو جاز ما قاله لوضعت كلّ كلمة في فرعها، وأبواب الإبدال والتّسهيل والقلب والحذف واسعة؛ فيزداد بذلك التّداخل، وتختلط الأصول. والظّاهر أنّ الصَّفَدِيّ نقل أصل هذا الاعتراض عن ابن برّي؛ دون أن يدرك مراده؛ فاعتراضُ ابن برّي لم يكن على أصل الكلمة وموضعها   1 ينظر: الصِّحاح (فرأ) 1/62. 2 نُفوذُ السَّهم 9ب. 3 ينظر: فصل المقال10. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 919 في (الصِّحاح) بل كان على رواية المثل؛ وهو أنّه جاء مسهّلاً؛ ولم يُروَ مهموزاً؛ كما ذكره الجوهريّ؛ ولم يعترض ابن برّي على الموضع. ومن ذلك اعتراضه على الجوهريّ في ترتيب مادّة (أوأ) الَّتي ذكر فيها (آءٍ) بوزن عَاعٍ؛ وهو: شجر معروف، واحدته: آءَةٌ، فقد قال منتقداً صاحبه: "كان حقّه أن يذكر هذا قبل (أج أ) لأنّ الهمزة وبعدها الألف متقدّمة في الوضع على الهمزة وبعدها الجيم، ولكنّه وَهِمَ"1. والحقّ أنّه لا وهم - هنا - من الجوهريّ؛ وإن كان ثَمَّةَ وهم فهو من الصَّفَدِيّ؛ فإنّه بنى اعتراضه على أنّ الألف في (آءٍ) أسبق من الجيم في (أج أ) إذ كَتَبَ جذرها هكذا (أاأ) وغاب عنه أنّ الألف لا تكون أصلاً؛ فهي منقلبة عن حرف علّةٍ؛ وهو الواو هنا؛ فقد حكي عن الخليل أنّه كان يقول في تصغير آءةٍ: أُوَيْأَةٌ، ولو اشتقّ منها اسم مفعول لقيل: مَؤُوءٌ؛ مثال: مَعُوعٍ ومَقُول؛ كما يشتقّ من القَرَظِ؛ فيقال: مَقْرُوظٌ. وإن بنيتَ من (آءةٍ) مثل: جَعْفَرٍ –لقلتَ: أَوْأًى، والأصل: أَوْأَءٌ 2 فدلّ ظهور الواو في هذا كلّه على أنّ أصل آءةٍ (أوأ) وكذا اثبته الصَّغانِيّ 3، وابن منظور4. وعلى الرّغمِ من ذلك فإنّ هذا لا يقدح في كتاب الصَّفَدِيّ؛ فقد   1 نُفوذُ السَّهم 3ب. 2 ينظر: التكملة (أوأ) 1/6. 3 ينظر: التكملة (أوأ) 1/6. 4 ينظر: اللّسان (أوأ) 1/24. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 920 حالفه الصّواب في معظم ما وَجَّه من نقدٍ للتّداخل؛ ولم يكن هدفه التّجنّي على الجوهريّ أو التّشهير به؛ فقد كان حريصاً على توجيه ما في معجمه من المآخذ، أو تلمُّسِ العذر له فيها 1.   1 ينظر: نُفوذُ السَّهم 12أ، 58أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 921 المبحث الرّابع: الفيروزآباديّ في (القاموس المحيط) يعدُّ (القاموس) من المؤلّفات البارزة في تاريخ التأليف المعجميّ، وقد تُلقِّي بكثير من الاهتمام والإكبار، وأقبل عليه طلبة العلم يقتنونه؛ حتّى أصبح اسمه (القاموس) يرادف مصطلح (المعجم) وكان مؤلّفه يلتمس - في البدء - معجماً جامعاً فشرع في كتابه الموسوم بـ (اللاّمعِ المُعْلَمِ العُجَابِ الجامعِ بين المُحْكَمِ والعُبَابِ) فخمّنه في ستّين سفراً؛ فعدل عنه، لمّا سئل تقديم معجمٍ وجيزٍ؛ ثم شرع في تأليف معجمٍ محذوف الشّواهد، مطروح الزَّوائد، ولخّص كلَّ ثلاثين سفراً في سفرٍ، وسمّاه (القاموس المحيط) 1 وحذا فيه حذو (الصِّحاح) في المنهج، واختارَ مادّته أساساً لمعجمه، وزاد عليه زياداتٍ بلغت نحواً من عشرين ألف مادّة2 معظمها من (المحكم) لابن سيده، والعُباب) و (التكملة) للصَّغانِيّ3، وميّزها بكتابة مَدَاخِلِها بمدادٍ أحمر. وقد راعى المجد - في معجمه - جملة أمور؛ كالإيجاز في الشّرح، والاختصار باستخدام بعض المصطلحات والرّموز، والعناية بالضّبط؛ خوفاً من التّصحيف، والاهتمام بالتّرتيب الدّاخلي للمشتقّات والصِّيغ، ومحاولة تخليص الواويّ من اليائيّ، والعناية بالنّقد المعجميّ.   1 ينظر: القاموس33، 34. 2 المراد بالمادة –هنا- الأصول، وكلّ ما تفرّع منها من اشتقاقات وتصاريف. 3 ينظر: المعجم العربيّ؛ بحوث في المادّ والمنهج والتّطبيق68. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 922 تحليل النّقد المعجميّ عند الفيروزآباديّ: للنّقد المعجمي في (القاموس) مكانة خاصّة؛ إذ أولاه مؤلّفه عنايته، ونثر نقداته فيه بطول معجمه وعرضه؛ حتّى عدّ معجمه قريناً للكتب المتخصّصة في هذا الفنّ؛ كـ (التّنبيه والإيضاح) و (نُفوذ السَّهم) مع فارق المنهج. وهو يشترك مع هذين الكتابين في أنّ معظم النّقد المعجميّ فيه موجّه لـ (الصِّحاح) وقد أشار الفيروزآباديّ نفسه إلى ذلك في مقدّمة معجمه في قوله: "ثمّ إنّي نبهّت فيه على أشياء ركب فيها الجوهريّ - رحمه الله - خلاف الصّواب؛ غير طاعنٍ فيه، ولا قاصدٍ بذلك تنديداً له، وإزراءً عليه وغَضّاً منه؛ بل استيضاحاً للصّواب، واسترباحاً للثّواب، وتحرّزاً وحذاراً من أن ينمى إلى التّصحيف، أو يعزى إلى الغلط والتّحريف"1. وقد وجّه الفيروزآباديّ نقده لكتاب (الصِّحاح) من بين المعاجم اللغوية، مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة، والأغلاط الفاضحة - كما قال - لتداوله واشتهاره. وبالإمكان إيجاز أهمّ العناصر النّقديّة في القاموس فيما يلي: 1- نقد التَّداخل. 2- التّنبيه على التّصحيف والتّحريف. 3- التّنبيه على الخطأ في الضّبط.   1 القاموس35. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 923 وبلغت المواضع النّقديّة فيه بعامّة - كما ذكر القِنَّوجي1 - أكثر من ثلاثمائة موضع؛ شملت جوانب متعدّدة؛ كان نقد التَّداخل من أهمّها، وأوفرها حظّاً؛ إذ أربى ما جاء منه على الثُّلث. ويمكن الكلام عن نقدات الفيروزآباديّ من خلال النّقاط التّالية: أ- التّوزيع الإحصائيّ للنّقدات: بلغت المواضع النّقديّة لتداخل الأصول في (القاموس) ثلاثة عشر ومائة موضع2. وبلغ ما فيه من نقد التَّداخل في البناء الواحد سبعين   1 ينظر: البلغة في أصول اللغة462. 2 ينظر: القاموس (أبأ) 41، (أتأ) 41، (ألأ) 41، (ثأثأ) 44، (حبطأ) 47، (حفسأ) 1/16، (زأزأ) 53، (قندأ) 62، (مقأ) 66، (نوأ) 69، (نيأ) 69، (ورأ) 70، (هوأ) 73، (أزب) 75، (ثأب) 78، (تألب) 78، 0تخرب) 78، (توب) 79، (ثيب) 82، (جيب) 90، (حنزب) 99، (حوب) 99، (ددب) 106، (ذلعب) 110، (زلعب) 122، (كرب) 167، (لوب) 173، (حنت) 193، (جوث) 213، (ذحج) 243، (زرج) 245، (عهج) 255، (قلح) 303، (نتح) 311، (ندح) 312، (أفخ) 317، (تنخ) 319، (نوخ) 335، (أبد) 337، (جسد) 348، (صرد) 374، (علجد) 380، (عنجد) 385، (قمحد) 399، (قدد) 394، (قمد) 399، (مقد) 408، (ميد) 410، (جبذ) 423، (خنذ) 425، (لذذ) 431، (أمر) 439، (تمر) 455، (صمعر) 547، (بنصر) 452، (سعر) 522، (طرر) 553، (فأر) 583، (قطمر) 597، (قنبر) 599، (قنسر) 599، (هبر) 637، (كزز) 672، (مشلز) 676، (هرجس) 749، (أرط) 749، (عنظ) 900، (قنزع) 977، (مهع) 988، (نبع) 989، (هملع) 1003، (خفف) 1041، (رقف) 1052، (طلحف) 1076، (كرف) 1096، (نوف) 111، (غرق) 1180، (غرنق) 1180، (نبق) 1180، (نبق) 1194، (لوك) 1230، (بأدل) 1246، (حنتل) 1277، (ضمحل) 1324، (طهل) 1328، (ظلل) 1329، (قصعل) 1354، (قعثل) 1355، (كول) 1363، (ندل) 1372، (وول) 1381، (ترجم) 1399، (تلم) 1399، (خوم) 1427، (ددم) 1428، (ديم) 1433، (رأم) 1434، (رهم) 1435، (مرهم) 1498، (وأم) 1504، (ددن) 1543، (طين) 1566، (أبه) 1603، (دبى) 1654، (زوا) 1667، (سيي) 1674، (شصا) 1676، (شكى) 1678، (عصى) 1692، (قنا) 1710، (لدى) 1715، (ليي) 1718. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 924 موضعاً؛ أربعة مواضع منها لتداخل الرّباعي والرّباعي، والباقي للتّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ. وبلغ التَّداخل بين بناءين مختلفين اثنين وأربعين موضعاً؛ موضعان منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ، والباقي للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعيّ. وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع: التَّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ 58.41% ... 61.95 % التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعيّ 3.53% التَّداخل بين الثّلاثيّ والرباعيّ36.28% ... 38.05 % التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ1.76% ونخرج من هذا الإحصاء بملحوظاتٍ؛ منها: 1- كثرة التَّداخل في البناء الواحد؛ ولا سيّما في الثّلاثيّ؛ كما هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 925 مألوف؛ وهو يوافق ما تقدَّم في البحث، وما جاء عند ابن برّي والصَّفَدِيّ. 2- ندرة التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ، وكذلك بين الرُّباعيّ والرّباعيّ. 3- عدم وجود التَّداخل بين الخماسيّ والخماسيّ. منهج الفيروزآباديّ في النّقد المعجميّ: نثر الفيروزآباديّ ملحوظاته النّقديّة في كتابه، وكان لا يكاد يخرج فيها عن ثلاثة طرق: أحدها: أن يذكر الكلمة في موضعها الصحيح، ثمّ ينبّه على خطأ الجوهريّ في أصلها؛ كقوله في (أثأ) : "أثَأتُه بسهمٍ: رميته به، هنا ذكره أبو عبيد … ووهم الجوهريّ؛ فذكره في:ث أث أ"1. وثانيها: أن يذكر الكلمة في موضعها؛ الَّذي وردت فيه في (الصِّحاح) ثمّ ينبّه على ما فيها من تداخل، ويشير إلى أصلها الصحيح؛ كقوله في (ن وء) : "نَاءَ اللَّحْمُ يَنَاءُ، فهو نِيءٌ بين النُّيُوء والنُّيوأة: لم ينضج، يائيّة"، وذكرها هنا وهم للجوهريّ 2. وثالثها: أن ينبّه على الكلمة في الموضعين، ومنه قوله في (ح ب ط أ) : "احبنْطَأ: انتفخ جوفه، أو امتلأ غيظاً، ووهم الجوهريّ في إيراده بعد   1 القاموس41. 2 القاموس 69. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 926 تركيب: ح ط أ"1. وكان المجد يلتزم - في أسلوبه في الاعتراض - بعبارات فيها تصريح باسم الجوهريّ؛ كقوله: (وهم الجوهريّ) 2 وهي أكثر عباراته استعمالاً، وقوله: (وذكر الجوهريّ إيّاه في ( … ) غلط) 3 وقوله: "وذكر الجوهريّ ( … ) هنا غير سديد) 4 ومن أقسى أساليبه قوله في حقّ الجوهريّ: (وذكره هنا وهم للجوهريّ؛ وكلّ ما ذكره من القياس تخبيط"5. ولعلّ في طريقة المجد هذه ما يفسّر ميل أكثر المتأخّرين للجوهريّ، والانتصار له، ولو برأي مرجوح؛ كما فعل ابن الطّيّب الفاسي، وداود زاده، والتّادليّ، وقلّ من انتصر للفيروزآباديّ، مع أنّ الصّواب كان حليفه في معظم المواضع النّقديّة الَّتي أثارها. ومن طرق العرض عند المجد: نزوعه إلى الاختصار الشّديد، وهو ما يوافق منهجه العام في معجمه، وربّما أدّى الاختصار إلى خفاء مراده؛ لا سيّما على القارئ العادي، أو غير المتخصّص؛ ألا ترى إلى قوله:   1 القاموس46. 2 القاموس (أتأ) 41. 3 القاموس (ذحج) 243. 4 القاموس (جسد) 348. 5 القاموس (لوك) 1230. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 927 "الهِنْبَرُ: رباعيٌّ، ووهم الجوهريّ"1 وقوله: "قِدْرٌ زُؤَزِيَةٌ: في الهمز، ووهم الجوهريّ"2 وهو يريد أنّ أصول هاتين الكلمتين: (هـ ب ر) و (زأ زأ) . ولم يخرج الفيروزآباديّ - في طريقته في الاستدلال - على مناهج من سبقه في هذا الفنّ؛ فقد كان يستأنس بالاشتقاق3، والنّظير4، أو عدم وجوده5، وخصائص بعض الحروف6، وغير ذلك. وفيما يتّصل بالمصادر فإنّ صاحب (القاموس) لم يعنَ بذكر مصادره في النّقد؛ وهذا يتّفق مع ما اختطّه لنفسه في معجمه المبني على الاختصار؛ وهذا لا يعني إغفاله مصادره تماماً؛ فإنّه كان يشير إلى مصادره أحياناً، كسيبويه، وابن جنّي، وابن القطّاع، والصَّغَانيّ. وعند تحليل تنبيهاته النّقديّة، الَّتي سكت فيها عن مصادره، نجده ينقل عن كثير ممن سبقه، وعلى رأسهم ابن برّي، والصَّغَانيّ، والصَّفَدِيّ. بيد أنّه كان يعوّل على الصَّغانِيّ كثيراً، وقد نقل عنه في نحو أربعين موضعاً، يليه ابن برّي ونقل عنه في خمسة عشر موضعاً؛ بينما نقل عن   1 القاموس (هير) 637. 2 القاموس (زوا) 1667. 3 القاموس (فأر) 583. 4 القاموس (طلحف) 1076. 5 القاموس (مهع) 988. 6 القاموس (هوأ) 73. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 928 الصَّفَدِيّ في تسعة مواضع. ولا يعني هذا أنّ الفيروزآباديّ لم يأت بجديد في نقد الأصول؛ فإنّ ثلاثة وستّين موضعاً في معجمه لا وجود لها في كتب المذكورين؛ ولعلّه أفاد في بعضها من مصادر أخرى؛ كـ (التّهذيب) للأزهري، و (المحكم) لابن سيده. ومهما يكن من أمرٍ فإنّ من شأن هذه الزّيادات الَّتي أربت على نصف ما في (القاموس) من نقد للتّداخل –أن تكسبه من الأهميّة ما يجعله مصدراً غنيّاً في هذا المجال. ج- نقدات الفيروزآباديّ في الميزان: قال القِنَّوجيّ؛ في أثناء حديثه عن (القاموس) وما فيه من ملحوظات: إنّ "أكثرها مبنيٌّ على التّعنّت والشِّقاق؛ ولذا بادر الأدباء إلى دفعها؛ فأجابوا عنها لفظاً لفظاً، وردُّوها حرفاً حرفاً"1. وعلى الرّغمِ من أنّ هذه المقولة لا تخلو من وجهٍ للصّواب فإنّ فيها كثيراً من القسوة على الفيروزآباديّ وهضمٍ لجَهده؛ فإنّه إن لم يوفّق في بعض ما ذهب إليه كان التوّفيق حليفه في أكثر نقداته. وإنّ من يتأمّل ملحوظات الفيروزآباديّ يتبيّن له أنّه كان مصيباً في ثلثيها تقريباً، وأنّ الصّواب خانه في بعضها، وأنّه بنى رأيه في شيء منها على رأي لبعض العلماء. فممّا أصاب فيه: اعتراضه على الجوهريّ في مادّة (ج س د) قائلاً:   1 البلغة في أصول اللغة462. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 929 "وذكرُ الجوهريّ 1 الجِلْسَدَ هنا غير سديد"2 والجِلْسَدُ: اسم صنم كان يعبد في الجاهليّة، ولا دليل على زيادة اللاّم فيه؛ خلافاً لما ذهب إليه الجوهريّ، فذكره ابن منظور في الرُّباعيّ 3. ومنه قوله: (خ ن ذ) : "وخَنْذَى: خرج إلى البذاء، وذكره الجوهريّ 4 في المعتلّ، وخَنْظَى: في الظّاء، وهما من باب واحد"5 أي أنّ الصّواب أن يذكرا معاً في باب واحد؛ إمّا الذّال والظّاء على أنّ النّون عين الكلمة، والألف زائدة للإلحاق؛ كما في: غنذى وسلقى، أو في باب المعتلّ على أنّ النّون زائدة؛ فتكون الألف - حينئذٍ - لام الكلمة والوزن (فَنْعل) والأوّل أولى؛ لأنّ زيادة اللف آخرةً أولى من زيادة النّون ثانية. أمّا ما جانب الصّواب فيه صاحب (القاموس) ووهَّمَ الجوهريَّ فيه بغير حقٍّ، أو بوجه مرجوحٍ فقليل، ومنه قوله في (م ق أ) : "ماقئ العين، وموقئها: مؤخّرها أو مقدّمها، هذا موضع ذكره، ووهم الجوهريّ"6 إذ ذكره في (م ق أ) 7 ومذهب الجوهريّ في أصل هذه الكلمة موافق   1 ينظر: الصِّحاح (جسد) 2/456. 2 القاموس348. 3 ينظر: اللّسان (جلسد) 3/128. 4 ليس في الصِّحاح المطبوع، وذكره ابن منظور ف يالمعتلّ (14/225) وعزاه للأزهري. 5 القاموس425. 6 القاموس 66. 7 ينظر: الصحاح4/1553. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 930 لرأي الجمهور فيها؛ وقد تقدَّم تفصيل التَّداخل في هذه الكلمة. وقوله في (ع ن ج د) : "المُعَنْجِدُ: الغضُوب الحديد، ووهم الجوهريّ، فذكره لا في الثّلاثيّ ولا في الرّباعيّ"1 هكذا، وظاهر ما في عبارة المجد من معاضلة؛ لذا قال ابن الطّيّب الفاسيّ معلّقاً على هذا النّصِّ: "كلام لا معنى له؛ فإنّ الجوهريَّ ذكره في الرّباعيّ 2 ترجمةً بعد ترجمة (ع ج د ل) وفسّره بأنّه ضرب من الزّبيب، واستدلّ له بما أنشده الخليل"3. ولعلّ مراد الفيروزآباديّ أنّ الجوهريَّ أخطأ في موضعه من التّرتيب، فإنّه ذكره بين (ع ج ل د) و (ع د د) ومكانه على زيادة النّون قبل (ع ج د ل) ومكانه على أصالتها بعد (ع د د) أي: بين (ع ن د) و (ع ود) فإن كان هذا مراد الفيروزآباديّ فإنّه لم يخطئ ولكنّه أبهمَ في عبارته. ووهّمَ الجوهريَّ في أشياء وأصاب في توهيمه؛ ولكنّه لم يوفّق في تقديره الأصل الصّحيح؛ فقد ذكر الجوهريّ (اللَّوْلَبَ) في (ل وب) 4 فانتقده المجد؛ وقال: إنّ أصل (اللَّوْلَب) (ل ب ب) 5 فلم يوفّق فيما   1 القاموس385. 2ينظر: الصِّحاح (عنجد) 2/505. 3 التاج (عنجد) 2/434. 4 ينظر: الصِّحاح 1/221. 5 ينظر: القاموس173. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 931 قال؛ لأنّه لا وجه لجعله أصل هذه الكلمة في (ل ب ب) فليس فيها سوى باءٍ واحدة، وفيها لامان. إنّ الصّواب في أصل هذه الكلمة –إن كانت عربيّة - أن يكون (ل ل ب) كما أنّ (الكَوْكَبَ) و (الشَّوْشَبَ) من (ك ك ب) و (ش ش ب) وليسا من (ك ب ب) و (ش ب ب) . وقد تردّد الفيروزآباديّ في أشياء بين رأي ورأي؛ بما يمكن أن نصفه بالتّناقض فهو ينقد الجوهريَّ –أحياناً - في أصل ما، ثمّ يعود ويوافقه فيه في أصل تالٍ، أو ينتقده في موضع، مع أنّه وافقه فيه في أصل متقدّم من غير تنبيه. ومن الأوّل أنّه قال في (ح ف س أ) : "الحَفَيْسَأُ كَسَمَيْدَعٍ: القصير اللّئيم الخِلقة، ووهم أبو نصر في إيراده في: ح ف س"1 ثمّ عاد فذكره في الفيروزآباديّ في (ح ف س) 2 كما فعل الجوهريّ3 من غير تنبيه. وقوله في (ر ق ف) : "رأيتُهُ يُرْقَفُ من البردِ: يُرْعَدُ، وقد أُرْقِفَ - بالضّمِّ - إِرْقَافاً، والقَرْقَفَةُ: للرَّعْدَةِ، مأخوذ منه، كرّرت القاف في أوّلها، ووزنها (عَفْعَل) وهذا موضعه لا القاف، ووهم الجوهريّ" 4 لإيراده إيّاه   1 القاموس 47. 2 القاموس 1693. 3 ينظر: الصِّحاح (حفس) 3/919. 4 القاموس 1052. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 932 في (ق ر ق ف) 1. ولكنّنا لا نلبث أن نجد الفيروزآباديّ يعيد ما قاله هناك في هذا الأصل الرُّباعيّ 2، متابعاً الجوهريّ من غير تنبيه. وهذا ما جعل ابن الطّيّب الفاسي يقول في مادّة (ر ق ف) : "وَهَّمه هنا وتبعه هناك؛ بلا تنبيه على أنّ ذلك وهم؛ وهذا شيء عجيب يعلم منه أنّه غير متثبّت في القبول والرّد"3. ومن هذا النّوع الثّاني أنّه قال في مادّة (ح ن ز ب) : "الحِنْزَاب –كقِرْطَاس: الحمار المقتدر الخلق، والقصير القويّ، أو العريض، والغليظ … وهذا موضع ذكره"4 وهو يعرّض - هنا - بالجوهريّ لذكره الحِنْزَاب في (ح ز ب) 5 ولنا أن نعجب إذا عرفنا أنّ الفيروزآباديّ نفسه ذكره - أيضاً - في (ح ز ب) 6. ومنه قوله في (ك ول) : (واكْوَأَلّ اكْوِئْلالاً: قصُر، وذكرهما في (ك أل) وهم للجوهريّ) 7 وقد تبعه الفيروزآباديّ هناك8 من غير تنبيه.   1 ينظر: الصِّحاح 4/1416. 2 القاموس1091، 1092. 3 التَّاج 6/122. 4 القاموس99. 5 ينظر: الصِّحاح 1/109. 6 ينظر: القاموس 94. 7 القاموس 1363. 8 القاموس 1359. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 933 وذكر في مادّة (وأ م) 1 التَّوْام، وانتقد فيها الجوهريّ لذكره هذه الكلمة في فصل التّاء أي (ت أم) وكأنّه نسي أنّه ذكره هو - أيضاً - في ذلك الأصل2 من غير تنبيه عليه. وممّا بنى اعتراضه فيه على رأي لبعض العلماء متجاهلاً الرّأي الآخر: ما وجّهه من اعتراض على الجوهريّ في موادّ (زأ زأ) 3 و (ذ ح ج) 4 و (ع ل هـ ج) 5 و (ك ر ف) 6 و (د وم) 7 وغيرها. وعلى الرّغمِ من كلِّ ما تقدَّم فإنّنا لا نشكّ في بعد الفيروزآباديّ عن التّحامل المقصود، ولا أدلّ على هذا من أنّه نصب نفسه مدافعاً عن صاحبه، كما جاء في بعض المواد، ومنها مادّة (ق ص ع ل) 8.   1 القاموس 1504. 2 القاموس 1398. 3 القاموس 53. 4 القاموس 243. 5 القاموس 255. 6 القاموس 1096. 7 القاموس 1433. 8 القاموس 1354. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 934 المبحث الخامس: داود زَاده في (الدُّرِّ اللَّقِيطِ) لا يعدُّ محمّد بن مصطفى بن داود زاده؛ الشَّهير بـ (داود زاده) 1 والمتوفّى سنة 1031هـ - في علماء اللّغة المشهورين؛ ولا نكاد نعرف عنه سوى أنّه تولّى قضاء دمشق ومكّة المكرّمة، وأنّه فرغ من تأليف كتابه هذا في سنة 1027هـ وهو على رأس القضاء بدمشق، وأنّه أهداه إلى السّلطان عثمان خان2. ويُعدُّ كتاب (الدُّرُّ اللَّقيط في أغلاط القاموس المحيط) من أظهر الكتب القديمة المتخصّصة في النّقد المعجميّ؛ وإن لم ينل شهرةً كافية تناسب مكانته بين مصنّفات اللّغة. وقد كان وراء تأليف هذا الكتاب   1 من مصادر ترجمته: الدر اللقيط (المقدمة) وكشف الظّنون2/1308، وهدية العارفين2/272، 273، ومعجم المؤلّفين12/30، وتاريخ الأدب العربي في العراق2/77. وقد نشر الدّكتور إبراهيم السّامرائيّ في كتابه (رسائل ونصوص في اللّغة والأدب والتّاريخ) جزءاً يسيراً من (الدّرّ اللّقيط) اقتصر فيه على باب الهمزة، ولم يأت بجديد في التّعريف بالمؤلّف. 2 هو: السّلطان عثمان بن أحمد بن محمّد بن مراد، ويعرف بعثمان خان الثّاني، وتولّى السّلطة سنة 1027هـ، وخلع سنة 1032هـ وفيها قتل، ومن مصادر ترجمته: سمط النّجوم العوالي4/58، وسبائك الذّهب423، وتاريخ الدّولة العليّة العثمانيّة122. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 935 عناية مؤلّفه بمعاجم العربيّة، وعلى رأسها: القاموس المحيط، فقد أراد أن يجمع الغلطات؛ الَّتي عزاها صاحب (القاموس) للجوهريّ؛ ليردَّ منها ما يُرَدُّ؛ منصفاً الجوهريَّ، ومؤيّداً الفيروزآباديَّ فيما أصاب فيه؛ فجاء الكتاب لطيفاً في حجمه، طريفاً في بابه، جامعاً لأكثر ما في القاموس من نقدٍ معجميٍّ في شتّى أنواعه. تحليل النّقد المعجميّ عند داود زاده: استخرج المؤلّف المواضع النّقديّة في (القاموس) وزاد عليها نحواً من عشرين موضعاً؛ فأربى ما فيه على عشرين وثلاثمائة موضع نقديٍّ. ومن الممكن القول إنّ العناصر النّقديّة في (الدّرّ اللّقيط) هي نفسها الَّتي في (القاموس المحيط) ومن أهمّها - بلا شكّ - نقد التّداخل. ويمكن الحديث عن هذا الجانب من خلال النّقاط التّالية: أ- التّوزيع الإحصائي للنّقدات: بلغت المواضع النّقديّة المخَصًّصة للتّداخل في (الدّر اللّقيط) خمسة وعشرين ومائة موضع1 وبلغ ما فيه من نقد التَّداخل في البناء الواحد   1 ينظر: الدّرّ اللّقيط (أبأ) 3أ، (أثأ) 4ب، (أشأ) 5أ، (ألأ) 5أ، (أثأ) 6أ، (أجأ) 6أ، (حبطأ) 6أ، (حفسأ) 7أ، (زأزأ) 9ب، (لألأ) 12أ، (قدأ) 11أ، (مقأ) 12ب، (نوأ) 13ب، (ورأ) 14أ، (تأب) 19أ، (تألب) 20أ، (تخرب) 21ب، (توب) 22أ، (ثيب) 25ب، (جيب) 26أ، (حنزب) 26أ، (حوب) 27أ، (دبب) 27ب، (ذلعب) 27ب، (زلعب) 28أ، (شيب) 28أ، (كرب) 31أ، (حنت) 35ب، (موت) 39أ، (ذحج) 41أ، (زرج) 41ب، (علهج) 42ب، (مذحج) 43أ، (قلح) 49أ، (فلح) 49أ، (نتح) 50أ، (ندح) 50أ، (أفخ53أ، (تنح) 53ب، (نوخ) 57أ، (أبد) 57ب، (أسد) 58أ، (بود) 59ب، (جسد) 60أ، (شدد) 66أ، (صرد) 67أ، (عجد) 69أ، (عدد) 69أ، (عنجد) 70أ،= = (قحد) 70ب، (قدد) 71أ، (قمحد) 73أ، (مقد) 74أ، (مأبد) 75ب، (جبذ) 78أ، (خنذ) 78ب، (لذذ) 79أ، (أمر) 80أ، (بصر) 83ب، (تمر) 84أ، (تور) 84ب، (حرر) 88أ، (سعر) 92أ، (صمعر) 96ب، (قمطر) 102ب، (قنبر) 103أ، (قنسر) 103أ، (كور) 103ب، (مطر) 104أ، (هير) 106أ، (زيز) 107أ، (عنقر) 108أ، (كزز) 108ب، (لجز) 108ب، (هرجس) 113أ، (شوش) 113ب، (ميش) 114أ، (حنفص) 114ب، (أرط) 118أ، (ضيع) 127أ، (قنزع) 128ب، (نبع) 129أ، (وزع) 131ب، (خصف) 134أ، (رقف) 135ب، (طحف) 137أ، (كرف) 139ب، (نوف) 143أ، (حلق) 145أ، (غرق) 149أ، (غرنق) 149أ، (نبق) 149ب، (لأك) 151ب، (بأدل) 153ب، (اضمحل) 158ب، (طهل) 159أ، (قعثل) 161ب، (كول) 161ب، (ندل) 162أ، (وأل) 162أ، (وول) 164، (ترجم) 166أ، (تلم) 166ب، (ددم) 170أ، (ديم) 170ب، (ريم) 170أ، (رجم) 170ب، (رحم) 171أ، (مرهم) 177أ، (رأم) 177أ، (ددن) 180ب، (طين) 182أ، (أبه) 183ب، (دبي) 190أ، (زوى) 191أ، (سيي) 193أ، (شصى) 194أ، (شكا) 194ب، (قنا) 196أ، (ليي) 197أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 936 خمسة وثمانين موضعاً؛ اثنان وثمانون موضعاً للتداخل في الثّلاثيّ، وثلاثة للتّداخل في الرُّباعيّ. وبلغ التّداخل بين بناءين مختلفين أربعين موضعاً؛ تسعة وثلاثون موضعاً للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي، وموضع للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 937 وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع: التَّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ ... 65.6 % التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعيّ ... 03.4 % التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعيّ ... 31.2 % التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسيّ ... 0.8 % ويظهر من خلال هذه النِّسب التّقارب بين (الدُّرّ اللَّقيط) و (القاموس) ويكمن سبب الاختلاف بينهما فيما أضافه داود زاده من نقدٍ على ما في (القاموس) ككلامه في أصل (مُؤْتَةٍ) موضع بالشّام1 وأصلِ (حَرْوَةٍ) في قول القائل: إنّي لأجد لهذا الطّعام حَرْوَةً في فمي، أي: حرارةً ولَذْعاً2، وأصلِ (أَكَارَ) في قولهم: أكارَ الرَّجل؛ إذا أسرع في مشيته3 وأصلِ (المَاشِ) وهو حَبّ4 وكذلك أصلِ (الأوَّلِ) وهو ضدُّ الآخر5. ويضاف إلى ذلك أنّ صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) لم يأت على كلّ ما في (القاموس) من نقدٍ للأصول المتداخلة؛ فثمَّةَ مواضع أغفل ذكرها؛ منها ما جاء في الموادّ التّالية من القاموس: (هـ وأ) و (أر ب) و (ل و   1 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 39أ. 2 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 88أ. 3 الدُّرّ اللَّقيط 103ب. 4 الدُّرّ اللَّقيط 114أ. 5 الدُّرّ اللَّقيط 163أ، ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 938 ب) و (ج وث) و (ط ر ر) و (م ش ل ز) و (ع ن ظ) و (م هـ ع) و (ع ص ى) 1. ب- منهج داود زاده في النّقد المعجميّ: صَدَّرَ المؤلّف كتابه بمقدّمة وجيزة؛ أبان فيها عن هدفه من تأليف الكتاب؛ وهو: جمع الأغلاط؛ الَّتي وجّهها المجد في (القاموس) لصاحب (الصِّحاح) كما أشرت من قبل، وسايرَ - في ترتيب موادّه - صاحب (القاموس) فجاء كتابه أشبه ما يكون بمعجم صغير على نظام القافية. ولا يكاد يخرج منهجه في العرض الدّاخلي لكلّ مادّة عن إحدى طرق ثلاثٍ: الأولى: أن يذكر نصّ الجوهريّ ثمّ يقفوه بما قاله الفيروزآباديّ من توهيمٍ؛ ملتزماً نصّهما، ويعقّب - بعد ذلك - بالنّقل عن بعض العلماء، وعلى رأسهم ابن برّي، وقد يأتي –بعد ذلك - بما يراه في المسالة 2. الثّانية: أن يصدّر المادّة باعتراض الفيروزآباديّ، ثمّ يأتي بكلام الجوهريّ، وقد يقفوهما ببعض النّقول أو الآراء3. الثّالثة: أن يورد اعتراض الفيروزاباديّ بنصّه؛ دون أن يذكر ما   1 ينظر: القاموس على التّوالي:73، 75، 173، 213، 553، 676، 900، 988، 1692. 2 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 19م، 22أ، 28أ، 31أ، 49أ، 53ب، 58أ، 59ب، 67أ. 3 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 5أ، ب، 6ب، 9ب، 12أ، 20أ، 21ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 939 قاله الجوهريّ، أو أن يعقّب عليه بشيء1. وتميّز داود زاده في أسلوبه في النّقد والاعتراض بعفّة القلم؛ إذا ابتعد عن عبارات التّجريح أو الغمز، ونحوهما. ومن منهجه أنّه عُني ببيان ما وقع للفيروزآباديّ من تناقضات في الأصول فيما انتقده على الجوهريّ ووافقه فيه؛ كقوله معلّقاً على ما ذكره الفيروزآباديّ في مادّة (ج ي ب) 2 وأنَّ (جيب القميص) يائيّة العين: "كأنّه يريد به الرّدّ على الجوهريّ؛ حيث ذكره في مادة (ج وب) والعجيب أنّه ذكره في هذه المادّة - أيضاً"3. ومنه أنّ الفيروزآباديّ قال في مادّة (ك ول) : "واكْوَأَلَّ اكْوِئلالاً: قصُر، وذِكْرُهُمَا في (ك أل) وهمٌ للجوهريّ"4 فعقّب عليه بأنّ الفيروزآباديّ وافقَ الجوهريَّ في (ك أل) من غير تنبيه عليه. ومنه قوله معقّباً على نقد الفيروزآباديّ في مادّة (مَأْقِي العَيْن) 5: "والجوهريّ - رحمه الله - ذكره في مادّة (م أق) والعلاّمة الفيروزآباديّ   1 الدُّرّ اللَّقيط 6أ، 27ب، 28أ، 41أ، 43أ، 53ب، 57أ، 71أ، 73أ، 102ب، 103أ. 2 ينظر: القاموس90. 3 الدُّرّ اللَّقيط 26ب. 4 القاموس363. 5 القاموس 66. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 940 - بعد ما ذكره هنا 1 - وافق الجوهريَّ هناك؛ فذكره غير منبّهٍ على خطئه"2. وقد كثر هذا عند داود زاده حتّى صار جزءاً بارزاً من منهجه3. ومن منهجه: الحرص على الكشف عن مصادر الفيروزآباديّ في النّقد؛ لتمييز ما كان مسبوقاً فيه من غيره؛ كقوله معقّباً على نقدٍ لصاحب القاموس: "وقد سبقه بذلك الاعتراض الشّيخ ابن برّي، وذكره في (ميد) على ما سيجيء"4 وقد كثر هذا عنده - أيضاً5. وبقي أن أشير إلى أنّه كان معنيّاً عناية ظاهرة بالإشارة إلى مصادره في نقده الأصول، وقد كاد أن يلتزم ذلك في كلِّ ما ذكره. ومن أظهرها (المقاييس) و (المجمل) لابن فارس6، و (التّنبيه والإيضاح) لابن   1 أي في (م ق أ) . 2 الدُّرّ اللَّقيط 12ب، 13أ. 3 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 5أ، ب، 6ب، 7أ، 11أ، 12ب، 13أ، 20أ، 21ب، 22أ، 26أ، 27أ، 41ب، 58أ، 69ب، 148ب، 149أ، 161ب، 171أ، 196ب. 4 الدُّرّ اللَّقيط 57ب. 5 الدُّرّ اللَّقيط: 4ب، 57ب، 103أ، 104أ، 129أ، 149ب، 151ب، 162أ، 164أ، وغيرها. 6 الدُّرّ اللَّقيط 20 أ، 36أ، 41ب، 53أ، 58أ، 69ب، 84أ، وغيرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 941 برّي1، و (تهذيب الأسماء واللّغات) للنّووي2، و (مختار الصّحاح) للراّزي3، و (الرَّاموز) لمحمّد بن السيد حسن4، و (القول المأنوس) للقرافي5. ج- نقداته في الميزان: إنّ كثيراً ممَّا أثاره صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) من انتقادات واعتراضات على صاحب القاموس، كان فيه بعيداً عن التّحامل معتدلاً فيما ذهب إليه، أو كان فيه على رأي راجح6. ويدخل في هذا السّياق أخذه على صاحب (القاموس) تحميرَهُ مادّةً غير مهملة في (الصِّحاح) وهي مادّة (ق وح) 7 وذكر فيها قولهم: قاحة الدّار: ساحتها، وقد ذكرها الجوهريّ في مادّة (ق ي ح) 8 فلا وجه لتحميرها9. ويعدّ نقده فيما ناقض الفيروزآباديّ نفسه فيه، ممَّا أشرت إليه من   1 الدُّرّ اللَّقيط 4ب، 11ب، 57ب، 103أ، 104ب، 129ب، 149ب، 151ب، 162أ، وغيرها. 2 الدُّرّ اللَّقيط 35ب، 36أ، 166أ، ب، وغيرها. 3 الدُّرّ اللَّقيط 81 ب، وغيرها. 4 الدُّرّ اللَّقيط 66أ، 67ب، وغيرها. 5 الدُّرّ اللَّقيط 79أ، 100ب، 10أ، وغيرها. 6 الدُّرّ اللَّقيط 12أ، 14أ، ب، 22أ، 24ب، 36أ، 59ب، 60أ، 66أ، وغيرها. 7 ينظر: القاموس303. 8 ينظر: الصِّحاح 1/398. 9 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 49أ، ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 942 قبل من أبرز الجوانب النّقديّة؛ الَّتي لم يكن على صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) فيها مدخل للطّعن. وقد حالف التّوفيق داود زاده في أكثر المواضع التي نافح فيها عن الجوهريّ أو وَجَّهَ فيها كلامه نحو الصّواب، وهي كثيرة جدّاً، أذكر منها مثالين: المثال الأوّل: وهَّمَ الفيروزآباديُّ الجوهريَّ في قوله: "جاءاني على (فَاعَلني) فجئته أجيئه؛ أي: غالبني بكثرة المجيء فغلبتُه"1 فقال الفيروزآباديّ: (جاءاني وَهِمَ فيه الجوهريّ؛ وصوابه: جايأني؛ لأنّه معتلّ العين مهموز اللاّم، لا عكسه"2 فدافع صاحب (الدّرّ) عن الجوهريّ، وخرّج قوله على القلب؛ وذكر أنّ له مثيلاً في الحديث النّبويّ الشّريف3. وما ذهب إليه زاده وجهٌ؛ فقد رواه ابن سيده مطابقاً لرواية الجوهريّ، وذكر أنّ القياس فيه: جَايأني 4، ولذ ذكر الزَّبيديّ أنّ ما ذكره الفيروزآباديّ هو القياس، وما قاله الجوهريّ هو المسموع عن العرب5؛ فلا وهمَ فيه - حينئذٍ.   1 الصِّحاح (جيأ) 1/42. 2 القاموس (جيأ) 46. 3 الدُّرّ اللَّقيط 6أ. 4 ينظر: المحكم7/397. 5 ينظر: التَّاج (جيأ) 1/54. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 943 المثال الثّاني: وهّم الفيروزآباديّ الجوهريَّ في أصل كلمة (فَارَةِ المِسْكِ) وذكر أنّ الصّواب إيرادها في (ف ور) لفوران رائحتها1 وليس (ف أر) كما فعل الجوهريّ2، فقال زاده: "الفأرة هي الحيوان المعروف، وجمعها فئران، وفأرة المسك نافجته، وهي وعائه … وقد غلط من قال من الفقهاء وغيرهم: إنّ الفارة لا تهمز، وفرّق بين فارة المسك وغيرها من الحيوان، بل الصّواب أنّ الجميع مهموز، وتخفيفه بترك الهمز، كما في نظائره، كراسٍ وشبهه"3 وذكر أنّ ابن مالك جمع بين الفارتين في الهمز4. ولم يكن أمر الدِّفاع عن الجوهريّ ليحجب عن صاحب (الدُّرّ اللَّقيط) ما في (الصِّحاح) من خطأ أو خلاف المشهور في الأصول فثَمَّة مواضع وافق فيها صاحب (القاموس) وأيّده فيما انتقده؛ كحديثه في كلمة (جَبَذَ) وأنّها ليست مقلوبة من (جذب) 5 بل أصل مستقلٌّ برأسه؛ خلافاً للجوهريّ، فأيده زاده، وعضد قوله بقول الحريري6. ومنه دفاعه عن الفيروزآباديّ؛ الَّذي انتقد الجوهريّ في أصل   1 ينظر: القاموس (فأر) 583. 2 ينظر: الصِّحاح (فأر) 2/777. 3 الدُّرّ اللَّقيط 100ب، 101أ. 4 ينظر: إكمال الإعلام2/473. 5 ينظر: القاموس (جبذ) 423. 6 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 78أ، ب، وينظر: رأي الحريري في درّة الغوّاص 254. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 944 (النَّيّف) وهو (ن وف) وليس (ن ي ف) 1 وقد أشار زاده إلى اعتراض محمّد بن السّيد حسن في (الرَّاموز) بأنّه يشكل على هذا قولهم: نَيَّفَ على الخمسين؛ إذ لو كان واويّاً لكان ينبغي أن يقال: نَوَّف، فردّ عليه منتصراً للفيروزآباديّ؛ فقال: "لا إشكال؛ لمَِلا يجوز قلب الواو ياء على جهة التّخفيف على حدّ قولهم: صوَّان وصيّان، وطُوَال وطِيَال" 2. وثَمَّةَ مواضع نقديّة لم يحالفه الصّواب فيها؛ كانتقاده الفيروزآباديّ لتوهيمه الجوهريّ في أصل (الدَّيدَبُون) وأنّه (د د ب) 3 فنقل داود زاده أنّ أصل هذه الكلمة (د ب ن) عند ابن برّي 4 وأنّ وزنها (فَعْلَلُول) عند أبي عليّ الفارسيّ5. فإن صحّ ما ذهب إليه أبو علي فإنّها رباعيّة وأصلها (د د ب ن) والحقّ أنّ الكلمة تحتمل ثلاثة أصول؛ كما تقدَّم6 وأنّ ما ذكره الفيروزآباديّ هو الأقرب إلى أصل هذه الكلمة، فهي مثل (القَيْقَبَان) 7 من (ق ق ب) .   1 ينظر: القاموس (نوف) 1110. 2 الدُّرّ اللَّقيط 143ب. 3 ينظر: القاموس1543. 4 ينظر: اللّسان (دبن) 13/146. 5 ينظر: الدُّرّ اللَّقيط 180ب. 6 ينظر: ص (816) من هذا البحث. 7 القبقبان: خشب تعمل منه السّروج، وينظر: اللّسان (ققب) 1/685. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 945 ومن ذلك خطؤه في تقدير موضع الاعتراض عند الفيروزآباديّ حين يأتي بما ليس له علاقة بنقده، كقوله في مادة (ث ي ب) : (ثيبان ككَيْزَان اسم كُورة) 1 فهذه الجملة لا تدخل في اعتراض الفيروزآباديّ؛ لأنّ نقده موجّه لما جاء بعدها؛ وهو (الثّيّب) وما تلاه2.   1 الدُّرّ اللَّقيط 25ب. 2 ينظر: القاموس (ثيب) 82. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 946 المبحث السّادس: التَّادِلِيُّ في (الوِشَاحِ) كتاب (الوِشاح وتثقيف الرّماح في ردّ توهيم المجد الصِّحاح) 1 من أواخر الكتب القديمة؛ الَّتي ألفت في النّقد المعجمي؛ وموضوعه: ردّ ما أخذه الفيروزآباديّ على الجوهريّ، والانتصار له. وتدلّ ردود مؤلفه على المجد، وعرضه المسائل والآراء ومناقشتها – على حذقه وبراعته في اللّغة، وقدرته على الخوض في المسائل الصّرفية الدقيقة المتداخلة، والكتاب من أهمّ ما ألّف في هذا الفنّ. وعلى الرّغمِ من ذلك فقد ضنّت علينا المصادر بترجمة مصنّفه؛ فلا نكاد نعرف عنه إلاّ اليسير، وممّا نعرفه عنه اسمه؛ وهو: أبو زيد عبد الرحمن بن عبد العزيز التَّادِلي المغربي ثمّ المدني، ويبدو أنّه نشأ بالمغرب، ورحل عنه إلى المشرق؛ فنزل المدينة المنوّرة، ومكّة المكرّمة، ودرّس بهما، ثمّ استقرّ به المقام في مصر، وبها توفّي في حدود سنة 1200هـ 2. ويحدّثنا التّادلي عن دواعي تأليفه هذا الكتاب؛ فيقول - بعد ثنائه   1 طبع (الوشاح) قديماً بتصحيح الشّيخ نصر الهوريني، ونشر على هوامش الطّبعة القديمة للصّحاح، وهي طبعة نادرة، من الصّعب الظّفر بها؛ وقد استعنت في دراسته - على نسخته الخطّيّة - المحفوظة بمكتبة عارف حكمت. 2 من مصادر ترجمته: الوشاح2أ، والبلغة في أصول اللغة484، وإيضاح المكنون2/709. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 947 على الصِّحاح: "غير أنّ مجد الدّين صاحب القاموس أكثر من الانتقاد عليه؛ كما فعل الدّارقطني مع البخاري ومسلم، قيل: انتقد عليهما عشرة ومائتي حديث؛ والذي انتقده المجد على الجوهريّ نحو ثلاثمائة مسألة، والجواب عنها يحاكي جواب الصّحيحين؛ من كون الجوهريّ أنحى اللّغوييّن، وأعلم بعلم الصّرف الَّذي هو ميزان العلوم، وكونه مقدّماً على المجد في علم اللّغة، وشافه بها العرب العاربة، ومن صحاحه تخرّج المجد وعرف الصّناعة. وهذا؛ وإنّي استخرت الله تعالى في ردّ ما أورده المجد عليه من الإيهام والتّخطئة؛ من غير ادّعاء منّي ولا عصبيّة … إذ الرّجوع إلى الحقّ فريضة … والإنصاف من أخلاق المؤمنين"1. تحليل النّقد المعجمي في (الوشاح) : تنوّع النّقد المعجمي في كتاب التّادلي كتنوّعه في مصدره الأصلي (القاموس) ففيه نقد تداخل الأصول، إلى جانب التّنبيه على التّصحيف والتّحريف، وعلى الخطأ في الضّبط، ونقد الأسلوب، والتّفسير اللّغويّ الخاطئ، وغيره. ويمكن الكلام على نقدات التّادلي في التَّداخل من خلال ما يلي: أ- التّوزيع الإحصائي للنّقدات: بلغت المواضع النّقديّة بعامَّة في (الوشاح) نحو سبعين ومائتي موضع، وكان نصيب التَّداخل منها ثلاثة وثمانين موضعاً 2. وهذا يعني   1 الوشاح 2ب. 2 ينظر: الوشاح (أبأ) 4ب، (أشأ) 4ب، (ألأ) 4ب، (أثأ) 4ب، (جيأ) 4ب، (حبطأ) 5أ، (حفسأ) 8أ، (خجأ) 8أ، (زأزأ) 29، (قدأ) 211، (مقأ) 12ب، (نوأ) 15ب، (نيأ) 16ب، (ورأ) 16ب، (هوأ) 17أ، (توب) 17ب، (تخرب) 18ب، (ثيب) 19ب، (ذلعب) 20أ، (زلعب) 20ب، (جوث) 23ب، (زرجح) 24ب، (علهج) 24ب، (مذهج) 25أ، (بوح) 27أ، (فرطح27ب، (نتح) 28أ، (أفخ) 29أ، (تنخ) 29أ، (أبد) 30ب، (حسد) 31ب، (عنجد) 34أ، (قمحد) 236، (قمهد) 36ب، (جبذ) 38أ، (لذذ) 38ب، (تمر) 38ب، (صمعر) 42أ، (عور) 43ب، (قطمر) 44أ، (قنبر) 44أ، (قنسر) 44أ، (نطر) 44أ، (هنبر) 45أ، (كزز) 45أ، (هرجس) 46ب، (قنزع) 50أ، (هملع) 51أ، (رقف) 53أ، (طلخف) 55أ، (قرقف) 56أ، (نوف) 59أ، (عرق) 59ب، (غرنق) 59ب، (نبق) 60أ، (لوك) 60ب، (بأدل) 63أ، (قعثل) 67ب، (حتل) 63ب، (كول) 67ب، (ندل) 68ب، (توم) 70أ، (تلم) 70ب، (خوم) 72ب، (ددم) 73أ، (ديم) 73أ، (رأم) 73ب، (سدم) 73ب، (مرهم) 74ب، (وأم) 75ب، (ددن) 77أ، (أبه) 79ب، (دبو) 82أ، (زوا) 82ب، (ضصى) 85أ، (شكى) 85ب، (قنى) 87أ، (لدى) 87أ، (ليي) 87ب، (هفو) 87ب، (أيا) 88أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 948 أنّ التّادلي أغفل نحو ثلاثيّن موضعاً في (القاموس) 1. وقد بلغ ما في (الوشاح) من نقدٍ للتّداخل في البناء الواحد خمسين موضعاً؛ سبعة وأربعون موضعاً منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ، وثلاثة   1 ينظر على سبيل المثال المواد التّالية في القاموس: (أزب) 75، 0تألب) 78، (جيب) 90، (حنزب) 99، (حوب) 99، (ددب) 106، (لوب) 173، (حنت) 193، (قلح) 303، (صرد) 374، (مبد) 410، (جبذ) 423، (خنذ) 435، (بنصر) 452، (سعر) ، (صرر) 553، (فأر) 583، (عنظ) 900، (مهع) 988، (خفف) 1041، (كرف) 1096، (ضمحل) 1324، (ترجم) 1399. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 949 للتّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعي. وبلغ التّداخل بين بناءين مختلفين ثلاثة وثلاثين موضعاً؛ اثنان وثلاثون منها للتّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي، وواحد للتّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي. ولم يرد تداخل بين الخماسيّ والخماسي. وفيما يلي نِسَبُ هذه الأنواع: التّداخل بين الثّلاثيّ والثّلاثيّ: 56.62% ... 60.24 % التَّداخل بين الرُّباعيّ والرّباعي: 3.62% التَّداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي: 38.55% ... 39.76 % التَّداخل بين الثّلاثيّ والخماسي: 1.21% تظهر هذه الإحصائيّة غلبة التداخل في البناء الواحد؛ ولا سيّما في الثّلاثيّ، وعلى الرّغمِ من أنّ صاحب (الوشاح) أهمل ثلاثين موضعاً في القاموس فإنّ النِّسَب بين الكتابين متقاربة إلى حدٍّ كبير، وهذا يعني أنّ المهمل موزَّعٌ بنِسَبٍ متساوية. تقريباً - على الأنواع الأربعة. ب- منهج التَّادلي في النّقد المعجميّ: سار التّادليّ في التّرتيب العام لكتابه على نهج مدرسة القافية، وقد وفّق في اختياره هذا النظام؛ لأنّ فيه تسهيلاً على القارئ؛ إن أراد متابعة ما ذكره، والعودة به إلى أصوله في (الصِّحاح) و (القاموس) ، أمّا طريقته في العرض؛ داخل كلّ مادّة فإنّها لا تكاد تخرج عن أحد أسلوبين: الأوّل: أن يذكر انتقاد المجدِ الصِّحاحَ بنصّه، ثم يتبعه بنصّ ما قاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 950 الجوهريّ في ذلك الموضع المنتقد فيه، ويتلوه بالنّقول عن بعض العلماء؛ ذاكراً رأيه في أثناء ذلك، أو في نهايته1. الثّاني: أن يذكر انتقاد المجد بنصّه، ثمّ يعلّق عليه بما يراه في المسألة؛ مستدلاًّ ببعض النّقول من المظان، ومستأنساً بآراء العلماء قبله مصدّراً ذلك بقوله: قلتُ2. وكان التّادلي يعتمد - في طريقته في الاستدلال - على مقاييس العربيّة في الأصول؛ ومن أبرزها خصائص بعض الحروف في الزّيادة، وكثيراً ما كان يشير إلى أنّ الزّائد هو الَّذي يضيف معنًى جديداً للكلمة3. ومنها الاستعانة بالمعنى؛ الَّذي يدلّ عليه الأصل. وكان ينتصر للجوهريّ كثيراً بحمل ما يراه الفيروزآباديّ على المجانسة؛ كحديثه في (اذْلَعَبَّ) و (تَنُوخ) و (الَّذي) 4. ولم يكن التّادلي يعتدّ كثيراً في تمييز الأصول بعدم النّظير، وكان يقول: "إنّ الجزئيّة النّادرة لا تقدح في اطّراد الكليّة، وذلك كورود الحِبُكِ في إهمال: فِعُل … والدُّئِل في قلّة: فُعِل"5.   1 ينظر: الوشاح11أ، ب، 12أ، 14أ، 17أ، 29أ، 34أ، 42أ. 2 ينظر: الوشاح 4ب، 5أ، 8أ، 15ب، 18ب، 19أ، 23ب، 36ب. 3 الوشاح 45أ. 4 الوشاح (على التّوالي) 20أ، ب، 29أ، 38ب. 5 الوشاح (على التّوالي) 25أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 951 ومن أهمّ مصادره الَّتي أكثر من الأخذ عنها (مختصر العين) للزُّبَيدي، و (المجمل) لابن فارس، و (التّنبيه والإيضاح) لابن برّي، و (المغرب) للمطرِّزي، و (ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم) لعليّ بن نشوان الحميريّ؛ ولم يكد يذكر موضعاً دون أن يرد اسم أحد هذه الكتب الأربعة، ويليها في كثرة الأخذ عنه (المجرّد) لكُراع، و (المصباح) للفيّوميّ، و (تهذيب الأسماء واللّغات) للنّووي. ويبدو أنّ التّادلي لم يطّلع على كثير من أمَّات المصادر. ومن بينها الكتب المتاخّرة؛ الَّتي عنيت بالنّقد المعجميّ في (الصِّحاح) و (القاموس) كـ (نُفوذُ السَّهم) و (الدُّرّ اللَّقيط) و (إضاءة الرّاموس) . ج- نقداته في الميزان: جمع التّادلي ما وجّهه الفيروزآباديّ من وهمٍ لصاحب الصِّحاح؛ بهدف التّصنيف في تخطئة صاحب (القاموس) والانتصار للجوهريّ، وقد ظهر ذلك جلياً في عنوان الكتاب؛ فهو (تثقيف الرماح لردّ توهيم المجد الصّحاح) ولا أثر فيه للموازنة أو المحاكمة. ثمّ إنّ المؤلّف أراد أن يهيّئ القارئ لقبول ما هدف إليه؛ فأخذ يحشد له آراء العلماء في فضل الجوهريّ وعمله، وأنّه أنحى اللّغويين، وخطيب المنبر الصّرفي، وأنّ معجمه الصّحاح أعظم معاجم اللّغة قاطبة وأشهرها، وأنّه في كتب اللّغة بمنزلة صحيح البخاري في كتب الحديث1، وأراد أن يردّ كلّ ما وجّه إليه من نقدٍ؛ فلا نعجب أن نجد التّادليّ يقول صراحةً: إنّه يقبل كلّ ما قاله وإن   1 الوشاح (على التّوالي) 2ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 952 تفرّد به1. ولسنا في حاجة إلى القول: إنّ الجوهريّ - كغيره من اللّغويّين - غير مبرّء من السّهو أو الخطأ، وإنّ في معجمه غير قليل من الخطأ؛ ممَّا نصّ عليه القدامى وأبانوه، ولكنّنا نقول: إنّ هذا المنهج اضطرّ التَّادليَّ إلى أن يهمل بعض الانتقادات؛ ممَّا لم يجد له ردّاً على الفيروزآباديّ. لقد اتّهم المؤلّف صاحب (القاموس) بالتّجنّي والهوى وسوء الفهم، ووصفَ النّسخة الَّتي عثر عليها من الصِّحاح، واعتمدها في ردّه بأنّها كانت مصحّفة محرّفةً من نسخ العجمِ، كما وصفه بسوء وضع الألفاظ؛ نتيجةً للخلط بين المهموز والمعتلّ، والواويّ واليائيّ، ونحو ذلك2. وعلى الرّغمِ من هذا كلّه لا يخلو التَّادلي من صفة الإنصاف في نقده، فلا ينسب في كلّ ما قال إلى التّحامل، ففي كتابه جهد ظاهر في النّقد المعجميّ، وُفِّق في بعضه، وخانه التّوفيق في بعضه الآخر. وممّا كان الصّواب حليفه فيه: ردّه على صاحب (القاموس) لانتقاده الجوهريّ في (اللِّدَةِ) بمعنى التِّرب؛ إذ جعلها الجوهريّ في مادّة (ول د) 3 ويرى المجد أنّ هذا وهمٌ، وأنّ مكانها الصحيح (ل د ي) 4 فقال التَّادلي: (عبارة الجوهريّ في فصل الواو من باب الدّال: ولِدَة   1 الوشاح (على التّوالي) 39ب. 2 الوشاح (على التّوالي) 2ب-4ب. 3 ينظر: الصِّحاح 2/554. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 953 الرّجلِ: تِرْبُهُ؛ والهاء عوض من الواو الذَّاهبة من أوّله؛ لأنّه من الولادة، وهما لدان، والجمع لِدَاتٌ ولِدُون. وقال ابن فارس: واللِّدة نقصانه [الواو] لأنّ أصله [ولِدَةٌ] 1. وقال الزُّبيديّ: والولَدُ: الصَّبيّ، واللِّدَة: التِّرْبُ، والوليدة الأمة. وقال صاحب (الضِّياء) 2: "وممّا ذهبت واوه فعُوِّض هاء اللِّجَةُ بمعنى الوُلُوج، ولِدَةُ الإنسان: من يولد معه في وقتٍ واحد، والجمع لِدَاتٌ. قلتُ: لا وجه لذكر اللِّدَة مع لدى. تأمّل ذلك"3. والحقّ أنّ التَّادلي كان مصيباً في اعتراضه على المجد، وانتصاره للجوهريّ؛ لأمور منها: الأوّل: أنّ أكثر العلماء على ما ذهب إليه الجوهريّ؛ وهو أنّ المحذوف من اللِّدَةِ الواوُ من موضع الفاء، وليس اللاّم؛ ومن هؤلاء: الخليل4، والزّمخشريّ5، والصَّغَانيّ6، وابن منظور7، والزَّبيديّ8. الثّاني: عودة المحذوف إلى مكانه؛ وهو الفاء؛ في بعض تصانيف   1 في نص التّادلي بعض اضطراب، والتصحيح من المجمل4/937. 2 يعني علي بن نشوان في (ضياء الحلوم) . 3 الوشاح87ب. 4 ينظر: العين8/71. 5 ينظر: الأساس508. 6 ينظر: التكلمة (ودل) 2/363. 7 ينظر: اللّسان (ولد) 3/469. 8 ينظر: التَّاج (ولد) 2/540. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 954 الكلمة؛ كالتّصغير؛ فقد حكى الصَّغانِيّ في روايته عن ابن السِّكّيت أنّ "من قال في جمع لِدَةٍ: لِدَاتٌ، قال في التّصغير: وُلَيدَاتٌ؛ ردّاً إلى الأصل، ومن قال: لِدُون قال: وُلَيْدُون. ومن العرب من يقول في تصغير لِدَات: لُدَيَّاتٌ على الغلط؛ يتوهّم أنّ نقصان: لِدَةٍ، من آخرها، ومن قال هذا قال في تصغير لِدُون: لُدَيُّون"1. وكان الفيروزآباديّ ذكر (اللِّدَة) في (ول د) على الصّواب؛ خلافاً لما ذكره في (ل د ي) واستدلّ بالتّصغير2 - أيضاً. ولو تنبّه التَّادلي إلى هذا التّعارض في القاموس لكفاه. الثّالث: أنّ سبيل العرب إذا حذفوا في أول الكلمة عوّضوا في آخرها؛ مثل: عِدَةٍ، وزِنَةٍ؛ وإذا حذفوا من آخرها عوّضوا في أوّلها؛ مثل: ابنٍ، واسمٍ3. ولمّا كان التّعويض في كلمة (لِدَةٍ) في آخرها دلّ على أنّ المحذوف كان من أوّلها. على أنّ هذه القاعدة ليست مطّردةً؛ فثَمَّةَ كلمات عُوِّضَ في آخرها، وكان المحذوف من آخرها –أيضاً؛ مثل: العِضَةِ، والشَّفَةِ. وممّا تحامل فيه التَّادلي على صاحب (القاموس) ما في ثانيه نون ساكنة من رباعيٍّ أو خماسيٍّ؛ فقد اعتاد الجوهريّ أن يضع نحو: الخِنْصَرِ   1 التكلمة (ودل) 2/363. 2 ينظر: القاموس (ولد) 417. 3 ينظر: الإنصاف1/8، 9. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 955 والعَنْبَسِ والحِنْزَقْرِ - في أصول ثلاثيَّةٍ؛ جاعلاً النّون زائدة؛ وكان الفيروزآباديّ ينتقد الجوهريّ في تلك الأصول؛ ممَّا صحّ أنّه رباعيّ بأصالة النّون؛ ومثال ذلك ما قاله التَّادليّ في (القَنْبَر) 1 و (القِنَّسْرِ) 2 و (الهِنبرِ) 3 و (القُنْزَعَةِ) 4 وغيرها؛ فإنّه لم يعدم حجّة يردّ بها على الفيروزآباديّ؛ وهي –هنا كما يقول - أنّ (قاعدة الجوهريّ في النّون السّاكنة إن صحبت أكثر من أصلين ذكرها من مادّة الأصول [هكذا] أصليّة كانت؛ كجَنْدَلٍ في (ج د ل) وجُنْدُبٍ في (ج د ب) أو زائدة؛ كحَنْظَلٍ في (ح ظ ل) … وسَنْبَلَ الزَّرعُ في (س ب ل)) 5. والحق أنّه لا عبرة بهذه القاعدة؛ إذ خالفت مقاييس اللّغة؛ فالعبرة بالقواعد المقرّرة عند جمهور العلماء، وقاعدتهم في النّون الثّانية السّاكنة في الرُّباعيّ أو الخماسيّ أنّها أصليّة حتّى يقوم دليل على زيادتها؛ لأنّك لا تجد أُمَّات الزّوائد في هذا الموضع - كما قال سيبويه6. فكان يجدر بصاحب (الوشاح) إن أراد الإنصاف - أن يحكم بين الرّجلين وفق القواعد المقرّرة عند جمهور العلماء؛ لا وفق ما يراه أحدهما؛   1 ينظر: الوشاح44أ. 2 ينظر: الوشاح 44أ. 3 الوشاح 45أ. 4 الوشاح 50أ. 5 الوشاح44أ. 6 ينظر: الكتاب4/323. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 956 على أنّ ما استنبطه التدليُّ لا يخلو من نظر؛ لأن الجوهريّ لم يخالف في هذه القاعدة، ألا ترى أنّه جعل هذه النّون أصلاً في اثنين وثلاثين جَذراً رباعيّاً1، وجعلها أصلاً في خمسة جذور خماسيّة2؟ وهذا ينقض ما احتجّ به التَّادلي. ومن ذلك أنّ التَّادلي قد يردّ على المجد؛ منتصراً للجوهريّ في بعض الأصول الرباعيّة أو الخماسية؛ مثل: المُعَلْهَجِ؛ وهو: الأحمق اللّئيم، و (الطِّلَحْفِ) وهو: الشَّديد، و (الحُنْتَال) البُدِّ؛ فلا يخلو ردُّه من غرابة؛ وهو أنّه يرى أنّ بعض المعجميّين لا يعتدّون فيما زاد على الثّلاثيّ إلاّ بالحرف الأخير؛ فها هو يقول في ردّه على المجد في المُعَلْهَجِ: "وابن فارسٍ ذكره في باب ما زاد على ثلاثة أحرف، وذلك لا يقتضي زيادة الهاء فيه ولا أصالتها؛ لما سبق أنّهم لا يعتبرون فيما زاد على الثّلاثيّ إلاّ أصالة الحرف الأخير، ولهذا ذكروا: الهِبْلَعَ، والهِجْرَعَ في الرُّباعيّ مع الاتفاق على زيادتهما؛ لأنّهما من البَلْعِ، والجَرْعِ"3. ولا ينفكّ يردّد هذه الفكرة؛ فقد قال في موضع آخر في ردّه على المجد في كلمة حُنْتَال: "والذي أوهم المجد كون مثل هذه الأوزان يذكرونها في باب الرُّباعيّ والخماسيّ؛ وقد تقدَّم أنّ العبرة عندهم في ذلك أصالة   1 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم الصحاح73. 2 ينظر: دراسة إحصائيّة لجذور معجم الصحاح 91. 3 الوشاح 24ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 957 الحرف الأخير لا غير"1. ولا بدّ في الرّد على التَّادليّ في هذه المسألة من شيء من البسط؛ فأقول: إنّ أوّل ما يلحظ في كلامه التّعميم، والجمع بين نظامين مختلفين في مدرستي التقليبات والصدور (الأبتثية) ؛ ولا بدّ - هنا - من التّفريق؛ فأمّا التّقليبات فإنّ ما ذكره لا ينطبق عليها، ويكفي - هنا - أن أقول: إنّ ما ذكره التَّادليّ من أنّهم يضعون الكلمة في باب الرُّباعيّ أو الخماسيّ؛ ناظرين إلى أصالة حرفها الأخير فحسب كلام لا يقبله نظام هذه المدرسة؛ القائم على التّقليب؛ الَّذي لا يعتدّ بحرف أوّل أو آخر؛ فالحرف يدور؛ فما كان أوّلاً يعود آخراً، وما كان آخراً يعود أوّلاً. ثمّ إنّ نظرة سريعة تلقى على ما جاء في الرُّباعيّ وحده تكفي لنفي ما ذكره التَّادليّ؛ أليس من طريقتهم أنّهم يضعون نحو: (زُرْقُمٍ) و (سُتْهُمٍ) و (شَدْقَمٍ) في باب الرُّباعيّ، مع نصِّهم على أنّ الحرف الأخير في هذه الكلمات زائد؟ أمّا المدرسة الهجائيّة العاديّة فإنّ التّادليّ أشار فيها إلى معجمين: (المجمل) لابن فارس، و (المغرِب) للمطرِّزيّ؛ ولا يستطيع أحد أن يقول: إنّ ابن فارس وضع كلماته الرباعيّة أو الخماسيّة؛ ناظراً إلى أصالة الحرف الأخير فحسب؛ بل إنّ صنيعه كان عكس ذلك تماماً؛ إذ كان يعتدّ بالحرف الأوّل فحسب، وهو حرف الباب. بقي عمل المطرِّزيّ في (المغرِب) ويظهر أنّه هو أساس هذه الفكرة؛ الَّتي اقتبسها التَّادليّ وعمّمها، وقد نصَّ التّادلي عليه صراحةً في   1 الوشاح 63ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 958 بعض المواضع؛ فقال: "وقد صرّح المطرِّزيّ بهذا الصّنيع من كونهم يعتبرون في الرُّباعيّ والخماسيّ أصالة الحرف الأخير؛ قال في خطبة المغرب 1: فقدّمتُ ما فاؤه همزةً، ثمّ ما فاؤه باءٌ حتّى أتيت على الحروف كلِّها، وراعيت بعد الفاء العين ثُمَّ اللاّم، ولم أراعِ فيما عدى الثّلاثيّ بعد الحرفين إلاّ الحرف الأخير الأصلي"2. ولا شكّ أنّ هذا الَّذي ذهب إليه المطرِّزي يؤدّي إلى اختلال التّرتيب؛ لأنّه يهمل بعض الحروف الأصول، ولا يعتدّ بها؛ فلا سبيل محكماً فيه إلى ترتيب الكلمات الرّباعيّة والخماسيّة، الَّتي تساوت في الحرفين الأولين والحرف الأخير؛ مثل (ق س ط ل) و (ق س ط ب ل) وكذلك (خ ز ع ل) و (خ ز ع ب ل) . فمن غير المقبول - إذن - أن يردَّ التّادلي على الفيروزآباديّ، وينتصر للجوهريّ؛ مستدلاًّ بمنهجٍ غير منهجهما؛ لا يعتدّ بكلّ أصول الكلمة. وثَمَّةَ مواضع مختلفة في (الوشاح) لم يخل ردُّ مؤلّفه فيها من تحاملٍ أو تعنّتٍ؛ ولعلّ من أبرزها أنّه وجد المجد ينتقد الجوهريّ لأنّه جعل (الهَمَلَّعَ) وهو: السَّريع من الإبل - في الثّلاثيّ (هـ ل ع) 3 ونصَّ المجد   1 ينظر: المغرب1/21. 2 الوشاح24أ. 3 ينظر: الصِّحاح 3/1308. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 959 على أنّه رباعيّ 1؛ فقال التَّادليّ: (بل هو خماسيٌّ؛ إذا نظرت إلى أصول البنية؛ كما تقول في زَكَّى: رباعيّ؛ وهو ثلاثيّ في الرّسم؛ والجوهريّ قال: وأظنّ اللاّم زائدة ولم يجزم) 2 فقول التَّادليِّ: (بل هو خماسيٌّ … ) لا داعي له في نقد الأصول البتَّة، وهو من المسلّمات؛ الَّتي لا تخفى على المبتدئين في علوم اللُّغة. وقد ذهب التَّادلي إلى أبعد من ذلك؛ حين زعم أنّ الفيروزآباديّ لا يعرف مواضع الزّيادة3. وثَمَّةَ مواضع كان ردّ التّادلي فيها مبنياً على خطأ صريح، أو كان استنتاجه فيها غير صائب؛ كردّه في أصل (الدَّيْدَبُون) 4 وأصلِ (الشَّاصِلَّى) 5. وعلى الرّغمِ من هذه الهفوات فإنّ التّادليّ في (الوشاح) أبان عن دراية واسعة باللُّغة، وقدرةٍ طيّبةٍ في العرضِ والرَّدِ والاستدلال؛ ممَّا بوّأه مكانة مرموقة في النّقد المعجمي. وبعد؛ فلعلّ فيما سقناه، في هذا الفصل، ما يكفي للإبانة عن أثر تداخل الأصول في النّقد المعجمي، وإسهامه في إثراء حركة التأليف   1 ينظر: القاموس (هملع) 1003. 2 الوشاح 15أ. 3 ينظر: الوشاح 18ب. 4 ينظر: الوشاح 77أ، ب. 5 الوشاح 85أ، ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 960 المعجمي؛ المتمثّلة في الرّدود والانتصارات والموازنات والتّعليقات والتّنبيهات ونحوها. وقد تأكّد - في خلال هذا الفصل - كثرة التَّداخل في البناء الواحد، ولاسيَّما الثّلاثيّ، وشيوعه بين الثّلاثيّ والرّباعي، وقلته بين الرُّباعيّ والرّباعي، وندرته بين الخماسيّ والخماسي. وبحساب متوسّط النِّسَب في الكتب السّتّة السّابقة نصل إلى النّتائج التّالية: ... ابن بري ... الصَّغانِيّ ... الصّفدي ... الفيروزآباديّ ... داود زاده ... التَّادلي ... المتوسط التَّداخل في البناء الواحد ... 82.85% ... 47.5% ... 70.85% ... 61.94% ... 68% ... 60.24% ... 66.896% التَّداخل في البناءين ... 17.14% ... 52.5% ... 19.14% ... 38.05% ... 32% ... 39.75% ... 33.096% الجزء: 2 ¦ الصفحة: 961 النقد المعجمي عند المتأخرين تمهيد الفصل الثاني ... الفصل الثاني: النقد المعجمي عند المتأخرين تمهيد استمرت حَرَكة النَّقد المعجميّ نشطة قويّة في العصر الحديث؛ بل ظَهَرت دراسات عامّةٌ تبحث في خصائص المعاجم العَرَبية وفي عيوبها، أو في خصائص شيءٍ منها وما فيه من نقائض. وظهرت معاجم هَدَفَ أصحابها منها إلى سدِّ مواطِنِ النَّقصِ في المعاجم القديمة، وإضافة ما جدَّ من ألفاظٍ، وما تطوَّر من معانٍ؛ ممَّا تتطلبه مستجدَّات العصر؛ ووضْعِها في قالب معيّنٍ من الترتيب، سَهْلِ المَأخَذ، مُفْصِحٍ عن سِرِّ العربيَّة في الوَضْع؛ كما ظهر هذا الأخير جلياً عند الشِّدْياقِ في معجمه (سِرِّ اللَّيال في القلب والإبدال) . ولم يكن ما بدا جديداً في أمر الترتيب سوى استلهام لما جاء عند بعض المعجَمِيِّين القُدامى في مدرسة الصدور المدرسة العاديَّة؛ التي تراعي الحرف الأوَّل في أصل الكلمة؛ ثمَّ الذي يليه، وهكذا بقيَّة الحروف. على أنَّ المتأخرين تميَّزوا بالدقة والبراعة فيما يتصل بالترتيب الدَّاخليِّ لكل مادَّة؛ وقدموا الأفعال على الأسماء، والمجرَّد على المزيد، والمعنى الحسِّيِّ على المعنى المجازيِّ، والفعل اللاَّزم على المتعدي1 ودخلت في تضاعيف هذا التنظيم دواعي الاختصار واستخدام الرُّموز، وتوظيف الرسُّوم والصُّوَرِ في إيضاح المعنى.   1 ينظر: المعجم الوسيط 1/14. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 965 وإنَّما ظَهَرَ التَّجديد ضمن الإطار الشَّكليِّ؛ فكان جانب المضمون أقلَّ خظًّا؛ فقلّت عنايتهم فيما ألَّفوه من معاجم بأصل المعنى؛ ولم يُراعوا التَّدَرُّج التَّاريخيَّ للدِّلالة1. وكان من أهمِّ ما أخذوه في دراساتهم النَّقديَّة المختلفة: 1- صعوبة التَّرتيب والتبويب في بعض المعاجم. 2- الحشو والاستطراد. 3- إهمال التَّرتيب الدَّاخليِّ للمادة الواحدة، وتكرار الصِّيغ فيها. 4- التَّصحيف والتَّحريف. 5- قُصور التَّعريف2. وثمَّة مؤلفات عُني أصحابها بالاستدراك على المعاجم العربيَّة القديمة أو بتصحيحها؛ ومنها: المأنوس من لغة القاموس، للشيخ محمد رضا الشبيبي؛ واختار فيه ألفاظاً معيَّنة من القاموس، وترك غيرها؛ فهو أقرب إلى كتب الاختيار؛ والجانب النَّقديُّ فيه قليل3.   1 ينظر: حركة الإحياء اللغوي 32. 2 ينظر: الجاسوس 5-36، والمعجم العربي 749-759، والبحث اللغوي عند العرب 295-300، وفي شوائب المعاجم (مجلة المشرق سنة 1931م مجلد 29 ص 683-688) . 3 ينظر: الدراسات اللغوية في العراق 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 966 2- تصحيح أغلاط لسان العرب وتاج العروس، للأب أنستاس الكَرْمِليّ؛ وهو كتاب مفقود نُهبَ -كما قيل- من خزانة الأب في أثناء الحرب العالمية الأولى1. 3- تصحيح القاموس المحيط، لأحمد تيمور، ونبَّه فيه على ما وقع من الأغلاط في القاموس. 4- نقد أساس البلاغة، لحسين محفوظ. 5- تحقيقات معجميَّة، لمَرْمَرْجِي الدُّومنكيّ؛ وهي أربع مقالات نشرها الدُّومنكيّ في مجلة المجمع العِلميِّ العربيِّ بدمشق2. وممَّا يلفت النَّظر - ابتداءً - ضعف عناية المتأخرين بنقد تداخل الأصول وانصرافهم عنه إلى أشياء أخرى في المعاجم ليست أكثر أهمِّيَّةً منه؛ فشغلوا بها عنه، أو عَرَضَ له بعضهم فأوجَزَ غاية الإيجاز؛ كما فعلَ العطَّار3 والدُّكتور أحمد مختار عُمر4.   1 ينظر: مجلة لغة العرب، المجلد الرابع 1926م ص 389، والمباحث اللغوية في العراق 35. 2 ينظر: م23، ج4 (1948م) ص 544-554، وم24 ج1 (1949م) ص 47-58، وم24 ج2 (1949م) ص 207-221، وم24 ج3 (1949م) ص 355-371. 3 ينظر: مقدمة الصّحاح 141. 4 ينظر: البحث اللّغوي عند العرب 329. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 967 وقد رأيت أن أبسط الكلام عن هذا كلَّه في خلال ثلاثة مباحث تُلِمُّ بجُلِّ ما ذكرُوه، أحدُها خاصٌ بالنَّقد المُعجميِّ عند الشِّدياق في (الجاسوس) . والثاني: خاصٌ بالنقد المُعجَميِّ عند الدكتور حُسين نَصَّار في كتاب (المعجم العربيِّ) . ويعرض الثَّالث لبعض ما تفرَّق من النقد المُعجميِّ عند المتأخرين في كتبهم العامَّة، وأبحاثهم المتنوِّعة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 968 المبحث الأوَّل: الشِّدياق في (الجاسوس على القاموس) يُعدُّ أحمد فارس الشِّدياق من روّاد المعجم العربيِّ في العصر الحديث، ويُعدُّ كتابه (الجاسوس) أوسَعَ دراسة منظمة في النَّقد المعجمي قديماً وحديثاً، كان أُسُّهُ (القاموس المحيط) الذي غدا من أشهر المعاجم في العصور المتأخرة، وأكثرها تداولاً بين أبناء العربيَّة؛ فاتخذه الشِّدياق مثالاً لما في المعاجم العربيَّة من عيوب أو نقص، واتَّخذ من نقده وسيلة للإبانة عن حاجة العربية إلى معجم جديد منقَّح، سَهل التَّرتيب، مُبين عن سرِّ الوضع في اللغة. ولم يكن اهتمام الشِّدياق في كتابه مقصوراً على نقده (القاموس) بل تعدَّاه لجملة من النَّقدات المتفرقة الموج‍َّهة لـ (التهذيب) و (الصحاح) و (اللسان) وغيرها؛ فجاء كتابه ذخيرة غنية بالمعلومات عن (القاموس) وغيره، ومرجعاً لا غنى عنه في النقد المعجميِّ. ويُمكن تلخيص الدَّوافع التي حملت الشِّدياق على تأليف (الجاسوس) في اثنين: الأول: غَيْرَتُهُ على اللغة العربية، وحث أهلها على حُبِّها، والتمسك بها، والرَّدِّ على من يقول: إنَّ العربيَّة لم تعد قادرة على استيعاب ما استجد في هذا العصِّر1.   1 ينظر: الجاسوس 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 969 الثاني: حِرْصُهُ على إحياء النِّشاط المُعجميِّ، وتنقية المعاجم العربيِّة مما يَشُوبها1؛ فرأى أن يتَّخِذ من نقد (القاموس) مثالاً لذلك؛ لبيان ما فيه من إيجاز مُخِلٍّ، وإيهام مضلِّ، وخلل في ترتيب المشتقات، وتصحيف وتحريف، والنَّاس راضون عنه راوون منه، وأراد أن يُبيِّنَ لَهم من الأسباب ما يَحُضُّ أهلَ العَرَبيَّة في زمانه على تأليف مُعجم سَهل التَّرتيب، واضح التَّعاريف، نقيٍّ من التَّصحيف والتحريف2. لقد استطاع الشِّدياق أن يقدِّم دراسة منظّمة في أبواب خالف فيها القُدامى الَّذين اتَّخذوا من التَّرتيب المعجميِّ للألفاظ منهجاً في العرض؛ فجاءت نقداتهم مبثوثة في ثنايا كلامهم؛ لا يحكمها نظام سوى ترتيب المادَّة؛ فجعل كتابه في أربعة وعشرين باباً، أتى فيها على جُلِّ ما يمكن أن يُوجَّه للقاموس أو غيره من نقد؛ كإبهام تعاريفه والتباسها بغيرها، وقُصور عبارته وغموضها وعجمتها وتناقضها، وما في ذلك من الإبهام في المصادر والمشتقَّات والعطف والجمع، وعدم خُضوعها لقواعد اللُّغة. كما تناول - بالنَّقد - ذُهول الفَيْروزاباديِّ عن معاني بعض الألفاظ؛ الَّتي وضعت لها في الأصل، وتعريفَهُ اللَّفظ بالمعنى المجهول؛ دون المعنى المعلوم الشَّايع، وتقييدَهُ المطلق، وتشتيته المشتقات وتكرارها، ووقوعه في الحشو والفضول، وخلطَه الفصيحَ بالضعيف، والرَّاجح بالمرجوح، وخروجه عن اللَّغة، ووقوعه في التَّصحيف والتَّحريف، وغير   1 ينظر: الجاسوس 5. 2 الجاسوس 2، 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 970 ذلك. وقد صَدَّرَ ذلك كله بمقدمة طويلة أتى فيها على مسائل متفرِّقة، وذَيَّلَ كتابه بخاتمة خَصَّها بصيغة افْتَعَلَ بين التعدِّي واللُّزوم. وكان نصيب تداخل الأصول وافراً في (الجاسوس) إذ أفاض في الحديث عنه في بعض الأبواب؛ وهي كما يلي: النَّقد التاسع؛ وهو مخصَّص لما أهمل المجدُ الإشارة إليه، أو أخطأ موضع إيراده. النَّقد السادس عشر؛ وهو مُفرد لما لم يُخطّئ المَجْدُ به الجَوْهَرِيَّ، مع مُخالفته له، وفيما خطَّأه به، ثم تابعه عليه. النَّقد الحادي والعشرون؛ وهو مخصّص لما ذكر في موضعين غير مُنَبِّهٍ عليه. كما نثر كثيراً من مسائل التَّداخل في مقدِّمته الطَّويلة، فتفوق بذلك في نقد الأصول؛ إذ تجاوز مَن سَبَقَهُ في غَزَارة مادَّته، ويؤكد هذا تحليل ما في كتابه، وإحصاء ما جاء فيه من نقْدٍ للتَّداخل؛ حيث حوَى كتابه نحو مائتي مادَّة1 خلا ما أثاره من قضايا حول التَّداخل في مقدمته الطويلة. ونستطيع أن نُبرزَ الجانب النَّقدي للأصول، في المسائل التَّالية:   1 ينظر على سبيل المثال الجاسوس 26، 27، 28، 29، 31، 32، 34، 35، 36، 287-293، 327، 337، 372، 395. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 971 أ- قضايا التَّداخل في المقدمة: عَرَض الشِّدياق - في مقدمة كتابه - لبعض ما يتَّصل بالتَّداخل من قضايا؛ كخصائص بعض الحُروف في التَّداخل، والاشتقاق، والمُعرَّب، وترتيب الرُّباعي المُضاعف، والتَّرتيب المعجميِّ. فمن الحروف الَّتي قد تُؤدي إلى التَّداخل الهمزة؛ وقد أدرك الشِّدياق دورها في هذا الشأن، ونشوزها على أقلام المؤلفين؛ فذكر أن أكثر ما يَزلق فيه صُنَّاع المعاجم من حيث إيراد الألفاظ هو ما كان فيه الهمزة، ومزلقتها أن بعضهم يَعُدُّها أصلية؛ ويَعُدُّها بعضهم الآخر زائدة أو منقلبة عن حرف علَّة؛ فنشأ بينهم خلاف فيها؛ وذكر أنَّ صاحب (القاموس) أفاد من هذا الخلاف؛ فأخذ بقول بعضهم لتخطئة الجَوْهَريَّ، وأنَّه أظهر التَّعنُّت في أوَّل كتابه. وقد استَدَلَّ الشِّدياق على رأيه بعدَّة مواضع انتقد فيها المَجدُ الجَوهريَّ؛ كانتقاده إيَّاه في مادة (أب أ) إذ ذكرَ فيها الأَبَاءة؛ القَصَبَة، وقرَّرَ أنَّ هذا موضعها الصَّحيح لا المعتلّ؛ كما توهَّمَه الجَوهريُّ وغيره1؛ ونقل الشِّدياق خلافهم في أصلها بما يرجِّح مذهب الجَوهريِّ؛ مستدلاً بأقوال المُحَشِّي2 وابن بَرِّي، ونصِّهم على أنَّ اختلاف العُلماء في أصل هذه الكلمة، وأنَّ القول بأنَّها مهموزة كان مذهب سيبويه وابن جِنِّي؛   1 ينظر: القاموس 41. 2 يعني: ابن الطّيّب الفاسيّ في حاشيته المسماة إضاءة الرّاموس وقد اعتاد الشّدياق أن يحيل إليه بهذا الوصف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 972 حملاً على الظَّاهرحتَّى يقوم دليلٌ على الياء أو الواو، ولكنَّهما لم يذكرا ذلك على طريقة الجزْم؛ إذ في كلامهما ما يدلُّ على الاحتمال؛ وهو لا يُدفع به اتِّفاق الجُمهور على كونه معتلاً؛ وهو اختيار أكثر أئمة اللُّغة من المتقدّمين والمتأخّرين، ومنهم الخليل، والجَوهريُّ، وذكرهم إيَّاه في الباب المعتلِّ هو الراجح1. ومما استدلَّ به على مزلقة الهمزة خلافهم في همزة (القِندَأْوِ) إذ ذهب بعضهم إلى أنَّها أصليَّةٌ؛ فتكون الكلمة من (ق د أ) ووزنها (فِنْعَلْو) وذهب بعضهم إلى أنَّها زائدةٌ وأنَّ أصل الكلمة (ق ن د) فيكون وزنها (فِعْلأو) 2. ومن تلك الحُرُوف النُّون؛ والشِّدياق يرى أن مزلَقَتها أعمُّ وأطمُّ؛ لأنَّها تلتبس في أوائل الألفاظ وأواسطها وأواخرها؛ ومثَّل للأوَّل بـ (النَّرجِس) أَشار إلى خلافهم في نُونه، ومثَّلَ للثَّاني بألفاظ منه: (الحِنزاب) وهو: الدِّيكُ، و (العُنْصُر) و (الغُرْنُوقُ) و (النَّخَارِيبُ) ولا يخفى أنَّ النُّونَ -في هذا الأخير- ليست وَسَطاً؛ وهو سَهْوٌ منه. ومَثَّلَ للثَّالث بـ (التُّرجمان) وانتقد صاحب (القاموس) لتحميره إيَّاه، مع أنَّ الجَوهريَّ ذكره، ولكن في الثُّلاثيِّ (ر ج م) ومنه: حَوْمانَةُ الدَّرَّاج، والرُّبَّان،   1 ينظر: الجاسوس 33، 34. 2 ينظر: الجاسوس 36. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 973 والدُّكَّان؛ والنُّون في ذلك كلِّه تحتمل أن تكون أصليَّةً، وأن تكون زائدةً1. وأراد الشِّدياق - في مقدمته- أن يُنَبِّه صُنَّاع المعاجم على مزْلَقَةِ تلك الحروف، ويَحُثَّ على التزام الحَذَرِ الشَّديد عند مُصادفتهم ما يقع فيه مثل تلك الحروف، وأن لا يَأخذوا برأيٍ فيها دُون آخر؛ ومن غير تدقيق وتمحيص، وعرْضٍ على مقاييس اللُّغة. والغريب أنَّه - مع دقّته وحرصه على الجمع والاستيعاب - لم يُنَبِّه على مَزْلَقة الميم؛ وهي كالنون في الالتباس، وأمرُها مشهورٌ؛ إذ تُشكل أوَّلاً، نحو: مكانٍ، ومدينةٍ، ومَذبحٍ، ووَسطاً نحو دُلامِصٍ، وهِرْماسٍ، وطِرِمَّاحٍ، وآخراً؛ نحو زُرْقُمٍ، وشَجْعَمٍ، وخَلْجَمٍ. ومن القضايا الَّتي عَرَضَ لها - في مقدمته - اختلافهم في الاشتقاق؛ وهو أَدْعَى لِشَحذِ الذِّهن، وإِعمال الفكرِ، وإِظهار البَرَاعة؛ ومثَّلَ له بخلافهم العَريض في أصل لَفْظ الجَلاَلة، و (القرآن) و (إلياس) ونَقَلَ عنهم قدراً صالحاً من الآراء والتَّوجيهات2. ويَلْحَقُ بهذا اختلافهم في اشتقاق المُعَرَّب والأعجميِّ؛ فقد أشار إلى التَّداخل في بعض الكلمات المعرَّبة كـ (الإستَبرَق) و (الفَيْلسوفِ) و (الأرْجوان) .   1 الجاسوس 38. 2 الجاسوس 45-46. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 974 وقال: "وفي الواقع فإنَّ اعتبار زيادة الحروف في الألفاظ العَجَميَّة أمرٌ غريب؛ لأنَّ شأن المزيد أن يُستغنى عنه بالأصل؛ الَّذي زيد عليه، وهُنا ليس كذلك؛ إذ لا شيءَ من الهمزة والألف والنُّون في: أرجوانٍ -زائد، ومن ثمَّ يتعيَّن إيراده في (أر ج) كما أشار إليه المُحشِّي1 حيث قال في: ما تريد: إن كانت هذه الكلمة عجميَّة؛ فالصَّوابُ أن تُعدَّ حروفها كلُّها أصولا؛ فتُذكر في فصل الميم"2. وما ذهب إليه الشِّدياق في جعل حروف المعرَّب أو الأعجميِّ جميعها أصولاً هو القول الرَّاجح؛ كما تقم في الباب الرَّابع3. وممَّا أثاره - في المقدمة - حديثه عن الخلاف الواقع بين المُعْجَمِييِّن في ترتيبهم الثُّلاثيِّ والرُّباعيِّ المُتَّحدين في الحروف الأوَّل والثّاني والرَّابع؛ نحو (خ ر ص) و (خ ر ب ص) و (خ ل ص) و (خ ل ب ص) و (س ر ق) و (س ر د ق) فذكر أنّ الجوهريَّ كان يُقدم الثُّلاثيَّ في ذلك كلِّه، وخالفه الفيروزاباديُّ؛ فعكس ذلك بتقديمه الرُّباعيَّ على الثُّلاثيِّ، ولم يخطِّئه. وحاول الشِّدياق أن يلتمس حُجَّة كلِّ منهما؛ فذكر أنَّ حُجَّة الجوهريِّ مَبنية على أنَّ الثلاثيَّ مقدم على الرُّباعيِّ في الطَّبعِ؛ فينبغي أن يُقدم عليه في الوضع. أمَّا المَجْدُ فكانت حُجَّته أنَّه لا يُوصل إلى الحرف الأخير إلاَّ بعد ما يتقدمه من الحروف. غير أنَّ صَنيع المجدِ في هذا كان   1 ينظر: التّاج (ترد) 2/308. 2 الجاسوس 28. 3 ينظر: ص (678) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 975 ينقصه الاطِّراد؛ إذ تابع الجوهريَّ في إيراد (ح ص م) قبل (ح ص ر م) و (خ ض م) قبل (خ ض ر م) و (س ر م) قبل (س ر ج م) فانتقده الشِّدياق فيه، وذكر أنَّ هذا دأبه؛ إذ لا يستقرُّ على طريقة واحدةٍ1. ويبدو أن الشِّدياق كان متردداً في ترجيح إحدي الطَّريقتين؛ إذ التزم الصَّمتَ في هذا الشأن. والرَّاجح تقديم الرُّباعي إن كان حرفه الثَّالث أسبق في الهجاء من الحرف الثَّالث في الثلاثيِّ، وتأخيره إن كان حرفه تالياً في الهجاء لما يُقابله في الثُّلاثيِّ؛ فمثال الأوَّل (خ ل س) و (خ ل ب س) فحقُّ الرّباعي -هنا- التَّقديم، ومثال الثَّاني (ز ح ف) و (ز ح ق ف) فحقُّ الرُّباعيِّ -هنا- أن يُؤخر عن الثُّلاثيِّ. والعِلَّةُ في هذا أنَّ المُعجم مبنيٌ على الحروف ومواضعها في التَّرتيب الهجائيِّ؛ وليس على الأبنية. وألحق الشِّدياق بذلك اختلاف المعجميِّين في موضع المضاعف، وأشار إلى الخلاف المشهور فيه بين البَصريِّين والكوُفيِّين2؛ وانتقد الفيروزابادي فيه، ووصف طريقته بالتخليط؛ فإنَّه يُورده، تارة في الثلاثيِّ على مذهب الكُوفيِّين؛ كما في كلمة (شلشل) وتارة في الرُّباعيِّ، كما في كلمة (سلسل) مع أنَّ المسافة بينهما قريبةٌ3. والحق أنَّ الفيروزابادي لم ينفرد بهذا التخليط، الَّذي أشار إليه الشِّدياق؛ فقد اشتركت فيه أكثر معاجم القافية؛ كما تقدَّم4.   1 ينظر: الجاسوس 39، 40. 2 ينظر: الجاسوس 40. 3 الجاسوس 293. 4 ينظر: ص (774) من هذا البحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 976 ومن القضايا المهمّة الَّتي عرض لها الشّدياق في مقدمته - ممَّا له صلة بتداخل الأصول حديثه عن الترتيب المعجمي، وانتقاده بعض المدارس، وقد بدأ حديثه بالكلام عن مدرسة التقليبات، وأشار إلى أهم المعاجم الَّتي اتبعتها، وانتهى إلى أنّ هذه المعاجم اتبعت نظاماً عسيراً زاده صعوبة التزامها الترتيب الصّوتي غير المشهور. غير أنّه أوهم مرتاد هذا النوع من المعاجم؛ حين قال: إنّ البحث عن الألفاظ فيها "صعب جداً؛ لأنّك إذا أردت أن تبحث مثلاً عن لفظة: رَقَبَ، لم تدر هل هي الأصل؛ فتبحث عنها في الرّاء، أو مقلوبة عن: قَرَبَ؛ فتبحث عنها في القاف، أو عن: بَرَقَ؛ وما بين هذه الحروف مسافة بعيدة"1. وهذا القول عجيب من الشدياق ومخالف لواقع تلك المعاجم؛ فإنّ القارئ لا يحتاج إلى هذه الاحتمالات الَّتي ذكرها؛ فحسبه - في هذه المعاجم - أن يعرف أسبق حروف الكلمة في الترتيب الصّوتي؛ بغضّ النّظر عن كونه فاء الكلمة أو عينها أو لامها؛ فـ (رَقَبَ) مثلاً تعود إلى كتاب القاف؛ لأنّه أسبق الحروف الثلاثة، ولمّا كانت الرّاء أسبق من الباء فالكلمة بجميع تقليباتها في باب القاف والرّاء والباء؛ أي في (ق ر ب) . وتحدّث الشِّدياق عن ترتيب الجوهريّ ومن تابعه؛ وهو ما يعرف بمدرسة القافية؛ فشرح طريقتها، وفضّلها على نظام التقليبات، ثمّ شرع في   1 الجاسوس 23. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 977 الكلام عن النّظام الثالث؛ وهو الَّذي اشتهر على يد الزمخشري في (الأساس) الَّذي يتخذ من الحرف الأوّل؛ والذي يليه إلى آخر الكلمة أساساً للتّرتيب؛ وهو ما يعرف - حديثاً - بالمدرسة الهجائيّة العاديّة وأسميه مدرسة الصدور؛ وقد ارتضى الشّدياق هذا المنهج، وفضّله على نظام القافية؛ لأنّ في هذا الأخير - أعني: نظام القافية - فصلاً لتناسب معاني الكلمة، ومواراةً لأسرار وضعها ومبانيها، وفيه إجحاف - كما يقول - بأحرف الكلمة؛ لأنّنا نرى أنّ كثيراً ممَّا ورد في باب الهمزة؛ وهي أول المعجم؛ يعاد في باب المعتلّ؛ وهو آخر المعجم؛ نحو: برأ الله الخلق وبراهم، وحضأ النّار وحضَاهَا؛ أي: أوقدها، بينما تقترب المسافة بينهما في النظام الآخر؛ الَّذي اتّبعه الزّمخشري1. كما أنّ الألفاظ؛ الَّتي تأتي من الثنائي المضاعف، تعاد - أحياناً - في نحو: أَلَّ وأَلَبَ، ورّبّ ورَبَىَ، ودَحَّ ودَحَا، وذكر أنّ أمثال ذلك لا يعدّ ولا يحصى؛ بينما تكون متقاربة في النّظام الهجائي العادي؛ وبهذا يفضل هذا النّظام على ما سواه؛ لأنّ فيه تظهر حكمة وضع اللّغة2 ولعلّ هذا ما دفع الشِّدياق إلى بناء معجمه (سرّ اللّيال) على هذا النّظام؛ فتكشّف له كثير من الأفكار، الَّتي نادى بها، ولا سيّما ثنائيّة اللغ ب- نقده ما جاء في غير موضعه: يؤدي تداخل الأصول إلى وضع الكلمة في غير موضعها الصحيح؛   1 ينظر: الجاسوس 24-27. 2 الجاسوس 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 978 لأنّ تغيير حرف واحد في الكلمة يعني تغييراً لموقعها في المعجم؛ وقد أدرك الشّدياق أهمية ذلك، وكان يعدّه خللاً بيّناً في التّرتيب 1 فعقد له باباً خاصاً؛ وهو النّقد التّاسع، خلا ما ذكره مفرّقاً في مقدّمته؛ وهو كثير. فمنه انتقاده المجد في (ع ل ل) 2 لأنّه أورد فيه قولهم: هو من عِلِّيَّةِ قومه، وعُلِّيَّتهم، وعِلْيَتِهم، وعِلِّيِّهم، وعُلِّيِّهم؛ وهو وصف له بالعلوّ والرِّفعة؛ فلا يخفى أنّ مكانه –على هذا المعنى - المعتلّ 3 كما فعل الجوهريّ4. ومن ذلك أنّه أخذ عليه ذكره (الأليّ) وهو الكثير الأيمان - في (أل ي) وحقّه أن يذكر في (أل و) فإنّه ذكر فيه آلى بمعنى: أقسم، وليس في اليائي ما يناسب هذا المعنى5. وأخذ الشِّدياق على المجد الاضطراب فيما ثماثل فاؤه وعينه؛ نحو: كَوْكَبٍ، وشَوْشَبٍ، قال: (ويلحق بذلك تخليطه فيما جاء على وزن (فَوْفَل) [هكذا] فإنّه أورد اللَّوْلَبَ في آخر مادّة (ل ب ب) ثمّ أورد المُلَوْلَب - بفتح لاميه للمرود - بعد مادة (ل وب) وأورد الكَوْكَبَ في مادّة على حدتها قبل (ك ل ب) وكان قياسه أن يوردها في آخر مادة (ك   1 الجاسوس 29. 2 ينظر: القاموس 1339. 3 ينظر: الجاسوس 288. 4 ينظر: الصِّحاح (علو) 6/2437. 5 ينظر: الجاسوس 292. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 979 ب ب) كما أورد اللَّوْلَبَ في آخر مادّة (ل ب ب) وأورد الشَّوْشَبَ - للعقرب - في (ش ب ب) … وأورد السَّاسَمَ - للأبنوس أو لشجر يشبهه - في مادّة على حدتها قبل (س ر ط م) فلم يعتبر أنّ أصلها (س س م) إذ لو اعتبر ذلك لأخّرها عنها؛ لأنّ الس‍ّين بعد الرّاء1. والحقّ أنّ ما ذكره الشِّدياق - هنا - موضع اضطربت فيه أكثر المعاجم، وموضع هذا النّوع الجذر الثّلاثيّ؛ فيكون الحرف الثاني المعتلّ زائداً؛ على أنّ جعل الشّدياق الكَوْكَبَ ونحوه على وزن (فَوْفَل) غير مستقيم؛ لأنّ فيه إهمال العين؛ فتكون الكلمة ثنائيّة، أو ثلاثية محذوفة العين؛ ولا دليل على ذلك، والرّاجح أنّ وزنها (فَوْعل) وهو ما يقتضيه سياق نقده؛ وهو ما عليه علماء العربيّة - أيضاً - على أنّه يمكن حمل كلام الشِّدياق على أنّه أراد ب - (فَوْفَل) الكلمة؛ وهي ثمر لنوع من النّخيل؛ وليس المراد الوزن؛ كقولنا: شَوْشَبٌ على وزن كَوْكَبٍ أي: نظيرها. وكان الشِّدياق يستعين كثيراً بالنّظائر في نقده صاحبَ (القاموس) أي: أنّه إذا وجده يضع الكلمة في أصل، وضع هو نظيرتها في أصل مغاير، فمن هذا قوله: (ذَكَرَ: قُوْسْ قُوْسْ في (ق س س) وحقّه أن يذكره في (ق وس) كما ذكر: أَوْسْ أَوْسْ في (أوس) 2. وقوله: "ذكر سَمَجُون - مُحرّكة - وسَمْجُون: من علماء الأندلس؛ في باب النُّون، وحقّه أن [يذكرهما] في الجيم والحاء، كما ذكر   1 الجاسوس 293. 2 الجاسوس 290. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 980 سَيحُون في الحاء، وابنَ سبعونَ في العين"1. وهكذا يستمرّ الشدياق في نقده الفيروزآباديّ فيما أورده في غير موضعه؛ غير أنّه لم يبيّن لنا الضَّرر المترتب على ذلك، أو ينبّه عليه. ج- نقده ما جاء في موضعين: تقدَّم أنّ من أهمّ نتائج التَّداخل أن توضع الكلمة الواحدة في موضعين أو أكثر. وفي (القاموس) شيء غير قليل منه، وقد تنبّه له الشِّدياق؛ فعقد له باباً؛ وهو النّقد الحادي والعشرون، وجمع فيه قدراً صالحاً من الشّواهد؛ وأكثرها ممَّا جاء في موضعين، وقليل منها ما جاء في أكثر من موضعين. وله في ذلك كله ثلاث طرق: إحداهنّ: أن يكتفي بالتّنبيه على التَّداخل بدون مناقشة أو تفصيل، كقوله: "ذكر الإرث في مادّته 2 وفي (ور ث) والإرَة للنّار في (وأ ر) و (أر ى) "3. وقوله: "ذَكَرَ السّيفنة في (س ي ف) و (س ف ن) وفِرْزَان الشَّطرنج في (ف ر ز) و (ف ر ز ن) " 4. وثانيتهنّ: أن لا يكتفي بالتّنبيه على التَّداخل؛ بل يتعدّاه إلى التّفصيل والمناقشة؛ مستأنساً في ذلك بآراء بعض العلماء - فتجيء نقداته بذلك   1 الجاسوس 289. 2 أي في (أرث) . 3 الجاسوس 377. 4 ينظر: الجاسوس 378. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 981 أكثر فائدةً؛ كنقده الفيروزآباديّ في تداخل كلمة الأوّل: ضدّ الآخر؛ فإنّه أوردها في موضعين: (وأ ل) و (وو ل) 1 ففصّل الشّدياق ما فيها من تداخل، وذكر أقوال النحاة، واختلافهم فيها، واستأنس بنصوص من (الصحاح) و (التكملة) و (سفر السعادة) و (المصباح) و (الكلّيات) وغيرها2. وقريب من هذا ما أورده في كلامه عن التَّداخل في كلمة (اسْتِ الدَّهرِ) 3 و (الدُّكّان) 4 و (اللِّدَة) 5. وثالثتهنّ: أن يورد التَّداخل، وينبّه على اختلاف الرواية في الموضعين، وقد تقدَّم - في الباب الرّابع - أن اختلاف الشّرح في الموضعين يعدّ من أعظم النتائج، وأشدّها ضرراً على القارئ؛ وقد فطن الشِّدياق لذلك؛ فألمح إليه حيناً، وصرّح به حيناً آخر؛ كقوله - بعد أن ذكر أنّ المجد أورد (الشَّنفَرَى) في موضعين: (ش ف ر) و (ش ن ف ر) : (وقال في الأوّل: إنّه: فَنعَلَى) 6 فهذا تلميح باختلاف الشّرح. ومن تصريحه به قوله: "ذَكَرَ الخِبَاءَ في المهموز والمعتلّ، وخالف في   1 ينظر: القاموس (وأل) 1378، و (وول) 1381. 2 ينظر: الجاسوس 372، 373. 3 ينظر: الجاسوس 374. 4 الجاسوس 378. 5 الجاسوس 384. 6 الجاسوس 379. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 982 التّعريف؛ فإنّه قال في الأوّل: الخِبَاءُ من الأبنية معروف، أو هي يائيّة، ثمّ قال في الثّاني: الخِبَاء من الأبنية يكون من وبر أو صوف؛ ولا يكون من شعر"1. ولم يقتصر نقد الشِّدياق في هذا الباب على ما جاء في موضعين؛ بل تعدّاه إلى ما جاء في ثلاثة مواضع فذكر منها بضع كلمات منها (الألوكَةُ) وهي الرسالة؛ فقد أوردها صاحب القاموس في ثلاثة مواضع؛ وهي: (أل ك) و (ل أك) و (م ل ك) 2. ومنها (اللاّت) اسم صنم، وأخذ عليه الشِّدياق فيها ذكره إيّاها في ثلاثة مواضع؛ وهي: (ل ت ت) و (ل وهـ -) و (ل وي) 3. والحقّ أنّ الشِّدياق كان دقيقاً في أكثر نقداته؛ وكان همّه البحث عن الصّواب؛ وهو يكون تارةً إلى جانب الجوهريّ، وتارة إلى جانب الفيروزآباديّ؛ وقد خالفهما إذا ثبت له بُعدهما عن الصّواب؛ فقد كان بعيداً عن الهوى، قريباً من الإنصاف. ولسنا في حاجة إلى إيراد أمثلة على ذلك؛ فالكتاب مليء به. بيد أنّه يؤخذ على الشِّدياق بعض أمور؛ منها: أنه قد ينتقد صاحب (القاموس) على شيء ثم يعود فينتقده على نقيضه؛ كاعتراضه عليه لإيراده الكلمة في الموضعين؛ وهو اعتراض في محله؛ يقتضيه النهج المعجمي   1 الجاسوس 376. 2 الجاسوس 373. 3 الجاسوس 382. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 983 في الترتيب، ولكنّه يأتي –بعد ذلك - بعكسه؛ فينصّ على أنّه كان عليه أن يورد الكلمة في موضعين، كما فعل حين انتقده في كلمة (العِفْرِيت) الَّتي ذكرها في (ع ف ر) بأنّ عليه أن يذكرها في (ع ف ر ت) أيضاً؛ لقولهم: تَعَفْرَتَ؛ وإلاّ فيكون في الكلام (تَفَعْلَتَ) 1. وهذا الَّذي ارتآه الشِّدياق غير سديد من وجهين: الأوّل: أن في مطالبته بإعادة الكلمة في التّاء مخالفةً للمنهج المعجمي الصحيح؛ الَّذي سار عليه هو، وانتقد المجد على وفقه، وعقد له باباً. الثاني: أنه ليس في قولهم: (تَعَفْرَتَ) دلالة قاطعة على أصالة التاء؛ لأنّ هذا محمول على توهّم أصالة الحرف الزّائد؛ وهو التّاء؛ على حدِّ قولهم: تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ؛ وليس في الكلام (تَمَفْعَل) . وممّا يؤخذ على الشِّدياق أنّه قد يختار أصلاً مرجوحاً يفتقد الدليل، ويترك أصلاً راجحاً؛ كانتقاده المجد لوضعه كلمة (اتْمَأَلَّ) بمعنى: طال واشتدّ - بين مادّتي (ت ل ل) و (ت م ل) أي في مادّة (ت م أل) 2 فقرّر الشِّدياق أنّ الصّواب أن تذكر هذه الكلمة في (م أل) كما ذكرت (اتْمَهَلَّ) في (م ? - ل) 3. والصّواب خلاف هذا لأمرين: الأوّل: أنّ (اتْمَأَلَّ) على وزن (افْعَأَلَّ) والهمزة فيه زائدة؛ وهو في الأصل؛ اتْمَالَّ؛ مثل: احْمَارَّ واصْفَار‍َّ، وله نظائر كثيرة لا تكاد تحصى؛   1 الجاسوس 288. 2 ينظر: القاموس 1254. 3 ينظر: الجاسوس 291. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 984 وقد تقدَّم بيان التَّداخل في هذا البناء، وأنّ الهمزة فيه جاءت فراراً من التقاء الساكنين، ولا سيّما في الشعر1؛ فيكون الأصل (ت م ل) ويليه في الاحتمال الأصل الرُّباعيّ (ت م أل) كما فعل صاحب القاموس؛ وهو موافق لرأي بعض العلماء في قولهم بأصالة الهمزة في هذا البناء؛ فيكون الوزن (افْعَلَلَّ) . الثّاني: أنّ جعله (اتْمَألَّ) من (م أل) يقتضي أن يكون وزنه (اتْفَعَلّ) وليس له نظير في أبنية العربية. والغريب أنّ الشِّدياق استدلّ على تخطئة الصّواب بالخطأ؛ وهو ذكر المجد (اتْمَهَلّ) في (م ? - ل) والصّواب أن يعكس ذلك؛ فيستدل على موضع (اتْمَهَلّ) ب - (اتْمَأَلَّ) لأنّه أقوى منه؛ وليس فيه ما يعارض أبنية العرب. وممّا يؤخذ على الشّدياق ما أورده - في أثناء حديثه عن التَّداخل في كلمة (الأُثْفِيَّة) في قوله: غير أنّ وزن الأُثْفِيَّة من (أث ف) : (فُعْلُولَةٌ) وجمعها على (فَعَالِيل) ومن (ث ف ي) : (أُفْعُولة) وجمعها على (أَفَاعِيل) . قال في اللّسان2: "رأيت حاشية بخطّ بعض الأفاضل، قال أبو القاسم الزمخشري: الأُثفِيَّة ذات وجهين: تكون: فُعْلُولة وأفْعُولة"3. فلا يخفى أنّ في قوله إنّ الأثفِيَّة إن أخذت من (أث ف) يكون وزنها (فُعْلُولة) - نظراً؛ وقد كرّر هذا الوزن مرّتين، وصوابه (فُعْلُوَّة) كما   1 ينظر: ص (702) من هذا البحث. (أنف) 3/9. 3 الجاسوس 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 985 ذكره الزمخشري في معجمه 1 على تقدير الأصل، قبل القلب؛ وهو (أُثْفُوَّة) ثمّ قلبت الواو تخفيفاً؛ وكسرت الفاء، فقالوا: (أُثْفِيَّة) أو (فُعْلِيَّة) كما في (العين) 2 وهو وزنها بعد القلب، وفي (اللّسان) نقلاً عن بعض الأفاضل عن الزمخشري أنّ وزنها (فُعْلُوية) ولا أدري كيف يجوز هذا؟ إلاّ أن يكون القلب بدأ في الواو الأخيرة؛ فقالوا: (أُثْفُويَة) ثمّ قلبوا الواو الأولى - أيضاً - فقالوا: (أُثْفِيَّة) فيكون (فُعْلُويَة) وزن (أُثْفُويَة) وليس ببعيد أن يكون هذا الوزن محرّفاً؛ لأنه يخالف ما في الأصل المنقول عنه؛ وهو (الأساس) للزّمخشري. أمّا قول الشِّدياق إنّه (فُعْلُولة) فلا تقبله أقيسة العربية؛ لأنّه يجعل من حرف العلّة المشدّد أصلاً؛ فتكون الكلمة رباعية من: (أث ف ي) أو (أث ف و) وهو غير مألوف؛ لأنّ الواو أو الياء لا تكونان أصلاً في بنات الأربعة، وأحسب أنه محرف من (فُعْلُوية) .   1 ينظر: الأساس 2. 2 8/246. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 986 المبحث الثاني: حُسين نصّار في (المعجم العربي) أخرج الدكتور حسين نصار سنة 1376هـ - كتاباً بعنوان (المعجم العربي، نشأته وتطوّره) 1 وهو يعدّ من أوائل البحوث؛ الَّتي عنيت بتاريخ المعجم العربي، ومن أغزرها مادّة، ووصف فيه مؤلّفه أكثر المعاجم العربيّة وأتى على مناهجها، والرّوابط العامّة الَّتي تربط بينها، وصنّفها في مدارس مختلفة؛ فجاء مرجعاً لا غنى لباحث في المعجم العربي عنه. وقد خصّص فيه فصلاً لعيوب المعاجم القديمة2 أتى فيه على جملة منها؛ فكان خلل الترتيب من أهمّها، وعرض فيه لتداخل الأصول؛ وإن لم يسمّه باسمه، وهو يعدّه من أهمّ مواطن الشّكوى فيما يتّصل بالترتيب، ويراه وراء الاضطراب الشّديد؛ الَّذي اعترض أصحاب المعاجم في وضع كثير من المفردات 3. وكان يعزو ذلك إلى سبب عام؛ وهو مراعاتهم لبعض الأحكام الصّرفيّة؛ كالاشتقاق، وأصالة بعض الحروف، وزيادتها "فقد أرغمهم هذا على تكرير كثير من الألفاظ؛ الَّتي اختلف الصّرفيّون في أصلها؛ الَّذي   1 وهو - في الأصل - رسالة علمية عالية نال بها مؤلفها درجة (الدكتوراه) وقد نوقشت بتاريخ 23/6/1953م، وأجيزت بمرتبة الشرف الأولى. 2 ينظر: المعجم العربي 47-759. 3 ينظر: المعجم العربي 754. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 987 اشتقّت منه، وادّعى كلّ منهم لها أصلاً، وغلّطَ بعضهم بعضاً، و [أرغمهم] على إيراد بعض الألفاظ في مواضع لا تخطر على بال الباحث … وعلى أن يختلف موضع كثير من الألفاظ عند أحدهم عنه عند الآخر"1. والحقّ أنّه ليس ثَمَّةَ إرغام على تكرير كثير من الألفاظ؛ لاختلاف الصّرفيّين فيها، وإنّما هو محض التزام من بعض المعجميّين، أو اختيار منهم، وهو مخالف للمنهج الصحيح في بناء المعجم، كما تقدَّم بيانه في الباب الرّابع؛ فلا يحسن بنا أن نحمّل التَّداخل فوق ما يحتمله. وعرض الدكتور نصار - فيما أتى عليه من الأحكام الصّرفيّة - لأشياء يمكن تفصيلها على النّحو التّالي: أ- الرُّباعيّ المضاعف؛ الَّذي عدّه الكوفيّون مشتقّاً من الثّلاثيّ، وعدّه البصريّون مادّة أصليّة، فاضطربت المعاجم بسبب اختلاف الفريقين، فمنهم من جعله في الثّلاثيّ، ومنهم من وضعه في الرُّباعيّ 2. ب- المهموز، وذو النُّون، والمعتلّ الواوي واليائي، فقد اختلفوا في أصالة الهمزة في كثير من الكلمات؛ كالأباءة، والأشاءَة، والحِنْطَأو، والغِرْقِئ، ففي حين يراها أصلية – يراها فريق آخر زائدة، أو منقلبة عن حرف علّة.   1 المعجم العربي755. 2 المعجم العربي 755. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 988 واختلفوا في النُّون؛ وهي من المزالق الصّرفيّة عند التأصيل؛ فإنّها تلتبس في أوائل الألفاظ وأواسطها وأواخرها، كما في نونات النَّرجس، والحِنْزاب، والحَوْمَانَةِ. وكان المعتلّ من الأمور الَّتي لم يخل موقفهم منها من الحيرة؛ فتخلّص كثير منهم من مزلقتها بجمع الواوي واليائي معاً 1. ج- المعَرَّب؛ وهو من الألفاظ؛ الَّتي وضعت بعيدة عن مواضعها، كالإستبرق في (ب ر ق) والأسْفَيْدَاج في (س ف د ج) والدكتور نصّار يوافق أكثر المعجميّين في أنّ النّظرة إلى المعرَّب بمنظار الزّائد والأصلي أمر غريب؛ لأنّ شأن المزيد أن يستغنى عنه، بالأصلي، وليس المعرّب كذلك؛ إذ لا شيء من الهمزة والألف والنّون في (أُرْجُوان) مثلاً - زائد. وهو يدعو - في هذا إلى أن يحذو صنّاع المعاجم حذو أصحاب كتب المعرَّب حين تجنّبوا تجريد المعرّب من أيّ زائد2. والدكتور نصّار محقّ في أكثر ما قاله - هنا - على الرّغمِ من الاقتضاب الشّديد فيما جاء به من أفكار وذكره من أمثلة. غير أنّه من البيّن أنّ جلّ ما ذكره في التَّداخل إنّما هو تلخيص أمين لما جاء في مقدّمة (الجاسوس) للشِّدياق؛ وهو لم يخفِ عنّا ذلك؛ فقد ذكر بين يدي هذا الفصل أنّ كتاب (الجاسوس) مع مقدمة (البستان) لبُطرس البستاني هما   1 المعجم العربي 755. 2 المعجم العربي 755. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 989 عمدته في النّقد المعجمي. د- الاشتقاق؛ وله فيه آراء اجتهادية جريئة لعلّه لم يسبق إليها، وخرج منها بنتائج جانبه التّوفيق في بعضها. إنّ الاشتقاق معدود عند الدّكتور حسين نصّار من أهمّ المشكلات؛ الَّتي تعتري المعجم العربي فيما يتّصل بالتداخل؛ كوضعهم التُّراث في (ور ث) والتَّخمَةَ في (وخ م) والدَّوْلَجَ في (ول ج) وهو يعيب على علماء العربيّة –قديمهم ومتأخريهم - التّمسّك بأنّ العربيّة لغة اشتقاقية [!] فيلزم على ذلك وضع الألفاظ في موادّ تقوم على الحروف الأصول وحدها، واستبعاد الحروف الزّوائد؛ المحصورة في قولهم: (سألتمونيها) وهو لا يعترف بما توصّل إليه علماء العربيّة في حروف الزّيادة العشرة. ويقول إنّ "البحث المقارن بين اللّغات السّاميّة جميعاً يهزأ من هذا الحصر، ويرى أنّ من الممكن زيادة غيرها من الحروف، وقد حدث ذلك فعلاً في العربيّة وأخواتها"1. ثمّ يعترض على ما بناه علماء العربيّة في حروف الزّيادة؛ مستنداً إلى آراء خاصّة لبعضهم فيها؛ كابن فارس. فيقول: "فهذا هو أحمد بن فارس من القدماء ذهب إلى أنّ الألفاظ العربيّة الرباعية والخماسيّ‍ة ألّفت بطرق ثلاث؛ النّ‍حت، وزيادة بعض الحروف، والوضع؛ ويهمّنا الطّريق الثّاني فنحن إذا اتّبعنا دراساته تتبّعاً   1 المعجم العربي756. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 990 واعياً خرجنا بأنّ الحروف التّالية كانت من حروف الزّيادة عند العرب: ب ج ح خ د ذ ر ز ش ص ط ع ف ق ك، مع غضِّ النّظر عن حروف سألتمونيها؛ الَّتي لا نزاع في زيادتها؛ فلا يتبقّى - إذن - من حروف العربية غير: ص ظ غ"1. ويقول: "ولم ينفرد ابن فارس وحده بهذه الآراء؛ فقد وجدت جذورها عند من قبله حتّى نادى الخليل نفسه - وهو أعظم علماء النّحت واللغة العربيّة - بزيادة العين في بعض الألفاظ؛ وإذن فذلك الحصر منهار"2. ثمّ يحاول الدّكتور نصّار قطع الطّريق على من أراد أن يحتجّ بأنّ زيادة حروف (سألتمونيها) مطّردة، وأنّ غيرها ليس مطّرداً في الزّيادة؛ فيقول: "فإذا كان الأمر كذلك أصبحت المهمّة يسيرة فالزّيادات المطّردة يجب أن ينبّه عليها في مقدمة المعاجم؛ وخاصّة الصّغيرة والوسيطة، ولا تذكر البتة في المفردات. أماّ غيرها فيؤتى بها فيها في موضعها اللاّئق بها باعتبار جميع حروفها؛ فلا داعي لشغل فراغ كبير بأسماء الفاعلين والمفعولين والتّفضيل والمرة والمكان والزمان وما أشبهها؛ إذا اطّردت في   1 المعجم العربي 756، وفي النّص أنّ آخر هذه الحروف الأربعة ع مهملة، وكذلك في الطبعة الرّابعة (2/608) والصواب أنّها غ بالمعجمة؛ وقد تقدّم أنّها تزاد عند ابن فارس –أيضاً. 2 المعجم العربي 756. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 991 صيغتها وفي معانيها. أمّا إذا كانت شاذّة في صيغتها، أو تحمّلت في تطوّرها معنى جديداً غير الأصل في مادّتها؛ فلا بدّ من ذكرها في موضعها؛ الَّذي تؤهّله لها حروفها كلّها، وفي هذا الحالة لا يكون لوضعها مع المادّة الأصلية داعٍ؛ لأنّها شاذّة إمّا في الصّيغة وإمّا في المعنى"1. ومفهوم الشّذوذ واسع عند الدّكتور نصّار؛ فهو لا يقتصر على الصّيغ المعروفة الخارجة عن قياسها في الإعلال مثلاً؛ كاسْتَحْوَذَ؛ فأدخل فيه أمثال: اصْطَبَرَ وازْدَجَرَ، وانتهى فيهما إلى أنّه لا داعي لجعلهما من صيغة (افْتَعَلَ) ومكانهما حيث تؤهّلهما حروفهما كلّها؛ لشذوذهما في الصّورة؛ وكذا الحال في مثيلاتهما2. ولا شكّ في أنّ ثَمَّةَ أموراً في كلام الدّكتور نصّار في الاشتقاق لا يمكن التسليم له بها، وتقتضي مناقشته فيها، ومنها: الأوّل: أنّ القول بأن من المشكلات المعجميّة عدّ الأقدمين العربيّة لغة اشتقاقية تحتّم وضع الألفاظ في موادّ تقوم على الحروف الأصول وحدها –قول يجافي الواقع؛ فلا أحد ينكر أنّ العربيّة لغة اشتقاقية، بل إنّ الاشتقاق من أبرز خصائصها. ثمّ إنّ في كلامه عن هذا الأمر دعوة خفيّة لترك الأصول عند بناء المعاجم العربيّة، ووضع الكلمة في المعجم بحسب نطقها بغير تجريد من   1 ينظر: المعجم العربي756، 757. 2 المعجم العربي 757. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 992 الزّوائد؛ وهو ما يناسب اللّغات الإلصاقيّة؛ كالتركيّة، والمجريّة. أمّا العربيّة فإنّ في الأخذ بذلك تشتيتاً لموادّ تعود إلى أصل واحد. الثّاني: أنّ قوله: إنّ البحث المقارن بين اللّغات السّاميّة يهزأ بحصر علماء العربيّة حروف الزّيادة، وقوله: إنّ في أقوال بعض علماء العربية ما يهدم نظريّة الحصر هذه، واستدلاله بصنيع ابن فارس في (المقاييس) إنّ ذلك كلّه لدعوى يعوزها الدّليل القاطع والحجّة القويّة؛ فأين هذا البحث المقارن بين السّاميات؛ الَّذي أبطل حصر حروف الزّيادة في العربيّة؟ فإن كان يلمح إلى مذهب أهل الثّنائيّة، واتّكائهم في بعض ما ذهبوا إليه على موازنات ساميّة فإنّه قد رَجَحَ –بعد البحث والتّقصّي فيما تقدَّم - ضعف بنيان هذه النّظريّة، وقد أبطلها كثير من المعاصرين؛ لمّا وجدوها قائمة في عمومها على الافتراض، ومائلة في تطبيقها إلى التّعسّف. أمّا الاستدلال على بطلان حصر حروف الزّيادة بمذهب ابن فارس، فهو من باب نقض القاعدة الرّاسخة برأي فرديٍّ اجتهاديّ مخالف؛ فإنّ ما عدّه بعضهم زائداً من غير تلك الحروف العشرة، ثبتت أصالته عند جمهور اللّغويين والصّرفيّين والنّحاة المتقدّمين والمتأخرين؛ وهم السّواد الأعظم من علماء العربيّة؛ وقد استنبطوا قواعدهم من الكثير المستفيض من كلام العرب؛ الَّذي أدّاهم إلى نوط القواعد به. ولا شكّ أنّ في قبول تلك الآراء الفرديّة المخالفة فتحاً لباب واسع من أبواب تداخل الأصول من الخير أن يبقى مغلقاً. الثّالث: أنّ في دعوة الدّكتور نصّار لذكر الصّيغ المخالفة للقياس في المواضع؛ الَّتي تؤهّلها لها حروفها كلّها؛ دون نظر لأصلي أو زائد أو مقلوب أو مبدل - خرقاً لاطّراد المنهج العامّ في بناء المعاجم، لا يحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 993 اللجوء إليه؛ إن كان ثَمَّةَ ما يصلح الحال به، وهو العودة إلى الأصول؛ ولعلّ فيما أورده البحث في الباب الرّابع ما يغني عن إعادته هنا. نعم، ولا ينسى الدّكتور نصّار - في ختام حديثه - أن يصف لنا ما يرى فيه العلاج النّاجح للتّداخل في المعاجم؛ وهو يكمن في استبدالهم الترتيب الهجائي العاديّ بغيره؛ لأنّ فيه الخلاص من كثير من مشكلات المعتلاّت والمهموزات، ويعين على دراستها دراسة جديدة واعية؛ تتّفق مع الرّأي الحديث؛ الَّذي يعدّ المعتلاّت والمهموزات ذات أصل واحد؛ وإنّما هي تطوّرات طارئةٌ على أصلها 1. وهذا يذكّرنا بما دعا إليه الشِّدياق من قبل؛ إذا كان يرى أنّه في هذا الترتيب تظهر حكمة وضع اللّغة 2 ويعني بها: ثنائيّة الألفاظ.   1 ينظر: المعجم العربي 757. 2 ينظر: الجاسوس 27. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 994 المبحث الثالث: آراء نقية أخرى ... المبحث الثّالث: آراءٌ نقديَّةٌ أخرى تقدَّم أنّ تداخل الأصول لم يحظ عند المتأخرين في عصرنا بما يستحقّ من الاهتمام؛ فإذا استثنينا جهود الشِّدياق، وملحوظات الدّكتور نصّار، لا نجد مصنّفاً يتناول - بالدرس والتحليل - هذا الموضوع المهمّ؛ في أيّ جانب من جوانبه. وقد انصبّ اهتمام المتأخّرين في نقدهم على جوانب متنوعّة؛ كالحشو، والاستطراد، واضطراب المشتقّات داخل الجذر الواحد، وإهمال المعاني المجازية. بيد أنّ ثَمَّةَ ملحوظات هيِّنات في التّداخل متفرّقة فيها أتى بعضها عرضاً متناثراً في كتب مؤلّفة لغير التّداخل، ودعا المقام فيها إلى الإشارة إليه إشارة عابرة؛ مع ذكر بعض أمثلته؛ بصورة مبتسرة. ولنا - في هذا المبحث - أن نقف على أهمّ تلك الملحوظات فيها عند أبرز هؤلاء العلماء؛ وهم: 1- أحمد تيمور: صدر له سنة 1343 هـ - كتاب صغير في النّقد المعجميّ وعنوانه: (تصحيح القاموس المحيط) نبّه فيه على ما وقع من الأغلاط في طبعة (القاموس) الَّتي ظهرت سنة 1303هـ - ببولاق، وهي جمع لتلك الأغلاط من تقييدات وحواشٍ؛ قيّدها على نسخته، ورتّبها ترتيب (القاموس) . وقد ركّز تيمور جلّ نقده - في هذا الكتاب - على ما في طبعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 995 (القاموس) من تصحيف وتحريف، وقلّ نقده في غير هذا الأمر. ولكنّه لمس فيه ما يتّصل بنقد الأصول لمساً خفيفاً. ومن ذلك أنّه ذكر في مادّة (أم د) نقداً في كلمة (الإمَّدَان) وهو: اسم موضع، وقيل: الماء على وجه الأرض؛ فقد اعترض على صاحب (القاموس) بأنّ ذكره (الإمَّدَان) في مادّة (أم د) يدلّ على أصالة الهمزة؛ فوزنه على هذا (فِعَّلان) لا (إفْعَلان) الَّذي أراده المجد بقوله: (كإسْحِمَان وإضْحِيَان) 1. وذكر تيمور أنّ الصّواب أنّ همزته زائدة؛ كزيادتها فيما وزَنَه به؛ فكان حقّه أن يذكر في (م م د) لا هنا؛ ولذا اضطرّ إلى إعادته في هذه المادّة2 ونقدَه3 في أنّه أعادها في موضع ثالث وهو (م د د) فخالف في ضبطها؛ فهي - هنا: (الإِمِدَّان) 4 بتخفيف الميم وتضعيف الدّال. ويمكن الاعتذار لصاحب (القاموس) بأنّ ضبط (الإِمِّدَان) بالإسْحِمَان والإِضحِيَان لا يقتضي زيادة الهمزة فيها؛ إذا حمل على إرادة اللفظ لا الأصل؛ على أنّ ذكره الكلمة في ثلاثة مواضع، وهي (أم د) و (م د د) و (م م د) يدلّ على تردّده في أصلها.   1 القاموس (أمد) 1339. 2 ينظر: تصحيح القاموس المحيط 14، 15. 3 ينظر: تصحيح القاموس المحيط 18. 4 ينظر: القاموس (مدد) 407. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 996 ومنه أنّه ذكر في مادّة (م د د) أنّ (الإمِدَّان) بتشديد الدّال، وورد في بعض طبعات (القاموس) مكسور النّون؛ فأوهم أنّه مثنّى، وذكر أنّه مفرد على وزن (إفِعْلان) والصّواب تحريك نونه بحركة الإعراب1. ولا يعكس مثل هذين المثالين كبير اهتمام للتّداخل عند تيمور؛ مع ما في (القاموس) من خلل بسبب التّداخل، وكثرة ما ذكره العلماء عنه من تنبيهات، وبعضها مثبت في حواشي المطبوعات الَّتي اعتمدها تيمور. 2- أحمد عبد الغفور عَطَّار: صدر له، سنة 1375هـ -، كتاب بعنوان (مقدّمة الصّحاح) درس فيه المعجم العربي في بعض جوانبه؛ كالنشأة، والرّواد، والمدارس، مع عناية خاصّة بمعجم (الصّحاح) للجوهريّ؛ الَّذي درسه من جوانب شتّى؛ كان توجيه النّقد له واحداً منها. وكان نقده إيّاه - وهو قليل - في تداخل الأصول من أهمّ نقداته؛ فقد كان العطّار يأخذ على الجوهريّ (غلطه في ترتيب الموادّ، ووضعه مادّة مكان مادّة، أو إنزاله مادّةً في غير تركيبها"2. وقد اقتصر العطّار في نقد التّداخل على إيراد الأمثلة. والمتأمّل لأمثلته الأربعة عشر؛ الَّتي نقد الجوهريّ فيها يلحظ تركيزه على جانب واحدٍ من التّداخل؛ وهو ما جاء في غير موضعه، وقد كان يراوح في نهجه   1 ينظر: تصحيح القاموس المحيط18. 2 مقدمة الصِّحاح 141. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 997 بين طريقتين: إحداهما: أن يذكر الكلمة ناصّاً على موضعها في الصّحاح، ومنبّها على مكانها الصّحيح؛ كقوله: جَعَلَ: حانوت في (ح ي ن) وحقّها أن تكون في (ح ن ت) . والدِّرْحَايِة في (د ر ح ي) وموضعها (د ر ح) . والشَّاصِلَّى في (ش ص و) وموضعها (ش ص ل) . والدَّيْمُومَة في (د م م) وحقّها (د وم) 1. والأخرى: أن لا يكتفي بالتّنبيه على ما جاء في غير موضعه، وإنّما يناقش التّداخل في الكلمة ويورد آراء بعض العلماء فيها، ومثاله ما ذكره في نقده الجوهريّ في كلمة (مَذْحِج) الَّتي وضعها في الرُّباعيّ (م ذ ح ج) 2 إذ يرى العطّار أنّ حقّها أن تكون في فصل الذّال من باب الجيم؛ أي: في الثّلاثيّ (ذ ح ج) لأنّ الميم زائدة. وقد أبطل العطّار ما نسبه الجوهريّ إلى سيبويه في القول بأصالة الميم، وانتهى إلى أنّه لم يقل ذلك؛ وإنّما ذكر زيادة الميم في (مَفْعِل) نحو: مَجْلِس ومَسْجِد، وأنّ الميم في (مَنْبِج) بمن - زلة الألف؛ لأنّها كثرت مزيدة أولاً؛ فموضع زيادتها كموضع الألف، وكثرتها ككثرتها أوّلاً في الاسم والصِّفة؛ وأنّ سيبويه لم يقل بأصالة الميم إلاّ في ألفاظ محصورة؛   1 مقدمة الصِّحاح 142. 2 ينظر: الصِّحاح (مذحج) 1/340. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 998 كـ (مأجَجٍ) و (مِجَنٍّ) و (مَعَدٍّ) 1. ويضيف العطّار قائلاً: "وقد انعقد إجماع النّحويين على أنّ الميم زائدة؛ إذا تصدّرت وبعدها ثلاثة أحرف أصول مقطوع بأصالتها، ولم يشذّ عن هذا الإجماع أحد. ولو جعلنا الميم أصلاً في (مَذْحِجٍ) لكان مثل: جَعْفِرٍ؛ وزنها (فَعْلِل) وهو وزن غير موجود في أوزان الاسم الرُّباعيّ المجرد، ولم يثبته أحد من النّحويّين"2. وقد أصاب العطّار فيما ذهب إليه؛ إذ اختار الرّاجح في أصل هذه الكلمة. 3- الدّكتور محمّد مصطفى رضوان: صدر له سنة 1393هـ - كتاب بعنوان: (دراسات في القاموس المحيط) وعلى الرّغمِ من أنّ صفتي الشّمول وعمق التّحليل كانتا ظاهرتين - بوضوح - في هذا الكتاب، إلا أن تداخل الأصول لم يظفر من المؤلّف بما يستحقّه من الدّراسة والنّقد، ولولا إشارات نادرة تعرّض فيها للتّداخل لخلا كتابه منه، وكان موضعاً للنّقد. ويضاف إلى هذا أنّ عرضه للتّداخل لم يكن مقصوداً لذاته؛ بل جاء في أثناء حديثه عمّا وهّم الفيروزآباديّ في الجوهريّ في الأصول وغيرها، وهي مصنَّفة عند المؤلف في سبعة أضرب؛   1 ينظر: الكتاب4/272. 2 مقدمة الصِّحاح 143. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 999 يعنينا منها ثلاثة: أوّلها: ما وهمّ فيه الفيروزآباديُّ الجوهريَّ تعنّتاً وتحاملاً؛ كما يقول المؤلّف، فقد أورد فيه مثالين؛ كلاهما من تداخل الأصول؛ وهما (الغِرْقِئ) و (القِنْدَأو) وانتقد فيهما المجد، وردّ عليه بما قاله الشِّدياق1 ولكنّه لم يصب المحزَّ في نقده في (القِنْدَأو) إذ أوقعته متابعته الشِّدياق في أن تحامل على الفيروزآباديّ؛ وهو عكس المراد؛ الَّذي يفهم من عنوان هذا الضّرب؛ وهو (ما وهّم الفيروزآباديّ فيه الجوهريَّ تعنّتاً وتحاملاً) وذاك أنّ (القِنْدَأو) عند الجوهريّ من (ق ن د) فيكون وزنه (فِعْلأو) وهو عند الفيروزآباديّ من (ق د أ) ووزنه عنده (فنعلو) على المذهب الراجح. قال الدّكتور رُضوان منتصراً للجوهريّ: "وجاء في الجاسوس ما يفيد أنّه لا وهم من أبي نصر في هذا اللّفظ، فقد اختلف فيه العلماء؛ فأورده طائفة في الدّال، وأخرى في الهمز، على أصالة هذه أو تلك، وجزم ابن عصفور بأنّ أصله (ق ن د) فذكره الجوهريّ في حرف الدّال، وقال الزَّبيدي: إنّ أصله (ق د أ) على رأي بعض الصّرفيّين"2. والحقّ أنّ هذا الرّأي الثاني، الَّذي أشار إليه الدّكتور رضوان في كلام الزبيدي، وجعله رأياً لبعض الصّرفيّين هو الرّاجح؛ لأسباب تقدَّم   1 ينظر: الجاسوس36. 2 دراسات في القاموس المحيط352. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1000 بيانها1 وعليه كان الصّواب في جانب الفيروزآباديّ. والثّاني ممَّا أخذه الدّكتور رضوان على المجد؛ وكان في تداخل الأصول؛ هو: ما وهّمَ المجدُ فيه صاحبَ الصّحاح ثمّ تابعه فيه، وقد اكتفى فيهما بمثالين كلاهما من التّداخل، وهما: (الأشاءُ) و (الآلاء) ذكرهما المجد في المهموز، وأعادهما في المعتلّ2. والمؤلّف ينتقده - هنا أيضاً - بما قاله الشِّدياق3. وثالث ما انتقده الدكتور رضوان ممَّا عرض فيه للتّداخل، أنَّ المجدَ وهَّم الجوهريَّ، وهو الواهم، واستدلّ بمثالين؛ وهما (التَّخْرَبُوت) و (اكْلأَزَّ) 4 وردّ على المجد بما قاله التّادلي في (الوشاح) 5 والشِّدياق في (الجاسوس) 6. 4- الدّكتور مسعود بُوبُو: صدر له كتاب، سنة 1982م، بعنوان (أثر الدّخيل على العربيّة   1 ينظر: ص (409) من هذا البحث. 2 ينظر: دراسات في القاموس المحيط353. 3 ينظر: الجاسوس35. 4 ينظر: دراسات في القاموس المحيط356. 5 18ب. 6 510، 511. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1001 الفصحى في عصر الاحتجاج) وموضوعه المعرّب والدّخيل، وعرض فيه لجذور الدّخيل في المعاجم العربيّة1. يرى الدكتور بوبو أن الدَّخيل كان وراء الاضطراب؛ الَّذي شاع في بعضها؛ إذ "أخلّ بنُظُم ترتيبها وتبويبها، وأدّى إلى اختلاط الأصول اللّغويّة وتداخلها"2 لوضعهم كثيراً من ألفاظه في غير مواضعها الصّحيحة. ويحاول الدكتور بوبو الاستدلال على رأيه باستعراضٍ متأنٍّ لطريقة المعجمييّن في تناولهم ثلاثين كلمة دخيلة. منها (النِّبْراس) فابن منظور وضعها في (ب ر س) إشارة إلى أنّها ثلاثيّة؛ بزيادة النّون، وأنّها مشتقّة من البُرْسِ؛ وهو: القطن؛ لأنّ الفتيلة إنّما تكون - في الأغلب - من القطن3؛ فيسأل الدكتور بوبو متعجّباً عن سرِّ زيادة النّون قائلاً: "فما علّة زيادة النّون إذا كان من البُرْسِ؟ وهل عرفت العربية حذف النّون من الرُّباعيّ ابتداءً، أم هل يجوز أن تحذف النّون من أيِّ أصل يبقى لثلاثيّه معنى يمكن قبوله؛ فنقول مثلاً: النِّقْرِس من القَرْسِ، والنُّمْرُقُ من المَرْقِ؟ وهما أشهر أصلين رباعييّن في باب النّون"4.   1 ينظر: أثر الدخيل 246-262. 2 أثر الدخيل 246. 3 ينظر: اللّسان (برس) 6/26. 4 أثر الدخيل 247. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1002 ولنا أن نسأل مع الدكتور بوبو عن السّر في وضع (النِّبْرَاس) و (البُرْسِ) و (البَرْنَسَاء) بمعنى: ابن الإنسان بالنبطيّة في مادّة (ب ر س) فهل يكون الإنسان من البُرْسِ؛ أي: القطن - أيضاً - أو مالرّابط بين هذه الكلمات الثلاث حتّى توضع في أصل واحد؟ وأنا أوافق الدكتور بوبو في أنّ الأظهر أن يكون (النِّبْرَاس) معرّباً من السّريانيّ من فعل Nabreshe:ألْهَبَ وأَضْرَمَ1. ومنها كلمة (جَهَنَّم) فهي: من التّجهّم والتّكرّه عن بعضهم؛ أو من الجهومة؛ وهي الغِلَظُ كما ذكر النووي2، ويقال: رَكِيَّة جِهِنَّام؛ أي: بعيدة القعر، وبه سمّت جهنّم؛ لبعد قعرها، وبهذا يكون أصلها ثلاثياً وهو (ج هـ - م) وهو موضعها في المعاجم. وقيل: إنّها أعجميّة معرّبة من بعض اللّغات. قال الدكتور بوبو: "وإذا أخذنا بأقوالهم: إنّها أعجميّة أو فارسيّة أو عبرانيّة؛ كما نصّوا؛ فهي مادّة بذاتها وبحروفها كاملةً؛ لأنّها كلّها عندهم أصول"3. ونحو ذلك ما في (القِنْطَار) و (الطَّيلَسَان) و (الفَالُوذَج) و (الأطَرِبون) وغيرها.   1 أثر الدخيل 252. 2 ينظر: تهذيب الأسماء واللغات2/95. 3 أثر الدخيل252. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1003 وأرى مع الدكتور بوبو في أنّ ظاهرة تداخل الأصول من أبرز ما يخلّفه الدّخيل في تصنيف المعاجم من أثر سيّء ينبغي تداركه إن أريد تحرّي السّلامة والأصالة في اللّغة؛ لأنّ تسرّب الدّخيل إلى أصول العربيّة، وانصهاره فيها يفضي - مع الزّمن - إلى أن يكون شريكاً في النّظام الصّرفي؛ وهو ما يترك أثراً غير حسن في بنيان العربيّة المتميّز، ولعلّ هذا ما جعل بعض الباحثين المتأخّرين يصف العربيّة بأنّها غير منطقيّة في بعض الأبنية الصّرفيّة، ويستدلّ على ما يرى بأمثلة دخيلة. ومن أجل هذا وغيره فإنّه لا بدّ من بذل قصارى الجهد من قِبَل المعجميّين المعاصرين، لتمييز الدخيل من الأصيل؛ لدرء ما يسبّبه الدخيل من تداخل بين الأصول في المعاجم. 5- الدكتور هاشم طَهَ شَلاَش: له دراسة لمختار الصِّحاح للرّازي نشرت، سنة 1403هـ -، في مجلة المجمع العلمي العراقيّ ببغداد1. وقد أتى الدكتور شلاش على نقد التّداخل؛ عند حديثه عن النّقد المعجمي؛ في (مختار الصِّحاح) بيد أنّ ما ورد من ذلك لا يتجاوز ثلاثة أمثلة؛ تحت عنوانين مختلفين2.   1 المجلد الرابع والثلاثون، الجزء الثالث230-286. 2 ينظر: دراسة في مختار الصحاح268، 269. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1004 أحدهما: التناقض في عبارات الجوهريّ؛ وذكر فيه أنّه قال في مادّة (ف م م) ما يناقض قوله في (ف وهـ) فيما يتّصل بأصل (الفم) إذ كان الجوهريّ يرى، في المادّة الأولى، أنّ الفمَ أصله (فَوَهٌ) نُقصت منه الهاء؛ فلم تحتمل الواو الإعراب؛ لسكونها؛ فعُوِّض عنها الميم1 بينما قال في المادّة الثّانية إنّ الميم في (فَمٍ) عوض عن الهاء في (فَوَهٍ) لا عن الواو. وذكر الدكتور شلاش أنّ الرّازي أشار إلى ما بين النّصين من تناقض2. والآخر: وضع الألفاظ في غير مواضعها، وقد عرض فيه لكمتين؛ وهما: (الأيْدِ) بمعنى القوّة، و (العَنْدَلِيب) واكتفى بإيراد ما قاله الرّازي في التّداخل فيهما؛ دون أن يعلّق عليه بشيء3. 6- عبد الله بن عمر البارودي الحُسَيني: صدر له، سنة 1407هـ -، كتاب بعنوان (الحُسن والإحسان فيما خلا عنه اللّسان) وهو معدود من كتب الاستدراك، وهو نوع من النّقد؛ وقد حدّد الباروديّ فيه هدفه بقوله في المقدّمة: "هذا كتاب جمعتُ فيه ما فات صاحب اللّسان محمّد بن مكرّم بن منظور … ولا أقول: إنّي جمعت فيه كلَّ ما خلا عنه اللّسان؛ إنّما استدركت عليه كلّ ما تناهى إلينا،   1 ينظر: الصِّحاح (فوه) 5/2004. 2 ينظر: دراسة في مختار الصِّحاح 268. 3 ينظر: دراسة في مختار الصِّحاح 268. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1005 وعلمت أنّه أهمله، ورتّبته ترتيب اللّسان"1. والحقّ أنّه استدرك على صاحب (اللّسان) عدداً غير قليل ما الموادّ بشروحها؛ على الرّغم من وجودها في (اللّسان) ولكنّها جاءت في مواضع لم يقف عليها المؤلّف بسبب تداخل الأصول؛ فلا وجه لاستدراكها - إذن - وعدِّها ممَّا فات (اللّسان) . واكتفي - هنا - بإيراد بعض الأمثلة من ذلك؛ ممَّا جاء في بابي الهمزة والباء فحسب. فمنه: مادّة (س د أ) الَّتي ذكر فيها (السَّندَأْوَةَ) وهو: الرجل الضعيف أو الشّديد المُقْدِم2 وما ذكره فيها مذكور في (اللّسان) ولكن في مادّة (س ن د) 3 فلا يعدّ استدراكاً. ومنه: مادّة (س ل ط) الَّتي ذكر فيها قولهم: اسْلَنطَأتُ؛ أي: ارتفعتُ إلى الشّيء أنظر إليه4.وهو مذكور في غير موضعه من (اللّسان) إذ جاء في مادّة (س ل ن ط) 5. ومنه: مادّة (خ ن ت ب) الَّتي قال فيها: (الخُنْتُبُ والخُنْتَبُ، مثل:   1 الحسن والإحسان 15. 2 ينظر: الحسن والإخسان 18. 3 ينظر: اللّسان 3/223. 4 ينظر: الحسن والإحسان18. 5 ينظر: اللّسان 7/322. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1006 جُنْدُبٍ وجُنْدَبٍ: نَوفُ الجارية قبل أن تُخفض، والخُنْتُبُ - أيضاً: المخنّث) 1 وقد جاء هذا كّله في مادّة (خ ت ب) من (اللّسان) 2. ومنها: استدراكه على صاحب (اللّسان) مادّة (ر ع ب ل ب) الَّتي أورد فيها ما نصّه: (قال شَمِر: الرَّعْبَليب: الملاطِفة، قال الكميت يصف ذئباً: يَرَانِي في المَنَامِ لهُ صَدِيقاً ... وَشَادِنَةُ العَسَابِرِ رَعْبَلِيبٌ شادنة العسابر: أولادها. وقال غيره: رَعْبَليبٌ: يمزّق ما قدر عليه، من رَعْبَلتُ الجلدَ؛ إذا مزَّقته) 3. وهذا النّص مذكور في (اللّسان) ولكنّه جاء في باب اللام في (ر ع ب ل) على أنّ الباء زائدة4. ومنه: مادّة (د د ب) وذكر فيها: الدَّيدبان: الطَّليعة، والدَّيدَبُون: اللهو5. وإذا بحثنا في (اللّسان) نجد أنّ صاحبه ذكر الدَّيدبان، والدَّيدبون في ثلاثة مواضع مختلفة وهي (د ب ب) 6 و (د ب ن) 7 و (د د ن) 8.   1 الحسن والإحسان22. 2 1/345. 3 الحسن والإحسان22. 4 ينظر: اللّسان 11/290. 5 ينظر: الحسن والإحسان22. 6 ينظر: اللّسان 1/373. 7 ينظر: اللّسان 3/146. 8 اللّسان13/151، 162. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1007 وصاحب الاستدراك معذور؛ لأنّه لم يجد المادّة في موضعها؛ فحكم عليها بالإهمال فاستدركها. وبعد؛ فإنّنا نستطيع القول: إنّ تداخل الأصول لم يلق في النّقد المعجميّ من العناية عند هؤلاء ما يتناسب مع أهميّته، ولولا ما قدّمه الشّدياق في كتابه القيّم (الجاسوس على القاموس) لصحّ أن نقول: إنّهم لم يطرقوا بابه، خلا ما ورد لهم فيه من شذرات مبعثرة هنا وهناك؛ لا تشفي غليلاً، ولا تبلّ صدًى؛ فإنّ أكثر ما ورد من نقد تداخل الأصول عند المتأخّرين من معاصرينا إنّما جاء عرضاً في غضون نقداتهم المعاجم، ولم يقصدوا إليه قصداً، ولعلّهم شغلوا عنه بجوانب نقديّة أخرى. ونستطيع - في الجملة في نهاية هذا الباب - أن نقول: إنّ ما قدّمه القدامى والمُحْدَثُون في نقدهم المعجميِّ لتداخل الأصول لا يكاد يتعدّى التَّنبيهات والملحوظات الجزئيّة المتناثرة، الَّتي كان ينقلها الّلاحق عن السّابق، والتي خلت - في الغالب - من العُمْقِ والشُّمُولِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1008 الخاتمة والآن؛ وقد انتهى بي المطاف إلى هذا الحد الذي اقتضاه المنهج وارتضاه البحث؛ وإذ انتهيت فيه إلى الصورة التي رجوت - يجدر بي أعرض لأهم النتائج؛ التي توصّل إليها البحث في (تداخل الأصول، وأثره في بناء المعجم العربي؛ من خلال مدرسة القافية) وفي العناصر الثلاثة التالية: (الأصول والتداخل) و (آثار التداخل) و (والحلول والتوصيات) أوّلاً في الأصول والتداخل: أ- كثر تداخل الأصول في العربية، وظهر جلياً في معاجمها، ولا سيما معاجم القافية، وقد جمعت منه قدراً صالحاً فاق ما كنت أتوقع الوقوف عليه؛ إذ زاد ما وقفت عليه من الكلمات المتداخلة عن ألفي كلمة؛ منها ما هو شديد التداخل؛ بحيث خفي على كثير من العلماء، ومنها ما هو دون ذلك. ب- لم يخرج تداخل الأصول عن قسمين: أوّلهما: التداخل في البناء (الأصل) الواحد؛ كتداخل الثلاثيّ بالثلاثيّ، والرباعيّ بالرباعيّ، والخماسيّ بالخماسيّ. وثانيهما: التداخل بين بناءين (أصلين) مختلفين؛ كتداخل الثلاثيّ بالرباعيّ، والثلاثيّ بالخماسيّ، والرباعيّ بالخماسيّ. وقد وقع التداخل في جميع هذه الأبنية، ولكن بنسب متفاوتة، ويمكن الخروج بالنتيجة التالية في ترتيب التداخل في الأبنية - بحسب وفرة مادته - على النحو التالي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1009 1- التداخل بين الثلاثيّ والثلاثيّ. 2- التداخل بين الثلاثيّ والرباعيّ. 3- التداخل بين الرباعيّ والخماسيّ. 4- التداخل بين الثلاثيّ والخماسيّ. 5- التداخل بين الرباعيّ والباعيّ. 6- التداخل بين الخماسيّ والخماسيّ. وترتيب التداخل في الثلاثيّ، على النحو التالي: 1- بين المعتلّ والمعتلّ. 2- بين المعتلّ والمهموز. 3- بين المعتلّ والصّحيح. 4- بين الصّحيح والصّحيح. وكثر التداخل في المعتلّ بين الناقص والناقص، ثم الأجوف والأجوف، ويقلّ في المثال مع المثال؛ لقلّة تأثّر المثال بعوامل الإعلال والإبدال؛ وذلك راجع لطبيعة فاء الكلمة في التصريف العربي. ولا جرم أن يكثر التّداخل بين الثلاثيّ والثلاثيّ؛ فأكثر كلام العرب ثلاثيّ الأصول؛ وندرة التداخل بين الخماسيّ والخماسيّ - في المقابل - تعزى لسببين: أحدهما:قلّة ما جاء في اللغة من الخماسيّ. والآخر: قلّة ما يعتريه من الزّوائد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1010 ج- ثمة أوزان في العربية يكثر التّداخل بين الكلمات التي تأتي عليها، ومن أظهرها: 1- مَفْعِل وفَعِيل؛ نحو: مسيل. 2- مَفْعُول وفَعِيل؛ نحو: مَهين. 3- مُفْعَل وفُعَال؛ نحو: مُراد. 4- مِفْعَل وفِعَال؛ نحو: مِحَال. 5- مَفْعَل وفَعَال؛ نحو: مَجَاج. 6- فَعَلان وفَيْعال؛ نحو: شَيْطان. 7- فَعْلان وفاعل؛ نحو: راذان. 8- فُعْلان وفُوعال؛ نحو: خُوْذان. 9- فَعْلون وفَيْعول؛ نحو: زيتون. 10- فَعْلان وفَعَّال؛ نحو: حَسّان. 11- فِعْلان وفِعّال؛ نحو: حِطّان. 12- فُعْلان وفُعَّال؛ نحو: رُبّان. 13- فَعَولى وفَعَوعل وفَعَلْعَل؛ نحو: خَجَوجَى. د- لم يقع التداخل في الثلاثيّ بين اللفيف والصّحيح في اللغة العربية. ?- لم أجد ثمة صلة بين تداخل الأصول وتداخل اللغات في عين المضارع؛ ولكني وجدت أن تداخل الأصول قد نتج عنه ما يشبه تداخل اللغات، ولا سيما في الأجوف والناقص ومهموز اللام في الثلاثيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1011 و اعتمدت مدرسة القافية في بنائها على الأصول؛ فظهر التداخل فيها جلياً، وقلّ في مدرسة التقليبات؛ لأن الأصول لم تكن الأساس الوحيد للبناء في هذه المدرسة وترتيبها؛ فليس ثمة حصر للكلمة من طرفيها، بل طوعت الأصول، وأخضعت - في هذه المدرسة - لخدمة نظام التقليبات؛ لأن الحكم على الحرف؛ من حيث الأصالة أو الزيادة؛ قد يتغير بتقليب الكلمة. ز- ثمة أسباب أدت إلى تداخل الأصول، ولا سيما في معاجم القافية؛ ومن أهمها: 1- اتحاد المعنى (تقارب الأصلين والمعنى واحد) . 2- القلب المكاني. 3- الإبدال. 4- الهمز والتخفيف. 5- التعريبب. 6- الحذف والتعويض. 7- الإلحاق. 8- الضّرورة الشّعرية. 9- تصريف الحروف وما أشبهها. 10- الإدغام. 11- الجمع. 12- توهّم أصالة الحرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1012 13- اختلاف الحركات. 14- التّصحيف والتّحرريف. 15- متابعة مدرسة التّقليبات. ج- ثمة مقاييس للتّفريق بين الأصول يمكن أن تلحق بما ذكره العلماء؛ وهي: 1- الدخول في أوسع البابين. 2- الصّرف أو منعه. 3- إهمال أحد الأصلين. 4- الإعراب بالحروف. 5- الإدغمام. 6- الموازنات السّامية. ط- إنّ السّر في وضع الثلاثيّ المضعّف، والرّباعيّ المضاعف، في باب الثنائيّ؛ من معاجم التقليبات - يكمن في أنّ هذه الأنواع الثلاثة تتساوى في أنّ التقليب فيها لا يعطي سوى صورتين مستعملتين فحسب؛ وهذا يؤكّد أنّ مجيء هذه الأنواع الثلاثة في أصلٍ واحدٍ لم يكن بسبب تداخل الأصول. ومع هذا فقد فهم صنيعهم - من قبل بعض الباحثين المعاصرين - على غير وجهه؛ فاستنتجوا من ذلك أنّ علماء العربية كانوا ينظرون إلى بنية الكلمات على أنّها قد تكون ثنائية الأصول. و اتخاذ ابن فارس - في الزيادة - منهجاً تطبيقياً خاصاً به في معجمه (مقاييس اللغة) لا يعتدّ فيه بحصر حروف الزيادة؛ فأدّى ذلك إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1013 أن حروف الهجاء تزاد جميعاً عنده؛ باستثناء ثلاثة منها؛ وهي: الثاء والصّاد والظّاء، ولعلّه كان لا يمنع زيادتها - أيضاً. ك- لم تنل ظاهره النّحت عناية كافية عند علماء العربية القدامى؛ فلم توضع له قواعد ثابتة، وقد عرض له أكثرهم عرضاً خفيفاً؛ كما فعل الخليل وسيبويه. وتوسّع فيه ابن فارس، مدفوعاً باتجاهه الذي لا يعتدّ بما زاد عن الثلاثيّ من الأصول، دون أن يكون عنده للنّحت قياس تصريفي واضح، فخلت طريقته من الاطّراد. على أنّ ما جاء عنده لا يخرج عن ستّ صور؛ وهي: إفراد الحرف الأوّل مع الأوّل، والأوّل مع الثّاني، والأوّل مع الثّالث، والثّاني مع الثّاني، والثّاني مع الثّالث، والثّالث مع الثّالث. ك- أثبت البحث بالأدلّة أن الحرف المضعّف (المشدّد) حرفان؛ كما قال القدامى، وليس حرفاً واحداً أطيل صوته؛ كما جاء في اجتهاد بعض المتأخرين. ل- كلّ ما جاء على صيغة (افعألَّ) في شعر؛ من مثل: اضفأدّ، وازبأرَّ - إنما هو في الأصل (افعالّ) وهو ثلاثيّ الأصل؛ وليس رباعياً؛ وما جاء منه في نثر فمحمول عليه. م- ليس للعماء قاعدة مطّردة في الأصلين المتقاربين؛ مما يعرف بباب (سَبِط وسِبَطْر) والقاعدة المطّردة لهذا النوع من الأصول - فيما رآه البحث - أن يقال: إذا وجد لفظان متقاربان أحدهما ثلاثيّ، والآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1014 رباعيّ؛ ومعناهما واحد؛ وليس بينهما إلا حرف واحد - نظر إلى ذلك الحرف؛ فإن كان من حرف الزيادة؛ فالكلمتان من أصلٍ واحدٍ؛ نحو: الجرع والهجرع، والبلع والهبلع؛ إلا أن يكونا من باب الرباعيّ المضاعف؛ نحو: سلّ وسلسَلَ، وهفّ وهفهَفَ. وإن كان الحرف من غير حروف الزيادة فهما أصلان مختلفان؛ نحو: سَبِط وسِبَطْر، ودَمِث ودِمَثْر. وفي ضوء هذه القاعدة يحكم على كثيرٍ من الأصول المتداخلة؛ نحو: الدَّلِص والدُّلامص، وزَرِمَ وازرَأَمَّ. ثانياً- في أثر التداخل: أ- أدّى تداخل الأصول إلى وضع كثيرٍ من الكلمات في غير مواضعها في معجم القافية، وهذا من أشدّ نتائج التّداخل ضرراً. ومن أهمّ ما ترتب في وضع الكلمة في غير مواضعها: 1- اختلال التّرتيب في النّظام المعجميّ. 2- الحيلولة بين القارئ ومراده؛ ما لم يكن متضلّعاً في العربية، خبيراً بأصولها وزوائدها، ملمّاً بتداخل الأصول في معاجمها. 1- الحكم على الكلمة بالإهمال في المعجم على الرّغم من وجودها فيه، وقد امتدّ هذا إلى بعض العلماء في مؤلّفاتهم فاستدركوا على بعض المعاجم ما هو موجود فيها كما فعل الفيروزابادي في (القاموس) والباروديّ في (الحسن والإحسان) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1015 2- إنّ الدّراسات الإحصائية للجذور في بعض معاجم القافية؛ كـ (الصّحاح) و (اللسان) و (التّاج) التي اعتمدت على ما جاء في هذه المعاجم؛ من غير تصحيح للأصول المتداخلة - لا تعدّ كاملة، ولا يمكن أن تعطي نتائج دقيقة. ب- الاضطراب في التّرتيب المشرقيّ للحروف بسبب دمج المعجميين - وعلى رأسهم: الجوهريّ - بابي الواو والياء في بابٍ واحدٍ. أدّى إلى تقديم وتأخير بين الهاء والواو. فهناك من يقدّم الهاء على الواو متأثّراً بالمعاجم في الأبواب؛ وهناك من يقدّم الواد على الهاء سائراً على الأصل في ترتيب نصر بن عاصم. ج- أدّى تداخل الأصول إلى وضع كثيرٍ من الكلمات في موضعين في معاجم القافية، وربّما وضعت في ثلاثة مواضع أو أربعة؛ فترتّب على هذا أمور؛ من أهمّها: 1- الإخلال بالنّظام المعجميّ الدّقيق؛ القائم على وضع الكلمة في أصلها فحسب. 2- الإسهام في اتّساع معاجم القافية؛ بسبب إعادة كثيرٍ من الكلمات، بشروحها، وبكلّ ما تحمله من معانٍ، وشواهدَ، وأقوالٍ وحكاياتٍ، وآراء وردودٍ. 3- الحكم على الكلمة بأنها من أصل ليست منه فترتّب على هذا أحكام تصريفية في غاية الأهمية، كحركة عين المضارع في الأجوف أو الناقص أو المهموز، وكذا في الجمع والتصغير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1016 4- اختلاف شرحي الكلمة أو شروحها في المضمون، من حيث الأسلوب أو الضّبط، أو الأحكام، أو النقول، أو الشّواهد، أو النّصوص، ونحو ذلك؛ ولذا فإن البحث ينصح مطالعي معاجم القافية أن لا يقتصروا - في طلبتهم - على ما يطالعونه في أصلٍ واحدٍ؛ بل عليهم أن يطالعوا كلّ ما تحتمله الكلمة من أصولٍ؛ بحثاً عن فائدةٍ جديدةٍ متوقّعةٍ في كلّ أصلٍ. ?- اضطراب المعاجم في بعض الصّيغ، ومن أهمّها ما جاء على صيغ: (افعألّ) نحو: اضْفَأَدَّ، و (فَوْعَل) نحو: كوكب، و (فَعْلَلَ) نحو: زلزل، وكذلك اضطرابهم في معتلّ اللام ومهموزها. ويلحق بهذا أنه شاع في معاجم القافية وضع الحروف الشائية؛ نحو (أن) و (عن) و (بل) و (قد) في أصول ثلاثية. و أسهم تداخل الأصول إسهاماً بَيِّناً في حركة التأليف في النقد المعجمي؛ على امتداد ألف عام أو يزيد؛ وقد انحصر جلّ النقد المعجميّ المتصل بالأصول في مدرسة القافية، وتركّز في معجمين اثنين؛ هما (الصحاح) للجوهريّ، و (القاموس المحيط) للفيروزابادي. وكان نشاط القدامى - كابن برّي والصّغانيّ والصّفديّ والفيروزابادي وداود زاده والتادلي - أشدّ التصاقاً بالتداخل؛ مما آلت إليه الأحوال عند المتأخرين؛ الذين لم يعنوا كثيراً بنقد التداخل، خلا ما قدّمه الشّدياق في (الجاسوس) وإن كان كلّ ما قيل في نقد التداخل عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1017 القدامى والمتأخرين لا يتعدّى التنبيهات والملحوظات الجزئية؛ التي كان ينقلها اللاحق عن السابق، والتي خلت من صفتي العمق والشمول. ز- أدّى تداخل الأصول إلى ظهور أبنيةٍ غريبةٍ على العربية، بعيدة عن قياسها؛ ومنها الأبنية التالية: 1- (افْلأَعْلَ) نحو (اكلأزّ) على رأي من جعل الأصل (ك ز ز) . 2- (افْتَعَالَ يفتعيلُ فهو مُفتعيل) نحو: استكان يستكين فهو مستكين؛ على رأي من حمله على (س ك ن) . 3- (فُبَعْلِن) نحو (خُبَعْثِن) حملاً على رأي من جعل الباء زائدة. 4- (فُبَعِّل) نحو (خُبَعْثِن) على رأي الجوهريّ في زيادة الباء والعين، وأصل الوزن (فُبَعْعِل) بزيادة العين الأولى، ثم يؤول إلى (فُبَعِّل) للإدغام. 5- (كَفْعَل) نحو (كوكب) على مذهب الأصمعي والأزهريّ في تقديرهما زيادة الكاف الأولى. ج- ثمة تعارض بين قول العلماء: (إن الياء تغلب - في الكثرة - على الواو في لام الكلمة) ونتيجة الإحصاء فيما جاء في باب المعتلّ من (اللسان) و (القاموس) إذ غلبت الواو فيهما؛ خلافاً لقول اللغويين فكانت نسبتها في (اللسان) (80و71%) للواوي مقابل (19و28%) لليائي. وكانت نسبتها في (القاموس) (52و53%) ؛ مقابل (47و46%) لليائي. ويمكن التقريب بين قول العلماء ونتيجة الإحصاء بما يلي: الأوّل: أن يحمل مراد اللّغويين والنحاة - في تغليبهم الياء على الواو لاماً - على المنقلب؛ أي: الألف والهمزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1018 الثاني: أن يكون ما في المعجمين من أصول غير دقيق؛ بسبب تداخل الأصول؛ فتبطل - حينئذٍ - نتائج الإحصاء في المعتلّ. الثالث: أن يحمل قول العلماء على كثرة الاستعمال في لغة العرب؛ لأنّ ثقل الكلمة يتدرّج بتدرّج حروفها من الأوّل إلى الآخر؛ فينبغي أن يغلب على اللام الحرف الأكثر خفّة؛ والياء أخف من الواو، ولما كان الآخر موضع التغيير - فإنه ينبغي أن يغلب فيه الأخف. ط- ثمة نوع من التداخل لا يضرّ ببناء معاجم القافية؛ وهو تداخل الأوزان، الذي لا يؤدّي إلى تداخل الأصول؛ وهو بتعبيرٍ آخر: أن تحتمل الكلمة غير وزنٍ؛ مع بقائها على أصلٍ واحدٍ؛ كتداخل (فَعَوْعَل) و (فَعَلْعَل) في كلمة (المروراة) وهي الأرض أو المفازة، و (فاعل) و (فَعْلُوت) في (الحانوت) و (فَعْلان) و (فَعّال) في (المَنَّان) و (فَوْعَلة) و (تَفْعَلَة) في (التوراة) . ثالثاً- في الحلول والتّوصيات: أ- يلزم لتجنب أثر التداخل في المعاجم أمران يتّصل أحدهما بالمعاجم المتقدّمة، والآخر بالمعاجم المقترحة. أما ما ألّف من المعاجم فلا يعدو علاج ما فيه من التداخل الإرشاد إليه، وصنع معاجم (ملاحق) صغيرة كاشفة ترصد الألفاظ المتداخلة، وترشد إلى مظانّها في كلّ معجم، مع بيان ما فيها من تداخل، بصورة ميسّرة وموجزة، وفي هذه الدّراسة ما يعين على التخطيط لصناعة مثل هذا المعجم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1019 وأما ما سيؤلّف مستقبلاً من معاجم - ولا سيما معاجم القافية - فإن البحث يدعو فيه إلى أن توضع الكلمة في موضعٍ واحدٍ فحسب؛ وهو أصلها، بعد تجريدها من كلّ زيادةٍ، وردّ المحذوف؛ لعلّةٍ صرفيّةٍ أو لغيرها - إلى أصله، وردّ المقلوب؛ أو المبدل، إلى أصله، وفكّ المدغم. ثم تذكر الكلمة فيما يتوارد عليها من أصول؛ للإحالة إلى أصلها الصّحيح فحسب، لا لأن تشرح فيها؛ فتسدّ بذلك الأبواب المترتّبة على وضع الكلمة في غير موضعها. أما ما اشتدّ فيه الداخل، وخفي أصله، وتساوت فيه آراء العلماء، وأدلّتهم - فإنه يوضع في أحد الأصلين أو الأصول؛ وفقاً لاختيار صاحب المعجم، وترجيحه، ويحال إليه في الأصل، أو الأصول الأخرى. ب- ويشير البحث إلى إمكان الإفادة من هذه الحلول عند وضع المعاجم الهجائية العادية؛ التي تتّخذ من الأصول مرتكزاً لها في البناء والتّرتيب، وأمسى المعجمين المعاصرون يفضّلونها على معجم القافية. ج- ويوصي البحث بتجنّب مذهب الكوفيين في الأصول، وتجنّب الآراء الفردية لبعض العلماء؛ كابن فارس، ويدعو إلى الأخذ بمذهب البصريين، وهو مذهب جمهور اللّغويّين من القدامى والمحدثين. ويقتضي هذا وضع الرباعي المضاعف نحو (زلزل) في أصول رباعية؛ بدلاً من الأصول الثلاثية. ويدعو البحث - من جانب آخر - إلى وضع الحروف الثنائية؛ ك- (عن) و (أن) و (بل) و (قد) و (هل) في مدخل ثنائي مستقلّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1020 يناسبهما؛ لأنها لا تمتّ للأصول الثلاثية بصلة؛ فمثلاً توضع (قد) في (ق د) ويأتي بعدها الأصل الثلاثي (ق د د) وتوضع (لم) في (ل م) ويتلوها الأصل الثلاثي (ل م م) وهكذا. وثمة طريقة يمكن اتباعها في هذا النوع؛ وهي أن يوضع الثنائي في أول فصله؛ فتوضع (لم) مثلاً - في أول فصل اللام من باب الميم، و (قد) في أول القاف من باب الدال بيد أن وضع هذه الحروف في موضعها؛ الذي يؤهّلها له حرفها الثاني - أولى. د- ويوصي البحث بأن يوضع المنحوت، نحو (عبشميّ) و (بَسْمَلَ) في أصول رباعية؛ وفاقاً لوزنه عند البصريين، ويشار فيه إلى الأصلين أو الأصول التي نُحت منها. أما المركب المزجي؛ نحو (حضرموت) و (بعلبك) فيعامل معاملة المركب الإضافي، نحو (عبد الرحمن) فيوضع في أحد الجزئين، بمنهجٍ مطردٍ، ويذكر في الجزء الآخر؛ للإحالة فحسب. ?- ويأمل البحث أن يحذو صناع المعاجم حذو أصحاب كتب المعرّب؛ كالجواليقيّ والخفاجيّ والمحبيّ - في تجنّبهم تجريد المعرّب من الزوائد؛ بإخضاعه إلى مقاييس العربية. وتتمّ الفائدة عند تنبيه القارئ في الأصل الذي يحتمله لو كان عربياً، والإحالة إلى موضعه. و ويقترح البحث على أهل التخصّص - ولا سِيَّما أعضاء مجامع اللغة العربية - اعتماد مصطلح (حروف التداخل) على غرار (حروف الذلاقة) و (حروف الإبدال) و (حروف الإدغام) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1021 وحروف التداخل ستة؛ وهي: الهمزة والتاء والميم والنون والواو والياء، ولا تكاد تخلو كلمة متداخلة أصولها من واحدٍ من هذه الحروف الستّة. ز- وينصح البحث مطالعي معاجم القافية أن يضعوا تداخل الأصول في حسبانهم؛ وهم يطالعون هذه المعاجم؛ وأن لا يقتصروا في طلبتهم على ما يطالعونه في أصلٍ واحدٍ؛ بل عليهم أن يطالعوا كلّ ما تحتمله الكلمة من أصولٍ؛ بحثاً عن فائدةٍ جديدةٍ؛ كضبط أو حكم لغويّ مغاير، أو فائدة صرفية أو نحوية، أو نقل عن عالم أو رأي له، أو شاهد شعريّ أو نثريّ. وينصحهم أن لا يتعجّلوا بإصدار أحكامهم على الكلمة بالإهمال في المعجم؛ فقد تكون فيه أصل آخر، وإن كان يبدو - أحياناً - بعيداً. وبعد؛ فهذا (تداخل الأصول وأثره في بناء المعجم العربيّ من خلال مدرسة القافية) كما تكشّف لي من خلال هذه الدراسة التي شغلت بها زمناً؛ وكانت معي أقوم بها وأقعد؛ أينما رحلت وحيثما نزلت، حاضرة في وجداني، فلا غرو فقد أحببتها؛ فأفرغت فيها الجهد والطّاقة، ولا أزعم فيها بلوغ الغاية، ولكنّني أرجو المقاربة والسّداد؛ وأرجو ممن ينظر في عملي هذا أن يصلح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم؛ فالإنسان محلّ النّسيان. والحمد لله أوّلاً وآخراً. تمّ بحمد الله الفراغ من إعداد هذه الدراسة في العاشر من محرم سنة 1414هـ- الموافق: 29/06/1993م. وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1022 مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع أالمخطوطات: 1- أبنية الأسماء والمصادر، لابن القطاع، نسخة فيلميّة مصوّرة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 2727، وأصلها محفوظ في دار الكتب المصرية تحت رقم: 611?. 2- أثر القوانين الصوتية في بناء الكلمة العربية، للدكتور فوزي الشايب، رسالة دكتوراة في جامعة عين شمس بالقاهرة، سنة: 1403?. 3- ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيّان، نسخة خطيّة مصوّرة في جامعة الدول العربية تحت رقم: 899. 4- إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس، لابن الطيّب الفاسي، نسخة فيلميّة مصوّرة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة تحت رقم: 4560. 5- بغية الطالب في الرد على تصريف ابن الحاجب، لابن منظور، رسالة ماجستير، لحسن أحمد عثمان، في جامعة أ/ المقرى. 6- تحصيل عين ماء الذهب من معدن جوهر الأدب، للأعلم الشنتمري، نسخة ممصوّرة عن أصلها المحفوظ في المكتبة الوطنية في تونس تحت رقم: 13736. 7- التذييل والتكميل، لأبي حيّان، دار الكتب المصرية تحت رقم: 6016?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1049 8- جامع التعريب بالطريق القريب، لمصطفى المدني، عارف حكمت 36/410. 9- حاشية ابن بري على درّة الغوّاص، نسخة مصوّرة في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلاميّ في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة تحت رقم: 783 لغة. 10- رسالة في الحروف الذولقيّة، لشهاب الدين الخفاجي، التيموريّة في دار الكتب المصريّة تحت رقم: 331/20 (مجاميع) . 11- الدرّ اللقيط في أغلاط القاموس المحيط، لمصطفى الداوديّ المعروف بداود زاده، نسخة فيلميّة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 3991. 12- الراموز، لمحمّد بن حسن بن عليّ، عارف حكمت، تحت رقم: 53/410. 13- السيوطيّ وجهوده في الدراسات اللغويّة، للدكتور محمّد يعقوب تركستاني، رسالة ماجستير في جامعة أم القرى. 14- شرح أبنية سيبويه، لأبي حاتم السجستاني، عارف حكمت. 15- شرح التسهيل، للمراديّ، دار الكتب المصريّة تحت رقم: 10 نحو. 16- شرح ديوان المتنبّي، لأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، فيض الله تحت رقم: 1647. 17- شرح السيرافي على كتاب سيبويه، رسالة دكتوراة، لأحمد صالح أحمد دقماق، في جامعة الأزهر، 1408?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1050 18- شرح شافية ابن الحاجب في التصريف، لركن الدين الإستراباذي، نسخة الجامع الكبير في صنعاء، تحت رقم: 173. 19- شرح المقامات، لمحمّد بن أبي بكرٍ الرازيّ، عارف حكمت، تحت رقم: 159 أدب. 20- شرح المقامات، للمقريريّ، مكتبة محافظة الإسكندرية تحت رقم: 47– ج. - الشيرازيّات = المسائل الشيرازيّات. 21- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهريّ، عارف حكمت. 22- الطراز المذهب فيما في اللغة من الدخيل والمعرب، للنهالي، عارف حكمت، تحت رقم: 74/410. 23- عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ، للسمين الحلبي، نسخة خطيّة مصوّرة عن أصلها المحفوظ في مكتبة عثمانية، تحت رقم: 584، وهي منشورة على هيئتها الأصلية بعناية وتعليق محمود محمّد السيد الدغيم. 24- الغريب المصنّف، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، عارف حكمت، تحت رقم: 76 لغة. 25- الغريبين (غريبي القرآن والحديث) لأبي عبيد الهرويّ، نسخة فيلمية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة، تحت رقم: 4303. 26- قصد السبيل، فيما في اللغة العربية من الدخيل، للمحبّي، عارف حكمت، تحت رقم:74/410 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1051 27- القول المأنوس بفتح مغلق القاموس، لبدر الدين القرافي، عارف حكمت، تحت رقم: 84/410 28- لغات طيّئ، للدكتور محمّد يعقوب تركستاني، رسالة دكتوراة في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة لعام: 1402هـ. 29- لغات قيس، للدكتور محمّد أحمد العمريّ، رسالة دكتوراة، في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة لعام: 1402هـ. 30- المسائل الشيرازيّات، لأبي عليّ الفارسي، مصوّرة مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة، تحت رقم: 347 نحو. 31- المصباح في شرح أبيات الإيضاح، لابن يسعون، مصوّرة مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة، تحت رقم: 241 نحو. 32- المعجم العربي، دراسة إحصائية لدوران الحروف في الجذور العربية، ليحيى منير علم، رسالة ماجستير في كلية الآداب في جامعة دمشق، سنة: 1403هـ. 33- المقتصد في شرح التكملة، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق أحمد بن عبد الله الدويش، رسالة دكتوراة من كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية في الرياض لعام: 1411هـ. 34- موطئة الفصيح لموطأة الفصيح، لابن الطيّب الفاسي، دار الكتب المصرية تحت رقم: 5010هـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1052 35- نفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم، لخليل بن أيبك الصفدي، مصوّرة مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى في مكة المكرّمة ت تحت رقم: 323 لغة. عن نسخة مكتبة بايزيد العمومية في تركيا تحت رقم: 6834. 36- الوشاح وتثقيف الرماح في رد توهيم المجد الصحاح، لأبي زيد التادلي المدني، نسخة فيلمية محفوظة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم: 6422. ب – المطبوعات: 37- القرآن الكريم. 38- ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة، لعبد اللطيف الشرجيّ الزبيديّ، بتحقيق الدكتور طارق الجنابي، عالم الكتب، بيروت 1407هـ. 39- آداب الشافعي ومناقبه، لأبي محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قدم له وحقّق أصله عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت. 40- الإبدال، لابن السكّيت، بتحقيق الدكتور حسين محمّد شرف، منشورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1398هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1053 41- الإبدال لأبي الطيّب اللغوي، بتحقيق عزّ الدّين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1379هـ. 42- الإبدال والمعاقبة والنظائر، للزجاجي، بتحقيق عزّ الدّين التنوخي، مطبوعات المجمع العلمي بدمشق 1381هـ. 43- إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع، لأبي عثمان المقدسي، مطبوعات مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1402هـ. 44- ابن الحاج النحوي، للدكتور حسن موسى الشاعر، دار القلم، دمشق 1406هـ. 45- ابن عباس مؤسسة علوم العربية، للدكتور عبد الكريم بكاّر، مكتبة السواديّ، جدة 1411هـ 46- أبنية الأفعال، دراسة لغوية قرآنية، للدكتورة نجاة الكوفي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1409هـ. 47- أبنية الفعل في شافية ابن الحاجب (دراسة لسانية ولغوية) للدكتور عصام نور الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 1402هـ. 48- اتّجاهات البحث اللغوي في العالم العربي، للدكتور رياض زكي قاسم، مؤسسة نوفل، بيروت 1982م. 49- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، لأحمد بن محمّد البنّا الدمياطيّ، بتحقيق الدكتور شعبان محمّد إسماعيل، عالم الكتب، بيروت، ومكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. 1407هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1054 50- الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، دار المعرفة، بيروت. 51- أثر التسمية في بنية الكلمة وموضع إعرابها، للدكتور سليمان بن إبراهيم العايد، القاهرة 1991م. 52- أثر التضعيف في تطوّر العربية، للدكتور مصطفى جواد، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، م 19 53- أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر الاحتجاج، للدكتور مسعود بوبو منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1982م. 54- احتمال الصورة اللفظية لغير وزن، للدكتور سليمان العايد، مجلة جامعة أم القرى، السنة الثانية، العدد الثالث، العام 1410هـ 55- إحصائية جذور ومعجم لسان العرب، للدكتور عليّ حلمي موسى، مطبوعات جامعة الكويت 1972م. 56- الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم القرطبي، القاهرة. 57- أحمد بن فارس وريادته في البحث اللغوي والتفسير القرآني والميدان الأدبي، للدكتور هادي حسن حمودي، عالم الكتب، بيروت 1407هـ. 58- الاختيارين، للأخفش الأصغر عليّ بن سليمان بن الفضل، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404هـ. 59- أدب الكاتب، لابن قتيبة، بتحقيق محمّد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1402هـ. 60- إدغام القرّاء، لأبي سعيد السيرافي، بتحقيق الدكتور محمّد عليّ عبد الكريم الردينيّ، دار أسامة، دمشق 1406هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1055 61- ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيّان الأندلسي، بتحقيق الدكتور مصطفى النماس، مطبعة النسر الذهبي، القاهرة. 62- إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (معجم الأدباء) لياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت 1400هـ. 63- الأزهية في علم الحروف، لعي بن محمّد الهرويّ، بتحقيق عبد المعين الملوحي، منشورات المجمع العلمي بدمشق 1391هـ. 64- أساس البلاغة، للزمخشري، بتحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت 1402هـ. 65- الاستدارك على سيبويه في كتاب الأبنية والزيادات، لأبي بكرٍ الزبيدي، بتحقيق الدكتور حنّا جميل حداد، دار العلوم، الرياض 1407هـ. 66- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعزّ الدّين بن الأثير، دار الفكر، بيروت 1390هـ. 67- أسرار البلاغية، لأبي البركات الأنباري، بتحقيق محمّد بهجة البيطار، مطبوعات المجمع العلمي، دمشق 1377هـ. 68- أسس علم اللغة، لماريو باي ترجمة وتعليق الدكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة 1408هـ - 1987م. 69- إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقي اليمني، بتحقيق الدكتور عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، 1406هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1056 70- الأشباه والنظائر في النحو، للسيوطي، بتحقيق عبد الإله نبهان، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1406هـ. 71- الاشتقاق، لابن دريد، بتحقيق عبد السلام الخانجي، القاهرة 1387هـ. 72- الاشتقاق، لابن السراج، بتحقيق محمّد صالح التكريتي، المعارف، بغداد 1973م. 73- الاشتقاق، لعبد الله أمين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة 1376هـ. 74- اشتقاق الأسماء، للأصمعي، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب والدكتور صلاح الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة 1400هـ. 75- اشتقاق أسماء الله الحسنى، للزجاجي، بتحقيق الدكتور عبد الحسين المبارك، مؤسسة الرسالة، بيروت 1406هـ الطبعة الثانية. 76- اشتقاق طيئ، لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهريّ (محمّد بن عمر ابن عبد الرحمن) مجلة مجمع اللغة الأردني، العدد 36، 1409هـ. 77- الاشتقاق والتعريب، لعبد القادر المغربي، مطبعة الهلال، القاهرة 1908م. 78- أشعار الشعراء الستة، للأعلم الشنتمري، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1403هـ. 79- إصلاح المنطق، لابن السكيت، بتحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة 1949م، الطبعة الثالثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1057 80- الأصمعيّات، بتحقيق أحمد محمّد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف المصرية 1979م. 81- أصوات اللغة العربية، للدكتور عبد الغفار حامد هلال، القاهرة 1408هـ. 82- الأصوات اللغوية، للدكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية 1979م. 83- الأصول، دراسة إيبستمولوجية لأصول الفكر اللغوي، للدكتور تمام حسّان، دار الثقافة، الدار البيضاء 1401هـ. 84- أصول الفعل الرباعي، لأديب عباسي، المقتطف، م 97، ج1، 1940م. 85- الأصول في النحو، لابن السراج، بتحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1405هـ. 86- أصول اللغة العربية بين الثنائية والثلاثية، للدكتور توفيق محمّد شاهين، مكتبة وهبة، القاهرة 1980م. 87- إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس، لابن الطيّب الفاسي، بتحقيق عبد السلام الفاسي، دار التهامي الراجي ومطبعة فضالة، المغرب. 88- الأضداد، لأبي بكر الأنباري، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت 1407هـ. 89- إعراب ثلاثين سورةٍ، لابن خالوية، دار الكتب المصرية 1941م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1058 90- إعراب القرآن، المنسوب للزجاج، بتحقيق إبراهيم الإبياري، دار الكتب المصرية، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1402هـ. 91- إعراب القرآن، للجحاس، بتحقيق الدكتور زهير غازي زاهد، عالم الكتب 1405هـ الطبعة الثانية. 92- الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت 1984م، الطبعة السادسة. 93- أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة، للدكتور محمّد رشاد الحمزاوي، دار الغرب الإسلامي 1988م. 94- الإفصاح في شرح أبياتٍ مشكلة الإعراب، للفارقي، بتحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت 1400هـ. 95- الأفعال، للسرقسطيّ المعافري، بتحقيق الدكتور حسين محمّد شرف، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر 1395هـ. 96- الأفعال، لابن القطاع، عالم الكتب، بيروت 1403هـ. 97- الاقتراح في أصول النحو وجدله، للسيوطي، بتحقيق الدكتور محمود فجال، مطبعة الثغر، جدة 1409هـ 98- الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب، لابن السيد البطليوسي، بتحقيق مصطفى السقا والدكتور حامد عبد المجيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1983م. 99- أقرب الموارد إلى فِصَح العربية والشوارد، لسعيد الشرتوني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1889م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1059 100- الإقناع في القراءات السبع، لابن الباذش، بتحقيق عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرّمة 1403هـ 101- الأقيسة الفعلية المهجورة، دراسة لغوية تأصيلية، للدكتور إسماعيل عمايرة، دار الملاّحي، إربد 1409هـ. 102- إكمال الأعلام بتثليث الكلام، لابن مالك، بتحقيق الدكتور سعد بن حمدان الغامدي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرّمة 1404هـ 103- الألفات، لابن خالويه، بتحقيق الدكتور عليّ حسين البوّاب، مكتبة المعارف، الرياض 1402هـ. 104- الألفاظ اللغوية، خصائصها وأنواعها، لعبد الحميد حسن، معهد البحوث والدراسات بجامعة الدول العربية، القاهرة 1971م. 105- ألف باء، للعلوي، القاهرة 1278هـ. 106- الألفية (الخلاصة) لابن مالك (ضمن مجموع مهمّات المتون) دار الفكر 1369هـ. 107- الأمالي، لأبي علي القالي، بتحقيق محمّد عبد الجواد الأصمعي، دار الكتب المصرية 1926م. 108- أمالي ابن الشجري، دار المعرفة، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1060 109- الأمثال، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، بتحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرّمة 1400هـ. 110- الأمثال، لمؤرّج السدوسي، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب، القاهرة 1391هـ. 111- الأمثال، لأبي عكرمة الضبي، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق. 112- إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطيّ، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار الفكر، القاهرة، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1406هـ. 113- الإنصاف في مسائل الخلاف، للأنباري، بتحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث، القاهرة. 114- أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع، المطبعة الميمنية، القاهرة 1330هـ. 115- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام الأنصاري، بتحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت 1394هـ، الطبعة السادسة. 116- إيضاح شواهد الإيضاح، للقيسي، بتحقيق الدكتور محمّد حمود الدعجاني، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1408هـ. 117- الإيضاح في شرح المفصّل، لابن الحاجب، بتحقيق الدكتور موسى بن بناي العليلي، وزارة الأوقاف العراقية، بغداد 1982م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1061 118- الإيضاح في علل النحو، للزجاجي، بتحقيق الدكتور مازن المبارك، دار النفائس، بيروت 1402هـ. 119- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، بيروت 1402هـ. 120- البارع في اللغة، لأبي عليّ القالي، بتحقيق هاشم الطعان، مكتبة النهضة، بغداد 1973م. 121- البحر المحيط، لأبي حيّان، دار الفكر، بيروت، 1403هـ، الطبعة الثانية. 122- البحث اللغوي عند العرب مع دراسةٍ لقضية التأثر والتأثير، للدكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة 1981م. 123- بحوث ومقالات في اللغة، للدكتور رمضان عبد التوّاب، الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعي، الرياض 1403هـ. 124- بدائع الفوائد، لابن القيم، دار الكتاب العربي، بيروت. 125- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، دار المعرفة، بيروت. 126- البرهان في علوم القرآن، للزركشي، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت 1391هـ. 127- البسيط في شرح جمل الزجاجي، لابن أبي الربيع، بتحقيق الدكتور عيّادٍ الثبيتي، دار الغرب، بيروت، 1407هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1062 128- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروزابادي، بتحقيق محمّد عليّ النجار، القاهرة 1964م. 129- البصائر والذخائر، لأبي حيّان التوحيدي، بتحقيق الدكتورة وداد القاضي، دار صادر، بيروت 1984م. - البصريات = المسائل البصريات. - البغداديات = المسائل المشكلة. 130- بغية الآمال في معرفة النطق بجميع مستقبلات الأفعال، لأبي جعفرٍ اللبلي، بتحقيق الدكتور سليمان العايد، وحدة البحوث والمناهج، جامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1411هـ. 131- بغية الملتمس، لأحمد بن يحيى الضبي، مدريد 1884م. 132- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة 1964م. 133- البلغة في أصول اللغة، القنوجي، بتحقيق نذير محمّد مكتبي، دار البشائر الإسلامية، بيروت 1408هـ. 134- بلوغ الأرب في الواو المزيدة في لغة العرب، للدكتور عبد الحميد السيد محمّد عبد الحميد، مكتبة الكليّات الأزهرية، القاهرة. 135- بناء الرباعي ومعانيه في اللغة العربية، للدكتور إبراهيم السامرائي، المورد م1، العدد 3، 4، بغداد، 1972م. 136- البيان في غريب إعراب القرآن، لأبي البركات الأنباري، بتحقيق طه عبد الحميد طه، الهيئة المصرية العامة، القاهرة 1400هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1063 137- البيان والتبيين، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون، بيروت، الطبعة الرابعة. 138- تاج العروس، للزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، 1306هـ. 139- تأريخ آداب العرب، للرافعيّ، دار الكتاب العربي 1394هـ. 140- تأريخ آداب اللغة العربية، لجورجي زيدان، مكتبة الحياة، بيروت 1983م. 141- تأريخ الأدب العربي، لبروكلمان، ترجمة عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، الطعبة الخامسة. 142- تأريخ الأدب العربي في العراق، لعباس الغزاوي، بغداد. 143- تأريخ بغداد، للخطيب البغدادي، القاهرة 1931م. 144- تأريخ الدولة العلية العثمانية، لفريد بك المحامي، دار الجيل، بيروت، 1397هـ. 145- تأريخ اللغات السامية، لولفنسون، دار القلم، بيروت 1980م. 146- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، بتحقيق السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية، بيروت 1401هـ 147- التبصرة والتذكرة، للصيمري، بتحقيق الدكتور فتحي أحمد مصطفى، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1402هـ. 148- التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء العكبري، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1976م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1064 149- التبيين عن مذاهب النحويّين البصريّين والكوفيّين، للعكبري، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1406هـ. 150- تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، لابن مكي الصقلي، بتحقيق عبد العزيز مطر، دار المعارف، القاهرة 1981م. 151- تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، لأبي حيّان الأندلسي، بتحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي، مطبعة العاني، بغداد 1397م. 152- تحقيق التراث، للدكتور عبد الهادي الفضلي، مكتبة العلم، جدة 1402هـ. 153- تحقيق النصوص ونشرها، عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة 1397هـ. 154- التخمير (شرح المفصّل في صنعة الإعراب) لصدر الأفاضل القاسم الخوارزمي، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990م. 155- تذكرة الحفاظ، للذهبي، حيد آباد 1334هـ. 156- التذكرة في القراءات الثماني، لابن غلبون، بتحقيق الدكتور عبد الفتّاح بحيريّ إبراهيم، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1410هـ. 157- تذكرة النحاة، لأبي حيّان، بتحقيق الدكتور عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1065 158- تربيع الفعل الثلاثي في العربية وأخواتها من اللغات السامية، للدكتور مراد كامل، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، م31. 159- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، لابن مالك، بتحقيق الدكتور محمّد كامل بركات، دار الكتاب العربي، القاهرة 1387?. 160- التشكيل الصوتي في اللغة العربية، للدكتور سلمان حسن العاني، ترجمة الدكتور ياسر الملاّح ومراجعة الدكتور محمّد محمود غالي، النادي الأدبي الثقافي، جدة 1403?. 161- تصحيح التصحيف وتحرير التحريف، للصفدي، بتحقيق السيد الشرقاوي، الخانجي، القاهرة 1407?. 162- تصحيح الفصيح، لابن درستوية، بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري، مطبعة الإرشاد، بغداد 1395?. 163- تصحيح القاموس المحيط، لأحمد تيمور، القاهرة، المطبعة السلفية، 1343?. 164- التصريح بمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري، دار الفكر، بيروت. 165- تصريف الأسماء، للشيخ محمّد الطنطاوي، مطابع الجامعة الإٍسلامية، المدينة المنوّرة 1408? الطبعة السادسة. 166- تصريف الأفعال ومقدّمة الصرف، للشيخ عبد الحميد عنتر، مطابع الجامعة الإسلامية، المدينة المنوّرة 1409?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1066 167- التصريف الملوكي، لابن جني، عني بتحقيقه محمّد سعيد مصطفى النعساني، وعلّق عليه أحمد الخاني، ومحيي الدين الجراح، حماة 1390هـ، الطبعة الثانية. 168- تطوّر البنية في الكلمة العربية، للدكتور إبراهيم أنيس، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، م 11، 1959م. 169- التطوّر النحوي في اللغة العربية، لبرجشتراسر، ترجمة الدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعي، الرياض 1402هـ. 170- التعريف في ضوء علم اللغة المعاصر، للدكتور عبد المنعم الكاروري، مطبعة جامعة الخرطوم 1986م. 171- التعريفات، للشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت 1403هـ. 172- التعويض وأثره في الدراسات النحوية واللغوية، للدكتور عبد الرحمن محمّد إسماعيل، المكتبة التوفيقية، القاهرة 1402هـ. 173- تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع، لابن جني، بتحقيق محمّد بهجة الأثري، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1400هـ. 174- تفسير أسماء الله الحسنى، للزجاج، بتحقيق أحمد يوسف الدقاق، مطبعة محمّد هاشم الكتبي، دمشق 1395هـ - 1975م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1067 175- تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفها، لطوبيا العنيسي، دار العرب للبستاني، القاهرة 1964م. 176- تفسير غريب القرآن، لابن عزيز السجستاني، القاهرة. 177- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، بتحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة 1958م. 178- تفسير ابن كثير، بتحقيق الدكاترة محمّد البنا ومحمّد عاشور وعبد العزيز غنيم، دار الشعب، القاهرة 1390÷ـ. 179- تفسير مجاهدٍ، بتحقيق عبد الرحمن الطاهر السورتي، حيدر آباد. 180- التقفية في اللغة، للبندنيجي، بتحقيق الدكتور خليل إبراهيم العطية، مطبعة العاني، بغداد 1976م. 181- تقويم اللسان، لابن الجوزي، للدكتور عبد العزيز مطر، دار المعارف، القاهرة. 182- تقويم المعجم العربي القديم، لرفيق بن حمّودة، بحث ضمن حوليات الجامعة التونسية، العدد 32 السنة 1991م. 183- التكملة، لأبي عليّ الفارسي، بتحقيق الدكتور حسن فرهود، جامعة الملك سعود، الرياض 1401÷ـ. 184- تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة، للجواليقي، بتحقيق عزّ الدين التنوخي، مطبعة المجمع العلمي بدمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1068 185- التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، للصغاني، بتحقيق عبد العليم الطحاوي وآخرين، مطبعة دار الكتاب، القاهرة 1970م. 186- التمييم والنوين، لرمسيس جرجس، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة م13. 187- التنبيه على شرح مشكلات الحماسة، لابن جنّي، بتحقيق يسري القواسمي، القاهرة. 188- التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح (حواشي ابن برّي) بتحقيق مصطفى حجازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1980م. 189- تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، دار الكتب العلمية، بيروت. 190- تهذيب إصلاح المنطق، للتبريزي، بتحقيق الدكتور فوزي مسعود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1986م. 191- تهذيب الألفاظ، لأبي زكريا التبريزي، نشره لويس شيخو، بيروت 1985م. 192- تهذيب التهذيب، لابن حجر، حيدر آباد 1325هـ. 193- تهذيب الصحاح، للزنجاني، بتحقيق عبد السلام هارون وأحمد عبد الغفور عطّار، دار المعارف، القاهرة 1371هـ. 194- تهذيب اللغة، للأزهري، بتحقيق عبد السلام هارون وآخرين، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، القاهرة 1384هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1069 195- تهذيب المقدّمة اللغوية لعبد الله العلايلي، بقلم الدكتور أسعد عليّ، دار النعمان، بيروت 1388هـ. 196- توضيح الصرف، للدكتور عبد العزيز فاخر، مطبعة السعادة، القاهرة 1409هـ. 197- توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، للمرادي، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عليّ سليمان، مكتبة الكليّات الأزهرية، القاهرة. 198- التيسير في القراءات العشر، لأبي عمرو الداني، دار الكتاب العربي، بيروت 1404هـ. 199- ثلاث رسائل في اللغة، لابن جني والمعري والخيمي، بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجّد، دار الكتاب الجديد، بيروت 1981م. 200- ثلاثيات الأفعال المقول فيها أفْعَلَ أو أفعِلَ بمعنىً واحدٍ، لابن مالك، بتحقيق الدكتور سليمان العايد، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة 1990م. 201- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، للثعالبي، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1384هـ. 202- ثنائية الألفاظ في المعاجم العربية وعلاقتها بالأصول الثلاثية (دراسة معجمية إحصائية) للدكتور أمين فاخر، مكتبة الكليّات الأزهرية، القاهرة 1398هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1070 203- الثنائية والألسنية السامية، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، م 8، 1955م. 204- الجاسوس على القاموس، لأحمد فارس الشدياق، الجوائب 1299هـ. 205- الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1372هـ. 206- الجدول في إعراب القرآن وصرفه، لمحمود صافي، دار الرشيد، دمشق 1409هـ. 207- جمال القرّاء وكمال الإقراء، لعلم الدين السخاوي، بتحقيق الدكتور عليّ حسين البوّاب، مكتبة التراث، مكّة المكرّمة، ومطبعة المدني، القاهرة 1408هـ. 208- الجمل في النحو، للزجاجي، بتحقيق الدكتور عليّ توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404هـ. 209- جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد القرشي، بتحقيق الدكتور محمّد عليّ الهاشمي، نشر جامعة الإمام محمّد بن سعود، الرياض 1401هـ. 210- جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، المؤسسة العربية الحديثة 1407هـ. 211- جمهرة أنساب العرب، لابن حزم القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت 1403هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1071 212- جمهرة اللغة، لابن دريد، بتحقيق الدكتور رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1987م. 213- جمهرة النسب، للكلبي، بتحقيق ناجي حسن، عالم الكتب، بيروت 1407هـ. 214- الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة ونديم فاضل، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1403هـ الطعبة الثانية. 215- الجوانب اللغوية عند أحمد فارس الشدياق، لمحمّد عليّ الزركان، دار الفكر، دمشق 1408هـ 216- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدين بن عليّ الإربلي، بتحقيق الدكتور إميل بديع يعقوب، دار النفائس 1412هـ. 217- الجوهري مبتكر منهج الصحاح، لأحمد عبد الغفور عطار، دار الأندلس، بيروت 1400هـ 218- الجيم، لأبي عمرو الشيباني، بتحقيق إبراهيم الإبياري، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة 1394هـ. 219- حاشية الرفاعي على شرح بحرق، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1401هـ. 220- حاشية الصبان على شرح الأشموني (بهامش شرح الأشموني) دار إحياء الكتب العربية وعيسى البابي الحلبي، القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1072 221- الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه، بتحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، دار الشرق، بيروت 1397هـ، الطبعة الثانية. 222- حجة القراءات، لأبي زرعة، بتحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404هـ. 223- الحجة للقراءات السبعة، لأبي عليّ الفارسي، بتحقيق بدر الدين قهوجي وبشير جويجاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1404هـ. 224- حركة الإحياء اللغوي في بلاد الشام، لنشأة ظبيّان، مطبعة سمير عيسى، دمشق 1976م. 225- حركة التصحيح اللغوي في العصر الحديث، للدكتور محمّد ضاري حمادي، دار الرشيد، بغداد 1980م. 226- حروف الممدود والمقصود، لابن السكيت، بتحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود، دار العلوم، الرياض 1405هـ. 227- الحسن والإحسان فيما خلا عنه اللسان، لعبد الله بن عمر البارودي الحسني، عالم الكتب، بيروت 1407هـ. - الحلبيّات = المسائل الحلبيّات. 228- الحيوان، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، بيروت، ومصطفى البابي الحلبي، القاهرة 229- الخاطريّات، لابن جني، بتحقيق عليّ ذو الفقّار شاكر، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1408هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1073 230- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، لعبد القادر البغدادي، بتحقيق عبد السلام هارون، الخانجي، القاهرة 1409هـ، الطبعة الثالثة. 231- الخصائص، لابن جني، بتحقيق محمّد عليّ النجار، دار الكتب المصرية، القاهرة 1371هـ. 232- خصائص العربية في الأمثال والأسماء (دراسة لغوية مقارنة) للدكتور إسماعيل عمايرة، دار الملاّحي للنشر والتوزيع، إربد، الأردن 1408هـ. - الخلاصة = ألفية ابن مالك. 233- الخلاف بين المبرّد وسيبويه، للدكتور دفع الله عبد الله سليمان، مجلة الدارة، العدد الأوّل، السنة السادسة عشرة، الرياض 1410هـ. 234- الخلاف بين النحويين، للدكتور سيد رزق الطويل، المكتبة الفيصلية، مكّة المكرّمة 1405هـ 235- الخماسيات اللغوية وآثارها في العربية، للدكتور عبد الحفيظ سالم، مكّة المكرّمة 1411هـ. 236- دراسات في أساليب القرآن الكريم، لمحمّد عبد الخالق عضيمة، مطبعة السعادة، القاهرة 1392هـ. 237- دراسات في العربية وتأريخها، لمحمّد الخضر حسين، المكتب الإسلامي، ومكتبة دار الفتح، دمشق 1380هـ. 238- دراسات في علم الصرف، للدكتور عبد الله درويش، مكتبة الشباب، القاهرة 1967م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1074 239- دراسات في الفعل، للدكتور عبد الهادي الفضلي، دار القلم، بيروت 1402هـ. 240- دراسات في فقه اللغة، للدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، 1983م. 241- دراسات في القاموس المحيط، للدكتور محمّد مصطفى رضوان، منشورات الجامعة الليبية 1393هـ. 242- دراسات في اللغة، للدكتور إبراهيم السامرائي، مطبعة العاني، بغداد 1961م. 243- دراسات في المعجم العربي، للدكتور أمين محمّد فاخر، مطبعة حسّان، القاهرة 1404هـ. 244- الدراسات اللغوية والنحوية في مصر، للدكتور أحمد نصيّف الجنابي، دار التراث، القاهرة 1397هـ. 245- دراسات لغوية، للدكتور محمّد عليّ الخولي، دار العلوم، الرياض 1402هـ. 246- دراسات لغوية، للدكتور حسين نصّار، دار الرائد العربي، بيروت 1406هـ. 247- دراسات مقارنة في المعجم العربي، للدكتور السيد يعقوب بكر، جامعة بيروت العربية 1970م. 248- دراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس، للدكتور عبد الصبور شاهين والدكتور عليّ حلمي موسى، القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1075 249- دراسة الصوت اللغوي، للدكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة 1976م. 250- دراسة في مختار الصحاح، للدكتور هاشم طه شلاش، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الرابع والثلاثون، الجزء الثالث، بغداد 1403?. 251- الدرر اللوامع على همع الهوامع، للشنقيطي، دار المعرفة، بيروت 1393?. 252- الدرر المبثثة في الغرر المثلثة، للفيروزآبادي، بتحقيق الدكتور عليّ حسين البوّاب، دار اللواء، الرياض 1401?. 253- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي، بتحقيق الدكتور أحمد الخراط، دار القلم، دمشق 1406?. 254- درة الغواص في أوهام الخواص، للحريري، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر، القاهرة 1975م. 255- دروس التصريف، لمحمّد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا 1411?. 256- دروس في علم أصوات العربية، كانتينو، ترجمة صالح القرمادي، تونس 1966م. 257- دقائق التصريف، للقاسم بن محمّد بن سعيد المؤدب، بتحقيق أحمد ناجي القيسي والدكتور حاتم صالح الضامن والدكتور حسين تورال، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد 1987م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1076 258- الدليل إلى مرادف العامي والدخيل، لرشيد العطية، مطبعة الفوائد، بيروت 1898م. 259- دليل الباحث اللغوي في الدوريات العربية، لمحمّد خيرة بدرة وثريّا كرد عليّ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1402?. 260- دمية القصر وعصرة أهل العصر، للباخرزي، بتحقيق الدكتور عبد الفتاح محمّد الحلو، دار الفكر العربي 1971م. 261- دور الصرف في منهجي النحو والمعجم، للدكتور محمّد خليفة الدفّاع، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي 1991م. 262- ديوان الأخطل، صنعة السكري، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، دار الأصمعي، حلب 1390?. 263- ديوان الأدب، للفارابي، بتحقيق الدكتور أحمد مختار عمر، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة 1394?. 264- ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، بتحقيق الدكتور محمّد محمّد حسين، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403?. الطبعة السابعة. 265- ديوان امرئ القيس، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت 1984م. - ديوان امرئ القيس ومعه أخبار المراقسة = شرح ديوان امرئ القيس. 266- ديوان أوس بن حجر، بتحقيق محمّد يوسف نجم، دار صادر، بيروت 1380?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1077 267- ديوان جرير، بشرح محمّد بن حبيب، بتحقيق الدكتور نعمان محمّد أمين طه، دار المعارف، القاهرة 1986م. 268- ديوان الحصين بن الحمام المري، جمع وتحقيق الدكتور مهدي عبيد جاسم، مجلة المورد، المجلد الحادي عشر، العدد الثاني 1981م. 269- ديوان الحطئية، برواية محمّد بن حبيب، المكتبة الثقافية، بيروت. 270- ديوان حميد بن ثور الهلالي، صنعة عبد العزيز الميمني، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1951م. 271- ديوان ديك الجن (عبد السلام بن رغبان) ، بشرح وتقديم عبد [ربّ] الأمير مهنّا، دار الفكر اللباني، بيروت 1990م. 272- ديوان ذي الرمة، بتحقيق الدكتور عبد القدوس أبي صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت 1402? - ديوان رؤبة بن العجاج = مجموع أشعار العرب. 273- ديوان الشمّاخ، بتحقيق صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهر 1968م. 274- ديوان الطرمّاح، بتحقيق الدكتور عزّة حسن دمشق 1968م. 275- ديوان العجاج، بتحقيق الدكتور عبد الحفيظ السطلي، دمشق. وبتحقيق عزّة حسن، بيروت 1971م. 276- ديوان عديّ بن الرقاع العاملي، جمع وتحقيق الدكتور عبد الله الحسيني البركاتي، المكتبة الفيصلية، مكّة المكرّمة 1406?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1078 286- ديوان أبي النجم، صنعة وشرحه علاء الدين أغا، النادي الأدبي بالرياض 1401?. - ديوان ابن هرمة = شعر ابن هرمة. 287- ذيل الفصيح، لعبد اللطيف البغداديّ، بتحقيق محمّد عبد المنعم خفاجي، (ضمن كتاب فصيح ثعلب والشروح التي عليه) المطبعة النموذجية، القاهرة 1368م. 288- رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية، لعبّاس حسن، مطبعة العالم العربي، القاهرة 1371? 289- ردّ العامي إلى الفصيح، لأحمد رضا، دار الرائد العربي، بيروت 1401?. 290- الردّ على الانتقاد على الشافعيّ، للبيهقي، بتحقيق الدكتور عبد الكريم بكّار، دار البخاري، بريدة 1406?. 291- رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتأريخ، حقّقها وقدّم لها الدكتور إبراهيم السامراء، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن 1408?. 292- الرسالة، للإمام الشافعيّ، بتحقيق وشرح أحمد محمّد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت. 293- رسالتان في المعرب، لابن كمال باشا والمنشئ، بتحقيق الدكتور سليمان العائد، مطبوعات معهد اللغة العربية بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1407?. 294- رسالة الغفران، للمعرّي، دار صادر، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1080 295- رسالة في الحروف العربية، منسوبة للنصر بن شميل، نشرها أُوغِسْت هِفْنَر ولويس شيخو، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1914م. 296- رسالة الملائكة، للمعرّيّ، بتحقيق محمّد سليم الجنديّ، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979م، مصوّرة عن طبعة الترقي، دمشق. 297- رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي، بتحقيق الدكتور أحمد الخراط، دار القلم، دمشق 1405?. 298- روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني، للآلوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 299- الروض الأنف، للسهيليّ، بتحقيق عبد الرحمن الوكيل، مكتبة ابن تيمية، القاهرة 1410? 300- الريح، لابن خالويه، بتحقيق الدكتور حسين محمّد شرف، مكتبة الحلبي، المدينة المنوّرة 1404?. 301- زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزيّ، المكتب الإٍسلامي، دمشق 1384?. 302- الزاهر في معاني كلمات الناس، لأبي بكرٍ الأنباريّ، بتحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت 1412?. 303- زبدة الأقوال في شرح قصيدة أبنية الأفعال، لبدر الدين ابن الناظم، بتحقيق الدكتور ناصر حسين عليّ، المطبعة التعاونية، دمشق 1412?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1081 304- الزبيدي في كتابه تاج العروس، للدكتور هاشم طه شلاش، دار الكتاب للطباعة، بغداد 1401?. 305- الزوائد في الصيغ في اللغة العربية في الأسماء (المزيد بحرف واحد) للدكتور زين كامل الخويسكي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1403?. 306- الزينة في الكلمات الإٍسلامية العربية، لأبي حاتم الرازيّ، عارضه بأصوله وعلّق عليه حسين بن فيض الله الهمداني، القاهرة 1957م. 307- الساميّون ولُغاتهم، للدكتور حسن ظاظا، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت 1410? 308- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، للسويديّ، دار الكتب العلمية، بيروت 1406?. 309- السبعة في القراءات، لابن مجاهد، بتحقيق الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة 1988م. 310- سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي، لابن القاصح العذريّ، مصطفى البابي الحلبيّ، القاهرة 1373?. 311- سرّ صناعة الإعراب، لابن جنّي، تحقيق الدكتور حسن هنداويّ، دار القلم، دمشق 1405? 312- سرّ الليال في القلب والإبدال، لأحمد فارس الشدياق، المطبعة العامرة، الأستانة 1284?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1082 313- سفر السعادة وسفير الإفادة، للسخاويّ، بتحقيق محمّد أحمد الدالي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1403?. 314- سقط الزند، لأبي العلاء المعريّ، دار صادر، بيروت 1400?. 315- سلك الدرر في أعيان القرن الثامن عشر، للمرديّ، دار البشائر الإسلامية، ودار ابن حزم، بيروت 1408?. 316- سمط اللالي في شرح أمالي القالي، لأبي عبيد البكريّ، بتحقيق عبد العزيز الميمنيّ الراجكوتي، دار الحديث للطباعة والنشر، القاهرة 1404?، الطبعة الثانية. 317- سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، للعصاميّ، الطبعة السلفية بالقاهرة 1380?. 318- سير أعلام النبلاء، للذهبي، بتحقيق جماعةٍ من العلماء، مؤسسة الرسالة، بيروت 1410?. 319- الشافية، لابن الحاجب (مطبوع بذيل كتاب أبنية الفعل في الشافية لابن الحاجب، للدكتور عصام نور الدين) . 320- شذا العرف في فن الصرف، للشيخ أحمد الحملاوي، منشورات المكتبة العلمية الجديدة، بيروت. 321- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، القاهرة 1358?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1083 322- شرح أبنية سيبويه، لأبي عمر الجرمي، جمع وتوثيق وترتيب الدكتور محسن سالم العميريّ، مجلّة كليّة اللغة العربية بجامعة أم القرى، السنة الثالثة، العدد الثالث 1405?. 323- شرح أبنية الكتاب، لابن الدهّان، بتحقيق الدكتور حسن الشاذلي فرهود، دار العلوم، الرياض 1408?. 324- شرح أبيات سيبويه، لابن السيرافي، بتحقيق الدكتور محمّد عليّ سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1979م. 325- شرح أبيات سيبويه، لأبي جعفر النحاس، بتحقيق الدكتور زهير غازي زاهد، عالم الكتب، بيروت 1406?. 326- شرح أبيات مغني اللبيب، للبغدادي، بتحقيق عبد العزيز رباح وأحمد دقاق، دار المأمون للتراث، دمشق 1393?. 327- شرح اختيارات المفضّل، للخطيب التبريزي، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، دار الفكر، بيروت 1407?. 328- شرح أدب الكتاب، للجواليقي، قدّم له مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، بيروت 329- شرح أشعار الهذليين، للسكريّ، بتحقيق عبد الستار فرّاج، ومراجعة محمود محمّد شاكر، دار العروبة، القاهرة، 1984م. - شرح الأشموني = منهج السالك إلى ألفية ابن مالك. 330- شرح ألفية ابن معط، للقواس، بتحقيق الدكتور عليّ الشوملي، مكتبة الخريجيّ، الرياض 1405?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1084 331- شرح الألفية لابن الناظم، بتحقيق الدكتور عبد الحميد السيد محمّد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت. 332- شرح الحماسة، للتبريزيّ، مصوّرة (بالأوفست) عن الطبعة المصرية في عام 1296?. 333- شرح الحماسة، للمرزوقي، مبطعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1371?، 1951م 334- شرح درة الغواص، للخفاجيّ، مطبعة الجوائب 1299?. 335- شرح ديوان امرئ القيس ومعه أخبار المراقسة وأخبارهم في الجاهلية والإسلام، جمع وتحيق حسن السندوبي، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1959م. 336- شرح ديوان لبيد بن أبي ربيعة العامري، بتحقيق إحسان عبّاس، مطبعة حكومة الكويت 1984م. 337- شرح السيرافي (السيرافي النحوي) بتحقيق الدكتور عبد المنعم فائز، دار الفكر، بيروت 1403?، 1983م. 338- شرح الشافية للجاربردي (ضمن مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط) عالم الكتب، بيروت. 339- شرح الشافية لابن الحاجب، للرضي، بتحقيق محمّد نور الحسن ومحمّد الزفزاف ومحمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت 1402?. 1982م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1085 340- شرح الشافية، لزكريا الأنصاري (ضمن مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط) عالم الكتب، بيروت 1404?. 341- شرح الشافية، لنقره كار (ضمن مجموعة الشافية من علمي الصرف والخط) عالم الكتب، بيروت 1404?. 342- شرح شواهد الإيضاح، لابن برّيّ، بتحقيق الدكتور عيد مصطفى درويش، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة 1405?. 343- شرح شواهد شرح الشافية، للبغدادي، مطبوع بذيل شرح الشافية بتحقيق محمّد نور الحسن ورفيقية، دار الكتب العلمية، بيروت 1402?. 344- شرح شواهد المغني، للسيوطيّ، بتحقيق أحمد ظافر كوجان، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. 345- شرح الفصيح، لابن هشام اللخمي، بتحقيق مهدي عبيد جاسم، وزارة الثقاقة والإعلام العراقية، بغداد 1409?. 346- شرح فصيح ثعلب، للجبان، بتحقيق عبد الجبار فزاز، المكتبة العلمية، لاهور 1406?. 347- شرح القصائد السبع الطوال، لابن الأنباري، بتحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة 1963م. 348- شرح القصائد العشر، للتبريزي، بتحقيق عبد السلام الحوفيّ، دار الكتب العلمية، بيروت 1405?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1086 349- شرح القصائد المشهورات الموسومة بالمعلّقات، لابن النحاس، دار الباز، مكّة المكرّمة 1405?. 350- شرح الكافية للرضي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405?. 351- شرح الكافية الشافية، لابن مالك، بتحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1402?. 352- شرح كتاب سيبويه، للرماني (قسم الصرف) بتحقيق الدكتور المتولي رمضان الدميري، مطبعة التضامن، القاهرة 1408?. 353- شرح كفاية المتحفظ، لابن الطيب الفاسي، بتحقيق الدكتور علي حسين البوّاب، دار العلوم، الرياض 1403?. 354- شرح لامية الأفعال، لبحرق، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1401?. 355- شرح ما يقع فيه التصحيف، لأبي أحمد العسكريّ، بتحقيق عبد العزيز أحمد، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1383?. 356- شرح مختصر التصريف العزيّ، للتفتازاني، بتحقيق الدكتور عبد العال سالم مكرم، ذات السلاسل للطباعة والنشر، الكويت 1983م. - - شرح المراديّ = توضيح المقاصد والمسالك. 357- شرح المعلّقات العشر، للشنقيطي، دار القلم، بيروت. 358- شرح المفصّل، لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1087 359- شرح المفصّليات، للقاسم بن محمّد الأبناري، بتحقيق كارلوس لايل، بيروت، 1920م. 360- شرح الملوكي في التصريف، لابن يعيش، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، المكتبة العربية، حلب 1393?. 361- شرح النظم الأوجز في ما يهمز وما لا يهمز، لابن مالك، بتحقيق الدكتور عليّ حسين البواب، دار العلوم، الرياض 1405?. 362- شرح سقط الزند، بتحقيق لجنة إحياء آثار أبي العلاء، دار الكتب المصرية، القاهر 1364? 363- شعر عمرو بن أحمر الباهلي، نشرة الدكتور حسين عطوان، دمشق. 364- شعر الكميت بن زيد، نشرة الدكتور داود سلّوم، النجف 1969م. 365- شعر النابغة الجعدي، بتحقيق عبد العزيز رباح، المكتب الإسلامي، دمشق 1384?. 366- شعر ابن هرمة، بتحقيق محمّد نفّاع وحسين عطوان، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1389?. 367- شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل، للخفاجي، بتحقيق الدكتور محمّد عبد المنعم خفاجيّ، المطبعة المنيرية، القاهرة 1371?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1088 368- شواذ النسب، للدكتور سليمان العايد، البحث العلمي بلكيّة اللغة العربية بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية (الكتاب السنوي العلمي المتخصّص) الجزء الأوّل، 1407? 1987م. 369- الشوارد أو ما تفرّد به بعض أئمة اللغة، للصغاني، بتحقيق الدكتور مصطفى حجازي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة 1403?. 370- الشواهد على قاعدة توهّم أصالة الحرف، لعبد القادر المغربيّ، مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء السابع، القاهرة 1953م. 371- الصاحبيّ في فقه اللغة، لابن فارس، بتحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1977م. 372- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت 373- الصلة في تأريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدّثهم وفقهائهم وأدبائهم، لابن بشكوال، الدار المصرية للتأليف، القاهرة 1966م. 374- الصيغ الثلاثية مجرّدة ومزيدة اشتقاقاً ودلالةً، للدكتور ناصر حسين عليّ، المطبعة التعاونية، دمشق 1406?. 375- الصيغ الرباعية والخماسية اشتقاقاً ودلالةً، للدكتور مزيد إسماعيل نعيم، مكتبة الأنوار، دمشق 1403?. 376- ضحى الإسلام، لأحمد أمين، القاهرة 1353?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1089 377- ضرائر الشعر، لابن عصفور، بتحقيق السيد إبراهيم محمّد، دار الأندلس، بيروت 1980م. 378- ضرائر الشعر، للسيرافي، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب، دار النهضة العربية، القاهرة 1405?. 379- الضرورة الشعرية النحو العربي، للدكتور محمّد حماسية عبد اللطيف، مكتبة دار العلوم، القاهرة. 380- طبقات ابن سعد (الطبقات الكبرى) دار صادر، بيروت 1388?. 381- طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، ومحمود محمّد الطناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1383?. 382- طبقات فحول الشعراء، لابن سلام، قرأه وشرحه أبو فهر محمود شاكر، مطبعة المدنيي، القاهرة 1394?. 383- طبقات النحويين واللغويين، لأبي بكرٍ الزبيدي، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة 1984م. 384- طراز المجالس، للخفاجي، المطبعة الوهبيّة، القاهرة 1284?. 385- ظاهرة الإبدال اللغوي، للدكتور عليّ حسين البوّاب، دار العلوم، الرياض 1404?. 386- ظاهرة التأنيث بين العربية واللغات السامية (دراسة لغوية تأصيلية) للدكتور إسماعيل عمايرة، مركز الكتاب العلمي، عمّان 1986م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1090 387- ظاهرة القلب المكاني في العربية، الدكتور محمّد بدوي المختون، مجلة كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، العدد الحادي عشر سنة 1401?. 388- العباب (حرف الهمزة) للصغاني، بتحقيق فير محمّد حسن، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد 1398?. و (حرف الفاء) للصغاني، بتحقيق محمّد حسن آل ياسين، دار الرشيد، بغداد 1981م. 389- عبث الوليد (شرح البحتري) لأبي العلاء المعرّي، بتحقيق محمّد عبد الله المدني، نشرة أسعد طرابزوني، دار الرفاعي، الرياض 1405?. 390- العدل اللغوي بين السماع والقياس، للدكتور غريب عبد المجيد نافع، مكتبة الأزهر، القاهرة 1402?. 391- العربية، ليوهان فك، بترجمة الدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة الخانجي، القاهرة 1400? 392- العربية الفصحى الحديثة (بحوث في تطوّر الألفاظ والأساليب) لستتكيفتش، برجمة وتعليق الدكتور محمّد حسن عبد العزيز، القاهر 1405?. 393- العربية والغموض (دارسة لغوية في دلالة المبنى على المعنى) للدكتور حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1988م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1091 394- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، لبهاء الدين السبكي (نشر ضمن شروح التلخيص) مطبعة عيسى البابي الحلبيّ، القاهرة 1937م. 395- العروض، للأخفش، بتحقيق الدكتور محمّد عبد الدايم، المكتبة الفيصلية، مكّة المكرّمة 1405?. 396- عروض الورقة، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ بتحقيق الدكتور صالح جمال بدويّ، مطبوعات نادي مكّة الثقافي 1406?. - العسكريات = المسائل العسكريات. - العضدياّت = المسائل العضديّات. 397- علم الدلالة والمعجم العربي، للدكتور عبد القادر أبي شريفة والدكتور حسين لافي والدكتور داود غطاشة، دار الفكر للنشر والتوزيع، بيروت 1409?. 398- علم اللغة لعليّ عبد الواحد وافي، مكتبة نهضة مصر، القاهرة 1382?. 399- علم اللغة العام (الأصوات) للدكتور كمال بشر، دار المعارف، القاهرة 1973م. 400- علم اللغة العربية (مدخل تأريخي مقارن في ضوء التراث واللغات السامية) للدكتور محمود فهمي حجازي، وكالة المطبوعات، الكويت 1973م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1092 401- علم المفردات في إرثنا اللغوي، للدكتور نشأة محمّد، دار العلوم، الرياض 1401?. 402- العمل المعجمي بين علوم العربية، للدكتور عبد الرزاق محيي الدين، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد م16 (1968م) . 403- عناية القاضي وكفاية الراضي، للخفاجي، المطبعة الأميرية، القاهرة 1283?. 404- عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء ببجاية، للغبرينيّ، بتحقيق عادل نويهض، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 405- عوامل التطوّر اللغوي، للدكتور أحمد حمّاد، دار الأندلس، بيروت 1403?. 406- العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، بتحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1408?. 407- غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، بتحقيق برجشتراسر، دار الكتب العلمية، بيروت 1402?. 408- غرائب التفسير وعجائب التأويل، للكرماني، بتحقيق الدكتور شمران العجليّ، دار القبلة، بيروت 1408?. 409- غرائب اللغة العربية، للأب رفائيل نخلة اليسوعيّ، دار المشرق، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1093 410- غريب الحديث، لابن الجوزي، بتحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405?. 411- غريب الحديث، للحربي، بتحقيق الدكتور سليمان العايد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1405?. 412- غريب الحديث، لابن قتيبة، بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري، وزارة الأوقاف العراقية، بغداد 1397?. 413- غريب الحديث، للخطابي، بتحقيق عبد الكريم العزباويّ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1402?. 414- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، بتصحيح محمّد عظيم الدين، حيدرآباد 1384? 415- الغريبين (غريبي القرآن والحديث) لأبي عبيد أحمد بن محمّد الهروي، حيدرآباد 1406?. 416- غوامض الصحاح، للصفديّ، بتحقيق عبد الإله نبهان، منشورات معهد المخطوطات العربية، الكويت 1406?. 417- الفائق في غريب الحديث، للزمخشريّ، بتحقيق محمّد البجاوي ومحمّد أبي الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت 1399?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1094 418- الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمداني، بتحقيق الدكتور محمّد حسن النمر والدكتور فؤاد عليّ مخيمر، دار الثقافة، الدوحة 1411?. 419- فصل المقام في شرح كتاب الأمثال، للبكريّ، بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس وعبد المجيد عابدين، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403?. 420- الفصول الخمسون، لابن معطي، بتحقيق الدكتور محمود الطناحيّ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1397?. 421- الفصول في العربية، لابن الدهان، بتحقيق الدكتور فائز فارس، دار الأمل ومؤسسة الرسالة، بيروت 1409?. 422- فصول في فقه اللغة، للدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة الخانجي، القاهرة 1408?. 423- الفصول المفيدة في الواو المزيدة، لصلاح الدين خليل بن كيكلديّ العلائي، بتحقيق الدكتور حسن موسى الشاعر، دار البشير، عمان 1410?. 424- الفصيح، لأبي العبّاس ثعلب، بتحقيق عاطف مدكور، دار المعارف، القاهرة 1984م. 425- فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ، لأبي إسحاق الزجاج، بتحقيق ماجد الذهبي، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق 1404?. 426- الفعل زمانه وأبنيته، للدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1095 427- فقه اللغة، للدكتور عليّ عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر، القاهرة. 428- فقه اللغة، للدكتور محمّد خضر، الكتاب العربي، بيروت 1401?. 429- فقه اللغة السامية، لبروكلمان، بترجمة الدكتور رمضان عبد التوّاب، مطبوعات جامعة الرياض 1397?. 430- فقه اللغة في الكتب العربية، للدكتور عبده الراجحيّ، دار النهضة العربية، بيروت 1979م. 431- فقه اللغة المقارن، للدكتور إبراهيم السامرائيّ، دار العلم للملايين، بيروت 1983م. 432- فقه اللغة وخصائص العربية، لمحمّد المبارك، دار الفكر، بيروت 1401?. 433- فقه اللغة وسرّ العربية، للثعالبيّ، بتحقيق سليمان سليم البوّاب، دار الحكمة، دمشق 1409? 434- الفلاح شرح المراح، لابن كمال باشا، الآستانة 1304?. 435- الفلسفة اللغوية، لجورجي زيدان، دار الجيل، بيروت 1982م. 436- فهارس كتاب سيبويه ودراسة له، صنعة محمّد عبد الخالق عضيمة، مطبعة السعادة، القاهرة 1395?. 437- فهارس لسان العرب، صنعة الدكتور خليل عمايرة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1407?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1096 438- الفهرست لابن النديم، بتحقيق رضا تجدد، دار المسيرة، بيروت 1988م. 439- الفوائد المحصورة في شرح المقصورة، لابن هشام اللخمي، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار مكتبة الحياة، بيروت 1400?. 440- في أصول الكلمات، للدكتور محمّد يعقوب تركستاني، بيروت1412?. 441- في تصريف الأسماء، للدكتور عبد الرحمن شاهين، مكتبة الشباب، القاهرة 1970م. 442- في شوائب المعاجم، لبطرس البستانيّ، مجلة المشرق، بيروت، المجلد التاسع والعشرون، سنة 1931م. 443- في علم الصرف، للدكتور أمين عليّ السيّد، دار المعارف، القاهرة 1985م. 444- في قواعد الساميّات (العبرية والسريانية والحبشية) للدكتور رمضان عبد التوّاب، القاهرة 1981م. 445- في اللهجات العربية، للدكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. 446- القاموس المحيط، للفيروزاباديّ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1407? 1987م. 447- القراءات وعلل النحويين فيها المسمّى (علل القراءات) ، لأبي منصور الأزهريّ، بتحقيق نوال بنت إبراهيم الحلوة 1412?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1097 448- قراءة في تصريف لفظ مهين، للدكتور أحمد الخراط (ملحق التراث بجريدة المدينة العدد 30 السنة الخامسة عشرة) . 449- القلب والإبدال، لابن السكيت، بتحقيق أوغست هفنر، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، بيروت 1903م. 450- القواعد والتطبيقات في الإبدال والإعلال، للشيخ عبد السميع شبانة، مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1409?. 451- القول الأصيل في العربية من الدخيل، للدكتور ف. عبد الرحيم، مكتبة لينة، دمنهور 1411?. 452- كاشف الخصاصة عن ألفاظ الخلاصة، لابن الجوزي، بتحقيق الدكتور مصطفى النماس، مطبعة السعادة، القاهرة 1493?. 453- الكافي في العروض والقوافي، للخطيب التبريزيّ، بتحقيق الحسّانيّ حسن عبد الله، مؤسسة عالم المعرفة، بيروت. 454- الكامل في اللغة والأدب، للمبرد، بتحقيق محمّد الداليّ، مؤسسة الرسالة، بيروت 1406?. 455- الكتاب، لسيبويه، مطبعة بولاق، القاهرة 1316?. - وبتحقيق عبد السلام محمّد هارون، عالم الكتب، بيروت 1403? (الإحالات غير المقيّدة على هذه الطبعة وحدها) . 456- كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب،، لأبي عليّ الفارسيّ، بتحقيق الدكتور محمود الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة 1408?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1098 457- كشّاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، مطبعة خيّاط، بيروت 1966م. 458- الكشّاف عن حقائق عوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشريّ، بتصحيح مصطفى حسين أحمد، دار الريّان للتراث، القاهرة، ودار الكتاب العربي، بيروت 1407?. 459- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، للحاج خليفة، دار الفكر، بيروت 1402?. 460- الكشف عن وجوه القراءات السبع، لمكي بن أبي طالب، بتحقيق محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404?. 461- كلام العرب، للدكتور حسن ظاظا، دار النهضة العربية، بيروت 1976م. 462- الكلام على عصيّ ومغزو، لأبي البركات الأنباريّ، بتحقيق الدكتور سليمان العايد، مجلة جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، العدد الثالث، رجب 1410?. 463- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لابن حسام الهندي، بتحقيق بكري حياتي وصفوة السقّا، مكتبة التراث الإسلامي، حلب 1391?. 464- اللامات، لأبي القاسم الزجاجيّ، بتحقيق مازن المبارك، دار الفكر، بيروت 1405?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1099 465- اللامات، لعليّ بن محمّد الهروي النحوي، بتحقيق الدكتور أحمد عبد المنعم الرصد، مطبعة حسّان، القاهرة 1404?. 466- لحن العامة، لأبي بكر الزبيديّ، بتحقيق الدكتور عبد العزيز مطر، دار المعارف، القاهرة 1981م. 467- لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، للدكتور عبد العزيز مطر، دار الكتاب العربي، القاهرة 1386?. 468- لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت. 469- لسان الميزان، لابن حجر العسقلانيّ (بالأفست) دار الفكر، بيروت. 470- اللغات الساميّة، لنولدكة، ترجمة الدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة دار النهضة العربية، القاهرة. 471- اللغة، لفندريس، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمّد القصّاص، لجنة البيان العربي، القاهرة 1951م. 472- اللغة العربية وخصائصها وسماتها، للدكتور عبد الغفّار حامد هلال، مطبعة الحضارات العربية، القاهرة 1396?. 473- اللغة العربية عبر القرون، للدكتور محمود فهمي حجازيّ، دار الثقافة، القاهرة 1978م. 474- اللغة العربية في عصور ما قبل الإسلام، للدكتور أحمد حسين شرف الدين، مطابع سجل العرب، القاهرة 1975م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1100 475- اللغة العربية كائنٌ حيٌّ، لجرجي زيدان، دار الجيل، بيروت 1988م. 476- اللغة العربية معناها ومبناها، للدكتور تمام حسان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1985م. 477- اللغة العربية وعلومها، لعمر رضا كحالة، مكتبة النسر، دمشق 1391?. 478- لغة قريشٍ، لمختار سيّدي الغوث، مطبوعات النادي الأدبي، الرياض 1412?. 479- اللهجات العربية في التراث، للدكتور أحمد علم الدين الجندي، الدار العربية للكتاب، تونس 1983م. 480- اللهجات في الكتاب لسيبويه أصواتاً وبنيةً، لصالحة راشد آل غنيم، مطبوعات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكّة المكرّمة 1405?. 481- ليس في كلام العرب، لابن خالويه، بتحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت 1399?. 482- ما جاء على فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ بمعنىً واحدٍ، بتحقيق ماجد الذهبي، دار الفكر، دمشق 1402? - ما جاء على وزن تَفْعَال = ثلاث رسائل في اللغة. 483- ما ذكره الكوفيون من الإدغام، للسيرافيّ، بتحقيق الدكتور صبيح التميمي، دار البيان العربي، جدة 1405?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1101 484- ما يجوز للشاعر في الضرورة، للقزاز القيروانيّ، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب والدكتور صلاح الدين الهادي، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1412?. 485- ما ينصرف وما لا ينصرف، للزجاج، بتحقيق الدكتورة هدى قراعة، المجلس الأعلى للشؤون الإٍسلامية، القاهرة 1391?. 486- المباحث اللغوية في العراق، لمصطفى جواد معهد الدراسات العربية، القاهرة 1955م. 487- مباحث ودراسات لغوية، للدكتور عبد العزيز محمّد فاخر، القاهرة 1402?. 488- المبدع في التصريف، لأبي حيّان، بتحقيق الدكتور عبد الحميد السيد طلب، مكتبة دار العروبة، الكويت 1402?. 489- المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكرٍ الأصبهاني، بتحقيق سبيع حمزة حاكي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق 1980م. 490- المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسية، لابن جنّي، بتحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، دار المنارة، بيروت 1407?. 491- متن اللغة، موسوعة لغوية حديثة، لأحمد رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت 1958-1960م. 492- المثلَّث، لابن السيد البطليوسيّ، بتحقيق صلاح مهدي علي الفرطوسيّ، دار الرشيد، بغداد 1981م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1102 493- مجاز القرآن، لأبي عبيدة معمر بن المثنى، بتحقيق الدكتور فؤاد سزكين، الخانجي، القاهرة 1374?. 494- مجالس ثعلب، بتحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة 1969م. 495- المجرّد في غريب كلام العرب ولغاتها، لكراعٍ، بتحقيق الدكتور محمّد أحمد العمري، دار المعارف، القاهرة 1413?. 496- المجرد للغة الحديث، لموفّق الدين عبد اللطيف، بتحقيق فاطمة حمزة الراضي، بغداد 1977م. 497- مجلة لغة العرب، المجلد الرابع، الرياض 1926م. 498- مجمل اللغة، لأحمد بن فارس، بتحقيق محسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404?. 499- مجموع أشعار العرب، وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وأبيات مفرداتٍ منسوبةٍ إليه، بتصحيح وترتيب وليم بن الورد البروسيّ، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1400?. 500- مجموعة المصطلحات، مجمع اللغة العربية، القاهرة، المجلد 21 (1979م) . 501- المجموع المغيث في غربب الحديث، للأصفهاني، بتحقيق عبد الكريم العزباويّ، منشورات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1406?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1103 502- المحتسَب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جني، بتحقيق عبد الحليم النجار وعليّ النجدي ناصف والدكتور عبد الفتاح شلبي، دار سزكين للطباعة 1406?. 503- المحرر الوجيز، لابن عطية، المجلس العلمي، فاس 1395?. 504- المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لعلي بن إسماعيل بن سيده، بتحقيق جماعةٍ من العلماء، القاهرة 1377?. 505- المحلّى (وجوه النصب) ، لابن شقيرٍ البغداديّ، بتحقيق الدكتور فائز فارس، مؤسسة الرسالة، ودار الأمل، بيروت 1408?. 506- المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها، لمحمّد الأنطاكي، دار الشرق العربي، بيروت 1391?. 507- محيط المحيط، للبستاني، مكتبة لبنان 1983م. 508- مخارج الحروف وصفاتها، لابن الطحان، بتحقيق الدكتور محمّد يعقوب تركستاني، بيروت 1404?. 509- مختار الصحاح، لمحمّد بن أبي بكر الرازي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 510- مختصر شرح أمثلة سيبويه، للجواليقيّ، بتحقيق الدكتور صابر أبي السعود، طبع مكتبة الطليعة، القاهرة. 511- مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه، عني بنشره برجشتراسر، مكتبة المثنى، القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1104 512- مختصر المذكّر والمؤنّث، للمفضّل بن سلمة، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب، الشركة المصرية للطباعة والنشر، القاهرة 1972م. 513- المخصّص، لابن سيده، بعناية محمّد محمود التركزي الشنقيطي ومعاونة عبد الغني محمود، مطبعة بولاق، القاهرة 1321?. 514- مدخل إلى تأريخ نشر التراث العربي، للدكتور محمود الطناحي، القاهرة 1984م. 515- المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، للدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعيّ، الرياض 1982م. 516- المذكّر والمؤنّث، لأبي بكرٍ الأنباري، بتحقيق الدكتور طارق الجنابي، مطبعة العاني، بغداد 1978م. 517- المذكّر والمؤنّث، لابن التستري، بتحقيق الدكتور أحمد هريدي، الخانجي، القاهرة، ودار الرفاعي، الرياض 1403?. 518- المذكّر والمؤنّث، لابن جنيّ، بتحقيق الدكتور طارق نجم، دار البيان العربي، جدة 1405?. 519- المذكّر والمؤنّث، للفراء، بتحقيق الدكتور رمضان عبد التوّاب، مكتبة دار التراث، القاهرة 1975م. 520- مذهب ثنائية الأصول اللغوية، لحامد عبد القادر، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة م 13 سنة 1955م. 521- مراتب النحويين، لأبي الطيب اللغوي، بتحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة، 1955م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1105 522- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي، بتحقيق محمّد جاد المولى وعليّ البجاوي ومحمّد أبي الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت. 523- المسائل البصريّات، لأبي علي الفارسي، بتحقيق الدكتور محمّد الشاطر، مطبعة المدني، القاهرة 1405?. 524- المسائل الحلبيّات، لأبي علي الفارسي، بتحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق 1407?. 525- المسائل العسكريّات، لأبي علي الفارسي، بتحقيق الدكتور محمّد الشاطر، مطبعة المدني، القاهرة 1403?. 526- المسائل العضديّات، لأبي علي الفارسي، بتحقيق الدكتور علي جابر المنصوري، عالم الكتب، بيروت، 1406?. 527- المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديّات، لأبي علي الفارسي، بتحقيق صلاح الدين عبد الله السنكاوي، مطبعة العاني، بغداد 1983م. 528- المساعد، للأب أنستاس ماري الكرملي، بعناية كوركيس عوّاد وعبد الحميد العلوجي، مطبعة الحكومة، بغداد 1392?. 529- المساعد على تسهيل الفوائد، لابن عقيل، بتحقيق الدكتور محمّد كامل بركات، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1405?. 530- المستقصى في أمثال العربية، للزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت 1397?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1106 531- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للفيومي، بتحقيق عبد العظيم الشناويّ، المكتبة العلمية، بيروت. 532- المصنّف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، بتحقيق حبيب الأعظميّ، المكتب الإسلامي، بيروت 1403?. 533- المعاجم العربية، لعبد الله درويش، الفيصلية، مكّة المكرّمة 1406?. 534- المعاجم العربية دراسة تحليلية، للدكتور عبد السميع محمّد أحمد، دار الفكر العربي، بيروت 1984م. 535- المعاجم العربية المجنَّسة، للدكتور محمّد عبد الحفيظ العريان، دار المسلم، بورسعيد 1404?. 536- المعاجم العربية مدارسها ومناهجها، للدكتور عبد الحميد محمّد أبو سكّين، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة 1403?. 537- المعاجم العربية وضرورة تهذيبها، فؤاد طرزي، مجلة مجمع العربية، دمشق م 47، ج2 (1972م) . 538- المعاجم اللغوية، للدكتور إبراهيم نجا، مطبوعات الجامعة الإسلامية، المدينة المنوّرة 1411?. 539- المعاجم العربية اللغوية بدايتها وتطوّرها، للدكتور إميل يعقوب، دار العلم للملايين، بيروت 1985م. 540- معالم دراسة في الصرف العربي (الأقيسة الفعليّة المهجورة) ، للدكتور إسماعيل عمايرة، مكتبة الملاحي، إربد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1107 541- معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري، بتحقيق الدكتور عيد مصطفى درويش والدكتور عوض القوزي، دار المعارف، القاهرة 1412?. 542- معاني القرآن، للأخفش، بتحقيق فائز فارس، الكويت 1401?. 543- معاني القرآن، للفراء، بتحقيق محمّد علي النجار وأحمد يوسف والدكتور عبد الفتاح شلبي (بالأوفست) عالم الكتب، بيروت 1403?. 544- معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، بتحقيق الدكتور عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، الكويت 1408?. 545- المعجميّات العربية (ببليوجرافية شاملة مشروحة) إعداد وجدي رزق غالي، الهيئة المصرية العامّة للتأليف والنشر، القاهرة 1391?. - - معجم الأدباء = إرشاد الأريب. 546- معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم، للدكتور إسماعيل عمايرة والدكتور عبد الحميد السيد، مؤسسة الرسالة، بيروت 1407?. 547- معجم الأمثال العربية، لرياض عبد الحميد مراد، مطبوعات جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، الرياض 1407?. 548- معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار صادر، بيروت 1404?. 549- المعجم الذهبي (فارسي – عربي) ، للدكتور محمّد التونجي، دار العلم للملايين، بيروت 1980م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1108 550- معجم الشعراء، للمرزباني، بتحقيق عبد الستّار فراج، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1379?. 551- معجم شواهد العربية، لعبد السلام هارون، الخانجي، 1392?. 552- معجميّات (عربية سامية) ، للأب مرمرجي الدومنكي، مطبعة المرسلين اللبنانيين، جونية 1950م. 553- المعجم العربي، للدكتور حسين نصّار، دار مصر للطباعة، القاهرة 1956م. 554- المعجم العربي، بحوث في المادة والمنهج والتطبيق، للدكتور رياض زكي قاسم، دار المعرفة، بيروت 1407?. 555- المعجم في بقية الأشياء، لأبي هلال العسكريّ، بتحقيق إبراهيم الأبياريّ وعبد الحفيظ شلبي، نشره دار الكتب المصريّة، القاهرة 1353?. 556- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، لأبي عبيد البكريّ، بتحقيق مصطفى السقّا، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1364?. 557- معجم المؤلّفين، لرضا كحالة، مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربي، بيروت. 558- معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة، ليوسف إليان سركيس، مكتبة الثقافة الدينية، بيروت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1109 559- معجم المعاجم، لأحمد الشرقاوي إقبال، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1407?. 560- معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم، للدكتور أحمد الخراط، دار القلم، دمشق 1409?. 561- المعجم المفصّل في شواهد النحو والشعر، إعداد الدكتور إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت 1413?. 562- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، مطبعة بريل، ليدن 1967م. 563- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمّد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، إستانبول 1984م. 564- المعجم الوسيط، للدكتور إبراهيم أنيس ورفاقه، دار الفكر، بيروت. 565- المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، بتحقيق الدكتور ف. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق 1410?. 566- المغرب في ترتيب المعرب، للمطرّزيّ، بتحقيق محمود فاخوري وعبد الحميد مختار، مكتبة أسامة بن زيد، حلب 1399?. 567- المغني في تصريف الأفعال، لمحمّد عبد الخالق عضيمة، مطبوعات الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة 1408?. 568- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، بتحقيق مازنٍ المبارك ومحمّد عليّ حمد الله، دار الفكر، بيروت 1979م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1110 569- مفاتيح الغيب، للفخر الرازي، بيروت سنة 1989م. 570- المفتاح في الصرف، لعبد القاهر الجرجاني، مؤسسة الرسالة، بيروت 1407?. 571- مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، بتحقيق صفوان عدنان داووديّ، دار القلم، دمشق 1412?. 572- المفصّل في علم العربية، للزمخشريّ، دار الجيل، بيروت. 573- المفضّليّات، للمفضّل الضبّيّ، بتحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، بيروت 1964م. 574- المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفيّة (الشواهد الكبرى) للعينيّ، مطبوع بهامش خزانة الأدب، بولاق، القاهرة. 575- مقاييس اللغة، لابن فارسٍ، بتحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران، قم. 576- المقتضب، للمبرّد، بتحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت. 577- المقتضب في اسم المفعول من الثلاثيّ المعتلّ العين، لابن جنّي، بتحقيق مازن المبارك، دار ابن كثيرٍ، دمشق 1408?. 578- مقدمة الصحاح، لأحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت 1404?. 579- المقرّب، لابن عصفور، بتحقيق أحمد عبد الستّار الجواري وعبد الله الجبوريّ، مطبعة العاني، بغداد 1391?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1111 580- ملْء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجة الوجيهة إلى الحرمين مكّة وطيبة، لابن رشد السبتيّ، بتحقيق الدكتور الشيخ محمّد الحبيب بن الخوجة، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1982م. 581- ملامح في تأريخ اللغة العربية، للدكتور أحمد نصيّف الجنابي، دار الرشد، بغداد 1981م. 582- الملخّص في ضبط قوانين العربية، لابن أبي الربيع، بتحقيق الدكتور عليّ بن سلطان الحكمي، كراتشي 1408?. 583- ملك ملاك ملائكة، للدكتور إبراهيم أنيس، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة م31 صفر 1393?. 584- الممتع في التصريف، لابن عصفور، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1397?. - - الممدود والمقصور = حروف الممدود والمقصور. 585- مميّزات لغات العرب، لحفني ناصف، القاهرة 1957م. 586- مناهج البحث في اللغة، للدكتور تمام حسان، دار الثقافة، الدار البيضاء 1400?. 587- مناهج التأليف عند العلماء العرب، للدكتور مصطفى الشكعة، دار العلم للملايين، بيروت 1982م. 588- مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، للدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة 1406?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1112 589- مناهج الصرفيّين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع من الهجرة، للدكتور حسن هنداويّ، دار القلم، دمشق 1409?. 590- مناهل الرجال ومراضع الأطفال بلبان معاني لامية الأفعال، لمحمّد أمين الهرويّ، مطابع الصفا، مكّة المكرّمة 1404?. 591- المنتخب من غريب كلام العرب، لكراع النمل، بتحقيق الدكتور محمّد أحمد العمريّ، منشورات معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، مكّة المكرّمة 1409?. 592- منجد الطالبين في الإبدال والإعلال والإدغام والتقاء الساكنين، لأحمد إبراهيم عمارة، مطبوعات الجامعة الإسلامية 1408?. 593- المنصف، لابن جنّي، بتحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1373?. 594- المنقوص والممدود، للفراء، بتحقيق عبد العزيز الميمنيّ الراجكوتيّ، دار المعارف، القاهرة 1977م. 595- منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجنّي، بتحقيق محمّد الحبيب بن الخوجة، تونس 1966م. 596- منهج السالك إلى ألفية ابن مالك، للأشمونيّ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة. 597- المنهج الصوتيّ للبنية العربية (رؤية جديدة في الصرف العربيّ) للدكتور عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، بيروت 1400?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1113 598- من أسرار اللغة، للدكتور إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو، القاهرة 1978م. 599- من تراثنا اللغوي القديم ما يسمّى في العربية بالدخيل، لطه باقر، مطبوعات المجمع العلميّ العراقيّ، بغداد 1400?. 600- المهذَّب فيما وقع في القرآن من المعرَّب، للسيوطي، (ضمن رسائل في الفقه واللغة) بتحقيق عبد الله الجبوريّ، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1982م. 601- الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنّفات وتعريفات العلوم، للدكتور محمود محمّد الطناحيّ، مكتبة الخانجي، القاهرة 1406?. 602- المولَّد في العربية، للدكتور حلمي خليل، دار النهضة العربية، بيروت 1405?. 603- مولد اللغة، لأحمد رضا، قدّم له الدكتور نزار رضا، دار الرائد العربيّ، بيروت 1983م. 604- النبات والشجر، للأصمعيّ، نشره أوغست هفنر، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيّين، بيروت 1914م. 605- نتائج الفكر في النحو، للسيوطي، بتحقيق الدكتور محمّد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، بيروت 1404?. 606- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، القاهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1114 607- النحت، لوجيه السمّان مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزآن الأوّل والثاني، المجلد السابع والخمسون 1402?. 608- النحت في العربية واستخداماته في المصطلحات العلمية، للدكتور محمّد ضاري حمّادي، مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الثاني، المجلد الحادي والثلاثون. 609- النحت في اللغة العربية، لنهاد الموسى، دار العلوم، الرياض 1405?. 610- النحت وبيان حقيقته، لمحمود شكري الآلوسي، بتحقيق محمّد بهجة الأثريّ، مجمع اللغة العربية، بغداد 1409?. 611- نحو عربيةٍ ميسّرةٍ، أنيس فريحة، دار الثقافة، بيروت 1955م. 612- نزهة الألبّاء في طبقات الأدباء، بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، عمّان 1405?. 613- نزهة الطرف في علم الصرف، للميّدانيّ، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1401?. 614- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، لابن حجرٍ، بتحقيق عليّ بن حسن بن عبد الحميد، دار ابن الجوزي، المدينة المنوّرة 1413?. 615- نشأة الفعل الرباعيّ في اللغات الساميّة، لمراد كامل، رسائل المجمع العلمي المصري، مطبعة المعهد العلميّ الفرنسيّ للآثار الشرقية 1963م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1115 616- النشر في القراءات العشر، لابن الجزري، أشرف على طبعه عليّ محمّد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت. 617- نشوء الفعل الرباعيّ في اللغة العربية، للدكتور أحمد هريدي، مكتبة الزهراء، القاهرة 1408?. 618- نشوء اللغة العربية ونموّها واكتهالها، للأب أنستاس ماري الكرمليّ، مكتبة الثقافة الدينية، بيروت. 619- نظم الفرائد وحصر الشرائد، للمهلّبيّ، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ومكتبة التراث، مكّة المكرّمة 1406?. 620- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للمقَّريّ، بتحقيق يوسف البقاعيّ، دار الفكر، بيروت 1406?. 621- النكت في تفسير كتاب سيبويه، للأعلم الشنتمريّ، بتحقيق الدكتور زهير عبد المحسن سلطان، منشورات معهد المخطوطات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت 1407?. 622- نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، لفخر الدين الرازيّ، بتحقيق الدكتور بكري شيخ أمين، دار العلم للملايّين، بيروت 1985م. 623- النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، بتحقيق طاهر الزاويّ والدكتور محمود محمّد الطناحيّ، المكتبة العلمية، بيروت 624- النهر الماد من البحر، لأبي حيّان (مطبوع بهامش البحر المحيط) دار الفكر، بيروت 1403?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1116 625- النوادر في اللغة، لأبي زيدٍ الأنصاريّ، دار الكتاب العربيّ، بيروت 1387?. 626- النون وأحوالها في لغة العرب، للدكتور صبحي عبد الحميد، مطبعة الأمانة، القاهرة 1406?. 627- هدية العارفين، لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، بيروت 1402?. 628- هل العربية منطقيّة (أبحاثٌ ثنائيّةٌ ألسنيّةٌ) لمرمرجي طبعة المرسلين اللبنانيّين، جورنية (لبنان) 1947م. 629- همع الهوامع شرح جمع الجوامع، للسيوطيّ، بتصحيح محمّد بدر الدين النعسانيّ، الخانجي، القاهرة 1327?. 630- الواضح، لأبي بكرٍ الزبيديّ، بتحقيق الدكتور عبد الكريم خليفة، منشورات الجامعة الأردنية، عمّان 1382?. 631- الواضح في التصغير والنسب والوقف والإمالة وهمزة الوصل، لأحمد عمارة، مطبوعات الجامعة الإسلامية، المدينة المنوّرة 1408?. 632- الوافي بالوفيات، لخليل بن أيبك الصفديّ، باعتناء جماعةٍ من العلماء، دار صادرٍ، بيروت 1969م. 633- الوجيز في علم التصريف، لأبي البركات الأنباريّ، بتحقيق الدكتور عليّ حسين البوّاب، دار العلوم، الرياض 1402?. 634- الوجيز في فقه اللغة، لمحمّد الأنطاكيّ، مكتبة الشرق، دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1117 635- الوحشيّات، لأبي تمام، بتحقيق عبد العزيز الميمنيّ الراجكوتيّ ومحمود شاكر، مطبعة المعارف، القاهرة 1963م. 636- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت 1398?. 637- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، لأبي منصور الثعالبين بتحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة 1375?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1118